مشاركة: التنظيم والتخطيط والتنسيق
وقد تمكنت الجمعية الأمريكية لمدارس الخدمة الاجتماعية من السيطرة على هذا التحديد نتيجة لإشرافها الفعلي على أكثر من أربعين مدرسة من مدارس الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية مما مكنها من تحديد موضوعات الدراسة التي يتضمنها فن تنظيم المجتمع على نحو جعل من الضروري اتباع هذا التحديد من جانب كافة الهيئات المشتغلة بالخدمة الاجتماعية أو المهتمة بشؤون الإصلاح الاجتماعي.
ومع ذلك فلم تتوصل اللجنة والجمعية إلى تعريف جامع مانع لفن تنظيم المجتمع؛ فمن قائل أن تنظيم المجتمع يعني تنمية العلاقات بين الجماعات والأفراد بصورة تساعدهم على العمل سويا لتحقيق أقصى درجات الرفاهية الاجتماعية. وهناك من يرى أن تنظيم المجتمع يقصد به الجهود الموجهة والمقصودة لمساعدة الجماعات على الوصول إلى الاتحاد في الغاية لتحقيق أغراض عامة أو نوعية. وفي تعريف آخر يعني تنظيم المجتمع البرنامج الكامل للعلاقات وتعاون الأفراد والجماعات الذين يعملون معا لبلوغ أمانيهم المشتركة ولعمل الخير بين الناس.
و من رأيي أن عدم الوصول إلى تعريف موحد لهذا الفن يرجع إلى شمول اصطلاح " التنظيم" بحيث يتضمن تنسيق الجهود المختلفة في الميدان الاجتماعي من جانب ورسم الخطط أو ما يسمى القيام بتخطيط للمشروعات قبل البدء في تنفيذها من جانب آخر بقصد الوصول إلى عملية التنظيم المطلوبة.
ويمكننا – مع ذلك – الاجتهاد في الوصول إلى تعريف مبدئي لفن " تنظيم المجتمع" بأنه " عملية اجتماعية تستند إلى رسم الخطط وتنسيق الجهود وتنفيذ البرامج بقصد استثمار الموارد الفعلية في مجتمع من المجتمعات استثماراً يلبي كافة احتياجات المواطنين في هذا المجتمع بقدر الإمكان؛ كما أنه إلى جانب كونه فعملية فهو بناء اجتماعي بوصفه يمثل الهيئات التي تقوم بالتوفيق بين الموارد والحاجات في المجتمع المحلي".
حرصنا في هذا التعريف أن نلقي الضوء على خصائص فن تنظيم المجتمع. فهو أولا عملية من العمليات الاجتماعية؛ وفي هذا تأكيد لأهمية الفاعلية الفردية في التطبيق، فهو وإن كان يقوم على أسس ومناهج علمية، إلا أنه كأي فن من الفنون يتطبع بشخصية القائم بالتنظيم وأسلوبه وفلسفته الاجتماعية بوجه خاص. وهو عملية تعاونية لأنه يعتمد اعتماداً كلياً على مشاركة الرأي العام وبذله جهدا تعاونيا لرفع مستوى الحياة الجمعية فيه.
وهو بالإضافة إلى ذلك يعتمد على التخطيط الذي يقوم على أسس علمية وأساليب موضوعية تهدف إلى استخدام موارد المجتمع وإمكانياته وتنميتها بطريقة فعالة لتحقيق الرعاية الاجتماعية على أكمل صورة؛ فهو يشمل جانباً تصويرياً لمشاكل المجتمع وظروف الحياة فيه وإمكانياته المادية بوجه عام. ولكن التخطيط الاجتماعي لا يمكن ظهوره عملياً إلى حيز الوجود دون الوصول أولا إلى تنسيق شامل للخدمات موضوع التنظيم.
فالتخطيط الاجتماعي لمجتمع من المجتمعات يستلزم – لكي يقوم على أساس سليم – معرفة تامة عميقة بالأحوال السائدة في هذا المجتمع بمعنى ضرورة الوقوف على الحقائق التي تؤثر في حياة المجتمع.
وفضلاً عن اعتماد " تنظيم المجتمع" على التخطيط الاجتماعي وتنسيق الخدمات الاجتماعية في هذا المجتمع، فان عملية التنظيم ليست قاصرة على الهيئات المشتغلة بالخدمات الاجتماعية فحسب، وإنما تساهم فيها كافة الهيئات التي لا تتصل اتصالاً مباشراً بهذه الخدمات وإنما تؤدي دوراً غير مباشر في تحديد مستوى الخدمات الاجتماعية في هذا المجتمع. ولهذا فإننا قد ضمنا تعريفنا عبارة "تنسيق الجهود" و لم نكتف بذكر تنسيق الخدمات الاجتماعية فحسب.
ثم إن عملية تنظيم المجتمع شأنها في ذلك شأن عملية تنسيق الخدمات الاجتماعية لا تكتفي بالدراسة فحسب؛ أو بمعنى آخر لا تهتم فقط بالجانب التحضيري وإعداد الخطط، بل هي عملية ديناميكية تعني إلى جانب الدراسة والتصميم ورسم الخطط بجانب آخر فعال هو الجانب التطبيقي. ولهذا حرصنا في تعريفنا لفن تنظيم المجتمع أن يتضمن مهمة تنفيذ البرامج بقصد استثمار الموارد الفعلية في المجتمع استثماراً يلبي كافة احتياجات المواطنين.
مما لاشك فيه أن كل عملية من العمليات الاجتماعية لا تتميز بالجذرية وإنما تتصف بالمرونة وضرورة توافر الشروط المناسبة في كل حالة وفي كل بيئة لكي تنجح هذه العملية وتؤتي ثمارها. ولهذا حرصنا على أن نختم تعريفنا لفن تنظيم المجتمع بأنه يهدف إلى تلبية كافة احتياجات المواطنين بقدر الإمكان بمعنى أنه قد تحدث ظروف طارئة أو قد تتغير أساليب الدراسة أو التخطيط أو التنفيذ بشكل يجعل من غير اليسير الوصول إلى تحقيق كامل لكافة احتياجات المواطنين في المجتمع موضوع التنظيم.
ومن المهم أن ندرك أن عملية تنظيم المجتمع يمكن أن تتعدى نطاق المجتمع المحلي إلى نطاق أوسع وأشمل وهو نطاق المجتمع العالمي بأكمله إذا ما توفرت الأركان الضرورية اللازمة لعملية التنظيم.
وقد أضفنا إلى التعريف وجهة النظر القائلة بأن تنظيم المجتمع ليس عملية فحسب وإنما هو بناء يقوم بالفعل في التشكيلات التي تظهر في صورة هيئات وجمعيات ومؤسسات ترمي إلى التوفيق بين الموارد والحاجات.
التخطيط Planning
يحسن قبل أن نتناول بالتعريف "تنسيق الخدمات الاجتماعية" أن نقف على مدلول " التخطيط" وميادين تطبيقه. والتخطيط شأنه في ذلك شأن التنظيم يعتمد على التعاون البشري الواسع النطاق، فالتخطيط ليس عملية فردية وإنما هو عملية تعاونية حقيقية فهو تعاون في كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في إطار المجتمع المحلي أو الدولة بأكملها، وفي كثير من الأحيان يشمل العالم أو أجزاء كاملة من العالم.
وقد نشأ التخطيط في أول أمره بعيداً إلى حد ما عن الدوائر الاجتماعية، وخاصة في الدول الديمقراطية التي اعتبرته عنصراً دخيلاً على أساليبها ومناهجها وفد إليها من الدول ذات الاقتصاد الموجه وذات النظم الديكتاتورية.
وعندما ظهر الاتجاه نحو استخدام التخطيط في رسم سياسة إنشائية لمشروعات الإصلاح الاجتماعي، لقي مقاومة عنيفة من جانب الحكومات الديمقراطية التي اعتبرته " وسيلة منظمة خبيثة إلى حد ما، يراد بها الحد من التشكيلات الاجتماعية وتجميع الأفراد والجماعات لتحقيق أغراض غير كريمة أو مقصودة بناحية أو أخرى". ولكن طبيعة التطور البشري وتشابك المصالح وتداخل العلاقات بين الدول والشعب بعضها بالبعض الآخر، جعل من التخطيط ضرورة من ضرورات الحياة في مجتمع معقد متشابك الأطراف. فلم يعد الفرد ولا المجتمع منقسماً إلى خلايا يمكن أن تسير كل منها في طريق بعيد عن الأخرى، بل أصبح الارتباط بينهما من أهم مقومات نموها وحياتها وتطورها.
فقيام المشروعات الاقتصادية الكبرى لا تتحقق بدون تخطيط اقتصادي بل إن اقتصاديات المجتمع بأكمله لا بد أن تعتمد على تخطيط اجتماعي طويل الأمد. كما أن قيام المنظمات العالمية كهيئة الأمم المتحدة، أو قيام المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، لهو خير دليل على أن الدول لا يمكنها أن تعيش منعزلة عن غيرها من الدول الأخرى بل هي في حاجة ماسة إلى هذا التعاون في الشؤون الاجتماعية والثقافية. وحتى في الشؤون الصحية ظهرت الحاجة إلى قيام منظمة للصحة العالمية ومنظمة للأغذية والزراعة.
هذه المنظمات تعتمد في مشروعاتها على تعاون الشعوب المنضوية تحت لوائها، وعلى التخطيط في كافة مظاهره سواء أكان تخطيطاً اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو تخطيطاً ثقافياً.
ولهذا يمكننا أن نضع تعريفا للتخطيط يتضمن المظاهر التي وصلنا إليها من استعراض ميادينه ووسائله ومناهجه في الدراسة والبحث. " التخطيط نوع من العمل التعاوني الشامل يقوم على المنهج العلمي في البحث بقصد رسم خطة قابلة للتنفيذ في حدود الإمكانيات والموارد القابلة للاستثمار."
هذا التعريف الذي نضعه للتخطيط بوجه عام يمكننا تطبيقه على التخطيط الاجتماعي بوجه خاص، فنجد أنه نوع من العمل التعاوني الشامل إذ أن الوصول إلى الإطار الذي يدور في فلكه التخطيط الاجتماعي المنتظر يتطلب نمو روح التعاون بين الأفراد والجماعات والهيئات المشتغلة بالإصلاح الاجتماعي قبل البدء في تحديد العناصر الأولى اللازمة لهذا التخطيط. ولهذا كان من الضروري الوصول إلى درجة مقبولة من الوعي التعاوني بين الأفراد والجماعات حتى يتيسر الحصول على البيانات والمعلومات الأساسية في التخطيط الاجتماعي.
والتخطيط إذ يقوم على التعاون ويستند إلى الوعي الاجتماعي يعتمد على المنهج العلمي في البحث. والمنهج العلمي – كما هو معروف لنا – يقوم على الملاحظة والتجربة واستخلاص القانون من التجارب المختلفة. ولهذا كان من الضروري أن يعنى المهتم بشؤون التخطيط بالتعمق في دراسة القوانين التي تسيطر على الجانب الذي يهمه القيام بإعداد تخطيط له. فمثلا يجب على المهتم بشؤون التخطيط الاقتصادي أن يدرس المذاهب الاقتصادية المختلفة والقوانين المسيطرة عليها وكل ما يتعلق بالتضخم ووسائل الإنعاش الاقتصادي وغير ذلك من الدراسات اللازمة لإعداد تخطيط اقتصادي يتفق وظروف المجتمع الذي يعنيه.
ومهما تباينت أساليب التخطيط فلا بد له أن يقوم على رسم خطة قابلة للتنفيذ في حدود الإمكانيات والموارد القابلة للاستثمار, فالمشروعات الخيالية والخطط التي تعجز عن تنفيذها موارد الهيئة موضوع التخطيط لا يمكن أن تدخل في نطاق التخطيط العلمي الذي قمنا بإطلاق هذا التعريف عليه.
وعلى هذا فان توافر هذه الأركان الثلاثة أمر ضروري في التخطيط الاجتماعي لأن الخطط الصلاحية ومشروعات النهوض بمستوى المواطنين تتطلب إدراكاً تاماً لإمكانيات المجتمع من جانب واستعداد الأفراد والجماعات والهيئات لتقبل نتائج هذه المشروعات من جانب آخر.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم