إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-2012, 01:07 AM
  #1
أحمد فاروق سيد حسنين
 الصورة الرمزية أحمد فاروق سيد حسنين
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,257
Arrow عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها .

عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها

السلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في ذاتها أنما هي وسيلة لتحقق الغاية المتمثلة بالمصلحة العامة للمجتمع، فإذا انحرفت الإدارة في استعمال هذه السلطة بإصدار القرارات لتحقق أهداف تتعارض مع المصلحة العامة فأن قرارها يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها ويعد هذا العيب من أسباب الطعن بالإلغاء التي ترد على القرار الإداري، ونتناول في هذا الجزء من الدراسة التعريف بهذا العيب وصوره ورقابة القضاء الإداري بشأنه .

المطلب الأول: تعريف عيب إساءة استعمال السلطة

يكون القرار الإداري معيبا بعيب إساءة استعمال السلطة إذا استعمل رجل الإدارة صلاحياته لتحقق غاية غير تلك التي حددها القانون ويتصل هذا العيب بنية مصدر القرار وبواعثه، لذلك يقترن هذا العيب بالسلطة التقديرية للإدارة ولا يثار إذا كانت سلطة الإدارة مقيدة بحدود معينة.
وقد حظي هذا العيب بأهمية كبيرة في القضاء الإداري في فرنسا ومصر والأردن على السواء ألا أن أهميته تضاءلت لأنه يتصل بالبواعث النفسية الخفية لجهة الإدارة، وإثباته يتطلب أن يبحث القضاء في وجود هذه البواعث وهو غاية بعيدة المنال.
لذلك أضفي القضاء علي هذا العيب الصفة الاحتياطية فلا يبحث في وجوده طالما أن هناك عيب أخر شاب القرار الإداري مثل عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل أو مخالفة القانون . ( )
وإذا كان عيب الانحراف بالسلطة عيب قصدي أو عمدي يتعلق بنية مصدر القرار الذي غالبا ما يكون سيئ النية يعلم أنه سعي إلى غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو غير تلك التي حددها القانون فأنه قد يحصل أن لا يقصد مصدر القرار الابتعاد عن المصلحة العامة ألا أنه يخرج على قاعدة تخصيص الأهداف فيكون القرار مشوبا بعيب الانحراف أيضاً.

المطلب الثاني: صور إساءة استعمال السلطة

مثلما هو الحال في سائر عيوب القرار الإداري يتخذ عيب الانحراف في استعمال السلطة صورا عده نتناولها تباعاً .

أولاً- البعد عن المصلحة العامة:

القانون لم يعط الإدارة السلطات والامتيازات ألا باعتبارها وسائل تساعدها علي تحقيق الغاية الأساسية التي تسعى إليها وهي المصلحة العامة . ( )
وإذا ما حادت الإدارة عن هذا الهدف لتحقيق مصالح شخصية لا تمت للمصلحة العامة بصلة كمحاباة الغير أو تحقيق غرض سياسي أو استخدام السلطة بقصد الانتقام فإن قراراتها تكون معيبة بعيب الانحراف بالسلطة .
ومن الجدير بالذكر في هذا المجال انه لا يكفي في هذا الصدد أن يتحقق نفع لأحد الأشخاص لتحقيق عيب الانحراف فإذا كان النفع أحد النتائج على القرار وليس هو غايته فالقرار ليس معيباً بعيب الانحراف، وتتحقق هذه الصورة في الانحراف في حالات عديدة كالقرار الذي يصدر ببواعث سياسية أو تحدياً لحكم قضائي أو تحايل عليه أو بدافع الانتقام( ).

ثانياً- مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف:

على الرغم من أن الإدارة تستهدف تحقيق المصلحة العامة دائماً فقد يحدد المشرع للإدارة هدفاً خاصاً يجب أن تسعى قراراتها لتحقيقه وإذا ما خالفت هذا الهدف فإن قرارها يكون معيباً بإساءة استعمال السلطة ولو تذرعت الإدارة بأنها قد قصدت تحقيق المصلحة العامة، وهذا ما يعرف بمبدأ تخصيص الأهداف ومثال ذلك قرارات الضبط الإداري التي حدد لها القانون أهدافاً ثلاثة لا يجوز للإدارة مخالفتها وهي المحافظة على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة، فإذا خالفت الإدارة هذه الأهداف في قرار الضبط الإداري فإن قراراها هذا يكون مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة وجديراً بالإلغاء .

ثالثاً- إساءة استعمال الإجراءات :

تحصل هذه الحالة من الانحراف عندما تستبدل الإدارة الإجراءات الإدارية اللازمة لإصدار قرار معين بإجراءات أخرى لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه، وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب أما لأنها تعتقد أن الإجراء الذي اتبعته لا يمض لتحقيق أهدافها أو أنها سعت إلى التهرب من الإجراءات المطولة أو الشكليات المعقدة .
وأياً كانت التبريرات فإن الإدارة تكون قد خالفت الإجراءات التي حددها القانون ويكون تصرفها هذا مشوباً بعيب إساءة السلطة في صورة الانحراف بالإجراءات .
ومثال ذلك أن تلجأ الإدارة إلى الاستيلاء المؤقت على العقارات بدلاً من سيرها في طريق إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة تفادياً لطول إجراءات نزع الملكية، أو أن تقرر الإدارة انتداب موظف وهي تستهدف في الحقيقة معاقبته فتلجأ إلى قرارالانتداب لتجريده من ضمانات التأديب .


المطلب الثالث: إثبات عيب إساءة استعمال السلطة

الأصل في عيب الانحراف بالسلطة أن يقع عبء إثباته على عاتق من يدعيه فإن عجز عن ذلك خسر دعواه ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسها، لا سيما وأن القرارات الإدارية تتمتع بقرينة المشروعية وعلى من يدعي مخالفتها للمشروعية إثبات ذلك .
وبالنظر لصعوبة موقف المدعي وعجزه في أحيان كثيرة عن إثبات هذا الانحراف ما دام يتعلق بالنواحي النفسية لمصدر القرار، فقد درج القضاء الإداري على أنه إذا كان نص القرار أو ما تضمنه ملف الدعوى من أوراق ومستندات تؤدي إلى إثبات الإساءة أو الانحراف بالسلطة فإنه يجوز للقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه بإلغاء القرار دون أن يحمل طالب الإلغاء إقامة الدليل على وقوع الانحراف .
كذلك استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي والمصري على قبول الدليل المستمد بكل طرق الإثبات أو الدلالة من مجرد قراءة القرار أو أسبابه التي بني عليها أو من طريقة إصدار القرار وتنفيذه والظروف التي أحاطت به لإثبات عيب الانحراف، وليس في القضاء الاداري العراقي ما يخالف ذلك .
ويمكن للقضاء أن يستدل على وجود الانحراف من الظروف المحيطة بالقرار وتوقيت وطريقة إصداره وتنفيذه، كما يجوز استدعاء الخصوم لسؤالهم عن الوقائع المحيطة باتخاذ القرار للوقوف على أهداف الإدارة وبواعثها إذ أن المهم أن لا يبقى الادعاء بإساءة استعمال السلطة قولاً مرسلاً لا دليل عليه .

ومن صور إساءة استعمال السلطة :

-أن يتوخى مصدر القرار هدفاً لا صلة له بالمصلحة العامة ، كأن يسعى إلى تحقيق غرض سياسي أو مذهبي أو بقصد الانتقام ، أو الدفاع عن مصالحه الخاصة .

- قد يتخذ القرار لتحقيق مصلحة عامة لكن صورة هذه المصلحة ليست هي التي من أجلها زودت السلطة الإدارية بإمكانية إصدار القرارات ، ومثالها التقليدي أن تستخدم سلطات الضبط الإداري لأغراض غير وقائية النظام العام ولو كانت تلك الأغراض متعلقة بالصالح العام .

- عندما تتخذ الإدارة قراراً يبدو في مظهره الخارجي انه قرار لا شائبة فيه من حيث المشروعية ، لكن الهدف الحقيقي وراءه إسقاط أحكام العدالة ، كما لو صدر مرسوم لائحي يعدل نظام الإدارات بهدف السماح باتخاذ إجراءات فردية مماثلة لقرارات حكم مجلس الدولة بإلغائها .



منقول للفائدة


__________________
محاسب قانونى
أحمد فاروق سيد حسنين





اسألكم الدعاء لأبي وأمى
بالرحمة والمغفرة

أحمد فاروق سيد حسنين غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-12-2012, 01:09 AM
  #2
أحمد فاروق سيد حسنين
 الصورة الرمزية أحمد فاروق سيد حسنين
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 3,257
افتراضي مشاركة: عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها .

حكم - عيب اساءة استخدام السلطة

المحكمة العليا

القضاة :

السيد/ هاشم محمد أبو القاسم قاضى المحكمة العليا رئيساً

السيد/ زكى عبد الرحمن قاضى المحكمة العليا عضواً

السيد/ صلاح محمد الأمين قاضى المحكمة العليا عضواً

عبد المنعم محمد نور – الطاعن

ضد

مدير مكتب الأراضي وأحمد بسلطان – المطعون ضده

النمرة: م ع / ط أ س/ 30/88م

المبادئ:

قانون إداري / عيب إساءة استخدام السلطة ، ما يكفى لقيامه.

أن عيب إساءة استخدام السلطة (استعمال السلطة) يتطلب بطبيعته عملاً إيجابياً ولا يكفي فيه مجرد التقصير من جانب السلطة المختصة.

الحكم:

القاضي: زكى عبد الرحمن محمد

التاريخ: 14/11/1990م

عريضة الطعن هذه تقدم بها في 31/5/1988م الأستاذ رمضان على محمد المحامي وقتئذ نيابة عن الطاعن في الطعن الإداري رقم (1) لسنة 1986م (محكمة مديرية البحر الأحمر) يطعن بها في الحكم الصادر بتاريخ 5/2/1988م من محكمة استئناف الإقليم الشرقي بشطب الاستئناف المقدم إليها مما أبقى على الحكم الصادر من محكمة المديرية في الطعن الإداري المشار والذي قضى بدوره بشطب ذلك الطعن.

وتتحصل الوقائع في أنه وفي 11/3/1405هـ الموافق 3/12/1984م رفع الطاعن الطعن الإداري المشار إليه فيما تقدم أمام محكمة الاستئناف الإقليم الشرقي بالرقم 2/1405هـ في مواجهة سلطات الأراضي والمواطن أحمد بسطان تأسيساً على أنه أي الطاعن ، كان حائزاً للمنزل رقم (9) المنازل الشعبية – الثورة (بورتسودان) وأنه منح ذلك المنزل في عام 1962م من السلطات المختصة وفق الشروط المحددة للمنح ومنها دفع مبلغ واحد جنيهاً شهرياً ، وأنه ظل يفي بذلك الشرط حتى عام 1964م عندما اضطر للسفر إلى الجنوب فقام بإسكان المطعون ضده الثاني في المنزل بشرط أن يقوم بدفع الجنيه (كقسط شهري) وأن المطعون ضده الثاني ظل يدفع القسط حتى أكتوبر 1965م وأنه وفي نوفمبر 1969م أوقفت السلطات المختصة سداد – الأقساط المقررة وأن المطعون ضده الثاني تقدم لتلك السلطات بطلب (باسمه) بدلاً من اسم الطاعن رغم أنه لا يستوفي شروط التمليك. وأن المطعون ضده الأول منح المنزل للمطعون ضده الثاني وسجله باسمه.

وبناء على ذلك طلب الطاعن إلغاء قرار تمليك المنزل للمطعون ضده الثاني كما طلب تعويضاً مقداره أربعة آلف جنيه.

سمعت محكمة الاستئناف جزءاً من أدلة الطاعن بعد أن حددت نقاط نزاع تدور في جوهرها حول الحيازة وقبل تكملة السماع تم تعديل القانون فيما يتعلق بالاختصاص في نظر الطعون الإدارية مما استوجب إحالة الطعن لمحكمة المديرية وهناك تداول نظر الطعن عدد من قضاة المديرية اكتمل خلاله سماع أدلة كل من الطرفين ومن ثم صدر الحكم بشطب الطعن الإداري.

ورغم أن حكم محكمة الموضوع تنكب الطريق إلى جوهر النزاع فيما لو كان النظر إليه بالقواعد التي تحكم الطعون في القرارات الإدارية. وتعرض المسائل لا صلة لها بالقواعد التي كان ينبغي تطبيقها في هذا الصدد. فإنه انتهى إلى مناط الحق في المنزل محل النزاع كان الحيازة الفعلية له قبل صدور قرار التمليك وأن مثل هذه الحيازة تثبت للمطعون ضده الثاني (المطعون عليه الثاني أمامنا) الذي كان يتمتع في رأي محكمة الموضوع بحيازة حكمية فقط ، كما انتهت المحكمة إلى أن قرار التمليك لم يكن قائماً على قانون مما لا يجعله مشوباً بمخالفة لأي قانون ، كما أن القرار لم يكن مشوباً بإساءة في استخدام السلطة.

لم يرض الطاعن بهذا الحكم فطعن فيه عن طريق الاستئناف أمام محكمة الاستئناف الإقليم الشرقي التي أصدرت بأغلبية أعضائها الحكم المطعون فيه.

وكان تسبيب أغلبية أعضاء الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه على النحو التالي:

1/ أن الطعن الإداري قبل مبدئياً ثم تم النظر فيه في ضوء المادة 312 من قانون الإجراءات المدنية ولا تثريب على محكمة الموضوع في ذلك.

2/ المحكمة الإدارية نفذت إلى جوهر النزاع وفصلت فيه ولا حاجة بها في ذلك إلى تناول نقاط النزاع بالتفصيل الذي حددت به.

3/ جوهر النزاع هو ما إذا كان الطاعن حائزاً للمنزل محل النزاع. وقد قررت محكمة الموضوع في هذا الشأن أن الطاعن كان يتمتع بحيازة حكميه للمنزل بينما المطعون ضده الثاني هو الذي كان حائزاً فعلياً له. ولما كان أساس منح المنازل هو حاجة الممنوح لهم للسكن وكان الطاعن قد نقل من بور تسودان ، فإن صلته قد انقطعت بالمدينة ومن ثم انتفى حقه في المنزل. وعلاوة على ذلك فإن الدولة كمالكة للمنزل كانت تملك سلطة نزع المنزل ممن تشاء وتخصصه لمن تشاء وقد فعلت ذلك لمن توفر فيه الشرط الأساسي وهو الحيازة الفعلية والحاجة للسكن.

4/ تأسيساً على ما تقدم ، فإنه لم تكن في القرار الإداري المطعون فيه مخالفة للقانون أو إساءة في استعمال السلطة.

وقد أضاف صاحب الرأي الثاني في حكم الأغلبية هذا (القاضي عبد الرؤوف ملاسي أن محكمة الموضوع قد أخطأت في إشارتها للفقه الإنجليزي وذلك لأنه ، ولما كانت – المذكرة التفسيرية لقانون الإجراءات المدنية (قد أكدت أن المادة (312) من القانون مأخوذة من قانون مجلس الدولة المصري ، فإن فقه القانون المصري وليس فقه القانون الإنجليزي هو الذي ينبغي الرجوع إليه.

أما الرأي المعارض في محكمة الاستئناف (القاضي يوسف عثمان بشير قاضي المحكمة العليا ورئيس المحكمة) فقد رأى أن النزاع إنما حول مدى مخالفة القرار الإداري – المطعون فيه للقانون ، وأنه ذو شقين: شق يتعلق بحرمان الطاعن (المستأنف) من حق ونزعه منه ، وشق آخر يتعلق بعدم استيفاء المطعون ضده الثاني لشروط منح المنازل ومن ثم كان رأي القاضي العالم أن الواجب كان يقضي بأن تحدد محكمة الموضوع القانون الذي خالفه القرار المطعون فيه. وفي هذا الشأن رأى سيادته أن القانون المعني هو القانون بمعناه الواسع طبقاً لنص المادة (4) من قانون تفسير – القوانين والنصوص العامة ، وعليه كان رأيه هو أن تعاد الأوراق لمحكمة الموضوع لإعادة النظر في النزاع طبقاً لما نبه إليه. واستطرد القاضي العالم بالقول أنه يبدو أن قاضي الموضوع لم يطلع على المادة 6 (2) من قانون الإجراءات المدنية والمادة (3) من قانون أصول الأحكام القضائية وتسآل قائلاً: أين الفقه أو القانون الإنجليزي بين هذه المصادر؟

وفي مزيد من الاستطراد قال القاضي العالم: ولعلم السيد القاضي (قاضى الموضوع) أن النصوص المتعلقة بالطعن الإداري في قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974م و 1983م مقتبسة من قانون مجلس الدولة المصري ، وليس عن القانون الإنجليزي ولهذا لم يكن يوجد مبرر واحد أو أساس لتفسيرها في ضوء الفقه الإنجليزي. لأنه ليس المصدر لهذه النصوص ، بل إنه لم يعد لمثل هذا الاسترشاد من أساس قانوني في التطبيق القضائي، وإن صح مثل هذا في الدارسات الأكاديمية المقارنة وعلى السيد القاضي أن يتذكر دائماً أنه في السودان وأنه يطبق القانون السوداني كما أنه وللمرة الثانية ألفت انتباهه أنه لا داعي للحشو والتزيد الذي لا لزوم له (انتهى الرأي المعارض) لم يرض الطاعن بهذا الحكم فطعن فيه أمامنا تتلخص أسبابه فيما يلى:

1/ القرار الإداري محل النزاع كان مخالفاً للقانون لأنه خالف الشروط التي كانت تحكم تخصيص مثل هذه المنازل.

2/ القرار كان مشوباً بإساءة استعمال السلطة للأسباب التالية:

أ- الحيازة كانت أصلاً للطاعن وهو الذي إذن للمطعون عليه الثاني بالسكن في المنزل محل النزاع.

ب- المطعون عليه الثاني قام بتزوير طلب العداد للمنزل فقدمه على أنه تنازل من الطاعن له.

ج- المطعون عليه الثاني أدلى بمعلومات كاذبة حين أنكر أنه يملك قطعة الأرض بينما كان مالكاً لقطعة وكان فيما قاله ما حمل السلطات إلى منحه المنزل رغم عدم استحقاقه له فيما لو كانت ملكيته للقطعة معروفة لديهم وذلك طبقاً للشروط المقررة في منح مثل هذه المنازل.

وفي هذا الشأن يقول الطاعن أن المطعون عليه الأول إما كان على علم بالتزوير الذي ارتكبه المطعون عليه الثاني (وفي هذه الحالة يكون قد أخطأ في مراعاة أسس تخصيص المنازل) أو لم يكن عالماً به (وفي هذه الحالة يكون قد أساء التقدير لأنه لم يتحقق من الواقعة التي ادعاها المطعون عليه الثاني قبل منحه المنزل).

قدمت عريضة بأسبابها هذه في 31/5/88 بينما الثابت من المحضر هو أن المحامي السابق للطاعن (الأستاذ صلاح مرحوم) كان قد أعلن بالحكم المطعون فيه في 12/3/88 ومن الواضح أن عريضة الطعن قدمت بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً إلا أنه وبناء على طلب الطاعن واعتذاره بمرض محاميه السابق والذي أدى إلى عدم تمكن اتصال محاميه ذلك به ، قررت الدائرة التي قدمت لها العريضة وقتئذ إعلان الطعن بحجة أنه سبق أن كانت قد أمهلت محامى الطاعن في تقديم أسباب الطعن وتمديد فترة الطعن (ولم يكن قرار الإمهال متضمناً لأي قرار صريح بمد ميعاد الطعن).

على أنه ، وأياً كانت جلية ذلك فقد أعلن المطعن للمطعون عليهما فتجاهله وكيل نيابة بورتسودان الذي كان يمثل المطعون عليه الأول. فلم يرد عليه. أما المطعون عليه الثاني فقد تولى الرد عنه الأستاذ مجدي محمد حسين المحامى وكانت حججه كما يلي :

1/ الطعن مقدم بعد فوات ميعاده بحوالي ثمانية أشهر وعليه ينبغي شطبه.

2/ المطعون عليه الثاني هو الذي كان الحائز الفعلي للمنزل محل النزاع ولهذا استوفي شرط منحه بينما الطاعن لم يكن مستوفياً لذلك الشرط.

3/ ليس في عريضة الطعن ما يحدد وجه مخالفة الإقرار الإداري المطعون فيه للقانون.

4/ القرار الذي تم به توزيع المنازل لم يكن (قانوناً) في معنى هذه العبارة في قانون تفسير القوانين والنصوص العامة وإنما كان قراراً صادراً من رئيس الجمهورية بموجب صلاحياته الدستورية.

هذا ما كان من أمر مراحل هذا النزاع وأسباب الطعن في حكم محكمة الاستئناف في شأنه وبما ورد في الرد على تلك الأسباب من المطعون عليه الثاني. ورغم أن هناك قرار من هذه المحكمة بمد ميعاد الطعن أو اعتبار الأمر كذلك. فإنه لا مجال لتجاوز ما أثاره محامى المطعون عليه الثاني في شأن خروج الطعن عن ميعاده المقرر قانوناً.

ويبين في هذا الشأن أن المادة 70 من قانون الإجراءات المدنية تشترط لمد الميعاد قيام (ضرورة) تقتضى ذلك . ولا خلاف بعد هذا على أن المرض الذي يقعد بالطاعن أو ممثله القانوني عن تقديم الطعن خلال الميعاد المقرر قانوناً يدخل في معنى الضرورة. غير أن المرض الذي اعتذر به الطاعن في هذا الطعن لا يبدو لي مستوفياً لشرط الضرورة المطلوبة ذلك لأنه وبالنظر إلى الإقرار الذي وقعه المحامي السابق للطاعن (الأستاذ صلاح مرحوم) في شأن مرضه يبين أنه يقول: (كنت صريع الملاريا منذ 2 فبراير 1988م حتى أوائل مارس 1988م).. بينما خطاب ذلك المحامي لموكله الطاعن المؤرخ في 24/4/88 يقول (.. كنت مريضاً بملاريا طوال فبراير حتى منتهى مارس 88..) ومؤدى هذا هو أنه وإذا ما أخذنا بما ورد في الإقرار (وهذا ما ينبغي) (كان إعلان محامى الطاعن بالحكم المطعون فيه بعد شفائه من مرض الملاريا ، إذ أنه شفى في أوائل مارس وأعلن الحكم في أواسط الشهر (12/3) وبذلك فإن ما انقضى من زمن منذ إعلان المحامي بالحكم وحتى تاريخ إخطاره لموكله الطاعن في 24/4/88 فترة لا أثر فيها لأية ضرورة كانت تبرر مد ميعاد الطعن. على أنه حتى إذا أخذنا بما ورد في خطاب المحامي للطاعن (وهذا ما لا يجوز مع وجود إقرار صريح منه بخلاف ذلك) فإن مؤدى ذلك أيضاً أن المحامي السابق للطاعن بقي ما لا يقل عن أربعة وعشرين يوماً قبل أن يخطر الطاعن بالحكم المطعون فيه رغم أن المحامي كان قد استلم الحكم أثناء مرضه أو عقب شفائه. ومرة أخرى لا أثر لأية ضرورة في هذا.

ليس هذا فحسب ، وإنما وحتى بعد إخطار المحامي للطاعن بموجب خطابه بتاريخ 24/4/88 بمرضه وبضرورة أن يلجأ الطاعن لهذه المحكمة لطلب مد الميعاد ، فإن ذلك الطلب لم يقدم إلا في 31/5/88 بيد أن حجة الطاعن في ذلك أنه كان في كسلا وأن خطاب محاميه لم يصل إلا في 22/5/88 بعد أن سافر هو في اليوم السابق لبورتسودان لمقابلة محاميه وإن أفلح في ذلك فأسرع للخرطوم حيث كلف محامياً آخر هو الذي تولى إجراءات الطعن بعد ذلك.

وما يثيره الطاعن أمور تتعلق بوقائع ليس هناك ما يثبتها ويصعب التسليم بها نظراً إلى أنها تقوم على ادعاءات تخالف المجريات العادية للأمور وعلى الصدف التي لا يصح القياس عليها. وفي تقديري أنه يلزم عدم التوسع في معنى الضرورة على وجه يفتح الباب لمثل هذه الادعاءات المجردة. على أن الضرورة التي قد تبرر مد الميعاد – لا تقتصر على العقبات التي تحول دون تقديم الطعن خلال الميعاد المقرر له فقد اتجه قضاء هذه المحكمة في الآونة الأخيرة إلى اعتبار الخطأ الواضح في الحكم المطعون فيه مما يدخل في معنى الضرورة التي تضفي على المحكمة سلطة في مد الميعاد ولو من تلقاء نفسها.

وإزاء ذلك ، وعلى الرغم من أن القرار الصادر في هذا الطعن بمد الميعاد لم يقم صراحة على توفر خطأ كهذا في الحكم المطعون فيه. فإن إعلان الطعن رغم تجاوزه للميعاد ينطوى على افتراض قيام ضرورة تقتضى إصدار حكم موضوعي في النزاع إما لإقرار مبادئ أساسية في القانون أو في الإجراءات السليمة أو لمقتضيات عدالة تقدرها المحكمة.

وعلى هدى من هذا النظر فإنه يبين أن حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه وفيما قضي به من تأييد حكم المحكمة الإدارية ، قد انطوي على عدة أخطاء يلزم التنبيه لها دون أن يترتب على ذلك بالضرورة نقض ذلك الحكم مما يقوم مبرراً في - تقديري – للتجاوز عن العيب الشكلي في إجراءات تقديم هذا الطعن.

ولعل أول الأخطاء في الحكم المطعون فيه اتجاهه الواضح إلى مجاراة المحكمة الإدارية في اعتقادها الخاطئ في وجود دعوى إدارية جديرة بكل ما اجهدت به المحكمة نفسها من سماع وحكم ، بينما واقع الأمر هو أن عريضة الطعن الإداري كانت تخلو من أي سبب يبرر تصريحها ابتداء وكان يلزم شطبها إيجازياً ؟ فقد اقتصرت العريضة على سرد بعض الوقائع حول حق الطاعن في شغل المنزل محل النزاع وإدلاء المطعون ضده الثاني بمعلومات غير صحيحة ربما كانت سبباً في تخصيص المنزل له. ومن الواضح أنه ليس في هذه الوقائع وحدها ما يكشف عن سبب لطعن إداري. ولربما تبدل وجه الرأي فيما لو أشارت العريضة بعد ذلك صراحة إلى أي من الأسباب التي تصلح أساساً للطعن طبقاُ لنص المادة 312 (ج) من قانون الإجراءات المدنية. بيد أن الطاعن لم يفعل شيئاً من ذلك إلا بعد أن سمعت الدعوى في ضوء نقاط نزاع اقتصرت هي الأخرى على الوقائع دون أن يبين منها كيف يمكن تكييفها على وجه يحقق سبباً للطعن الإداري. فلم ترد إشارة لمسألة سبب الطعن إلا في مرحلة المرافعات الختامية حين تمسك المطعون عليه بانعدام أي سبب للطعن بينما أصر الطاعن من جانبه على أن – السبب هو مخالفة القرار الإداري للقانون بحجة أن منح المنزل للمطعون عليه الثاني رغم امتلاكه لقطعة أرض كان مخالفاً للشروط المقررة لمنح المنازل. وحتى هنا لم يبين الطاعن كيف أن هذا يشكل مخالفة للقانون.

على أنه يبين جلياُ أن المحكمة الإدارية أدركت عندئذ فقط أنها تواجه نزاعاً لم تتبين كنهه منذ البداية ولم يتجه إليه بطبيعة الحال ذلك السماع الذي تم للدعوى ولهذا فإن المحكمة لم تر مفراً من محاولة تبرير قبول الطعن ابتداء وموالاة نظره إلى نهايته فغرقت في جدل عقيم حول الشروط الشكلية والموضوعية للطعن الإداري وكيف أنه يلزم استيفاؤها مجتمعة – فيما قالت – وانتهت إلى أن تخلف أي منها يترتب عليه بالضرورة شطب الطعن. ولأن المحكمة كانت قد قبلت الطعن في البداية فإنها رأت أن في المادة (303) من قانون الإجراءات المدنية ما يسعفها في إجازة قبول الطعن بأثر رجعي. ثم تبرعت المحكمة من تلقاء نفسها بالتعدى للأسباب الموضوعية التي قد تصلح أساساً للطعن الإداري طبقاً لنص المادة 312 (ج) من قانون الإجراءات المدنية وانتهت من خلال ذلك كله إلى أن القرار الإداري لم يكن ينطوي على مخالفة للقانون لأنه لم يكن هناك قانون فيما يتعلق بالقرار وإلى أنه لم تكن هناك أيضاً إساءة في استعمال السلطة ، ومن ثم قررت المحكمة شطب الطعن.

ولا حاجة بنا إلى الإفاضة فيما وقعت فيه المحكمة الإدارية من خلط فيما يحكم الطعن الإداري من قواعد شكلية وموضوعية. إذ بينما المسلم به أن للطعن شروطاً شكلية وأخرى موضوعية ، إلا أنه ليس صحيحاً أنه ينبغى توفر كل تلك الشروط معاً قبل أن يصح الطعن ، كما لا يصح أصلاًَ النظر إلى تلك الشروط في مرحلة الحكم وإنما يلزم التأكد من توفر الشروط الشكلية (مجتمعة فعلاً) وكذا توفر ما يثير إلي قيام واحد من الأسباب الموضوعية (وليس كلها مجتمعة فيما قالت به المحكمة الإدارية) المنصوص عليها في الفقرة (ج) من المادة 312 المشار إليها قبل تصريح الطعن ، إذ أن تلك الأسباب ترد على وجه التبادل بحيث يكفي أي واحد منها كسب الطعن.

وبعد سماع الدعوى تكون مهمة المحكمة هي التقرير في مدى ثبوت سبب الطعن طبقاً لما يحكم ذلك من وقائع وقواعد قانونية. ومؤدى ذلك أن إجراءات نظر الطعن في القرار الإداري هي في مجملها ما يحكم نظر الدعاوى المدنية عموماً في ضرورة بيان مشتملاً عريضة الطعن بما في ذلك السبب الذي يقوم عليه ولا وجه للخلاف بينهما إلا في أن ما هو مطلوب في الطعن الإداري في هذا الشأن محدد على وجه الدقة.

ولم تقتصر أخطاء المحكمة الإدارية على الخلط بين شروط الطعن الإداري وإنما تجاوزت ذلك إلى إغفال بعض المبادئ الأساسية في سماع الدعوى ، إذ أنه يبين أنها وبتاريخ 8/10/1986م أصدرت قراراً برفض سماع شهادة المدعو أحمد عبد اللطيف كشاهد دفاع نظراً إلى أنه كان أحد شهود الإدعاء (ص 82 من المحضر) ثم ما لبثت أن تناست قراراها ذلك فعادت وأمرت بإعلانه واستمعت إلى شهادته دون إشارة لقرارها السابق في هذا الشأن. ولو أن المحكمة فعلت ذلك بإدراك – محسوس وتسبيب- أياً كان، لالتمسنا لها عذراً في خروجها هذا عن المألوف وقبولها لهذه الحيلة التي حاول بها المطعون ضده الأول معالجة ما شاب قضيته من قصور (إذ كانت الفرصة متاحة له في تحقيق أغراضه من خلال مناقشة هذا الشاهد عندما أدلى بشهادته كشاهد إدعاء) ، غير أن المحكمة ، وبعدم إشارتها لقرارها السابق ، بدت وكأنها تفتقر إلى الدقة والحرص اللازمين في المحكمة وهذا عيب كبير منها.

ويبين مما تقدم أن حكم المحكمة الإدارية كان مشوباً بأخطاء جوهرية مما كان ينبغى أن يكون محل اعتبار صريح في حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه، غير أن الحكم الأخير، بدلاً من ذلك ، جاء بدوره مشوباً بمزيد من الأخطاء كان سببها أن محكمة الاستئناف اتجهت إلى التماس مبررات حكم المحكمة الإدارية لقناعتها في سلامة ذلك الحكم في نتيجته ولكنها لم تتبين وهي تفعل ذلك إلا أنها إنما تتردى بذلك إلى نفس الخطأ مهما كان ما أضافته من محسنات ، إذ أنه لا يستقيم الظل والعود أعوج وأنه شتان ما بين طعن كان ينبغى شطبه إيجازياً لعدم وجود سبب للطعن ابتداء ، وطعن استوفي سببه المبدئي وشطب موضوعياً لعدم ثبوت ما كان أساساً له من إدعاء لأسباب تتعلق إما بالوقائع أو بالقانون. وإذا كان القصور في هذا التفريق مألوفاً في المحاكم الابتدائية ، فإنه حتماً غير مقبول من محكمة الاستئناف ، إذ أن من المفترض فيها هو أن تكون من الدقة بما يجعل من أحكامها توجيهات وترشيداً للمحاكم الابتدائية.

على أنه يجمل القول ، ومن باب الاستطراد وحده أنه ، وحتى إذا كان في عريضة الطعن الإداري ما يشير إلى سبب للطعن يبرر الفصل فيه موضوعياً فإن جماع الأدلة التي قدمت في الدعوى لا تكفي لإثبات أي عيب في القرار – يستوجب إلغاءه إذا ما كان النظر إليه على هدى من أسباب الطعن المنصوص عليها في المادة 312 (ج).

ورغم أن هذا أيضاً هو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه ، إلا أن ذلك ليس للأسباب التي قام عليها ذلك الحكم ، فالثابت من الأدلة هو أن الطاعن كان فعلاً حائزاً المنزل محل النزاع وأنه أسكن فيه المطعون عليه الثاني ، ومن الثابت أيضاً أن المطعون عليه الثاني تقدم بطلب باسم الطاعن لتحويل عداد المياه لاسمه وأنه تقدم بطلب باسمه للحصول على المنزل وقد كان تفسيره لهذا الطلب الأخير ، وبإقرار الطاعن نفسه ، هو أنه خشي أن يضيع المنزل منهما معاً فآثر أن يتم التخصيص له على الأقل. غير أن الأسس التي حاز بها الطاعن المنزل في البداية ليست واضحة ، وقوله بأنه كان قد منح المنزل بأقساط يؤدى سدادها إلى تمليكه المنزل في النهاية قول لا سند له من الأدلة، بل وفي أدلة بعض من كانوا يشغلون منازل مماثلة ما ينفي هذا الإدعاء ويؤكد في المقابل أن الأمر لم يكن يتعدى الإجارة وأن الإجارة انتقلت عملياً للمطعون عليه الثاني.

وفي ذات الوقت ، فإنه يبين من الأدلة أيضاً ، أن قرار تمليك المنازل صدر أصلاً من رئيس الجمهورية في ذلك الوقت وأنه لم يحدد الأسس التي يتم بها التخصيص وإن كان مقصوراً في البداية على عمال الشحن والتفريغ ببورتسودان. وعند النظر في تنفيذ ذلك القرار رأت السلطات المختصة أن يمتد التوزيع إلى غير أولئك العمال على أن يكون وفق شروط تم تحديدها وشملت حداً أقصى للدخل والإعالة والسكن في المنزل الذي ينظر في أمر تخصيصه.

ويبين من هذا أنه من غير المستساغ قانوناً تكييف هذه الشروط على أنها في أي معنى لعبارة (قانون) طبقاً لتعريف هذه العبارة في قانون تفسير القوانين والنصوص العامة ولذلك فإنه لا مجال للحديث عن أن القرار الإداري محل الطعن مخالف للقانون.

إن غاية ما يمكن أن يكون سبباً للطعن في ظروف هذا النزاع هي أنه هناك – احتمال في إساءة استعمال السلطة وذلك تأسيساً على أن الشروط التي وضعتها – السلطات المختصة لتوزيع المنازل تشكل قيوداً ذاتية عليها يرقي تجاوزها أو التفريق بين المواطنين في شأنها إلى إساءة في استعمال السلطة التي خولها إياها القرار الجمهوري على أنه ليس من اليسير القول بتحقق هذا السبب هو أيضاً وذلك لما يلي :-

أ- أنه وحتى إذا كان المطعون عليه الثاني قد منح المنزل رغم عدم استيفائه لشرط عدم امتلاك قطعة أرض، فإنه لا يترتب على السلطات المختصة في منحه المنزل طالما لم يثبت أنها لم تكن على علم بتخلف ذلك الشرط. وليس صحيحاً في هذا الشأن ما يقوله محامي الطاعن من أن إساءة استعمال السلطة تتحقق حتى لو لم تكن تلك السلطات على علم بواقعة امتلاك المطعون عليه الثاني لقطعة أرض ، إذ أن هذا العيب (إساءة استخدام السلطة) يتطلب بطبيعته عملاً إيجابياً ولا يكفى فيه مجرد التقصير.

أنه قد يكون هناك تقصير من جانب السلطات المختصة في عدم تحقيقها في المعلومات التي أدلى بها المطعون عليه الثاني في شأن قطعة الأرض التي يمتلكها غير أن ما يترتب على ذلك التقصير ليس هو الطعن الإداري الذي تكون غايته الحكم للطاعن بذات المنزل محل النزاع (كما هو الحال في هذا الطعن) إذ أن التقصير ليس من الأسباب التي يجوز بها الطعن قانوناً. وإنما ما يترتب على ذلك هو محاولة الحصول على قرار بإلغاء قرار التخصيص. ومثل هذا القرار (هو شق من هذا الطعن) لا يتحقق عن طريق القضاء وإنما الطريق إلى تحقيقه هو صدور قرار إداري آخر يلغي قرار التخصيص لقيامه على معلومات مضللة وواضح أن السلطات المختصة ، وبعد أن أدركت خطأ قرارها وأسباب ذلك شاءت أن تتنصل من مسئوليتها في ذلك ، وفي تصحيح الخطأ ، بأن دفعت الأمر برمته إلى ساحة القضاء لعلها تجد في ذلك مخرجاً من الورطة التي أدخلت نفسها فيها ، ولكن هيهات.

ب- أنه ، وحتى إذا كان النظر إلى الوجه الآخر من إخفاء المطعون عليه لواقعة امتلاكه لقطعة أرض (وأيضاً كونه كان مستأجراً من الطاعن) ، بما تنطوي عليه من نوع الغش، فإنه ليس في ذلك هو الآخر ما يجعل قرار منح المنزل للمطعون عليه الثاني مشوباً بإساءة في استخدام السلطة فذلك أمر لا شأن للمطعون عليه الأول به وأي حق ربما يكون متاحاً للطاعن إنما ينبغي أن يكون محل إجراءات في مواجهة المطعون عليه الثاني وحده وليس مكانه الطعن الإداري الذي لا يتوفر له بذلك أي سبب.

ج- أنه ولما كانت شروط المنح بما فيها شرط الحيازة (أياً كان سندها أو منشئوها) منطبقة على المطعون عليه الثاني ، فإن قرار المطعون عليه الأول – بمنحه المنزل ، لا يكون مشوباً بأي عيب من العيوب التي تجيز الطعن فيه كقرار إداري.

ويبين مما تقدم أن أخطاء المطعون عليه الثاني التي حصل بها على المنزل هي مما يتعلق به هو ولا أثر لها على صحة القرار الإداري وقت صدوره بما يجعل حق الطاعن في منزل (إن وجد مثل هذا الحق) يقوم بمعزل عن القرار الذي منح منزلاً للمطعون عليه الثاني بحيث لا يلزم في إثبات حق الطاعن بالضرورة إلغاء القرار الإداري محل الطعن.

وفي تقديري أن هذا هو وجه النظر السليم للطعن ولا شأن والأمر كذلك للمحاكم بما أجهدت به محكمة الاستئناف نفسها من بحث في المبررات التي لا أساس قامت عليها شروط توزيع المنازل في بورتسودان وما إذا كانت تلك المبررات قد تحققت في الطاعن أو في المطعون عليه الثاني ومن ثم ، ما إذا كان هذا أو ذاك هو الأحق بمنزل من المنازل التي تم توزيعها ، فكل ذلك أمر لا اختصاص فيه للقضاء إلا عندما تكون تلك الشروط بما يقتضيه القانون وبذلك ينشأ النزاع حوله في إطار دعوى بمخالفة القرار الإداري للقانون كسبب من أسباب الطعن.

هذا ما كان من أمر الشق الموضوعي من حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه. غير أن هناك جانباً آخراً انصرف إليه كلية الرأيان الثاني والثالث لا أرى أنه من المناسب تجاوزه دون تعليق وذلك نظراً إلى ما يمكنه أن يترتب عليه من خلط في أذهان المحاكم الدنيا لقواعد القانون. فما أن وقف صاحبا الرأيين المشار إليهما في حكم محكمة الموضوع على إشارة إلى القانون الإنجليزي إلا وثارت ثائرتهما وغضبا على تلك المحكمة غضبة مضرية وكأن المحكمة أتت أمراً أدا.

ولو أن القاضيين الجليلين اكتفيا بالتنبيه إلى الحقيقة التي لا خلاف عليها وهي أنه لا مكان لتطبيق قواعد القانون الإنجليزي – ثم اتجها بعد ذلك إلى إرشاد المحكمة إلى المصادر الصحيحة لقواعد القانون ، لصح نهجهما ، ذلك لأنه ، وفضلاً عن أن تطبيق القانون الإنجليزي لم يكن أصلاً لازماً في السودان في أي وقت من الأوقات (ولم يصبح كذلك الآن فقط) فإن المشرع السوداني قد تناول بالنص الصريح كثيراً من أبواب القانون ومصادر قواعده التي كانت مدخلاً لتطبيق القانون الإنجليزي دونما حاجة فعلية في ذلك.

غير أن محكمة الاستئناف ، وبدلاً من التأكيد على ذلك ، وقعت في خلط مريع في تصديها لبيان مصادر القانون ، وبدت كما لو كانت تدعو إلى إحلال قانون أجنبي آخر محل القانون الإنجليزي – على الأقل فيما يتعلق بالطعون الإدارية – وهو منهج خطير يلزم التنبيه إلى خطئه.

ويبين من سياق تسبيب المحكمة لاتجاهها هذا أنها تستند في ذلك إلى مذكرة تفسيرية قالت أنها صاحبت قانون الإجراءات المدنية وأن فيها إشارة إلى المادة 312 من ذلك القانون مأخوذة من قانون مجلس الدولة المصري ، وبناء على ذلك انتهت محكمة الاستئناف ، في رأي عضوين منها ، إلى أنه يلزم تفسير المادة 312 المشار إليها على هدي من فقه القانون المصري.

وبالرجوع إلى قوانين الإجراءات المدنية المتعاقبة منذ عام 1972م ، يبين أنه وباستثناء قانون المرافعات المدنية لسنة 1972م الذي صاحبته مذكرة تفسيرية فعلا لم تصدر أية مذكرة تفسيرية رسمية لأي من القوانين الأخرى، وكل ما هناك أن قانون 1974 كان مصحوباً بمقدمة أشارت إلى مصادر ذلك القانون على النحو التالي (.. كما استعين فيه بمبادئ وقواعد استقيت من نظم وقوانين معمول بها في كثير من البلدان الأوربية والعربية كما في النصوص الخاصة بالاختصاص الدولي والطعن في القرارات الإدارية كمثال. (وليس في هذا ، فيما هو واضح ، ما يخصص دولة بعينها أو نظاماً قانونياً على وجه التحديد على أنها أو أنه مصدر للقواعد في المسائل التي أشارت إليها المقدمة.

أما المذكرة التفسيرية المرافقة لقانون 1972م فقد خلت تماماً من المصادر التي أخذت منها مواد ذلك القانون (وإن كانت تلك المصادر ، وكذلك سبب الحرج في السكوت عن ذكرها ، معلومة للكافة).

على أنه ، وحتى إذا كانت واقعة استقاء نص المادة 312 من قانون الإجراءات المدنية من قانون مجلس الدولة المصري أمراً ثابتاً بمذكرة تفسيرية أو بخلاف ذلك فإنه ليس في ذلك وحده ما يجعل فقه القانون المصري مصدراً أوحداً ، أو حتى مصدراً رئيسياً لتفسير نص تلك المادة ، وذلك لأن قواعد التفسير التي يلزم أعمالها في تفسير النصوص القانونية هي ما تقرره المادة الثانية من قانون أصول الأحكام القضائية ومواد قانون تفسير القوانين والنصوص العامة ، وهي ما لا مجال للخلاف على أنها تخلو من أية إشارة يمكن تأويلها على وجهة يجيز التنقيب عن الأصول الأجنبية التي أخذت عنها أية نصوص قانونية وتطبيق ما انتهى إليه فقه تلك الأصول.

وقد استقل الرأي الثالث في الحكم المطعون فيه بخلط بين مصادر وقواعد تفسير القوانين وما ينبغى الرجوع إليه في حالة غياب النص ، إذ أنه أشار إلى المادتين 6 (2) من قانون الإجراءات المدنية ، و3 من قانون أصول الأحكام القضائية في معرض الحديث عن التفسير ، بينما المادتان المشار إليهما تتعلقان بحالات غياب النص ، على أنه وحتى إذا سلمنا أن المادتين تصلحان في مسألة التفسير ، فإن فيهما ما يرد على تساؤلات صاحب الرأي الثالث حينما قال : أين القانون الإنجليزي بين هذه المصادر ؟ فبالمثل يرتد السؤال إليه وأين فقه القانون المصري من هذه المصادر.

ولعله فات على صاحب الرأي أنه ، وفيما لو كانت المادتان 6 (2) و (3) المشار إليهما هما ما يحكم قواعد التفسير فإن الأمر لابد أن ينتهي إلى ما يأباه هو نفسه (وهو تطبيق القانون الإنجليزي في صورة ما) إذ أنه ، وبمقتضى المادتين كلتيهما ، تشكل السوابق القضائية مصدراً من مصادر القانون إذا لم يكن في المصادر التي تسبقها في الترتيب قاعدة يمكن تطبيقها . ومؤدى ذلك إلى أن كل ما أخذ به قضاؤنا من قواعد القانون الإنجليزي – وما أكثرها – تصبح بالضرورة أساساً ينبغي على المحاكم الاسترشاد به في الحالات المناسبة.

بيد أن كل ما تقدم لا يشكل منهجاً سليماً لمعالجة ما يشوب القوانين من غموض وما يتخللها من فجوات إذ أن النظرة السليمة في تقديري لمثل هذه القوانين ومنها المادة 312 (ج) من قانون الإجراءات المدنية محل النظر ، هي أنها إنما تضع مبادئ عامة شائعة في معظم النظم القانونية المنتشرة في أرجاء العالم ولا تستأثر بها دولة دون أخرى حتى إذا كانت النصوص مأخوذة من هذا النظام أو ذاك. ولعل الإمعان في الأسباب الموضوعية للطعن في القرارات الإدارية والتي تنص عليها المادة المشار إليها يؤكد هذا التقدير ، إذ أنها لا تختلف على سبيل المثال عن الأسباب التي يجوز بها الطعن في النظام الأنجلوساكسوني ، بل لعلها تقتصر عن تلك الأسباب في بعض جوانبها.

وأن ورود النص على هذا النحو العام مما يتيح لقضائنا فرصة ذهبية في بناء تراث سوداني خالص في القانون الإداري ولا حرج في ذلك ، بل ولا مهرب فيه من الرجوع في حدود ما يتيحه القانون ، إلى تراث الشعوب الأخرى لا يفرق بينهما إلا مدى عدالة تراثه وتوافقه مع ظروفنا الخاصة ، وبهذا المنهج وحده نتجنب تجربة الماضي في الارتباط بتلك النظم بدولة أخرى دونما حاجة ملحة في ذلك.

ويصح وجه النظر في هذا ، في تقديري من حيث المبدأ دون اعتبار لما قد يبدو من الوهلة الأولى ماثلاً في الظروف بين السودان وأية دولة أخرى بعينها ما يشجع على الارتباط بتجربتها ، ذلك لأن التعويل على التماثل يقود حتماً إلى النقل وهو أمر غير مرغوب فيه ، بينما قبول القاعدة القانونية ، على أساس من ملائمتها وعدالتها بنظرة موضوعية وفاحصة، إنما هو من قبيل الاسترشاد المباح وهو المطلوب في كل الأوقات بل وكل ما يتيحه القانون للقضاء.

نخلص من كل ما تقدم إلى أن محكمة الاستئناف ، ومن قبلها محكمة المديرية قد تنكبت طريق النظر السليم للطعن الإداري محل هذه الإجراءات فقد كان على محكمة المديرية شطب عريضة الطعن الإداري إيجازيا لخلوها من أي سبب يجيز الطعن ، كما كان على محكمة الاستئناف ، وقد فات على محكمة المديرية ذلك، أن تتولى ذلك الأمر بنفسها غير أن محكمة الاستئناف أخفقت في ذلك هي الأخرى فجارت محكمة المديرية في خطئها ووقعت في سياق ذلك ، هي بدورها في أخطاء لا تقل – فداحة.

ومع ذلك ، فإن النتيجة التي انتهى إليها حكما المحكمتين ، وهي شطب الطعن الإداري ، قد تكون صحيحة رغم أنها ربما جاءت في مرحلة متأخرة وفي تقديري أننا لا نملك إلا أن نوافق عليها، إذ أنه لم يعد من الممكن إعادة عجلة الإجراءات إلى الوراء. وأن ذلك – وحتى إذا كان ممكناً – لن يخدم إلا مصلحة نظرية بحتة وذلك في ضوء ما تبين لنا من الوقائع الثابتة وحكم القانون فيها من أن فرص أية عريضة طعن تستوفي شروطها الشكلية إنما ضئيلة للغاية.

القاضي: هاشم محمد أبو القاسم.

التاريخ: 17/11/1990م

أوافق مولانا العالم زكى عبد الرحمن في كل ما جاء في مذكرته الضافية مما يحتم شطب هذا الطعن برسومه.

القاضي : صلاح محمد الأمين

التاريخ: 24/11/1990م

أوافق فلقد جاءت مذكرة مولانا العالم زكى وافية تماماً. أود أن أشير إلى نقطة جوهرية فات على محكمة الموضوع الالتفات إليها وهي وجوب إرفاق صورة من القرار الإداري مع العريضة – حسب نص الفقرة (3) من المادة 309 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م إذ أننى لم أجد هذه الصورة في ملف القضية تخلف هذا الشرط يخول للمحكمة رفض العريضة.

__________________
محاسب قانونى
أحمد فاروق سيد حسنين





اسألكم الدعاء لأبي وأمى
بالرحمة والمغفرة

أحمد فاروق سيد حسنين غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:22 PM