مشاركة: علاقة البنك المركزي بالبنوك الإسلامية
ثانيا: الدور التمويلي للبنك المركزي
يلعب البنك المركزي دورًا مهمًّا في تقديم القروض للبنوك الخاضعة لرقابته عندما يتطلب الأمر ذلك، وذلك باعتباره بنك البنوك والملجأ الأخير لها [51].
ويقوم البنك المركزي بهذا الدور كمقرض أخير للبنوك العاملة في الدولة عندما تعوزها السيولة، نتيجة لعجز الأرصدة النقدية بهذه البنوك عن مقابلة طلبات الدفع في بعض الظروف الاقتصادية الطارئة أو الاستثنائية، وهو ما يحدث عادة في حالات انعدام الثقة، حيث لا تجد البنوك ملجأ أمامها للوفاء باحتياجاتها سوى البنك المركزي، الذي يقي تلك البنوك من الانهيار.
وكذلك يقوم البنك المركزي بهذا الدور عندما تنتهج الدولة سياسة توسعية، وترغب في زيادة القروض التي تقدمها البنوك لعملائها، وتتقاضى البنوك المركزية فوائد محددة سلفا عن هذه القروض من البنوك المقترضة.
وتأخذ تلك القروض عدة أشكال فقد تكون في صورة خصم لأوراق تجارية كالكمبيالات، وقد تكون في صورة قروض مباشرة، وقد تكون في صورة استعداد البنك المركزي لشراء ما تملكه تلك البنوك من أوراق مالية حكومية لتوفير ما تحتاج إليه من سيولة في أقل وقت ممكن دون تعرضها لخسائر رأسمالية تسببها حاجتها الاضطرارية لبيع تلك الأوراق.
ويهدف البنك المركزي من تطبيق هذه السياسة إلى تسهيل تسوية المدفوعات بين مختلف المؤسسات النقدية، وضمان حد أدنى من سيولة الجهاز المصرفي، فضلا عن المحافظة على استقرار النظام المصرفي بصفة عامة من خلال توفير عوامل الأمان والضمان للبنوك في مثل هذه الظروف.
ونظرًا لطبيعة المصارف الإسلامية وعدم تعاملها بالفائدة، فإنه يتعذر عليها اللجوء للبنك المركزي حينما تعوزها السيولة؛ وبالتالي لن تستفيد من وظيفة البنك المركزي كملجأ أخير للسيولة.
وهذا بطبيعته يؤثر بطريقة غير مباشرة على نشاط هذه المصارف، حيث يفرض هذا الوضع عليها الاحتفاظ بنسبة سيولة مرتفعة لمواجهة متطلبات المسحوبات المتوقعة والمفاجئة، إما في صورة موارد نقدية غير مستثمرة، أو في صورة استثمارات قصيرة الأجل مرتفعة السيولة، وهو ما يعد بطبيعة الحال معوقا للنشاط الاستثماري بهذه المصارف.
وفي هذا الإطار يمكن للبنك المركزي مراعاة طبيعة البنوك الإسلامية من خلال إقراض البنك الإسلامي عند حاجته للسيولة قرضا حسنا بدون فائدة، مقابل أن يقرض ذلك البنك الإسلامي ذات القرض بنفس القيمة وبنفس المدة لاحقًا للبنك المركزي بدون فائدة أيضا.
خاتمة
وهكذا تم التعرف على العلاقة بين البنك المركزي المصري والبنوك الإسلامية في مصر، ومدى صلاحية الأدوات الرقابية والتمويلية للبنك المركزي المصري للتطبيق على تلك البنوك.
وقد تبين أن العلاقة بين البنك المركزي المصري والبنوك الإسلامية في مصر يحكمها القانون رقم88 لسنة 2003م الخاص بالبنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، ولم تميز نصوص ذلك القانون بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، رغم ما تتسم به البنوك الإسلامية من طبيعة خاصة في نظام عملها، بل إنه في الوقت الذي أفرد القانون بابا لبنوك القطاع العام لم ينتهج نفس النهج بالنسبة للبنوك الإسلامية.
كما تبين أن الأساليب والأدوات الرقابية والتمويلية التي يطبقها البنك المركزي المصري على البنوك الإسلامية لا تتفق بوضعها الحالي في مجملها مع طبيعة عمل تلك البنوك، وفي مقدمة ذلك سياسة الاحتياطي القانوني، والسيولة النقدية، وسعر الخصم، والسوق المفتوحة، ومعيار كفاية رأس المال، والسقوف الائتمانية، وحظر التعامل في الأصول المنقولة والثابتة، والبيانات، والتفتيش، والمقرض الأخير للبنوك، مما يعد معوقا لنشاطها وأهدافها الاستثمارية.
وفي هذا الإطار يوصي البحث بأهمية مراعاة البنك المركزي المصري لطبيعة ونظام عمل البنوك الإسلامية، وإصدار تشريع خاص بها ينظم عملها، مع اتباع أساليب وأدوات رقابية وتمويلية تتفق مع طبيعة تلك البنوك، فيتم تطبيق سياسة الاحتياطي القانوني على الودائع الجارية دون الاستثمارية، مراعاة لطبيعة العلاقة القائمة بين البنك وأصحاب الودائع الاستثمارية، والتي يحكمها عقد المضاربة، مع أهمية إنشاء وتفعيل صندوق التأمين على الودائع الذي نص عليه قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد رقم 88 لسنة 2003م، على أن يكون ذلك أساسا تعاونيًّا بين البنوك، وبعيدا عن آلية سعر الفائدة.
أما فيما يتعلق بنسبة السيولة النقدية فينبغي للبنك المركزي المصري عند حسابها مراعاة طبيعة الودائع الاستثمارية، وطبيعة توظيفات الأموال، وكذلك طبيعة عناصر الموجودات السائلة المتاحة لدى المصارف الإسلامية، من أوراق تجارية وأوراق مالية قابلة للتداول ومنضبطة بالضوابط الشرعية، فضلا عن غيرها من العناصر السائلة الأخرى، إضافة إلى عدم لجوء البنك المركزي للغرامة المالية عند مخالفة البنك الإسلامي لنسبة السيولة، ومعالجة ذلك من خلال إلزام البنك المخالف بإيداع أرصدة لدى البنك المركزي دون عائد وفقا للمدة التي يقررها البنك المركزي.
كما ينبغي على البنك المركزي المصري أن يغير من سياساته فيما يتعلق بترسيخ مفهوم سعر الفائدة كآلية قانونية في الجهاز المصرفي يحميها ويعضدها، ويتخذ منها مقياسا ومؤشرا لحساباته رغم أنها من الربا المحرم، كربط البنك المركزي المصري العديد من مخالفات البنوك بغرامات مالية تحسب على أساس سعر الخصم.
كما ينبغي على البنك المركزي المصري إصدار أوراق مالية حكومية منضبطة بالضوابط الشرعية من حيث النشاط الحلال، والتمويل القائم على المشاركة، والعائد القائم على الغُنم بالغرم، حتى يمكن للبنوك الإسلامية الاستفادة من عمليات السوق المفتوحة.
وإذا كان التزام البنوك الإسلامية بمعيار كفاية رأس المال من المقاصد الشرعية، لما فيها من تقوية المركز المالي للبنك، إلا أنه ينبغي على البنك المركزي المصري مراعاة طبيعة عمل المصارف الإسلامية عند احتساب مكونات هذا المعيار، سواء فيما يتعلق بالقروض المساندة، أو الأوراق التجارية المخصومة لحرمة ذلك من الناحية الشرعية.
أما سياسة السقوف الائتمانية فإنه إذا كان البنك المركزي المصري يستخدمها بصورة تنظيمية لعملية الائتمان، وبما يحقق الاستقرار الاقتصادي وتنويع المخاطر فلا غبار عليها، على ألا يكون ذلك هو الأصل تجاه البنوك الإسلامية، بل يجب أن تكون تلك السياسة استثناء للأصل، وتراعى من خلالها طبيعة البنوك الإسلامية القائمة على الاستثمار لا الاتجار في الديون والنقود كما في البنوك التقليدية، مع أهمية السماح للبنوك الإسلامية بمزاولة التأجير التمويلي بنفسها دون قصر ذلك على المساهمة في شركات متخصصة لهذا النشاط.
كما تبدو أهمية سماح البنك المركزي المصري للبنوك الإسلامية بالتعامل في الأصول المنقولة والثابتة، حيث يتطلب النشاط الاستثماري لتلك البنوك غالبا تملك تلك الأصول، لاستخدامها في عملياتها الاستثمارية، مما يمكن معه القول إنه ضرورة من ضرورات قيامها.
وإذا كان حصول البنك المركزي المصري على البيانات الدورية من البنوك، سواء كانت إسلامية أو تقليدية هي من صميم أعماله الرقابية، إلا أنه في الوقت نفسه ينبغي أن يراعي خصوصية البنوك الإسلامية من حيث طبيعة بيانات النماذج الدورية، فضلا عن الفصل بين المراكز المالية للبنوك الإسلامية وغيرها من البنوك التقليدية في تقاريره الدورية.
كما ينبغي أن يكون القائمون بالتفتيش -على البنوك الإسلامية- من البنك المركزي على دراية تامة بطبيعة ونظام عمل البنوك الإسلامية، مع اهتمام البنك المركزي المصري بالرقابة الشرعية على أعمال المصارف الإسلامية بقدر اهتمامه بالرقابة المصرفية، من خلال إنشاء إدارة للتفتيش الشرعي من أهل الخبرة الشرعية والمصرفية للتأكد من سلامة النواحي الشرعية في أعمال البنوك الإسلامية.
كما ينبغي على البنك المركزي المصري توفير السبل لإتاحة المجال أمام البنوك الإسلامية للاستفادة من وظيفة البنك المركزي كملجأ أخير للسيولة، دون اللجوء للتعامل بالفائدة، وذلك من خلال إقراض البنك الإسلامي عند حاجته للسيولة قرضا حسنا بدون فائدة، مقابل أن يقرض ذلك البنك الإسلامي ذات القرض بنفس القيمة وبنفس المدة لاحقا للبنك المركزي دون فائدة أيضا.