مشاركة: البنوك الالكترونية
الفصل الرابع
(4) المساعي الدولية المبذولة لتذليل العقبات القانونية أمام التبادل الإلكتروني للبيانات
(1:1) القانون النموذجي:
يهدف القانون النموذجي المصحوب بدليل للتشريع والمعد من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) في حزيران 1996، إلى مساعدة المشرعين ومستعملي وسائل الإبلاغ الإلكترونية عن طريق تقديم شرح وأيضاح لمعنى ومراد أحكام "القانون النموذجي" وفضلا عن ذلك، فإن عددا من القضايا التي لم يتناولها "القانون النموذجي" قد جرى تناولها في الدليل بغية توفير توجيه للدول التي تسن تشريعات في هذا الصدد. والمادة 2 (ب) تورد تعريفا للتبادل الإلكتروني للبيانات ويستخدم هذا المصطلح ليشمل أي وسيلة إبلاغ إلكترونية مثل التبادل الإلكتروني للبيانات، أي أرسال البيانات من كمبيوتر إلى كمبيوتر في شكل قياسي موحد، والبريد الإلكتروني للبيانات، أي إرسال البيانات من كمبيوتر إلى كمبيوتر في شكل قياسي موحد، والبريد الإلكتروني، وإستخدام الإنترنت، فضلا عن إستخدام التقنيات الأقل تطورا والمتمثلة في النسخ البرقي والفاكس.
وتنص المادة 1 من القانون النموذجي، التي تتناول نطاق التطبيق، على أنه "ينطبق هذا القانون على أي نوع من المعلومات يكون في شكل رسالة بيانات مستخدمة في سياق أنشطة تجارية" أما تعريف "رسالة بيانات" في المادة الثانية (أ) فيجعل من الواضح أنها تشمل أي معلومات يتم إنتاجها أو إرسالها أو إستلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو ضوئية أو بوسائل مماثلة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر التبادل الإلكتروني للبيانات أو البريد الإلكتروني أو البرق أو التلكس أو النسخ البرقي. وتقدم نصوص بديلة للدول التي قد ترغب في قصر تطبيق القانون النموذجي على "رسائل البيانات الدولية" أو في توسيع مدى إنطباقة ليتجاوز نطاق الانشطة التجارية، ويشار أيضا إلى أنه ينبغي تفسير مصطلح "أنشطة تجارية" تفسيرا واسعا على أنه يشمل المسائل الناشئة عن جميع العلاقات ذات الطابع التجاري سواء أكانت تعاقدية أم لم تكن.
ويحدد الفصل الثاني من الأحكام العامة من "القانون النموذجي" تطبيق الإشتراطات القانونية على رسائل البيانات. وهو يشمل ما يمكن إعتباره العناصر الرئيسة المطلوبة من اجل إعطاء رسائل البيانات نفس المركز الذي تتمتع به المستندات الورقية. فالمادة 5 تنص بوضوح على المبدأ الأساسي القاضي بأنه يجب عدم إنكار صحة المعلومات وقابليتها للإنفاذ لمجرد أنها مقدمة في شكل رسالة بيانات. بيد أنها لا تتدخل في جوهر المعلومات نفسها أو في مفعولها القانوني بل هي تذكر فقط أن الشكل الذي تقدم به المعلومات ينبغي ألا يؤدي إلى إنكار صحتها. والغرض من هذه المادة هو تذليل المشاكل الناشئة عن الإشتراطات المنصوص عليها في قوانين وطنية معينة، مثل إشتراط "الكتابة" أو تقديم "الأصل".
وتورد المواد 6 و 7 و 8 المتطلبات التي ينبغي أن تفي بها رسالة بيانات لكي يمكن إعتبارها مستوفية لمتطلبات "الكتابة" و "التوقيع" و "الأصل". وبعبارة أخرى، فإن هذه المواد لا نحاول توسيع نطاق تعاريف هذه المصطلحات لكي تشمل مفهوم عمليات الإبلاغ الإلكترونية، بل هي تعتمد بدلا من ذلك ما يطلق عليها نهج "النظير الوظيفي" (Functional – Equivalent Approach)، أي أنها تحاول تحديد مقاصد ووظائف الإشتراطات الشكلية المرتكزة على المستندات الورقية بغية تحديد المعايير التي يجب أن تفي بها رسالة بيانات من أجل إعطائها نفس الإعتراف القانوني الذي يعطي للمستند الورقي. وترد في المادتين 9 و 10 الأحكام التي تتناول جواز قبول رسائل البيانات بإعتبارها دليلا في الإجراءات والدعاوى القانونية وقيمتها في الإثبات، فضا عن الأحكام المتعلقة بتخزين رسائل البيانات.
ويشتمل الفصل الثالث على الأحكام التي تتناول قضايا مثل إنشاء العقود وصحتها، والإعتراف برسائل البيانات وصحتها فيما بين الأطراف، وإسناد رسائل البيانات، والإقرار بالإستلام، ووقت ومكان إرسال وإستلام رسائل البيانات. والقصد من هذه الأحكام أن تطبق في الحالات التي تكون فيها الأطراف المتعاملة قد أغفلت تناول هذه القضايا في إتفاقها الإبلاغي، وبديلا عن ذلك فإنه يمكن إستخدامها من أجل إعداد إتفاقات من هذا القبيل، أو في ظل عدم وجود اتفاق ابلاغي، مثل الإبلاغ على شبكة مفتوحة. ولذلك فإن الأطراف مسموح لها بتعديل احكام الفصل الثالث فيما بينها، بشرط ألا تؤثر على حقوق والتزامات الأطراف الثالثة.
واحد الأهداف الرئيسة للقانون النموذجي هو "تيسير إستخدام تقنيات إبلاغ عصرية وتوفير عنصر اليقين في إستخدام هذه التقنيات عندما لا يمكن بواسطة النصوص التعاقدية تجنب العقبات أو الريبة الناشئة عن الأحكام القانونية "بيد أن هذا القانون لا يقدم مجموعة شاملة من القواعد تتناول كل جانب من جوانب استعمال وسائل الإبلاغ الإلكترونية، إلا أنه يعتبر قانونا "إطاريا" يتطلب قواعد ولوائح إجرائية إضافية ضرورية لتنفيذ تقنيات الإبلاغ هذه في الدول التي تسن قوانين في هذا الصدد.
(2:4) إتفاقات التبادل الإلكتروني:
في ظل عدم وجود إطار تنظيمي محدد يحكم المعاملات القائمة على التبادل الإلكتروني للبيانات، فإنه قد جرى إستحداث إتفاقات التبادل الإلكتروني بغيه التغلب على أوجه عدم التيقن الناشئة عن إستخدام القوانين / التشريعات القائمة بخصوص استخدام التبادل الإلكتروني للبيانات. وإتفاقات التبادل الإلكتروني "هي ترتيبات تعاقدية تهدف إلى تناول عددا من القضايا القانونية والتقنية المرتبطة بإستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات بين الأطراف المتعاملة، بما في ذلك دور ومسؤوليات الأطراف المعينة".
وكانت أول محاولة دولية لإحداث التناسق في الممارسات المتعلقة بالتبادل الإلكتروني للبيانات هي إعداد "قواعد السلوك الموحدة للتبادل الإلكتروني للبيانات التجارية بواسطة الإرسال عن بعد" في عام 1987 (قواعد السلوك الموحدة) تحت رعاية غرفة التجارة الدولية. وكانت هذه القواعد الموحدة قد أعدتها لجنة خاصة مشتركة تابعة لغرفة التجارة الدولية، إشترك فيها عدد من المنظمات المهتمة مثل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، والأونكتاد، واللجنة الإقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الإقتصادي، والمنظمة الدولية لتوحيد المقاييس ومجلس التعاون الجمركي (الذي يسمى الآن المنظمة الجمركية العالمية)، ولجنة الإتحادات الأوروبية، ومنظمة تبادل البيانات بواسطة الإرسال عن بعد في أوروبا، ولجنة التأمين الأوروبية.
وقد أعد عدد من الإتفاقات والمبادئ التوجيهية النموذجية الخاصة بتبادل البيانات، مثلا الإتفاقات القياسية للتبادل الإلكتروني للبيانات التي أعدتها رابطة التبادل الإلكتروني للبيانات في المملكة المتحدة ونيوزيلندا، والإتفاقات النموذجية للتبادل الإلكتروني للبيانات التي اعدها مجلس التبادل الإلكتروني للبيانات في استراليا، والمركز الدولي لبحوث ودراسات قانون المعلوماتية والإتصالات السلكية واللاسلكية (Credit) في فرنسا، وإتفاقات الشركاء التجاريين في مجال التبادل الإلكتروني للبيانات في كندا، وإتفاق الشركاء التجاريين النموذجي بشأن التبادل الإلكتروني للبيانات التي أعدته رابطة المحامين الأمريكية (والذي يتعين إستخدامه فقط فيما يتعلق ببيع السلع وشرائها)، وإتفاق التبادل الإلكتروني للبيانات، الذي إعتمدته في عام 1991 الفرقة العاملة المعنية بتيسير إجراءات التجارة الدولية والتابعة للجنة الاقتصادية لأوروبا (الفرقة العاملة الرابعة).
وتهدف جميع اتفاقات التبادل الإلكتروني الى ايجاد تيقن وامن قانونيين، بالنص على مجموعة من الاحكام وتأتي تنظيم العلاقات المتبادلة بين مستعملي التبادل الإلكتروني للبيانات، بما في ذلك الأحكام والشروط التي يعاملون بموجبها. ومعظم إتفاقات التبادل الإلكتروني تنص بشكل محدد على أنها تطبق على علاقات الإبلاغ والإتصال فيما بين الأطراف وليس على الإلتزامات التعاقدية الناشئة عن العمليات والإتفاقات الأساسية المضطلع بها عن طريق إستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات، وعلى سبيل المثال، فإن التعليق على إتفاق التبادل الإلكتروني النموذجي للجنة الإقتصادية لأوروبا يؤكد على أن "هذا الإتفاق لا يورد قواعد تنظيم العمليات والإتفاقات ذات الصلة التي قد يستخدم من أجلها التبادل الإلكتروني للبيانات بالنظر إلى أن هذه العمليات والإتفاقات تنطوي على مجموعات القواعد القانونية المنطبقة الخاصة بها".
وتتناول اتفاقات التبادل الإلكتروني النموذجية عددا من القضايا التي تثير إهتماما اساسيا، وعادة ما يسمح للأطراف بإجراء التعديلات والتكييفات الضرورية، تبعا لطبيعة العملية التي ينطوي عليها الأمر، وقد أعدت بعض الإتفاقات النموذجية من أجل أنواع محددة من العمليات.
وتصمم عادة إتفاقات نموذجية لكي يستعملها شريكان تجاريان، بيد أن بعض الإتفاقات النموذجية تسمح بتكييف أحكامها من أجل إستعمالها إستعمالا متعدد الأطراف فيما بين شركاء تجاريين أو متعددين أو من جانب جماعة مستعملين للتبادل الإلكتروني للبيانات. وتكون معظم الإتفاقات النموذجية مصحوبة بتعليق يراد به إستعماله بالإقتران مع الإتفاق لشرح الغرض من أحكام الإتفاق ومفعوله المقصود، ولتوفير توجيه في إعداد الإتفاق الفعلي المتعلق بالتبادل الإلكتروني.
وتوجد تباينات كبيرة فيما بين اتفاقات التبادل الإلكتروني بشأن مدى ونطاق تغطيتها للقضايا التقنية والقانونية، وكذلك بشأن الطريقة التي يجري بها تناول هذه القضايا، وفيما يلي أمثلة للقضايا الرئيسة التي تغطيها معظم اتفاقات التبادل الإلكتروني:
- المواصفات التقنية والتشغيلية، مثل صيانة المعدات المناسبة والبرمجيات ونظام الإبلاغ وهيكل وشكل رسائل البيانات المراد إرسالها، ووسائل الإبلاغ، وإختيار مقدمي الخدمات من الأطراف الثالثة، الخ.
- معالجة الرسالة، والإقرار باستلام رسائل البيانات أو التحقق من استلامها (إذا كان ذلك أمرا مطلوبا) والمهلة الزمنية لإرسال الإقرار بالإستلام والنتائج القانونية، الخ.
- التدابير الأمنية المتخذة ضد مخاطر الوصول على نحو لم يؤذن به إلى رسائل التبادل الإلكتروني للبيانات، أو تغيير هذه الرسائل أو فقدانها او تدميرها، والتزام الأطراف بإعتماد إجراءات امنية معقولة بتحديد تدابير أمنية معينة مثل التوقيعات الإلكترونية.
- أحكام بشأن سرية رسائل البيانات، إذا كان ذلك مطلوبا.
- تسجيل وتخزين رسائل التبادل الإلكتروني للبيانات المرسلة لأغراض الضرائب والمحاسبة ومراجعة الحسابات والإستخدام كأدلة وللأغراض القانونية أو الأغراض الرقابية أو الإدارية الأخرى، والمهلة الزمنية (التباينات في القوانين الوطنية) وشكل التخزين / التخزين بالشكل الأصلي، الـخ.
- صحة العقود التي يجري إنشاؤها بإستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات وقابليتها للإنفاذ، ومدى قبول رسائل البيانات وحجيتها في الإثبات في حالة المنازعات، وإنشاء العقود.... الـخ.
- المسؤولية عن عدم اداء التزامات بموجب إتفاق التبادل الإلكتروني، وإستبعاد المسؤولية عن فقدان أو ضرر معين، والمسؤولية عن أفعال أو أوجه إغفال معينه من جانب مقدمي الخدمات من الأطراف الثالثة.
- الأحكام المتعلقة بحل المنازعات المحتملة، مثل شرط تحكيم أو شرط ولاية قضائية.
- إختيار القانون الذي يحكم اتفاق التبادل الإلكتروني.
وقد تمكنت الأطراف التجارية، عن طريق استخدام اتفاقات التبادل الإلكتروني، من التقليل إلى أدنى حد من المخاطر وأوجه عدم التيقن الناشئة عن العمليات التي لم يكن يتناولها القانون. بيد أنه ينبغي تذكر أن اتفاقات التبادل الإلكتروني هي اتفاقات تعاقدية من حيث طبيعتها، وبناء على ذلك فإنه ترد حدود على إستخدام هذه الإتفاقات منها على سبيل المثال ما يلي:
- إن الإلتزامات الناشئة عن التشريعات الإلزامية لا يمكن التغلب عليها بترتيبات تعاقدية. فحينما يكون إشتراط وجود مستند ورقي او توقيع بخط اليد او القابلية للتداول، ..... الـخ، ناشئا عن قانون الزامي، فإن الحل لا يكون عن طريق الأحكام التعاقدية لإتفاقات التبادل الإلكتروني بل عن طريق تغيير التشريع.
- إن احكام عقد ما تكون ملزمة فقط للأطراف في هذا العقد، ولا يمكن أن ننظم حقوق والتزامات الأطراف الثالثة التي لا تكون أطرافا في ذلك الإتفاق.
(3:4) توقيعات التصديق الرقمية ومتطلبات التوثيق، والثقة، وعدم التنصل:
يكتسي أمن المعلومات وصحة الرسائل اهمية بالغة في الميدان الإلكتروني، وغياب وثيقة ورقية وتوقيع بخط اليد يجعل من الصعب التمييز بين الرسالة الأصلية والنسخة. ومما يعزز خطر التزوير إمكانية تحوير الرسائل الإلكترونية بسهولة دون إكتشاف ذلك، وتزداد الحاجة الحاحا الى شكل من أشكال الإجراءات الأمنية في إطار نظم الإتصال عبر الشبكات المفتوحة مثل الإنترنت، ففي شبكة مغلقة، توفر العلاقات التعاقدية والإجراءات الأمنية للنظام ضمانة فيما يخص هوية الشركاء التجاريين او سلامة المعلومات، وهذه الآليات غير كافية أو غير مناسبة في هيكل أساسي عام مثل الإنترنت، حيث تتم الصفقة بين أشخاص من مختلف أنحاء العالم لا يعرفون على الإطلاق بعضهم البعض. وهكذا فإن ازدياد إستخدام شبكات الإتصال المفتوحة سيعني أيضا خطر التزوير والإطلاع غير المسموح به على المعلومات.
بيد أن المخاطر الملاحظة التي تميز الشبكات المفتوحة تعوق تحقيق هذه التطورات، فيمكن إعتراض طريق الرسائل وتحريفها، ويمكن إنكار صحة المستندات، ويمكن تجميع بيانات شخصية بصورة غير مشروعة. وبدا التزوير بشتى أشكاله يزداد فعلا، لهذا لا يتم اليوم تبادل المستندات الإلكترونية الهامة عادة إلا في ما يسمى بـ "الشبكات المغلقة" أي الشبكات التي يشارك فيها مستعملون توجد بينهم بالفعل علاقات تعاقدية وثقة متبادلة. ولا يمكن نقل هذا النموذج الى الشبكات المفتوحة بسبب عدم وجود مثل هذه العلاقات بين المستعملين. ونتيجة لذلك لا يمكن ان تستغل جاذبية ومزايا العمل المصرفي عبر الإنترنت والتجارة والإتصالات الإلكترونية بالكامل.
وللإستفادة من الفرص المصرفية والتجارية التي توفرها الأتصالات الإلكترونية عبر الشبكات المفتوحة، لا بد إذن من بيئة مأمونة وجديرة بالثقة، وتحظى تكنولوجيات الترميز في الوقت الراهن بإعتراف واسع النطاق بوصفها الأداة الأساسية للأمن والثقة في الإتصالات الإلكترونية، وتساعد التوقيعات الرقمية على إثبات مصدر البيانات (التوثيق) والتحقق مما إذا كانت البيانات قد حرفت (السلامة) ويمكن ان يساعد الترميز على الحفاظ على سرية البيانات والإتصالات.
ويعتبر وجود آليات أمنية موثوقة بالتالي حاسما لتهيئة بيئة إلكترونية جديرة بالثقة، وتستخدم حاليا تقنيات متنوعة مثل تقنيات "التوقيع الرقمي" وغيره من أشكال التوقيعات الإلكترونية (أية رموز أو حروف الكترونية أو رسائل مماثلة) أو يجري إستحداثها كي تؤدي وظائف التوقيعات بخط اليد في بيئة الكترونية.
وبعد إنشاء نظام قانوني ينظم هذه التوقيعات أساسيا للعمل المصرفي عبر الإنترنت، ويجري حاليا عمل كبير لمعالجة القضايا القانونية للتوقيعات الرقمية على الصعيد الوطني والإقليمية والدولية•.
ومن المعترف به أن التوقيعات الرقمية توفر حلاً للمسائل بتوثيق وسلامة الرسائل الإلكترونية، خاصة في إطار الصفقات التي تتم بواسطة نظم الشبكات المفتوحة التي لا يعرف فيها الأطراف بعضهم البعض على الإطلاق ، وليست لهم أية علاقات تعاقدية سابقة، بيد أن توسيع نطاق إستخدام التوقيعات الرقمية يتطلب التكييف للأطر القانونية الوطنية، لتمكين هذه التكنولوجيات من تحقيق الهدف المنشود المتمثل في توفير بيئة إلكترونية جديرة حقا بالإعتماد والثقة، وهناك حاجة إلى هيكل من تحقيق الهدف المنشود المتمثل في توفير بيئة إلكترونية جديرة حقا بالإعتماد والثقة. وهناك حاجة إلى هيكل أساسي قانوني يحدد كل القواعد والنظم الملائمة فيما يخص التوقيعات الرقمية وسلطات التصديق والمسائل ذات الصلة، بما في ذلك الأثر القانوني لهذه التوقيعات، وحقوق الأطراف وواجباتهم وسلطات التصديق ومسؤولياتهم تجاه من يعتمد بحسن نية على الشهادات التي تصدرها، والمعايير التي ينبغي أن تستوفيها سلطات التصديق، وما إذا كان ينبغي أن تكون مراقبة ومعتمدة ومرخص لها من جانب الحكومة أم أنها كيانات تجارية مشغلة بحرية، والإعتراف الدولي بالشهادات.
ويعتبر وضع بعض الشروط لعمل سلطات التصديق من خلال آلية ترخيص أو الإذن الحكومي ضروريا لتعزيز الثقة في التوقيعات الرقمية وزيادة إستخدامها. والواقع أن بعض القوانين ومشاريع التشريعات الوطنية الأخيرة تحدد معايير للتصريح أو الترخيص العام لسلطات التصديق، وإعتمد الفريق العامل التابع للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، في مناقشة الموضوع نهجا مزدوجا يجمع بين كل من سلطات التصديق المرخص لها حكوميا وسلطات التصديق غير المرخص لها في القواعد الموحدة المقبلة. غير أنه رئي ان الفرق بين الحالتين سيكمن في الفعالية القانونية الممنوحة للتوقيعات الرقمية في حالة أو أخرى.
وتتبع القوانين ومشاريع التشريعات الوطنية الأخيرة الرامية الى معالجة القضايا القانونية المتصلة بالتوقيعات الرقمية وسلطات التصديق في معظم الأحيان، نهجا مختلفاً إزاء المسائل المعنية، غير أن وضع نهج تشريعيه متنوعة وغير موحدة يمكن أن يشكل بالفعل عائقا للعمل المصرفي عبر الإنترنت دوليا، ويمكن أن يساعد عمل منظمات حكومية دولية ومنظمات دولية من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في توحيد وتنسيق القوانين المتعلقة بهذا الموضوع دوليا، وما زالت المناقشات داخل الفريق العامل المعني بالتجارة الإلكترونية التابع للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري من أجل إعداد مشروع قواعد موحدة بشأن هذا الموضوع في مرحلة أولية، ومن المتوقع تحديد مبادئ مشتركة لوضع القوانين والأنظمة المقبلة.
غير أن البلاغ الذي إعتمدته لجنة الإتحادات الأوروبية، على الصعيد الأوروبي، بشأن التوقيعات الرقمية أو الترميز في تشرين الأول / 1997 وإعلان بون الوزاري الصادر في تموز / 1997 شددا على ضرورة وضع إطار قانوني وتقنية للتوقيعات الرقمية على مستوى أوروبا، وشملت الإجراءات المتعلقة بالسياسة العامة التي أقترحها البلاغ وضع إطار مشترك للتوقيعات الرقمية، وإتخاذ إجراءات من جانب الإتحاد الأوروبي، وأورد مشيرا إلى الأنظمة المفصلة التي يجري إعدادها في بعض الدول الأعضاء (مثل فرنسا والمانيا وإيطاليا والدنمارك وبلجيكا). وسيكون الهدف المقترح لأية مبادرة على مستوى الجماعة هو "تشجع الدول الأعضاء على أن تنفذ بسرعة تدابير ملائمة لبناء الثقة في التوقيعات الرقمية" لهذا نظرت اللجنة في إقتراح أول تشريع اساسي، في إطار معاهدة أمستردام، إستنادا الى البلاغ، وسيشمل نطاق إطار الجماعة ما يلي:
1. وضع شروط قانونية مشتركة فيما يخص سلطات التصديق، وإعتبر أن تحديد معايير مشتركة لأنشطة سلطات التصديق سيؤدي إلى وضع إطار يسمح بالإعتراف بالشهادات التي تصدرها هيئة تصديق بدولة ما عضو في طائفة الدول الأعضاء الأخرى.
2. الإعتراف القانوني بالتوقيعات الرقمية، ولكي تقبل التوقيعات الرقمية على أوسع نطاق ممكن، قد يكون من اللازم تكييف النظم القانونية الوطنية كي تؤمن للتوقيعات الرقمية نفس الإعتراف والمعاملة التي توفرها للتوقيعات التقليدية.
3. التعاون الدولي، بما أن الإتصالات الإلكترونية هي اتصالات دولية، يقترح القيام فور تحديد موقف للجماعة، بوضع إطار على الصعيد الدولي يشمل مشاركة اوروبا في المبادرات والمحافل الدولية.
(1:3:4) مشروع بوليرو:
يهدف نظام بوليرو إلى توفير برنامج لضمان تبادل مأمون لمستندات التجارة الإلكترونية عن طريق تطبيق مركزي للبيانات. ويقوم بوضع مشروع بوليرو التعاوني جمعية الإتصالات المالية بين المصارف على مستوى العالم (S.W.I.F.T) وهي تعاونية تملكها المصارف وتتولى المسؤولية عن المراسلات المتعلقة بالدفع فيما بين المصارف، ونادي النقل المباشر، وهو شركة تأمين تبادلي تمثل الناقلين ووكلاء الشحن ومتعهدي المحطات النهائية وسلطات الموانئ، وظهر نظام بوليرو الى الوجود كمبادرة متعددة الصناعات في عام 1992 وتلقى في مراحلة الأولى بعض التمويل من الإتحاد الأوروبي.
وبإيجاز سيوفر نظام بوليرو برنامجا أساسيا يمكن المستعملين من إرسال المعلومات إلى مستعملين آخرين بطريقة سرية وغير محرفة. وسيشتغل هذا النظام بوضع توقيع رقمي للمستعمل على كل رسالة توجه إلى نظام بوليرو هذه الرسالة إلى المرسل اليه، وفضلا عن ذلك فإن أنواع الرسائل المختلفة، مقرونة بضمانه تؤكد أن الرسالة أصلية (وتسمى عادة "مفردة" أو فريدة" بالمصطلحات الإلكترونية) ستمكن المستعملين من نقل الحقوق، ويعتزم نظام بوليرو ربط كافة المشتركين بسلسلة التجارة الدولية، وسيتفاعل ويعمل في شراكة مع الشبكات القائمة، وموردي برامج الكمبيوتر كي تعزز الحلول الخاصة المملوكة للمستعملين لا أن تكون بديلا لها.
وسيعمل التوقيع الرقمي للمستعمل إستنادا الى مفتاح عام / خاص، وسيزود كل مستعمل عند تسجيل نفسه لإستخدام النظام، بمفتاح خاص منهجي مولد بالكمبيوتر لا يعرفه إلا هو، وسيكون بإمكان متلقي الرسائل من مستعمل بعينه أن يتحقق من هوية المستعمل بإستعمال مفتاحه العام، وهكذا يمكن التأكد من صحة وسلامة جميع الرسائل المرسلة عبر نظام بوليرو ولن يمكن رفضها (التنصل منها).
وتمثل رابطة بوليرو المحدودة المستعملين المحتملين لإحدى خدمات بوليرو وتتألف من مستوردين ومصدرين وناقلين ووكلاء شحن ومصارف وسلطات موانئ ومتعهدي محطات نهائية وشركات تأمين، ومن المرجح أن تشكل رابطة بوليرو المحدودة مجموعة مستعملين لنقل المعلومات بين المستعملين وخدمة بوليرو عند إقامتها.
وستستند خدمة بوليرو إلى إطار قانوني ملزم يتألف من دفتر قواعد وعقد خدمة، وستدرج في هذين العقدين الرئيسين وثيقة تأمين شامل من المسؤولية والتبعة.
ودفتر القواعد هو عقد متعدد الأطراف بين جميع مستعملي نظام بوليرو وملزم لهم. ويتمثل هدفة في السماح للمستعملين بمحاكاة النتائج القانونية المحققة حاليا في البيئة التي تستخدم الورق عند إستعمال الرسائل الإلكترونية بدلا من المستندات، ولن يتدخل دفتر القواعد في العقود الأساسية (مثل عقود السداد والتمويل) بين المستعملين إلا في الحالات التي تفرضها الأحكام المتعلقة بمحاكاة الآثار القانونية لهذه العقود في بيئة إلكترونية.
ويشمل دفتر القواعد بالإضافة الى الأحكام والشروط العامة، الأحكام التي تتضمنها عادة إتفاقات التبادل، وتشمل صحة الرسائل الإلكترونية وقابليتها للتنفيذ ومقبوليتها كدليل أمام المحاكم وغيرها من الهيئات القضائية. والأمن وحماية البيانات والقانون الساري، ويتضمن دفتر القواعد طبقا لهدفه المتمثل في عدم التدخل في العقود الأساسية بين المستعملين، حكما يتعلق بوجود ولاية قضائية غير حصرية ويسمح للأطراف بالإستمرار في إختيار محفل لتسوية المنازعات التجارية، وتتمثل العناصر الرئيسة لدفتر القواعد في الأحكام التي تضمن الطابع الملزم قانونيا لمعالجة ونقل سندات الشحن القابلة للتداول عن طريق نظام بوليرو وإنهما يحققان نفس النتائج القانونية التي تتحقق بالمستندات الورقية.
وستشمل عقود الخدمة المسائل المتصلة بإستخدام خدمة بوليرو وتنظم معايير الخدمة والأمن والسرية والمسؤولية والتبعة، وستحدد أيضا العلاقة بين خدمة بوليرو والموردين من طرف ثالث.
والهدف من خدمة بوليرو هو توفير وثيقة تأمين من المسؤولية والتبعية لحماية الصفقات الأساسية للمستعملين وضمان الثقة في عمليات النظام، وعلى الرغم من أن التفاصيل لم تستكمل بعد، فمن المقترح أن تكون خدمة بوليرو مسوؤلة عن التاخر في نقل الرسائل أو الخطأ في تسليمها أو كشف المعلومات السرية.
وسيحكم طلب التملك المركزي القدرة على نقل الحقوق، وسيحتفظ طلب التملك بسجل بمن له حقوق في مستند معين، ولكن هذه المعلومات لن تتاح إلا لمن يأذن له صاحب الحقوق بذلك لأسباب تتصل بالسرية.
لا يمكن في الوقت الراهن مراجعة القوانين المذكورة ومسايرتها للتقنيات الجديدة للمواصلات والإنترنت بصفة عاجلة، لأن ذلك يتطلب موارد مالية كبيرة وخبرات ومهارات بشرية متنوعة، وهذا لا يمكن إلا أن يكون بتعاون دولي كبير يمر حتما عبر المنظمات الدولية والأمم المتحدة.
لذا لا يمس "دفتر القواعد" بالجوهر الاساسي للمعاملات التجارية العالمية، ولا بالأصول والأعراف الموحدة للإعتمادات المستندية الصادرة عن غرفة التجارة الدولية (نشرة UCP 500) ولا المواثيق والمناشير المعمول بها في النقل الدولي، كاتفاقات النقل الجوي والبري والنقل الحديدي، .... الخ، وكل ما في الأمر هو الإتيان بمعادلة ثابتة، دقيقة وموثوق بها بين السندات الورقية المعتمدة والوثائق الإلكترونية المعتزم استعمالها. ولاحترام قوانين المنظومة، فإن كل مستعمل جديد يعتزم الدخول، فإنه مجبور على إمضاء دفتر القواعد مع عقد إذعان والتعهد بإحترام السلوكيات والمواثيق المعمول بها.
(4:4) القيمة الإثباتية لرسائل البيانات:
إن مسألة مدى قبول الرسائل الإلكترونية ووزنها الإثباتي في الإجراءات القضائية والإدارية تنهض بدور مركزي في تطوير العمل المصرفي عبر الإنترنت، وبينما تكون القواعد السارية على قبول الإثبات في ولايات قضائية معينة قواعد مرنة نسبيا، ثمة نظم قانونية تعتمد نهجا صارما نسبيا إزاء الموضوع وتستبعد الرسائل الإلكترونية كدليل مقبول، والدراسات المعنية بالقواعد القانونية لقبول الإثباتات، التي أجرتها لجنة الإتحادات الأوروبية في إطار برنامج نظم التبادل الإلكتروني للبيانات التجارية، خلصت عموما إلى أن الشروط المعنية بالإثبات قد تكون عقبة تعترض تطوير تبادل البيانات إلكترونيا. ووصلت التحقيقات التي أجرتها أمانة الأونسيترال إلى نفس النتيجة، وهي أنه يوجد عدد أقل مما كان متوقعا من مشاكل إستخدام البيانات المخزنة في الكمبيوترات كدليل في المنازعات على الصعيد العالمي، ولذلك أوصت الأونسيترال الحكومات:
"بإعادة النظر في القواعد القانونية التي تعوق إستخدام السجلات الإلكترونية كأدلة في الدعاوى القضائية، بغية إزالة ما يحول دون قبولها من عقبات لا مبرر لها، والتأكد من أن هذه القواعد تتفق والتطورات في مجال التكنولوجيا، وتوفير الوسائل الملائمة لتمكين المحاكم من تقييم مصداقية البيانات الواردة في تلك السجلات".
ونقحت بعض البلدان تشريعاتها الوطنية أو أنها بصدد تنقيحها، لإتاحة قبول الأدلة المستندة إلى وسائل الكترونية، ولتوفير الإرشاد للدول في مجال إزالة العقبات التي تعترض استخدام الأدلة المستندة الى وسائل إلكترونية، يبين قانون الأونسيترال النموذجي أحكاما تعالج على حد سواء قبول رسائل البيانات وقيمتها كأدلة في الإجراءات القانونية. وتنص المادة 9 على ما يلي:
1. في أية إجراءات قانونية، لا يطبق أي حكم من أحكام قواعد الإثبات من أجل الحيلولة دون قبول رسالة البيانات كدليل إثبات:
أ- لمجرد أنها رسالة بيانات.
ب- أو بدعوى أنها ليست في شكلها الأصلي، إذا كانت هي أفضل دليل يتوقع بدرجة معقولة من الشخص الذي يستشهد بها أن يحصل عليه.
2. يعطي للمعلومات التي تكون على شكل رسالة بيانات ما تستحقه من حجية في الإثبات، وفي تقدير حجية رسالة البيانات في الإثبات، يولي الإعتبار لدرجة التعويل على الطريقة التي إستخدمت في إنتاج أو تخزين أو إبلاغ رسالة البيانات، ولدرجة التعويل على الطريقة التي إستخدمت في المحافظة على سلامة المعلومات، وللطريقة التي حددت بها هوية منشئها، ولأي عامل آخر يتصل بالأمر".
وتنص الفقرة (1) بوضوح على أنه ينبغي ألا يرفض قبول رسائل البيانات لمجرد أنها في شكل إلكتروني. والإشارة إلى قاعدة أفضل دليل (التي تستلزم أن تقدم الوثائق الأصلية دون سواها كدليل) تعد لازمة بالنسبة لأي ولايات قضائية تطبق القانون العام. ومثلما ذكر في دليل تشريع القانون النموذجي، فإن "مفهوم أفضل دليل" يمكن أن يثير قدرا كبيرا من الغموض في النظم القانونية التي لا تعرف فيها هذه القاعدة. أما الدول التي سيعتبر فيها هذا التعبير غير ذي معنى ويحتمل أن يكون مضللا، فقد ترغب في تطبيق القانون النموذجي دون الإشارة إلى قاعدة "أفضل دليل" الواردة في الفقرة(1).
وترسي الفقرة (2) المبدأ الذي مفاده أنه يجب أن "تكون المعلومات المقدمة في شكل رسالة بيانات ذات وزن إثباتي. وتبين الفقرة معاييرة معينة لتطبق في تقييم الوزن الإثباتي لرسالة البيانات، بما في ذلك مدى القبول والوزن الإثباتي للطريقة التي تنشأ بها رسالة البيانات او تخزن او تنقل او تحفظ، وكذلك طريقة تحديد هوية المرسل وأي عناصر اخرى ذات صلة.
وعادة تعالج الأطراف مسألة مدى قبول رسائل تبادل البيانات الكترونيا في إتفاقات التبادل المبرمة فيما بينها. وتعتمد إتفاقات التبادل النموذجية نهجا متنوعة إزاء المسألة. فهي كثيرا ما تنص على أن تقبل الأطراف الرسائل الإلكترونية كدليل، أو تتفق على أن لا تطعن في مدى قبول الأدلة الإلكترونية، أو على أن تولي نفس البينة الإثباتية كدليل، أو تتفق على أن لا تطعن في مدى قبول الأدلة الإلكترونية، إثباتية وطنية محددة، فالإتفاق النموذجي لرابطة المحامين الأمريكية يعالج "قاعدة أدلة شهود السمع" و "قاعدة أفضل دليل" الموجودتين في ولايات قضائية تطبق القانون العام، واللتين قد تشكلان عقبات تعترض مدى قبول الأدلة الإلكترونية. وينص الإتفاق على ما يلي:
"لا يطعن أي من الأطراف في مدى قبول نسخ الوثائق الموقعة بموجب إستثناء السجلات التجارية من قاعدة شهادة السمع أو قاعدة أفضل الأدلة، على أساس أن الوثائق الموقعة لم تصدر أو لم تحفظ في شكل وثيقة" (القسم 3 – 3 – 4)
غير أنه يجب ملاحظة أن صحة الإتفاقات التعاقدية بين الأطراف في اتفاق تبادل معني بمدى قبول الأدلة الإلكترونية، سيعتمد على طبيعة قواعد الإثبات في ولاية قضائية معينة. وبقدر ما تكون الأحكام المعنية بالأدلة إلزامية، لن تكون الإتفاقات التعاقدية فعالة. وهذه الأحكام التعاقدية لا يمكن مرة أخرى أن يعول عليها في المنازعات التي تنطوي على أطراف ثالثة ليست شريكة في الإتفاق وبالمثل، فإن الأحكام التعاقدية لن تكون فعاله حيثما يوجد شرط قانوني يشترط توافر وثيقة مكتوبة لأغراض الضرائب أو المحاسبة أو غير ذلك من الأغراض الرقابية، إلا إذا وجد ترخيص خاص صادر عن السلطات العامة فيما يتعلق بالسجلات الإلكترونية.
والإتفاق النموذجي الأوروبي لتبادل البيانات إلكترونيا وإتفاق التبادل النموذجي للجنة الإقتصادية لأوروبا يقران بوضوح بحدود إتفاق الأطراف بقدر ما يبيحه القانون الوطني، وينص الإتفاق النموذجي الأوروبي لتبادل البيانات الكترونيا على مايلي:
"بقدر ما يبيحه أي قانون وطني قد يكون ساريا، يتفق الأطراف بموجب هذا الإتفاق على أن سجلات رسائل تبادل البيانات إلكترونيا التي تحتفظ بها وفقا لأحكام وشروط هذا الإتفاق، تكون في حالة التنازع مقبولة أمام المحاكم وتشكل أدلة على الوقائع الواردة فيها، ما لم تقدم أدلة خلاف ذلك.
(5:4) تخزين رسائل البيانات:
يتيح القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي إرشادات تشريعية لإزالة الحواجز المتعلقة بتخزين رسائل البيانات السالف ذكرها بتأمين منح الإحتفاظ بالسجلات الإلكترونية، نفس المركز الذي يعطي للإحتفاظ بالسجلات الورقية، ومن ثم تنص المادة 10 على ما يلي:
1. عندما يقضي القانون بالإحتفاظ بمستندات او سجلات او معلومات بعينها، يتحقق الوفاء بهذا الشرط إذا تم الإحتفاظ برسائل البيانات، شريطة مراعاة الشروط التالية:
أ- تيسير الإطلاع على المعلومات الواردة فيها على نحو يتيح إستخدامها في الرجوع إليها لاحقا.
ب- الإحتفاظ برسالة البيانات بالشكل الذي إنتجت أو أرسلت أو أستلمت به، أو بشكل يمكن إثبات أنه يمثل بدقة المعلومات التي أنشئت أو أرسلت أو أستلمت.
ج- الإحتفاظ بالمعلومات، إن وجدت، والتي تمكن من الوقوف على منشأ رسالة البيانات وجهة وصولهاوعلى تاريخ ووقت إرسالها وإستلامها.
وتنص الفقرة (3) من المادة 10 على جواز اللجوء الى خدمات وسيط أو أي طرف آخر للوفاء بالإلتزامات المحددة في الفقرة (1) رهنا بمراعاة الشروط التي تفرضها الفقرات الفرعية (أ) و (ب) و (ج). وتتناول معظم إتفاقات التبادل مسألة تسجيل وتخزين الرسائل التي يتم تبادلها إلكترونيا، وتنص المادة 8 من الإتفاق النموذجي الأوروبي للتبادل الإلكتروني للبيانات على ما يلي:
8-1 يخزن كل طرف، بدون تعديل وبأمان، سجلا كاملا ومتسلسلا زمنيا لجميع الرسائل التي تتبادلها الأطراف الكترونيا" أثناء القيام بصفقة تجارية، وفقا للحدود الزمنية وللمواصفات المنصوص عليها في الشروط التشريعية لقانونه الوطني، وعلى أي حال، لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات من تاريخ إتمام الصفقة.
8-2 يخزن المرسل الرسالة التي يتم تبادلها إلكترونيا بالشكل المرسل به ويخزنها المستلم بالشكل الذي يستلمها به، ما لم تنص القوانين الوطنية على خلاف ذلك.
8-3 تكفل الأطراف يسر الإطلاع على السجلات الإلكترونية أو سجلات الكمبيوتر للرسائل التي يتم تبادلها إلكترونيا، وإمكانية إستنساخها بشكل يمكن للإنسان قراءتها، وأمكانية طبعها، إن أقتضى الأمر ذلك، ويحتفظ بأية معدات تشغيلية تكون لازمة في هذا الصدد.
ويذهب بعض الإتفاقات النموذجية، وفقا للمادة 10 (هـ) من مدونة القواعد الموحدة لتبادل البيانات التجارية، الى حد أبعد إذ أنها تشترط على الأطراف ضمان أن يشهد الشخص المسؤول عن نظام تجهيز البيانات أو طرف آخر على صحة سجل البيانات التجارية وعلى إستنساخها. وإتفاق التبادل الخاص بالمركز النرويجي للتبادل الإلكتروني للبيانات والإجراءات التجارية (النسخة 3 – صفر) يقضي بأن تتخذ الأطراف تدابير حيطة تكفل تخزين الرسائل التي يتم تبادلها إلكترونيا بطريقة تسمح بطبعها لاحقا على ورق.
(6:4) تحديد المسؤولية:
هنالك اتفاقات تبادل لا تتناول مسألة المسؤولية، مثل الإتفاق المعياري للتبادل في المملكة المتحدة وذكر في التعليق على الإتفاق أنه:
"ليس في إتفاق التبادل حكما خاصا يتعلق بإسناد المسؤولية عن إنتهاك أحكامه، ولا بالحد من أية مسؤولية, وهو يفترض، في حالة حدوث أي ضرر ينشأ مباشرة عن إنتهاك، أن المسؤولية تكمن حيثما وقعت" ولم يعتبر أن من الضروري، عند صياغة إتفاق التبادل، السعي للحد من مسؤولية طرف على حساب طرف آخر. وقد ينشأ بطبيعة الحال ضرر عنها يمكن أن ينجم بشكل غير مباشر عن إنتهاك أحكام اتفاق التبادل (مثلا أنتهاك السرية) ومن المرجح مع ذلك أن تنشأ هذه الأضرار بالخطأ او من إنتهاك العقد الأساسي القائم بين الطرفين وأية وسيلة للعلاج يمكن أن تلتمس وفقا لذلك، لا من خلال إتفاق التبادل".
وبالمثل، لا تتضمن المبادئ التوجيهية لإتفاقات التبادل التي أعدتها "منظمة تبادل البيانات بالنقل عن بعد في اوروبا" (ODETTE) أي حكم موضوعي يتعلق بالمسؤولية وهي تنص على "أن جميع مسائل المسؤولية الخاصة بإستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات من خلال المنظمة سواء بين الأطراف، أو فيما يتصل بأي طرف ثالث، تتقرر بالإحالة الى أي عقد ذي صلة للصفقة التجارية الاساسية".
ومع ذلك، تتضمن بعض إتفاقات التبادل أحكاما تجعل الأطراف مسؤولة عن أي خسارة أو ضرر ينجمان مباشرة عن عدم أدائها التزاماتها بموجب الإتفاق مع مراعاة بعض الإستثناءات، فالمادة 11 من الإتفاق النموذجي الأوروبي للتبادل الإلكتروني للبيانات تنص على أن:
11-1 لا يكون أي طرف في هذا الإتفاق مسؤولا عن أي خسارة أو ضرر يتكبدها الطرف الآخر بسبب أي تأخير أو قصور في الأداء وفقا لأحكام هذا الإتفاق، حيثما كان هذا التأخير أو القصور الناجمين عن عائق لا يد للطرف فيه، وما كان يمكن ان يتوقع منطقيا ان يؤخذ في الإعتبار وقت عقد الإتفاق، أو ما كان يمكن تفادي آثاره أو التغلب عليه".
وتعتبر الأطراف مسؤولة عادة عن أي خسارة أو ضرر ينشآن مباشرة عن فعل أو عن تقصير وسيط يتم تعيينه لأداء خدمات بعينها. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 11 من الإتفاق النموذجي الأوروبي للتبادل الإلكتروني للبيانات على الآتي:
11-3 إذا عين طرفا وسيطا لأداء خدمات مثل نقل أو تسجيل أو معالجة رسالة من رسائل التبادل الإلكتروني للبيانات يكون الطرف الذي طلب هذا الإستخدام مسؤولا إزاء الطرف الآخر عن الضرر الذي ينشأ عن أفعال هذا الوسيط أو اوجه فشله او تقصيره في توفير هذه الخدمات".
11-9 إذا طلب طرف من طرف آخر إستخدام خدمات وسيط للقيام بنقل أو تسجيل او معالجة رسالة من رسائل التبادل الإلكتروني للبيانات، يكون الطرف الذي طلب هذا الإستخدام مسؤولا إزاء الطرف الأخر عن الضرر الذي ينشأ عن أفعال هذا الوسيط أو أوجه فشله او تقصيره في توفير هذه الخدمات.
وتفرض بعض اتفاقات التبادل التزاما على المرسل بكفالة كمال ودقة رسائل البيانات المرسلة على أن المرسل لا يعتبر مسؤولا عن النتائج التي تترتب على النقل غير الكامل او غير الصحيح إذا كان الخطأ جليا بشكل معقول للمتلقي، وفي هذه الحالة يجب على المتلقي أن يخطر المرسل فورا بذلك. وتفرض إتفاقات اخرى التزاما على الطرف الملتقي بإخطار المرسل إذا وردت أية رسالة منقولة بشكل غير مقروؤ أو مشوه، بشرط التمكن من تعيين المرسل من الإرسال الوارد.
ومن شأن إعداد أحكام نموذجية قانونية تغطي جميع جوانب المسؤولية فيما يتصل بإستخدام وسائل الإتصال الإلكترونية، بما في ذلك مسؤولية الأطراف ومقدمي الخدمات ووضع اطراف ثالثة بريئة، أن ينشئ يقينا قانونيا وأن يساعد في تنمية العمل المصرفي عبر الإنترنت وتبادل البيانات الكترونيا بشكل عام. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه، لا تسري الأحكام التعاقدية المتعلقة بتحديد المسؤولية إلا على الأطراف. هذا علاوة على أن القانون الوطني الواجب تطبيقة يمكن أن يحد من قابلية إنفاذ قواعد تعاقدية معينة. وهناك حاجة إلى وضع مجموعة قواعد موحدة تحدد بوضوح مسؤلية الأطراف ومسؤولية مقدمي الخدمات والوسطاء وتحمي مصالح الأطراف الأخرى البريئة.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم