إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-25-2011, 06:05 PM
  #31
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الانسحاب الثاني‏!‏


بـريــد الأهــرام
42851
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
2
‏12 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أكتب رسالتي هذه ردا ونصحا لطرفي رسالة الطريق المنحدر التي نشرتها بـ بريد الجمعة وسيتضح لك ولهما أن قصتي بدأت حيث انتهي طريقي المنحدر‏,‏ والذي بدأ بعودتي للعمل في نفس المستشفي الذي بدأت فيه حياتي العملية كطبيب بعد نحو ثماني سنوات من التنقل للخدمة بأكثر من مستشفي حسب ما تقتضيه وظيفتي وتخصصي‏,‏ فكان أن التقيت ثانية بالفتاة التي أحببتها في بداية حياتي العملية ومنعتني ظروف لا ذنب لي أو لها فيها من الارتباط بها‏,‏ وكانت تلك مشيئة الله‏,‏ إذ كيف لطبيب مبتدئ لايملك سوي مرتبه أن يتقدم لفتاة أعلي منه ماديا واجتماعيا؟ وكيف لشاب في بدء حياته أن ينجح في الارتباط بتلك الفتاة‏,‏ وقد شاء قدرها أن تترمل وهي لم تبلغ بعد الثالثة والعشرين‏,‏ وصار لديها ولدان صغيران‏,‏ وهو لايملك أي خبرة في الحياة ولا يملك أسباب القيام بأعباء أسرة كتلك أو أن يعولها؟‏!‏ فكان انسحابي المخجل رغما عني‏,‏ وبرغم حبي الشديد لها‏,‏ وكذلك برغم إيماني بضرورة وجودي إلي جانبها‏,‏ وقد آثرت أن أفسح المجال لمن يقدر ولمن يستحق‏,‏ هكذا تصورت وقتها وهكذا قررت استكمال حياتي بعيدا عنها‏,‏ وقد شاء الله عز وجل أن يرزقني بمن ترتضيني زوجا‏,‏ وجعل لي معها السكن والمودة فسارت بي الحياة بعد ذلك زوجاوأبا ورزقتي الله من فضله النجاح في العمل والشهرة في مجالي كطبيب‏,‏ حتي صارت لي عيادتي الخاصة والتي أضحت قبلة لكثير من المرضي سواء من مصر أو خارجها‏,‏ وأراد الله من فضله وبمشيئته أن أكون سببا في شفاء الكثيرين منهم‏..‏ وكانت تلك نعمة من الله من نعم كثيرة أفاض بها علي عز وجل وهي لاتعد ولا تحصي‏..‏



وبعودتي للخدمة بالمستشفي الذي بدأت به حياتي العملية وبعد بعثة بالخارج التقيت بها ثانية‏,‏ فإذا بها قد ازدادت جمالا وتألقا وقد تزوجت ثانية بعد ترملها وبعد انسحابي من حياتها‏,‏ إلا أنني قرأت في عينيها نظرة العتاب واللوم خاصة بعد أن علمت ممن حولها بمشكلاتها مع زوجها‏.‏


وهنا بدأ الشيطان وساوسه فصور لي ضرورة رفع هذا العتاب‏,‏ وأن أشرح لها ما حال بيني وبين ارتباطي بها في الماضي‏,‏ وأنني وإن كنت فيما سبق لم أستطع الوقوف بجانبها في معترك الحياة‏.‏ فإني أستطيع الآن وبما صار لي من مكانة علمية ومادية مساندتها ودعمها‏..‏ ومن هنا بدأ طريقي المنحدر والذي بالطبع لم يكن يبدو لي كذلك‏,‏ بل بدا طريقا نحو القمة وسلما إلي السماء‏,‏ وحاولت أن أفتح حوارا معها بشتي الطرق حتي نجحت‏,‏ ثم صار ذلك الحوار أحاديث طويلة حتي تقبلت عذري وتفهمت أسباب انسحابي من حياتها في الماضي‏,‏ ولم أكتف بذلك وإنما سولت لي نفسي أن أمارس معها دور الفارس النبيل الذي جاء علي حصانه الأبيض لينتشلها من متاعبها الحالية مع زوجها ومع الحياة كلها‏,‏ ويقف بجوارها‏.‏ فكان أن انفجر بركان الحب القديم في قلبي وقلبها وتجاوز هذا الانفجار حدود وضعنا الاجتماعي كزوج لأخري وكزوجة لآخر‏,‏ وكان عذرنا اننا نحاول تصحيح ماكان من قبل وإعادة المياه إلي مجاريها‏,‏ ودعني أعترف بكل مرارة وندم لعلي أكفر عن نفسي ما لن أغفره لها‏..‏ ذلك أني لم أكتف بذلك وإنما رحت أضغط عليها وأمارس معها كل الحيل التي تجعلها تميل نحوي وترفض حياتها مع زوجها متعللا أمام ن


فسي كذبا وافتراء بأنها لا تجد مع زوجها السعادة أو الحب الذي تستحقه حتي خضعت المسكينة وصارت لقاءاتنا هي محور حياتي‏,‏ وأهملت أسرتي وعيادتي وأنا في كل ذلك أمضي كالأعمي ناسيا لربي وفضله علي‏,‏ قاتلا لضميري‏..‏ وهكذا سقطت أنا وأسقطتها معي حتي صرت سلواها الوحيدة وأملها الوحيد‏,‏ ولك أن تتخيل ما كانت تفعله هذه الكلمات وهي تلقي همسا في أذني بل ويزيد عليها أنني رجلها الوحيد‏,‏ وهي التي كانت لي ذات يوم أملا بعيدا وحلما نائيا‏,‏ فإذا بها بين يدي وأمام عيني وأكثر من ذلك‏!!‏


وهنا كان لابد ــ من رحمة الله ــ أن تدركنا حتي لانتمادي أكثر في الخطأ والخطيئة وأن يجئ العقاب الإلهي الذي استحقه كل الاستحقاق ومن حيث لم أحتسب أو أتوقع‏..‏ وجاء هذا العقاب منا نحن الاثنين‏,‏ ولم يأت من غيرنا‏..‏ وبدأ بوقفة مريرة أمام نفسي وضميري‏,‏ رأيتني فيها لا أملك ما يستر خطيئتي ولايبرر فعلتي‏..‏ وإذا بزلزال عنيف يطبق السماء فوق رأسي ويضيق الأرض علي بما رحبت‏..‏ فكيف فعلت ذلك وتماديت فيه؟ وكيف غاصت أقدامي في هذا الوحل وأنا الذي أنعم ربي علي بما لا يعد ولا يحصي من النعم؟‏..‏ وكيف أوقعت بتلك المسكينة حتي سقطت معي؟‏!..‏ لايمكن أن أصف في سطور ما أنا فيه سوي أنني لا أحيا إلا بمرارة الاحساس بالذنب والشعور القاتل بالندم‏,‏ ويعلو أنيني أمام ربي في جوف الليل لعله يتقبل توبتي‏..‏ وإذا بي وأمام هذا الاستيقاظ المتأخر لضميري أجدني مضطرا للانسحاب مرة أخري من حياتها ودون أية مقدمات‏,‏ وألم المعصية يعتصرني‏..‏ وإذا بي وبفعلتي وأفعالي هذه أدمر حياتها وهي حبي الوحيد‏,‏ وينتهي بها الحال للطلاق والعودة لمعاناة ويلات الحياة وحيدة ضائعة حتي فقدت صوابها‏,‏ وحاولت الانتقام مني بفضح علاقتنا أمام زوجتي حتي في أدني تفاصيلها المخزية


‏,‏ ولكن انتقامها جاء متأخرا فقد انفصلت عن زوجتي لأنني لم أحتمل استكمال الحياة مع من لم أر منها إلا كل خير‏,‏ فكان انتقامها مجرد تأكيد لهذا الانفصال‏.‏ فكيف انتهي بنا الحال إلي هذا وقد ابتدأ بمجرد اعتقاد موهوم بأنني الصدر الحنون أو الأمل المفقود الذي يمكن أن يخفف عن إنسانة ما متاعبها في الحياة‏..‏ إنني الآن علي مشارف الأربعين من العمر‏,‏ وأشعر بأنني في نهاية العمر‏..‏ لا أري أملا أو غاية سوي عفو الله ومغفرته‏..‏ وقد أرسلت لك هذه الرسالة معترفا بكل أخطائي ومدركا تمام الإدراك أنني استحق ما أنا فيه‏,‏ بل وأراه قليلا‏,‏ ولكن الأهم والذي أرجوه هو أن تكون نصحا لكل من يقرأها لكي يحذر الوقوع والانحدار إلي ما انحدرت إليه‏,‏ ولكيلا ينتهي به الحال لما انتهي بي وبها‏,‏ وقد أرسلتها أيضا كحلقة صغيرة‏,‏ وأرجو السماح والعفو من كل من آذيتهم وتسببت في إيلامهم‏..‏


وأخيرا فإني أدعو الله القادر العظيم عز وجل أن يقبل توبتي وهو القائل سبحانه وتعالي‏:‏ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون‏..‏


صدق الله العظيم



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


لو تحدث أحد ساعات طويلة عن عواقب الاستجابة لهوي النفس والانحراف عن الطريق القويم‏,‏ لما استطاع أن يقنع سامعية بأبلغ مما تفعل رسالتك هذه‏!.‏ فهي تقدم لنا نموذجا مثاليا لتبعات الضعف الأخلاقي والجري وراء الأوهام والانخداع بدعاوي الحب القديم الذي انتفض فجأة كالمارد بعد سنوات طويلة من آخر لقاء‏..‏ وغير ذلك من الترهات التي يخدع بها نفسه من يضيق بالحياة العائلية الهادئة والمحترمة‏,‏ ويتوق إلي تجربة الإثارة والمغامرة والمتعة اللاذعة‏,‏ وكلها بطبيعتها مؤقتة وقصيرة الأمد مهما طالت‏..‏ولهذا قالت شاعرة أمريكية‏:‏ متعة الحب تدوم لحظة‏..‏ وشجن الحب يدوم إلي الأبد‏!‏ أي تبعاته وعواقبه‏.‏


ولنراجع معا ما حققته مغامرتك الخطيرة بإحياء العلاقة القديمة التي كانت بينك وبين سيدة لم تستطع أن ترتبط بها في بداية شبابك لأسباب مادية واجتماعية؟



لقد رأيت في عينيها كما تقول نظرة العتاب لخذلانك السابق لها وانسحابك من حياتها‏,‏ مما أدي بها بعد فترة للزواج من غيرك والشقاء في زواجها‏,‏ فقررت أن تشرح لها أسبابك‏..‏ ثم انتقلت من رفع العتاب وشرح الأسباب إلي مداعبة مشاعرها العاطفية القديمة ومحاولة إحيائها حتي استجابت لك‏,‏ فخطت بذلك خطوة واسعة علي الطريق المنحدر إياه‏..‏ ولم تكتف بذلك وإنما واصلت فحيحك وهمسك المسموم لها حتي تمادت معك في نفس الطريق الذي تقود كل خطوة عليه إلي نقطة أبعد عن الطريق القويم‏,‏ حتي وصلتما معا إلي السفح‏.‏ وحينئذ فقط استشعرت الندم علي ماكان من أمركما معا وأحسست بالذنب والإثم فانسحبت للمرة الثانية من حياتها‏,‏ وعاودت خذلانها من جديد بعد أن كانت حياتها قد تأثرت تأثرا مدمرا بعلاقتها بك‏..‏ فطلقت بعد انسحابك من زوجها‏,‏ وامتد الأثر المدمر إلي حياتك العائلية كذلك فتهدمت أسرتك الصغيرة وطلقت أنت زوجتك‏.‏


فأي ثمن باهظ لمتعة عابرة‏..‏ وإثارة موقوتة‏..‏ ومغامرة محفوفة من قبل البداية بالمخاطر؟



ولماذا وقد خلا الطريق أمامك بطلاقها من زوجها وطلاقك من زوجتك ـ التي لم تر معها باعترافك إلا كل جميل ـ لم تفكر في تصحيح الوضع الخاطئ وتعويض تلك السيدة عما خسرته بالزواج منها‏,‏ وهي التي كانت ــ كما تقول ــ حلمك القديم؟


قد تعلل ذلك بأن العلاقة بينكما قد خسرت بعد انسحابك الثاني من حياتها‏,‏ وأن مشاعرها تجاهك قد تحولت إلي العداء لك حتي رغبت في الانتقام منك بالاساءة إليك لدي زوجتك‏,‏ لكن انتقامها جاء متأخرا لأنك كنت قد طلقت زوجتك‏.‏



وقد تشعر بأنك قد أدركت بالتجربة أن ماكنت تعتقد أنه حب العمر الذي حرمت من جني ثماره في بداية الشباب‏..‏ قد تكشف لك عن وهم لا يصمد لاختبارات الحياة فعزفت عن الارتباط بصاحبته‏..‏ وقد يكون هذا السبب أو ذاك صحيحا في بعض جوانبه‏..‏ لكن هناك سببا آخر خفيا‏..‏ هو الدافع الحقيقي لك للانصراف عن فكرة الارتباط بها الآن‏.‏ إنه دافع باطني يمور في داخلك‏,‏ قد تخجل من الاعتراف به حتي لنفسك‏,‏ ذلك انك لاتثق في أعماقك في أخلاقيات هذه السيدة التي مضت معك في الطريق المنحدر حتي الهاوية وهي زوجة لرجل آخر‏,‏ ولا تأتمنها علي عرضك وشرفك واسمك‏.‏


فإذا أردت تصويرا صادقا لنوع العلاقة التي كانت بينكما حتي في أوج اشتعال الحب بينكما لما وجدت أبلغ مما صاغه الروائي الفرنسي لاكلو في روايته علاقات خطرة واصفا به علاقة مركيزة فاجرة بعشيق لها يشاركها التآمر علي مركيز شاب كان عاشقا سابقا لها وخانها‏,‏ فقال‏:‏



مثلهما مثل لصين يعملان معا‏,‏ يجمعهما تقدير متبادل من أحدهما للآخر في عمله‏,‏ لكنه تقدير لايرقي أبدا ولن يرقي ذات يوم إلي حد الثقة‏!‏


وهكذا كان الحال بينك وبين تلك السيدة خلال العلاقة وبعدها‏,‏ وهكذا هو الحال في معظم العلاقات الآثمة المشابهة التي تخون فيها زوجة وأم زوجها بدعوي الحب والضعف العاطفي‏..‏ كما أنه أيضا الدرس الحقيقي لقصتك هذه التي ترغب في أن تكون نصحا للآخرين‏.‏



إن لكل شئ ثمنا في الحياة‏..‏ للمتعة والتحلل من القيود الأخلاقية ثمن‏..‏ ولرد النفس عن أهوائها وإلزامها بالطريق القويم ثمن كذلك‏..‏ وكل إنسان يجني في النهاية ثمرة ما غرس‏..‏


إنني أرجو في النهاية أن يكون ندمك صادقا وحقيقيا‏,‏ وأن تتطهر روحك من إثم هذه العلاقة ــ السابقة‏,‏ وأن تحاول تحجيم خسائرك فيها بمحاولة السعي للإصلاح بينك وبين زوجتك السابقة‏,‏ وإعادة شملكما وأطفالكما معا‏..‏ كما أرجو أن تكثر من الاستغفار وتدعو الله كثيرا أن يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏,‏ وإثم تخبيب امرأة علي زوجها كما جاء في مضمون الحديث الشريف الذي يقول ليس منا من خبب امرأة علي زوجها أي أفسدها عليه حتي ضاقت بالعيش معه ورغبت في هجره‏.‏



والله سبحانه وتعالي في النهاية هو غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو وإليه المصير صدق الله العظيم الآية‏3/‏ غافر‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:08 PM
  #32
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الأشواك الدامية‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة




بعد أن قرأت رسالة الحلم المتأخر ومن قبلها الخروج من الشرنقة‏..‏ والتي وضح فيهما دور الأم المتسلطة علي ابنها ومحاربتها لفكرة زواجه‏,‏ خطر لي أن أعرض عليك نوعا آخر من التسلط‏..‏ هو تسلط الأبناء‏,‏ وأزواج الأبناء‏..‏ وأرجو أن تصدقني في كل كلمة أقولها‏,‏ لأنه ليس هناك ما يدعوني للكذب‏..‏ فأنا طبيبة من أسرة عريقة من ناحية التعليم والمركز الاجتماعي والمادي والأصل‏,‏ وفوق كل هذا وأهم منه السيرة الحسنة‏..‏ ولحسن حظي تزوجت من قريب لي‏,‏ فعشت معه بنفس الأخلاق والمباديء التي صحبتها معي من بيت والدي‏,‏ وأنجبنا ولدا وبنتا‏,‏ تربيا علي شاكلتنا‏,‏ ودارت الأيام دورتها‏,‏ وسافر ابني مهاجرا‏..‏ ثم توفي زوجي رحمه الله‏,‏ وعشت مع ابنتي‏,‏ وكان يتقدم لها الكثيرون‏..‏ ولكنها كانت دائمة الرفض لفرص كثيرة ترضيني كأم ولم أضغط عليها مطلقا‏,‏ إلي أن حدث وتعلقت بأحدهم‏..‏ وحكت لي عنه وعن عائلته ما أسعدني‏,‏ ورحبت به مبدئيا‏,‏ إلي أن بدأنا التعارف أكثر‏..‏ فوجدت كل الظروف غير مشجعة علي الإطلاق‏,‏ فالأسرة مفككة إلي أبعد الحدود ولا أحد يحترم الآخر‏,‏ وأشياء أخري كثيرة‏,‏ ودون الدخول في التفاصيل‏,‏ فقد كنا نتفوق عليهم في كل شيء‏,‏ كل شيء‏..‏ وكلما اقتربنا عائليا أكثر‏,‏ اكتشفت اتساع الهوة بيننا‏..‏ ولست أحب أن أذكر تفاصيل دعت كل من عرف بجزء بسيط منها لأن يستنكر هذا الزواج‏..‏ فرفضت الموافقة عليه‏,‏ لكن ابنتي وقفت مني موقفا عدائيا‏,‏ بدعوي أن الانسان لا شأن له بعائلته لأنه لم يخترها‏,‏ وإنما هي مفروضة عليه‏,‏ وعندما قلت لها إن كل هذا ينعكس علي الانسان بعد ذلك‏,‏ رفضت الاقتناع بمنطقي وداومت علي اتصالها بهذا الشخص‏,‏ وتمسكت به لأقصي درجة‏,‏ إلي أن قالت لي ذات يوم إنني لا أريدها أن تتزوج لأني أخاف الوحدة‏,‏ وأريدها أن تظل بجانبي‏..‏ ففوجئت بكلامها‏..‏ ولا أدري من أين أتتها هذه الفكرة‏,‏ برغم أنني كنت موافقة قبل ذلك علي أشخاص آخرين‏,‏ وكان منهم من سيأخذها للخارج معه‏..‏ لم أكن في حياتي بهذه الأنانية التي تصورني بها‏..‏ وبعد هذه الطعنة‏,‏ راحت تشير أكثر من مرة إلي أنها بالغة‏,‏ وهو الآخر مثلها‏,‏ ويستطيعان الزواج بنفسيهما‏,‏ وخفت عليها وعلي نفسي من الفضيحة‏,‏ وتعجبت كيف انحدرت ابنتي إلي هذا المستوي في التفكير‏..‏ فوجدت نفسي مرغمة علي الموافقة علي الخطبة‏..‏ وتكرر من أهل العريس المزيد من التصرفات غير المحتملة‏,‏ بعد أن وجدوا أننا قد قبلنا بالخطبة‏,‏ كل


ذلك وابنتي راضية وسعيدة‏,‏ ووقفت أمام فرحتها‏,‏ وراجعت نفسي‏..‏ لماذا أريد أن أكسر قلبها كما يقولون‏..‏ وقررت أن أتناسي كل شيء وأتجاهل ما فعله أهله‏,‏ وقلت لنفسي أليس من الجائز أنني إذا عاملت هذا الشخص كابن لي فقد يثمر هذا معه؟ وأكسبه إبنا لي وأسعد ابنتي؟ وأقسم لك بأنني كنت صادقة في نيتي هذه‏..‏ وقررت أن أقف معهما‏,‏ وأساعدهما قدر استطاعتي‏..‏ لعلهما يقدران لي هذا تقديرا معنويا‏,‏ بمعني أن أتمتع بحبهما ومشاركتهما فرحتهما‏..‏ وبدأت أشترك معهما إلي حد ما في مشاهدة الأثاث وباقي المستلزمات‏..‏ وكنت أرحب بخطيبها عند قدومه للبيت لبعض الوقت‏,‏ ثم أتركهما يتحدثان معا‏,‏ ولكني لاحظت أن نزولي معهما وجلوسي معهما يضايقهما وأنهما يتعمدان أن يتهامسا في وجودي‏,‏ وأنا انسانة حساسة‏..‏ لاأتحمل شعوري بأنني غير مرغوب في وجودي‏..‏ فبعد أيام قليلة أخذت أعتذر عن عدم الخروج معهما لانشغالي في عملي‏,‏ وعند حضوره للبيت‏,‏ بانشغالي في أعمال المنزل‏.‏ أو متابعة التليفزيون في حجرة أخري‏,‏ كما لاحظت أيضا أن هذا الشخص سريع الغضب ومعظم وقته غاضب‏..‏ لا أدري لماذا أو من من؟‏!..‏ وابنتي تمضي الساعات في محاولة استرضائه‏..‏ ووجدت أن هذه طريقته للضغط عليها حتي تنفذ رغباته‏..‏ كما أنه يكرر الكلام والآراء التي أقولها بأسلوب مختلف‏,‏ مع استعمال نفس الكلمات‏,‏ ولكن بما يجعلني دائما متهمة بأني قلت كذا وكذا‏..‏



كما أنه لاشيء يعجبه أبدا‏,‏ إلا الذي يختاره هو‏..‏ وبرغم كل هذه العيوب التي عايشتها بنفسي‏..‏ لم أر ابنتي معترضة علي أي شيء‏..‏ وبالتالي لم يكن باستطاعتي أن أعترض‏..‏ ولكني أصبت بحالة من الإحباط‏,‏ فقد لاحظت أن ابنتي ألغت شخصيتها تماما‏,‏ وأصبحت تعيش في فلكه ولا تفهم ولا تعي إلا ما يقول‏..‏ وما يقول هذا هو دائما الصواب لأنه لايخطيء أبدا‏..‏


ومرت الأيام‏,‏ وجاء وقت الزواج وتصورت أن ما كان منه من عيوب ربما كان سببه مشاكله العائلية الكثيرة‏,‏ ومنها تخلي أهله عنه تماما‏,‏ وعدم مساعدتهم له‏,‏ وأن استقراره بعد الزواج سيحسن نفسيته‏,‏ إذ إن فترة الخطبة أحيانا تكون ممتلئة بالمشاكل لأسباب مختلفة‏..‏



ويوم الزواج‏,‏ احتضنته وقبلته‏,‏ وقلت له لقد أصبحت ابنا لي بالفعل‏,‏ وكنت صادقة في ذلك تماما‏..‏ وتناسيت كل ما كان منه ومن ابنتي ومن أهله‏,‏ وقررت أن أبدأ معهما من جديد‏,‏ فابنتي كانت تدافع عن حبها‏,‏ برغم العنف والقسوة التي دافعت بها‏..‏ وانتظرت أن يقدرا لي وقوفي بجانبهما‏..‏ ومحاولة مساعدتهما قدر استطاعتي‏,‏ دون أن أشير اطلاقا إلي أي ناحية مادية‏,‏ وأنه هو شخصيا سيقدر لي أنني قبلت به برغم ما بدر من أهله‏..‏ ولكن‏,‏ بعد الزواج‏,‏ فوجئت بأسلوب التعامل معي‏..‏ فلقد أخذا في التباعد عني‏..‏ ووضعا حدودا للصلة بينهما وبيني‏..‏ مع أنني تعمدت ألا أذهب لزيارتهما بعد الزواج كما تفعل الأم‏..‏ حتي لا أسبب لهما حرجا‏,‏ لأني أحسست بقلب الأم وشعور المرأة‏..‏ بأن هناك شيئا ما‏..‏ وانتظرت من ابنتي أن تفصح عنه‏..‏ فلم تتكلم‏,‏ وأشرت من بعيد جدا لهذا الموضوع بعد نحو اسبوعين أو أكثر‏,‏ فكذبت علي‏,‏ ولم أكرر السؤال مرة أخري‏..‏ وبعد فترة قصيرة‏..‏ علمت من مصدر بعيد بأنني كنت محقة في شعوري‏.‏ وبعد رجوعهما من شهر العسل‏,‏ كنت أعد لهما الطعام وأرسله‏..‏ كما تفعل كل أم مع ابنتها العروس‏,‏ وأطلبهما مرة واحدة كل يوم أو يومين تليفونيا‏,‏ ولمدة دقائق‏..‏ لأني أعلم أنهما مشغولان بحياتهما الجديدة‏,‏ فإذا بابنتي تقول لي‏:‏ لابد ان تبحثي عن شيء تشغلين نفسك به سوانا‏!‏ ثم كرر زوجها نفس الكلمات بعدها بيوم أو اثنين‏,‏ وصدمت صدمة عنيفة لأنني لم أثقل عليهما‏,‏ ولم أدخل بيتهما‏,‏ ثم أنني امرأة عاملة وليس لدي وقت طويل من الفراغ‏..‏ ولم أتدخل أو أوجه أي سؤال شخصي لهما‏,‏ ومن يومها‏,‏ وحتي الآن‏..‏ مر أكثر من سنة ونصف السنة‏..‏ لم أرفع السماعة لأطلبهما‏..‏ بل أنتظر حتي تطلبني ابنتي‏..‏ ولا أذهب لزيارتها إلا كل شهرين أو أكثر‏..‏ أو قل في المناسبات فقط‏..‏ وهما لا يأتيان لزيارتي إلا بعد أن أطلب ذلك أكثر من مرة‏,‏ وإذا جاءت ابنتي وحدها‏,‏ لابد أن يكون عندهما مشوار مهم‏..‏ أو زيارة‏..‏ أو أي حجة بحيث يمر عليها بعد حضورها بدقائق لتنزل معه‏,‏ ولأن عمله قريب من منزلي‏,‏ فقد طلبت منه مرتين متباعدتين أن يحضرها معه‏..‏ ثم يمر عليها بعد عمله‏..‏ ولكنه يرد علي في كل مرة‏:‏ أنها مشغولة‏..‏ برغم أنها لا تعمل‏..‏ وأنا الآن لم أعد أطلب هذه الزيارات‏..‏ التي كنت أحس أنها مرغمة عليها‏..‏ وأصبحت الآن لا تأتي لزيارتي بالشهر‏..‏ برغم أن المسافة بيننا نحو ربع الساعة‏.‏ أما سياسة الرفض‏,‏ فهذا موضوع آخر‏..‏ فأي طعام أعده لهما‏..‏ فهو لا يحبه‏..‏ وهو لا يعجبه‏..‏ برغم أننا عائلة مشهورة بإجادتنا للمطبخ‏,‏ أما الملابس‏..‏ والهدايا‏..‏ وما يخص البيت‏..‏ فكل هذا أيضا لايعجبه‏..‏ إذ أن له ذوقه الخاص‏!!‏



والمشكلة الأكبر‏..‏ هي آرائي‏..‏ حتي وإن كانت في المواضيع العامة التي لا تمسه من قريب أو بعيد‏..‏ فهي دائما خطأ‏..‏ وهو متحفز دائما‏,‏ ودائم الهجوم والمهاجمة‏..‏ وبالتالي‏,,‏ لا يمكن لابنتي أن تسألني عن شيء لئلا يغضب‏,‏ وإذا احتاجت لنصيحة في أي شأن من شئون البيت‏,‏ كان عليها أن تسأل صديقاتها أو حماتها‏,‏ وأعرف بذلك‏..‏ وأحس بالانقباض في صدري‏,‏ وبالمرارة في حلقي‏,‏ لماذا كل هذا الجفاء؟ ماذا فعلت؟‏..‏ هل هكذا تكون البنت مع أمها؟‏..‏ لقد كانت علاقتي بأمي مختلفة تماما‏..‏ فقد كانت هي مرجعي في كل شيء حتي أواخر أيامها‏..‏ لكن ابنتي تتعمد أن تشعرني بالتجاهل‏..‏ وأن تنقل إلي الإحساس بأنني غير موجودة‏.‏


وبعد سنة من الزواج‏,‏ حملت ابنتي‏.‏ وكان حملها بالنسبة لي فرحة‏..‏ إذ إنني سأكون جدة للمرة الأولي‏..‏ وهنا‏..‏ قلت لنفسي‏,‏ ربما يغير هذا الحفيد ما في نفسيهما‏..‏ ربما نشترك معا في حبه ورعايته مما يقربنا بعضنا بعضا أكثر‏,‏ وقد عايشت فرحة أمي بميلاد ابني‏..‏ أول حفيد لها‏,‏ وعايشت الكثير من صديقاتي وأقاربي‏..‏ عندما صرن جدات‏..‏



ولكن‏,‏ بدأت الحرب ضدي من اتجاه آخر‏..‏ فأنا ليست لي خبرة أو فهم في أي أمر يخص الطفل‏..‏ ولا أعرف ماذا يلبس‏..‏ أو ماذا يأكل أو كيف يتربي‏..‏ وليس من حقي الاشتراك في اختيار أي شيء يخصه؟‏..‏ ثم أنهما يفكران من الآن فيمن يتولي رعايته إذا احتاجا مثلا للخروج متجهين بفكرهما إلي الأصدقاء‏,‏ متناسين وجودي تماما‏..‏ يبدو أنني لا أؤتمن علي ابنهما‏..‏ وقد أذهلني هذا التفكير‏..‏ لقد كنت في سنهما يوما ما‏..‏ ولم آمن اطلاقا علي أولادي إلا وهم في حضن أمي‏..‏ ولكنه نفس أسلوب الهجوم والتجاهل‏,‏ أو التلطيش‏..‏ الذي اعتاداه معي‏..‏ فما من مرة التقينا معا إلا وهوجمت خلالها‏..‏ وسمعت ما لا يرضيني‏..‏ أما آخر صيحة هذه الأيام‏..‏ وهي التي يرددها بكثرة‏..‏ فهي أنني لم أعرف كيف أربي ابنتي؟‏..‏ هل تعرف لماذا؟‏..‏ لقد كنت أجهز لها طعام الإفطار أيام أجازتها قبل أن أنزل إلي عملي‏..‏ وكان الواجب أن أتركها سواء تناولت افطارها أم لا‏..‏ كما تربي هو‏..‏ أما أيام الدراسة‏..‏ فلأن اليوم الدراسي طويل‏..‏ فقد كنت حريصة علي أن تشرب كوبا من اللبن قبل أن تنزل إلي المدرسة‏..‏ وهذه أيضا غلطة كبيرة‏..‏ لماذا أطلب منها أن تشرب اللبن؟‏..‏ من أجل الكالسيوم؟‏..‏ أنه موجود في أشياء أخري‏..‏ وهو يحدثني في هذا وأنا طبيبة‏..‏ أعرف أكثر منه ما ينفع وما هو ضروري‏..‏ لكن طبعا‏..‏ لا أحد يفهم غيره‏..‏ أنا أعرف سبب مهاجمته لأسلوبي الخاطيء في التربية في هذا التوقيت‏..‏ فهو يريد أن يقول لي لا تتدخلي في تربية ابني القادم‏..‏ وأنا أفهم هذا جيدا‏..‏ واستوعبه‏..‏ واعتزمه‏..‏ بل أعد نفسي له‏..‏ وكلما تمر الأيام‏,‏ تزداد الفجوة‏,‏ وتتسع الهوة حتي اسودت الدنيا كلها في عيني‏..‏ وصارت نفسي حزينة‏..‏ لم يعد شيء يفرحني‏..‏ هل هذا مصيري بعد أن أمضيت عمري كله الانسانة المحترمة العاقلة‏,‏ سواء في بيت أبي أو زوجي أو بين أقاربي وزملائي؟‏..‏



لقد أصاباني بحالة شديدة من اليأس والإحباط‏..‏ برغم أنني أفهم كل دوافعه‏..‏ وأعرف أن كل هذه عقد نقص‏..‏ وأنه يفرغ في كل طاقاته المكبوتة وكراهيته لظروفه التي لست المسئولة عنها‏..‏ لقد أخذا علي عاتقهما أن يحولا كل سبب للفرحة في حياتي‏.‏ إلي حزن وكآبة‏..‏ فإلي متي سيظل زوج ابنتي يصارع‏..‏ ما الذي يريد أن يثبته لي؟‏..‏ وحتي متي ينتقم من كل ظروفه في شخصي؟‏..‏


إنني أنظر حولي‏..‏ فلا أجد أمهات كثيرات يهتممن بأبنائهن‏..‏ وأري أبناء يتمنون لو كان لديهم من يهتم بأمرهم‏..‏ وأنا شخصيا سمعت هذا أكثر من مرة‏..‏ فكنت أفهم أن يقدر هو هذا الاهتمام الذي حرم منه شخصيا‏,‏ أما الذي يحزنني بالأكثر‏..‏ فهو موقف ابنتي‏..‏ وكيف أنها لا تستطيع التمييز ولا تذكر لأبيها وأمها أي شيء جيد فعلاه معها؟‏..‏ هل هي عقدة عند بعض الناس‏,‏ أن يتذكروا فقط بعض الهفوات‏..‏ وألا يرد إلي ذهنهم أبدا التضحيات الكثيرة؟‏.‏ إن شريط الذكريات يمر أمامي‏..‏ كيف تعبت معهم؟ كيف أنني لم أقصر أبدا في حقهم؟‏..‏ ولم أهملهم ولم أتركهم للشغالة أو للشارع‏..‏ مواقف كثيرة جدا تدور في مخيلتي‏..‏ أري نفسي فيها أما محبة‏..‏ مضحية‏..‏ وأسأل نفسي‏..‏ لماذا لا تسأل ابنتي نفسها‏..‏ هل كانت ستصير كما هي الآن لو لم أكن قد أحسنت تربيتها؟


لقد أطلت عليك سيدي‏..‏ فأرجو المعذرة‏..‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


يجب أن نوطن أنفسنا علي عدم التأثر بجلافة بعض من تفرض علينا ظروفنا التعامل معهم والتسليم بوجودهم في دائرة تعاملاتنا الانسانية‏,‏ إذ إننا مادمنا قد خبرناهم وعرفنا طبيعتهم البرية وادركنا جيدا أنها لن تتغير أو تتبدل‏,‏ فانه لا يكون من الحكمة أن نتعذب إلي ما لا نهاية بغلظتهم وفظاظتهم وجفائهم غير المبرر‏..‏ وإنما علينا أن نقصر تعاملاتنا معهم علي أضيق الحدود‏,‏ ونتفادي بقدر الإمكان أشواكهم التي تدمينا‏,‏ كما تدمي أشواك القنفذ من يربت علي ظهره غافلا عن أذاها‏,‏ أو كسب مشاعرهم أو إقناعهم بحسن نياتنا‏,‏ لأننا لن ننجح في ذلك ولن نسلم من جرحهم لمشاعرنا بتصرفاتهم الفظة وكلماتهم الدامية‏.‏


وكل ذلك ينطبق علي زوج ابنتك الذي لم يغفر لك قط سابق اعتراضك عليه كمرشح للارتباط بابنتك‏.‏ ومازال يجتر مراراته ضدك بسبب هذا الموقف‏,‏ وبسبب ما يتوهمه من رغبتك في التدخل في حياة زوجته أو السيطرة عليها‏,‏ ولو أنصف لتعامل مع سابق تحفظك عليه بتسامح أكبر‏..‏ وبفهم أعمق لدوافعك كأم تطلب لابنتها دائما الأفضل والأرفع‏..‏ وقد تصيب أو تخطيء في تقديرها لكنه يشفع لها دائما حسن النية والرغبة الصادقة في إسعاد ابنتها‏,‏ وما أكثر الأزواج الذين اعترضت عليهم أم الزوجة في البداية وتفهموا دوافعها وكسبوا حبها وثقتها وفتحوا لها قلوبهم بعد حين‏,‏ وما أكثر الأزواج أيضا الذين صدقت فيهم فراسة الأم‏,‏ واقتنعت الابنة بصواب حكمها عليهم بعد فوات الأوان‏..,‏ لهذا فلقد كان من واجب زوج ابنتك أن يقنعك بحسن معاملته لك وحثه لزوجته علي أن تصلك وتقترب منك وتستعين بك علي مواجهة أعباء الحياة‏,‏ بخطأ تقديرك السابق له‏..‏ لا أن يؤكده لك بجفائه وغلظته ونفوره وتحريضه لزوجته علي تحجيم علاقتها بأمها في أضيق الحدود‏.‏



أما ابنتك فاني أنصحك بألا تستجدي مشاعرها وبألا تظهري دائما بمظهر المتلهفة عليها التي تخطب ودها علي الدوام‏..‏ وبأن تتماسكي بعض الشيء في التعامل معها‏,‏ ذلك أن إلحاحنا بالحب والاهتمام علي بعض الأشخاص‏,‏ إن لم يصادف أهل الفضل الذين يفهمون حقائق الحياة حق فهمها‏,‏ فانه يثير فيهم البطر والنفور منا‏..‏ بدلا من أن يجتذبهم إلينا‏..‏ تماما كالدنيا التي يقول بعض الصالحين انك إذا أقبلت عليها أدبرت عنك‏,‏ وإذا ادبرت عنها أقبلت عليك‏,‏ وإن كنت لا أغفر لها تحفظها معك‏..‏ وبرود مشاعرها تجاهك‏,‏ وإبعادها لك عن حياتها حتي لتستشير الأغراب في أمرها‏..‏ ولا تلجأ إلي أمها التي ينبغي أن تكون سندها الأول في الحياة‏.‏


ولقد ذكرتني رسالتك هذه بأبيات من الشعر لشاعر عربي قديم يشكو جفاء ابنه له حتي ليتمني عليه أن يعامله كما يعامل الجار جاره إن عز عليه أن يعامله كأب‏,‏ فيقول‏:‏



تخاف الردي نفسي عليك وانها


لتعلم أن الموت وقت مؤجل


فلما بلغت السن في الغاية التي


إليها مدي ما كنت فيك أومل


جعلت جزائي غلظة وفظاظة


كأنك أنت المنعم المتطول


فليتك إذ لم ترع حق أبوتي


كما يفعل الجار المجاور تفعل



وفي عبارة كأنك انت المنعم المتطول وصف لحالة بعض الأبناء الذين يسيئون فهم عطاء الآباء والأمهات النفسي لهم ويضيقون به أو يتلقونه كارهين‏,‏ وكأنهم هم المنعمون علي آبائهم وأمهاتهم بقبوله وليس العكس‏!‏ مع أن اهتمام الآباء والأمهات بأبنائهم مهما بلغوا من العمر عطاء وتكريم متجددان لهم‏..‏ والمثل العربي القديم يقول لا يأبي الكرامة إلا لئيم والمقصود بكلمة الكرامة هو التكريم والإعزاز والتقدير‏.‏


فهوني علي نفسك يا سيدتي ولا تحزني لما تشهدينه من تلميحات جارحة عن تربية الأطفال‏,‏ وليسعد كل انسان بما يعتقده في نفسه وفي الآخرين‏..‏ ووالله الذي لا إله سواه أنك لو كنت أما مشغولة بنفسها وعملها وحياتها عن ابنتها المتزوجة لجأرت هي بالشكوي من إهمال أمها وشح عطائها الأمومي لها‏,‏ ولأيدها زوجها في شكواها هذه ورسخها في نفسها‏,‏ لكن هكذا تمضي أمور الحياة في بعض الأحيان‏.‏ فاصبري وانتظري ولسوف تحتاج إليك ابنتك وزوجها وطفلهما المرتقب في قادم الأيام‏..‏ ولسوف يجيء يوم يرجوانك فيه أن ترعي طفلهما في غيابهما لكي يخفف الزوج عن أبويه في بعض الأحيان عبء رعايته‏,‏ أو لاضطرارهما للسفر أو غير ذلك من شواغل الحياة‏..‏ والمهم دائما هو ألا تستجدي المشاعر وألا تتلهفي علي تقديم العطاء‏,‏ بحيث يزهد فيه من يتلقاه أو يتقبله في أنفة وكبرياء وكأنه هو المنعم المتطول‏!‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:17 PM
  #33
رمضان رشاد
مشارك نشط
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 52
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع

مشكوره علي هذا المجهود وهي احسن هديه علي العيد والاستاذ عبد الوهاب مطاوع لايختلف عليه اثنين
رمضان رشاد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:18 PM
  #34
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الفرصة الأخيرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة




هذه ليست أولي رسالاتي اليك فقد سبقتها‏3‏ رسائل ولم تنشر‏,‏ ولقد قرأت رسالة الأمل الأبدي واريد أن اكتب تعليقا عليها وأروي قصتي انا الأخري مع زوجي‏,‏ وفي البداية فأنني مع هذه السيدة العظيمة التي ترفض ان تشاركها زوجة أخري في زوجها ولو بنسبة‏5%,‏ لأنها لم تقصر يوما ما في حق زوجها‏,‏ وكانت له نعم الزوجة‏,‏ ولأولاده نعم الأم وعانت وتحملت نزوات زوجها‏,‏ وأنتهز هذه الفرصة وأرسل عبر بريدكم رسالة الي ضمير كل سيدة تشارك أخري في زوجها هي‏..‏ لماذا تدمرين أسرة سعيدة وتكونين سببا في شقائها‏,‏ هي هل قلة عدد الرجال ؟‏!‏أنني أدعو علي كل سيدة تسرق رجلا ليس من حقها ان تتجرع نفس الكأس التي سقت منها غيرها‏,‏ اما قصتي فأنا سيدة متدينة وعلي خلق والحمد لله ومعروفة في عائلتي بلقب العاقلة‏,‏ وعمري الآن خمسون عاما وقد تزوجت منذ‏25‏ عاما بعد قصة حب وخطبة استمرت ثلاث سنوات اي ان علاقتي بزوجي عمرها‏28‏ عاما أو أكثر‏,‏ ولي منه ابن شاب خريج جامعة وابنة في بداية التعليم الجامعي‏,‏ وقد عشنا في سعادة وتفاهم دائمين وكنت ارعي الله في زوجي وأولادي‏,‏ ولن أحكي لك عن قصة الكفاح المعروفة دائما وكيف بدأنا حياتنا في منزل والد زوجي وسافرنا وتحملنا الكثير‏,‏ وانا راضية وفي منتهي السعادة لأننا نحلم معا ونحقق معا ما نحلم به‏,‏ ولم يبخل علي زوجي بأي شيء من ماله أو حبه‏,‏ وكنت أنا أتفاني معه في كل شيء الي ان تحقق لنا ما نحلم به من شقة جميلة وسيارة وأولاد يعشقون آباهم ويعشقهم هو‏,‏ الي ان دخلت حياتنا‏(‏ حية‏)‏ لاأعرف كيف استطاعت ان تسرق مني زوجي‏,‏ لكنني فوجئت به بعد‏25‏ سنة من الزواج يخبرني انه اخطأ خطأ فادحا وتزوج وسوف يصلح هذه الغلطة في أسرع وقت‏,‏ ولن أكتب الآن عن آلامي وشقائي وانهياري النفسي والأمراض التي أصبت بها‏,‏ والتي جعلت زوجي يدعي كذبا أنه‏(‏ طلق هذه الحية‏)‏ ثم اكتشفت كذب ذلك ثم طلقها مرتين بلفظ الطلاق أمامي‏,‏ وسألت أهل الافتاء هل يصح ذلك وأجمعوا علي صحة ذلك‏,‏ ولكنه كان يردها في كل مرة دون ان تعلم هي بأي شيء‏,‏ ولما اكتشفت أن العلاقة مازالت مستمرة صممت علي ان يختار بيني وبينها‏,‏ كما كان موقفي من البداية‏,‏ وكان قد مر علي ذلك سنة ونصف السنة وأمام ابني الشاب الخريج وقف زوجي وطلق هذه السيدة الطلقة الثالثة وفرحت لذلك ومضت الأيام‏,‏ واذا بي اكتشف ان علاقته بها مازالت مستمرة‏,‏ وان هذا الطلاق الأخير والذي سمعته انا وأبني كان مزيفا‏,‏ وان زوجي تعمد أن ينطق به وينفي في نفس الوقت بصوت خافت ما يقوله بصوت مسموع‏,‏ كل هذا حدث دون أن يعرف أحد من أهلنا أي شيء سوي الأخت الكبيرة لزوجي والتي كنت أقيم معها في كل مرة أكتشف فيها أن زوجي يكذب علي‏,‏ وهكذا تحولت حياتي لجحيم وانا الآن‏(‏ أقف علي حافة الطلاق‏)‏ فإما أنا أو طلاق هذه الحية‏,‏ وفي انتظار وعد جديد من زوجي الذي أصبح أسهل شيء عنده أن يعد وإلا يفي بالوعد حتي سقط من نظر أولاده ومن نظري‏,‏ لكني مازلت مصممة علي ألا يشاركني فيه أحد مهما كانت الظروف‏,‏ وانتظر الوعد الأخير والفرصة الأخيرة أمامنا لكي يستمر هذا البيت الذي بنيته علي الحب والإخلاص منذ أول يوم وكان زوجي كذلك قبل أن يتسلل اليه سم هذه الأفعي التي هي أقل مني في كل شيء‏,‏ وليست فيها أي ميزة تجعلني ألتمس له العذر في الاندفاع نحوها‏,‏ أنني أعيش اتعس أيام عمري ولكني حتي لا ألوم نفسي أو يلومني أولادي فأني اعطي هذه الفرصة الأخيرة لزوجي حتي يترك هذه الأفعي ويرجع كما كان وهو الرجل الذي تخطي الخامسة والخمسين من عمره ويشغل مركزا مرموقا‏.‏



إنني أرجو أن أواسي صاحبة رسالة‏(‏ الأمل الأبدي‏)‏ وأن تواسيني هي أيضا في صدمتي في زوجي بعد عشرة‏25‏ سنة‏,‏ وهو يعترف حتي الآن بحبه الشديد لي وتمسكه بي مهما حدث‏,‏ وكأن الحب لا يمنعه من أن يفعل بي كل ما فعل فما معني الحب اذن هذه الأيام؟‏!‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أرجو أن ينتهز زوجك هذه الفرصة الأخيرة ويبادر بتصحيح ما تورط فيه قبل أن تتفاقم تبعاته الوخيمة وتتعقد أكثر فأكثر اذا حملت منه تلك السيدة‏..‏ فليس عارا ان يخطيء الإنسان مرة‏,‏ لكن العيب كل العيب ألا يبادر بإصلاح الخطأ والاعتذار عنه‏,‏ وهو يعرف جيدا أنه قد أخطأ في حقنا ويسلم لنا ولنفسه بذلك‏.‏ لقد كان حكيم الصين كونفوشيوس يقول‏:‏ إن من يرتكب خطأ ثم لا يقوم بتصحيحه فإنما يرتكب خطأ ثانيا‏!‏


وكذلك يفعل زوجك حين يعدك بالتخلص من تلك النزوة العابرة ثم لا يفي بوعده‏..‏ أو يضعف عن تنفيذه‏,‏ فتمسكي بموقفك وتخييره بين تسريح الزوجة الغازية لحياتك الزوجية وتسريحك أنت بإحسان وهدم حياته العائلية المحترمة وتعريض صورته للاهتزاز الشديد أمام أبنائه‏..‏ والإطاحة بعشرة‏28‏ عاما من الحب والإخلاص والكفاح المشترك وذكريات العمر وطفولة الابناء ومناسباتهم السعيدة‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:19 PM
  #35
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


طيف الغائب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42858
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
9
‏19 من صفر 1425 هـ
الجمعة



تعودت أن أحتفظ بصفحات بريد الجمعة لأرجع لقراءتها وأستعيد مابين سطورها بحثا عن السكينة والهدوء النفسي وتعزية لما يثقلني من هموم ومصاعب في رحلة الأيام‏.‏


فأنا أبلغ من العمر‏63‏ عاما قضيتها في صراع مع الحياة للتغلب علي الظروف الصعبة وتربية الأبناء‏.‏



وقد وفقني الله وأعانني علي أداء هذه الرسالة‏,‏ وأنهي الأبناء دراستهم وتزوج ابني الأكبر وابنتي وأخيرا ابني الثاني ياسر الذي استشهد في حادث سيارة برأس سدر في أثناء سعيه وراء الرزق بعد أن أوصدت أبواب الوظيفة أمامه‏,‏ وتخرجت ابنتي الأخري وحصلت علي ليسانس الحقوق وحصل ابني الآخر علي‏(‏دبلوم سياحة وفنادق‏)‏ والابن الاصغر علي دبلوم السيارات‏,‏ وبخروجي علي المعاش أصبحت أدير مشروعا تجاريا بسيطا استثمارا للوقت وتحقيقا لتوفير الرخاء والسعادة للأسرة لما أقدمه لهم من مساعدة بجانب المعاش‏.‏


ولقد استشهد ابني وعمره‏28‏ عاما وكان أعز الأبناء وصفوتهم لما يتميز به من أخلاق وطاعة وحب وانتماء‏,‏ وترك وراءه نهرا من الأحزان وترك الدنيا بمتاعبها وشقائها‏,‏ وكان عوني وسندي في مواجهة الأعاصير‏,‏ وكان الأمل والنور الذي نستضئ به ومميزا في تصرفاته وهدوئه وعقلانيته وذهب ليلقي ربه ومولاه ولله ما أعطي ولله ما أخذ‏,‏ وعندما قرأت رسالة اللحظات الرهيبة في بريد الجمعة‏4‏ أبريل‏2003‏ التي يصف فيها الأب اللحظات الأخيرة من وداع ابنه الراحل‏,‏ هدأت نفسي واحتسبته عند خالقه وأسأل الله أن يرزقنا الصبر عند الابتلاء وأن يعوضنا عوض الصابرين



فذكري ياسر باقية في القلب ولن تمحوها الأيام حتي انتهاء الأجل‏.‏حيث استشهد في‏2003/9/2‏ ومازالت صورته لاتفارق عيني‏,‏ وانني لأكتب اليك هذه الرسالة والدموع تنساب من عيني دون إرادة مني‏.‏


لقد رأيته في المنام ثلاث مرات وأزوره في قبره دون انقطاع وأدعو له بالرحمة وأصلي علي روحه الطاهرة ركعتين مع صلاة الفجر‏,‏ وأتصدق علي روحه‏,‏ ولكن الفراق صعب‏,‏ وتقاسمني في هذا الشعور أمه فقد كان حبها الوحيد‏,‏ وكذلك أرملته التي لم تهنأ بصحبته سوي أربعة أشهر ولا أملك الا الصبر عند الابتلاء‏,‏ إنا لله وانا اليه راجعون‏.‏



وما أطلبه منك هو أن أجد العزاء والسلوي في مواجهة هذه الصدمة وهذا الزلزال الذي أصابني في مقتل‏,‏ لقد كتبت له وصيتي قبل استشهاده‏,‏ والآن أصبحت شاردا غائبا عن وعيي بعد أن فقدت أغلي الأبناء والأخ والصديق‏.‏ وهكذا شاءت ارادة الله أن يغيب وأن يطويه القبر ويتوسده التراب‏..‏ وأن يتركني لدموع لا تتوقف وحزن لا ينضب‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


قدر الله وما شاء فعل ياسيدي‏,‏ ولسنا نملك في النهاية إلا الامتثال لمشيئته والتسليم بقضائه وقدره‏,‏ ومحاولة التخفيف عن أنفسنا والاقتناع بأنه لا جدوي لاستغراقنا في الحزن‏,‏ سوي أن تضعف مقاومتنا وتنهار صحتنا وتفترسنا الهموم والأحزان‏.‏


إن من يرحلون عنا لايغيبون عنا برحيلهم عن الحياة وإنما يعيشون دوما في وجداننا‏,‏ ويشاركوننا خواطرنا وأفكارنا‏,‏ وتطوف بنا أطيافهم فتهدئ لوعتنا وتخفف حسرتنا لفراقهم‏,‏ وتجفف بعض دمعنا عليهم‏,‏ خفف الله عنك وعن أمثالك من المكلومين وعوضكم جميعا عمن فقدتم خير الجزاء‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:20 PM
  #36
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


المشـــــوار الطويــل‏!‏


بـريــد الأهــرام
42865
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
16
‏26 من صفر 1425 هـ
الجمعة



أكتب إليك لأروي لك قصتي عسي أن يستفيد بها بعض قرائك‏,‏ وأبدأ بأن أعرفك بنفسي‏,‏ فأقول لك أنني سيدة في منتصف العمر‏..‏ نشأت في أسرة متوسطة مستورة‏,‏ وكان أبي ـ رحمه الله ـ أستاذا بأحد المعاهد الأزهرية‏,‏ وأمي مدرسة ثم ناظرة بالتعليم الاعدادي‏,‏ ولي أخوان يصغرانني‏,‏ وقد عشت طفولة سعيدة إلي حد كبير بالرغم من تشدد والدي في تربيتنا‏,‏ حيث كان يؤمن بأن الشدة مع الأبناء تزيدهم صلابة وتعدهم لمواجهة الحياة‏,‏ وأنهيت مراحل تعليمي كلها بتفوق وكذلك فعل شقيقاي‏,‏ وقبل تخرجي بشهور تقدم لي شاب يمت بصلة قرابة بعيدة لأبي‏,‏ ويعمل محاسبا بهيئة كبري‏,‏ وعرضت علي أمي الأمر فلم أستطع أن أبدي فيه رأيا محددا لأني لا أعرف هذا الشاب ولم ألتق به‏,‏ وعلي عكس تشدد أبي معنا فقد كان لا يفرض علينا شيئا في اختيارنا لنوع الدراسة أو في اختياراتنا لحياتنا‏,‏ فصارحني بأنه يوافق كأب علي هذا الشاب من الناحية العائلية والاخلاقية‏,‏ لكنه يدع لي حق الاختيار بحرية‏..‏ ثم نصحني بأن أعطي نفسي الفرصة لأتعرف عليه من خلال زياراته لنا قبل اتخاذ أي اجراءات رسمية‏,‏ وبالفعل تردد علينا هذا الشاب عدة مرات وجلست معه في الصالون تحت أنظار أبي وأمي‏,‏ وانتهيت إلي الارتياح إليه‏..‏ بل والاعجاب به أيضا‏,‏ فلقد بدا أمامي انسانا جادا وصادقا وراغبا في السعادة‏..,‏ وصارحني في أول أو ثاني لقاء بأنه يفضل أن تتفرغ زوجته لحياتها العائلية وبيتها وألا تعمل‏,‏ وصادف ذلك هوي قديما في نفسي فوافقته علي رأيه‏,‏ وخطبت إليه‏..‏ وتزوجنا بعد عام من الخطبة‏,‏ وجهزني أبي للزواج ولم يبخل علي بشيء في حدود قدرته‏..‏



وبدأت حياتي الزوجية مع زوجي‏..‏ ووجدت فيه انسانا طيبا إلي أقصي حد‏,‏ ويبحث عن الأمان والاستقرار‏..‏ ويساوره دائما شيء من الخوف من المستقبل‏,‏ وفهمت منه أن ذلك يرجع إلي نشأته كطفل يتيم حيث رحل عنه أبوه وهو في الخامسة من عمره‏..‏ وعانت أمه كثيرا لتربيته وحماية ميراثه عن أبيه من أطماع أعمامه‏..‏ وزادني ذلك حبا له وعطفا عليه‏.‏ ووضعت حملي الأول‏,‏ فكان طفلة جميلة سعد بها زوجي سعادة تفوق الوصف‏,‏ وأصبح لا يكاد يغادر البيت بعد عودته من العمل لكي يقضي معها أطول وقت ممكن‏.‏


وبعد عامين وضعت حملي الثاني فكان بنتا أيضا وبقدر فرحتي بها فلقد ساورني شيء من القلق أن يكون زوجي قد خاب أمله في أن ينجب ولدا‏,‏ لكنه لم يشعرني لحظة واحدة بذلك‏,‏ وبالغ في اظهار فرحته بالطفلة الجديدة‏.‏ وقال لي إنه يريد أن يكتفي بهاتين الطفلتين‏..‏ ولا يريد الإنجاب ثانية لكي يستطيع توفير أفضل الظروف لهما‏..,‏ ووافقته علي ذلك‏..‏ لكني في أعماقي تمنيت أن أنجب ولدا يحمي أختيه ويحمل اسم أبيه‏..,‏ وبعد عامين حملت من جديد ولم يعترض زوجي علي حملي ارضاء لي‏..‏ وأنجبت فإذا بي أنجب بنتا ثالثة‏..‏ وبكيت حين علمت ذلك‏,‏ فنهرني زوجي قائلا لي إن البنات يعمرن البيوت‏..‏ وأن من يربي ثلاث بنات ويحسن تربيتهن ويعلمهن دينهن يدخل الجنة‏..,‏ وتأكيدا لفرحته احتفل بسبوع المولودة الثالثة احتفالا صاخبا دعا إليه أبي وأمي وشقيقي وكل أفراد العائلة‏..‏



ومضت بنا الحياة هادئة وجميلة‏..‏ والزهرات الثلاث يملأن حياتنا بالبهجة والسرور والشواغل اللذيذة‏..‏ وترقي زوجي في عمله وانتدب للعمل في دولة عربية من هيئته لمدة عامين فرافقناه خلالهما‏,‏ ورفض أن يتركنا وراءه‏,‏ لأنه لا يطيق البعد عن زوجته وبناته‏..‏ وازدادت الحياة يسرا فاشترينا سيارة مستعملة‏..‏ وشقة صغيرة بالإسكندرية نقضي فيها اجازاتنا‏,‏ وبعد فترة أقامت الهيئة التي يعمل بها زوجي مشروعا لبناء شاليهات تعاونية بالاسماعيلية فاشترينا واحدا منها بالتقسيط علي عشر سنوات‏..,‏ وواصلت البنات التعليم حتي وصلت الكبري إلي نهاية المرحلة الابتدائية والوسطي إلي الثالثة الابتدائية‏,‏ والصغري إلي الصف الأول الابتدائي‏,‏ ثم سقط زوجي فجأة مريضا بمرض مزمن‏,‏ وخيم القلق والخوف علي حياتنا لأول مرة‏,‏ ودخلنا دوامة العلاج والأزمات المرضية الحادة ودخول المستشفيات لمدة عام طويل‏..‏ ثم رحل زوجي الحبيب عن الحياة وعمره لا يتجاوز الرابعة والأربعين‏..‏ وأنا في السادسة والثلاثين من العمر واسودت الدنيا أمام ناظري‏..‏


وبعد أن غادرنا الأهل والمعزون‏..‏ جلست لأفكر في المستقبل‏..‏ ووجدت معاش زوجي لا يكفي لنفقات حياتنا‏,‏ فقررت أن أواجه الواقع بغير الاستعانة بأحد‏..‏ وتذكرت شدة أبي رحمه الله معنا ونحن أطفال‏,‏ وكيف كان يقول أنه يعدنا بها لمواجهة الحياة‏,‏ واتخذت عدة قرارات أقسمت أن ألزم نفسي بها في المرحلة المقبلة‏.‏ وألا أتهاون أبدا في تنفيذها‏..‏ أولها ألا أتزوج مرة أخري بعد زوجي وألا أمد يدي إلي أحد مهما كانت الظروف والأحوال‏,‏ يستوي في ذلك شقيقاي وخالي وعما بناتي‏..‏ وثانيها بيع السيارة ووضع ثمنها في البنك بنصيب البنات ونصيبي ليساعدني عائده علي استكمال نفقات حياتي‏..‏ وثالثها اخراج بناتي من مدرسة اللغات وإلحاقهن بمدرسة حكومية وتعويض فارق المستوي بالمذاكرة لهن في البيت‏..‏ ورابعها الابقاء علي شقة الإسكندرية وشاليه الاسماعيلية لكي يساعدني ثمن بيعهما مستقبلا في تجهيز البنات للزواج حين يجيء الآوان‏,‏ مع محاولة الاستفادة منهما خلال ذلك بتأجيرهما من حين لآخر لزيادة الدخل‏,‏ أما أهم القرارات فهو ألا يعلم أحد من أهلي أو أهل زوجي بما يدور في حياتنا حتي ولو عشنا علي الخبز الحاف‏..‏ وأن نحرص دائما علي أن يكون مظهرنا لائقا أمام الجميع


‏.‏ وتحقيقا لهذا الغرض اشتريت ماكينة خياطة وحصلت علي عدة دروس في التفصيل ولم تمض شهور حتي كانت كل ملابسنا المنزلية وبعض ملابس الخروج من تفصيلي‏..‏ وأصبحت مهمتي الأساسية في الحياة هي أن أوفر لبناتي أفضل الظروف الممكنة في حدود قدرتي‏..‏ وأن أجعل أيامهن سعيدة بقدر الإمكان لكيلا يشعرن بيتمهن وحرمانهن‏..‏ وكلما لاحظت ملامح الانكسار علي وجه إحداهن ضاعفت من محاولاتي لارضائهن وتحقيق رغباتهن البسيطة‏,‏ وفي الليل أخلو إلي نفسي في حجرة نومي وأنظر إلي صورة زوجي الراحل وأستعيد ذكرياته‏..‏ ومداعباته‏..‏ ونظراته المتعلقة بي دائما وحبه لي ولبناته وتسيل دموعي‏..‏


وتوالت الأيام‏..‏ بعضها حلو وأكثرها مر‏,‏ ومرت بي مشاكل كثيرة‏,‏ وفي احدي الفترات ضاقت علي الحياة فإذا بي ـ أشعر بنقمة مفاجئة علي زوجي لأنه تركني لأحمل هذا الهم الثقيل وحدي‏..‏ وإذا بي أشعر أيضا ـ أستغفر الله العظيم ـ بما يشبه السخط علي أقداري وأتساءل لماذا كتب علي هذا العناء؟‏..‏ وفي قمة ضيقي وجدتني أتوقف عن الصلاة مع أني أواظب عليها منذ نعومة أظافري‏,‏ وأنظر إلي المشوار الطويل الذي ينتظرني لكي تصل البنات إلي بر الأمان ويتخرجن ويتزوجن وتنتهي أعبائي‏,‏ فأجده مشوارا بعيدا يصعب علي بعض الرجال أن يقطعوه فكيف أقطعه أنا‏,‏ وأنا المرأة الضعيفة؟ ومتي أضع حملي الثقيل عن كتفي وأستريح؟



وضاعف من حنقي أنني سافرت بالقطار إلي الإسكندرية لأسلم مفتاح الشقة لمستأجر يشغلها شهور الصيف علي أن أرجع لبناتي علي الفور‏,‏ فشاهدت الشواطيء مزدحمة بالسيدات والفتيات الضاحكات اللاهيات‏,‏ ووجدت المستأجر عريسا سيقضي مع عروسه‏3‏ أشهر في الإسكندرية‏..‏ وتعجبت لنفسي حين كان يجيء وقت الصلاة فأجدني جالسة في جمود ولا أتحرك للوضوء‏,‏ وشملت مشاعري السلبية كثيرين مع أن أهلي لم يقصروا معي منذ وفاة زوجي‏,‏ وكانوا دائمي السؤال عني وزيارتي‏,‏ وكثيرا ما عرض علي عما بناتي خدماتهما‏..‏ بل ومساعدتهما المادية فشكرتهما واعتذرت لهما‏,‏ وكذلك فعل مرارا خالي وشقيقاي‏..‏ واعتذرت لهم‏..‏ فلماذا إذن هذا السخط؟


وفي هذه الظروف زارتني فجأة عمتي المقيمة بالأقاليم‏,‏ وهي سيدة طيبة ومباركة‏,‏ وقد جاءت محملة بخيرات الريف كعادتها‏,‏ وقالت لي إنها رأتني في الحلم مرتين وحول رقبتي حبل ضيق‏,‏ فشعرت بالقلق علي وقررت زيارتي‏,‏ فما أن قالت لي ذلك حتي انفجرت في البكاء وارتميت علي صدرها‏.‏ وراحت هي تمسح علي رأسي وظهري وتتمتم بآيات القرآن الكريم‏,‏ حتي هدأت نفسي‏,‏ وحكيت لها عما أشعر به من اختناق وضيق وسخط‏..‏ فهدأتني وطلبت مني إحضار منقد البخور لأنها احضرت لي نوعا جيدا منه‏..‏ واحضرته فوضعت عليه البخور وفاح شذاه في الشقة‏,‏ فشعرت بشيء من الارتياح ثم أخذتني من يدي إلي الحمام وطلبت مني الوضوء ففعلت ورجعت بي إلي الصالة وأقامت الصلاة وأنا إلي جوارها فقرأت بصوتها الخاشع‏:‏ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون‏.‏ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون‏.‏ نزلا من غفور رحيم فلم أشعر بدموعي وهي تنساب رغما عني طوال الصلاة‏..‏ وبدأت أخرج من حالتي السيئة علي يدي عمتي الطيبة التي ألححت عليها ألا تسافر في اليوم التالي كما أرادت وأن تقضي معنا بضعة أيام‏,‏ وعدت إلي الصلاة بانتظام وقراءة القرآن كل ليلة قبل النوم‏,‏ وإلي حب زوجي بلا سخط عليه لأنه لا ذنب له في شيء‏..‏ وتقبلت أقداري واستغفرت الله العظيم فيما سلف‏..‏



وقد تسألني ولماذا لم يفكر أحد من أهلك في ترشيحك للزواج من رجل يشاركك تحمل مسئولية بناتك وحياتك‏..‏ وجوابي هو أنني قد حسمت هذه المسألة منذ البداية بألا أستطيع أن أتخيل نفسي زوجة لرجل آخر عدا زوجي الراحل‏,‏ ولا أستطيع أن أضع بناتي تحت رحمة أحد غيري ومع ذلك فإن أهلي لم يكفوا طوال السنوات التالية لرحيل زوجي عن ترشيح الأزواج لي‏..‏ ولا عن تدبير لقاءات الصدفة بيني وبين بعض المرشحين إلا بعد أن تيقنوا من أنني لا أرغب بالفعل في الزواج‏.‏


وكان عزائي دائما هو أن بناتي متفوقات في الدراسة ومهذبات وجادات لا يعرفن العبث ولا يخرجن إلا معي في زيارات للأهل أو للشراء‏,‏ كما أنهن جميعا يجدن أعمال المنزل‏..‏ ويشاركنني في شئون البيت‏.‏ وقد أسعدني كثيرا أن أسمع من جاراتي وأقاربي ثناءهن علي حسن تربيتهن وأدبهن والتزامهن الديني والخلقي‏.‏



ويوما بعد يوم‏,‏ وشهرا بعد شهر تقدمت البنات في العمر والدراسة ودخلت كبراهن كلية البنات‏,‏ ولحقت بها الابنة الوسطي بعد عامين ووصلت الصغري إلي الثانوية العامة‏,‏ وفي هذه الفترة كشرت ظروف الحياة عن أنيابها وكثرت المطالب والنفقات‏,‏ فحملت كل ما أملكه من مصاغ وبعته واستعنت بثمنه علي مطالب الفتيات‏.‏ وتحملنا شظف الحياة عدة سنوات أخري حتي تخرجت الكبري وعملت‏,‏ والوسطي وعملت‏,‏ وبلغت الصغري السنة الثالثة في كليتها‏,‏ وجاء دور الكبري للزواج فجاءني زميل لها يطلب يدها‏..‏ وتأكدت من ترحيبها به فصارحته بأنني قد خصصت لكل بنت مبلغا من المال للمساعدة في زواجها‏,‏ ولن أستطيع أن أقدم لها ما هو أكثر منه‏..‏ فأكد لي أنه يتمسك بها لأخلاقها وتربيتها وليس لأي شيء آخر‏..,‏ وجاءت اللحظة المنتظرة فسعيت إلي بيع الشاليه وشقة الإسكندرية وجهزت ابنتي بنصيبها‏,‏ وزفت إلي زوجها في ليلة سعيدة‏,‏ وتنهدت بارتياح وهي تمضي إلي جوار عريسها إلي عشها الجديد‏,‏ ولم يمض أكثر من عام حتي كنت أقضي ليلتي في المستشفي لأستقبل مولودها الأول وحفيدي‏,‏ ولم تمض شهور أخري حتي تكررت نفس القصة مع ابنتي الوسطي وتزوجت زميلا آخر لها وانتقلت إلي بيتها معززة مكرمة‏..‏


وفي الصيف الماضي تخرجت ابنتي الصغري‏,‏ وكانت فرحتي بتخرجها وانتهاء مشوار الدراسة في حياتي غامرة وعصيبة واختلطت فيها الدموع بالضحكات‏,‏ وقبل أن تعمل جاءني خاطب لها علمت أنها تريده وأسعدني أنه جاهز للزواج في أقرب فرصة‏,‏ فلم أضيع الوقت وسحبت المبلغ المخصص لها وجهزتها‏..‏ وزفت إليه وفي ليلتي الأولي التي أقضيها وحدي في شقتي بعد زواج آخر البنات‏..‏ تذكرت يوم رحل عني زوجي وكبري بناتي في الحادية عشرة من عمرها وصغراهن في الخامسة وكيف تساءلت متي ينتهي مشوار تربية هؤلاء البنات وتعليمهن وتزويجهن؟‏..‏ وكيف أقدر عليه وأنا امرأة وحيدة بلا زوج ولا سند؟‏..,‏ وتذكرت كل لحظة عناء مرت بي‏,‏ وكل ضائقة بكيت لها من القهر وأنا أشعر بالعجز عن تلبية بعض طلبات البنات الضرورية كشراء بعض كتب الدراسة‏,‏ أو شراء حذاء جديد أو حقيبة يد أو ساعة‏,‏ ناهيك عن حلق ذهبي أو أنسيال أو ملابس العيد‏,‏ أو رسوم رحلة ليوم واحد مع الكلية‏..‏ الخ‏.‏



وبالرغم من أنني أعيش وحدي الآن إلا أنني لاأشعر بالوحدة ولا بالملل‏,‏ فلقد ملكت وقتي وحياتي أخيرا بعد طول انشغالي بمعركة الحياة‏..,‏ وأعيش حاليا بنصيبي من معاش زوجي بعد انقطاع نصيب البنات لزواجهن‏,‏ ونصيبي الشرعي من ثمن الشقة والشاليه‏,‏ ويومي يبدأ بثلاثة اتصالات تليفونية من بناتي نتحدث خلالها عن كل شيء وقد تستشيرني احداهن فيما تقدمه لزوجها علي مائدة الغداء‏..‏ أو في شراء بعض الملابس أو إصلاح أحد الأجهزة المنزلية‏,‏ أو أي شأن من شئون الحياة‏,‏ وقد يتكرر الاتصال عدة مرات في اليوم‏,‏ ثم أعد طعامي وأرتب شقتي وأخرج في العصر للمشي والفرجة علي الفاترينات وشراء احتياجاتي‏,‏ وبعض احتياجات البنات نيابة عنهن‏,‏ وأعود قبل الظلام‏,‏فإذا بقي وقت قضيته في القراءة والصلاة ومشاهدة التليفزيون أو في طهو شيء للبنات يحببنه لإرساله إليهن‏..‏ ولا أنام إلا بعد تلقي اتصال المساء من بناتي وتتمني كل منا للأخري أن تصبح علي خير‏,‏ وكلما وقعت عيني علي صورة زوجي الراحل أقول له في سري‏:‏ اطمئن لقد قمت بواجبي تجاه بناتك وبناتي‏!‏ وفي يوم الجمعة يجتمع الأحباب كلهم في بيتي وحول مائدتي‏..‏ ويملأ حفيدي الدنيا علينا بهجة وصخبا‏,‏ وقد أصبح لي أنا المحرومة من إنجاب الذكور ثلاثة أبناء شباب يحبونني وأحبهم‏,‏ يعرضون علي دائما خدماتهم وفي النهاية أقول لكل من تضيق عليه الحياة‏,‏ ويستصعب ظروفه الآن أن الفرج لابد أن يأتي ذات يوم لمن صبر وكافح بإخلاص في الحياة‏,‏ وأن طول المشوار ينبغي له ألا يزرع اليأس في نفوسنا‏..‏ ويجب ألا نفقد أبدا ايماننا بالله سبحانه وتعالي‏,‏ وأن نستعين به علي تخطي الصعاب وتحمل الظروف القاسية إلي أن تتحسن الأحوال‏,‏ ولقد كنت قد فكرت أن أكتب إليك هذه الرسالة تعليقا علي بعض قصص الكفاح في الحياة التي قرأتها في بريد الجمعة عقب زواج ابنتي الصغري مباشرة‏,‏ لكني شغلت بإعادة ترتيب حياتي بعد زواج البنات إلي أن جاءت اللحظة المناسبة لأكتب لك فيها هذه الرسالة‏..‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


يقول بعض الحكماء انك إذا ضللت الطريق في الصحراء فلا تستسلم لليأس والقنوط‏,‏ لأنك إن فعلت ذلك فلقد قضيت علي نفسك بالهلاك‏,‏ وإنما واصل السير في خط مستقيم‏,‏ فان لم تصل إلي الغاية المنشودة فلسوف تصل علي الأقل إلي نقطة أفضل من تلك التي توقفت عندها حين اكتشفت انك قد ضللت الطريق‏!‏


وهكذا الحال مع الانسان في كل ظروف الحياة إن توقف وسلم بالعجز واليأس لم يبلغ الغاية‏,‏ وإن واصل السير برغم المشقة بلغ واحته المرجوة ولو بعد حين‏,‏ وإذا استهول الطريق شك في قدرته علي قطعه واستسلم للقنوط ونكص عن مواصلة المشوار‏.‏



لهذا فمن الأفضل دائما أن نواصل السير علي الدرب المؤدي إلي أهدافنا في الحياة مهما عانينا من أشواك الطريق وعثراته وصخوره‏,‏ وأن نؤمن دائما بأن عناية الله ترعانا وسوف تهدينا إلي غايتنا ذات يوم جزاء وفاقا لصبرنا وكفاحنا الشريف وسعينا لتحقيق غايات نبيلة في الحياة كتربية الأبناء وتعليمهم وتنشئتهم علي الدين والخلق والفضيلة‏..‏ إذ من أحق بعون الله سبحانه وتعالي له ممن يسعي بلا معين لتربية أبنائه وتقديمهم للحياة مثلا حية للقيم الأخلاقية والدينية‏.‏


كما أن واجبنا ألا نركز أنظارنا علي نهاية الدرب فنراها بعيدة عنا بعد الأرض عن السماء‏,‏ ويدفعنا ذلك لليأس من الحياة‏,‏ وانما علينا أن نحدد لأنفسنا أهدافا قصيرة المدي كعلامات الطريق بالنسبة للمسافر كلما بلغ احدها ازداد حماسا للوصول إلي ما بعدها‏..‏ وهكذا حتي يصل في النهاية إلي آخر الدرب‏,‏ فالاهتمام بالنهاية البعيدة خلال الرحلة الطويلة لا يحفزنا علي مواصلة السير والعطاء وإنما يفت في عضدنا ويغرس الإحباط في نفوسنا‏,‏ ولقد كان السير بادن باول مؤسس حركة الكشافة العالمية يقول‏:‏ حين نفكر في المستقبل يزداد احساسنا بهموم الحياة‏,‏ وكتب الفقيه الدستوري الكبير عبد الرزاق السنهوري ذات يوم قائلا‏:‏ ما تعبت لشيء في الحياة كما أتعب حين أفكر في المستقبل‏!‏



ولقد ذكرني تساؤلك الحسير حين اشتد بك الضيق فتساءلت متي ينتهي مشوار تربية هؤلاء البنات الثلاث وتعليمهن وتزويجهن بقصة جميلة لكاتب إنجليزي معاصر عن ثلاثة أشخاص يائسين من الحياة التقوا علي غير موعد فوق جسر لندن الشهير في ظلام الليل‏,‏ وقد جاء كل منهم مهموما بمشاكله ووقف فوق الجسر ينتظر خلوه من المارة لكي يلقي بنفسه في مياه النهر‏,‏ ويرقب بحذر شرطي الحراسة لكيلا ينتبه إلي غرضه فيلقي القبض عليه ويفسد خطته‏,‏ وفي انتظار خلو الجسر من المارة‏,‏ أشعل كل منهم سيجارة وانتظر حتي خلا المكان من المارة لكن الضوء الخافت المنبعث من سيجارة الرفيقين الاخرين أزعج كلا منهم لإشارته إلي وجود شخصين في المكان ينتظر انصرافهما‏..‏ ولما طال الانتظار تنبه كل منهم فجأة إلي أن الآخرين ربما يكونان قد جاءا إلي الجسر لنفس الغرض‏,‏ ويضيق الجميع بالانتظار ويقرر كل منهم أن يطلب من رفيقيه الابتعاد لكي يستطيع تنفيذ خطته‏,‏ ويقترب الثلاثة من بعضهم بعضا‏,‏ ويسأل كل منهم الآخر عن سبب وجوده في هذا المكان في ظلام الليل؟‏!‏ ويعترف كل منهم للآخر بالسبب الحقيقي لوجوده ويرجو صاحبيه الانصراف بهدوء ليستطيع الانتحار‏,‏ ونكتشف أن الأول شاب عاطل طالت فترة بطالته وتأخر في دفع إيجار شقته وفواتير الكهرباء والماء‏,‏ ويئس من تحسن الأحوال فقرر الانتحار‏,‏ وأن الثاني مريض بمرض مزمن ويئس من الحياة‏,‏ وأن الثالث كهل متزوج من زوجة شابة تخونه مع شاب مثلها ولا يجرؤ علي مواجهتها بالخيانة ولا علي الانفصال عنها فيقرر الانتحار‏,‏ ويتعاطف الثلاثة مع بعضهم بعضا‏..‏ ويكتشف كل منهم أنه قادر علي مناقشة مشاكل رفيقيه بمنطق مختلف عن منطق اليأس الذي ناقش هو نفسه مشاكله به‏,‏ فيتفقون علي تأجيل الانتحار يوما واحدا يعيدون خلاله التفكير في مشاكلهم بروح جديدة‏,‏ وأن يعطوا للصباح فرصة أن يطلع عليهم فلربما حمل إليهم بصيصا من الأمل في حل مشاكلهم‏..‏ وينصرف الثلاثة علي موعد للالتقاء فوق الجسر في العاشرة مساء الغد‏,‏ ويلتقي الشاب العاطل مع الكهل المخدوع في اليوم الثاني في نفس المكان‏,‏ ويصارح الشاب رفيقه أنه اكتشف أن صاحب البيت الذي يشكو منه ليس بالقسوة التي كان يتصوره عليها‏,‏ فلقد تفهم ظروفه ووافق علي إمهاله فترة طويلة لدفع الإيجار المتأخر‏,‏ وصارح الكهل الشاب بأنه قد نظر إلي مشكلته نظرة جديدة وأدرك أن الغدر هو عار الغادر وليس عار المغدور به‏,‏ وأن حبه المذل لزوجته الخائنة ليس بالقوة التي كان يظنه عليها‏,‏ ولهذا فهو يستطيع التخلص منها ولسوف يفعل ذلك في أقرب فرصة‏,‏ ويتنبه الاثنان فجأة إلي أن رفيقهما الثالث لم يأت إلي موعده‏..‏ ويطول انتظارهما له دون جدوي فيدركان أنه لابد قد رجع بعد انصرافهما وألقي بنفسه في النهر‏..‏ ومات‏,‏ أما هما فلقد نجوا من الموت لأنهما قد أعطيا الصباح فرصته لكي يحمل لهما شيئا من الأمل في تغير الأحوال إلي الأفضل ذات يوم‏..‏ وهكذا مات من استمسك بظلام الليل ونجا من تطلع إلي نور الصباح‏,‏ كما نجوت أنت من ظلام اليأس والسخط حين استرددت ايمانك بنفسك وعدت إلي ربك‏,‏ وانتظمت من جديد في الصلاة وتخلصت مما ألم بك في احدي مراحل العناء من سخط علي أقدارك وظروفك‏,‏ فأعانك الله سبحانه وتعالي علي أداء رسالتك علي أكمل وجه‏..‏ وحقق لك كل ما تمنيت لزهراتك الثلاث من نجاح في الدراسة وسعادة في الحياة بإذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:23 PM
  #37
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


بــداية التجـربة


بـريــد الأهــرام
42865
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
16
‏26 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أردت بهذه الرسالة ان تعرف ماتم في مشروع الرباط المقدس الذي بدأته منذ شهور الجمعية العامة لرعاية المرأة بالجيزة‏,‏ وقد كان لنشر رسالتنا في بابكم أثر واضح في إقبال القراء علينا‏,‏ وقد وفقنا الله حتي الآن في إتمام زيجتين‏,‏ وفي الطريق زيجة ثالثة إن شاء الله‏.‏ وقد تلقينا منكم عددا من الرسائل التي يطلب أصحابها الزواج واتصلنا تليفونيا بأصحابها وحضر بعضهم الي الجمعية ودون بياناته في الاستمارة التي أعددناها لذلك‏,‏ وأرسلنا لمن لم ترسل رقم هاتفها خطابا علي عنوانها‏,‏ ومن خلال المكالمات اتضح زواج واحدة من قرائكم بالفعل فسعدنا بذلك‏,‏ لكن تجربتنا حتي الآن قد كشفت لنا إحجام الشباب عن الاقبال علي نشاطنا‏,‏ حيث كان عدد الفتيات اللاتي تقدمن الينا كبيرا جدا‏,‏ وعدد الشباب وهم من سن‏30‏ الي‏48‏ سنة ضئيلا للغاية‏,‏ كذلك اتضح مغالاة الرجال في المواصفات المطلوبة من الطرف الآخر برغم أن بعضهم تجاوز الستين بكثير‏,‏ وبعضهم ممن لم يمن الله عليه بأطفال ويشترط ان تكون المرشحة للزواج منه أرملة لديها أطفال‏,‏ وليست مطلقة لديها أطفال‏,‏ ولانعرف لذلك سببا‏.‏ هذه هي حصيلة عمل شهور قليلة في هذا النشاط رأينا من حقكم علينا ان‏,‏ تعرفوها وقد تشاركوننا بعض النصح‏.‏ وشكرا لكم‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة اقول‏:‏


ملاحظتكم علي كثرة الفتيات والنساء من طالبات الزواج بالمقارنة باعداد الشباب ملاحظة سليمة‏..‏ وقد لاحظتها شخصيا خلال تعاملي مع رسائل القراء في بريد الجمعة ومع ماأتلقاه من رغبات القراء‏..‏ ففي مقابل كل عشرة فتيات يبحثن عن الزواج والأمان والاستقرار قد لايزيد ماأتلقاه من طلبات الشباب والرجال علي اثنين أو ثلاثة‏,‏ وهي نسبة مخيفة‏,‏ كما ان تفضيل بعض الرجال للأرملة ذات الأبناء علي المطلقة ذات البنين يرجع في تقديري الي اعتقادهم بأن مشاكل الأرملة أقل من مشاكل المطلقة التي يتصورون ان زوجها السابق قد ينازعها اطفالها‏..‏ أو يسعي لإعادتها إلي عصمته في أي مرحلة من العمر‏..‏ أو قد ينجح الأبناء في اعادة جمع شمل أبويهم بعد حين‏,‏ فضلا عن أن بعض الرجال لايطيقون وجود رجل آخر في الجوار كان زوجا لنفس الزوجة ذات يوم‏,‏ والي جانب مايظنه البعض من أن الأرملة كانت زوجة ناجحة لكن زواجها انتهي لأسباب قدرية لايد لها فيها‏..‏ أما المطلقة ـ من وجهة نظر هؤلاء البعض ـ فهي قد تتحمل جانبا من المسئولية عن فشل زواجها بما ينبئ بأنها قد لاتكون زوجة ناجحة‏..‏ وكلها ظنون وأسباب لاتصمد للمنطق ويمكن دحضها بسهولة‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:27 PM
  #38
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


العجلة الدوارة‏!‏





بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة



قررت بعد تردد طويل أن أروي لك ولقرائك قصتي‏,‏ فأنا سيدة في منتصف العمر نشأت في أسرة متوسطة‏,‏ وكنا خمسة من الأبناء يكافح والدنا لتوفير سبل الحياة لنا بمرتبه من عمله كموظف كبير‏,‏ وبرغم اجتهاده فلقد كنا كثيرا ما نشعر بجفاف الحياة‏,‏ وحين شببنا عن الطوق زادت مطالبنا‏,‏ وازداد شعوري أنا بالذات بما ينقصني فلقد كنت الابنة الكبري‏,‏ وكنت أنظر حولي بالكلية فأجد من ترتدي كل يوم فستانا جديدا‏,‏ ومن تأتي بسيارة والدها أو بسيارتها‏..‏ ومن تتحدث عن رحلات الصيف والشتاء‏..‏ وأنا أعيش حياة متقشفة‏,‏ ولا تسمح إمكانات أبي المادية لي إلا بشراء فستان كل حين‏,‏ كما أننا لا نعرف المصايف ولا المشاتي‏,‏ وأقصي رحلة لنا كانت إلي بلد أبي بالأقاليم في المناسبات الاجتماعية كالأفراح أو التعازي‏,‏ ونتيجة لذلك‏,‏ وأشياء أخري في حياتي‏,‏ ولأنني جميلة وكنت شديدة الاعتزاز بجمالي تعلقت روحي بحلم الزواج من رجل ثري يوفر لي كل امكانيات الحياة المادية‏..‏ ويغنيني عن التفكير في النقود باستمرار‏.‏ وهكذا وضعت لنفسي مقاييس متشددة بالنسبة لمن سوف أرتبط به‏..‏ وعزفت عن الاستجابة لمحاولات أي شاب من زملاء الكلية أو الجيران للارتباط العاطفي بي‏..‏ واعتبرتها كلها عبث أطفال لا يبشر سوي بالعناء والحمل والإنجاب وتدبير شئون البيت بجلباب ممزق قديم‏,‏ ومرتب أو دخل لا يكفي إلا للأساسيات‏,‏ ولا يتيح أي فرصة للترفيه والرخاء‏,‏ ومضيت في طريقي بإصرار‏,‏ فصددت أكثر من شاب حاول التودد إلي ولم أجد في ظروفهم ما يغريني بالتفكير في أمرهم‏..,‏ وقسوت بشدة علي شاب منهم كان يعاني بوضوح من حبه لي‏,‏ وحاول بكل الطرق استمالتي نحوه‏..‏ ووسط لدي كثيرين ومنهم أخته‏..‏ التي حاولت استعطافي وإقناعي بقبوله لكي يتقدم لأسرتي طالبا يدي‏,‏ فلم أتزحزح عن موقفي وقلت لها بصراحة إن شقيقها لا يرضي طموحي‏,‏ ولن يعدني الارتباط به سوي بالفقر والعناء إلي ما لا نهاية‏..,‏ وصدمت الفتاة صدمة كبيرة فانصرفت عني‏,‏ وكف شقيقها بعد ذلك عن التودد إلي‏..‏ وابتعد عني تماما‏.‏



وهكذا أنهيت دراستي دون أن ارتبط بأحد‏,‏ وعملت‏,‏ ومضت بضع سنوات رفضت خلالها أكثر من عريس لنفس السبب حتي غضب أبي‏..‏ وثارت أمي علي‏,‏ وقالت إن الأغنياء لا يتزوجون إلا من هم في مستواهم المادي‏,‏ وأنني سأحكم علي نفسي بالوحدة إذا استمررت في رفضي لفرص الزواج المعقولة‏,‏ وساء موقفي أكثر حين خطبت أختي التي تصغرني لشاب عادي أحبته وأحبها‏..‏ وبدآ يستعدان للزواج وبسبب نظرات الأهل لي في حفل زواج أختي رضخت كارهة لأمي حين عرضت علي شابا من أسرة طيبة وظروفه أفضل من ظروف عريس أختي‏,‏ لكنه ليس الفارس الثري الذي كنت أنتظره وتزوجنا بعد عام من الخطبة‏,‏ وأقمنا في شقة لا بأس بها في مدينة نصر‏,‏ في حين أقامت أختي في شقة بحي شعبي‏..‏ وبدأت حياتي الزوجية وأنا بين الرضا عن أن ظروفي أفضل كثيرا من ظروف أختي‏,‏ وبين السخط لأن زوجي في النهاية ليس ثريا ولا يملك إلا سيارة صغيرة متهالكة لاتساوي شروي نقير‏..‏


ومضت بنا الأيام وأنجبت ولدا وبنتا‏..‏ وتقدمت في عملي وتقدم زوجي في عمله‏,‏ وبالرغم من ذلك فلقد ضاقت حولي ظروف الحياة مع نفقات الطفلين ومدرستهما وتكاليف الحياة‏..‏ ولم أقصر في إشعار زوجي منذ البداية بأنه لم يكن طموحي الذي تطلعت إليه وأنا طالبة بالكلية‏..‏ وبأنه لم يحقق لي ما كنت أتمناه لنفسي من حياة رغدة ومريحة لا أحمل فيها هما للنقود‏,‏ ولا أمسك فيها ورقة وقلما لأحسب لكل شيء حسابه قبل الإقدام عليه‏..,‏ وكان زوجي يحزن في صمت حين أشعره بذلك ولا يخطيء في حقي أبدا‏,‏ وإنما يفاجئني بعد بضعة أيام بأن يضع في يدي مبلغا إضافيا من النقود حصل عليه من عمل إضافي أو من الحوافز في عمله‏..,‏ وفي بعض المرات اكتشفت أنه اقترضه من شقيقه‏!‏ وكل ذلك لكي أرضي‏..‏ وأكف عن التذمر والشكوي من ضيق الحال‏.‏



واستمرارا لمحاولاته لإرضائي حصل لنا علي عضوية ناد اجتماعي راق ليس بعيدا عن مسكني‏,‏ ودبر مصاريف الالتحاق به من أعمال خارجية‏..,‏ وبدأنا نتردد عليه ونقضي فيه يوم الجمعة من كل اسبوع‏..,‏ وبدأت أشعر بأن جزءا بسيطا من الحلم القديم قد تحقق‏,‏ وإن كان هناك الكثير الذي مازال بعيدا‏,‏ وفي هذا النادي أصبحت لنا صداقات جديدة‏..,‏ وكانت أهمها صداقتي لسيدة تعرفت عليها في حديقة النادي واستراحت كل منا للأخري‏,‏ وأصبحنا نقضي معظم وقتنا في النادي معا في غياب الزوجين‏.‏ وبالطبع فقد تعرفت علي زوجها وتعرف زوجي عليه‏,‏ وحدث شيء من التقارب بينهما ولاحظت من البداية علي صديقتي الجديدة أناقتها وملابسها الغالية‏..‏ وحسن اختيارها لها‏,‏ وسألتها ذات مرة بطريقة عابرة عن ثمن تايير جميل ترتديه‏,‏ فعرفت أنه يساوي مرتب زوجي في شهر‏..‏ فبلعت ريقي بصعوبة‏..‏ وفي المساء حكيت لزوجي القصة وأسمعته بضع كلمات ساخرة‏..‏ فاكتأب وقال حانقا إنه لا يعرف ماذا يفعل لكي يرضيني‏..‏


وتعمقت الصداقة بيني وبين صديقتي الجديدة وتبادلنا الزيارات‏,‏ وانبهرت بمسكنها الفاخر في شقة من دورين بعمارة فاخرة‏..‏ وبأثاثه الثمين والتحف الغالية الموزعة علي جوانبه‏..,‏ وترددت في دعوتها وزوجها إلي مسكني المتواضع‏,‏ لكنه لم يكن هناك مفر من رد الدعوة‏,‏ فدعوتهما واجتهدت قدر طاقتي في تجميل البيت وتزيينه وتنظيفه‏..‏ عند زيارتهما لنا‏.‏



وشيئا فشيئا وجدتني أتساءل‏:‏ أليس ما تعيشه صديقتي هذه هو ما كنت أحلم به لنفسي وأنا فتاة؟‏.,‏ وماذا تمتاز به عني لكي تفوز به دوني‏..‏؟ أنني أجمل منها كثيرا بشهادة الجميع‏..‏ بل وبشهادة نظرات زوجها المنبهرة لي منذ أول لقاء‏,‏ كما أن ظروفها العائلية مماثلة لظروفي‏,‏ ولم يكن والدها ثريا ولا هي وارثة لمال‏..‏ وكل ما تنعم به من عز بفضل زوجها رجل الأعمال‏,‏ ناهيك عن سيارتها الحديثة الخاصة ومدرسة الأولاد باهظة الرسوم‏..‏ والشغالة التي تتقاضي ما يزيد علي نصف مرتب زوجي‏,‏ والمجوهرات والملابس الفاخرة التي ترتديها‏...‏ الخ‏.‏


وبدأت أشعر بالغيرة الشديدة منها وبالسخط الأشد علي زوجي برغم أنه يشقي في العمل وفي الحياة لتلبية مطالبي‏..‏ وكثرت الاحتكاكات بيني وبينه‏,‏ وكثرت شكواي منه لصديقتي‏..,‏ وازدادت نظرات زوجها إلي عمقا وجرأة‏..‏



وفي لحظة ضيق بكل شيء أعطيته الاشارة لكي يخطو الخطوة الأولي‏,‏ فلم يتردد وبدأت الاتصالات الهاتفية بيننا بطلب خدمة منه أداها بحماس علي الفور‏,‏ ثم بالشكوي من زوجي وخلافاتي معه‏,‏ إلي آخر المعزوفة إياها‏,‏ التي تعرفها كل امرأة تريد أن تفتح الباب لطارق جديد‏,‏ وانتهي الأمر باعترافه بحبه الشديد لي ومجاراتي له في الاعتراف‏,‏ مع تحفظ واحد من جانبي هو رفضي النهائي لأي تلامس بيننا إلا في الحلال‏!‏ واستمر الحال بيننا علي هذا النحو طيلة عام كامل أغدق علي خلاله بالهدايا الذهبية التي أخفيتها عن الأنظار‏,‏ وكثرت خلاله الخلافات بين صديقتي وزوجها وانتهي الأمر بينهما بالطلاق الودي وبقاء الطفلين مع أمهما في نفس المسكن الفاخر مع منحها نفقة شهرية سخية‏,‏ وطالبني الرجل بالطلاق من زوجي لكي يتزوجني وفاء لوعدي له إذا طلق زوجته‏..‏ وبدأت معركتي مع زوجي للحصول علي الطلاق‏..‏ وخضت أهوالا كثيرة معه‏..‏ ومع أهلي وصلت إلي حد محاولة الانتحار بقطع شرايين يدي وإنقاذي في اللحظة الأخيرة‏..‏


واستسلم زوجي في النهاية فطلقني‏..‏



وبعد انقضاء شهور العدة تزوجت زوج صديقتي‏,‏ وأقمنا في شقة أخري اشتراها لي في نفس الحي‏,‏ وإن لم تكن بنفس مستوي شقته الأولي‏..‏ وبدأت أعيش الحياة التي طالما تمنيتها فاستقلت من عملي‏..‏ واشتري لي زوجي سيارة جديدة‏,‏ وملابس كثيرة ومجوهرات‏..‏ وعرفت لأول مرة الإقامة في فنادق الخمس نجوم‏,‏ والسفر إلي الغردقة والساحل الشمالي‏,‏ بل وإلي أوروبا ذات مرة‏..,‏ وغرقت في العز والنقود والحب الذي يغمرني به زوجي‏,‏ فلم ينغص علي حياتي سوي شيئين‏:‏ بعدي عن الطفلين واشتياقي لهما‏,‏ وقد كنت أعالج ذلك برؤيتهما في بيت أمي من حين لآخر‏,‏ ثم فراغة عين زوجي وغيرتي الشديدة عليه وخوفي من أن تسرقه مني امرأة أخري‏,‏ كما أخذته أنا من زوجته‏,‏ فهو ضعيف أمام النساء الجميلات‏,‏ وكثيرا ما احترقت بنار الغيرة كلما سمعت عن اهتمامه بامرأة من المتعاملات معه‏..,‏ وأصبحت حياتي مطاردة مستمرة له بالتليفون والسيارة‏..‏ وكبسات مفاجئة له في مكتبه أو النادي أو مطاعم الفنادق الكبري‏,‏ ثم صراخا وعويلا وضربا متبادلا ودما ينزف مني ومنه ويلوث ملابسنا‏..,‏ وفي كل مرة أصرخ فيه‏:‏ تخونني وأنا التي تركت زوجي وأولادي من أجلك؟ فيجيبني في حمأة الغضب بأنني تركتهم من أجل الفلوس قبل أن يكون من أجلي‏!..‏ وبعد تبادل الاتهامات والإهانات والشتائم‏..‏ نهدأ أو أهدأ أنا علي الأصح وأبدأ بمصالحته‏..‏ وأتذكر بمرارة أنني عشت مع زوجي الأول تسع سنوات لم يرفع خلالها صوته مرة واحدة علي ولم يجرحني بكلمة‏.‏



وتواصل الحياة طريقها‏,‏ وأعوض قهري بشراء المزيد من المصوغات الذهبية والألماسية والملابس‏,‏ وزيارة ابنتي وابني اللذين ألاحظ في كل مرة أنهما يزدادان بعدا عني وجفاء صامتا لي‏,‏ وأتهم والدهما بأنه وراء ذلك‏,‏ فيقسم لي صادقا بأنه لم يقل لهما كلمة سوء واحدة عني‏..,‏ وتوالت الأحداث فتزوج زوجي السابق من فتاة لم يسبق لها الزواج من أقاربه‏,‏ وانتقلت ابنتي وابني للحياة مع جدتهما لأبيهما‏..‏ وازدادا نفورا مني ولوما صريحا لي‏,‏ لأنني كما قالت ابنتي ـ سامحها الله ـ جريت وراء الفلوس علي حساب سعادتهما واستقرارهما بين أبويهما‏!‏ وبرغم حزني لجفاء مشاعرهما تجاهي‏,‏ فقد كنت أمني نفسي بأنني سأستطيع أن أكسب مودتهما بما أعطيه لهما من نقود خاصة حين يكبران وتزداد أهمية النقود في حياتهما‏,‏ ولكن حياتي ازدادت تعقيدا بزواج زوجة زوجي الأولي من رجل ممتاز وسفرها معه إلي مقر عمله بإحدي الدول العربية‏,‏ فأصبح لزاما علي كما طالبني زوجي أن أضم ابنه وابنته إلي حضانتي لينشآ مع أخيهما الذي أنجبته منه‏.‏ وبدأت مرحلة جديدة من المتاعب والمشاكل‏,‏ فالولد والبنت وخاصة البنت ـ يكنان لي كراهية صامتة شديدة‏..‏ وزوجي لايتحمل أية شكوي منهما ويتهمني علي طول الخط بضيقي بهما واساءة معاملتهما‏,‏ ويهددني بهدم البيت إذا شكا أحدهما مني‏.‏ وزاد الطين بلة أن تعثرت فجأة في هذه الفترة أعمال زوجي فنقصت السيولة بين يديه‏..‏ وأخذ مني سيارتي وباعها‏,‏ وأخذ مني معظم مجوهراتي وباعها‏,‏ وباع كذلك الشقة الفاخرة الأولي التي كنت أتطلع للانتقال إليها لكي تتسع للأولاد الثلاثة‏,‏ ووجدتني بعد قليل أكاد أعيش في ظروف مشابهة لظروفي مع زوجي الأول مع اختلاف مهم هو أنني كنت معه موضع الإعزاز والحب والتكريم والاسترضاء باستمرار‏,‏ في حين أنني مع زوجي الثاني موضع السخط واللوم والغضب في معظم الأحوال‏.‏



وتعلقت بالأمل في تحسن أحوال زوجي وتجاوزه لأزمته بعد قليل كما يحدث مرارا في حياة رجال الأعمال‏,‏ وصبرت علي ظروفي الجديدة كارهة‏,‏ فإذا بالصواعق تنقض فوق رأسي واحدة بعد أخري‏..‏


فلقد فوجئت ذات يوم بعشرة رجال يطرقون الباب ويسألون عن زوجي‏,‏ ولم يكن موجودا فلم يتورعوا عن تفتيش الشقة بحثا عنه‏..‏ وسألت عن السبب فقيل لي إنهم ضباط ومخبرون بوحدة تنفيذ الأحكام وأن زوجي قد صدرت ضده عدة أحكام نهائية بالسجن في قضايا شيكات بدون رصيد‏!‏ وانهرت مغمي علي فأمسك بي الضابط قبل سقوطي علي الأرض‏.‏



وتكررت زيارات ضباط الوحدة للبيت وللعمل وللنادي‏,‏ بحثا عنه وأصبح زوجي يختفي بالأيام‏,‏ ثم يأتي فجأة بعد منتصف الليل ويقضي معنا ساعات وينصرف مع الفجر‏..‏ فلا أراه إلا بعد أيام أخري‏,‏ وظل الحال هكذا لما يقرب من سنة تصالح خلالها مع بعض أصحاب الشيكات وعجز عن التصالح مع البعض الآخر‏,‏ ثم ضبطته وحدة التنفيذ في أحد الفنادق فساقته إلي السجن‏!‏ وهو الآن يقضي فترة العقوبة‏..‏ ومجموع الأحكام الصادرة عليه سبع سنوات وأتردد عليه في مواعيد الزيارة‏..‏ وأدوخ بين ضباط السجون والعساكر للحصول علي تصريح بزيارته زيارة خاصة في مكتب المأمور وليس من وراء الأسوار‏..,‏ وأحمل له الطعام والحلوي‏..‏ وأعيش أنا وابني منه بمبلغ بسيط كنت أنفقه أيام العز في‏3‏ أيام ويعطيه لي شقيق زوجي أول كل شهر‏,‏ وهو يكاد يرميه في وجهي ولسان حاله يقول بغير كلام‏:‏ إنني قدم الشؤم علي شقيقه‏,‏ أما ابنة زوجي وابنه فقد رفضا العيش معي بعد سجن والدهما وضمهما عمهما إليه إلي حين خروج أبيهما‏,‏ وفي هذه الظروف الكئيبة كنت أقف مع طفلي الصغير أمام النادي أنتظر سيارة ميكروباص لكي نرجع إلي البيت حين لمحت عن بعد صديقتي السابقة زوجة زوجي الأولي تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة أمام النادي ورجل الأمن والبواب يقفان احتراما لها ولزوجها ويتبادلان معهما الابتسام والتحية‏,‏ فأسرعت بادارة وجهي للناحية الأخري حتي لا تلمحني‏..‏ وانتظرت حتي دخلت النادي قبل أن أشير لسيارة ميكروباص قادمة‏,‏ وقلت لنفسي أنه يبدو أن للعز أناسا يجدونه تحت أقدامهم دائما حينما يمشون‏,‏وان للفقر والعناء أناسا آخرين لايجدون سوا هما كلما سعوا في الأرض‏!‏



وعدت إلي البيت مكتئبة وساخطة‏..‏ وأنا أفكر في أنني كنت أحيا حياة مستقرة وهادئة مع زوجي الأول فلماذا لم أرض عنها ولم أسعد بها‏..‏؟ وماذا جنيت من الجري‏,‏ علي حد تعبير ابنتي وراء الفلوس سوي بعد ابني وابنتي عني وجفائهما لي وفقدي لهما ولزوجي الأول ولحياة الكرامة والإعزاز والأمان معه؟


إنني وبعد ثماني سنوات من زواجي الجديد تمرغت خلالها في العز لمدة ستة أعوام وقلبت لي الدنيا ظهر المجن خلال عامين‏,‏ أقول لنفسي ولكل النساء والفتيات إنني قد خسرت زوجا كان يحبني ويحترمني ويقبل الأرض تحت أقدامي‏,‏ ويبذل كل ما في وسعه لإرضائي‏,‏ وخسرت ابنتي وابني وهما لا يقدران بمال وخسرت الكرامة والأمان والاستقرار وراحة البال وكل ذلك لأنني لم أكن قانعة بحياتي مع زوجي الأول ولم أرض عنها بالرغم من أن كثيرات غيري كن يتمنين حياة مثلها‏..‏ ولأنني تطلعت إلي ما لم يكن من حقي الحصول عليه واغتصبت زوج صديقتي السابقة ونفست عليها حياتها معه وثراءه‏,‏ ورأيت انني أحق به منها‏,‏ ولم يردني ضميري ولم يمنعني قلبي كأم من الإقدام علي ما أردت ولم أتوقف لحظة أمام حق زوجي وأبنائي علي‏,‏ ولا أمام حق صديقتي وحق أبنائها‏..‏ فدبرت خطف زوجها‏..‏ وانبهرت لفترة قصيرة بالثراء ثم توالت الكوارث‏.‏ إنني أعرف أن رأيك في سيكون قاسيا‏..‏ وأنك ستنهال علي باللوم‏,‏ لكني أردت بالرغم من ذلك أن أروي لك قصتي لكي أتطهر من بعض جريرتي‏..‏ ولكي أسألك ألا يغفر لي الله ذات يوم طمعي وسخطي علي حياتي السابقة‏..‏ وسرقتي لسعادة امرأة أخري كانت ذات يوم صديقة لي‏..‏ وماذا أفعل لكي يرفع الله عني مقته الذي يحيط بحياتي من كل الجوانب الآن؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


كان القطب الصوفي ابو بكر الشبلي يقول‏:‏ أن الزهد هو خلو القلب مما خلت منه اليد‏!.‏


وبذلك يكون الطمع بالمفهوم العكسي هو انشغال القلب بما في أيدي الغير مما تخلو منه اليد‏!‏



وأحسب يا سيدتي أن هذا كان حالك حين نفست علي صديقتك السابقة زوجها الثري وحياتها المرفهة وعيشتها الراضية‏..‏ فلم تفعلي كما يفعل الصالحون‏,‏ وهو أن تتمني لنفسك مثل حياتها وتدعي الله سبحانه وتعالي أن يوسع علي زوجك رزقه‏,‏ بحيث يكفل لك ما تشتهي نفسك من حلال‏,‏ وانما تطلعت إلي انتزاع ما في يد صديقتك والاستئثار به دونها‏..‏ فكان ما كان من أمرك‏..‏ وظننت أنك قد فزت بما تستحقين من حياة ناعمة ومال وفير‏..‏ وحققت ما كنت دوما ترين نفسك جديرة به‏..‏ والحق أنك كنت الخاسرة منذ البداية‏,‏ وليس فقط بعد تغير أحوال زوجك المادية في العامين الأخيرين‏,‏ فلقد خسرت ما لا يعوض بمال إذا فقده الانسان‏,‏ وهو حب ابنيك لك وارتباطهما بك‏..‏ وخسرت زوجا محبا عطوفا لم يكن يكل عن استجداء مودتك واسترضائك بكل الحيل‏..‏ ويحسن عشرتك ويحترمك‏,‏ وخسرت بكل تأكيد تأييد أهلك الأقربين لك بطلاقك منه وتمزيق ابنيك بينكما وثقة أهل زوجك الثاني الذين لن يغفروا لك تمزيق ابنيه بين أبويهما وبين بيوتهم‏..‏ ناهيك عن احترام الآخرين واحترامك أنت شخصيا لنفسك‏,‏ خاصة حين تكشفت القصة في النهاية عن عناء لا يقل وطأة إن لم يزد عن الحياة التي تمردت عليها في ظلال زوجك الأول وطفليك‏.‏



لقد تجددت مراراتك حين رأيت صديقتك السابقة تنزل من سيارة مرسيدس فاخرة مع زوجها الجديد‏..‏ وأنت تقفين في الطريق في انتظار سيارة ميكروباص‏,‏ فتساءلت أحقا أن هناك من البشر أناسا يسعي الخير إليهم أينما يحلوا‏,‏ وبشرا‏..‏ يفر منهم الخير أينما يسعوا؟ وجوابي هو أن الله سبحانه وتعالي هو الرزاق الكريم‏,‏ وأننا لو جرينا في الدنيا جري الوحوش فلن ننال في النهاية إلا ما كتبه الله لنا‏..,‏ فإذا كنت تتعجبين كيف انتقلت صديقتك السابقة من حياة رغدة مع زوجها الأول إلي حياة أكثر رفاهية مع زوجها الثاني‏,‏ مع أنها أقل منك جمالا وأقصر باعا‏,‏ فلعلي أذكرك بأن الله سبحانه وتعالي قد أقسم في الحديث القدسي المرفوع بعزته وجلاله لأرزقن من لا حيلة له حتي يتعجب أصحاب الحيل أي حتي يعرف الجميع أنه وحده الرزاق المنعم‏..‏ وأن ثراء أي انسان أو نجاحه أو توفيقه في عمله برغم اجتهاده ليس راجعا إلي حيلته وحدها وإنما إلي أن الله سبحانه وتعالي قد أذن له أيضا بنجاح مسعاه ونيل ثمرته‏,‏ وبارك له في رزقه وفي حياته‏,‏ وتأكيدا لذلك فقد يغمر الله سبحانه وتعالي برزقه من لاترشحه قدراته للمنافسة في أي سباق‏,‏ وقد يقدر علي بعض ذوي الحيل والذكاء رزقهم فيعيشون في كبد حتي يأذن الله بتغير الحال‏.‏ لقد ذكرتني قصتك وعودتك إلي الحرمان بعد الرخاء كما يرجع مؤشر عجلة الحظ الدوارة إلي نقطة البداية بعد طول الدوران‏,‏ بالخرافة التي كتبها الحكيم الاغريقي ايسوب عن الأسد الجائع‏,‏ الذي رأي أرنبا نائما فهم بالتهامه ليسد به جوعه‏,‏ وقبل أن يفعل رأي غزالا قريبا‏,‏ فقال لنفسه إن لحم الغزال أطيب وأوفر‏,‏ ويكفي لسد غائلة جوعي ويفيض‏,‏ فانصرف عن الأرنب وطارد الغزال لينقض عليه‏..‏ وصرخ الغزال حين رأي الأسد صرخة مدوية واندفع جاريا بسرعته الشديدة‏,‏ والأسد يلاحقه إلي أن طالت المطاردة‏,‏ وابتعد الغزال كثيرا وأدرك الأسد أنه لن يلحق به فعاد أدراجه وقد قرر أن يكتفي بالأرنب‏..‏ فإذا به لا يجده في مكانه ويتلفت حوله باحثا عنه دون جدوي فيدرك في النهاية أن صرخة الغزال والأسد يطارده قد أيقظته من نومه فأسرع بالفرار‏!‏ وهكذا خسر الغزال‏..‏ والأرنب معا‏..‏ وظل الأسد يكابد جوعه‏!‏



فإذا كنت تتساءلين في ختام رسالتك وبنص كلماتك‏:‏ ألا يغفر الله لك‏,‏ طمعك وسخطك علي حياتك السابقة وسرقتك لسعادة امرأة أخري‏..‏ وماذا تفعلين لكي يرفع الله عنك مقته وغضبه اللذين تشعرين بهما في حياتك الخاصة الآن؟ فاني قبل أن أجيبك علي هذه التساؤلات أضيف إليها سؤالا آخر يبدو أنك قد نسيته في غمرة ضيقك بظروفك الحالية وهو‏:‏ وألا يغفر الله لي أيضا خيانتي لزوجي وأنا أحمل اسمه ومؤتمنة علي شرفه مع رجل آخر متزوج وله أبناء‏,‏ وتدبيري معه طلاقي من زوجي وطلاقه من زوجته وهدم أسرتين وتمزيق‏4‏ أبناء لكي يجتمع شملنا تحت راية أطماع الدنيا الزائلة‏:‏ هو في جمالي وأنا في ماله؟


هذا هو السؤال الناقص وجوابي عليه وعلي غيره من التساؤلات أن الندم الصادق من القلب ونتيجة لتغير الفكر وليس تغير الظروف يفتح دائما باب التوبة والمغفرة‏..‏ مع كثرة الاستغفار ومع النية الصادقة علي التطهر من الآثام‏,‏ وعدم العودة إليها مرة أخري‏,‏ ومحاولة تصحيح الأخطاء‏,‏ وأداء الحقوق‏,‏ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما



وبهذه المناسبة فانك تعيشين وحدك الآن مع طفلك الصغير‏,‏ فلماذا لا تفكرين في ضم ابنيك من زوجك السابق إليك ولو في فترة غياب زوجك عنك وبعد استئذانه في ذلك‏,‏ لكي تعويضهما عن بعض ما حرمتهما منه ولكي يقتربا من أخيهما الصغير‏..‏ فيكون ذلك بداية تعويض تقصيرك في حقهما؟ نعم ـ لماذا لا تحاولين ذلك حتي ولو رفض الابنان أو أهلهما في البداية‏,‏ ذلك أن مجرد ابداء هذه الرغبة يحمل نوعا من الاعتذار لهما والرغبة في تعويضهما‏..‏
__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:30 PM
  #39
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


خطوات البرنامج‏!‏


بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة


تعليقا علي ما نشر في بريد الجمعة تحت عنوان بداية التجربة أود أن أوضح ان قلة عدد طلبات الزواج من الشباب قد يرجع أيضا إلي ضعف الإمكانات المادية عند الشباب‏,‏ مما يشعر الشاب بالعجز والضعف والخوف من تحمل المسئولية‏..‏ وذلك بعد أن أصبح الزواج من الرفاهيات بالنسبة له نظرا لما له من متطلبات رهيبة‏.‏


ولقد بدأنا بالفعل في السعي بخطوات ثابتة علي هذا الطريق‏,‏ ونحاول ان ننفذ هذا البرنامج لمساعدة الشباب علي الزواج بالخطوات التالية‏:‏



‏1-‏ تأجير شقة بالقانون الجديد ـ لفترة لاتقل عن خمس سنوات‏.‏


‏2-‏ تصنيع الأثاث عند من يرتضي لنفسه بهامش بسيط من الربح‏,‏ ولدينا من يساندنا بكل قوة في هذا المجال‏.‏



‏3-‏ تجهيز الشقة عن طريق كل من يستطيع المساهمة ولو بشئ بسيط مما يحتاجه أي بيت مثل‏(‏ نجفة وسجادة ومروحة وثلاجة‏..‏ الخ‏).‏


ثم اختيار شاب مثقف‏,‏ وليعلم الجميع أن المشاركة في مثل هذا العمل أو تنفيذه‏..‏ كل في محيطه‏,‏ يعد صدقة جارية تحتسب له مادام هذا البيت قائما‏.‏



وأنا أري والله أعلم أن إعفاف الشباب أفضل من تكرار الحج والعمرة للقادرين علي ذلك‏.‏


وأطرح عليكم وعلي قرائكم هذا البرنامج عسي ان يستفيد به بعض الراغبين في مساعدة الشباب علي الإعفاف‏..‏ فتتعاون مجموعة منهم علي تنفيذ هذا البرنامج مع شاب أو أكثر حسب قدراتهم وشكرا‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


الفكرة جديرة بالدراسة بالفعل‏..‏ وهي ان انتشرت فلسوف تساعد شبابا كثيرين علي إعفاف أنفسهم وتكوين اسرهم الصغيرة‏..‏ وتخفف من احساسهم بالحرمان واليأس من المستقبل‏,‏ وتفتح أبواب الأمل امام كثيرين‏,‏ وتحمي المجتمع من شرور عديدة‏..‏ انني اضع هذا البرنامج تحت انظار القراء ليستفيد به الباحثون عن مصارف للزكاة أكثر نفعا لمجتمعهم وأمتهم‏..‏ وشكرا لك‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:32 PM
  #40
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42872
‏السنة 128-العدد
2004
ابريل
23
‏3 ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة


عندما قرأت رسالة الأشواك الدامية شعرت وكأن شوكة دامية قد غرست في قلبي‏,‏ فالبعض لايدرك قيمة النعم التي رزقه بهاالله إلا عندما يفقدها‏,‏ وذكرتني قصة هذه الأم البائسة‏,‏ التي تشكو من قسوة ابنتها وزوج ابنتها عليها‏,‏ بأحدهم الذي جعل لأمه غرفة في البدروم وهي مريضة لاتقوي علي الحركة وبين الحين والأخر اسمع صراخها ونداءها لأي احد ان يرد عليها‏,‏ فتتألم نفسي وأتذكر جدتي الراحلة وكيف كانت تدعو لي كلما قضيت لها حاجة من حوائجها‏,‏ وأتمني لو أنها مازالت علي قيد الحياة لأنعم بدعائها وعطائها‏..‏


فكيف وهذه الأم تستجدي الحنان من ابنتها‏,‏ وكيف تقف هذه الابنة الجاحدة امام ربها يوم القيامة وهي مذنبة بكبيرة عقوق الأم والتي فضلها الله وجعل الجنة تحت أقدامها‏..‏ وما أري إلا أن غشاوة الحب المزعوم تخفي الحق عن عين هذه الابنة‏,‏ وماهي إلا فترة قصيرة وتواجه متاعب الولادة‏,‏ وساعتها لن تحتاج الي أحد بقدر ما ستحتاج الي أمها‏,‏ ولن تجد أحدا يساعدها سواء كانت صديقة أو أم الزوج ـ بقدر ماكانت ستفعل أمها‏..‏ أما لوظلت في غيها هي وزوجها بعد ولادة الطفل‏,‏ فلسوف تتجرع من نفس الكأس التي أذاقتها لأمها‏,‏ وسيأتي ابنها بعد ذلك ـ الذي تخاف من أمها عليه ـ ويبعدها عن حياته وهي في أمس الحاجة إليه‏..‏ ولا أظن في تقديري ان هذا سيحدث‏,‏ لأن هذه الابنة سرعان ما سوف تفيق علي حقيقة زوجها وتهرع الي أمها التي نبذتها يوما باكية بين يديها‏..‏ وأنا أقول لهذه الأم تمسكي بالصبر‏,‏ وكما نصحك صاحب البريد بألا تفرطي في استجداء مشاعرهم‏,‏ أنصحك أنا بخبرتي المتواضعة أن تفرغي شحنة أمومتك الطاغية لمن يحتاجونها من الأطفال الصغار الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم‏,‏ ودور الأيتام موجودة في كل مكان‏,‏ ويكفي ان تستمعي الي نداء‏(‏ ماما‏)‏ من عشرات الأطفال الذين سيسعدهم بالتأكيد حنانك الدافق‏..‏


وأنا من جانبي يسعدني الاتصال بك تليفونيا إذا شئت أن تتخذيني بنتا ثانية ـ وليست بديلة


من رسالة للقارئة



راضية مصطفي عشوش


الطالبة بكلية التربية بكفر الشيخ

__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:22 PM