1accountant
05-05-2009, 11:07 PM
مقدمـــة:
لقد أصبح من الواضح أن النفقات العامة، في أية دولة، متعددة ومتنوعة، وهي بذلك لا تشكل كلا" متجانسا"، وقد أدى التطور في مختلف الدول إلى التوسع في النفقات العامة بصورة مضطردة، وإلى تنوعها وتغير هيكلها، ولم تعد أهمية النفقات العامة تبدو من جراء تطورها، وزيادتها باضطراد فحسب، بل إن النفقات العامة تشكل نسبة مرتفعة من الدخل القومي في المجتمع، وتزداد أهميتها أكثر؛ لأنها أصبحت إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها الدولة للتأثير على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية. فالتوسع في النفقات العامة بمختلف أنواعها المختلفة، ينتج آثارا" متعددة في مختلف الميادين، فالنفقات العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة، بالإضافة إلى التأثير في مختلف المتغيرات الاقتصادية وهي الدخل القومي ومكوناته، - الاستهلاك والادخار والاستثمار- وإلى التأثير في المستوى العام للأسعار، وفي توزيع الدخل القومي، وبالتالي في التوازن الاقتصادي العام (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn1)) ، وعلى الرغم من تعدد وتنوع آثار النفقات العامة من مختلف المجالات والميادين، فإننا سنقصر دراستنا على الآثار الاقتصادية للنفقات العامة وحدها.
وتتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عوامل عديدة، أهمها طبيعة هذه النفقات، والقصد الذي تهدف إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها، والوضع الاقتصادي السائد، وسوف تكون دراستنا للآثار الاقتصادية على الشكل التالي:
المبحث الأول: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي.
المبحث الثاني: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة.
المبحث الرابع: آثار النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي.
المبحث الأول
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي
تحدث النفقات العامة آثارا" اقتصادية مباشرة في الإنتاج القومي، من خلال تأثيرها في قدرة الأفراد ورغبتهم على العمل والادخار والاستثمار، وتأثيرها على تحويل عناصر الإنتاج، وفي القوى المادية للإنتاج وعلى الطلب الفعلي، وذلك على الشكل التالي (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn2)):
1- أثر النفقات العامة في قدرة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار:
مما لا شك فيه أن طبيعة النفقات العامة التي تقوم بها الدولة من شأنها أن تزيد من كفاءة الأفراد، وهي بالتالي تزيد في الوقت نفسه من قدرتهم على العمل، وتأخذ هذه النفقات العامة الشكل النقدي أو الشكل العيني.
فالنفقات العامة النقدية، كالإعانات النقدية العائلية والمعاشات، قد تزيد من كفاءة الأفراد، ولكن آثار هذه الإعانات النقدية، لا تظهر على الأفراد الذين يتسلمونها مباشرة، بقدر ما تظهر آثارها بالنسبة إلى أولادهم في المستقبل، أما النفقات العامة العينية، خدمات صحية أو تعليمية أو إسكان، فإنها قد تزيد من كفاءة الأفراد الذين يتلقونها، بقدر يفوق ما يحققه الحجم نفسه من النفقات النقدية، ذلك أن النفقات العامة النقدية قد تنفق على أغراض أقل نفعا" للفرد من الخدمات المجانية التي تقدمها له الدولة، إضافة إلى ذلك، فإن التنظيم الجماعي لبعض الخدمات التعليم والصحة، يعتبر في بعض الأحيان أكثر تحقيقا" للكفاءة الاقتصادية من غيره من التنظيمات الأخرى.
كذلك فإن النفقات العامة على المرافق العامة التقليدية (الدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء) تعتبر ضرورية للإنتاج، فهذه المرافق تهيئ الظروف التي يصعب دونها القيام بالإنتاج، فهي توفر الأمن والطمأنينة للأفراد لقيامهم بالنشاط الإنتاجي. وكذلك تزيد النفقات العامة، وهي تؤدي إلى توزيع دخول على الأفراد المستفيدين منها، وتزيد من إمكانات الأفراد على الادخار، سواء أكان حصول الأفراد على النفقات العامة بصورة مباشرة، كالرواتب والأجور والإعانات النقدية، أم بصورة غير مباشرة، كالخدمات الصحية والتعليمية، التي توفر جزءا" من دخول الأفراد النقدية، وهذا ما يزيد إمكانات الأفراد على الادخار.
وتزيد النفقات العامة قدرة الأفراد على الاستثمار، إذا وضعت تلك المدخرات القابلة للاستثمار في أيدي الهيئات العامة أو الخاصة التي تعمل في ميدان الاستثمار، مثل إنشاء المصانع وبناء الخزانات ومحطات توليد الطاقة..الخ، وكذلك المبالغ التي تقرضها الدولة للمشروعات الإنتاجية الخاصة والإعانات المقدمة لها.
نخلص من ذلك إلى أن ما تنفقه الدولة على الوظائف التقليدية، الأمن الداخلي والقضاء، وعلى الوظائف الجديدة، التعليم والصحة والعجز والبطالة والشيخوخة...الخ، يؤثر في قدرة ورغبة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار، وبالتالي يؤثر في الإنتاج القومي.
2- آثار النفقات العامة في القوى المادية للإنتاج (المقدرة الإنتاجية القومية) (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn3))، وفي انتقال عناصر الإنتاج:
يقصد بالقوى المادية للإنتاج، الموارد الطبيعية والقوة العاملة، ورأس المال والفن الإنتاجي، وهي تشكل في مجموعها المقدرة الإنتاجية القومية، تبعا" لمدى توافرها كميا"، ومستواها نوعيا"، وتؤدي النفقات العامة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى زيادة المقدرة الإنتاجية، من خلال عوامل الإنتاج كما" ونوعا".
ولدراسة أثر النفقات العامة في رفع المقدرة الإنتاجية القومية وتحديده يجب أن نميز بين نوعين من النفقات العامة، وهما النفقات العامة الاستثمارية، والنفقات العامة الاستهلاكية.
ويقصد بالنفقات العامة الاستثمارية، النفقات العامة الإنتاجية، التي تؤدي إلى زيادة تراكم رأس المال القومي، من خلال تكوين رؤوس أموال عينية جديدة، ومن ثم فإنها تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية، وبخاصة في المدة الطويلة، إضافة إلى ما تحدثه من زيادة مباشرة في الدخل القومي الجاري.
ومن ناحية ثانية، فإن النفقات العامة الاستهلاكية، وهي ما تعرف بالنفقات العامة الجارية، تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية بصورة غير مباشرة، ومثلها النفقات والإعانات الاجتماعية التي تخصص لإنتاج الخدمات العلمية والأبحاث، والخدمات الطبية والثقافية والتعليمية (التعليم الفني والتدريب) تؤدي إلى زيادة الناتج القومي الجاري، ورفع المقدرة الإنتاجية للأفراد، ومثلها كذلك، الإعانات الاقتصادية التي تمنح للمشروعات وتزيد أرباحها، وترفع مقدرتها الإنتاجية، وكذلك النفقات العامة التقليدية، التي تنفقها الدولة على الأمن والقضاء والدفاع، تحقق الطمأنينة والاستقرار، ترفع أيضا" المقدرة الإنتاجية القومية، يضاف إلى ذلك أن النفقات العامة، وهي تؤدي إلى رفع المقدرة الإنتاجية القومية، تؤدي إلى خفض نفقة الإنتاج، وبالتالي زيادة الأرباح، وزيادة الناتج القومي، وبخاصة تلك النفقات التي تمول الهياكل الأساسية للإنتاج، كالطرق والنقل والمواصلات والطاقة وتقدم الفن الإنتاجي.
ولا بد من الإشارة إلى أن النفقات العامة تؤدي إلى التأثير في الإنتاج القومي، بصورة كبيرة من خلال تأثيرها في انتقال عناصر الإنتاج بين الاستخدامات والأماكن المختلفة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، مثلا"، ومن نشاط اقتصادي إلى نشاط اقتصادي آخر، أو من مشروع إلى آخر.
3- آثار النفقات العامة في الطلب الفعلي (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn4)):
من المعروف أن الطلب الفعلي يتكون من كل من الطلب الخاص والعام على أموال الاستثمار وعلى أموال الاستهلاك، ويتوقف حجم الدخل القومي على فرض ثبات المقدرة الإنتاجية القومية على الطلب الفعلي؛ أي على الإنفاق الكلي المتوقع على الاستثمار والاستهلاك، وتشكل النفقات العامة جزءا" هاما" من الطلب الفعلي، يزداد أهمية مع ازدياد تدخل الدولة، ومن هنا فإن النفقات العامة تؤدي دورا" هاما" في تحديد مستوى التشغيل الكلي، ومستوى الناتج القومي الجاري، عن طريق تأثيرها على مستوى الطلب الفعلي، وهو ما يعني أن أثر النفقات العامة في الإنتاج القومي يتوقف على أمرين هما: أثر النفقات العامة في الطلب الفعلي، وأثر الطلب الفعلي في الإنتاج القومي.
المبحث الثاني
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي
يقصد بالآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي، تلك الزيادة في الطلب الاستهلاكي، التي تترتب مباشرة عن النفقات العامة، أي التي لا تتم خلال دورة الدخل، وتباشر النفقات العامة آثارها في الاستهلاك القومي عن طريقين:
أولهما: شراء الدول لبعض السلع أو الخدمات الاستهلاكية، وثانيهما: قيام الدولة بتوزيع دخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وبناء" على ذلك، فإن أثر النفقات العامة في الاستهلاك يتوقف على طبيعة هذه النفقات، أي على الغرض الذي تخصص له تلك النفقات(1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn5)).
1- النفقات العامة التي تشكل طلبا" مباشرا" على السلع والخدمات الاستهلاكية:
تشكل النفقات العامة التي تقوم بها الدولة طلبا" على بعض السلع والخدمات الاستهلاكية مما يؤثر في الاستهلاك القومي، على النحو التالي:
أ- تقوم الدولة بشراء بعض الخدمات الاستهلاكية، مثل الخدمات العلمية والطبية والثقافية والصحية والأمن والقضاء والدفاع، وهو ما يطلق عليه الاستهلاك الحكومي أو العام، وتعتبر النفقات العامة على مثل هذه الخدمات، نفقات استهلاكية، رغم أن هذه النفقات العامة، وهي تؤدي إلى خلق خدمات عامة، تسهم في زيادة الإنتاج القومي، ولكن بما أن واقعة إنتاج هذه الخدمات تندمج في واقعة استهلاكها، وهو ما أدى إلى التركيز على صفتها الاستهلاكية، واعتبارها ضمن النفقات الاستهلاكية.
ب- كما تقوم الدولة بشراء بعض السلع الاستهلاكية، مثل الملابس والمواد الغذائية والمواد الطبية، لإشباع حاجة بعض العمال والموظفين، وأفراد القوات المسلحة، أو يكون الغرض من هذه النفقات توزيع هذه السلع بالمجان على بعض الفئات الاجتماعية الفقيرة، أو على طلاب المدارس، مثل المواد الغذائية والطبية والملابس، أو يكون الغرض منها زيادة المخزون، في حالة الحروب أو الظروف الاستثنائية، وتوزيعها على الأفراد على فئات معينة بمقابل كلي أو جزئي أو دون مقابل كالسلع والمواد التخزينية، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحويل الاستهلاك من الأفراد إلى الدولة، ويؤثر مباشرة في الاستهلاك القومي.
2- توزيع الدولة لدخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك:
تقوم الدولة بتوزيع دخول نقدية على الأفراد بمقابل أو دون مقابل، تخصص هذه الدخول جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وذلك حسب التفصيل التالي:
أ- تتعدد وتتنوع النفقات العامة التي تمنحها الدولة لأفرادها: فإما أن تكون هذه النفقات على شكل رواتب وأجور تمنحها للعمال والموظفين، أو تكون على شكل ريع تمنحه لمؤجريها، أو تكون على شكل فوائد تمنحها لمقرضيها، ومن الواضح أن الدولة توزع هذه النفقات مقابل حصولها على الخدمات الشخصية، وتشكل هذه النفقات الجزء الأهم أو الوحيد من موارد الأفراد النقدية، وتعتبر هذه الدخول نفقات منتجة؛ لأنها تؤدي مباشرة إلى زيادة الناتج القومي، حيث يقوم هؤلاء الأفراد، ونظرا" لارتفاع ميلهم للاستهلاك، بإنفاق غالبية هذه الدخول أو جميعها على شراء السلع والخدمات الاستهلاكية.
ب- بالإضافة إلى ذلك، تقوم الدولة بتوزيع بعض الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، دون مقابل على بعض الفئات الاجتماعية ومنتجي بعض السلع مثل إعانات البطالة والعجز والشيخوخة والمرض والطفولة، والإعانات التي تمنح لمنتجي بعض السلع بهدف تخفيض أسعارها من أجل زيادة استهلاكها، ومن الواضح أن هذه الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، توجه بطبيعتها إلى شراء السلع والخدمات الاستهلاكية، وبالتالي تزيد الاستهلاك القومي.
نخلص مما تقدم، إلى أن أثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي، يعتمد على نوع هذه النفقات، وفيما إذا كانت تخصص مباشرة للاستهلاك، أو توزع على شكل دخول تخصص كليا" أو جزئيا" للاستهلاك، وهذا ما ينبه الدولة إلى أنه يمكنها أن تؤثر في الاستهلاك القومي، عن طريق تحديدها لحجم مشترياتها من السلع وتحديدها لحجم الرواتب والأجور، والإعانات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يفيد الدولة في ترتيب سياسة النفقات العامة، في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والأهداف التي تقصد تحقيقها.
المبحث الثالث
الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة
لا يقتصر آثار النفقات العامة على الآثار الاقتصادية المباشرة فقط، وإنما تشمل أيضا" الآثار الاقتصادية غير المباشرة، التي يمكن أن تنشأ من خلال ما يعرف بدورة الدخل، فتحدث النفقات العامة آثارا" غير مباشرة في الاستهلاك القومي، من خلال الاستهلاك المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المضاعف أو الضارب، كما تؤدي النفقات العامة إلى آثار غير مباشرة من الإنتاج القومي، من خلال الاستثمار المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع.
وسوف ندرس أثر كل منهما على التوالي:
1- أثر المضاعف:
يعد ّ ”كاهن“ أول من أدخل فكرة المضاعف في النظرية الاقتصادية، إذ حاول قياس العلاقة الكمية القائمة بين الزيادة في الاستثمار والزيادة في التشغيل؛ أي أن مفهوم المضاعف عند ”كاهن“ هو مضاعف التشغيل. أما الاقتصادي ”كينز“ فقد استخدم فكرة المضاعف لبيان أثر الاستثمار المستقل، أو الذاتي في الدخل القومي، من خلال ما يؤدي إليه هذا الاستثمار من زيادة الاستهلاك المولد في الاقتصاد القومي الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الدخل القومي، بإضعاف الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، وهو ما يطلق عليه مضاعف الاستثمار الذي يعبر عن العلاقة بين الزيادة في الاستثمار المستقل والذاتي في الدخل القومي. ويمكن حسابه بالعلاقة التالية:
د
م = حيث:
ث
م = المعامل العددي- المضاعف
د = التغير في الدخل القومي
ث = التغير في الاستثمار.
وبناء" على ذلك، فإن مضاعف الاستثمار، هو العامل العددي الذي يبين مقدار الزيادة في الدخل القومي الناتجة عن الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، والاستثمار المستقل هو ذلك الاستثمار الزيادة في الدخل القومي. وغالبا" ما يكون الإنفاق الاستثماري العام استثمارا" مستقلا"؛ لأنه يتحدد بموجب خطط استثمارية طويلة الأجل، ويأخذ في الحسبان، معايير مختلفة تماما" عن المعايير التي يقوم عليها الإنفاق الاستثماري الخاص.
لقد قصر ”كينز“ تحليله لنظرية المضاعف على دراسة أثر الزيادة الأولية في الاستثمار في الدخل القومي، إلا أن الفكر الاقتصادي بعد ”كينز“، اتجه إلى تعميم هذه النظرية، وأصبح بإمكاننا أن نعامل الإنفاق على الاستهلاك، التصدير، الإنفاق العام، المعاملة نفسها التي عاملها كينز للاستثمار، الذي اعتبره المتغير الأساسي في نظريته؛ أي أننا نستطيع أن ندرس مضاعف الإنفاق الحكومي الذي يقصد به المعامل الذي يبين مقدار التغيير في الدخل القومي الناجمة عن تغير الإنفاق الحكومي. فالتوسع في الإنفاق الحكومي، يؤدي إلى توزيع دخول جديدة، تتمثل في دخول عوامل الإنتاج (أجر، ريع، فائدة، ربح)، يخصص المستفيدون من هذه الدخول جزءا" منها للإنفاق على الاستهلاك، يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، وجزءا" للإدخار، يتوقف على الميل الحدي للادخار ويؤدي هذا الجزء المخصص للاستهلاك إلى زيادة الطلب على سلع الاستهلاك، ويؤدي بالتالي إلى زيادة هذه السلع، ويؤدي إلى توزيع دخول جديدة، توزع بدورها ما بين الاستهلاك والادخار. وهكذا تتوالى إلى الزيادة في الدخول الجديدة، من خلال دورة الدخل في سلسلة متتالية من الإنفاق الاستهلاكي المتناقص، وهو ما يعرف بالاستهلاك المولد، التي تشكل في مجموعها زيادة إجمالية في الدخل القومي، تفوق التوسع الأولي في النفقات العامة.
إذن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو المعامل العددي الذي يوضح لنا مقدار الزيادة في الدخل القومي، التي تتولد عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، من خلال ما تمارسه هذه الزيادة من تأثير على الإنفاق الاستهلاكي؛ أي أن أثر المضاعف يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، يزداد بازدياد الميل الحدي للاستهلاك، وينخفض بانخفاضه، ويمكن حساب مضاعف الإنفاق الحكومي من خلال العلاقة التالية:
1
م ح = حيث:
1 - ب
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي، الحرف ح = يرمز إلى الإنفاق الحكومي.
ب = الميل الحدي للاستهلاك في المجتمع.
أي أن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو مقلوب الميل ا لحدي للادخار:
1
الميل الحدي للادخار
وبناء" على ذلك، فإن التغير في الدخل القومي الناجم عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، يمكن حسابه من العلاقة التالية:
د = م ح × ح حيث:
د = التغير في الدخل القومي.
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي.
ح = التغير في الإنفاق الحكومي.
ويلاحظ من العرض السابق، أن نظرية المضاعف، تستند إلى ميل حدي للاستهلاك للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على المضاعف صفة العمومية، وينتقد الاتجاه الحديث هذا الطابع العام للمضاعف، ويرى أن استخدام ميل حدي للاستهلاك، يمثل اتجاه المجتمع في مجموعه، يعتبر تبسيطا" يخالف الحقيقة والواقع الاقتصادي. ذلك أنه يسقط خصائص القطاعات والفئات المختلفة الأخرى، فالميل الحدي للاستهلاك يختلف من قطاع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى، وهو ما يعني أن الآثار غير المباشرة للنفقات العامة، لا تتوقف فقط على الحجم الكلي للنفقات العامة؛ بل تتوقف أيضا" على الغرض منها، وعلى نوع المستفيدين منها، فإذا ما أفادت الزيادة في النفقات العامة الطبقات الفقيرة، أو ذات الدخل المحدود، والميل الحدي المرتفع للاستهلاك، كان أثرها أكبر في تلك النفقات العامة التي يستفيد منها الطبقات ذات الدخل المرتفع ، والتي ينخفض ميلها الحدي للاستهلاك.
ويكون المضاعف منخفضا" في الدول النامية، رغم ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك فيها، وذلك لضعف إمكانات الاستثمار الإنتاجي، ووجود كثير من العقبات التي تحول دون مرونة الجهاز الإنتاجي. وهو ما يعني انصراف أثر المضاعف إلى الأسعار، فالمضاعف لا يحقق آثاره العينية، إلا في اقتصاد متقدم، يتمتع الجهاز الإنتاجي فيه بمرونة كافية، للاستجابة للزيادات المتتالية في الاستهلاك ومضاعفتها.
ومع ذلك يبقى لنظرية المضاعف ما يبرر لها الاعتماد على ميل حدي للاستهلاك واحد، للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على نظرية المضاعف في صورتها العامة، ما لها من بساطة ووضوح وأهمية.
2- أثر المعجل أو المسارع:
لا تقتصر الآثار غير المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي، على الزيادة المتتابعة من الاستهلاك المولد، وإنما هناك آثار غير مباشرة أخرى، تحدث في الإنتاج القومي من خلال الزيادة التي تحدثها النفقات العامة في الطلب على الاستثمار، وهي ما يطلق عليها الاستثمار المولد أو التابع. أي ذلك الاستثمار الذي يشتق من الطلب على السلع الاستهلاكية. وهو ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع، وتفصيل ذلك، إن الزيادة في الإنفاق العام ، تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع النهائية الاستهلاكية، مما يدفع منتجي هذه السلع إلى زيادة إنفاقهم الاستثماري، لإنتاج تلك السلع التي ازداد الطلب عليها، بمعدل أكبر. ويمكن حساب المعجل، بقسمة التغير في الاستثمار (الزيادة)، على التغير في الناتج القومي (الزيادة).
ث
أي المعجل =
د
ويتوقف أثر المعجل على ما يعرف بمعامل رأس المال (معامل الاستثمار)، أي على العلاقة الفنية بين رأس المال والإنتاج، وهو (معامل رأس المال) يحدد ما يلزم من رأس المال لإنتاج وحدة واحدة من سلعة ما أو صناعة ما؛ أي إذا ما ارتفع الطلب النهائي على سلعة ما، يقتضي هذا الارتفاع، زيادة الإنتاج لمقابلته، أي ضرورة التوسع، وبالنسبة نفسها في رأس المال المستخدم في إنتاج هذه السلعة. ولا تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل تؤدي إلى سلسلة متتالية من الاستثمارات المولدة. ويتوقف معامل رأس المال على الأوضاع الفنية التي تحكم الإنتاج، وهي تختلف حسب درجة الفن الإنتاجي، وتبعا" لطبيعة كل صناعة.
وتتحدد آثار المعجل بعدد من الاعتبارات أهمها، ما يتوافر من مخزون من السلع الاستهلاكية، وما يتوافر من طاقات إنتاجية عاطلة غير مستغلة، حيث أن وجود مثل هذا المخزون وهذه الطاقات المعطلة، يحد من أثر المعجل. كما تتوقف آثار المعجل على تقدير منتجي السلع الاستهلاكية لاتجاهات الزيادة في الطلب على هذه السلع، فيما إذا كانت اتجاهات الطلب ذات طبيعة مؤقتة أو طارئة، فإنها لا تشجع هؤلاء المنتجين على زيادة حجم الاستثمار، أو إذا كانت ذات طبيعة مستمرة، فهي تؤدي إلى زيادة حجم الاستثمارات.
ونخلص مما تقدم، إلى أن هناك علاقة وطيدة تربط بين أثر كل من المضاعف والمعجل، يجب أن تؤخذ في الحسبان، عند دراسة الآثار التراكمية في كل من الدخل والاستهلاك والاستثمار التي يحدثها الإنفاق الحكومي الأولي، وكذلك المصدر الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل الإنفاق العام، ويلاحظ أن تحليل أثر المضاعف والمعجل يتلاءم مع ظروف الدول المتقدمة التي تملك جهازا" إنتاجيا" مرنا"، يستطيع الاستجابة للزيادة في الطلب الناجمة عن زيادة الإنفاق العام.
ولا يتفق مع ظروف الدول النامية التي تملك جهازا" إنتاجيا" غير مرن. إلا أن هذه الدول تستطيع أن تدخل في حسابها، وتستفيد من التفاعل والتداخل بين كل من المضاعف والمعجل، وهو ما يعرف بالمضاعف المزدوج أو المركب، الذي يؤدي إلى استمرار الحركة التراكمية للاستثمار المولد إلى ما وراء القيود التي يفرضها الميل الحدي للادخار الموجب على المضاعف، يؤدي إلى سرعة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn6)) .
لقد أصبح من الواضح أن النفقات العامة، في أية دولة، متعددة ومتنوعة، وهي بذلك لا تشكل كلا" متجانسا"، وقد أدى التطور في مختلف الدول إلى التوسع في النفقات العامة بصورة مضطردة، وإلى تنوعها وتغير هيكلها، ولم تعد أهمية النفقات العامة تبدو من جراء تطورها، وزيادتها باضطراد فحسب، بل إن النفقات العامة تشكل نسبة مرتفعة من الدخل القومي في المجتمع، وتزداد أهميتها أكثر؛ لأنها أصبحت إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها الدولة للتأثير على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمالية. فالتوسع في النفقات العامة بمختلف أنواعها المختلفة، ينتج آثارا" متعددة في مختلف الميادين، فالنفقات العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة، بالإضافة إلى التأثير في مختلف المتغيرات الاقتصادية وهي الدخل القومي ومكوناته، - الاستهلاك والادخار والاستثمار- وإلى التأثير في المستوى العام للأسعار، وفي توزيع الدخل القومي، وبالتالي في التوازن الاقتصادي العام (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn1)) ، وعلى الرغم من تعدد وتنوع آثار النفقات العامة من مختلف المجالات والميادين، فإننا سنقصر دراستنا على الآثار الاقتصادية للنفقات العامة وحدها.
وتتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عوامل عديدة، أهمها طبيعة هذه النفقات، والقصد الذي تهدف إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها، والوضع الاقتصادي السائد، وسوف تكون دراستنا للآثار الاقتصادية على الشكل التالي:
المبحث الأول: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي.
المبحث الثاني: الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة.
المبحث الرابع: آثار النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل القومي.
المبحث الأول
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي
تحدث النفقات العامة آثارا" اقتصادية مباشرة في الإنتاج القومي، من خلال تأثيرها في قدرة الأفراد ورغبتهم على العمل والادخار والاستثمار، وتأثيرها على تحويل عناصر الإنتاج، وفي القوى المادية للإنتاج وعلى الطلب الفعلي، وذلك على الشكل التالي (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn2)):
1- أثر النفقات العامة في قدرة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار:
مما لا شك فيه أن طبيعة النفقات العامة التي تقوم بها الدولة من شأنها أن تزيد من كفاءة الأفراد، وهي بالتالي تزيد في الوقت نفسه من قدرتهم على العمل، وتأخذ هذه النفقات العامة الشكل النقدي أو الشكل العيني.
فالنفقات العامة النقدية، كالإعانات النقدية العائلية والمعاشات، قد تزيد من كفاءة الأفراد، ولكن آثار هذه الإعانات النقدية، لا تظهر على الأفراد الذين يتسلمونها مباشرة، بقدر ما تظهر آثارها بالنسبة إلى أولادهم في المستقبل، أما النفقات العامة العينية، خدمات صحية أو تعليمية أو إسكان، فإنها قد تزيد من كفاءة الأفراد الذين يتلقونها، بقدر يفوق ما يحققه الحجم نفسه من النفقات النقدية، ذلك أن النفقات العامة النقدية قد تنفق على أغراض أقل نفعا" للفرد من الخدمات المجانية التي تقدمها له الدولة، إضافة إلى ذلك، فإن التنظيم الجماعي لبعض الخدمات التعليم والصحة، يعتبر في بعض الأحيان أكثر تحقيقا" للكفاءة الاقتصادية من غيره من التنظيمات الأخرى.
كذلك فإن النفقات العامة على المرافق العامة التقليدية (الدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء) تعتبر ضرورية للإنتاج، فهذه المرافق تهيئ الظروف التي يصعب دونها القيام بالإنتاج، فهي توفر الأمن والطمأنينة للأفراد لقيامهم بالنشاط الإنتاجي. وكذلك تزيد النفقات العامة، وهي تؤدي إلى توزيع دخول على الأفراد المستفيدين منها، وتزيد من إمكانات الأفراد على الادخار، سواء أكان حصول الأفراد على النفقات العامة بصورة مباشرة، كالرواتب والأجور والإعانات النقدية، أم بصورة غير مباشرة، كالخدمات الصحية والتعليمية، التي توفر جزءا" من دخول الأفراد النقدية، وهذا ما يزيد إمكانات الأفراد على الادخار.
وتزيد النفقات العامة قدرة الأفراد على الاستثمار، إذا وضعت تلك المدخرات القابلة للاستثمار في أيدي الهيئات العامة أو الخاصة التي تعمل في ميدان الاستثمار، مثل إنشاء المصانع وبناء الخزانات ومحطات توليد الطاقة..الخ، وكذلك المبالغ التي تقرضها الدولة للمشروعات الإنتاجية الخاصة والإعانات المقدمة لها.
نخلص من ذلك إلى أن ما تنفقه الدولة على الوظائف التقليدية، الأمن الداخلي والقضاء، وعلى الوظائف الجديدة، التعليم والصحة والعجز والبطالة والشيخوخة...الخ، يؤثر في قدرة ورغبة الأفراد على العمل والادخار والاستثمار، وبالتالي يؤثر في الإنتاج القومي.
2- آثار النفقات العامة في القوى المادية للإنتاج (المقدرة الإنتاجية القومية) (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn3))، وفي انتقال عناصر الإنتاج:
يقصد بالقوى المادية للإنتاج، الموارد الطبيعية والقوة العاملة، ورأس المال والفن الإنتاجي، وهي تشكل في مجموعها المقدرة الإنتاجية القومية، تبعا" لمدى توافرها كميا"، ومستواها نوعيا"، وتؤدي النفقات العامة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى زيادة المقدرة الإنتاجية، من خلال عوامل الإنتاج كما" ونوعا".
ولدراسة أثر النفقات العامة في رفع المقدرة الإنتاجية القومية وتحديده يجب أن نميز بين نوعين من النفقات العامة، وهما النفقات العامة الاستثمارية، والنفقات العامة الاستهلاكية.
ويقصد بالنفقات العامة الاستثمارية، النفقات العامة الإنتاجية، التي تؤدي إلى زيادة تراكم رأس المال القومي، من خلال تكوين رؤوس أموال عينية جديدة، ومن ثم فإنها تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية، وبخاصة في المدة الطويلة، إضافة إلى ما تحدثه من زيادة مباشرة في الدخل القومي الجاري.
ومن ناحية ثانية، فإن النفقات العامة الاستهلاكية، وهي ما تعرف بالنفقات العامة الجارية، تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية بصورة غير مباشرة، ومثلها النفقات والإعانات الاجتماعية التي تخصص لإنتاج الخدمات العلمية والأبحاث، والخدمات الطبية والثقافية والتعليمية (التعليم الفني والتدريب) تؤدي إلى زيادة الناتج القومي الجاري، ورفع المقدرة الإنتاجية للأفراد، ومثلها كذلك، الإعانات الاقتصادية التي تمنح للمشروعات وتزيد أرباحها، وترفع مقدرتها الإنتاجية، وكذلك النفقات العامة التقليدية، التي تنفقها الدولة على الأمن والقضاء والدفاع، تحقق الطمأنينة والاستقرار، ترفع أيضا" المقدرة الإنتاجية القومية، يضاف إلى ذلك أن النفقات العامة، وهي تؤدي إلى رفع المقدرة الإنتاجية القومية، تؤدي إلى خفض نفقة الإنتاج، وبالتالي زيادة الأرباح، وزيادة الناتج القومي، وبخاصة تلك النفقات التي تمول الهياكل الأساسية للإنتاج، كالطرق والنقل والمواصلات والطاقة وتقدم الفن الإنتاجي.
ولا بد من الإشارة إلى أن النفقات العامة تؤدي إلى التأثير في الإنتاج القومي، بصورة كبيرة من خلال تأثيرها في انتقال عناصر الإنتاج بين الاستخدامات والأماكن المختلفة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، مثلا"، ومن نشاط اقتصادي إلى نشاط اقتصادي آخر، أو من مشروع إلى آخر.
3- آثار النفقات العامة في الطلب الفعلي (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn4)):
من المعروف أن الطلب الفعلي يتكون من كل من الطلب الخاص والعام على أموال الاستثمار وعلى أموال الاستهلاك، ويتوقف حجم الدخل القومي على فرض ثبات المقدرة الإنتاجية القومية على الطلب الفعلي؛ أي على الإنفاق الكلي المتوقع على الاستثمار والاستهلاك، وتشكل النفقات العامة جزءا" هاما" من الطلب الفعلي، يزداد أهمية مع ازدياد تدخل الدولة، ومن هنا فإن النفقات العامة تؤدي دورا" هاما" في تحديد مستوى التشغيل الكلي، ومستوى الناتج القومي الجاري، عن طريق تأثيرها على مستوى الطلب الفعلي، وهو ما يعني أن أثر النفقات العامة في الإنتاج القومي يتوقف على أمرين هما: أثر النفقات العامة في الطلب الفعلي، وأثر الطلب الفعلي في الإنتاج القومي.
المبحث الثاني
الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي
يقصد بالآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي، تلك الزيادة في الطلب الاستهلاكي، التي تترتب مباشرة عن النفقات العامة، أي التي لا تتم خلال دورة الدخل، وتباشر النفقات العامة آثارها في الاستهلاك القومي عن طريقين:
أولهما: شراء الدول لبعض السلع أو الخدمات الاستهلاكية، وثانيهما: قيام الدولة بتوزيع دخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وبناء" على ذلك، فإن أثر النفقات العامة في الاستهلاك يتوقف على طبيعة هذه النفقات، أي على الغرض الذي تخصص له تلك النفقات(1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn5)).
1- النفقات العامة التي تشكل طلبا" مباشرا" على السلع والخدمات الاستهلاكية:
تشكل النفقات العامة التي تقوم بها الدولة طلبا" على بعض السلع والخدمات الاستهلاكية مما يؤثر في الاستهلاك القومي، على النحو التالي:
أ- تقوم الدولة بشراء بعض الخدمات الاستهلاكية، مثل الخدمات العلمية والطبية والثقافية والصحية والأمن والقضاء والدفاع، وهو ما يطلق عليه الاستهلاك الحكومي أو العام، وتعتبر النفقات العامة على مثل هذه الخدمات، نفقات استهلاكية، رغم أن هذه النفقات العامة، وهي تؤدي إلى خلق خدمات عامة، تسهم في زيادة الإنتاج القومي، ولكن بما أن واقعة إنتاج هذه الخدمات تندمج في واقعة استهلاكها، وهو ما أدى إلى التركيز على صفتها الاستهلاكية، واعتبارها ضمن النفقات الاستهلاكية.
ب- كما تقوم الدولة بشراء بعض السلع الاستهلاكية، مثل الملابس والمواد الغذائية والمواد الطبية، لإشباع حاجة بعض العمال والموظفين، وأفراد القوات المسلحة، أو يكون الغرض من هذه النفقات توزيع هذه السلع بالمجان على بعض الفئات الاجتماعية الفقيرة، أو على طلاب المدارس، مثل المواد الغذائية والطبية والملابس، أو يكون الغرض منها زيادة المخزون، في حالة الحروب أو الظروف الاستثنائية، وتوزيعها على الأفراد على فئات معينة بمقابل كلي أو جزئي أو دون مقابل كالسلع والمواد التخزينية، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحويل الاستهلاك من الأفراد إلى الدولة، ويؤثر مباشرة في الاستهلاك القومي.
2- توزيع الدولة لدخول تخصص جزئيا" أو كليا" للاستهلاك:
تقوم الدولة بتوزيع دخول نقدية على الأفراد بمقابل أو دون مقابل، تخصص هذه الدخول جزئيا" أو كليا" للاستهلاك، وذلك حسب التفصيل التالي:
أ- تتعدد وتتنوع النفقات العامة التي تمنحها الدولة لأفرادها: فإما أن تكون هذه النفقات على شكل رواتب وأجور تمنحها للعمال والموظفين، أو تكون على شكل ريع تمنحه لمؤجريها، أو تكون على شكل فوائد تمنحها لمقرضيها، ومن الواضح أن الدولة توزع هذه النفقات مقابل حصولها على الخدمات الشخصية، وتشكل هذه النفقات الجزء الأهم أو الوحيد من موارد الأفراد النقدية، وتعتبر هذه الدخول نفقات منتجة؛ لأنها تؤدي مباشرة إلى زيادة الناتج القومي، حيث يقوم هؤلاء الأفراد، ونظرا" لارتفاع ميلهم للاستهلاك، بإنفاق غالبية هذه الدخول أو جميعها على شراء السلع والخدمات الاستهلاكية.
ب- بالإضافة إلى ذلك، تقوم الدولة بتوزيع بعض الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، دون مقابل على بعض الفئات الاجتماعية ومنتجي بعض السلع مثل إعانات البطالة والعجز والشيخوخة والمرض والطفولة، والإعانات التي تمنح لمنتجي بعض السلع بهدف تخفيض أسعارها من أجل زيادة استهلاكها، ومن الواضح أن هذه الإعانات الاجتماعية والاقتصادية، توجه بطبيعتها إلى شراء السلع والخدمات الاستهلاكية، وبالتالي تزيد الاستهلاك القومي.
نخلص مما تقدم، إلى أن أثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي، يعتمد على نوع هذه النفقات، وفيما إذا كانت تخصص مباشرة للاستهلاك، أو توزع على شكل دخول تخصص كليا" أو جزئيا" للاستهلاك، وهذا ما ينبه الدولة إلى أنه يمكنها أن تؤثر في الاستهلاك القومي، عن طريق تحديدها لحجم مشترياتها من السلع وتحديدها لحجم الرواتب والأجور، والإعانات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يفيد الدولة في ترتيب سياسة النفقات العامة، في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والأهداف التي تقصد تحقيقها.
المبحث الثالث
الآثار الاقتصادية غير المباشرة للنفقات العامة
لا يقتصر آثار النفقات العامة على الآثار الاقتصادية المباشرة فقط، وإنما تشمل أيضا" الآثار الاقتصادية غير المباشرة، التي يمكن أن تنشأ من خلال ما يعرف بدورة الدخل، فتحدث النفقات العامة آثارا" غير مباشرة في الاستهلاك القومي، من خلال الاستهلاك المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المضاعف أو الضارب، كما تؤدي النفقات العامة إلى آثار غير مباشرة من الإنتاج القومي، من خلال الاستثمار المولد، أي من خلال ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع.
وسوف ندرس أثر كل منهما على التوالي:
1- أثر المضاعف:
يعد ّ ”كاهن“ أول من أدخل فكرة المضاعف في النظرية الاقتصادية، إذ حاول قياس العلاقة الكمية القائمة بين الزيادة في الاستثمار والزيادة في التشغيل؛ أي أن مفهوم المضاعف عند ”كاهن“ هو مضاعف التشغيل. أما الاقتصادي ”كينز“ فقد استخدم فكرة المضاعف لبيان أثر الاستثمار المستقل، أو الذاتي في الدخل القومي، من خلال ما يؤدي إليه هذا الاستثمار من زيادة الاستهلاك المولد في الاقتصاد القومي الذي بدوره يؤدي إلى زيادة الدخل القومي، بإضعاف الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، وهو ما يطلق عليه مضاعف الاستثمار الذي يعبر عن العلاقة بين الزيادة في الاستثمار المستقل والذاتي في الدخل القومي. ويمكن حسابه بالعلاقة التالية:
د
م = حيث:
ث
م = المعامل العددي- المضاعف
د = التغير في الدخل القومي
ث = التغير في الاستثمار.
وبناء" على ذلك، فإن مضاعف الاستثمار، هو العامل العددي الذي يبين مقدار الزيادة في الدخل القومي الناتجة عن الزيادة الأولية في الاستثمار المستقل، والاستثمار المستقل هو ذلك الاستثمار الزيادة في الدخل القومي. وغالبا" ما يكون الإنفاق الاستثماري العام استثمارا" مستقلا"؛ لأنه يتحدد بموجب خطط استثمارية طويلة الأجل، ويأخذ في الحسبان، معايير مختلفة تماما" عن المعايير التي يقوم عليها الإنفاق الاستثماري الخاص.
لقد قصر ”كينز“ تحليله لنظرية المضاعف على دراسة أثر الزيادة الأولية في الاستثمار في الدخل القومي، إلا أن الفكر الاقتصادي بعد ”كينز“، اتجه إلى تعميم هذه النظرية، وأصبح بإمكاننا أن نعامل الإنفاق على الاستهلاك، التصدير، الإنفاق العام، المعاملة نفسها التي عاملها كينز للاستثمار، الذي اعتبره المتغير الأساسي في نظريته؛ أي أننا نستطيع أن ندرس مضاعف الإنفاق الحكومي الذي يقصد به المعامل الذي يبين مقدار التغيير في الدخل القومي الناجمة عن تغير الإنفاق الحكومي. فالتوسع في الإنفاق الحكومي، يؤدي إلى توزيع دخول جديدة، تتمثل في دخول عوامل الإنتاج (أجر، ريع، فائدة، ربح)، يخصص المستفيدون من هذه الدخول جزءا" منها للإنفاق على الاستهلاك، يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، وجزءا" للإدخار، يتوقف على الميل الحدي للادخار ويؤدي هذا الجزء المخصص للاستهلاك إلى زيادة الطلب على سلع الاستهلاك، ويؤدي بالتالي إلى زيادة هذه السلع، ويؤدي إلى توزيع دخول جديدة، توزع بدورها ما بين الاستهلاك والادخار. وهكذا تتوالى إلى الزيادة في الدخول الجديدة، من خلال دورة الدخل في سلسلة متتالية من الإنفاق الاستهلاكي المتناقص، وهو ما يعرف بالاستهلاك المولد، التي تشكل في مجموعها زيادة إجمالية في الدخل القومي، تفوق التوسع الأولي في النفقات العامة.
إذن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو المعامل العددي الذي يوضح لنا مقدار الزيادة في الدخل القومي، التي تتولد عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، من خلال ما تمارسه هذه الزيادة من تأثير على الإنفاق الاستهلاكي؛ أي أن أثر المضاعف يتوقف على الميل الحدي للاستهلاك، يزداد بازدياد الميل الحدي للاستهلاك، وينخفض بانخفاضه، ويمكن حساب مضاعف الإنفاق الحكومي من خلال العلاقة التالية:
1
م ح = حيث:
1 - ب
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي، الحرف ح = يرمز إلى الإنفاق الحكومي.
ب = الميل الحدي للاستهلاك في المجتمع.
أي أن مضاعف الإنفاق الحكومي، هو مقلوب الميل ا لحدي للادخار:
1
الميل الحدي للادخار
وبناء" على ذلك، فإن التغير في الدخل القومي الناجم عن الزيادة في الإنفاق الحكومي، يمكن حسابه من العلاقة التالية:
د = م ح × ح حيث:
د = التغير في الدخل القومي.
م ح = مضاعف الإنفاق الحكومي.
ح = التغير في الإنفاق الحكومي.
ويلاحظ من العرض السابق، أن نظرية المضاعف، تستند إلى ميل حدي للاستهلاك للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على المضاعف صفة العمومية، وينتقد الاتجاه الحديث هذا الطابع العام للمضاعف، ويرى أن استخدام ميل حدي للاستهلاك، يمثل اتجاه المجتمع في مجموعه، يعتبر تبسيطا" يخالف الحقيقة والواقع الاقتصادي. ذلك أنه يسقط خصائص القطاعات والفئات المختلفة الأخرى، فالميل الحدي للاستهلاك يختلف من قطاع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى، وهو ما يعني أن الآثار غير المباشرة للنفقات العامة، لا تتوقف فقط على الحجم الكلي للنفقات العامة؛ بل تتوقف أيضا" على الغرض منها، وعلى نوع المستفيدين منها، فإذا ما أفادت الزيادة في النفقات العامة الطبقات الفقيرة، أو ذات الدخل المحدود، والميل الحدي المرتفع للاستهلاك، كان أثرها أكبر في تلك النفقات العامة التي يستفيد منها الطبقات ذات الدخل المرتفع ، والتي ينخفض ميلها الحدي للاستهلاك.
ويكون المضاعف منخفضا" في الدول النامية، رغم ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك فيها، وذلك لضعف إمكانات الاستثمار الإنتاجي، ووجود كثير من العقبات التي تحول دون مرونة الجهاز الإنتاجي. وهو ما يعني انصراف أثر المضاعف إلى الأسعار، فالمضاعف لا يحقق آثاره العينية، إلا في اقتصاد متقدم، يتمتع الجهاز الإنتاجي فيه بمرونة كافية، للاستجابة للزيادات المتتالية في الاستهلاك ومضاعفتها.
ومع ذلك يبقى لنظرية المضاعف ما يبرر لها الاعتماد على ميل حدي للاستهلاك واحد، للمجتمع في مجموعه، وهو ما يضفي على نظرية المضاعف في صورتها العامة، ما لها من بساطة ووضوح وأهمية.
2- أثر المعجل أو المسارع:
لا تقتصر الآثار غير المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي، على الزيادة المتتابعة من الاستهلاك المولد، وإنما هناك آثار غير مباشرة أخرى، تحدث في الإنتاج القومي من خلال الزيادة التي تحدثها النفقات العامة في الطلب على الاستثمار، وهي ما يطلق عليها الاستثمار المولد أو التابع. أي ذلك الاستثمار الذي يشتق من الطلب على السلع الاستهلاكية. وهو ما يعرف بأثر المعجل أو المسارع، وتفصيل ذلك، إن الزيادة في الإنفاق العام ، تؤدي إلى زيادة الطلب على السلع النهائية الاستهلاكية، مما يدفع منتجي هذه السلع إلى زيادة إنفاقهم الاستثماري، لإنتاج تلك السلع التي ازداد الطلب عليها، بمعدل أكبر. ويمكن حساب المعجل، بقسمة التغير في الاستثمار (الزيادة)، على التغير في الناتج القومي (الزيادة).
ث
أي المعجل =
د
ويتوقف أثر المعجل على ما يعرف بمعامل رأس المال (معامل الاستثمار)، أي على العلاقة الفنية بين رأس المال والإنتاج، وهو (معامل رأس المال) يحدد ما يلزم من رأس المال لإنتاج وحدة واحدة من سلعة ما أو صناعة ما؛ أي إذا ما ارتفع الطلب النهائي على سلعة ما، يقتضي هذا الارتفاع، زيادة الإنتاج لمقابلته، أي ضرورة التوسع، وبالنسبة نفسها في رأس المال المستخدم في إنتاج هذه السلعة. ولا تتوقف الزيادة عند هذا الحد، بل تؤدي إلى سلسلة متتالية من الاستثمارات المولدة. ويتوقف معامل رأس المال على الأوضاع الفنية التي تحكم الإنتاج، وهي تختلف حسب درجة الفن الإنتاجي، وتبعا" لطبيعة كل صناعة.
وتتحدد آثار المعجل بعدد من الاعتبارات أهمها، ما يتوافر من مخزون من السلع الاستهلاكية، وما يتوافر من طاقات إنتاجية عاطلة غير مستغلة، حيث أن وجود مثل هذا المخزون وهذه الطاقات المعطلة، يحد من أثر المعجل. كما تتوقف آثار المعجل على تقدير منتجي السلع الاستهلاكية لاتجاهات الزيادة في الطلب على هذه السلع، فيما إذا كانت اتجاهات الطلب ذات طبيعة مؤقتة أو طارئة، فإنها لا تشجع هؤلاء المنتجين على زيادة حجم الاستثمار، أو إذا كانت ذات طبيعة مستمرة، فهي تؤدي إلى زيادة حجم الاستثمارات.
ونخلص مما تقدم، إلى أن هناك علاقة وطيدة تربط بين أثر كل من المضاعف والمعجل، يجب أن تؤخذ في الحسبان، عند دراسة الآثار التراكمية في كل من الدخل والاستهلاك والاستثمار التي يحدثها الإنفاق الحكومي الأولي، وكذلك المصدر الذي تعتمد عليه الدولة في تمويل الإنفاق العام، ويلاحظ أن تحليل أثر المضاعف والمعجل يتلاءم مع ظروف الدول المتقدمة التي تملك جهازا" إنتاجيا" مرنا"، يستطيع الاستجابة للزيادة في الطلب الناجمة عن زيادة الإنفاق العام.
ولا يتفق مع ظروف الدول النامية التي تملك جهازا" إنتاجيا" غير مرن. إلا أن هذه الدول تستطيع أن تدخل في حسابها، وتستفيد من التفاعل والتداخل بين كل من المضاعف والمعجل، وهو ما يعرف بالمضاعف المزدوج أو المركب، الذي يؤدي إلى استمرار الحركة التراكمية للاستثمار المولد إلى ما وراء القيود التي يفرضها الميل الحدي للادخار الموجب على المضاعف، يؤدي إلى سرعة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1 (http://www.aliahmedali.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=21#_ftn6)) .