مشاركة: المحاسبة الحكومية - النفقات العامة
ربطت النظرية المالية التقليدية، بين الدخل القومي وحجم النفقات العامة، وحدد بعض كتابها نسبة تتراوح ما بين (5%-25%) من الدخل القومي كحجم للإنفاق العام، ولا شك أن النظرية المالية التقليدية قد ركزت على تحديد الحجم الكلي للإنفاق العام، ولم تهتم بتحديد حجم كل نوع من أنواعه، وهذا ما يتفق مع منطق الفكر الاقتصادي التقليدي، والفروض الأساسية التي يقوم عليها، وبخاصة ما افترضته تلك النظرية، من أن الإنفاق العام ذو طبيعة استهلاكية، ومن ثم يجب أن يقتصر على أضيق الحدود، إضافة إلى حياد النفقات العامة.
ورغم أهمية التأكيد على ضرورة قيام علاقة بين حجم النفقات العامة والدخل القومي، فإن الفكر المالي التقليدي، قد وقع في خطأ منهجي، عندما حدد تلك النسبة من الدخل القومي، وطالب الدولة بالالتزام بها وعدم تجاوزها. ذلك لأن تحديد معدل أو نسبة جامدة من الدخل للإنفاق العام معناه ، التعامل مع اقتصاد ساكن عديم الحركة، فضلا" عن إغفال لمسألة أساسية هي طبيعة النفقات العامة، وكيف أن مقدارها يختلف باختلاف الهدف منها، وباختلاف آثارها، والظروف الاقتصادية والاجتماعية في مختلف الدول.
إذن مما لا شك فيه، أن حجم النفقات العامة في أي دولة تقرره مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، ذات علاقة وطيدة بالدولة ذاتها، ولهذا فإن تحديد نسبة معينة من الدخل القومي للنفقات العامة، يعدّ أمرا" غير منطقي، ولا ينسجم مع الواقع العملي بدلالة أن نسبة ما أو حجما" ما للنفقات العامة المناسب لدولة معينة، قد لا يصلح لدول أخرى بحكم الاختلاف في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي والفلسفة السياسية لكل منهما، ناهيك عن عدم صلاحية ذلك، للدولة ذاتها بين فترة ومرحلة تطور أخرى، لهذا يصبح من الضروري الإقرار أن حجم النفقات العامة في دولة معينة وفي فترة زمنية محددة، تحكمه مجموعة من العوامل، وهي تقوم من حيث مضمونها في جميع الدول، وإن أدت إلى اختلاف حجم النفقات العامة من دولة إلى أخرى، وسوف يتعرض هذا الفصل إلى أهم هذه العوامل على النحو التالي:
1- دور الدولة (1) :
إن غاية النفقات العامة هي إشباع الحاجات العامة التي تتطور باستمرار مع تطور الوظائف التي تدخل ضمن اختصاص الدولة؛ ولهذا فإن دور الدولة يحدد حجم النفقات العامة.
إذ لا يتقرر الإنفاق العام إلا بإشباع حاجة عامة فيدخل إشباعها في نطاق وظائف الدولة، فالنفقات العامة تعكس إذن حقيقة النظام الاقتصادي والسياسي، فهي تعكس في حجمها وفي أنواعها وفي أغراضها الحرية والتدخل والاشتراكية، وهي مراحل التطور التي مرت بها الدولة خلال الفترة ما بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين على الشكل التالي:
أ- الدولة الحارسة:
يتحدد الدور الذي تقوم به الدولة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في المحافظة على الفكر الاقتصادي والسياسي الذي كان سائدا"، والذي كان يؤمن بالنظام الطبيعي، والحرية الاقتصادية وبقدرتها على تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي. فاقتصرت وظائف الدولة على المحافظة على هذا النظام وديمومة استمراره من خلال القيام بأعمال الدفاع الخارجي، والمحافظة على الأمن الداخلي والعدالة. ومن هنا جاءت تسمية الدولة بالدولة الحارسة. وانعكس هذا الدور على طبيعة السياسة المالية، لتكوين سياسة محايدة مقتصرة على الأغراض المالية لتغطية النفقات العامة، دون أن يكون لها أي تأثير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد ترتب في ضوء هذا الدور للدولة النتيجتان التاليتان:
- انخفاض حجم النفقات العامة، وكذلك انخفاض نسبتها إلى الدخل القومي؛ لأن هذه النفقات تعتبر نفقات استهلاكية، يجب أن تضغط إلى أضيق الحدود.
- قلة أنواع هذه النفقات العامة، وذلك نتيجة لتحديد الوظائف التي تستطيع الدولة أن تقوم بها، انسجاما" مع طبيعة الواجبات الملقاة على عاتقها، وضيق نطاق النفقات العامة ودون أن تكون أداة من أدوات السياسة الاقتصادية والمالية، ودون أن تكون أداة لإعادة توزيع الدخل القومي بين الطبقات المختلفة (1) .
ب- الدولة المتدخلة:
وفي أوائل القرن العشرين، وتحت تأثير الأزمات الاقتصادية المتكررة، وما سببته من اضطرابات اجتماعية، أثبتت الوقائع عجز النظام الطبيعي، والحرية الاقتصادية عن ضمان استمرار الفلسفة الفردية، فتطور دور الدولة، وبدأت تخرج عن حيادها التقليدي، وأصبحت مسؤولة عن التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وكان منطقيا" أن تنعكس هذه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في المالية العامة للدولة بشكل عام، وفي جانب النفقات العامة خاصة، لتنسجم مع الدور الجديد للدولة من خلال:
- تنوع النفقات العامة، طبقا" لتنوع وظائف الدولة. فقد أصبحت الدولة مسؤولة عن التوازن الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى وظائفها التقليدية. فاتسع مجال النفقات العامة الاقتصادية، الإعانات الاقتصادية ونفقات البطالة، والنفقات العامة الاجتماعية، مثل النفقات العامة لإعادة توزيع الدخل القومي، فأصبحت النفقات العامة أداة من أدوات السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية.
- ازدياد حجم النفقات العامة، وزيادة معدله إلى الدخل القومي، وهذا ما يتضح من خلال دراسة تطور النفقات العامة في العديد من الدول المختلفة.
ج- الدولة المنتجة (الاشتراكية):
وفي العقد الثاني من هذا القرن، قامت الثورة في روسيا عام 1917، وبرزت الأفكار والمبادئ الاشتراكية، ووجدت تطبيقا" لها في إطار الدولة الاشتراكية التي تقوم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وأصبحت الدولة مسؤولة بشكل عن الإنتاج وعن توزيعه أيضا"، وظهر ما أطلق عليه الدولة المنتجة وانعكس هذا التغير في دور الدولة على المالية العامة بعامة، والنفقات العامة بخاصة، فاتسع نطاق النفقات العامة بشكل كبير، وأصبح حجمها كما" ضخما" متنوعا" متعددا"، يغطي مجالات اقتصادية واجتماعية لم تكن معروفة من قبل في ظل الأنماط السابقة لدور الدولة، وهكذا، تعاظمت أهمية النفقات العامة وشكلت نسبة هامة جدا" من الدخل القومي، تكاد تستحوذ على كامل الدخل القومي، في المراحل المتقدمة لهذا الدور.
نخلص مما سبق أن الدور الذي تمارسه الدولة، يعتبر عاملا" حيويا" في تحديد حجم النفقات العامة، يتحدد هذا الحجم عند مستويات منخفضة في ظل دور محدد للدولة، ويزداد هذا الحجم كلما اتسع نطاق الدور الذي تقوم به الدولة، الذي يعكس الفلسفة السياسية التي تؤمن بها الدولة نفسها، إذ لا يمكن تصور وجود تدخلية في ظل دور محدد للدولة، وبذلك يمكن التعبير عن دور الدولة كعامل مؤثر في حجم النفقات العامة، بالعوامل السياسية أو الاعتبارات المذهبية أساسا"، دون إنكار الدور الهام الذي تلعبه العوامل الاقتصادية في تحديد حجم النفقات العامة.
2- مستوى النشاط الاقتصادي (الطلب الفعلي):
تشكل الحالة التي يكون عليها مستوى النشاط الاقتصادي حدا" يجب أن يؤخذ في الحسبان عند تحديد حجم النفقات العامة، ويمكننا القول: إن هناك أثرا" متبادلا" بين مستوى النشاط الاقتصادي وحجم النفقات العامة، وهو ما يتضح من إدراك العلاقة بين حجم النفقات العامة وحالة النشاط الاقتصادي، من خلال تصور العلاقة بين النفقات العامة والطلب الفعلي، وكما يتضح من النظر إلى البنيان الاقتصادي، وفيما إذا كانت الدولة متقدمة أو نامية. فالطلب الفعلي يتكون من كل من الطلب الحكومي والطلب الخاص على سلع وخدمات الاستهلاك والاستثمار. ويأتي الطلب الحكومي من النفقات العامة، وبذلك تعتبر النفقات العامة أحد مكونات الطلب الفعلي، وتبرز أهميتها في رسم السياسة الاقتصادية ورسم السياسة المالية، وبمعنى آخر سيكون بإمكان النفقات العامة أن تؤثر بشكل ملموس في مستوى الطلب الفعلي.
ففي حالة الركود التي تتمثل في انخفاض مستوى الطلب الفعلي في الاقتصاد عن المستوى الذي يحقق التشغيل الكامل، فإن الأمر يتطلب رفع مستوى الطلب الفعلي إلى المستوى الذي يقضي على البطالة، ويحقق التشغيل الكامل. وذلك بزيادة حجم النفقات العامة إلى المستوى الذي يرفع الطلب الفعلي في الاقتصاد إلى المستوى الذي يحقق التشغيل الكامل، مع الأخذ بعين الاعتبار، فيما إذا كان الاقتصاد متقدما" أو ناميا".
وفي حالة التضخم التي يمكن ترجمتها في أبسط حالاتها، بارتفاع مستوى الطلب الفعلي، عن حجم العرض من السلع والخدمات والذي يترجم عادة بارتفاع الأسعار، فإن الأمر يتطلب تخفيض الطلب الفعلي، أي تخفيض النفقات العامة، إلى المستوى الذي يتوافق مع حجم العرض الكلي، ويعالج الضغوط التضخمية ويقللها بما يضمن تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن طبيعة البنيان الاقتصادي، وهي تشير إلى درجة التقدم التي يتصف بها الاقتصاد، توضح العلاقة الطردية التي تربط بين مستوى النشاط الاقتصادي وحجم النفقات العامة. فالدول المتقدمة ذات البنيان الاقتصادي المتقدم، تستطيع أن تنفق مبالغ ضخمة من النفقات العامة، وذلك لارتفاع دخلها القومي، واتساع نطاق الحاجات العامة التي تستطيع إشباعها، وتعدل سياستها المالية والنفقات العامة وفق التغيرات الاقتصادية الدورية التي يمر بها الاقتصاد القومي، في الوقت الذي تكون فيه النفقات العامة منخفضة في الدول النامية ذات البنيان الاقتصادي المتخلف، لضآلة حجم الدخل القومي، وضيق نطاق الحاجات العامة التي تستطيع الدولة إشباعها في تلك الدول.
بيد أنه يمكننا أن نلاحظ العكس تماما"، إذا ما نظرنا إلى النفقات العامة بمعيار الأهمية النسبية التي تمثلها النفقات العامة من إجمال الدخل القومي، فالنفقات العامة في الدخول النامية، ذات البنيان الاقتصادي المتخلف ، تشكل أهمية نسبية مرتفعة من الدخل القومي، مقارنة بالدول المتقدمة ذات البنيان الاقتصادي المتقدم ، وذلك نظرا" للدور الهام والكبير الذي تقوم به الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حيث لا يمكن تصور تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في غياب الدولة. وهذا ما يتضح من استعراض الخطط الاقتصادية والإنفاقية والاستثمارية التي ترسمها الدول النامية في سعيها لتحقيق أهدافها التنموية (1).
3- قدرة الدولة على الحصول على الإيرادات العامة:
من الطبيعي أن تتحدد النفقات العامة بقدرة الدولة على الحصول على الإيرادات العامة العادية منها وغير العادية، وتتمتع النفقات العامة بقدر كبير من المرونة، وهذا على عكس النفقات الخاصة، ويرجع ذلك إلى أن الدولة تتمتع بقدرة أكبر من الأفراد على الحصول على الإيرادات العامة اللازمة لتغطية النفقات العامة، لما لها من حق السيادة والسلطة في فرض الضرائب والرسوم وإصدار النقود، ويهيئ لها قدرة كبيرة على الاقتراض الداخلي والخارجي.
ولكن ليس معنى ذلك، أن قدرة الدولة على الحصول على الإيرادات العامة هي قدرة مطلقة ولا نهائية؛ بل تتحدد هذه القدرة في الواقع بما يطلق عليه المقدرة المالية القومية التي يقصد بها قدرة الدخل القومي على تحمل الأعباء المالية العامة، بمختلف صورها (الضرائب والرسوم وشبه الضرائب والقروض العامة، والإصدار النقدي الجديد والإعانات الاقتصادية والاجتماعية) دون إحداث أية ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية، تضر بمستوى معيشة الأفراد ودون الإضرار بالمقدرة الإنتاجية القومية.
وتشكل المقدرة التكليفية القومية أو الطاقة الضريبية القومية أحد مكونات المقدرة المالية القومية، ويقصد بها قدرة الدخل القومي على تحمل الأعباء الضريبية وشبه الضريبية دون إحداث أية ضغوط اقتصادية واجتماعية وسياسية تضر بمستوى معيشة الأفراد ودون الإضرار بالمقدرة الإنتاجية القومية (1) . وتتوقف المقدرة المالية القومية على عدة اعتبارات اقتصادية واجتماعية وسياسية ونقدية، أهمها:
- حجم الناتج القومي الصافي، وكيفية توزيعه بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
- اعتبارات المحافظة على مستوى معيشة الأفراد في المجتمع.
- اعتبارات المحافظة على المقدرة الإنتاجية القومية وتنميتها.
- مدى اتساع دور كل من النشاط الخاص والنشاط العام في الحياة الاقتصادية، وهو ما يتعلق بطبيعة دور الدولة.
- اعتبارات ضرورة المحافظة على قيمة النقود.
نخلص إلى أن المقدرة المالية القومية، يمكن أن تتغير تحت تأثير هذه الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنقدية. فإذا ما أردنا أن نزيد من قدرة الدولة على الحصول على الإيرادات العامة من دخل قومي ثابت، فإننا يجب أن نقبل تغيرا" في بعض الاعتبارات السابقة. وينتج عن ذلك أن قدرة النظام الاشتراكي على الحصول على الإيرادات العامة من دخل معين- وبالتالي على تحديد النفقات العامة- أكبر من قدرة النظام الرأسمالي، وذلك نظرا" لاحترام النظام الرأسمالي التفاوتَ في الدخول والثروات، بصفته أساسا" اجتماعيا" هاما"، وبصفته مصدرا" للتراكم الرأسمالي(1).
4- ضرورة المحافظة على قيمة النقود:
يترتب على العلاقة القائمة بين مستوى النفقات العامة ومستوى النشاط الاقتصادي قيد آخر على حجم النفقات العامة، عند المستوى الذي يحافظ على قيمة النقود، أي ألا تعمل هذه النفقات على تدهور القوة الشرائية للنقد، مما يضر بأصحاب الدخول الثابتة والمتغيرة ببطء، ويرفع تكاليف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ففي البلاد المتقدمة التي تعمل عند مستوى التشغيل الكامل، تؤدي زيادة النفقات العامة على حجم معين إلى زيادة الطلب الفعلي على المستوى اللازم لتحقيق التشغيل الكامل لعوامل الإنتاج أو للمحافظة عليه؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وظهور الضغوط التضخمية وانخفاض قيمة النقود.
وفي البلاد النامية التي لا تملك جهازا" إنتاجيا" مرنا"؛ أي أنها تتميز بعدم مرونة عرض عوامل الإنتاج، مما يعني عدم قدرة العرض الكلي على الاستجابة للزيادة في الطلب الفعلي الناتجة عن زيادة النفقات العامة، وبخاصة في الفترة القصيرة، فإن زيادة النفقات العامة على حجم معين، لا بد أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وظهور الضغوط التضخمية وانخفاض القوة الشرائية للنقود.
نخلص إلى أن تحديد حجم النفقات العامة يجب أن يتم بحيث يحافظ على القوة الشرائية للنقود، سواء أكان ذلك في الدول المتقدمة أم في الدول النامية. بمعنى أن تتحدد النفقات العامة في الدولة المتقدمة عند المستوى الذي يحقق توازن التشغيل الكامل، وفي البلاد النامية عند المستوى الذي يلزم لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبمعدل ملائم. ومن ثم تعتبر المحافظة على قيمة النقود أحد المحددات الهامة لحجم النفقات العامة.
5- المنفعة الجماعية (1):
من الطبيعي أن نقول إن النفقة العامة ظاهرة أساسية، بمعنى أنها تتأثر بالاعتبارات السياسية، وتشكل من ناحية أخرى أداة من أدوات السياسة العامة للدولة. وبالتالي يخضع اختيار النفقة العامة للاعتبارات السياسية و في الوقت نفسه تخضع النفقة العامة - شأن النفقة الخاصة- للحساب الاقتصادي؛ أي للحساب المنفعي؛ أي تخضع لمبدأ ”أكبر منفعة بأقل نفقة“ .
وهذا المبدأ قديم في الفكر الاقتصادي، وهو موضع اتفاق بين الكتاب التقليديين والكتاب المحدثين وقد تطور هذا المبدأ مع تطور التحليل الاقتصادي، وتمثل هذا التطور بصفة أساسية في اتجاهين:
الأول: حلول المنفعة الحدية في التحليل محل المنفعة الكلية على يد المدرسة الحدية، ومع هذا التطور وجدت النفقات العامة قيدها المحدد لها في المنفعة الحدية، فالوحدة النقدية الحدية من النفقات العامة لا تكون مبررة إلا إذا حققت منفعة جماعية حدية مساوية لها على الأقل.
والثاني: اتساع مضمون المنفعة وبخاصة مع اتساع دور الدولة، فلم يعد يقتصر هذا المضمون على ما يعود على الدولة، بصفتها الشخص المعنوي العام من منفعة، كما لا يصح أن يقتصر هذا المضمون على المنفعة المترتبة على قيام الدولة بوظائفها التقليدية فحسب؛ بل يجب أن يشمل أيضا" المنفعة التي تعود على الأفراد المواطنين من الإنفاق على الأغراض الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبناء " على ذلك فإن المنفعة العامة منفعة مركبة، تتكون من مجموعة متباينة من العناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ويترتب على تطبيق مبدأ ” أكبر منفعة بأقل نفقة“ في نطاق النفقات العامة أمران:
أولهما: ضرورة تحقيق المنفعة العامة بأقل نفقة ممكنة، وهذا ما يعرف بمبدأ ” الوفر في الإنفاق“، ويتطلب تطبيق هذا المبدأ، دقة حساب كل من النفقة والمنفعة، والعمل على رفع المنفعة المترتبة على الإنفاق سواء أكان ذلك في نطاق إنتاج السلع المادية، أم في نطاق الخدمات الشخصية.
وثانيهما: ضرورة تساوي المنفعة المترتبة على النفقة العامة مع التضحية التي تسببها، أي مع المنفعة التي تضيعها على الممولين، وهذا ما يعرف بمبدأ المنفعة الحدية المتساوية ولتطبيق هذا المبدأ على الإنفاق العام، نجد أنه يحدد الحجم الكلي للنفقات العامة، ويحدد أيضا" توزيع هذه النفقات العامة بين مختلف الاستخدامات.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم