
مشاركة: دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
وما صحب ذلك من نشوء صراع مباشر تجاري بين الولايات المتحدة وكل من الصين واليابان والاتحاد الأوروبي.
وظهور شعار " الشراكة الاقتصادية " فيما بين دوائر النظام الرأسمالي العالمي بقصد زيادة المنافع والمزايا النسبية الاقتصادية والمالية والتجارية للشركاء ، وفي نفس الوقت محاولة الاستبعاد التدريجي لقطاعات واسعة من الشعوب وإعادة هيكلة النظم الإقليمية التي لم تعد تتماشى مع التغيرات الجديدة ، وذلك في إطار المشروع الشرق أوسطي الجديد[1]. وهو ما تتجه إليه القوى الرئيسية الفاعلة في النظام الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
2) النظام الرأسمالي وتناقضاته في نظر خبرائه :
إذا كانت الأزمات الرأسمالية السابقة وبخاصة أزمة الثلاثينات واضحة المعالم ، وإذا كان المفكر الكينزي قد نجح إلى حد كبير في تشخيص طبيعة الأزمة وأسبابها ووضع آليات للتغلب عليها وتعو كثيراً على دور الدولة في ظل الأزمة وهو ما شكّل أساساً للقطاع العام وتقوية دوره فإن الأزمة المعاصرة وما لها من طابع نقيض إذ يجتمع فيها ولأول مرة معايشة التضخم والركود " التضخم الركودي " STAGFLATION
مما يجعل أدوات التحليل في النظرية الكنزية عاجزة عن تقديم السياسات الملائمة للتغلب على الأزمة المعاصرة[2].
ولعلّ أبرز ما انتهى إليه الفكر الرأسمالي الجديد هو إمكان إيجاد مخرج من الأزمة اعتماداً على السياسات النقدية بشرط غل يد تدخل الدولة الذي يعد أحد أسباب إعاقة تفاعل قوى السوق وآلياته.
والأمر الأكثر مدعاة للقلق هو أن دعاه تحرير السوق أنفسهم يفرضون قيوداً حمائية لتجارتهم وهم بذلك يشوهون ما يدعون إليه من السوق الحرة.
وهكذا تظهر البيانات أن الأوضاع الاقتصادية الدولية خلال السنوات الأخيرة تعاني من تراجع في أداء مختلف الاقتصاديات الرئيسية ومن ثم ركود بيّن يتسم بارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ
أداء معدلات النمو وتراجع معدلات الرأسمالي وتذبذب في أسعار الصرف وفوضى السياسات النقدية وأزمات الفائض والعجز بين مراكز النظام الرأسمالي العالمي ( المديونية المتعاظمة للولايات المتحدة مقابل الفائض الياباني والألماني ) ، بل أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تعاني من صعوبات هيكلية تتمثل في عجز الموازنة الفيدرالية وتراكم الدين العام واستمرار العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات واستمرار الصعوبات التي تواجهه المؤسسات والبنوك والشركاء نتيجة للتوسع في استخدام أدوات الدين خلال حقبة الثمانينات[3].
والحقيقة المرة أن هذه الأوضاع الصعبة تعكس نفسها قضاء على الدول النامية والعربية نتيجة لتشابك الأوضاع الاقتصادية الدولية وتبعية الدول النامية للدول الصناعية اقتصادياً[4].
وهكذا فإنه يزيد من صعوبة الأزمة وصيرورتها مأزقاً انها ذات طابع عالمي عام على الدول الرأسمالية المتقدمة والدول التابعة على السواء وأنها ذات طابع فكري ( أزمة تحليل ) فضلاً عن طابعها التناقضي ( ركود تضخمي ) وتعكس الأزمة الرأسمالية المعاصرة مجموعة من التناقضات[5] منها :
1)
التناقض الحاد بين تعاظم النشاط الاقتصادي العالمي وإدارته، فزيادة الترابط والتشابك والتداخل بين مختلف أطراف الاقتصاد العالمي استدعى وجود آليات عالمية جديدة وملائمة والقبول بانتقال المهام التنظيمية ووضع السياسات من إطارها الوطني إلى إطار عالمي[6]، والتخلي عن جزء من السيادة القطرية لصالح مجموع الاقتصاد العالمي ووجود مؤسسات عالمية تتولى إدارة الاقتصاد العالمي لتقليل درجة الاضطرابات بين أطرافه.
2)
ارتفاع درجة المخاطر وعدم التيقن في التعامل الدولي[7] إذ غدا من الصعوبة بمكان إخضاع كثير من المتغيرات الدولية لقواعد التنبؤ المعروفة لمعرفة مسارها المستقبلي أو لتوقع نقاط التحول فيها ويصدق ذلك على وجه الخصوص على حالة أسعار الصرف والأسعار العالمية لكثير من المنتجات ونسوق فقط ثلاثة أمثلة بارزة هي :
أ)تدخل البنوك المركزية بشكل واضح في أسواق النقد الأجنبي لدعم أحوال السيولة ونظام النقد المحلي والدفاع عن سعر الصرف وبخاصة بعد انهيار البورصات في أكتوبر سنة 1986م.
ب)التدخل الواضح من جانب الحكومات الرأسمالية الدائنة لمواجهة أزمة الديون الخارجية لدول العالم الثالث وبخاصة بعد إندلاع الأزمة في 1982 حينما توقفت البرازيل والمكسيك والأرجنتين عن دفع ديونها[8].
ج) في ضوء احتدام الفائض والعجز بين كبريات الدول الرأسمالية الصناعية لجأت بعض هذه الدول إلى التدخل في علاقاتها المالية والتجارية للحد من العجز الذي تواجهه تجاه بعض الدول أو لحماية منتجاتها المحلية مثل الولايات المتحدة في تعاملها مع اليابان ونمو نزعة الحماية في دول غرب أوروبا.
هذا كله فضلاً عما سبق الحديث عنه من بروز التكتلات الاقتصادية وتفجر الصراعات التجارية خلال السنوات القليلة الأخيرة وإضطلاع صندوق النقد الدولي بمهمة استقرار أسعار الصرف وتنظيم أحوال السيولة النقدية كما اضطلعت الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة ( الجات GATT
) بمهمة تحديد قواعد حرية التجارة من خلال مفاوضاتها المتعددة آخرها دورة مفاوضات اوروجواي.
وظهور هذه التكتلات وكأنها تبدو كأسواق داخلية كبيرة تميل إلى حماية صناعاتها وزراعتها وخدماتها من المنافسة الأجنبية وتوظيف تبادلها التجاري فيما بينها على نحو يكفل لها تحقيق معدلات مرتفعة من التوظف والنمو والتوازن الاقتصادي ، وهنا نذكر ما قاله الاقتصادي الأمريكي الشهير لستر ثرو[9] ، ( أنك ما أن تجول بنظرك عبر العالم فياللحظة الراهنة فسوف تجد ذلك الانقسام الحادث في العالم والمتجسد في الكتل التجارية التي تشير إلى أن حرية التجارة لم تعد موجودة وأن كل فرد يدرك ان ذلك هو الحاصل فعلاً لكن أحداً لا يريد ان يواجه هذه الحقيقة )[10]
ونذكر ما دعا إليه الخبير الاقتصادي العالمي الآن بلافيدر[11] من إصلاح النظام المالي العالمي لحماية المواطنين والأبرياء في شتى أنحاء العالم من مخاطر الأزمات المالية التي تختلقها الممارسات الحالية حيث توالت الأزمات بل الانهيارات المالية المفزعة في النصف الثاني من التسعينات بدءاً بالمكسيك عام 1995 ثم جنوب شرق آسيا عام 1997 ثم البرازيل.
وأكد بلايندر أن النظام المالي العالمي الراهن قد فشل فشلاً ذريعاً في حماية البشر البسطاء الفقراء من مخاطره الضارية.
كما أكد د. وليام لارس[12] الـ (24) في واشنطن على ضرورة صياغة نظام مالي عالمي جديد يحافظ على مصالح الدول النامية ويقلل من هيمنة الدول الصناعية الكبرى ويحول دون حدوث أزمات تزعزع الاستقرار المالي والنقدي في العالم.
3) أحدث صك إدانة للنظام الاقتصادي الرأسمالي :
أطلق البرنامج الإنمائي بالأمم المتحدة تقرير التنمية البشرية السنوي العاشر ، وجاء به أن:
" متوسط الدخل في اغنى خمس دول في العالم يبلغ (74) ضعف متوسط الدخل في افقر خمس دول فيالعالم والتي تتركز جميعها في أفريقيا ".
ويذكر التقرير أن ثروات أكبر ثلاثة أغنياء في العالم تفوق قيمتها إجمالي الناتج المحلي لمجموعة الدول الأقل تقدماً والتي يناهز عدد سكانها (600) مليون نسمة ميزانية شركة ميكروسوفت للكمبيوتر في U.S.A
تصل إلى 100 مليار $ في السنة ، وهو ما يفوق ميزانيات 48 دولة من العالم الثالث.
ويشير التقرير إلى أن الرعاية الاجتماعية التي تعد المحور الخفي للتنمية البشرية تواجه تهديداً في ظل اقتصاد السوق المنافسة ، ويشير في هذا الصدد إلى افتقار حياة البشر بشكل متزايد إلى الأمان وتزايد معدلات التفكك الأسرى والجريمة في حين يبلغ إجمالي الأرباح
[1] التقرير الإستراتيجي العربي سنة 1994ص83،84 النظام العالمي الجديد وموقع العالم العربي فيه –د.فؤاد زكريا سنة1992ص13
[2] أنظر الدولة ودورها في النشاط الاقتصادي في الوطن العربي – بحوث ومناقشات ندوة عقدت بالكويت مايو سنة 1989 ص484وما بعدها – مجموعة خبراء ط دار الرازي للنشر بيروت.
[3] أنظر التغيرات العالمية الجديدة – د. اسامة الخولي وآخر ص 61،37،34.
[4] ظاهرة التدويل في الاقتصاد العالمي وآثارها على البلدان النامية – د. رمزي زكي ط سنة 1993 ص11 وبعدها.
[5] د. رمزي زكي – ظاهرة التدويل في الاقتصاد العالمي ط سنة 1993 ص24 وما بعدها.
[6] أنظر كريستان بالوا – الاقتصاد الرأسمالي – المرحلة الاحتكارية والإمبريالية الجديدة – ترجمة عادل عبدالمهدي – دار إبن خلدون- بيروت سنة 1978 ص145.
[7] UNCLAD: TRADE AND DEVELOPMENT REPORT 1988.UNITED NATION.NEW YORK 1988 P33
[8] د. رمزي زكي – أزمة القروض الدولية – الأسباب والحلول المطروحة ص67 ، 81 – ط دار المستقبل العربي بالقاهرة.
[9]LESER THUROW AND PEHER G. GYLLEON HAMMERS MUST WE MANAGE TRADE? PROSPECTS IN CONTRAST IN WORLD LINK THE MAGAZINE OF THE WORLD ECONOMIC FORUM NO.6 JUNEP.9
[10] د. رمزي زكي مرجع سابق ص39.
[11] أستاذ الاقتصاد بجامعة برينستون ونائب رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي في الفترة من 1994 إلى 1996 ما قاله في دراسة نشرتها مجلة " فورين أفيرز ".
[12] مجموعة الـ 24 تأسست 1973 وتضم ثماني دول من أفريقيا وثماني دول من أمريكا اللاتينية وسبع دول آسيوية للدفاع عن مصالح لدول النامية – الاقتصاد في أسبوع – العدد 158 نوفمبر 1999 يصدرها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية – تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي رقم 37 السنة 1999.