
مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها
ثانياً: آراء الفقهاء المحدثين في جواز فرض الضريبة:
تأسيسًا على ما تقدم من نصوص في المسألة، وما قال به الفقهاء القدامى من أئمة المذاهب من جواز توظيف الضرائب على القادرين عند الضرورة فقد ذهب كبار الفقهاء المحدثين إلى جواز الجمع بين الزكاة والضرائب الأخرى، إذا قامت في المجتمع ضرورة تدعو لذلك.
وفي يلي بيان لآراء أشهر الفقهاء:
1- يرى الشيخ عبد الحليم محمود – شيخ الجامع الأزهر – رحمه الله –، أن المجتمع مسئول عن لمحتاج فيه، وعليه أن يسد حاجته، وأن يرعى حقه المعلوم في أموال الزكاة، فإن لم يكون في الزكاة وفاء، فرض المجتمع في أموال الأغنياء ما يدفع احتياج الفقراء واستدل على ذلك بآية البر، في سورة البقرة(95) (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة، والكتاب والنبيين، وآتى المال على حبه ذوي القربى، واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقام الصلاة وآتي الزكاة) فيرى أن عطف الزكاة على إيتاء المال يقتضي المغايرة(96) وقد اشرنا إلى ذلك.
2- يرى الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله أن الزكاة عبادة مالية، وليست ضريبة يجب إخراجها، وجدت حاجة إليها أو لم توجد، وهي مورد دائم للفقراء والمساكين، وأما الضرائب فهي من وضع الحاكم عند الحاجة، وإن إحداهما لا تغني عن الأخرى .. وعليه فيجب دفع الضرائب، وتكون بمثابة دين شغل به المال. ويقول: إن الحاكم الممثل للأمة إذا لم يجد ما يحقق به المصالح العامة للجماعة، كإنشاء دور التعليم، وتعبيد الطرق، وحفر الترع والمصانع، وإعداد العدة للدفاع عن البلاد، ورأى أن أغنياء الأمة قد قبضوا ايديهم، ولم يمدوه بالبذل والمعونة، جاز له وقد يجب أن يضع عليهم من الضرائب ما يحقق به تلك المصالح دون إرهاق أو إعنات(97).
وهذا ما يراه الشيخ محمد السايس عضو مجمع البحوث الإسلامية كذلك فيقول: ولا يمنعه من فرض ذلك على المسلمين ما أوجبه الله عليهم قربة ودينًا من صدقات تطهرهم وتزكيهم(98).
3- يؤكد الشيخ محمد أو زهرة – رحمه الله تعالى – جواز فرض ضرائب بجوار الزكاة مستندًا إلى أسانيد فقهية شرعية فيقول:
"زعم بعض العلماء أن الضرائب القائمة في الدولة الإسلامية، تقوم مقام الزكاة وتغني غناءها، وذلك زعم لا يتفق مع أصل شرعة الزكاة، لأن هذه الضريبة كانت لعلاج الفقر والفقراء، وسد حاجة المحتاجين، والصرف على الجيش المجاهد في سبيل الدعوة الإسلامية، وليست هذه مصارف الضرائب التي تفرض الآن. ويعلل عدم وجود ضرائب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجود تعاون كبير بين المؤمنين ورغبة تطوعية في الإنفاق في سبيل الله، والمؤاخاة بين المجاهدين والأنصار ضيقت مسارب الفقر وجيوبه، فلم يكن ثمة حاجة إلى فرض ضرائب غير الزكاة، والجزية، والخراج، ويعزو جواز فرض ضرائب غير الزكاة الآن إلى تعقد الاجتماع واستبحار العمران، وحاجة الدولة الإسلامية إلى المال الكثير، وأن الزكاة لا تكفي. ولذا فإنه إذا كانت هناك حاجة شديدة في بيت المال، وكان القائمون عدولاً، تفرض الضرائب، محتجًا بقول مالك رحمه الله: "يجب على المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم، وهذا إجماع(99) كما يستند في فتواه إلى المصلحة المرسلة في التوظيف على الأغنياء، إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجند، وليس فيه ما يكفيهم، وجعل حصة الأغنياء فيها أكبر نسبة من حصة غيرهم ما دامت المصلحة توجب ذلك، وما دام ولي الأمر قائمًا بالعدل والقسطاس(100).
4- ويقول المناوي في فيض القدير. في المال حق سوى الزكاة كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعند منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترف أشرف على الهلاك ونحو ذلك، قال ابن عبد الحق: قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها(101).
5- ويرى المودودي جواز فرض الضرائب فيقول: ".. أما حاجات الحكومة فما هي إلا حاجات الجمهور أنفسهم، فكل ما يطالبون به الحكومة، من واجبهم أن يكتتبوا لها من الأموال ما تحقق به مطالبهم، فكما أنه يكتتب بالمال مختلف الشئون الاجتماعية فكذلك يجب على الناس أن يكتتبوا بالمال، ويمكنوا الحكومة من القيام بكل ما هم في حاجة إليه، وما الضريبة في الواقع إلا مال يكتتب به الناس لمصالحهم"(102).