مشاركة: الرقابة المصرفية ومعايير لجنة بازل
1. أدى التحكم الإداري في أسعار الفائدة بوضع سقوف عليها في الدول ذات معدلات تضخم مرتفعة إلى جعل سعر الفائدة الحقيقي سالباً، وقد أدى هذا إلى دفع بعض المدخرين المحتملين إلى توجيه مدخراتهم إلى مشروعات منخفضة العائد يقومون بها بأنفسهم بدلاً من توجيهها للاستثمار عن طريق ادخارها بواسطة مؤسسات القطاع المالي.
2. أدى الانخفاض المفتعل للتمويل المصرفي، بسبب سقوف أسعار الفائدة، إلى اختيار مشروعات كثيفة رأس المال في مجتمعات كان الأولى بها أن تتجه إلى مشروعات كثيفة العمل وفقاً لمزاياها النسبية في هذا العنصر من حيث وفرته.
3. يترتب على ارتفاع معدلات التضخم في ظل الكبح المالي عدم استقرار لمكونات المحافظ المالية حيث يتحول توظيف المدخرات واستثمارها من الأصول المالية ذات العائد الحقيقي السالب إلى أصول مادية تتغير أسعارها بمعدل يساوي أو يزيد عن معدل التضخم فيما يعرف بوسائل التوقى من التضخم Inflation Hedges مثل العقارات وبعض السلع المعمرة والذهب.
4. كما يؤدي الكبح المالي إلى تدهور العائد إلى الأصول المالية المقومة بالعملة المحلية مما يؤدي إلى النزوع إلى التخلي عنها كمخزن للقيمة، بل وكوسيط للمبادلة، وللجوء إلى العملات الأجنبية فيما يعرف بإحلال العملات Currency Substitution(17).
5. كما يدفع الكبح المالي إلى اللجوء إلى أنشطة القطاع المالي غير الرسمي إقراضاً واقتراضاً رغم ما يتميز به من ارتفاع درجة المخاطرة، وقد عرفت الدول النامية اشكالاً متعددة من أنشطة القطاع المالي غير الرسمي، كنظام الجمعيات والمقرضين المحترفين أو المرابين، ونظم الائتمان غير الرسمي المضمونة بعقود عمل أو إيجار رسمية Tied-Credit(18).
6. كما أسهم الكبح المالي، بالإضافة إلى عوامل اقتصادية وسياسية أخرى، في هروب رؤوس الأموال من الاقتصادات النامية إلى أسواق المال الأجنبية التي توفر عائداً حقيقياً موجباً وبمخاطرة أقل نسبياً مما هو قائم في القطاعات المالية التي تخضع للتدخل المشوه لآليات السوق والتي تفتقر إلى الشفافية Transparency في إجراء المعاملات.
7. أدى ارتفاع الضرائب المستترة على الودائع والعمليات المصرفية، مثل معدل الاحتياطي القانوني ونسبة السيولة المبالغ فيها، إلى ارتفاع هامش أسعار الفائدة وتدني كفاءة الوساطة المالية.
8. تسبب التدخل في توظيف الائتمان وتوجيهه إدارياً واستخدام أساليب غير سعرية في اتخاذ القرارات الائتمانية إلى تفاقم مشكلة القروض غير المنتظمة أو الراكدة Non-Performing وانخفاض ربحية البنوك.
وقد أدت هذه النتائج المترتبة على سياسات الكبح المالي إلى اتجاه كل من ماكينون وشو في عام 1973 وعدد من الاقتصاديين إلى التأكيد على أن هذه السياسات قد تسببت في تدن مستمر لكفاءة الوساطة المالية وفي تشويه أسواق المال بما يتطلب إصلاح الأمر عن طريق سياسات التحرير المالي والتي تستهدف إزالة كافة أدوات الكبح المالي التي دأبت الدول النامية على اتباعها، بما يؤدي إلى تحقيق التنمية المالية وزيادة المدخرات وتحسن حجم ونوعية الاستثمار ومن ثم دفع معدلات النمو الاقتصادي، على النحو الذي يوضحه الإطار العام النظري لنماذج مدرسة ستانفورد والاجتهادات النظرية المطورة لها والتي تحاول أن تظهر وجود علاقة إيجابية سببية بين التحرير المالي والنمو الاقتصادي.
ثانياً: المناخ العام للصناعة المصرفية في العالم في ظل المستجدات العالمية
يعد القطاع المصرفي من أهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها تأثيراً واستجابة للمتغيرات سواء الدولية أو المحلية. وتتمثل أهم تلك التغيرات في التطورات التكنولوجية، عالمية الأسواق المالية، والتحرر من القيود التي تعوق كل الأنشطة المصرفية، إزالة الحواجز التي تمنع بعض المؤسسات المالية، من العمل في قطاعات معينة، والاتجاه إلى تطوير وإدارة مخاطر الإقراض كل هذا في ظل تزايد حدة المنافسة الدولية في هذا القطاع مع السعي لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية مع ظهور الكيانات المصرفية العملاقة(19).
وتتمثل أهم مظاهر هذه المستجدات فيما يلي:
1. التقدم في مجال الاتصالات والمعلومات: عزز قدرة البنوك والأسواق المالية في استخدام الفرص المتاحة في ظل مناخ التحرر المالي وأدى أيضاً النمو السريع في سوق الأوراق المالية، وساعد التقدم التكنولوجي – كذلك – على إلغاء القيود بين القطاعات والدول وإلى الحد من القيود الرسمية بتدفقات رؤوس الأموال وإلى ابتداع عدد من المنتجات التمويلية الحديثة.
2. تراجع أهمية المصارف: لازدياد حركة نشاط الأسواق المالية والبورصات والمؤسسات المالية غير المصرفية.
3. توسع البنوك في تقديم الخدمات غير التقليدية التي تتواءم مع إيقاع العصر الحديث فظهرت المشققات المالية بأنواعها وتطورت مفاهيم إدارة المخاطر وغيرها من التحولات التي أدت إلى تنوع في أنشطة البنوك عامة.
4. أدت التطورات الحديثة إلى تغير العديد من المفاهيم التقليدية السائدة وخاصة فيما يتعلق بالتقسيم التقليدي للبنوك وفق أنشطتها وزاد عدد البنوك التي تعمل في كل من مجالي العمليات التجارية ومجالات الاستثمار والأعمال على حد سواء وذلك بالإَضافة إلى قائمة طويلة من الخدمات المتطورة المعتمدة على تكنولوجيا الحاسبات في الاتصالات والمعلومات التي يمكن للعميل من خلالها تنفيذ كل معاملاته من منزله أو سيارته عن طريق الحاسبات الشخصية المتصلة بالبنوك.
5. تزايد دور المؤسسات ذات الصفة العالمية مثل بنك التسويات الدولية BIS في الإشراف على المؤسسات المصرفية العالمية بدءاً من مقررات بازل عام 1988 وما بعدها بإصدار كثير من التوجيهات الخاصة بالرقابة والإشراف والإفصاح والشفافية والحد من المخاطر التمويلية وغيرها(20).
ثالثاً: أثر التحولات والمستجدات العالمية على العمل المصرفي
شهدت السنوات الأخيرة من القرن الكثير من المستجدات التي تركت آثارها بشكل كبير على العمل المصرفي والتي من أهمها :
1. تعرض البنوك المنافسة من المؤسسات المالية غير المصرفية:
تشمل المؤسسات المالية غير المصرفية كلاً من شركات التأمين بأنواعها من بيوت التمويل وشركات وصناديق الاستثمار وصناديق الادخار، ومؤسسات التأمين الاجتماعي وصناديق التأمين والمعاشات، وبورصات الأوراق المالية والشركات العاملة فيها وصناديق توفير البريد... ونتيجة للتطورات الجديدة في عملية التمويل أصبحت الفروق بين المؤسسات المالية ضيقة ولم تعد البنوك المتخصصة هي مصدر التمويل الوحيد للاستثمار والنفقات الجارية في القطاعات التي تخصها وتلاشت الفرصة بين الودائع وغيرها من أوعية الادخار والاستثمار والأوراق المالية التي تصدرها هذه المؤسسات من حيث درجة السيولة والعائد وآجال عملية التمويل ذاتها.
وأصبحت المؤسسات الكبرى التي تحتاج إلى تمويل المقترضين الكبار تلجأ إلى مصادر غير البنوك وعن طريق السندات وغيرها واختلفت درجة المنافسة من دولة لأخرى حسب درجة نمو السوق المالية بها، خاصة بعد السماح لمثل هذه المؤسسات بإمكانية الإقراض لعملائها ولغيرها.
بالإضافة إلى تمتع هذه المؤسسات ببعض المزايا مثل نسبة الاحتياطي النقدي وخضوعها للرقابة المصرفية، مع نمو أسواق رأس المال أدى ذلك إلى تعرض البنوك للمنافسة من هذه المؤسسات بدرجة مختلفة مما استدعى ضرورة تطويرها لأنشطتها وأعمالها وخاصة بعد تعرضها لمخاطر متعددة نتيجة تقلبات أسعار الصرف والفائدة في السنين الأخيرة.
2. تزايد المنافسة العالمية بين المؤسسات المصرفية:
منذ بداية السبعينيات شهد العالم عدة تحولات من أهمها السعي لإلغاء كل القيود والقوانين والإجراءات التي كانت تعوق حركة الجهاز المصرفي. بدءاً بتحرير أسعار الفائدة وإلغاء التحديد الجامد لأسعار العمولات والمصاريف البنكية وتخفيف القيود على الائتمان وعلى فتح الفروع الجديدة وبدأت الدول تتجه إلى تعويم أسعار الصرف واختلفت درجة التحرر من القيود في البداية من دولة إلى أخرى حيث بدأت في الاتساع في كل من هولندا، المملكة المتحدة، سويسرا، ثم امتدت إلى كل دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى دول أوروبا الشرقية سابقاً. وبدأت أمريكا في إلغاء القيود المتعلقة بالفصل بين الأنشطة التجارية والاستثمار وكذلك اليابان وكانت تهدف إلى منع البنوك التجارية من ممارسة أعمال الأوراق المالية والتي بدأت عام 1993.
وأدى التحرر من القيود الداخلية إلى اتساع المنافسة بين البنوك في الداخل ثم انتقلت إلى الخارج مع ثورة الاتصالات والمواصلات وبالتالي توسعت المنافسة عالمياً. وسوف يؤدي التطبيق الكامل لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية الموقعة في عام 1997 إلى مزيد من حرية النفاذ إلى الأسواق وخاصة أسواق الدول النامية باعتبارها سوقاً واسعة أمام البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية ويعد اتساع المنافسة بين البنوك العالمية والمحلية من أهم آثار حرية الأسواق والعولمة الاقتصادية.
3. التوسع في عمليات الاندماج المصرفي:
يعد الاندماج المصرفي من أبرز التحولات التي يشهدها القطاع المالي عالمياً، ويعد أحد أوجه التكيف مع المستجدات العالمية ولتعزيز القدرات التنافسية للبنوك سواء الداخل أو الخارج إذ لم يقتصر على البنوك في دولة واحدة بل امتد ليشمل بنوكاً من دول مختلفة ويتيح تحقيق وفورات الحجم الكبير والقدرة على النفاذ إلى الأسواق وتقديم خدمات مصرفية سريعة ذات جودة عالية وتمويل كبير الحجم لنوعيات متميزة من العملاء مع تكنولوجيا متطورة وغيرها.
ويعد تكوين الكيانات المصرفية العملاقة من أهم السمات المعاصرة للعمل المصرفي العالمي في ظل العولمة الاقتصادية ، وأحد أبرز مظاهرها. وبنظرة سريعة إلى التقارير العالمية التي تصدرها مجلة الـ Banker وخاصة في خلال السنوات الأخيرة عن أكبر ألف بنك في العالم من حيث رأس ا لمال والاعتبارات الأخرى سنجد أن شكل القائمة يتغير كل عام بسبب بسيط وهو الاندماج بين المؤسسات المالية المصرفية الكبرى فيما بين البنوك في الدولة نفسها أو بين البنوك في دولة أخرى.
ولذلك يعد الاندماج ليس فقط بين المصارف وبعضها بعضاً بل في كل الاتجاهات هو السمة البارزة للبنوك في العالم ولقد وصلت حقوق الملكية بين البنوك المندمجة إلى مبالغ ضخمة تتخطى حاجز التريليون دولار بالنسبة لحجم الأعمال.
4. الاتجاه نحو توحيد قواعد الرقابة على المصارف عالمياً:
في ظل اتساع دوائر الأعمال المصرفية وسيادة المنافسة بين البنوك وتأثر الجهاز المصرفي العالمي بتسارع خطي العولمة المالية، وتعرض البنوك في كثير من دول العالم لمخاطر متعددة سواء المتقدمة أو النامية. شهد عقد التسعينيات أزمات مالية عديدة لدول مثل المكسيك ودول جنوب شرق آسيا والبرازيل وروسيا وأخيراً اليابان وتركيا بالإضافة إلى الدول الأوروبية مثل هولندا وإسبانيا وغيرها، وفي ظل هذه الأجواء بدأ الاتجاه نحو وضع قواعد آمنة وآليات مشتركة بين البنوك المركزية في دول العالم تقوم بالتنسيق بين السلطات الرقابية لتقليل المخاطر التي تتعرض لها البنوك لأن الخلل في البنوك يؤدي إلى خلل في أداء الاقتصاد الكلي وأن الأزمات المصرفية تنتقل من دول لأخرى ويكون لها تأثير على أداء الاقتصاد العالمي ككل.
لقد كان لأزمة المديونية العالمية في الثمانينيات وتوقف عدد من الدول المدينة عن الدفع مما ألحق الضرر بالبنوك الدائنة أن سعت الدول العشر الصناعية الكبرى عن طريق بنك التسويات الدولية BIS إلى السعي لوضع قواعد تضمن سلامة الأعمال المصرفية وكانت البداية بأشهر هذه القواعد والخاصة بالملاءة المصرفية للبنوك في عام 1988 والتي تعرف باتفاقية بازل للملاءة Basle Accord ثم تبعتها عدة قواعد منظمة أخرى تتضمن التوصيات الخاصة بسلامة الأجهزة المصرفية وتأمين استقرارها من خلال اجتماع وزراء مالية الدول السبع الكبرى في إبريل عام 1998 وانطلاقاً من هذه الدعوة قام بنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي والمجموعات الرقابية الإقليمية بدراسة وضع القواعد المنظمة للرقابة والسلامة المصرفية على أن تطبق على جميع الدول.
5. التوسع في الإقراض قصير الأجل:
من أهم الظواهر التي شهدها الاقتصاد العالمي منذ السبعينيات التوسع في الإقراض الخارجي وبصفة خاصة الإقراض قصير الأجل الذي لا يتجاوز سنة ولقد عرف ذلك في الثمانينيات بأزمة المديونية العالمية والتي توقفت فيها عدة دول عن سداد الديون التي حصلت عليها مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين مما سبب بعض الصعاب للبنوك الدولية الدائنة حينئذ ثم سعت الدول والمنظمات الدولية إلى تسوية هذه المعاملات.
وبدأت الدول في التوسع مرة أخرى في الإقراض وخاصة قصير الأجل (القروض التجارية) وذلك نتيجة سهولته والتوسع في أعمال البورصات والأسواق المالية العالمية وعرف باسم ظاهرة الـ (Hot Money) وهي الأموال سريعة الدخول والخروج وهي لا تتناسب مع التنمية المطلوبة. والتي ساعدت على حدوث الأزمات التي حلت بدول جنوب شرق آسيا في عام 1997(21).
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم