
الرقابة الشرعية على المصارف والشركات المالية الإسلامية
على المصارف والشركات المالية الإسلامية
الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الغفار الشريف
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية سابقا
المقدمة:
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، حمداً لا نهاية لحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعـد …
1 – فإن المصارف الإسلامية – رغم قصر عمرها الزمني(1) – قد حققت نجاحاً لا يستهان به، فقد استطاعت خلال السنوات الماضية تحقيق معدلات أرباح جيدة(2)، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على رغبة الناس بالرزق الحلال، حيث إن المصرف الإسلامي مؤسسة تلتزم في جميع معاملاتها، ونشاطها الاستثماري، وإداراتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية ومقاصدها، وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي – داخلياً وخارجياً(3).
ولضمان التزام المصارف الإسلامية بأحكام الشريعة يجب أن تكون هناك جهة رقابية شرعية، تتابع أعمال هذه المصارف، للتأكد من مشروعيتها، ولتقويم الخاطئ منها، وتقديم البديل الشرعي عنها.
يقول الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله - :
لا يخفى أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، لتعرف منها ما يحل لها وما يحرم عليها من المعاملات، وفق أحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها، وحتى يطمئن المسلمون المتعاملون معها أنها تطبق المبدأ الذي قامت على أساسه على وجه مرض شرعاً.
ذلك أن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية : أنها تقدم البديل الشرعي للبنوك الربوية التقليدية، التي أقامت الاستعمار في البلاد الإسلامية أيام حكمه لها وتسلطه عليها، بوصفها جزءً من النظام الرأسمالي الوضعي الغربي الذي حل محل الشريعة الإسلامية في أوطان المسلمين.
وتكون وظيفة هذه الهيئة الشرعية الفتوى والفصل في أعمال المصرف الإسلامي، ولا سيما في صياغة العقود الجديدة صياغة شرعية محكمة وتنقية العقود القائمة من الشوائب المخالفة للأحكام الشرعية، ووضع الضوابط اللازمة لسير العمل المصرفي وفق توجيهات الشريعة وأحكامها. وهنا نجد أن ثقافة (الإلمام الشرعي) لا تكفي لحل المشكلات التي تطرأ باستمرار على المصرف، والإجابة عن التساؤلات التي تطرحها الوقائع المتجددة. وبخاصة أن هناك معاملات جديدة شائكة ومعقدة اختلف فيها المتخصصون من أهل الفقه، فكيف بغيرهم ؟ لهذا كان لابد من الرجوع إلى أهل الذكر والخبرة. كما قال تعالى : ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((1)، وقال سبحانه : ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ((2).
وهذا بحث " الرقابة الشرعية على المصارف والشركات المالية الإسلامية " كنت قد شاركت به كتعقيب على بحثي الأستاذين الجليلين؛ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور أحمد علي عبد الله، بعنوان " تفعيل آليات الرقابة على العمل المصرفي "، وقد نال – بحمد الله وفضله – إعجاب المشاركين – خصوصاً المصرفيين منهم – بندوة البركة التاسعة عشر للاقتصاد الإسلامي، التي عقدت بمكة المكرمة في الفترة من 7 – 8 من رمضان لسنة 1421هـ. ثم رأيت أن أطور البحث وأهذبه وأحكمه لعلي أستفيد من ملاحظات المحكمين الكرام والقراء الفضلاء، ثم أقدمه كمشروع قانون إلى الجهات المختصة.
وقد قسمت البحث إلى تمهيد، ومقدمة تاريخية عن الرقابة الشرعية، ثم بينت مهمة هيئات الرقابة الشرعية، وضرورة تمهين(3) هذه الرقابة، ثم عرضت مشروع قانون الرقابة الشرعية، وأخيراً ختمت بالنتائج والتوصيات، وبيان المراجع التي اعتمدت عليها.
وقد استفدت في إعداد مشروع القانون من قانون مهنة تدقيق الحسابات الأردني، الصادر في 1985م، ومرسوم بقانون مزاولة مهنة مدقق الحسابات الكويتي، الصادر في سنة 1981م، وضوابط هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، الصادرة في سنة 1999م.
2 – مقدمة تاريخية عن الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية :
بدأت الرقابة الشرعية بشكل مستشار شرعي في بنك دبي الإسلامي، وبيت التمويل الكويتي، وكان المستشار يختار من العلماء المعروفين، دون التدقيق في تخصصه في فقه المعاملات وما يليه من علوم مساعدة أصولية وفرعية، وما زالت بعض المصارف الإسلامية كذلك.
ومن خلال التجربة نشأت الحاجة إلى تفضيل المتخصصين في فقه المعاملات مع الإلمام بالعمل المصرفي، باعتبار أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وأن الفتوى كما تحتاج لمعرفة الحكم الشرعي تحتاج لفقه الواقعة. ومن هنا نشأت الحاجة إلى تعيين أفراد ذوي تخصصات قانونية أو اقتصادية ممن لهم إلمام بالشريعة الإسلامية في هيئات الرقابة، حتى يتكامل العلم الشرعي مع فقه الواقع.
وهذا التزاوج أوضح ما يكون في التجربة السودانية على مستوى هيئات الرقابة الشرعية الفرعية، وعلى مستوى الهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية، ثم جاءت هيئة معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية الإسلامية فنصت في معيار الضبط للمؤسسات المالية الإسلامية رقم (1) تحت عنوان تعيين هيئة الرقابة الشرعية وتكوينها وتقريرها على ما يلي :
أ – هيئة الرقابة الشرعية جهاز مستقل من الفقهاء المتخصصين في فقه المعاملات. ويجوز أن يكون أحد الأعضاء من غير الفقهاء على أن يكون من المتخصصين في مجال المؤسسات المالية الإسلامية، وله إلمام بفقه المعاملات.
ب – يجب أن تكون هيئة الرقابة الشرعية من أعضاء لا يقل عددهم عن ثلاثة، ولهيئة الرقابة الشرعية الاستعانة بمختصين في إدارة الأعمال و / أو الاقتصاد و / أو القانون و / أو المحاسبة وغيرهم(1).