إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 11-28-2008, 09:25 PM
  #1
dr.osama
مشارك نشط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
العمر: 53
المشاركات: 67
افتراضي التخاصيـــة: مفهومها، أهدافها، متطلباتها، ونماذج من تجاربها العربية والأوروبية

التخاصيـــة:
مفهومها، أهدافها، متطلباتها، ونماذج من
تجاربها العربية والأوروبية

د. اسامة عبد المنعم - رئيس قسم المحاسبة-
جامعةجرش - بحث مقبول للنشر
مقدمة
المـبحث الأول
مشاكل القطاع العام وكيفية مواجهتها: التخاصية ومتطلباتها
المبحث الثانـي
الجانب المالي والمحاسبي للتخاصية ودور المدقق الخارجي فيها
المبحث الثالث
بعض تجارب للتخاصية العربية والأوروبية

التجربة الأردنية– التجربة المصرية- التجربة العراقية- التجربة الفرنسية- التجربة البريطانية

الخلاصة
مقدمــة

الخصخصة، أو التخاصية، أو التخصيصية، أو التفويت، أو الأهلنة، هي كلها مسميات لمسمى واحد هو PRIVATIZATION بالإنكليزية. وقد شاع هذا المفهوم في أول الثمانينات أبان حكم تاتشر في بريطانيا وريغان في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان كلاهما محافظين مؤمنين بالنظام الرأسمالي بشكل مطلق، ومعارضين لأي تدخل حكومي في الاقتصاد، ومدافعين بشدة عن القطاع الخاص الحر الذي لا يخضع لقوانين مركزية ولا توجيه من قبل الدولة التي يجب أن تحصر نشاطها في الحفاظ على الآمنين الداخلي والخارجي وإقامة نظام قضائي عادل وتأمين حرية الأفراد والمشاريع في النشاط الاقتصادي في ظل قدسية العقود والملكية الخاصة والمنافسة الحرة الكاملة.

وتعني (التخاصية) نقل ملكية و/أو إدارة المشروع العام من الدولة إلى القطاع الخاص، وذلك برأي المدافعين عنها لارتباطها بعوامل الكفاءة التي لا يمكن تحقيقها إلا إذا تمتعت الإدارة بقدر معقول من الاستقلال عن سيطرة الدولة([1]).

وكانت المشاريع العامة الحكومية التي تملكها وتديرها الدولة قد انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، بشكل واسع وسريع بمباركة أصلاً من البنك الدولي ذاته، ونمت حجوماً وأعداداً في الأقطار النامية على وجه الخصوص، وحتى في بعض الأقطار الأوروبية المتقدمة كبريطانيا وفرنسا اللتين حكمتهما يومذاك حكومات اشتراكية كانت تؤمن بدور حكومي واسع في النشاط الاقتصادي في جوانبه المختلفة.

فبالإضافة إلى وجود الدولة البارز المهيمن في المرافق العامة، كالكهرباء والماء والغاز والنقل والاتصالات، فإن هذه المشاريع العامة قد نشطت كذلك في قطاعات اقتصادية أساسية مثل: الصناعات الكبيرة والإنشاءات والتمويل والمصارف والخدمات، وفي قطاع الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والماء والزراعة. وقد كانت هيمنة الدولة غالبة في حالات معينة، كما في حقل المصادر الطبيعية والصناعة التحويلية. وبصورة عامة، لعبت مشاريع الدولة دوراً رئيسياً في اقتصادات البلدان النامية، خاصة من حيث حجم الاستثمارات العامة وفي تكوين رأس المال.

المبحث الأول
مشاكل القطاع العام وكيفية مواجهتها:
التخاصية ومتطلباتها

لقد أخذ على المشاريع العامة استيعابها لمقادير كبيرة ومهمة من الموارد، وتحميلها الحكومة عبئاً مالياً كبيراً، واستحواذها على جزء مهم من الائتمان المحلي، خاصة في الأقطار الصغيرة، مما سبب ضغطاً كبيراً على الموارد المالية الحكومية وعلى الائتمان المحلي والأجنبي. هذا مقابل إنتاجية منخفضة وعدم كفاءة إنتاجية بسبب متابعتها لأهداف تجارية واجتماعية في الوقت ذاته،فأخذت توفر سلعـاً بأسعار تقل عن الكلفة، وتقوم بتوفير عمالة لتحقيق استخدام أكبر، مما أثر على ربحيتها وكفاءتها.



وقد قاد ذلك كله إلى مركزية بالغة في صنع القرار لديها، مما حدّ من مرونة مديريها في عملياتها اليومية وقد أدى ذلك إلى خلق بيروقراطية إدارية مبالغ فيها، وإلى ما يقرب من انعدام مساءلة إدارة المشاريع وصناع القرار فيها عن حقيقة أدائهم. ولم يكن هناك إلا القليل من الحوافز التي يمكن أن يتم توفيرها من أجل تحسين صنع القرار. ونظراً لتوفير رأس المال لها بأسعار فائدة مدعومة فقد ترتب على ذلك استعمال كثيف وغير ضروري لرأس المال([2]) بحيث لم تخضع سياساتها الاستثمارية عموماً لمعايير الجدوى الاقتصادية، وإنما في الغالب، لاعتبارات إدارية وسياسية واجتماعية. وقد أدت الربحية المالية المنخفضة إلى انعدام قدرة هذه المشاريع على تمويل نشاطاتها ذاتياً، وبالتالي إلى الاعتماد على التمويل الحكومي لها، مما ساهم في خلق عجوزات مالية حكومية كبيرة، كما قاد إلى عجز المشروعات عن تجديد هياكلها الإنتاجية أو توسيعها. ([3])



وخلاصة ذلك أن الأداء المالي الفقير للمشاريع الحكومية، وربحيتها المتدنية، والخسائر التي تعرضت لها، كل ذلك جعل هذه المشاريع تشكل عبئاً مالياً ثقيلاً على حكوماتها، وهدراً واسعاً للموارد الاقتصادية لبلدانها، وكلفة اقتصادية، وربما اجتماعية وسياسية، ثقيلة ليس من الممكن تجاهلها. فكيف يمكن تلافي هذه السلبيات؟ وما هو الحل لمشكلة المشاريع الحكومية العامة؟

تم اقتراح حلين بديلين هما([4]):

الأول: إعادة تنظيم القطاع العام، حيث يكون الاتجاه نحو لا مركزية صنع القرار بهدف السماح بمرونة أكبر وتوفير حافز أفضل للمديرين، مما قد يزيد من كفاءة الإنتاج. فتوفير رأس المال بسعر فائدة سوقي قد يزيل الانحياز نحو كثافة رأسمالية أكبر. وهو ما فعلته الصين عام 1984 عندما منحت المشاريع الحكومية استقلالية أوسع وزادت من درجة المنافسة بينها. هنا ستبقى المشاريع العامة تلعب دوراً رئيساً ومهماً في التنمية الاقتصادية ما دامت الإرادة السياسية مهتمة بتقليل إساءة استعمال السلطة وبتصحيح التشوهات السعرية والسوقية غير الضرورية.

أما البديل الثاني: فقد كان (التخاصية) أي التحول نحو القطاع الخاص، وهو حل يلامس الفرضية الكلاسيكية المحدثة من أن الملكية الخاصة تجلب معها كفاءة أكبر ونمواً اقتصادياً أسرع، وأن عوامل الكفاءة لا يمكن تحقيقها إلا إذا تمتعت الإدارة بقدر معقول من الاستقلال عن سيطرة الدولة، وهو ما تمت الإشارة إليه سابقاً.

وللتخاصية محتوى رباعي([5]) يتكون من:

1. تخاصية التمويل، أي استخدام الأموال الخاصة لتمويل المشروع العام.

2. تخاصية الإنتاج، بما في ذلك العمل بموجب عقود، بدلاً من الاستخدام المباشر للعمل كما في المشروعات الحكومية.

3. إلغاء الملكية العامة للمشروع العام وبيعه للقطاع الخاص.

4. تحرير النشاط الاقتصادي، بمعنى التخفيف من، أو حتى إلغاء القيود القانونية فيما يتعلق بالمنافسة والأسعار.



وبصفة عامة، تشير التخاصية إلى مجموعة من السياسات الاقتصادية المتكاملة التي تقوم على آليات السوق في القطاع الخاص والمنافسة، وبالتالي فإن فحوى هذا المفهوم لا ينحصر في مجرد بيع وتحويل ملكية مؤسسات عامة إلى القطاع الخاص فحسب، إنما له مضمون أوسع يتمثل بالشروط الأساسية لعملية التخاصية ذاتها والتي يمكن إجمالها فيما يلي[6])



1- إخضاع المشاريع التي يتم تحويلها إلى القطاع الخاص لأقصى درجة ممكنة من المنافسة ومنعها من العمل في ظل حالات الاحتكار أو المنافسة المحدودة.

2- التزام الحكومة بدعم القطاع الخاص من خلال توفير الأطر القانونية والاقتصادية والسياسية المناسبة وتوفير الترتيبات المؤسسية التي تمنع الاحتكار وتشجع المنافسة.

3- منح القطاع الخاص حرية الدخول إلى، والخروج من ،النشاطات الإنتاجية المختلفة ووضع الأسس القانونية التي يتطلبها ذلك بهدف تأمين المنافسة المطلوبة، وتخفيف، بل محاولة إزالة، القيود البيروقراطية المفروضة على النشاط الخاص.

4- إجبار النشاط الخاص على الإفصاح الكامل عن عملياته وسياساته السعرية والاستثمارية وعن طبيعة ومدى أرباحه أو خسائره لتبصير المستثمرين بنتائج عملياته الإنتاجية وبيان مدى كفاءة أدائه.

5- تشجيع إقامة مؤسسات متخصصة في تقويم المشاريع من النواحي الإنتاجية والمالية والربحية.

6- نشر المعلومات اللازمة لتبصير المستهلكين بالإنتاج نوعاً وكماً، وترشيداً لهم وحماية من الغش والتدليس.

المبحث الثاني:

الجانب المالي والمحاسبي للتخاصية[7])
ودور المدقق الخارجي فيها

إن كثيراً من المشاريع المرشحة للتخاصية قد تكون محملة بمشاكل مالية أو محاسبية أو إنتاجية عديدة، مثل كثرة ديونها، وعدم توازن هيكل موجوداتها مقارنة بهيكل مطلوباتها، ومشاكل محاسبية متمثلة بالتقييم الخاطئ لمخزونها السلعي، وقد تكون القيم الدفترية لموجوداتها، في ظل الأنظمة المحاسبية التي تعمل بموجبها، لا تمثل بالضرورة قيمتها الحقيقية، مما يستوجب إعادة تقييمها بهدف تحديد الأسعار التي ستطرح تلك المشاريع للبيع بموجبها، اعتماداً على قيمتها الدفترية المعدلة، أو القيمة السوقية أو الاستبدالية أو الحالية وذلك بهدف تحديد القيمة الحقيقية لموجوداتها، مع ضرورة الاستعانة بمكاتب الخبرة التي تملك معرفة جيدة في المسائل المتعلقة بتقييم الأصول.

وتنشأ معظم المشاكل المحاسبية المصاحبة لعملية التخصيص عن قضايا التقييم وضرورة توفير بيانات كافية ومفيدة حول المشروع المراد تحويله. ومع أن المشاكل المحاسبية كثيرة ومتعددة ومتنوعة إلا إن أصعبها يتعلق باحتساب القيمة التجارية للمشروع. وهناك أساليب عديدة تستخدم في عملية التقييم، وتساعد دراستها الحكومات على الوصول إلى القيمة الحقيقية والعادلة التي يمكن التفاوض عليها مع المستثمرين المحتملين. ويقتضي ذلك الحصول على تقارير مالية عامة ومفصلة عن المشروع تبين بعدالة ووضوح موارد المشروع أو المطالبات المتعلقة بتلك الموارد، والتغيرات الحاصلة فيها.

والهدف الأساسي للمحاسبة في عملية التخصيص هو توفير معلومات مفيدة، ليس لصاحب القرار فقط، وإنما للمستثمر المستقبلي كذلك والذي يحتاج إلى معلومات محاسبية موثوقة، ومتفقة مع المعايير المحاسبية الدولية، تساعد في اتخاذ القرارات ذات الصلة بالاستثمار والقروض وتوقيت التدفقات النقدية. كما أن تلك المعلومات تفيد المقيمين من الخبراء والمستثمرين من أصحاب البنوك وتقدم خدمة كبيرة في تقدير مدى المنفعة التي ستتحقق للمصلحة العامة من خلال عملية التخصيص.

إن دراسة المشاكل المحاسبية التي تواجهها عملية التخصيص وكيفية معالجتها، ستكون واحدة من المهام الأساسية التي سيجري بحثها في الدراسة الحالية

ومن الناحية الأخرى، هناك الجانب المالي لعملية التخصيص يتمثل بضرورة تطوير البنى المالية الارتكازية للاقتصاد الوطني، بما في ذلك الأسواق المالية والنقدية والأجهزة المصرفية لكونها قنوات أساسية في توفير المعلومات الضرورية الخاصة بالمشروعات المحولة ولأنها تلعب دوراً رئيساً في تمويل عمليات التحول نحو التخصيصية ودعم الأسواق وتوفير السيولة والقروض اللازمة لها.



هنا يأتي التساؤل عن:

أهمية المدقق الخارجي ودوره في التخاصية([8]):

جاء في بيان معايير التدقيق رقم (1) الصادر عن مجمع المحاسبين القانونيين الأمريكي أن الهدف من عملية الفحص العادية للقوائم المالية بواسطة مدقق خارجي مستقل هو إبداء الرأي في عدالة إظهارها للمركز المالي ونتائج الأعمال، والتغيرات في المركز المالي طبقاً لمبادئ المحاسبة المتعارف عليها وتنبع أهمية المدقق الخارجي المستقل من تزويده لمتخذي القرارات الاقتصادية بمعلومات تعكس قدرة المشروعات وأداءها مما يساعدهم في تقويم البدائل المختلفة والعائد المتوقع والتكاليف والمخاطر.ويقوم المدقق الخارجي عادة بفحص القوائم المالية مما يزيد من ثقة المسئولين بالمعلومات التي يوردونها وبالتقييم الذي يتوصلون إليه بالنسبة للمشروع الذي يخضع للتدقيق. ومن خلال ذلك يمكن لأطراف خارجية، كالمساهمين والدائنين والحكومة والأطراف الأخرى المعنية أن تعتمد على الأحكام التي يصدرها المدقق الخارجي بشأن القيمة الحقيقية للمشروع الخاضع للخصخصة وتكون المعلومات التي يقدمها المدقق المذكور لمتخذي القرارات من مستثمرين وغيرهم موثوقة ويمكن الاعتماد عليها ومتفقة مع قواعد المحاسبة الدولية وكذلك مع طرق التقييم المتعارف عليها، وما يضفي على المدقق الخارجي من الثقة به والاعتماد على أحكامه الموضوعية ينبع من حيادتيه واستقلاله وموضوعيته والتضلع في اختصاصه مراجعة وتدقيقاً ومحاسبة. إن الأسلوب الأمثل لعمليات التقييم المالي للشركات المراد بيعها هو الأسلوب الذي يقصد به تقدير القيمة الحقيقية أو العادلة لأصول هذه الشركات، وكذلك تقدير قيمة الورقة المالية التي ستطرح للاكتتاب وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للقطاع الخاص والمكتتبين في تلك الأسهم وهنا يلعب المحاسب والمراجع دوراً أساسياً في ترجمة حقيقية لهذا التقييم بخبرته وعلمه معتمداً على الأسس المحاسبية ذات العلاقة.





([1]) أنظر مثلاً:

A. Walters, “Liberalization And Privatization”, in: S, EL-Naggar, (ed.) Privatization and Structural Adjustment in the Arab Countries, (Washington , D.C.,: IMF; 1989)

([2]) Todaro, M. p., Economic Development, 5th ed. (London: Longman, 1994).p.621.

([3]) أنظر تفصيلاً شاملاً لذلك في: عبد المنعم السيد علي، "القطاع العام والتحول نحو القطاع الخاص"، مجلة دراسات عربية، السنة 26، العدد 7، (أيار/ مايو 1990)، ص29-47.

([4]) المصدر نفسه، ص38-39، و Todaro, Op.c,.t.., p. 622

([5]) Y. Haile. Meriam and B. Mengisto, “Public Enterprises and the Privatization Thesis

in the Third World” , Third World Quarterly, (Oct. 1988) P.1578.

([6]) السيد علي، مصدر سبق ذكره، ص32، أنظر كذلك:

أحمد شوقي، "أثر الخصخصة على الافصاح المحاسبي في القوائم المالية"، بحث ألقي في مؤتمر دور المحاسبة والمراجعة في مرحلة الخصخصة"،(القاهرة: المعهد العربي للمحاسبين والمراجعين، 1996),

([7])أنظر:

يوسف حجازين، "التخاصية وتقييم أصول المشروعات العامة" مجلة المدقق، العدد 28، (أيار 1996)، ص3-5.

نعيم خوري، "التخاصية" أبعادها وجوانبها ومشاكلها المحاسبية: التخاصية في الاردن"، مجلة المدقق، المصدر نفسه، ص6-11.

أنظر كذلك:

خالد أمين عبدالله، "التخاصية: الاطر القانونية والمحاسبية والمؤسسية"، بحث غير منشور- محاضرة في جامعة آل البيت، المفرق، الاردن بتاريخ 3/3/1998.

([8])مصطفى عيسى خضير، المراجعة: المفاهيم المعايير والإجراءات، (الرياض: جامعة الملك سعود، عمادة شؤون المكتبات،1996)، ص9-11.
تعديل / حذف المشاركة





المبحث الثالث
بعض تجارب من التخاصية العربية والأوروبية
ذهب أحد الكتاّب العرب إلى أن الخصخصة في العالم العربي "لم تنبع من عمليات تقييم تجريبي لأداء القطاع العام، ولم تكن ناتجة عن ضغوط من قبل رجال الأعمال المحليين، ولكنها مثلت بالأحرى سياسة عامة، قامت رداً على الأزمة المالية للدولة أو تحت ضغط المؤسسات المالية العالمية"( )، وأن الخصخصة في البلاد العربية "مازالت أساساً سياسة عامة تزاول من قبل الدولة بتردد وحذر لأسبابها الخاصة، وأنها لم تصبح بعد عملية داينميكية، المبادرة فيها من قبل القطاع الخاص نفسه( )، وإذا كان القطاع الخاص مستفيداً، فذلك ليس بسبب أن له مبادرة، أو حافزاً، وليس لأن الطبقة الحاكمة قد قررت بإخلاص أن تسلم له الاقتصاد، ولكنه بسبب أن الدولة أصبحت غير قادرة على الاستمرار في سياساتها للصالح العام والدولاتية في نفس الوقت مع معطيات "أزمتها المالية المزمنة"( ) أي أنها وسيلة استعملتها الدولة العربية للتغلب على أزمتها المالية. وقد دفعها إلى ذلك المؤسسات المالية الدولية وبرامج التصحيح الهيكلي التي نادت بها.
وسيتضح ذلك من خلال استعراض بعض التجارب الغربيه و العربية في هذا
الخصوص فيما يلي:





أولا: التجربة البريطانية في مجال تقييم الأصول الخاصة بالمشاريع المحولة وأساليب التحويل المتبعة:

تعتبر بريطانيا الرائدة الأولى في مجال التخاصية، وقد اعتمدت(2) أسلوب التحويل عن طريق بيع الأسهم في الأسواق المالية، لذلك كان على الحكومة إصدار تشريعات قانونية تساعد على تحويل تلك المشاريع إلى شركات مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة لكي تتمكن بعد ذلك من تقييم وتحويل موجوداتها، وبالتالي العمل على طرح أسهمها في الأسواق المالية، وقد كان الإجراء الأول الذي قامت به الحكومة في هذا السياق هو دراسة جدوى تلك المشاريع المحولة ووضع تلك الدراسات بيد الوزير المختص ليتسنى له اتخاذ قرار بشأن الأسلوب أو الطريقة التي يحول بها المشروع، لذا تمت هذه العملية على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: اختصت بالعمل على إعداد المشروع لتحويله للقطاع الخاص.
أما المرحلة الثانية: فاختصت بتقويم تلك المشاريع من حيث وضعها المالي.
أما المرحلة الأخيرة: فقد اختصـت بعرض أسهم تلك المشاريع في الأسواق المالية.
تتميز التجربة البريطانية في الخصخصة بإشهار ما يعرف بالسهم الذهبي، الذي يمنح سهم الحكومة البريطانية بعضا من الحقوق المحدودة عندما يكون المشروع المحول ذا أهمية استراتيجية بالنسبة للبلد، وقد كانت بداية التجربة الأولى في عام 1981 ولكن كان هناك تخوف حاد من قبل الخبراء البريطانيين والحكومة البريطانية من عزوف المستثمرين من شراء أسهم المشاريع المحولة وذلك بسبب عامل التهديد المتواصل من قبل حزب العمال بالقيام بتأميم ما سوف تخصخصه الحكومة.

وقد بدأت عملية بيع الأسهم بالتدريج حين قامت الحكومة بطرح أسهم المشاريع المحولة جزئيا، على أن النقطة المهمة التي تسترعي الانتباه هنا هي أن الحكومة لم تطالب المستثمرين بدفع قيمة السهم بالكامل، وهذا ما حصل في حالة شركة (British Eurospace) وشركة (Cable & Wireless) وشركة (British Telcom)(1). ولكن من المهم أولا بيان أن التجربة البريطانية لم تعتمد أسلوبا واحدا فقط في عملية تقييم المشاريع المحولة بل اعتمدت أساليب أخرى منها:

1) أسلوب المزاد(2):
وهو أسلوب يقوم على أساس طرح أسهم المشروع المحول ومن ثم دعوة المستثمرين المحتملين للقيام بتقديم عطاءاتهم المتضمنة الكميات المراد شراؤها من أسهم تلك المشاريع المحولة وسعر الشراء الذي يعرضونه لهذا الغرض، مما يمكن معه تحديد السعر الحقيقي الذي يدفع لشراء أسهم تلك المشاريع، حيث يمكن من خلال ذلك تقييم تلك المشاريع.

2) الإصدار المحدد للسعر:
هذا الأسلوب عكس الأسلوب الأول المشار إليه سابقا حيث تعمل الحكومة هنا علـى القيام بتحديد سعر السهم قبل طرحه للاكتتاب من قبل المستثمرين، مما يدل على وجود عملية تقييم مسبقة للمشروع المطروح للبيع، قد يتم اللجوء هنا إلى مكاتب خبرة للقيام بهذه العملية. ويمتاز هذا الأسلوب بدخول صغار المستثمرين سواء العاملين في نفس المشروع المحول أو من المستثمرين المحليين، ولكن يؤخذ على هذا الأسلوب أن عملية التقييم تخضع إلى تقييم أو اجتهادات بيوت الخبرة في تقدير سعر السهم، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تحديد سعر منخفض للمشروع المحول وذلك لرغبة الدولة في إنجاح عملية التحويل واكتتاب المستثمرين في جميع الأسهم المطروحة للاكتتاب العام والخاصة بالمشاريع المحولة.
3) الجمع بين السعر المحدد والمزاد:
اعتمدت الحكومة البريطانية أسلوبا جديدا في التقييم يعتمد على الخطوات التالية وهي:
1. يتم طرح جزء صغير من الأسهم بشكل حصص على العاملين في نفس المشروع المحول وصغار المستثمرين المحليين.

2. يتم بعد ذلك طرح الأسهم المتبقية في مزاد علني كبير يتسنى فيه لكبار المستثمرين الحصول على فرصة للاكتتاب علما أن الحكومة لا تفرض قيودا محددة على كمية تلك الأسهم باستثناء بعض القيود على الملكية الأجنبية، ويؤخذ على هذا الأسلوب إمكانية قيام صغار المستثمرين ببيع الأسهم فورا للحصول على ربح سريع، وقد عالجت الحكومة ذلك بأن قامت بمنح المالك الأصلي بعد خمس سنوات أسهما مجانية مكافأة عرفت بمكافأة الولاء، أما بالنسبة للخطوة الثانية فكانت الميزة الأساسية فيها هي أنه نتيجة لاكتتاب كبار المستثمرين فقد زاد سعر السهم في المزاد عن السعر الذي دفعه صغار المستثمرين، مما زاد إلى حد كبير من حصيلة بيع الأسهم إلى الجمهور.

ثانيا: التجربة الفرنسية في تقويم المشاريع المحولة والأساليب المعتمدة فيها:
في مجال تقييم المشاريع المحولة اعتمدت فرنسا بداية على القانون رقم 912 لسنة 1986 في تقييم المشاريع المحولة إلى القطاع الخاص، وقد نص القانون على ضرورة أن تمر عملية التقويم بثلاثة مراحل أساسية وذلك بهدف الوصول إلى تحديد سعر البيع النهائي للمشروع المحول، وذلك كما يلي(1):
‌أ. المرحلة التحضيرية:
هنا يبرز دور الأجهزة المستقلة في تقييم المشاريع المحولة والتي يطلق عليها ببيوت الخبرة، وقد كان القصد من ذلك اللجوء في عملية التقويم إلى جهة خارجية مستقلة متمثلة بمدقق حسابات خارجي مستقل، وقد مثلت هذه المرحلة الخطوة الأولى نحو تدقيق حسابات المشروع المزمع تحويله ومركزه المالي بهدف الوصول إلى قناعة تامة عن سلامة المركز المالي له، ولكن عملية اختيار هذه المكاتب خضعت إلى ما يعرف بالمناقصة العامة بعد ذلك فقد تولت البنوك الاستشارية العمل على تجميع معلومات عامة عن تلك المشاريع من حيث وضعها المالي والاقتصادي والتسويقي والفني، والعمل بعد ذلك على تحليل المعلومـات بشكل مدروس لمعرفة نواحي الضعف والقوة فيها، وبعد ذلك تعمـل البنوك على إعداد ملف شامل يتضمن كافة المعلومات والدراسات اللازمة التي أجـريت لتقييم تلك المشـاريع، وفـي مرحلة نهائية تقوم البنوك بتقديم تقرير يتضمن الطريقـة المناسبة للبيع حسب ما توفر لها من مؤشرات مالية واقتصادية وتسويقية.
‌ب. مرحلة إجراء التقييم:
نص القانون الفرنسي على ضرورة أن تكون هناك لجنة مختصة قانونا في أمور وإجراءات التقييم مكونة من سبعة أعضاء، وتقوم اللجنة بتقييم رأي وزير الاقتصاد الفرنسي بما يعني أن الأخير لا يجوز له تحديد سعر بيع المشروع المحول بأقل من سعر اللجنة. والغاية المتوخاة من ذلك هي تحجيم سلطة الوزير في إجراء عملية التقييم أو تحديد السعر، ويجب على اللجنة اعتماد قواعد معينة محددة قانونا في عملية تقويم المشروع أولهما ضرورة توفر العلانية في قرارات اللجنة بهدف إظهار سلامة كافة إجراءات التقييم، وثانيهما حيادية اللجنة واستقلاليتها بهدف تحقيق موضوعيتها وحمايتها من التبعية للوزير أو السلطة الحكومية، ويجب على اللجنة العمل على تحديد جميع الضوابط الخاصة بإجراءات التقييم وذلك بمراعاة قيمة رأس المال الخاص بالمشروع المحول ووضعية الأسهم في الأسواق المالية والأرباح التي حققها المشروع طوال فترة عمله قبل التخصيص وقيمة الأصول التي يمتلكها وما هو المتوقع أن يجنيه نتيجة هذا التحول.
‌ج. المرحلة الأخيرة: (مرحلة تحديد سعر البيع):
هنا يعتمد وزير الاقتصاد وبناء على التقرير الذي يرفع إليه من اللجنة المختصة، تحديد سعر البيع النهائي للمشروع المحول وكذلك تحديد سعر الأسهم التي سوف تطرح في الأسواق للاكتتاب العام، مع الانتباه إلى ضرورة تحديد أسعار مخفضة بالنسبة للعاملين في المشروع فيما لو قاموا بشراء أو تملك جزء من أسهمها(1).

وعلى الرغم من أن المصارف الاستثمارية ومكاتب مراجعة الحسابات تعمل كفريق واحد متعاون إلا أنهم يضطلعون بمهمات وواجبات تختلف عن بعضها البعض، فتقوم مكاتب مراجعة الحسابات بتدقيق الميزانيات العمومية وبيان الأرباح والخسائر والتأكد من تطبيق المشاريع للمبادئ المحاسبية المعتمدة في إعداد البيانات المالية وبيان أي زيادة أو نقصان في موجودات تلك المشاريع جراء عملية التقييم لها، ويعملون أيضا على الاتصال بمراجعي الحسابات الداخليين التابعين للمشروع نفسه وذلك من أجل معرفة أمور قد تحتاج إلى توضيح خاص وذلك بهدف تقييم تلك المشاريع بشكل دقيق ومنضبط، ولكي تتأكد الحكومة الفرنسية من استقلالية مكاتب مراجعي الحسابات يجب عليها أن تتيقن من أن تلك المكاتب لا ترتبط بأي علاقة خاصة بينها وبين المشروع المحول قبل عملية التحويل، بمعنى أنه يجب أن لا تكون تلك المكاتب قد قامت بتدقيق حسابات تلك المشاريع في السابق (قبل عملية التحويل)، وللتأكد من دقة التقييم فقد عمدت الحكومة الفرنسية إلى اختيار شركتين لمراجعة حسابات كل مشروع محول أحدهما مكتب تدقيق محلي والآخر مكتب تدقيق دولي. وبعد الانتهاء من تقييم تلك المشاريع من قبل مكاتب مراجعة الحسابات تأتي مهمة المصارف الاستثمارية التي تقوم بإعداد تقييم أولي للشركة مستفيدة من تقييم مكاتب مراجعي الحسابات ومستعينة بالمبادئ العامة المحددة في قانون التخاصية حيث تشمل تلك المبادئ الاستعانة بالطرق المحاسبية الموضوعية والممارسة حاليا في مثل هذا النوع من عمليات التحويل، مع الأخذ بنظر الاعتبار القيمة السوقية لأسهم للمشاريع المحولة، والاستفادة من عملية التقييم في حالة وجود مشاريع محولة مماثلة ومقارنة المشروع المحول معها من حيث الموجودات الصافية وربحيتها، ونتيجة لقيام هذه الجهات المتعددة بعملية التقويم، فستكون هناك أقيام عديدة للمشروع المحول، وهذا ما حصل فعلا خلال عام 1987 لشركة Paribas حيث تم التوصل إلى سبعة تقييمات مختلفة لها وعلى النحو التالي(1)


أسس التقييم المبلغ (بليون فرنك)
سعر شهادات إعادة الشراء أثناء الفصل الأخير من عام 1986 21.5
أرباح السهم المدفوعة 19.4
الموجودات الصافية المعاد تقييمها 19.6
نسبة السعر/ العائدات 17.9
المشاركة المباشرة 17.7
نسبة السعر/ صافي الموجودات 17.6
تقييم السهم بسعر 430 فرنك 20.5

وقد أدت هذه الاختلافات إلى بروز مشكلة كبيرة واجهت لجنة التخاصية التي قدمت فيما بعد توصيات بقيمة الشركة إلى الوزارة.
بعد الانتهاء من تقييم مكاتب مراجعة الحسابات والمصارف الاستثمارية يرفع تقرير مراجعة الحسابات إلى خمسة جهات حكومية مختلفة منها وزراء المالية والاقتصاد والتخاصية، ولجنة التخاصية ولجنة البورصة فيما يرفع تقرير المصارف الاستثماريـة إلى الوزير وإلى لجنـة التخاصية التي قد تكون تلقت بالفعل تقريرا مؤقتا قبل ذلك (تقرير مراجع الحسابات)، ولجنة التخاصية هي لجنة أنشأت لغرض التأكد من موضوعية عملية التقييم والفصل بين الوزير والمستثمرين لأغراض التفاوض.

وفي الرجوع إلى حالة التقييم لشركة Paribas والتي تراوحت أقيامها بين 21.5- 17.6 بليون فرنك كانت توصية لجنة التخاصية الأخذ بقيمة 17.5 بليون فرنك كحد أدنى، ولم يفصح وزير الاقتصاد لماذا تم الأخذ بهذا الرقم وهو أقل من التقييمات الأخرى، ولكن اتضـح فيمـا بعد أن الهدف من ذلك هو أن التسعير بسعر منخفض شكل استراتيجية رئيسية لتقديم معيار إضافي لاكتساب ثـقة الجمهور في عدالة العرض، وهو مـا عـرف (بالأثر التشجيعي) الناجم عن ارتفاع قيمة السهم في السوق عن السعر المحدد له.
من ذلك يتضح أن دور مدقق الحسابات كان محوريا في المرحلة الأولى وهي مرحلة التحضير حيث اقتصر دوره على تدقيق حسابات المشاريع المحولة وتقييم موجوداتها فقط ومن ثم الاستفادة من تقريره فيما بعد لتقييم تلك المشاريع المحولة، ويعني ذلك أن دوره محصور في مرحلة ما قبل التحويل دون أن يكون له أثر واضح خلال التحويل أو ما بعد التحويل.

أساليب التحويل المعتمدة في فرنسا:
عملت فرنسا على الاعتماد على أساليب التحويل التالية:
1. الاكتتاب العام عن طريق البيع:
يتميز البيع بسعر ثابت بالبساطة في إجراءات البيع والوضوح والمرونة فوزراء الاقتصاد والمالية والتخصيص يعملون على تحديد سعر السهم الخاص للمشاريع المحولة بناء على توصيات لجنة التخاصية، ويعلنون بعد ذلك السعر على المستثمرين، ولكن لا يعلن لهم عن كيفية التوصل إلى سعر هذا السهم، وتتم عملية الاكتتاب عن طريق غرفة سماسرة الأوراق المالية وهي هيئة محايدة مركزية. وقد استخدم هذا الأسلوب في عام 1986-1988. وتعلن الدولة عن شروط بيع المشاريع المزمع تحويلها عن طريق الصحف الرسمية التابعة لغرفة سماسرة الأوراق المالية، ثم تعمل الغرفة إلى نشر هذا الإعلان على نطاق واسع بواسطة الصحف والوسطاء الماليين، وتستغرق مدة طرح الأسهم أسبوعين ومن ثم يتم تقديم العروض الخاصة إلى بيوت المال التي تقوم بدورها بتقديم العروض لغرفة السماسرة، وتتيح مركزية الطلبات إمكانية تحديد عدد الأسهم المكتتب بها بدقة، وبعد إقفال عملية الاكتتاب تقوم غرفة السماسرة بعرض ونشر نتائج الاكتتاب، ولكن إذا كان هناك زيادات في الاكتتاب تعمل الغرفة على تخصيص الأسهم على الطلبات الزائدة لذلك تعمل الدولة في هذه الحالة على تعديل شروط توزيع الأسهم على المكتتبين، مثل اتباع طريقة السحب عن طريق القرعة أو تخفيض القيمة الاسمية للأسهم بهدف زيادة عدد الأسهم المعروضة.
2. الاكتتاب العام عن طريق المبادلة:
يسمح هنا للمكتتبين بأن يقوموا بتبادل ما يمتلكون من شهادات الاستثمار وأسهم المشاركة بأسهم المشاريع المحولة للقطاع الخاص.
3. زيادة رأس المال:
هذا الأسلوب يسمح للمشروع المحول أن يزيد من رأس المال الخاص به عندما تكون الدولة أيضا من حملة الأسهم دون أن يسمح للدولة في الاكتتاب بالأسهم الجديدة الناتجة عن زيادة رأس المال.
4. البيع بعقد خاص عن طريق المزايدة:
يتلخص هذا الأسلوب بأن يقوم المشروع المحول ببيع أسهمه بسعر ثابت يتم عرضه من قبل المشتري ويجوز أن تنتقل الأسهم جزئيا أو كليا. وتم استخدام النقل الجزئي في كثير من الحالات، وتهتم الدولة في حالة النقل الجزئي بضمان استقرار ذلك الجزء من هيئة حملة الأسهم، وفي حالة النقل الكلي يكون لاختيار المشتري تأثير شديد على إمكانية نجاح الشركة، لذلك تراعي الدولة في هذا الصدد القدرة المهنية والمالية للمشتري.
5. الشراء من قبل الموظفين:
بسبب ما حققته عمليات الشراء عن طريق الأموال المقترضة من قبل الإدارة من نجاح في الولايات المتحدة الأمريكية اهتمت فرنسا ببيع الأسهم للموظفين عن طريق اعتماد المراحل الثلاثة التالية:
المرحلة الأولى: إنشاء شركة قابضة مع تخصيص 50% على الأقل من حقوق التصويت للموظفين المهتمين بشراء الأسهم والباقي من رأس المال تسدده عادة المصارف أو مجموعات التمويل الأخرى.
المرحلة الثانية: تقوم الشركة القابضة بإعادة بيع الشركة للموظفين مع العمل على الاحتفاظ بنسبة 50% على الأقل من حقوق التصويت وهي في العادة تمول من القروض التي تتعهد الشركة بسدادها وتضمنها المصارف.
المرحلة الثالثة: تحصل الشركة القابضة من الشركة على أرباح الأسهم التي استخدمتها الشركة لسداد القروض.
ثالثا: تجربة مصر في تقييم أصول المشاريع المحولة وطرق وأساليب التحويل المتبعة(1)
عملت مصر على استخدام كافة الطرق الفنية في تقييم أصول المشروعات المحولة للقطاع الخاص وصولا إلى إيجاد تقديرات عديدة لقيم هذه الأصول لمعرفة أيهما أقرب إلى القيمة الحقيقية لها.
اتبعت مصر خمس طرق تقييم هي:
1) القيمة الدفترية.
2) القيمة الدفترية المعدلة.
3) القيمة الاستبدالية.
4) القيمة الحالية لصافي التدفقات النقدية في المستقبل.
5) التقييم باستخدام أسلوب القيمة المتدفقة لتوزيعات الأسهم.

اشترطت الحكومة المصرية عند القيام بتقييم أصول المشاريع المحولة استخدام هذه الطرق الخمسة معا ولتحقيق الشفافية والعلنية عملت الحكومة على القيام بإعلان أهم الشروط والمواصفات وأهم البنود (التي اشترطتها) على كافة بيوت الخبرة سواء أكانت محلية أو أجنبية التي تكون مسجلة في قائمة المؤهلين للقيام بعملية التقييم، مع ضرورة قيامها بتقييم كل مشروع محول بالطرق الخمسة السالفة الذكر وأن تخضع عملية التقييم الخاصة ببيوت الخبرة الأجنبية والمحلية في نهاية المرحلة لتقييم لجان خاصة يطلق عليها لجان التقييم، حيث يتم وضع هذه التقديرات تحت تصرفها لمراجعتها، علما بأن هذه اللجان تضم خبرات متعددة قانونية ومالية وفنية، وبعد ذلك يتم نقل تقديرات وتقييمات هذه اللجان إلى مجالس إدارات الشركات والجمعيات العمومية بهدف مراجعة ما توصلت إليه هذه اللجان من تقييمات وذلك تمهيداً لعرضها على الجهاز المركزي للمحاسبات وذلك بسبب اعتباره الجهاز المسؤول في الدولة في الرقابة على المال العام والذي تلقى ملاحظاته اهتماماً كبيرا لدى الجهات العليا في الدولة. وكخطوة أخيرة يتم عرض نتائج التقييم على لجنة رفيعة المستوى وهي اللجنة الوزارية المشكلة برئاسة رئيس مجلس الوزراء والتي تضم 22 عضواً من بينهم 18 وزيراً من ذوي العلاقة وذلك تمهيداً للوصول إلى القرار النهائي لكل تقييم خاص لكل شركة من شركات القطاع العام بما في ذلك الشركات التي يتفق عليها من خلال بورصة تداول الأوراق المالية، وتبرز هنا لجنة أخرى مساعدة في التقييم وهي لجنة ثلاثية متخصصة تضم الشركات القابضة المعنية ووزارة قطاع الأعمال العام وبورصة الأوراق المالية. وتهدف هذه اللجنة إلى دراسة التقارب والموائمة بين السعر الخاص بالشركة وظروف السوق وأسلوب تفضيله وتسويقه بالنسبة للمستثمرين المهتمين، أن الغاية من مرور عملية التقييم هذه بسلسلة من اللجان هي التأكد من سلامة البيع ولمعرفة تناسب أساليب التقييم مع أغراض برنامج الخصخصة في البلد وخير مثال على ذلك أساليب التحويل التي جرى اعتمادها في مصر في قطاع الكهرباء حيث جرى اختيار استشاري يتولى دراسة خصخصة شركات الكهرباء وتقويمها فضلا عن تحديد السعر العادل للسهم في الأسواق المالية مع تقويم مدى قدرة وكفاءة الأسواق المالية واقتراح استراتيجية الطرح وإعداد مستندات الاكتتاب وقد تم اختيار اتحاد الشركات MERRILL CONSORTIUM لتقديم الخدمات الاستشارية الخاصة بهذه العملية وفعلا تم في المرحلة الأولى تقديم الدراسات الخاصة بتقويم الشركات (الكهرباء) وإيضاح الحلول المقترحة لتحسين وضعها المالي وتحديد القيمة العادلة لبيع السهم الواحد الخاصة بشركات الكهرباء(1)
وقد هدفت أساليب التحويل المتبعة في مصر(1) إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية يتجسد الهدف الأول منها في حث قطاع الأعمال العام على العمل في سوق تنافسية، أما الهدف الثاني فيتضمن جذب المستثمرين سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات بهدف المساهمة في التنمية الاقتصادية من خلال شراء أسهم الشركات المطروحة للبيع، أما الهدف الأخير فيتضمن التأكيد على ضرورة الاستفادة من القدرات والخبرات الإدارية والفنية لدى القطاع الخاص.
وقد اتبعت الحكومة المصرية عدة أساليب للتحويل منها:

1) طرح أسهم الشركات للبيع للجمهور من خلال بورصة الأوراق المالية.
ويعتبر هذا الأسلوب إلى حد ما مشابهاً للاكتتاب العام والذي يعرف بالطرح الأولي Initial Public Offering (IPO)، وقد استخدمت الحكومة المصرية هذا الأسلوب لتحويل معظم الشركات التي تقرر بيعها بشكل جزئي أو كلي حيث بلغت الشركات المباعة (51) شركة، وقد استخدم هذا الأسلوب في تحويل الشركات التي تحقق أرباحاً صافية تميزت بخاصية التوزيع بشكل مستمر خلال السنوات المالية الثلاثة الأخيرة. وتدل مؤشرات الأرباح المستقبلية على استقرار تلك الشركات أيضا. إن نسبة الشركات التي تم تحويلها عن طريق بيع أسهمها كلياً أو جزئياً من خلال بورصة الأوراق المالية يعتبر كبيراً نسبياً قياساً بنسبة إجمالي عدد الشركات المباعة خلال الفترة 1994-1998 حيث بلغ عدد الأسهم المتداولة لهذه الشركات في البورصة 325.7 مليون سهم أي بنسبة 43% من إجمالي كمية الأسهم قياساً بإجمالي الأسهم المتداولة خلال الفترة، وبلغت قيمة هذه الأسهم نحو 23 مليار جنيه أي ما نسبته 49% من إجمالي قيمة الأسهم المتداولة في بورصة الأوراق المالية.
2) البيع للعاملين في الشركات من خلال اتحاد العاملين المساهمين:
يستخدم هذا الأسلوب عادة بالنسبة للشركات التي لها طبيعة خاصة باعتمادها بشكل أساسي على عنصر العمل وكونها صغيرة الحجم.
وقد تم بيع 15 شركة للقطاع الخاص وفقاً لهذا الأسلوب، وتمتلك اتحادات العاملين المساهمين 95% من أسهم الشركات المباعة، وفي بعض الأحيان تم اللجوء إلى هذا الأسلوب بطلب خاص من اتحاد العاملين المساهمين أنفسهم.
3) البيع لمستثمر رئيسي:
هذا الأسلوب يعتمد على آلية معينة متمثلة بالتفاوض المباشر مع اللذين لديهم رغبة في شراء المشاريع أو الشركات التي تسودها الفوضى والتي تتميز أيضا بضعف الربحية، أو أنها تحقق خسائر ولكنها تمتلك مقومات إنتاجية عالية من حيث الأصول الإنتاجية المتطورة والتي فيها بارقة أمل باحتمالات النجاح إذا ما توفرت لها شروط إدارية جيدة، أو إعادة هيكلها الرأسمالي، أو تحتاج إلى سياسة معينة في تغيير نمط التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج، وبلغ عدد الشركات التي تم بيعها بهذا الأسلوب نحو (9) شركات بقيمة بيعية بلغت 1.5 مليار جنيه فضلاً عن وجود عدد معين من الشركات التي تم بيعها جزئياً لمستثمر رئيسي وذلك من خلال بورصة الأوراق المالية، بحيث يتملك المستثمر الرئيسي غالبية أسهم الشركة المحولة ويقوم جمهور المستثمرين بشراء الباقي من الأسهم.
4) التصفية القانونية للشركة وبيع مكوناتها منفصلة أو كأصول منتجة:
استخدم هذا الأسلوب بشكل خاص في الشركات التي تحقق خسائر كبيرة والتي يستحيل إصلاحها أو أنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة تفوق أو تعادل استثمارات إنشاء شركة جديدة، وقد تم بيع (21) شركة بهذا الأسلوب واتخذت إجراءات خاصة بخصوص العاملين في هذه الشركات المباعة حيث تم تعويضهم أو إعادة تدريبهم أو تحويلهم للعمل في شركات أخرى.
5) تأجير الوحدات والأصول:
الهدف من اتباع هذا الأسلوب هو تطوير وتحسين أداء الإدارة مع بقاء ملكية الأصول بيد الدولة. وهذه الطريقة اعتمدت بشكل خاص بالنسبة للشركات الخاسرة والتي يصعب بيعها بسبب خسائرها أو بسبب كبر القيمة البيعية المحددة بالنسبة للعائد المتوقع منها، أو بسبب تباعد الوحدات الاقتصادية التابعة لنفس الشركة مما يولد صعوبة في سيطرة الإدارة عليها ويجعل عملية الرقابة عسيرة ومكلفة.
تعتمد هذه الطريقة على نوعين من العقود هما عقد التأجير بمقابل لاستغلال الأصول، وعقود الإدارة ولكن مع بقاء ملكية الدولة، وتترك حرية الإدارة للقطاع الخاص مقابل أجر يحدد طبقاً للنتائج المتحصلة من أداء هذه الشركات حسب ما خطط لها.
6) نظام BOT في الخدمات والمرافق العامة Build-Operate and Transfer:
يعتبر هذا الأسلوب من حقوق الامتياز الخاص بتشغيل المرافق العامة حيث تتيح الحكومة للقطاع الخاص القيام ببناء المرافق العامة كالمطارات والطرق ومحطات توليد الطاقة والمياه ويترك له إدارتها والانتفاع من عوائدها لمدة معينة، ومن ثم تعود الملكية للدولة.
رابعا: التخاصية في الأردن وأساليب التحويل والتقييم المعتمدة فيها:
التزمت الحكومة الأردنية(1) ببرنامج التخاصية الذي يشكل جزءاً هاماً من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي منذ عام 1989.
وقد شرعت الحكومة قانوناً للتخاصية(2) يهدف لوضع الأسس التشريعية والترتيبات المؤسسية لهذه العملية، كما عملت الحكومة على إصدار قوانين أخرى لمواكبة عملية التخاصية كقانون حماية الاقتصاد الوطني وقانون المنافسة ومنع الاحتكار وقانون الملكية الفردية وقانون الوسطاء والوكلاء كل ذلك بهدف منع الاحتكار وحماية المستهلك وحماية الاقتصاد الوطني من الإغراق والمنافسة الغير مشروعة فضلاً عن قيام الحكومة بإعادة تنظيم سوق عمان المالي وذلك بإصدار قانون هيئة الأوراق المالية، وقد اشتمل قانون التخاصية على (21)* مادة تنص على ضرورة إنشاء مجلس أعلى للتخاصية لرسم السياسات العليا للتخاصية وإنشاء هيئة مستقلة يطلق عليها الهيئة التنفيذية للتخاصية تقوم بتخطيط وإدارة وتنفيذ جميع عمليات التخاصية وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني. كما نص القانون على أساليب التحويل التي يمكن اعتمادها لتنفيذ عملية التخاصية بكفاءة عالية كالبيع، التعاقد، التأجير، الإدارة، الامتيازات، صيغة البناء والتشغيل والتحويل، وأي أسلوب آخر ترى الحكومة اتباعه. كما نص هذا القانون على تخصيص ما يطلق عليه السهم الذهبي للحكومة لتمكين الأخيرة من الاعتراض على قرارات مجلس الإدارة والهيئة العامة للشركة المحولة حماية للمصلحة الوطنية.
أما بالنسبة للإطار المؤسسي والآلية التنفيذية لبرنامج التحويل فقد كانتا على النحو التالي:
1. تشكل لجنة عليا للتخاصية وذلك برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الفريق الاقتصادي لمجلس الوزراء بالإضافة إلى محافظ البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة والمستشار القانوني في رئاسة الوزراء ومدير عام المؤسسة الأردنية للاستثمار، يكون هدف هذه اللجنة صنع قرار التحويل ورسم السياسات الاستثمارية المتعلقة بالتخاصية فضلاً عن الإشراف على عمليات التحويل.
2. إنشاء الوحدة التنفيذية للتخاصية في ملاك رئاسة الوزراء باعتبارها ذراع الحكومة لتنفيذ ومتابعة عملية التحويل.
3. تشكيل اللجان التوجيهية للقطاعات والمشروعات المراد تحويلها ولجان العطاءات الخاصة وكذلك إنشاء لجان وفرق العمل التنفيذية التي تقوم بمتابعة وتنفيذ العملية ميدانياً في مختلف المشاريع المراد تحويلها.
أكدت الحكومة الأردنية على اعتماد العديد من أساليب التحويل للمشاريع المراد خصخصتها(1) ولكن هناك جملة أمور يجب مراعاتها قبل عملية التحويل وهي:
1- تحويل مؤسسات القطاع العام إلى شركات مساهمة تمتلك الحكومة كامل أسهمها وذلك بعد إتمام كافة الجوانب القانونية والمالية من حيث تقييم الموجودات وتصفية الديون وتحديد الالتزامات المالية.
2- العمل على طرح نسبة معينة من أسهم المشاريع العامة للعاملين في نفس المشروع المراد تحويله.
3- طرح أسهم المؤسسات المزمع تحويلها للاكتتاب في الأسواق المالية بهدف قيام القطاع الخاص بالاكتتاب بها.
4- اعتماد أسلوب الطرح المتدرج للأسهم وذلك لمراعاة القدرة الاستيعابية للأسواق.
أما بالنسبة للأساليب التي اعتمدت فعلياً في الأردن فقد كانت كما يلي(1):
1. تم بيع 33% من إجمالي أسهم شركة مصانع الإسمنت وذلك بإدخال شريك استراتيجي فرنسي (شركة لافارج) حيث تم توقيع عقد معها لإدارتها فنياً.
2. تم توقيع اتفاقية تأجير واستثمار منتجع حمامات ماعين لمدة 30 عاماً مع شركة اوكور الفرنسية ومستثمر محلي.
3. سكة حديد العقبة، تم منح اتفاقية تأجير واستثمار وتشغيل لمدة 25 عاماً مع ائتلاف ريثون وسكونسن.
4. تم اعتماد أسلوب الشريك الاستراتيجي بالنسبة لشركة الاتصالات الأردنية وذلك بإدخال شركة فرانس تلكوم حيث تم بيع 40% من أسهم الشركة له.
5. سلطة المياه الأردنية، جرى منح عقد إدارة مربوط بقرض قيمته 55 مليون دولار من البنك الدولي حيث تم توقيع الاتفاقية مع شركة فرنسية متخصصة Suez lyonnaise des Euwx وشركة أردنية محلية.
6. محفظة المؤسسة الأردنية للاستثمار:
التي اشترت أسهم الحكومة في الشركات التالية:
23 شركة تمتلك فيها الحكومة 5% فأقل من الأسهم.
3 شركات تمتلك فيها الحكومة 5-10% فأقل من الأسهم.
12 شركة تمتلك فيها الحكومة أكثر من 10% من الأسهم.
7. جرى تصفية وبيع ثلاث شركات حكومة خاسرة (الزجاج، الأخشاب، الإنتاج التلفزيوني).
8. استخدمت صيغة تجمع بين التحويل والإدارة مع إعادة الملكية في نهاية المطاف إلى الدولة (BOT و BOO) مثل اتفاقية استثمار واستغلال سكة حديد العقبة ومحطة الكهرباء وتنقية المياه العادمة في الخربة السمراء.
9. مؤسسة النقل العام، تم توقيع ثلاث اتفاقيات مع مشغلين محليين من القطاع الخاص تضمنت عقود لمدة عشرة سنوات لتشغيل أربع وحدات من الخطوط في منطقة عمان الكبرى.
أما بالنسبة لأساليب التقييم للمشاريع المحولة والجهات التي سوف تقوم بعملية التقويم فإن خير مثال على ذلك هو ما حدث في شركة الاتصالات الأردنية عندما تم اعتماد أسلوب الشريك الاستراتيجي حيث تم بيع 40% من أسهمها للشريك الاستراتيجي الفرنسي(1) وتم الاتفاق مع شركة عالمية للقيام بعملية التقويم وهي شركة (برايس والترهاوس) ولكن التقييم الذي أظهرته الشركة كان فيه الكثير من الأمور التي لم تلق قبولاً من الدولة مثل التعامل مع اندثارات بعض المقاسم المقامة منذ السبعينات إذ تم تقييمها على أساس صفر أو دينار، فضلاً عن أنه لم يجر حصر أو جرد فعلي لكافة الموجودات الثابتة في المؤسسة، علماً بأن سجلات الموجودات الثابتة في مؤسسة الاتصالات هي سجلات إحصائية كانت تستخدم فقط لأغراض إدارية وتحتوي على قيم الموجودات الثابتة فقط ولا تحتوي على أعداد أو كميات هذه الموجودات، مما يعني أن من الممكن أن تكون هناك موجودات غير مسجلة. وعلى الرغم من اعتماد طريقة (القيمة الاستبدالية) في التقييم إلا أنها لم تطبق على جميع عناصر الموجودات الثابتة، لذا أجريت تعديلات كثيرة على عناصر المعادلة (العمر المتبقي، العمر الإنتاجي، القيمة الاستبدالية) مما كان له تأثير على نتيجة التقييم كما تم احتساب الذمم المدينة وحسابات التسويات الدولية والتزامات التقاعد مما أدى إلى انخفاض قيمة تقييم الأصول وإعطاء صورة لا تمثل الواقع المالي للمؤسسة. لذلك تم استبعاد هذه الشركة نتيجة للانتقادات السابقة، وجرى طرح عطاء جديد لاستقطاب بيوت الخبرة العالمية باتباع أسلوب نشر دعوة العطاء في الصحف الدولية والمحلية، ولذلك تسنى لـ 19 شركة دولية تقديم عروضها وتم اختيار سبع شركـات منهـا فجـرى توجيه الدعوة إليها بتسليمها وثيقة العطاء التي تم تحضيرها بالتعاون بين اللجنة الفنية (التي شارك فيها ديوان المحاسبة) وخبراء من البنك الدولي.
وتم اختيار شركتين عالميتين(1) هما شركة آرثر أندرسون وميريل لنش وجرت مقارنة التقييم النهائي الذي توصلت إليه كلتا الشركتين، حيث قيمت شركة آرثر أندرسون شركة الاتصالات بمبلغ 3 مليارات دولار في حين كان تقييم شركة ميريل لنش مليار و270 مليون دولار على الرغم من أن كلتا الشركتين اعتمدتا أسلوب التقييم الخاص بطريقة خصم التدفقات النقدية. وسبب الاختلاف يعود لاستخدام معدلات عوامل أساسية مختلفة داخلة في معادلات حساب المتوسط الموزون لكلفة رأس المال، مثل معدلات نمو الاقتصاد وعامل المخاطرة الداخلة في معادلة CAPM (Capital Asset Pricing Model). فاعتمدت شركة ميريل لنش طريقة (Discounted Cash Flow) DCF في حين استخدمت شركة آرثر أندرسون طريقة DCF مضيفة إليها مدخلين ماليين آخرين أحدهما يعتمد على معيار السوق المالي المعروفة بطريقة مضاعف الأرباح والمدخل الآخر يعتمد على نسبة الموزع من الأرباح المعروف بنموذج خصم التوزيعات، وقد تم اعتماد تقييم شركة ميريل لنش في نهاية المطاف. ومن جهة أخرى يمكن الإشارة إلى ما حدث أيضا لشركة مصانع الإسمنت الأردنية حيث قامت بتعيين مستشار مالي مصري لتنفيذ وقيادة عملية بيع 33% من أسهم شركة الإسمنت لشريك استراتيجي هو شركة لافارج الفرنسية. ويجب التنويه هنا أن عملية تحويل مؤسسة الاتصالات قد بدأ في عام 1996(2) عندما تم تحويلها إلى شركة مساهمة تمهيداً لخصخصتها، وقد استعرض مجلس الوزراء نتائج الدراسات التي أعدها الاستشاريون من وزارة البريد والاتصالات ووزارة المالية وشركة برايس والترهاوس الذين اعتمدوا الخصخصة على مرحلتين، المرحلة الأولى بيع جزء من أسهم المؤسسة لشريك استراتيجي هو شركة فرانس تلكوم وهي مؤسسة عالمية متخصصة وقد ابتاعت ما نسبته 40% من أسهم المؤسسة أما في المرحلة الثانية بعد أن تم التأكد من نجاح المرحلة الأولى فقد جـرى بيع كـل أو جـزء مـن الأسهم المتبقية على شكل دفعـة أو دفعـات في سـوق عمـان المالية أو في الأسواق المالية الدولية، مع تخصيص جزء من الأسهم للعاملين في نفس المؤسسة وجزء آخر من الأسهم للمغتربين الأردنيين.

ويتضح من ذلك كله أن دور بيوت الخبرة في عملية التقويم والتحويل كان كبيراً حيث استعانت الحكومة الأردنية ببيوت الخبرة الأجنبية لتقييم جميع مشاريعها المحولة نظراً لإيمانها بكفاءة وقدرة هذه البيوت في عملية التقويم، ويتضح للباحث أن بيوت الخبرة لها دور يختص بتقييم المشروع المحول، ودور ثاني يتعلق بقيام بيوت الخبرة بدراسة العروض المقدمة واختيار أفضلها كما حدث في شركة الاتصالات عندما تم اختيار الشريك الاستراتيجي الفرنسي.

خامسا: تجربة التخاصية في العراق من حيث تقويم وأساليب التحويل بالنسبة للمشاريع المحولة(1):
وضعت الحكومة العراقية بعد انتهاء الحرب العراقية –الإيرانية عام 1988 برنامجاً خاصاً للرفع من كفاءة الاقتصاد العراقي يعرف ببرنامج التحرير الاقتصادي. وكان من ضمن انعكاسات ذلك البرنامج تشجيع القطاع الخاص بالعمل والمشاركة في جميع أنشطة القطاع العام ضمن الأنشطة التابعة له فضلاً عن اشتمال ذلك البرنامج على بيع بعض المؤسسات العامة التابعة للقطاع العام إلى القطاع الخاص. لذلك أصدرت الحكومة العراقية القوانين التي تنظم إجراءات التحويل تمثلت بصدور قانون الاستثمارات العربية رقم 46 لسنة 1988 الذي منح بموجبه المستثمرون من العرب إعفاءات ضريبية وجمركية واسعة وذلك لحفزهم على المشاركة في تنمية الاقتصاد العراقي خصوصاً في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات.
وأتبع هذا القانون بقانون آخر وهو قانون رقم 45 لسنة 1988 الذي شجع القطاع الخاص على المشاركة في قطاع التجارة، أما بالنسبة لأساليب التحويل فلقد عملت الحكومة العراقية على تحويل مؤسسات القطاع العام إلى شركات مستقلة تعمل بالتنافس مع القطاع الخاص، فضلاً عن قيام الحكومة ببيع مؤسسات غير استراتيجية للقطاع الخاص خصوصاً في مجالات السياحة وتجارة التجزئة (مراكز التسويق الحكومية) ومحطات الوقود والمحروقات ومحطات خدمات السيارات، وفي عام 1989 أنشأت الحكومة ست مؤسسات تجارية خاصة ومشتركة علاوة على مؤسسات مشتركة تعمل في مجال إدارة الفنادق (فندق الشيراتون في بغداد والبصرة) بالإضافة إلى (بحيرة الحبانية السياحية). وفي نهاية عام 1989 أعلنت الحكومة العراقية عن نقل المؤسسات التي تعمل في مجال القطاع الزراعي إلى القطاع الخاص.

اعتمدت الحكومة العراقية على عدة أساليب للتحويل جمعت بين عقود الإدارة والمشاريع المشتركة وأسلوب بيع المؤسسات العامة للقطاع الخاص.
الجهات المسؤولة عن تقويم المشاريع المحولة في العراق(1)
عمدت الحكومة عام 1990 إلى إصدار ضوابط وتعليمات خاصة ببيع المشاريع والمعامل والموجودات الثابتة العائدة لمنشآت نفس الوزارة التي تقرر بيعها. وقد تضمنت هذه الضوابط آليات معينة لتكوين لجان رئيسية وفرعية خاصة لتقدير الموجودات وتحديد سعر بيع المنشآت المحولة وذلك استناداً إلى قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لسنة 1986. وبناء على كل حالة من حالات البيع على حدة تكون مسؤولية لجان التقدير التابعة لنفس المنشأة المحولة تقدير وتثمين الموجودات الثابتة مع تحديد سعر البيع النهائي ثم تعرض هذه التقديرات على لجنة رئيسية في ديوان الوزارة مرتبطة بوكيل الوزارة الأقدم وذلك لغرض المصادقة على قرارات لجان التثمين والتقدير. إن هذه الضوابط كانت تخلو من أسس التقدير (التقويم) لمطلوبات المشاريع المحولة لذلك كان التقويم محصوراً فقط في الموجودات الثابتة أما مطلوباتها أو الالتزامات المترتبة عليها فتقوم الدولة بسدادها. كما أن هذه الضوابط لم تشر إلى أي أسلوب مستخدم في تقويم موجودات المشاريع المحولة ما عدا ما نص عليه قانون رقم 32 لسنة 1986 في المادة السابعة منه بضرورة تشكيل لجان خاصة للتقدير والتثمين تكون متكونة من موظفين ذوي خبرة لغرض الكشف عن أموال الدولة وتقدير أثمانها. ويتضح للباحث أن الدولة لم تقم باستشارة مكاتب أو بيوت خبرة من مدققين أو محاسبين قانونيين لمعرفة آرائهم وتقييماتهم بشأن المشاريع المحولة والأسلوب المستخدم في تقويم الموجودات الثابتة وإنما مجرد ضوابط خاصة بتشكيل لجان لتقويم موجودات المشاريع المحولة وتحديد سعر البيع استناداً إلى اجتهاداتهم الشخصية.

إن أهـم المشكلات والمعوقات التي تقف بوجه عملية التخاصية في العراق(1) هي:
1) نقص الائتمانات وخصوصاً بالعملات الأجنبية فالبلد يخضع لجزاءات اقتصادية تفرضها الأمم المتحدة.
2) عدم كفاية الهياكل الأساسية فلقد لحقت بالعراق أضرار فادحة خلال حرب الخليج عام 1990.
3) عدم وجود بيئة اقتصادية مستقرة فالعراق يعاني من مشاكل التضخم المزمنة مع وجود عجـز مستمر في الميزانية وبطالة واسعة النطاق وعملة تتناقص قيمتها، وهي مشاكل تثني القطاع الخاص عن الدخول والمشاركة في إنشاء المشاريع الاقتصادية.

الخلاصة
التخاصية سمة أساسية من سمات عملية العولمة ومتطلب مركزي من متطلباتها، وهي تعني تخلي الدولة بشكل عام عن نشاطاتها الإنتاجية، جزئيا أو كليا، لصالح القطاع الخاص، تخلصا من الأعباء المالية الضخمة التي تحملتها نتيجة لتوسع القطاعات العامة والتي انخرطت في شتى النشاطات الإنتاجية والخدمية، مما أدى إلى عجوزات واسعة في ميزانياتها العامة، وإلى تضخم في الديون العامة، الداخلية منها والخارجية، وعدم كفاءة ادارية وإنتاجية، وخسائر متواصلة تعرضت لها باستمرار.

وهكذا بدأت حملة واسعة من التحول نحو خصخصة القطاعات المذكورة وذلك بتحويل ملكيتها، أو إداراتها، أو إيجارها، أو بيعها إلى القطاع الخاص، وذلك على نطاق العالم كله تقريبا. وفي مقدمته البلدان الاشتراكية سابقا بما فيها الاتحاد السوفيتي (السابق) وبلدان أوروبا الشرقية عموما. سواء في البلدان الرأسمالية المتقدمة، كبريطانيا وفرنسا، أو في البلدان النامية عموما، ومنها البلدان العربية، كمصر والعراق والأردن.

ومن الطبيعي أن تنشأ عن عملية التحويل (التخاصية) هذه مشاكل محاسبية ناتجة عن تقييم المشروع المراد تحويله، فيما يخص موجوداته ومطلوباته، أو أصوله وخصومه، وعند محاولة الوصول إلى القيمة الحقيقة والعادلة والموضوعية للمشروع المراد تحويله، وذلك بهدف تحديد سعر بيعه أو تحويله، أو قيمته الإيجارية..الخ، وهنا يأتي دور المدقق الخارجي في التحقق من صحة البيانات المالية، وفي الحصول على معلومات محاسبية موثوقة ومتفقة مع المعايير المحاسبية الدولية تساعد في اتخاذ القرارات ذات الصلة بموضوع التقييم عموما، وذلك لتقديمها إلى أصحاب المشروع من جهة، وإلى المستثمرين الجدد والمقرضين من البنوك من الجهة الأخرى.

وقد جرى استعراض تجارب التخاصية في عدد من البلدان العربية والأجنبية، وفي محاولة لبيان غنى المعلومات التي تزخر بها هذه التجارب، والطرق المختلفة التي تمت من خلالها الإستعانة بالمدقق الخارجي في عمليات تقويم المشاريع المحولة من حيث موجوداتها ومطلوباتها واسعار بيعها أو تحويلها، وقد غنى التجربة البريطانية التي كانت رائدة في ذلك ، والتجربة الفرنسية التي لم تقل غنى عن التجربة البريطانية ذاتها.

كما يبدو واضحا للعيان غنى التجربة المصرية الرائدة بالنسبة للأقطار العربية.
dr.osama غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-10-2009, 06:41 PM
  #2
البرزنجي
مشارك نشط
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 91
افتراضي مشاركة: التخاصيـــة: مفهومها، أهدافها، متطلباتها، ونماذج من تجاربها العربية والأوروبي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك
البرزنجي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:56 AM