
مشاركة: التحكيم في الشيك في ضوء أحكام قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999
الفصل الأول
مد جواز الاتفاق على التحكيم
في الشيك و صوره
إن مسألة جواز الاتفاق على التحكيم في الشيك ترتبط بمسألة جوهرية في مجال التحكيم و هي المسائل التي تدخل في نطاق التحكيم و المسائل التي تخرج منه ( المبحث الأول )
و هذا الاتفاق بشأن التحكيم في منازعات الشيك له صور مختلفة ( المبحث الثاني )
المبحث الأول
مدى جواز الاتفاق على التحكيم
في الشيك
يستطيع المستفيد من الشيك ولوج الطريق المدني و الطريق الجنائي بالمطالبة بقيمته فالمشرع قد أضفى على الشيك حماية جنائية الأمر الذي يعطي للمستفيد منه الحق في إقامة جنحة شيك بدون رصيد ( الفرع الثاني )
كما أن المستفيد من هذا الشيك يستطيع أن يلجأ إلى الطريق المدني سواء في صورة أمر أداء أو دعوى إلزام ( الفرع الأول )
و في جميع الأحوال يرتب شرط التحكيم أثره أيا كانت صورته أو وقت الاتفاق عليه ( الفرع الثالث )
الفرع الأول
التحكيم في الشيك كمنازعة مدنية
إن لجوء المستفيد من الشيك إلى القضاء المدني في حالة وجود اتفاق بينه و بين الساحب للتحكيم بشأن المنازعات التي تنشأ عنه لا يثير مشكلة حيث أن الأمر يتعلق هنا بحق مالي بحت و من المستقر عيه أن التحكيم في المنازعات ذات الطابع المالي لا يثير مشكلة و من ثم فإن اتفاق الساحب أو المستفيد على اللجوء إلى التحكيم بشأن المنازعات المدنية الناشئة عن الشيك يؤدي إلى غلق الطريق المدني أمام المستفيد سواء لجأ المستفيد إلى هذا الطريق في صورة أمر أداء أو في صورة دعوى إلزام 0
إلا أن هناك وضع قد يؤدي إلى بعض الصعوبات و هو حالة الادعاء بالحق المدني من قبل المستفيد أمام المحكمة التي تنظر جنحة الشيك بدون رصيد فهذا الادعاء ينصب بصفة رئيسية على تعريض المستفيد عن الأضرار التي لحقت به من جراء ارتكاب الساحب لجريمة الشك بدون رصيد و التساؤل الذي يثور هنا هو الاتفاق على التحكيم بشأن المنازعات الناشئة عن الشيك تغلق أيضا حق المستفيد في الادعاء المدني أمام القضاء الجنائي أم أن هذا الادعاء يعد بمثابة أحد المتطلبات الرئيسية للدعوى الجنائية و بالتالي يطبق بشأن أثر الاتفاق على التحكيم بالنسبة للقضاء الجنائي
في الحقيقة فإننا لو رجعنا إلى نصوص قانون الإجراءات الجنائية في هذا الخصوص نجد أن المادة 251 فقرة 2 تنص على أنه
" لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجنائية في أي حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقفال باب المرافعة طبقا للمادة 275 و لا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية "
و الدعوى المدنية يمكن تعريفها بأنها " الدعوى التي يقيمها من لحقه ضرر من الجريمة طلب التعويض عن هذا الضرر "
فالدعوى المدنية في حقيقته دعوى تعويض إلا أنها تنشأ عن فعل خاطئ ضار يعد في تنظر قانون العقوبات جريمة فهي مشتركة المصدر مع الدعوى الجنائية و هو الواقعة الإجرامية
و لذلك فإن الاشتراك في المصدر أجاز إقامة الدعويين أمام القضاء الجنائي فالمضرور من الجريمة يقيم دعواه بالتعويض أمام المحكمة الجنائية بطريق التبعية للدعوى الجناية و رغم وجود ارتباط بين هذين الدعويين إلا أن ذلك لا ينفي أن كل منهما مستقلة عن الأخرى في أركانها و موضوعها و خصومها و سببها و بالتالي فإن القضاء الجنائي عندما ينظر الدعوى المدنية المرفوعة من المستفيد من الشيك إنما ينظر في حقيقة الأمر دعوى مدنية متعلقة بحق خاص و يجوز للمستفيد أن يتركها بل إنه يجوز له ابتداء ألا يرفعها إذا فإن دعوى التعويض أمام القضاء الجنائي يجب النظر إليها عل أنها دعوى مستقلة عن الدعوى الجنائية و تعامل معاملة الحقوق المالية الخالصة الأمر الذي يترتب عله قفل باب الادعاء المدني أمام المستفيد من الشيك إذا اتفق بشأنه على اللجوء إلى التحكيم
الفرع الثاني
أثر شرط التحكيم ف الشيك
على الدعوى الجنائية
إن المسألة التي تثير خلافا في هذا الصدد هي : هل الاتفاق على التحكيم بشأن المنازعات الناتجة عن الشيك يؤدي إلى غلق باب الطريق الجنائي أمام المستفيد أم لا ؟ بتعبير أخر هل الاتفاق على التحكيم المبرم بين المستفيد و الساحب يحظر المستفيد من اللجوء إلى القضاء الجنائي لإقامة جنحة شيك بدون رصيد سواء عن طريق النيابة العامة أو عن طريق الادعاء المباشر ؟
في الحقيقة إن هذه المسألة لم تثر إلا عد صدور قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 الذي أجاز النصائح في الشيك 0 فهذا الوضع لم يكن موجودا قبل صدور هذا القانون و من ثم فلم يكن للسؤال المطروح سلفا محل أما في قانون التجارة الجديد فد نصت المادة 534 فقرة 4 على أنه " للمجني عليه و لوكيله الخاص في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أن يطلب من النيابة العامة أو المحكمة حسب الأحوال و في أية حالة كانت عليها الدعوى إثبات صلة مع المتهم "
و يترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية و لو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر
و تأمر النيابة العامة وقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها و لو بعد صيرورة الحكم باتا "
أن مؤدى هذا النص أن المشرع في قانون التجارة الجدي قد أجاز التصالح في الشيك أمام المحكمة و في أي مرحلة كانت عليها الدعوى و الأثر الذي يرتبه هذا التصالح أثر هام له مغزاه في المسألة التي يناقشها و هو أن التصالح يؤدي إلى وقف تنفيذ العقوبة حتى و لو أصبح الحكم بها باتا 0 و تلك الآثار التي يحدثها التصالح بشأن تنفيذ العقوبة الصادرة فه هو الذي دفع بنا إلى اللجوء إلى متناقشة موضوع أثر الاتفاق على التحكيم إلى اللجوء إلى القضاء الجنائي
فمن المعروف أن القاعدة العامة الموجودة في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 أن كل ما يجوز فيه الصلح يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية و وقف تنفيذ العقوبة فهل هذا معناه أن التحكيم جائز حتى بشأن المسائل الجنائية الناشئة عن عدم الوفاء بقيمة الشيك أم لا ؟
في حقيقة الأمر فإن مناقشة هذه المسألة يجعلنا نتطرق إلى موضوع آخر و لكنه مرتبط بتلك المسألة ارتباطا لا يقبل التجزئة و هو طبيعة الحق محل مباشرة الدعوى الجنائية في هذه الحالة هل لا زلنا أمام حق النيابة العامة بصفتها الأمينة على الدعوى كمنا هو الحال في شأن كافة الجرائم أم أننا أصبحنا بهذا النص و بهذا الحق في التصالح أمام حق خاص بالمستفيد يستطيع أن يتنازل عنه و تنقضي به الدعوى فإنه هنا قد اقتربنا إلى حد كبير من الدعوى المدنية حيث إنه من حق المدعي ف الدعوى الجنائية هنا يجوز للمستفيد أن يتصالح بشأن قيمة الشيك
و هذا الأمر يجعلنا نلقي الضوء على فكرة النظام العام و ما طرأ عليها من تطور فلنم تعد تلك الفكرة كما كانت من قبل تقضي بأن كل قاعدة آمرة تعد من النظام العام و لا يجوز مخالفتها فالآن نظر إلى النظام العام على أنه يشمل الأسس الجوهرية للمجتمع , مثل كون اللغة العربية هي اللغة الرسمية و إن نظام الدولة هو النظام الجمهوري و غير ذلك من أسس المجتمع الرئيسية أما غيرها فيجب النظر إلى مدى تعلق القاعدة بالنظام العام من عدمه من منظور الحق الذي تحميه فإذا كان هذا الحق يجوز التنازل عنه أو التصالح بأنه أضحت القاعة و لو كانت ضمن قواعد القانون الجنائي غير متعلقة بالنظام العام
من هذا المنطق فإنه يجب النظر إلى مسألة التحكيم في المسائل الجنائية بشكل مختلف و ذلك في ضوء الآتي :
إذا كان الحق الذي تحميه القاعدة الجنائية حق خاص و يجوز التصالح بشأنه من قبل صاحبه فإن هذا الحق يجوز أن يكوم محلا للتحكيم 0 و تلك قاعدة تستقر على كل جريمة يجوز التصالح فيها لأن هذا التصالح د حولها إلى حق خاص محض و لا يوجد فيه أي صفة للحق العام
و لا شك أن هذا القول ينطبق تماما على جريمة الشيك بدون رصيد فطالما أن المشرع قد أجاز التصالح بشأنها أمام المحكمة و في أي حالة كانت عليها الدعوى و قضى بأن التصالح يؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية فقد جعل هذه الدعوى حقا خالصا للمجني عله و هو المستفيد الأمر الذي نرى معه أن الاتفاق على التحكيم بشأن المنازعات الناشئة عن الشيك يغلق أيضا طريق القضاء الجنائي لا يجوز للمجني عليه أي المستفيد من الشيك أن يقيم جنحة شيك بدون رصيد سواء بالادعاء المباشر أو عن طريق النيابة العامة
و تجدر بنا الإشارة في هذا الصدد إلى أن قفل الطريق الجنائي بموجب اتفاق التحكيم لا يرتبط بمصير الدعوى المنظورة أمام هيئة التحكيم معنى أنه لو قضى في هذه الدعوى بأحقية المستفيد من الشيك فلا يجوز له بموجب هذا الحكم أن يلجأ إلى الطريق الجنائي حيث إنه منذ أن وافق على طرح كافة منازعات الشيك على هيئة لتحكيم قد تنازل و برضاه عن اللجوء إلى القضاء سواء المني أو الجنائي و بالتالي نشير في هذا الخصوص إلى مسألة عملية هامة يجل الانتباه إليها و هي ذكر الشيكات بأرقامها و قيمها ضمن العقد المتضمن شرط التحكيم إن ذكر هذه الشيكات في العقد يخضع منازعاها قولا واحدا إلى التحكيم دون القضاء
و بالتالي فسيكون هناك مصلحة مباشرة للساحب في أن يضمن العقد تلك الشيكات لنه يستوفي بذلك أن ترفع ضده جنحة شيك بدون رصيد من قبل المستفيد و في المقابل فإن ورود ذكر الشيكات في العقد يعد ذات أثر سلبي على المستفيد لأنه سيفتقد جانبا هامت من جوانب حماية الشيك و هي الحماية الجنائية و لذلك فإن الحرص مفروض في مثل هذه الحالة سواء من قبل المستفيد أو من قبل الساحب
و هنالك مسألة أخرى يجب التطرق إليها لإيضاحها و هي مدى تأثير ذكر الشيكات ضمن العقد الوارد فيه شرط التحكيم عل مبدأ استقلال الشيك عن علاقة الأساس التي صدر بمناسبتها 0 حيث إنه معروف عن الالتزام الوارد في الشيك هو التزام مجرد عن سبه و الشك ورقة مستقلة عن علاقة الأساس التي صدرت بمناسبتها و لكت إذا ما وضعت تلك الشيكات ضمن العقد بقيمها و أرقامها و اتفق في هذا اعقد على أن هذه الشيكات و منازعاتها تخضع للتحكيم فهل من شأن ذلك أن يفقد الشيك لمبدأ استقلاله عن علاقة الأساس أي أن ورود شرط التحكيم في هذا العقد و تضمين العقد لتلك الشيكات يعني اتفاق الأطراف على اربط ما بين علاقة الأساس و هي العقد و بين الشيك ؟ و بتعبير أخر هل هذا الاتفاق من قبل الأطراف على وضع الشيكات في العقد و الاتفاق بشأنها على التحكيم يعني التفاهم على جعل الالتزام المارد في الشيك مسببا و ليس مجردا عن سببه و يعد عقد الأساس في هذه الحالة هو سبب الالتزام بدفع قيمة الشيك , أم أن مبدأ الاستقلال هذا متعلق بالنظام العام و لا يجوز الاتفاق على مخالفته
نحن في ضوء ما ذكرناه بخصوص التطور الذي لحق بفكره النظام العم في الآونة الأخيرة , أن مبدأ تجرد الالتزام الوارد في الشيك عن سببه و مبدأ استقلال الشيك عن علاقة الأساس إنما هي مبادئ تقررت لصالح المستفيد من الشيك حتى يكون الشيك أداة وفاء , و من ثم فإذا تنازل المستفيد عن هذا الحق الخالص له و وافق على إدراج تلك الشيكات في العقد و ضمن هذا العقد شط تحكيم فإنه بذلك يكون د تنزل عن حق منحه له القانون , و هذا الحق كما ذكرنا لا يتعلق بالنظام العام و يجوز الاتفاق على مخالفته و إذا كانت هذه الفكرة ستثير الجدل و النقاش إلى وقت طويل 0 و هي ف جن\ميع الأحوال معروضة على البحث لكي يقول فيها الفقه كلمته
الفرع الثالث
صور الاتفاق على التحكيم
في الشيك
إن صور الاتفاق على التحكيم في الشيك متعددة فيمكن الاتفاق على التحكيم في الشيكات بموجب اتفاق مستقل عن العقد الذي صدرت الشيكات استنادا عليه و كذلك من الممكن أن يتم هذا الاتفاق في صورة بند من بنود عقد الأساس بشرط أن يرد ذكر الشيكات بأرقامها وقيمها ضمن بنود هذا العقد 0 أما إذا اتفق في عقد الأساس بشرط أن يرد ذكر الشيكات بأرقامها و قيما فإن شرط التحكيم لا يسري بشأن المنازعات التي تنشأ عنها 0 لأن عدم تضمين العقد لها عني أن الأطراف قد تركوا مجال القضاء مفتوحا عند نشوء أي منازعة خاصة بتلك الشيكات
و تجدر الإشارة أيضا إلى أن الاتفاق على التحكيم بشأن الشيكات ممكن أن يتم قبل نشوء النزاع أو بعده 0
و قد يرد شرط التحكيم على الشيك ذاته و هنا سري أثر هذا الشرط بالنسبة لجميع أطرافه و كل الموقعين عليه من مظهرين و ضمنا غيرهم 0
المبحث الثاني
أثر اتفاق من حيث الأشخاص
يرتب اتفاق التحكيم أثره فيما بين طرفيه اللذان وقعا عليه , و ذلك إعمالا لحكم المادة 12 من قانون التحكيم رقكم 27 لسنة 1994 التي تقضي بأن اتفاق التحكيم يجب أن يكون مكتوبا و إلا كان باطلا فالكتابة قد تطلبها المشرع هنا للانعقاد و ليس لمجرد الإثبات و من ثم لا يسري اتفاق التحكيم إلا بالنسبة لمن وقعوا عليه و قبلوه صراحة
و على ذلك فإن سريان اتفاق التحكيم في الشيك في مواجهة الساحب و المستفيد لا يثير مشكلة فهما طرفا علاقة الأساس التي تضمنت ذكر الشيكات بأرقامهن و قيمها و احتوت على بند التحكيم
و لكن الصعوبة تثور بالنسبة للمظهر إليهم ( الفرع الأول ) و الضمان الاحتياطيين ( الفرع الثاني )
الفرع الأول
أثر اتفاق التحكيم بالنسبة
للمظهر إليهم
قد يتم تظهير الشيك تظهيرا ناقلا للملكية ( أولا ) أو تظهيرا توكيليا ( ثانيا ) فما أثر اتفاق التحكيم على المظهر إليهم في الحالتين :
أولا : المظهر إليهم في التظهير الناقل للملكية :
يعتبر المظهر إليه في الشيك تظهيرا ناقلا للملكية من الغير بالنسبة لعقد الأساس الذي اتفق فيه على التحكيم و تم التوقيع عليه من قبل السابح و المستفيد و لذلك فإن إعمالا لحكم المادة 12 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 التي تستلزم أن يكون لاتفاق التحكيم مكتوبا و إلا كان باطلا لا يسري شرط التحكيم بشأن الشيكات على هؤلاء المظهر إليهم لأن هم لم يوقعوا عليه و هذا السبب في ذاته يكفي لعدم سريان شرط التحكيم في مواجهتهم بعيدا عن الدفوع الأخرى المتمثلة في إعمال مبدأ نسبية ثر العقد و في تطبيق قاعدة تطهير الدفوع بالنسبة للحامل حسن النية في الشيك باعتباره ورقة تجارية