إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 05-05-2009, 11:07 PM
  #1
1accountant
 الصورة الرمزية 1accountant
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: مصر
العمر: 40
المشاركات: 2,094
افتراضي الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

مقدمـــة:
لقد أصبح من الواضح أن النفقات العامة، في أية دولة، متعددة ومتنوعة، وهي بذلك لا تشكل كلا" متجانسا"، وقد أدى التطور في مختلف الدول إلى التوسع في النفقات العامة بصورة مضطردة، وإلى تنوعها وتغير هيكلها، ولم تعد أهمية النفقات العامة تبدو من جراء تطورها، وزيادتها باضطراد فحسب، بل إن النفقات العامة تشكل نسبة مرتفعة من الدخل القومي في المجتمع، وتزداد أهميتها أكثر؛ لأنها أصبحت إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها الدولة للتأثير على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية. فالتوسع في النفقات العامة بمختلف أنواعها المختلفة، ينتج آثارا" متعددة في مختلف الميادين، فالنفقات العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة، بالإضافة إلى التأثير في مختلف المتغيرات الاقتصادية وهي الدخل القومي ومكوناته، - الاستهلاك والادخار والاستثمار- وإلى التأثير في المستوى العام للأسعار، وفي توزيع الدخل القومي، وبالتالي في التوازن الاقتصادي العام (1) ، وعلى الرغم من تعدد وتنوع آثار النفقات العامة من مختلف المجالات والميادين، فإننا سنقصر دراستنا على الآثار الاقتصادية للنفقات العامة وحدها.
وتتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عوامل عديدة، أهمها طبيعة هذه النفقات، والقصد الذي تهدف إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها، والوضع الاقتصادي السائد، وسوف تكون دراستنا للآثار الاقتصادية على الشكل التالي:
المبحث الأول: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي.
المبحث الثاني: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة.
المبحث الرابع: آثار النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي.
المبحث الأول
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي
تحدث النفقات العامة آثارا" اقتصادية مباشرة في الإنتاج القومي، من خلال تأثيرها في قدرة الأفراد ورغبتهم على العمل والادخار والاستثمار، وتأثيرها على تحويل عناصر الإنتاج، وفي القوى المادية للإنتاج وعلى الطلب الفعلي، وذلك على الشكل التالي (1):

1- أثر النفقات العامة في قدرة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار:
مما لا شك فيه أن طبيعة النفقات العامة التي تقوم بها الدولة من شأنها أن تزيد من كفاءة الأفراد، وهي بالتالي تزيد في الوقت نفسه من قدرتهم على العمل، وتأخذ هذه النفقات العامة الشكل النقدي أو الشكل العيني.
فالنفقات العامة النقدية، كالإعانات النقدية العائلية والمعاشات، قد تزيد من كفاءة الأفراد، ولكن آثار هذه الإعانات النقدية، لا تظهر على الأفراد الذين يتسلمونها مباشرة، بقدر ما تظهر آثارها بالنسبة إلى أولادهم في المستقبل، أما النفقات العامة العينية، خدمات صحية أو تعليمية أو إسكان، فإنها قد تزيد من كفاءة الأفراد الذين يتلقونها، بقدر يفوق ما يحققه الحجم نفسه من النفقات النقدية، ذلك أن النفقات العامة النقدية قد تنفق على أغراض أقل نفعا" للفرد من الخدمات المجانية التي تقدمها له الدولة، إضافة إلى ذلك، فإن التنظيم الجماعي لبعض الخدمات التعليم والصحة، يعتبر في بعض الأحيان أكثر تحقيقا" للكفاءة الاقتصادية من غيره من التنظيمات الأخرى.
كذلك فإن النفقات العامة على المرافق العامة التقليدية (الدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء) تعتبر ضرورية للإنتاج، فهذه المرافق تهيئ الظروف التي يصعب دونها القيام بالإنتاج، فهي توفر الأمن والطمأنينة للأفراد لقيامهم بالنشاط الإنتاجي. وكذلك تزيد النفقات العامة، وهي تؤدي إلى توزيع دخول على الأفراد المستفيدين منها، وتزيد من إمكانات الأفراد على الادخار، سواء أكان حصول الأفراد على النفقات العامة بصورة مباشرة، كالرواتب والأجور والإعانات النقدية، أم بصورة غير مباشرة، كالخدمات الصحية والتعليمية، التي توفر جزءا" من دخول الأفراد النقدية، وهذا ما يزيد إمكانات الأفراد على الادخار.
وتزيد النفقات العامة قدرة الأفراد على الاستثمار، إذا وضعت تلك المدخرات القابلة للاستثمار في أيدي الهيئات العامة أو الخاصة التي تعمل في ميدان الاستثمار، مثل إنشاء المصانع وبناء الخزانات ومحطات توليد الطاقة..الخ، وكذلك المبالغ التي تقرضها الدولة للمشروعات الإنتاجية الخاصة والإعانات المقدمة لها.

نخلص من ذلك إلى أن ما تنفقه الدولة على الوظائف التقليدية، الأمن الداخلي والقضاء، وعلى الوظائف الجديدة، التعليم والصحة والعجز والبطالة والشيخوخة...الخ، يؤثر في قدرة ورغبة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار، وبالتالي يؤثر في الإنتاج القومي.
2- آثار النفقات العامة في القوى المادية للإنتاج (المقدرة الإنتاجية القومية) (1)، وفي انتقال عناصر الإنتاج:
يقصد بالقوى المادية للإنتاج، الموارد الطبيعية والقوة العاملة، ورأس المال والفن الإنتاجي، وهي تشكل في مجموعها المقدرة الإنتاجية القومية، تبعا" لمدى توافرها كميا"، ومستواها نوعيا"، وتؤدي النفقات العامة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى زيادة المقدرة الإنتاجية، من خلال عوامل الإنتاج كما" ونوعا".
ولدراسة أثر النفقات العامة في رفع المقدرة الإنتاجية القومية وتحديده يجب أن نميز بين نوعين من النفقات العامة، وهما النفقات العامة الاستثمارية، والنفقات العامة الاستهلاكية.
ويقصد بالنفقات العامة الاستثمارية، النفقات العامة الإنتاجية، التي تؤدي إلى زيادة تراكم رأس المال القومي، من خلال تكوين رؤوس أموال عينية جديدة، ومن ثم فإنها تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية، وبخاصة في المدة الطويلة، إضافة إلى ما تحدثه من زيادة مباشرة في الدخل القومي الجاري.
ومن ناحية ثانية، فإن النفقات العامة الاستهلاكية، وهي ما تعرف بالنفقات العامة الجارية، تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية بصورة غير مباشرة، ومثلها النفقات والإعانات الاجتماعية التي تخصص لإنتاج الخدمات العلمية والأبحاث، والخدمات الطبية والثقافية والتعليمية (التعليم الفني والتدريب) تؤدي إلى زيادة الناتج القومي الجاري، ورفع المقدرة الإنتاجية للأفراد، ومثلها كذلك، الإعانات الاقتصادية التي تمنح للمشروعات وتزيد أرباحها، وترفع مقدرتها الإنتاجية، وكذلك النفقات العامة التقليدية، التي تنفقها الدولة على الأمن والقضاء والدفاع، تحقق الطمأنينة والاستقرار، ترفع أيضا" المقدرة الإنتاجية القومية، يضاف إلى ذلك أن النفقات العامة، وهي تؤدي إلى رفع المقدرة الإنتاجية القومية، تؤدي إلى خفض نفقة الإنتاج، وبالتالي زيادة الأرباح، وزيادة الناتج القومي، وبخاصة تلك النفقات التي تمول الهياكل الأساسية للإنتاج، كالطرق والنقل والمواصلات والطاقة وتقدم الفن الإنتاجي.
ولا بد من الإشارة إلى أن النفقات العامة تؤدي إلى التأثير في الإنتاج القومي، بصورة كبيرة من خلال تأثيرها في انتقال عناصر الإنتاج بين الاستخدامات والأماكن المختلفة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، مثلا"، ومن نشاط اقتصادي إلى نشاط اقتصادي آخر، أو من مشروع إلى آخر.
3- آثار النفقات العامة في الطلب الفعلي (1):
من المعروف أن الطلب الفعلي يتكون من كل من الطلب الخاص والعام على أموال الاستثمار وعلى أموال الاستهلاك، ويتوقف حجم الدخل القومي على فرض ثبات المقدرة الإنتاجية القومية على الطلب الفعلي؛ أي على الإنفاق الكلي المتوقع على الاستثمار والاستهلاك، وتشكل النفقات العامة جزءا" هاما" من الطلب الفعلي، يزداد أهمية مع ازدياد تدخل الدولة، ومن هنا فإن النفقات العامة تؤدي دورا" هاما" في تحديد مستوى التشغيل الكلي، ومستوى الناتج القومي الجاري، عن طريق تأثيرها على مستوى الطلب الفعلي، وهو ما يعني أن أثر النفقات العامة في الإنتاج القومي يتوقف على أمرين هما: أثر النفقات العامة في الطلب الفعلي، وأثر الطلب الفعلي في الإنتاج القومي.

المبحث الثاني
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي
يقصد بالآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي، تلك الزيادة في الطلب الاستهلاكي، التي تترتب مباشرة عن النفقات العامة، أي التي لا تتم خلال دورة الدخل، وتباشر النفقات العامة آثارها في الاستهلاك القومي عن طريقين:
أولهما: شراء الدول لبعض السلع أو الخدمات الاستهلاكية، وثانيهما: قيام الدولة بتوزيع دخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وبناء" على ذلك، فإن أثر النفقات العامة في الاستهلاك يتوقف على طبيعة هذه النفقات، أي على الغرض الذي تخصص له تلك النفقات(1).
1- النفقات العامة التي تشكل طلبا" مباشرا" على السلع والخدمات الاستهلاكية:
تشكل النفقات العامة التي تقوم بها الدولة طلبا" على بعض السلع والخدمات الاستهلاكية مما يؤثر في الاستهلاك القومي، على النحو التالي:
أ‌- تقوم الدولة بشراء بعض الخدمات الاستهلاكية، مثل الخدمات العلمية والطبية والثقافية والصحية والأمن والقضاء والدفاع، وهو ما يطلق عليه الاستهلاك الحكومي أو العام، وتعتبر النفقات العامة على مثل هذه الخدمات، نفقات استهلاكية، رغم أن هذه النفقات العامة، وهي تؤدي إلى خلق خدمات عامة، تسهم في زيادة الإنتاج القومي، ولكن بما أن واقعة إنتاج هذه الخدمات تندمج في واقعة استهلاكها، وهو ما أدى إلى التركيز على صفتها الاستهلاكية، واعتبارها ضمن النفقات الاستهلاكية.
ب‌- كما تقوم الدولة بشراء بعض السلع الاستهلاكية، مثل الملابس والمواد الغذائية والمواد الطبية، لإشباع حاجة بعض العمال والموظفين، وأفراد القوات المسلحة، أو يكون الغرض من هذه النفقات توزيع هذه السلع بالمجان على بعض الفئات الاجتماعية الفقيرة، أو على طلاب المدارس، مثل المواد الغذائية والطبية والملابس، أو يكون الغرض منها زيادة المخزون، في حالة الحروب أو الظروف الاستثنائية، وتوزيعها على الأفراد على فئات معينة بمقابل كلي أو جزئي أو دون مقابل كالسلع والمواد التخزينية، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحويل الاستهلاك من الأفراد إلى الدولة، ويؤثر مباشرة في الاستهلاك القومي.
2- توزيع الدولة لدخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك:
تقوم الدولة بتوزيع دخول نقدية على الأفراد بمقابل أو دون مقابل، تخصص هذه الدخول جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وذلك حسب التفصيل التالي:
أ‌- تتعدد وتتنوع النفقات العامة التي تمنحها الدولة لأفرادها: فإما أن تكون هذه النفقات على شكل رواتب وأجور تمنحها للعمال والموظفين، أو تكون على شكل ريع تمنحه لمؤجريها، أو تكون على شكل فوائد تمنحها لمقرضيها، ومن الواضح أن الدولة توزع هذه النفقات مقابل حصولها على الخدمات الشخصية، وتشكل هذه النفقات الجزء الأهم أو الوحيد من موارد الأفراد النقدية، وتعتبر هذه الدخول نفقات منتجة؛ لأنها تؤدي مباشرة إلى زيادة الناتج القومي، حيث يقوم هؤلاء الأفراد، ونظرا" لارتفاع ميلهم للاستهلاك، بإنفاق غالبية هذه الدخول أو جميعها على شراء السلع والخدمات الاستهلاكية.
ب‌- بالإضافة إلى ذلك، تقوم الدولة بتوزيع بعض الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، دون مقابل على بعض الفئات الاجتماعية ومنتجي بعض السلع مثل إعانات البطالة والعجز والشيخوخة والمرض والطفولة، والإعانات التي تمنح لمنتجي بعض السلع بهدف تخفيض أسعارها من أجل زيادة استهلاكها، ومن الواضح أن هذه الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، توجه بطبيعتها إلى شراء السلع والخدمات الاستهلاكية، وبالتالي تزيد الاستهلاك القومي.
نخلص مما تقدم، إلى أن أثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي، يعتمد على نوع هذه النفقات، وفيما إذا كانت تخصص مباشرة للاستهلاك، أو توزع على شكل دخول تخصص كليا" أو جزئيا" للاستهلاك، وهذا ما ينبه الدولة إلى أنه يمكنها أن تؤثر في الاستهلاك القومي، عن طريق تحديدها لحجم مشترياتها من السلع وتحديدها لحجم الرواتب والأجور، والإعانات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يفيد الدولة في ترتيب سياسة النفقات العامة، في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والأهداف التي تقصد تحقيقها.
المبحث الثالث
الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة
لا يقتصر آثار النفقات العامة على الآثار الاقتصادية المباشرة فقط، وإنما تشمل أيضا" الآثار الاقتصادية غير المباشرة، التي يمكن أن تنشأ من خلال ما يعرف بدورة الدخل، فتحدث النفقات العامة آثارا" غير مباشرة في الاستهلاك القومي، من خلال الاستهلاك المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المضاعف أو الضارب، كما تؤدي النفقات العامة إلى آثار غير مباشرة من الإنتاج القومي، من خلال الاستثمار المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع.
وسوف ندرس أثر كل منهما على التوالي:
1- أثر المضاعف:
يعد ّ ”كاهن“ أول من أدخل فكرة المضاعف في النظرية الاقتصادية، إذ حاول قياس العلاقة الكمية القائمة بين الزيادة في الاستثمار والزيادة في التشغيل؛ أي أن مفهوم المضاعف عند ”كاهن“ هو مضاعف التشغيل. أما الاقتصادي ”كينز“ فقد استخدم فكرة المضاعف لبيان أثر الاستثمار المستقل، أو الذاتي في الدخل القومي، من خلال ما يؤدي إليه هذا الاستثمار من زيادة الاستهلاك المولد في الاقتصاد القومي الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الدخل القومي، بإضعاف الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، وهو ما يطلق عليه مضاعف الاستثمار الذي يعبر عن العلاقة بين الزيادة في الاستثمار المستقل والذاتي في الدخل القومي. ويمكن حسابه بالعلاقة التالية:
د
م = حيث:
ث
م = المعامل العددي- المضاعف
د = التغير في الدخل القومي
ث = التغير في الاستثمار.
وبناء" على ذلك، فإن مضاعف الاستثمار، هو العامل العددي الذي يبين مقدار الزيادة في الدخل القومي الناتجة عن الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، والاستثمار المستقل هو ذلك الاستثمار الزيادة في الدخل القومي. وغالبا" ما يكون الإنفاق الاستثماري العام استثمارا" مستقلا"؛ لأنه يتحدد بموجب خطط استثمارية طويلة الأجل، ويأخذ في الحسبان، معايير مختلفة تماما" عن المعايير التي يقوم عليها الإنفاق الاستثماري الخاص.
لقد قصر ”كينز“ تحليله لنظرية المضاعف على دراسة أثر الزيادة الأولية في الاستثمار في الدخل القومي، إلا أن الفكر الاقتصادي بعد ”كينز“، اتجه إلى تعميم هذه النظرية، وأصبح بإمكاننا أن نعامل الإنفاق على الاستهلاك، التصدير، الإنفاق العام، المعاملة نفسها التي عاملها كينز للاستثمار، الذي اعتبره المتغير الأساسي في نظريته؛ أي أننا نستطيع أن ندرس مضاعف الإنفاق الحكومي الذي يقصد به المعامل الذي يبين مقدار التغيير في الدخل القومي الناجمة عن تغير الإنفاق الحكومي. فالتوسع في الإنفاق الحكومي، يؤدي إلى توزيع دخول جديدة، تتمثل في دخول عوامل الإنتاج (أجر، ريع، فائدة، ربح)، يخصص المستفيدون من هذه الدخول جزءا" منها للإنفاق على الاستهلاك، يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، وجزءا" للإدخار، يتوقف على الميل الحدي للادخار ويؤدي هذا الجزء المخصص للاستهلاك إلى زيادة الطلب على سلع الاستهلاك، ويؤدي بالتالي إلى زيادة هذه السلع، ويؤدي إلى توزيع دخول جديدة، توزع بدورها ما بين الاستهلاك والادخار. وهكذا تتوالى إلى الزيادة في الدخول الجديدة، من خلال دورة الدخل في سلسلة متتالية من الإنفاق الاستهلاكي المتناقص، وهو ما يعرف بالاستهلاك المولد، التي تشكل في مجموعها زيادة إجمالية في الدخل القومي، تفوق التوسع الأولي في النفقات العامة.
إذن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو المعامل العددي الذي يوضح لنا مقدار الزيادة في الدخل القومي، التي تتولد عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، من خلال ما تمارسه هذه الزيادة من تأثير على الإنفاق الاستهلاكي؛ أي أن أثر المضاعف يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، يزداد بازدياد الميل الحدي للاستهلاك، وينخفض بانخفاضه، ويمكن حساب مضاعف الإنفاق الحكومي من خلال العلاقة التالية:
1
م ح = حيث:
1 - ب
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي، الحرف ح = يرمز إلى الإنفاق الحكومي.
ب = الميل الحدي للاستهلاك في المجتمع.
أي أن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو مقلوب الميل ا لحدي للادخار:
1



الميل الحدي للادخار
وبناء" على ذلك، فإن التغير في الدخل القومي الناجم عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، يمكن حسابه من العلاقة التالية:
د = م ح × ح حيث:
د= التغير في الدخل القومي.
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي.
ح = التغير في الإنفاق الحكومي.

ويلاحظ من العرض السابق، أن نظرية المضاعف، تستند إلى ميل حدي للاستهلاك للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على المضاعف صفة العمومية، وينتقد الاتجاه الحديث هذا الطابع العام للمضاعف، ويرى أن استخدام ميل حدي للاستهلاك، يمثل اتجاه المجتمع في مجموعه، يعتبر تبسيطا" يخالف الحقيقة والواقع الاقتصادي. ذلك أنه يسقط خصائص القطاعات والفئات المختلفة الأخرى، فالميل الحدي للاستهلاك يختلف من قطاع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى، وهو ما يعني أن الآثار غير المباشرة للنفقات العامة، لا تتوقف فقط على الحجم الكلي للنفقات العامة؛ بل تتوقف أيضا" على الغرض منها، وعلى نوع المستفيدين منها، فإذا ما أفادت الزيادة في النفقات العامة الطبقات الفقيرة، أو ذات الدخل المحدود، والميل الحدي المرتفع للاستهلاك، كان أثرها أكبر في تلك النفقات العامة التي يستفيد منها الطبقات ذات الدخل المرتفع ، والتي ينخفض ميلها الحدي للاستهلاك.
ويكون المضاعف منخفضا" في الدول النامية، رغم ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك فيها، وذلك لضعف إمكانات الاستثمار الإنتاجي، ووجود كثير من العقبات التي تحول دون مرونة الجهاز الإنتاجي. وهو ما يعني انصراف أثر المضاعف إلى الأسعار، فالمضاعف لا يحقق آثاره العينية، إلا في اقتصاد متقدم، يتمتع الجهاز الإنتاجي فيه بمرونة كافية، للاستجابة للزيادات المتتالية في الاستهلاك ومضاعفتها.
ومع ذلك يبقى لنظرية المضاعف ما يبرر لها الاعتماد على ميل حدي للاستهلاك واحد، للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على نظرية المضاعف في صورتها العامة، ما لها من بساطة ووضوح وأهمية.
2- أثر المعجل أو المسارع:
لا تقتصر الآثار غير المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي، على الزيادة المتتابعة من الاستهلاك المولد، وإنما هناك آثار غير مباشرة أخرى، تحدث في الإنتاج القومي من خلال الزيادة التي تحدثها النفقات العامة في الطلب على الاستثمار، وهي ما يطلق عليها الاستثمار المولد أو التابع. أي ذلك الاستثمار الذي يشتق من الطلب على السلع الاستهلاكية. وهو ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع، وتفصيل ذلك، إن الزيادة في الإنفاق العام ، تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع النهائية الاستهلاكية، مما يدفع منتجي هذه السلع إلى زيادة إنفاقهم الاستثماري، لإنتاج تلك السلع التي ازداد الطلب عليها، بمعدل أكبر. ويمكن حساب المعجل، بقسمة التغير في الاستثمار (الزيادة)، على التغير في الناتج القومي (الزيادة).
ث
أي المعجل =
د
ويتوقف أثر المعجل على ما يعرف بمعامل رأس المال (معامل الاستثمار)، أي على العلاقة الفنية بين رأس المال والإنتاج، وهو (معامل رأس المال) يحدد ما يلزم من رأس المال لإنتاج وحدة واحدة من سلعة ما أو صناعة ما؛ أي إذا ما ارتفع الطلب النهائي على سلعة ما، يقتضي هذا الارتفاع، زيادة الإنتاج لمقابلته، أي ضرورة التوسع، وبالنسبة نفسها في رأس المال المستخدم في إنتاج هذه السلعة. ولا تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل تؤدي إلى سلسلة متتالية من الاستثمارات المولدة. ويتوقف معامل رأس المال على الأوضاع الفنية التي تحكم الإنتاج، وهي تختلف حسب درجة الفن الإنتاجي، وتبعا" لطبيعة كل صناعة.
وتتحدد آثار المعجل بعدد من الاعتبارات أهمها، ما يتوافر من مخزون من السلع الاستهلاكية، وما يتوافر من طاقات إنتاجية عاطلة غير مستغلة، حيث أن وجود مثل هذا المخزون وهذه الطاقات المعطلة، يحد من أثر المعجل. كما تتوقف آثار المعجل على تقدير منتجي السلع الاستهلاكية لاتجاهات الزيادة في الطلب على هذه السلع، فيما إذا كانت اتجاهات الطلب ذات طبيعة مؤقتة أو طارئة، فإنها لا تشجع هؤلاء المنتجين على زيادة حجم الاستثمار، أو إذا كانت ذات طبيعة مستمرة، فهي تؤدي إلى زيادة حجم الاستثمارات.
ونخلص مما تقدم، إلى أن هناك علاقة وطيدة تربط بين أثر كل من المضاعف والمعجل، يجب أن تؤخذ في الحسبان، عند دراسة الآثار التراكمية في كل من الدخل والاستهلاك والاستثمار التي يحدثها الإنفاق الحكومي الأولي، وكذلك المصدر الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل الإنفاق العام، ويلاحظ أن تحليل أثر المضاعف والمعجل يتلاءم مع ظروف الدول المتقدمة التي تملك جهازا" إنتاجيا" مرنا"، يستطيع الاستجابة للزيادة في الطلب الناجمة عن زيادة الإنفاق العام.
ولا يتفق مع ظروف الدول النامية التي تملك جهازا" إنتاجيا" غير مرن. إلا أن هذه الدول تستطيع أن تدخل في حسابها، وتستفيد من التفاعل والتداخل بين كل من المضاعف والمعجل، وهو ما يعرف بالمضاعف المزدوج أو المركب، الذي يؤدي إلى استمرار الحركة التراكمية للاستثمار المولد إلى ما وراء القيود التي يفرضها الميل الحدي للادخار الموجب على المضاعف، يؤدي إلى سرعة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1) .
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله


if you fail to plan you plan to fail


كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم
1accountant غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-05-2009, 11:07 PM
  #2
1accountant
 الصورة الرمزية 1accountant
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: مصر
العمر: 40
المشاركات: 2,094
افتراضي مشاركة: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

آثار النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي (1)
يعد موضوع توزيع الدخل القومي من الموضوعات الهامة، ليس فقط في مجال الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإنما كذلك في مجال الدراسات المالية، فهو يرتبط بعلاقة وثيقة مع نظرية الإنتاج، ويتوقف على الفلسفة الاقتصادية والسياسية التي تتبناها الدولة.
ويقصد بإعادة توزيع الدخل القومي، تغيير حالة توزيع الدخل القومي عن طريق تدخل الدولة، باستخدام الوسائل المالية وغير المالية؛ أي أن إعادة التوزيع تتطلب المقارنة بين حالتين، حالة يتم فيها توزيع أولي للدخل، تتدخل الدولة لتغيير هذه الحالة، إلى حالة لا تقم فيها الدولة بإجراء تغيير في التوزيع.
يتحدد توزيع الدخل القومي في الاقتصاديات الرأسمالية التي تقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، بين مختلف الموارد والقوى الاقتصادية التي تساهم في عملية الإنتاج، وفقا" لقوانين السوق في صورة أجور أو أرباح أو فوائد أو إيجارات. وهو ما يؤدي إلى وجود تفاوت كبير في توزيع الدخل، مما يتطلب تدخل الدولة، لإدخال التعديلات اللازمة التي تجعله أقرب إلى العدالة والمساواة؛ أي ما يعرف بإعادة توزيع الدخل القومي باستخدام النفقات العامة.
وتباشر الدولة تدخلها في إعادة توزيع الدخل القومي على مرحلتين، فهي تتدخل أولا" في توزيع الدخل القومي بين الذين شاركوا في إنتاجه؛ أي بين المنتجين وهو ما يعرف بالتوزيع الأولي، ثم تتدخل ثانيا" عن طريق إدخال التعديلات التي تراها ضرورية، من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإقليمية، على التوزيع الأولي. وهذا ما يعرف بإعادة توزيع الدخل القومي، أي التوزيع بين المستهلكين، أو التوزيع النهائي.
1- تدخل الدولة في التوزيع الأولي (بين المنتجين):
ففي هذه المرحلة، يكون تدخل الدولة في توزيع الدخل القومي بين المنتجين، والتأثير فيه عن طريقين:
أ‌- يتحدد تدخل الدولة في بادئ الأمر عن طريق النفقات الحقيقية، التي تؤدي إلى خلق زيادة مباشرة في الإنتاج القومي، وهو ما يعني أن هذه النفقات الإنتاجية، تؤدي إلى توزيع دخول جديدة على عناصر الإنتاج التي أسهمت في خلق هذه الزيادة في الإنتاج، وهي الأجور والفوائد والريع والأرباح؛ أي أنها تؤدي إلى توزيع الدخول بين المنتجين.
ب‌- ويكون الأثر الثاني من خلال تحديد مكافآت عوامل إنتاج، وهي الأجور والفوائد والأرباح والريع، ويتخذ هذا التحديد أحد الشكلين، مباشر أو غير مباشر ، فالتحديد المباشر يتم عن طريق تحديد الأجور (وضع حد أدنى للأجور)، وتحديد الفائدة (وضع حد معين بسعر الفائدة السائد)، وتحديد الإيجارات (تثبيت نسبة معينة للإيجار)، وتحديد نسب الأرباح (السماح بتوزيع نسبة معينة من الأرباح) ويلاحظ أن تحديد أي نوع من عائدات عوامل الإنتاج المذكورة، يؤثر في نصيب ذلك العامل من الدخل القومي، وأن محاباة الدولة لأي عامل من العوامل الإنتاجية، يعني توجيه التوزيع الأولي للدخل القومي لمصلحته. أما التحديد غير المباشر، فقد يكون من خلال أسعار السلع والخدمات المنتجة، ويترتب على هذا التدخل في الأسعار، التأثير في عائدات عوامل الإنتاج ومن ثم في توزيع الدخل فيما بينها.

2- تدخل الدولة في إعادة التوزيع (التوزيع النهائي):
وفي هذه المرحلة، تلجأ الدولة إلى إدخال تعديلات ضرورية على الدخول النقدية والعينية الناجمة عن التوزيع الأول، لإعادة توزيع الدخل بين المستهلكين. وتعتمد الدولة بشكل كبير على الأدوات المالية، في إعادة التوزيع في رفع مستوى رفاهية المواطنين، أو الرفاهية الجماعية أو القومية، ولتحقيق أكبر إشباع جماعي ممكن.
ويختلف تحديد أثر النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي من خلال التمييز بين النفقات العامة الحقيقية والنفقات العامة التحويلية، كما يتم إعادة توزيع الدخل القومي، فيما بين النفقات الاجتماعية المختلفة، أو فيما بين فروع الإنتاج المختلفة، أو فيما بين الأقاليم المختلفة. وذلك تبعا" لنوع النفقات العامة ، تحويلية أم حقيقية.
ومن ناحية أخرى، فإنه يمكن للنفقات العامة التي تقوم بها الدولة، أن تعيد توزيع الدخل القومي توزيعا" قطاعيا" وتوزيعا" إقليميا".
ويقصد بالتوزيع القطاعي: توزيع الدخل القومي بين القطاعات التي يتكون منها الاقتصاد القومي، زراعة، صناعة، خدمات...الخ. ويعرف التوزيع الجغرافي:
أنه توزيع الدخل القومي بين الأقاليم المختلفة التي يضمها الاقتصاد القومي داخل الدولة. وتباشر النفقات العامة أثرها في التوزيع الجغرافي والقطاعي بطريقتين:
مباشرة وغير مباشرة، وتتمثل الطريقة المباشرة من خلال ما تقرره الدولة في الخطة الاقتصادية والاجتماعية، من تنمية قطاع معين، أو منطقة أو إقليم معين فتلجأ إلى توجيه النفقات العامة الاستثمارية مباشرة إلى ذلك القطاع وتلك المنطقة؛ فيؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة مساهمة هذا القطاع في تكوين الدخل القومي، واستفادة العاملين فيه من منافع الاستثمار، أو تلجأ الدولة إلى زيادة دخول العاملين في قطاع معين أو منطقة معينة، مما يعيد توزيع الدخل القومي في صالح المستفيدين.
أما الطريقة غير المباشرة: فتتمثل بوسائل عديدة، أهمها:
- أن تمنح الدولة إعانات اقتصادية للمشاريع المقامة في منطقة معينة أو الداخلة ضمن قطاع إنتاجي معين.
- أن تقيم الدولة الهياكل الأساسية والاجتماعية المرتبطة بقطاع محدد، أو في منطقة معينة داخل الدولة، كالطرق ومراكز التدريب والطاقة والمطارات، ومحطات توليد الطاقة، الأمر الذي يشجع الاستثمار الخاص للتوجه إلى القطاع أو المنطقة التي ترغب الدولة بتطويره وتنميتها.
وتجدر الإشارة إلى أن دراسة آثار النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي، لا تقتصر على التعرف على طبيعة النفقات العامة؛ بل تتطلب أيضا" التعرف على مصدر تمويل هذه النفقات . فإذا كانت الدولة تعتمد في تمويل نفقاتها على إيراداتها من الضرائب التصاعدية التي تفرض على ذوي الدخل المرتفع، ومن الرسوم وإيرادات أملاك الدولة، فإن أثر النفقات العامة سوف ينصرف إلى تقليل التفاوت في الدخول بين الطبقات، ودون إحداث أية زيادة في الأسعار، مع مراعاة مرونة الجهاز الإنتاجي. وإذا كان تمويل النفقات العامة، يتم عن طريق الضرائب التي تفرض على الطبقة المتوسطة والفقيرة، أو من القروض العامة، أو من الإصدار النقدي الجديد، فإن أثر هذه النفقات سوف ينصرف إلى زيادة التفاوت في الدخول بين الفئات الاجتماعية، ويسبب زيادة في الأسعار وظهور التضخم، مع مراعاة مرونة الجهاز الإنتاجي، ومستوى التشغيل في الاقتصاد القومي.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله


if you fail to plan you plan to fail


كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم
1accountant غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-05-2009, 11:09 PM
  #3
1accountant
 الصورة الرمزية 1accountant
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: مصر
العمر: 40
المشاركات: 2,094
افتراضي مشاركة: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

تبويب النفقات العامة
تعددت أوجه الإنفاق العام، نتيجة تدخل الدولة المتزايد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وانتقال دور الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة، ثم إلى الدولة المنتجة، وأصبحت النفقات العامة تشمل أنواعا" متعددة لتحقيق أهداف محددة لكل منها، لذلك تركزت دراسات المالية العامة الحديثة على تحليل طبيعة كل من هذه النفقات العامة وتقسيماتها، تبعا" لوضع كل منها وآثاره ومنعكساته.
ولم تتناول دراسة طبيعة النفقات العامة في النظرية التقليدية الاهتمام اللازم بحده الأدنى، فقد كانت النفقات العامة في إطار مفهومها التقليدي ذات طبيعة واحدة نتيجة لوحدة أهدافها التي تقتصر على القيام بالوظائف الأساسية التقليدية الضرورية لتسيير المرافق الإدارية.
أما بعد اتساع نشاط الدولة، وزيادة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، فقد اكتسبت دراسة طبيعة وهيكل النفقات العامة أهمية كبيرة في العصر الحاضر، حيث أصبحت النفقات العامة تتخذ صورا" متعددة ومتنوعة، ويزداد هذا التنوع مع تزايد وظائف الدولة، وتزايد مظاهر تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. ولم تعد النفقات العامة تشكل كلا" متكاملا" متجانسا"؛ بل هي هيكل يظهر في صورة أشكال مختلفة تختلف فيما بينها اختلافا" بينا" سواء من حيث مضمونها أم من ناحية آثارها الاقتصادية والاجتماعية ونتائجها المالية.
ومن الطبيعي أن يدفع هذا الأمر كتاب المالية العامة إلى البحث عن أسس علمية منطقية واضحة، تسهيلا" لمهمة تحليل نشاط الدولة يمكن بالاعتماد عليها تبويب النفقات العامة وتقسيمها إلى أقسام متميزة، يضم كل منها النفقات العامة، التي تتصف بصفات مشتركة مما يتيح للباحث الاقتصادي والمالي تحليل النفقات العامة، وفقا" لأسس علمية اقتصادية، تمكن من تتبع الآثار المباشرة وغير المباشرة لكل منها، وتبعا" لذلك يمكن التمييز بين نوعين رئيسين (1) لتبويب النفقات العامة وتقسيمها هما:
- التبويب العلمي (الموضوعي) للنفقات العامة.
- التبويب الوضعي للنفقات العامة وفقا" للقوانين النافذة في كل دولة.

المبحث الأول
التبويب العلمي (الموضوعي) للنفقات العامة
ويقصد بتبويب النفقات العامة، وضع هذه النفقات في أقسام وزمر متجانسة، وتمييزها تمييزا" واضحا" بعضا" عن بعض، ومن الواضح أن هناك تقسيمات متعددة للنفقات العامة، تتعدد بتعدد أغراض الدراسة وتختلف فيما بينها باختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى هذه النفقات. لذلك فقد تعددت أسس تبويب وتقسيم النفقات العامة من إدارية واقتصادية وسياسية ومالية، وإن كان التبويب والتقسيم العلمي الاقتصادي للنفقات العامة قد احتل المكانة الأولى بين هذه التقسيمات لشموله من ناحية، ولفائدته في مجال التحليل المالي والتعرف على آثار النفقات العامة من ناحية أخرى، وسوف نعرض فيما يلي أنواع التبويب العلمية للنفقات العامة كالتالي:
أولا"- التبويب الوظيفي للنفقات العامة (تبعا" لأغراضها).
ثانيا"- تبويب النفقات العامة حسب دوريتها وانتظامها.
ثالثا"- تبويب النفقات العامة حسب نطاق سريانها.
رابعا"- تبويب النفقات العامة تبعا" لتأثيرها في الإنتاج القومي.
وفيما يلي شرح موجز لكل من أنواع التبويب المذكورة للنفقات العامة:
أولا"- التبويب الوظيفي للنفقات العامة (تبعا" لأهدافها):
يعد التبويب الوظيفي للنفقات العامة تبويبا" حديثا" نسبيا"، فهو يعتمد على المفهوم الحديث للمالية العامة التي لم تعد قاصرة على مجرد تمويل النفقات الإدارية للحكومة، بل أصبحت أداة لتنفيذ سياستها، والاضطلاع بوظائف اقتصادية واجتماعية متعددة، فالتبويب الوظيفي يظهر النفقات العامة للدولة، حسب الوظائف التي تقوم بها، أي أنه يتبع النشاطات المختلفة التي تقوم بها الدولة ووفقا" لهذا التبويب تصنف النفقات العامة طبقا" للوظائف والخدمات التي تقوم بها الدولة في مختلف المجالات، وبناء" على ذلك يتم تبويب النفقات العامة في مجموعات متجانسة، بحيث تخصص كل مجموعة لوظيفة معينة من هذه الوظائف.
ومن هنا فإن النفقات العامة للدولة، يمكن أن تظهر تبعا" للوظائف التالية:
1- النفقات العامة الاقتصادية: وتشمل الأموال المخصصة للقيام بخدمات تهدف إلى تحقيق هدف اقتصادي ومثال ذلك الاستثمارات في المشاريع الاقتصادية المتنوعة، والإعانات والمنح الاقتصادية والنفقات التي تستهدف تزويد الاقتصاد القومي بالخدمات الأساسية كالطاقة والنقل...الخ.
2- النفقات العامة الاجتماعية: وتتضمن النفقات العامة اللازمة للقيام بخدمات اجتماعية، كالمبالغ التي تمنح لبعض الفئات الاجتماعية أو الأفراد أو الأسر الكبيرة ذات الدخل المحدود، والنفقات العامة المخصصة للخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية والضمان الاجتماعي.
3- النفقات الإدارية: وهي تتضمن النفقات العامة المخصصة لتسيير المرافق العامة، من رواتب وأجور للعاملين في الإدارات الحكومية، وأثمان مستلزمات الإدارات الحكومية، كما تتضمن المبالغ المخصصة للجهاز الإداري من أجل إعداده وتدريبه، لكي يكون قادرا" على أداء الخدمات العامة على الوجه الأكمل، كما يدخل ضمنها، المبالغ اللازمة لتحقيق الأمن الداخلي واستمرار العلاقات مع الخارج.
4- النفقات العسكرية: وهي تتضمن النفقات العامة المخصصة لإقامة واستمرار مَرافق الدفاع الوطني من رواتب وأجور ونفقات إعداد ودعم وتجهيز القوات المسلحة، وبرامج التسليح في أوقات السلم والحرب.
5- النفقات المالية: وهي تتضمن النفقات العامة المخصصة من أجل أداء أقساط وفوائد الدين العام والأوراق والسندات المالية الأخرى.
يحقق التبويب الوظيفي عددا" من المزايا، ويخدم أهداف أطراف عديدة، فهو يتيح حرية كبيرة في تبويب النفقات العامة، فيمكن أن نجمل هذه الوظائف والأغراض، فيؤدي ذلك إلى تبويب النفقات العامة إلى أنواع محدودة، كما يمكن أن نفصلها؛ فيؤدي ذلك إلى تعدد هذه الأنواع، ولا شك أن ذلك الإجمال والتفصيل يتوقف على الهدف من التبويب والغرض من الدراسة.
كما ُيمَكّن التبويب الوظيفي السلطة التشريعية والدارسين، من تتبع تطور النفقات العامة على الوظائف المختلفة، ويساعد على إدراك وتقدير الأهمية النسبية لوظائف الدولة، كما ييسر إجراء المقارنات بين وظائف الدولة المختلفة، ومثيلاتها في الدول الأخرى.
وقد تم توجيه انتقادات إلى هذا التبويب من حيث عدم قدرته على التغلب على بعض الصعوبات الفنية والعملية المتعلقة بخصوصية بعض النفقات العامة، وبخاصة عندما نواجه بعض النفقات التي ليس لها طابع وظيفي، أو أنها تخص أكثر من وظيفة واحدة، فإن احتسابها على وظيفة معينة سيتقرر بطريقة تحكمية. ومن ناحية ثانية فإن تبويب وظائف الدولة إلى عدد محدود ينجم عنه عدم تجانس مكونات كل وظيفة، مما ينتفي معه إلى حد ما الهدف الرئيسي من التبويب الوظيفي.
ومع ذلك يبقى هذا التبويب على قدر من الأهمية لما يتيحه من حرية وإمكانات في تحليل نشاط الدولة، وتتابع تطور هذا النشاط خلال سنوات مختلفة، وإجراء المقارنة بين الوظائف المختلفة للدولة الواحدة، ومقارنتها مع الدول الأخرى (1) .

ثانيا"- تبويب النفقات العامة حسب دوريتها وانتظامها:
نميز وفقا" لهذا التبويب، حسب الانتظام والدورية، ما بين نفقات عامة عادية، ونفقات عامة غير عادية.
ويقصد بالنفقات العامة العادية، تلك النفقات العامة التي تنفق بشكل دوري ومنتظم سنويا". دون أن يعني هذا الانتظام والتكرار ثبات مقدار النفقة، أو تكرارها بالحجم ذاته. ومثالها الرواتب والأجور ونفقات الصيانة، ونفقات العدالة وفوائد القروض العامة، ونفقات الإدارة.
أما النفقات العامة غير العادية (الاستثنائية): فيقصد بها تلك النفقات العامة التي لا تتكرر بانتظام ولا تتميز بالدورية. فهي تحدث على فترات متباعدة، وبصورة غير منتظمة، ومثالها النفقات العامة الاستثمارية الضخمة (بناء السدود والخزانات) ونفقات مكافحة البطالة ونفقات الحرب والنفقات العامة اللازمة لمواجهة الكوارث الكبيرة كالفيضانات والزلازل.
وتتضح الفائدة من تبويب النفقات العامة على هذا الشكل، في إرساء قاعدة هامة في مجال تمويل النفقات العامة، فالنفقات العادية تتكرر بصورة دورية، مما يجعل الحكومة قادرة على تقديرها بدقة، وتدبير ما يلزم لتغطيتها من الإيرادات العادية، إيرادات أملاك الدولة، والضرائب والرسوم. أما النفقات غير العادية، فهي حسب طبيعتها غير متوقعة.. ومن ثم فإنه لا ضرر من السماح للحكومة بتمويلها عن طريق اللجوء إلى الإيرادات العامة غير العادية، القروض العامة والإصدار النقدي الجديد.
وفي الواقع إذا كان هذا التبويب يبدو صحيحا" في مظهره فإنه في حقيقة الأمر منتقد من حيث الأساس الذي يعتمد عليه، ومن حيث الغرض الذي يهدف إليه.
فالتبويب إلى نفقات عادية، ونفقات غير عادية، يقوم على أساس نسبي وتحكمي، فهو يستند إلى قاعدة تعتمد على مجرد واقعة التكرار السنوي للنفقة العامة، فإذا نظرنا إلى النفقات العامة، بالاعتماد على فترة أكثر من سنة (5 سنوات أو 10 سنوات) فإن العديد من النفقات العامة غير العادية، يتحول إلى نفقات عامة عادية، وبخاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أن الاتجاه الحديث في بعض الدول هو وضع الخطط المالية لفترات تزيد على السنة، وإذا أخذنا بالمنظور الضيق للفترة الزمنية أقل من سنة فإن عددا" من النفقات العامة العادية تتحول إلى نفقات عامة غير عادية. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، يؤخذ على هذا التبويب أنه يتفق مع الفكر المالي التقليدي ودور الدولة الحارسة والذي يؤكد على تغطية النفقات العامة العادية بالإيرادات العامة العادية، وهي إيراد أملاك الدولة والضرائب والرسوم. إلا أنه عندما تغيرت الظروف، وتطور دور الدولة إلى الدولة المتدخلة، فأدى هذا التدخل المتزايد في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة النفقات العامة وإلى تنوعها، كالنفقات العامة المخصصة للحروب، أو لمعالجة الأزمات الاقتصادية والبطالة، أو التوسع في رأس المال المنتج، أو لتحقيق التنمية الاقتصادية في الدول النامية، فلم تعد الإيرادات العادية كافية لتغطيتها، وكان لا بد مع هذا الوضع من البحث عن إيرادات جديدة للتمويل، كالقروض العامة والإصدار النقدي الجديد، وهكذا وجد الفكر المالي حلا" لمشكلته، في تبويب النفقات العامة إلى نفقات عامة عادية يتم تمويلها من الإيرادات العامة العادية، وإلى نفقات عامة غير عادية يتم تمويلها من الإيرادات العامة غير العادية.
ولم يكتف الفكر التقليدي بالاعتماد على فترة السنة، للتمييز بين النفقات العامة العادية وغير العادية، وتبرير اللجوء إلى الإيرادات العامة غير العادية، بل تَمَسّكَ هذا الفكر بعدة معايير أخرى، للتفريق بين النفقات العامة العادية وغير العادية؛ كالمدة التي تتم فيها النفقة والمدة التي تنتج فيها النفقة آثارها والنفقة التي تولد الدخل وإنتاجية النفقة أو المساهمة في تكوين رأس المال (1) .
وهكذا إذا كان تبويب النفقات العامة إلى عادية وغير عادية سليما" في ظل المالية العامة التقليدية، فإنه غير سليم في ظل المالية العامة الحديثة. حيث فقد هذا التبويب أهميته في الوقت الحاضر، بخاصة وأنه من النادر أن تلتزم الدول بالقاعدة الخاصة بالإيرادات العامة. إذ تلجأ الدول في كثير من الأوقات، إلى الإيرادات العامة غير العادية، لتمويل العجز في الموازنة العامة، أيا" كان مصدر هذا العجز، فالمالية العامة الحديثة تبرر اللجوء إلى أي نوع من أنواع الإيرادات العامة، في ضوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمالية السائدة في الدولة ذات العلاقة (2) .
ثالثا"- تبويب النفقات العامة حسب نطاق سريانها:
يعتمد هذا التبويب للنفقات العامة على مبدأ شمول الإنفاق، وبناء على ذلك، تبوب النفقات العامة وفقا" لنطاق سريانها إلى نفقات عامة مركزية وأخرى نفقات عامة محلية، وللتمييز بينهما هناك ثلاثة معايير يمكن الاعتماد عليها وهي (3) :
1- معيار المستفيد من النفقة:
تعتبر النفقة العامة مركزية، إذا كانت موجهة لصالح مجتمع الدولة بكامله، مثل نفقات الأمن والدفاع والبحوث العلمية...الخ،في حين إذا كانت النفقة العامة موجهة لصالح سكان إقليم معين أو منطقة معينة داخل الدولة، فهي نفقة محلية، مثل نفقات إيصال الكهرباء والماء والهاتف...الخ.
ويؤخذ على هذا المعيار أن النفقات العامة المركزية يعود نفعها إلى كل إقليم من أقاليم الدولة، كما أن النفقات العامة المحلية يعود نفعها على جميع المواطنين في المجتمع.

2- معيار من يتحمل عبء النفقة العامة:
تعتبر النفقة العامة مركزية، إذا تحمّل المجتمع عبأها عن طريق الموازنة العامة للدولة، وتكون النفقة العامة محلية إن تحمّل عبأها مجتمع الإقليم عن طريق الموازنة المحلية للإقليم. وتم توجيه انتقادات عديدة لهذا المعيار؛ لأن كثيرا" من النفقات المحلية تمول بإعانات من الموازنة العامة للدولة، ولهذا فإن عبء النفقات المحلية يقع على عاتق المجتمع بكامله، وليس على مجتمع الإقليم.
3- معيار الموازنة التي ترد فيها النفقة العامة:
يرى بعض الاقتصاديين أن خير معيار، هو النظر إلى الموازنة التي ترد فيها النفقة العامة(1) . ومن ثم فإن النفقة العامة مركزية إن وردت في الموازنة العامة، وتكون النفقة العامة محلية إن وردت في موازنة الإقليم، بغض النظر عن المستفيد منها، ومن يتحمل عبأها.
وقد انتُقد هذا المعيار من ناحية أن تبويب النفقات العامة وإدراجها في الموازنة العامة للدولة والموازنة المحلية يعتمد على اعتبارات تاريخية وسياسية مختلفة. بيد أن هذا التبويب على الرغم من الانتقادات العديدة التي وُجهت إليه، لا يخلو من فائدة من الناحية الإدارية، فهو يساعد على إجراء المقارنة في الإنفاق على مستوى الأقاليم، وتحديد نصيب الفرد من هذا الإنفاق في كل إقليم، كما يسهل عملية متابعة تطور الإنفاق خلال الفترات المختلفة، الأمر الذي يمكن السلطة المركزية من تحديد أي الأقاليم أحوج إلى إعانات من السلطة المركزية.
رابعا"- تبويب النفقات العامة، تبعا" لتأثيرها في الإنتاج القومي:
يمكن تبويب النفقات العامة وفقا" لتأثيرها في الإنتاج القومي إلى نوعين هما: النفقات العامة الحقيقية، والنفقات العامة التحويلية.
وتنطوي النفقات العامة الحقيقية بصفة عامة، على النفقات العامة التي تؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج القومي، فهي بالمعنى الواسع لها: النفقات المنتجة التي تتم بمقابل. بينما يقصد بالنفقات العامة التحويلية ، تلك النفقات العامة التي لا تؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج القومي، ولا تفعل بصورة مباشرة، سوى إنها تحول القوة الشرائية فيما بين الأفراد والجماعات، أي لا تعدو كونها تعيد توزيع الدخل القومي وهي عادة تتم دون مقابل، وقد اعتمد كتاب المالية العامة في التفرقة بين النفقات العامة الحقيقية، والنفقات العامة التحويلية، على ثلاثة معايير متداخلة، وهي التالية:
1- معيار المقابل المباشر:
المقابل المباشر هو: ما تحصل عليه الدولة من الأموال المادية أو الخدمات مقابل نفقاتها العامة، وبناء على ذلك، تكون النفقة العامة حقيقية، إذا ما حصلت الدولة على خدمات أو أموال عينية مقابل نفقاتها العامة، وتكون النفقة العامة تحويلية إذا كانت تتم دون مقابل لها.
ولا يغير من طبيعة هذه النفقات الحقيقية -التي تحصل الدولة على مقابل لها في صورة سلع أو خدمات- قيام الدولة بتوزيع هذه السلع والخدمات بعد ذلك بالمجان على المواطنين كالخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، إذ تعتبر نفقاتها من بين النفقات الحقيقية التي حصلت الدولة في مقابلها على كل من خدمات الموردين والمقاولين الذين قاموا بعملية الإنشاء وتزويدها بالمعدات اللازمة لها، وخدمات القائمين على شؤونها كالمعلمين والأطباء والمختصين الاجتماعيين. فالعبرة هي واقعة الإنفاق ، وليست العبرة في التوزيع المجاني، الذي يعتبر واقعة أخرى لاحقة عليها.
2- معيار الزيادة المباشرة في الإنتاج القومي:
فالنفقات العامة الحقيقية هي تلك النفقات التي تخصصها الدولة مباشرة لاستخدام جزء من الموارد الاقتصادية للمجتمع، في إنتاج السلع والخدمات لإشباع الحاجات العامة، أي التي تؤدي إلى خلق إنتاج جديد، وزيادة الدخل القومي بصورة مباشرة، مثل النفقات المخصصة للدفاع وللخدمات المدنية والتعليم والقضاء والمواصلات والبريد، والنفقات التحويلية تلك النفقات التي تخصص للمدفوعات التي تتم دون مقابل، مثل إعانات المرض والبطالة والمعاشات والإعانات الاقتصادية التي تدفع إلى بعض المنتجين، لتخفيض أسعار السلع والخدمات التي ينتجونها، وفوائد الدين العام، أي أن النفقات التحويلية لا تؤدي إلى استخدام مباشر لموارد المجتمع، ومن ثم لا تؤدي إلى زيادة مباشرة في الإنتاج القومي.
ولكن يبدو أن هناك صعوبة في اعتبار النفقات العامة حقيقية أو تحويلية عندما يتعلق الأمر بشراء سلع وخدمات سبق إنتاجها قبل شرائها، والواقع أن هذه النفقات المخصصة لشراء السلع والخدمات المنتجة نفقات حقيقية، لأنها تؤدي إلى خلق طلب جديد على عوامل الإنتاج، وبالتالي تؤدي في حقيقة الأمر إلى خلق إنتاج جديد، وبخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عنصر التوقع في طبيعة الطلب الفعلي ودوره في تحديد الإنتاج (1) .
3- معيار من يقوم بالاستهلاك الفعلي المباشر للموارد الاقتصادية للمجتمع:
من المعروف أن الإنتاج يعني استهلاك جزء من عناصر الإنتاج، وبذلك فإننا يمكن أن نفرق بين النفقات الحقيقية، والتحويلية بالاعتماد على تأثيرها في استهلاك الموارد المادية وعناصر الإنتاج، ومن يقوم بهذا الاستهلاك هل هو الشخص العام الذي قام بالإنفاق أم الأفراد، ونكون أمام نفقات حقيقية إذا كانت الدولة (الشخص العام) هي التي تستخدم وبصورة مباشرة الموارد العينية وعناصر الإنتاج، مثل رواتب وأجور الموظفين والعمال، أو ما يعرف بالاستهلاك الحكومي المباشر، أما النفقات التحويلية فهي النفقات التي تؤدي إلى استهلاك الموارد العينية وعناصر الإنتاج استهلاكا" غير مباشر، مثل إعانات البطالة والمرض والشيخوخة والعجز والطفولة، فالأفراد الذين تتحول هذه النفقات لحسابهم للمستفيدين، هم الذين يقومون بالإنفاق وباستهلاك جزء من الموارد الاقتصادية للمجتمع وليست الدولة.
إن تبويب النفقات العامة إلى نفقات عامة حقيقية، ونفقات عامة تحويلية، قد استند في أساسه إلى ما يترتب على النفقات العامة من آثار مباشرة في الإنتاج القومي، وقد أدى هذا الأساس ببعض الكتّاب إلى التعبير عن هذا التبويب تعبيرا" أكثر صراحة في إظهار هذا الأساس، وتبعا" لذلك قام هؤلاء الكّتاب بتقسيم النفقات العامة إلى ”نفقات عامة منتجة“ و ”نفقات عامة موزعة“ وهم يقصرون أثر النفقات العامة الموزعة على إعادة توزيع الدخل القومي دون زيادته ودون أن ينكروا على النفقات العامة المنتجة، أنها تؤدي هي الأخرى إلى آثار توزيعية.
وقد قسم بعض كتّاب المالية العامة النفقات العامة التحويلية إلى أنواع مختلفة تبعا" للغرض منها، فهناك النفقات العامة التحويلية المباشرة وغير المباشرة، ويقصد بالنفقات التحويلية المباشرة تلك النفقات التي تتحول من الدولة إلى المستفيد على شكل دخول نقدية، وتعرف كذلك بالتحويلات النقدية، أما النفقات التحويلية غير المباشرة فهي أن يتلقى المستفيد منها سلعة أو خدمة بالمجان أو أن يدفع ثمنا" يقل عن تكلفة إنتاجها، وتسمى التحويلات العينية. وتقسم كذلك النفقات التحويلية إلى ثلاثة أنواع:
1- النفقات العامة التحويلية الاجتماعية: وتتم بلا مقابل، وتهدف إلى رفع مستوى معيشة بعض الأفراد، أو الطبقات الاجتماعية، مثل إعانات المرض والعجز والشيخوخة والبطالة وإعانات دعم الاستهلاك.
2- النفقات العامة التحويلية الاقتصادية: وهي الإعانات التي تمنح لبعض المشروعات الإنتاجية، أو لبعض فروع الإنتاج، بهدف تخفيض نفقات الإنتاج، وتصريف المنتجات بأثمان منخفضة أو لرفع معدلات الربح.
3- النفقات العامة التحويلية المالية: وتتمثل بفوائد الدين العام واستهلاكه، بالمفهوم التقليدي.
وتختلف الأهمية النسبية لكل من النفقات العامة الحقيقية، والنفقات العامة التحويلية من دولة إلى أخرى وفي الدولة الواحدة من وقت إلى آخر، حسب المرحلة التي يمر بها الاقتصاد القومي، وتشكل النفقات التحويلية نسبة مرتفعة من إجمالي النفقات العامة، ويرجع ذلك إلى أسباب عديدة، أهمها زيادة الأخذ بنظام التأمينات الاجتماعية، وازدياد الإعانات الاجتماعية، وإعانات تحسين مستوى المعيشة، وازدياد اللجوء إلى القروض العامة، وزيادة انتشار الأزمات الاقتصادية وانتشار البطالة.
إن تبويب النفقات العامة وتقسيمها، إلى نفقات عامة حقيقية ونفقات عامة تحويلية يقع على قدر كبير من الأهمية، وبخاصة في مجال التحليل الاقتصادي، والتعرف على مستوى الطلب الفعلي، ويساعد كذلك الدول التي ترغب في اتباع سياسة ضغط النفقات العامة، على التعرف على حصة كل من النفقات الحقيقية والتحويلية، والتركيز على ضغط النفقات العامة التحويلية، وبخاصة في الدول النامية، التي تقضي ظروفها المحافظة على مستوى مرتفع من النفقات المنتجة، لتحقيق أهدافها في التنمية والتطوير (1)
المبحث الثاني
التبويب الوضعي للنفقات العامة
بعد أن استعرضنا أهم أنواع التبويب العلمي الموضوعي للنفقات العامة وتقسيماتها يطرح السؤال نفسه ما هو موقف المشرع المالي من هذه التقسيمات العلمية وإلى أي مدى يأخذ بها في تصنيفه للنفقات العامة في الموازنة العامة للدولة؟
فالتقسيمات العلمية ليست ملزمة، ومن ثم فإنه من الصعب أن نضع قواعد تحدد تبويبا" واحدا" للنفقات العامة تتبناه جميع الدول، فالتبويب الوضعي يختلف من دولة إلى أخرى حسب نظامها الاقتصادي والسياسي والمالي، وحسب مرحلة التطور التي تمر بها ويلاحظ أن الدول المختلفة تتبنى أنواعا" من التبويب تختلف في أحيان كثيرة عن التبويب العلمي، ولكنها في أغلب الأحيان تجمع بين معايير عديدة، وبخاصة التقسيمات الإدارية، والتقسيمات الوظيفية يحكمها في ذلك الاعتبارات السياسية والإدارية والتاريخية والوظيفية.
وسوف نستعرض بعض أنواع التبويب الوضعي لعدد من الدول المختلفة.
أولا"- تبويب النفقات العامة في موازنة الولايات المتحدة الأمريكية (1) :
يجري تبويب النفقات العامة في موازنة الولايات المتحدة على أساس التبويب الوظيفي والتبويب الإداري منذ زمن بعيد، ويتضمن التبويب الوظيفي أي تبعا" للوظائف التي يتم عليها الإنفاق، أو الغرض الذي تهدف إليه النفقة، الأقسام التالية:
- الدفاع الوطني.
- الشؤون الدولية وتمويلها.
- المساعدات والخدمات الخاصة بالمحاربين القدماء.
- الرفاهية والصحة والتعليم.
- الزراعة والموارد الزراعية.
- الثروة الطبيعية.
- التجارة والقوة العاملة.
- الإدارة الحكومية.
- فوائد الدين العام.
ثم يستمر تبويب الموازنة العامة بعد ذلك داخل الإطار الوظيفي تبعا" للسلطات الإدارية التي تقوم بالإنفاق وهي الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات.
ثانيا"- تبويب النفقات العامة في الموازنة العامة للملكة الأردنية الهاشمية (1) :
يقوم النظام المالي في المملكة الأردنية الهاشمية على وجود عدد من الموازنات، يمكن تبويبها إلى أربع مجموعات وهي:
1- الموازنة العامة للدولة بفرعيها الاستثماري والجاري.
2- موازنات المؤسسات ذات النشاط الإنتاجي، ويبلغ عددها (16) موازنة مستقلة.
3- موازنات الشركات العامة المتمثلة بشركات القطاع المختلط، حيث تأخذ هذه الشركات شكل الشركات المساهمة، تساهم الدولة بجزء من رأسمالها، وتسمى الموازنات المستقلة.
4- موازنات الوحدات ذات النشاط الإداري وهي أيضا" موازنات مستقلة مثل الموازنات الخاصة بالجامعات، معهد الإدارة العامة، مؤسسة التدريب المهني، مجمع اللغة العربية، مستشفى الجامعة الأردنية، الجمعية العلمية الملكية، المصرف المركزي الأردني.
وتبوب النفقات العامة في الموازنة العامة للدولة، وفق تبويب مركب يتكون من ثلاثة عناصر أساسية وهي:
-التبويب الإداري – التبويب النوعي – التبويب القطاعي.
ويلاحظ أن المشرع المالي الأردني قد دمج التبويب الوظيفي مع التبويب الإداري للنفقات في كشف واحد، حيث تظهر النفقات العامة مبوبة حسب الإدارات الحكومية الرئيسة، وكذلك حسب الوظائف التي تخدمها هذه النفقات، وقد أطلق على كل إدارة حكومية رئيسة مصطلح الفصل، وأعطيت الفصول أرقاما" متسلسلة دون الإشارة إلى أي ترميز عشري.
وسوف نستعرض التبويب الوضعي في سورية:
يقوم النظام المالي في الجمهورية العربية السورية على وجود عدد من الموازنات يمكن تبويبها إلى ما يلي:
1- الموازنة العامة الموحدة للدولة وتتضمن اعتمادات الإنفاق العام وتقديرات الإيرادات العامة بشقيها الجاري والاستثماري.
2- الموازنات التقديرية للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، وهي موازنات لاعتمادات الإنفاق الجاري للمؤسسات والشركات والمنشآت العامة ذات الطابع الاقتصادي تعد استنادا" إلى الخطط السنوية لكل منها، وترتبط بالموازنة العامة للدولة وفق قاعدة الصوافي.
3- الموازنات المنفصلة لكل من الوحدات الإدارية المحلية ومديريات الأوقاف، وهي موازنات منفصلة عن الموازنة العامة للدولة وترتبط بها وفق قاعدة الصوافي.
وتجدر الإشارة إلى أن اعتمادات الإنفاق الجاري للجهات العامة ذات الطابع الإداري (هيئات عامة، وحدات حسابية مستقلة) ترصد في الموازنة العامة للدولة في الأبواب (1و2و4و5).
المبحث الثالث
تبويب النفقات العامة في الجمهورية العربية السورية
حدد القانون المالي الأساسي للدولة في سورية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (92) لعام 1967 وتعديلاته تبويب النفقات العامة في سورية بما يلي:
- تبويب وظيفي: وهو التبويب الذي يظهر نفقات الموازنة على أساس وظائف الدولة المختلفة (الدفاع، الأمن الداخلي، التعليم، الخدمات الصحية والثقافية..).
- تبويب إداري: وهو التبويب الذي يظهر نفقات كل وحدة إدارية على حده، من وزارة أو إدارة أو مؤسسة عامة بالشكل الذي يخصص فيه لكل وزارة قسم مستقل ولكل إدارة أو مؤسسة عامة تابعة لها فرع مستقل.
- تبويب نوعي: وهو التبويب الذي يظهر نفقات كل وحدة إدارية على أساس طبيعة النفقة، وذلك بالشكل الذي يظهر فيه التبويب نفقاتها الاستثمارية وعناصر نفقاتها الجارية (من أجور ونفقات عامة ونفقات تحويلية...الخ). ولكل نوع من هذه النفقات باب مستقل. وتقسم النفقات إلى خمسة أبواب (الرواتب والأجور- النفقات الإدارية- المشاريع الاستثمارية- النفقات التحويلية- الديون والالتزامات واجبة الأداء)، كما تتوزع نفقات كل باب من أبواب الموازنة العامة للدولة على بنود وفقرات.
- تبويب إقليمي: وهو التبويب الذي يظهر بصورة مستقلة نفقات الإدارة المركزية في جهاز الدولة، ونفقات كل محافظة على حدة..
وقد اعتمدت الموازنة العامة للدولة حتى عام 1983 أسلوب (التبويب الإداري)، ويقوم هذا التبويب بطريقة تحليلية بعرض الموازنة العامة للدولة على مستوى وزارات الدولة وإداراتها ومؤسساتها وهيئاتها العامة.
ويفيد هذا التبويب عند إقرار الموازنة والتصويت عليها من قبل مجلس الشعب (الهيئة البرلمانية) على مستوى كل قسم (وزارة)، وفرع (هيئة أو مؤسسة تابعة للوزارة)، وكذلك على مستوى الأبواب لكل قسم أو فرع على حده، وفقا" لأحكام الدستور. ولا يقدم هذا التبويب أي خدمة لأغراض التجميع والتحليل والتخطيط.
ونظرا" لأهمية تبويب الموازنة العامة للدولة باعتبارها من أهم أدوات التخطيط المالي فقد تم إدخال تطور جزئي في تبويبها باستخدام أسلوب التبويب الإداري/القطاعي لاعتمادات الموازنة العامة للدولة، وذلك منذ عام 1984، وتم تطبيق هذا التبويب على الحاسوب الإلكتروني في وزارة المالية بدءا" من موازنة عام 1985. ويقوم هذا التبويب على تقسيم اعتمادات الجهات العامة في الدولة وفقا" للقطاعات المكونة للاقتصاد الوطني.
ويهدف هذا النوع من التبويب إلى ربط تدفقات بيانات الشركات والمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي ببيانات الموازنة العامة للدولة، وقطع الحساب الختامي لها، وكذلك ربط هذه البيانات ببيانات الخطة الخمسية. مما يسهل انسياب البيانات من جهة، ويساعد على إجراء الدراسات والمقارنات والتحليل وتقويم الأداء والنتائج من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن التبويب الجديد للموازنة العامة في سورية يعد خليطا" بين التبويب (الوظيفي والإداري) أو (قطاعي/إداري)، حيث توزع الاعتمادات على القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني وكل وزارة مع مؤسساتها وشركاتها التابعة على حده، وتوزع هذه الاعتمادات نوعيا" على الأبواب الخمسة للموازنة العامة للدولة، وذلك بأسلوب تقسيمات الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتبويبها نفسه.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله


if you fail to plan you plan to fail


كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم
1accountant غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:57 PM