
مشاركة: علاقة البنك المركزي بالبنوك الإسلامية
وإذا خالف أي من البنوك قرارات إدارة البنك المركزي بشأن قواعد حساب نسبة الاحتياطي جاز لمجلس إدارة البنك المركزي أن يخصم مبلغا من رصيد البنك الدائن لدى البنك المركزي يعادل قيمة العائد بسعر الخصم على قيمة العجز في الرصيد الدائن عن الفترة التي حدث خلالها العجز، وإذا جاوز العجز5% مما يجب أن يكون عليه الرصيد جاز لمجلس إدارة البنك المركزي القيام بالخصم السابق إضافة إلى إجراءات جزائية أخرى [7].
ويهدف البنك المركزي من استخدام سياسة أو أسلوب الاحتياطي القانوني إلى التأثير في قدرة البنوك على خلق النقود من خلال التحكم في حجم الائتمان الذي تستطيع أن تمنحه هذه البنوك، فكلما كانت هذه النسبة منخفضة زادت قدرة البنوك على منح الائتمان وزادت قدرتها بالتالي على خلق النقود، وبالتالي تساهم في زيادة العرض النقدي وإحداث الموجات التضخمية والعكس بالعكس، ولذلك يعتبر البنك المركزي هذه السياسة أداة لتعقيم الآثار التضخمية لقدرة هذه البنوك على التوسع في منح الائتمان وخلق النقود [8].
كما يهدف البنك المركزي من استخدام هذه السياسة أيضا إلى تأمين طلبات العملاء لأي مسحوبات طارئة على ودائعهم، حيث تمكن هذه السياسة البنك المركزي من الوقوف خلف البنوك الأخرى في هذه الظروف، وذلك بهدف حماية أموال المودعين وضمان ردها إليهم [9].
وقد ذهب البعض إلى القول بأن الهدف الأساسي من إدارة البنك المركزي للاحتياطي القانوني هو ضمان سلامة تنفيذ السياسة النقدية [10] ، وليس حماية أموال المودعين [11] ، ذلك أن الاحتياطي القانوني لا يعد كافيًا لتحقيق هدف الحماية إذ يمثل نسبة صغيرة من حجم الودائع [12] ، كما أن الحماية يمكن أن تتحقق بوسائل أخرى أكثر فاعلية في مقدمتها رقابة البنك المركزي التي تضمن توجيه أموال المودعين إلى استثمارات لا تعرض البنك للمخاطر، وبذلك يحمي المودعين ضد تقصير البنك من خلال تلك الرقابة، والتأمين على الودائع [13].
وقد نص القانون 88 لسنة 2003م على إنشاء صندوق بالبنك المركزي يسمى صندوق التأمين على الودائع بالبنوك تكون له شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة، ويكون له مجلس أمناء برئاسة محافظ البنك المركزي، على أن يضم في عضويته جميع البنوك المسجلة لدى البنك المركزي [14] ، ولكن لم يتم إنشاء وتفعيل هذا الصندوق على أرض الواقع حتى تاريخه، وحتى لو تم إنشاء هذا الصندوق فلن يقوم على أساس تعاوني بين البنوك، وسوف يعتمد على آلية سعر الفائدة التي لا تتمشى ونظام عمل البنوك الإسلامية، من حيث استحقاق فوائد عن إيداعات العضوية للبنوك، وكذلك من حيث عدم الالتزام بالقواعد الشرعية في استثمار الأموال [15].
وعلى أية حال فإنه بالنظر إلى مبررات البنك المركزي في تطبيق سياسة الاحتياطي القانوني نجد هذه المبررات لا تتواءم مع طبيعة الأموال في البنوك الإسلامية لاختلافها عن طبيعة الودائع لأجل في البنوك التقليدية.
فهذه الأموال قدمها أصحابها للمصرف الإسلامي بغرض استثمارها على أساس نظام المضاربة، وفقا للنتائج الفعلية للاستثمار من ربح أو خسارة، ومن ثم فليس هناك التزام على المصرف الإسلامي بضرورة ردها كاملة لأصحابها؛ لأنها ليست مضمونة على المصرف كما هو الحال بالنسبة للودائع الآجلة بالبنك التقليدي، والتي تعتبر ديونًا في ذمة البنك [16] ، ولا يضمن البنك الإسلامي سوى الودائع الجارية باستحقاقه ربحها [17] ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" [18].
من ناحية أخرى يستخدم المصرف الإسلامي هذه الأموال في استثمارات حقيقية ولا توجه إلى الإقراض النقدي، ومعنى ذلك أن قدرة المصارف الإسلامية على خلق النقود وزيادة العرض النقدي تعتبر محدودة جدا إذا ما قورنت بحالة التمويل بالقروض في البنوك التقليدية.
إن سياسة الاحتياطي القانوني تؤدي إلى تعطيل جزء من موارد المصارف الإسلامية على غير رغبة المودعين وتتعارض مع حسن استثمار المال كاملا [19] ، وهو ما يؤثر سلبا على العائد الموزع على أصحاب الحسابات الاستثمارية، وهو ما يظهر أرباح البنك الإسلامي أقل من المفترض، وبذلك لا يعكس العائد الموزع كفاءة التوظيف بالبنك الإسلامي.
كما أن تلك السياسة تحابي البنوك التقليدية على حساب البنوك الإسلامية حيث تستفيد البنوك التقليدية من طرح أذون الخزانة من بسط نسبة الاحتياطي القانوني بينما لا تتعامل البنوك الإسلامية بأذون الخزانة لأنها من الربا المحرم شرعا [20].
كما أن الاحتياطي القانوني بالدولار يتم احتساب فائدة له بسعر الإيداع في سوق لندن، مما يحول بين البنوك الإسلامية والاستفادة من تلك الفائدة لكونها من الربا المحرم [21] ، بينما تستفيد منها البنوك التقليدية؛ وهو ما يجعلها أكثر قدرة على توظيف مواردها من البنوك الإسلامية. كما أن الجزاءات التي يضعها البنك المركزي عند الإخلال بنسبة الاحتياطي ما هي إلا من الربا المحرم [22].
إننا نسلم بتطبيق الاحتياطي القانوني على الودائع الجارية، ولكن دون الاستثمارية، وذلك لكون البنك يضمن رد تلك الودائع لعملائه، وقد يرى البعض أن إعفاء الحسابات الاستثمارية بالبنوك الإسلامية من الاحتياطي القانوني فيه ميزة للبنوك الإسلامية على حساب البنوك التقليدية ولا يقبلون بذلك بحجة عدالة المنافسة، وفي رأينا أن هذا الرأي يفتقر إلى المنطق العقلي والشرعي، فالأصل هو التزام البنوك، سواء تقليدية أم إسلامية بالإسلام؛ لأن دستور الدولة ينص على أن "الإسلام دين الدولة… ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" [23] ، وعلى ذلك يجب أن تكون سياسات البنك المركزي داعمة للعمل المصرفي الإسلامي، بل وتوجيه البنوك التقليدية للتخلي عن منهج عملها الربوي والالتزام بنصوص الدستور.
2- السيولة النقدية:
ويُلزم البنك المركزي المصري بموجبها البنوك الأخرى الخاضعة له بضرورة الاحتفاظ ببعض الأصول ذات السيولة المرتفعة حتى يسهل تحويلها إلى نقدية بسرعة ويسر إذا زادت حركة المسحوبات من قبل المودعين عن المعدل المتوقع.
ويمثل الحد الأدنى -المقرر من البنك المركزي المصري- لنسبة السيولة 20% بالعملة المحلية، و25% بالعملات الأجنبية، ويظهر الجدولان التاليان مكونات نسبة السيولة بالعملة المحلية والعملة الأجنبية على التوالي [24].
جدول رقم (3) مكونات نسبة السيولة بالعملة المحلية

وإذا خالف أي من البنوك قرارات إدارة البنك المركزي بشأن قواعد حساب نسبة السيولة جاز لمجلس إدارة البنك المركزي أن يقرر خصم مبلغ من رصيد البنك لديه لا يجاوز مثلي قيمة العائد من العجز في نسبة السيولة، وذلك بسعر الخصم عن الفترة التي حدث خلالها العجز، وإذا استمر العجز مدة تجاوز شهرا جاز للبنك المركزي اتخاذ إجراءات أخرى بالإضافة إلى خصم المبلغ المشار إليه [26].
ويهدف البنك المركزي من تطبيق سياسة السيولة النقدية إلى الحيلولة دون تعرض البنوك الخاضعة لرقابته لأزمات السيولة المفاجئة، وذلك بتأمين قدرتها على مواجهة طلبات السحب المفاجئة التي قد تتعرض لها هذه البنوك وقد لا تستطيع الوفاء بها.
وبالنظر إلى مبررات البنك المركزي في تطبيق هذه السياسة نجد أنها لا تتواءم مع طبيعة الأموال في المصارف الإسلامية –أيضا– حيث إن العلاقة بين المصرف الإسلامي ومودعيه قائمة على مبدأ المشاركة في الغنم والغرم، فلا يوجد التزام على المصرف الإسلامي برد أموال مودعيه كاملة لأصحابها، كما هو الحال بالنسبة للودائع لأجل في البنوك التقليدية، كما أن توظيفات المصارف الإسلامية ليست قروضا ائتمانية كما في البنوك التقليدية، بل ترتبط ارتباطا مباشرا بالعملية الإنتاجية والاستثمارية.
كما أن العديد من عناصر موجودات الأصول السائلة التي يحددها البنك المركزي لحساب نسبة السيولة النقدية لا يمكن للمصارف الإسلامية الاحتفاظ بها، أو التعامل فيها كالسندات والأذونات بأنواعها المختلفة، علما بأن هذه العناصر تمثل نسبة كبيرة لدى البنوك التقليدية، وفي الوقت نفسه نجد أن الموجودات السائلة لدى المصارف الإسلامية تقتصر على النقدية بالخزينة والأرصدة النقدية لدى البنك المركزي والبنوك الأخرى، والتي هي عادة لا تدر أية عوائد مالية، بينما نجد أن معظم عناصر الموجودات السائلة لدي البنوك التقليدية تدر عائدا.
وهكذا فإن تطبيق سياسة السيولة النقدية على المصارف الإسلامية يؤدي إلى احتفاظها بنسبة كبيرة من ودائع العملاء الاستثمارية في صورة أصول سائلة، مما يقلل من القوة الاستثمارية لتلك الودائع، وبالتالي انخفاض ربحيتها.
ومن هنا فإن المساواة بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية عند فرض هذه النسبة تضع المصارف الإسلامية في موضع غير تنافسي وغير عادل؛ لأننا لو طبقنا نسبة السيولة الملزمة للبنوك التقليدية على المصارف الإسلامية لوجدنا أن السيولة بهذه المصارف أدنى بكثير من الحد المسموح به، مما يثير مشاكل متعددة بين البنك المركزي والمصارف الإسلامية [27].