إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 10-16-2009, 09:14 AM
  #11
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,220
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع

‏في هذا الزمن الذي للأسف الشديد نسمع فيه ونقرأ الكثير عن عقوق الابناء لآبائهم وأمهاتهم‏,‏ حتي وصل الامر إلي حد الضرب‏,‏ بل والقتل ـ والعياذ بالله ـ أرجو التكرم بنشر هذه القصة التي رواها السيد ماهر أبو طير في مجلة الوطن العربي‏,‏ ففيها من العبرة والعظة ما قد يردع الكثيرين ممن لايراعون آباءهم وأمهاتهم عندما يصلون إلي خريف العمر‏,‏ ويكونون في أمس الحاجة إلي عون وعطف أبنائهم‏,‏ لاهين عن حقيقة مهمة تقول‏:‏ كما تدين تدان‏,‏ وغافلين عن قوله تعالي‏:‏ إن الله سريع الحساب في الدنيا قبل الآخرة‏.‏

وإليك القصة‏:‏
يروي قبل سنوات‏,‏ أنه حدث في عاصمة عربية‏,‏ أن والدا عجوزا كان يضربه أولاده يوميا‏,‏ بسبب أو بدون سبب‏,‏ يعود الاولاد سكاري إلي المنزل آخر الليل‏,‏ ولايجدون سوي الاب لإخراج كل تلك القاذورات التي عششت في رءوسهم‏,‏ حتي وصل الاب إلي مرحلة بان فيها ضعيفا جدا ومريضا‏,‏ مما دفع الابناء العاقين إلي الاتفاق علي حمله ليلا ورميه عند حاوية نفايات في ذلك الحي الشعبي‏,‏ وقد حصل فعلا ما اتفقوا عليه‏,‏ إذ حملوه ليلتها وهو يرجوهم أن يتركوه‏,‏ وذهبوا إلي الحاوية ورموه عندها‏,‏ قائلين له‏:‏ مت هنا‏.‏ وخرج الجيران علي صوت الاولاد وهم يقهقهون علي أبيهم‏,‏ في ظل محاولة أخيرة منهم لرميه داخل الحاوية‏.‏ وهب الجيران هبة رجل واحد من أجل إنقاذ الرجل العجوز‏,‏ إلا أن المفاجأة كانت فيما قاله الاب الملقي جانب الحاوية‏.‏ إذ طلب من الجيران تركه عند الحاوية وطلب من أولاده أن ينصرفوا إلي شأنهم‏,‏ وبدأت دموعه بالتساقط بغزارة‏,‏ قائلا للجيران‏:‏ اتركوني هنا فهذا عدل السماء‏.‏ فقبل أربعين سنة‏,‏ كنت أضرب والدي العجوز‏,‏ ووصل بي الامر أنني حملته بتحريض من زوجتي‏,‏ جراء مرضه آنذاك وقرف زوجتي من خدمته‏,‏ وقمت بحمله ورميه في مزبلة القرية‏,‏ حيث مات

ليلتها وكانت عيناه شاخصتين الي السماء تدعوان‏,‏ بعد أن كان مشلولا لاينطق لسانه‏,‏ وما ترونه الليلة سداد دين أبي‏,‏ وانتقام الله مني‏,‏ فاتركوني‏..‏ وقد كان مأسويا أن يموت الأب ليلتها قرب حاوية النفايات‏,‏ مثلما عق والده قبل عقود ورماه علي مزبلة القرية إرضاء لزوجته المصون‏.‏ انتهت القصة والتي تحمل من العبرة والخوف وخشية الله في تعامل الابناء مع الآباء والامهات ما تشيب له الرءوس‏,‏ إذ إن ما يفعله الابناء اليوم مع آبائهم وأمهاتهم سيرتد حتما عليهم يوما ما في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ إن خيرا فخير‏,‏ وان شرا وعقوقا فشر وعقوق من أبنائهم في المستقبل عندما يحل خريف العمر بهم‏.‏ ذلك أن عقوق الوالدين يعتبر من الكبائر التي حذر منها الله ورسوله بعد الشرك بالله‏.‏ فحتي كلمة أف نهانا الله عنها في قوله تعالي‏:‏ ولا تقل لهما أف ولاتنهرهما وقل لهما قولا كريما‏,‏ فما بالنا اليوم بكثيرين من الابناء لايزورون آباءهم وأمهاتهم إلا مرة واحدة كل شهر أو كل أسبوع‏,‏ ولايتفقدون أهلهم حتي بمكالمة هاتفية‏,‏ ناهيك عن معاملتهم بجفاء‏,‏ فهل أمنوا غضب الله عليهم وتقلب الأيام والليالي؟ أم أمنوا مكر الله‏,‏ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون‏.‏ إن
سداد الدين آت آت ولو بعد حين‏
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-20-2009, 09:58 PM
  #12
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,220
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع

بـريــد الأهــرام

44909‏السنة 133-العدد2009نوفمبر20‏3 من ذى الحجة 1430 هـالجمعة
هـذا الوحـش‏!‏

سـيدي‏..‏ أرجو أن تتذكرني‏,‏ ويتذكرني قراء بابك الأعزاء‏,‏ فأنا صاحبة رسالة الانتقام التي نشرت بجريدتكم في‏2006/11/17,‏ نعم أنا التي كتبت لك عن والدي‏,‏ الذي كان يعاملنا ـ أنا واخواتي وأمي ـ معاملة مهينة حتي فقدت أمي الحياة‏,‏ كمدا‏,‏ ورفض تسلم جثتها ودفنها‏,‏ ثم تزوج بعدها عدة مرات‏,‏ وبعد أن ذهب لأداء العمرة‏,‏ انقطعت أخباره عدة سنوات حتي صدر قرار المحكمة بفقده‏,‏ وحصلنا علي ميراثه‏,‏ ولكن شاءت إرادة الله أن أجده مصادفة بعد سنوات‏,‏ عجوزا منهكا‏,‏ فاقدا للذاكرة‏,‏ يمسح سلالم العمارات‏,‏ ويتسول ثمن طعامه‏,‏ ودوائه‏,‏ بعد ان كان في رغد من العيش‏,‏ يحرمنا نحن منه‏,‏ ويهيننا في أعمال مرهقة لننفق علي أنفسنا‏!‏

سيدي‏...‏ قرأت ساعتها ردك علي رسالتي‏,‏ ونصيحتك لنا ـ أنا واخواتي ـ بالعفو‏,‏ وإطفاء نار الانتقام‏,‏ الذي لن تدوم لذته سوي لحظات‏,‏ فجمعت أخواتي‏,‏ وأخذتهم ومعنا المحامي وذهبنا لنري أبي الذي عاد‏..‏ سألنا عليه‏,‏ فدلنا أولاد الحلال علي مكانه‏,‏ وعلمنا انه تم نقله الي أحد المستشفيات الحكومية‏,‏ فذهبنا اليه هناك‏,‏ ورأينا مشاهد مؤلمة‏,‏ فقد كان ينام علي مرتبة متهالكة‏,‏ في حجرة كئيبة‏,‏ بها كثير من المرضي‏,‏ الذين أخبرونا أنه يذهب كثيرا في غيبوبة‏,‏ وأن الاطباء يريدون ان يخرجوه‏,‏ ولكنهم لايعرفون أهله حتي يتسلموه‏.‏

ذهبنا للطبيب لنسأل عن حالته‏,‏ فقال انه يعاني من أمراض كثيرة‏:‏ ضغط وسكر ومياه علي الرئة‏,‏ وتليف بالكبد‏,‏ ودوالي بالمريء‏,‏ نقلناه الي أحد المستشفيات النظيفة بالقاهرة علي مسئولية المحامي‏,‏ وعندما أفاق من الغيبوبة بكي بشدة‏,‏ وقال‏:‏ وحشتوني‏,‏ لماذا لم تأتوا الي منذ فترة‏,‏ بكينا سيدي من هذه الكلمات‏,‏ ومن حالته المأساوية‏,‏ ومن وصف الأطباء لأمراضه الكثيرة‏,‏ كان يقول هذه الكلمات ودموعه تغرق وجهه الذي سكنته الشقوق والجروح‏,‏ وكأنه كان يشعر أننا أولاده‏!!‏

بعد أيام‏,‏ طلب منا الاطباء الاهتمام بعلاجه‏,‏ ونظافته‏,‏ ومعيشته‏,‏ وفوجئنا به يطلب منا أن نخرجه من المستشفي لأنه علم أن الغرفة التي يقيم بها غالية الثمن‏,‏ وسامح الله شقيقتي‏,‏ فقد قالت له‏:‏ انت في حجرة متحلمش بيها أخفي وجهه في الملاءة‏,‏ وقال لي‏:‏ اخرجيني يا ابنتي من هنا‏,‏ واقرضيني ثمن العلاج‏,‏ وسوف أسدده لك إن شاء الله‏,‏ فقالت له أختي‏,‏ ومن أين ستسدد؟ قال‏:‏ سوف أعمل‏,‏ سأنظف البيوت‏,‏ وأمسح السلالم‏,‏ هذا هو عملي‏,‏ وان لم استطع تسديد دينكم سأعمل عندكم بثمن العلاج‏,‏ أمسح سلالم شققكم‏,‏ وأنظفها‏!‏

لم تعط شقيقتنا لنا فرصة لنشفق عليه بعد هذا الموقف‏,‏ فعلي الفور قالت له‏:‏ لقد كان لنا أب‏,‏ لكن لم يرحمنا‏,‏ ولم يرحم أمنا‏,‏ حتي وهي مريضة‏,‏ فكان يجبرها علي العمل ويقول لها اشتغلي بلقمتك علي الرغم من أنه كان يمتلك كثيرا من الأموال‏,‏ ولكنه اليوم علي استعداد للعمل عند أولاده‏,‏ يخدمهم‏,‏ ليسددوا نفقات علاجه‏,‏ وهنا تدخلت أنا‏,‏ وأخبرته أننا ننفق هذه الأموال عليك صدقة عن أمي المتوفية‏,‏ فأنت مثل والدنا‏,‏ نهرتني أختي قائلة‏:‏ متطمعهوش فينا‏,‏ انت السبب‏,‏ ربنا ياخدك معاه‏,‏ كان لازم تقابليه‏,‏ وترجعيه تاني‏.‏

أصر أحد أخوالي علي الذهاب الي أعمامي‏,‏ ليخبرهم أن أخاهم أبو البنات قد عاد‏,‏ وأنه حي‏,‏ لم يمت‏,‏ ويعالج في المستشفي‏,‏ فكذبوه‏,‏ وحضروا إلي المستشفي‏,‏ وحدثت بيننا خناقة كبيرة وضربونا‏,‏ وكانت فضيحة في العائلة‏,‏ ولكن خالي ذهب الي قسم الشرطة‏,‏ وعمل محضرا ضد أعمامي‏,‏ وجاء أمين الشرطة للمستشفي ليسأل العجوز‏:‏ انت مين؟‏..‏ قال‏:‏ أنا معرفش حاجة‏,‏ هؤلاء البنات ساعدوني‏,‏ وأحضروني للمستشفي للعلاج‏,‏ وقال للاطباء اني فاقد للذاكرة‏,‏ ولكني لو كنت فعلا أباهم‏,‏ فأنا مش عاوزهم يعرفوني تاني‏..‏ قالها سيدي‏,‏ وهو يبكي بحرقة‏,‏ فكيف لأب ان يضرب بناته‏,‏ ويعذبهم‏,‏ بل ويكون سببا في وفاة أمهم‏,‏ هل كنت أنا هذا الوحش‏,‏ ان كنت كذلك‏,‏ فلا أريد أن أذكرهم بما عانوه معي‏!!‏

خرج الرجل من المستشفي‏,‏ بعد علاجه‏,‏ وعلم اننا بناته‏,‏ وكان كلما يري واحدة منا يداري وجهه‏,‏ وهو يبكي ويقول اللهم قصر أيامي فأقول له انت مش مبسوط انك عرفت ولادك‏,‏ فيقول كان نفسي أكون مبسوط ولكن ذكرياتي معكم ذكريات موت ولهذا لن استطيع العيش معكم‏,‏ سأعود إلي حجرتي الصغيرة‏,‏ أكنس وأمسح السلالم‏,‏ والبيوت‏,‏ ولكن كل ما أطلبه منكم يا ابنتي هو ان تسامحوني‏..‏ سامحوني أرجوكم‏!!‏

كررها سيدي أكثر من مرة‏...‏ سامحوني‏,‏ فقلت له لو سامحناك نحن في حقنا‏,‏ فمن يسامحك في حق أمي؟‏...‏ فقال وهو يبكي يا ابنتي‏..‏ ياويلي من عذاب الله‏,‏ فلا أدري ماذا أقول لربي عندما يسألني‏,‏ لماذا لم تنفق علي بناتك‏,‏ وقد رزقتك مالا كثيرا‏,‏ لماذا تركتهن ومعهن زوجتك المريضة يعملن لينفقن علي أنفسهن؟

..‏ ماذا سأقول لربي إذا سألني لماذا لم تتسلم جثة زوجتك‏,‏ وتدفنها؟‏!‏

أخذته أختي الوسطي بعدها ليعيش معها‏,‏ ولكنها ـ سامحها الله ـ كانت تعطي له العلاج علي معدة خالية لأنها كانت تقوم من النوم متأخرة‏,‏ وكان أول طعامه هو العيش الناشف فكان يطلب منها ان تبلل له العيش ليستطيع مضغه‏,‏ فكانت تغرق العيش في الماء حتي يتفتت‏,‏ فيلملمه بأصابعه الضعيفة‏,‏ وهو لا يملك ما يسد جوعه غير ذلك‏,‏ وكانت كلمته التي يرددها دائما أهي أكلة والسلام‏!‏

لا استطيع ان أنسي مشهده‏,‏ سيدي عندما ذهبت لزيارته يوما‏,‏ فوجدته جالسا عند باب الشقة من الداخل‏,‏ حزينا وخائفا فسألته ماذا جري؟ فأخبرني أنه تبول لا اراديا علي مرتبة السرير وان شقيقتي قد نبهت عليه الا يفعلها مرة أخري‏,‏ بكي بشدة وترجاني ان ارحل به من عندها‏,‏ فأخذته وذهبت به الي اختي الاخري‏,‏ فقد كنت رافضة أن يعيش معي في الشقة‏,‏ فأنا أعيش منفردة‏,‏ وكنت لا أريد أن أعيش لخدمته‏,‏ وكنت أقول لنفسي في بعض الأوقات اتركيه يتبهدل عند ولاده ثم اذهبي به لحجرة الموت التي كان يعيش فيها‏..‏ أعرف انكم جميعا ستدعون بأن ينتقم الله مني‏,‏ وقد قلتها بالفعل لنفسي‏!!‏

عندما دخلنا علي أختي باغتته بسؤال‏:‏ انت لسه عايش‏,‏ وكمان هتعيش معايا‏!‏ تعلق الرجل في يدي‏,‏ وبكي‏,‏ واستحلفني الا أتركه‏,‏ وأصطحبه معي‏,‏ فأخبرته أنها أيام قليلة‏,‏ ثم يعود إلي حجرته الأصلية‏,‏ تركته سيدي‏,‏ ولكن ظلت نظرة عينيه لا تفارقني دقيقة‏,‏ وهو يتوسل لي ألا أتركه‏,‏ فعدت بعد أسبوع لزيارته‏,‏ فوجدته نائما علي كنبة ببلكونة المنزل‏,‏ وعلمت أن شقيقتي كانت تكلفه بنظافة المنزل‏,‏ ومسحه‏,‏ وكأنه خادمة‏,‏ حتي إن زجاج الشباك أصاب إصبعه‏,‏ فلم تكلف نفسها عناء علاجه‏,‏ وتركته ينزف ويعاني‏!!‏

أمسك بيدي ورجلي‏,‏ وترجاني أن أعود به إلي حجرته‏,‏ ووعدني أنه سيطلب من أولاد الحلال سداد ما أنفقناه عليه في علاجه‏,‏ أخذته‏,‏ وذهبت به إلي حجرته الصغيرة التي يسكن بها في مدينة طنطا‏,‏ وأعطيت أموالا لشيخ المسجد لكي يقوم علي رعايته‏,‏ ثم سافرت‏,‏ وما إن نزلت في محطة القطار‏,‏ إلا ووجدتني أعود مرة أخري‏,‏ وأستقل القطار العائد إلي طنطا‏,‏ وعندما دخلت عليه انهار في البكاء‏,‏ وقال كنت أعلم أنك ستعودين‏,‏ أنت فقط من أشعر بك‏,‏ استلقيت في حضنه ـ لأول مرة ـ إنه أبي يأخذني في حضنه الدافيء‏,‏ بكيت علي كتفيه‏,‏ غمرت وجهه الدموع‏,‏ ثم سألني‏:‏ هل سامحتيني‏..‏ فرحت في صمت عميق‏,‏ ولكنه ليس علامة عن الرضا‏!!‏

لم أستطع أن أتركه بعد كل ذلك‏,‏ واصطحبته معي إلي شقتي‏,‏ كنت أبحث عن رضا ربي‏,‏ قبل أي شيء‏,‏ علي الرغم من النار الدفينة التي كانت تسكن أحشائي مما فعله معنا‏..‏ عشنا معا فترة شعرت فيها ـ لأول مرة ـ بطعم أن يكون لك أب يربت علي كتفيك‏,‏ يحنو عليك‏,‏ كنت أدخل الشقة فأجده واقفا في الشباك ينتظرني‏,‏ ويطمئن علي‏,‏ كان يطلب مني أن آخذه إلي مقبرة والدتي‏,‏ وعندما وقف أمامها‏,‏ بدأ في قراءة القرآن‏,‏ وبكي كثيرا‏,‏ ثم طلب منها أن تسامحه‏,‏ وأن تشفع له عند الله ليسامحه‏.‏

لا أنسي هذه الأوقات التي كان يساعدني فيها في لملمة أوراقي التي كنت أحضرها معي للعمل بالمنزل‏,‏ ثم نبدأ في اللعب علي الكمبيوتر‏,‏ لم أعد أحتمل البيت بدونه‏,‏ فقد كان يذهب لزيارة حجرته‏,‏ التي كان يسكن بها‏,‏ فلم أتحمل هذه الساعات‏,‏ وذهبت فورا لإحضاره‏,‏ لا أخفي عليكم سيدي‏,‏ أنه حتي النوم أصبح له طعم في وجوده‏,‏ فكنت أستغرق في النوم‏,‏ وأنا مطمئنة أن أبي معي في المنزل‏,‏ يحرسني بدعواته التي لا تنقطع‏,‏ ربنا يكفيك شر عباده يا بنتي‏!!‏

في هذه الأوقات قررت أن أذهب لقضاء العمرة‏,‏ وعندما أخبرته‏,‏ ضحك‏,‏ وقال‏:‏ أوعي تفقدي الذاكرة‏..‏وبكي‏,‏ وقال لي‏,‏ ومن سيزورني‏,‏ ثم بدأ يوصيني بالدعاء‏,‏ ووعدته بأن أصطحبه معي في المرة القادمة‏,‏ سافرت بعد أن أعطيته تليفونا محمولا لكي أطمئن عليه‏,‏ وبعدها علمت أنه مرض‏,‏ ولم يجد أحدا يدخله المستشفي‏,‏ وبعد أن قضيت عمرة رمضان‏,‏ عدت‏,‏ وأخذته إلي المستشفي‏,‏ كان يعاني في هذه المرة‏,‏ يبتسم كثيرا‏,‏ ويبكي أكثر‏,‏ ويشرد بناظريه أكثر وأكثر‏..‏ وكان يردد دائما‏:‏ تري يا ربي هل خففت عذابك عني‏,‏ تري هل تقبلت دعوتي؟‏..‏ هدأته‏,‏ وقلت له‏:‏ ارحم نفسك‏,‏ ولأول مرة نبض قلبي بالدعاء له‏,‏ أن يشفيه‏,‏ تركته في اليوم التالي‏,‏ وذهبت لعملي‏,‏ وعدت مسرعة بعد أن اتصلت بي الممرضة‏,‏ لتخبرني أنه في غيبوبة‏,‏ فاقتحمت حجرة الرعاية المركزة‏,‏ ورميت نفسي فوق صدره‏,‏ وبكيت‏,‏ كما لم أبك من قبل‏,‏ وصرخت بأعلي صوتي‏..‏ يارب‏,‏ دعه يشعر بي‏,‏ ولو لحظة واحدة‏,‏ لكي أقول له‏:‏ سامحني‏..‏ سامحني علي كل لحظة عاملتك فيها بجفاء‏,‏ فقد كان كل ذلك رغما عني‏..‏ جلست عند قدميه‏,‏ وقبلتهما‏,‏ ثم قبلت رأسه‏,‏ واستحلفته ألا يتركني‏,‏ وطلبت منه
أن يغفر لي‏,‏ ثم ذهبت لأصلي‏,‏ وما هي إلا لحظات‏,‏ وحضرت الممرضة‏,‏ لتقول لي‏:‏ البقاء لله‏!...‏

رحل أبي‏,‏ ورحت أنا في غيبوبة‏,‏ وعلمت بعد أن أفقت أن أعمامي رفضوا دفنه في مقابرهم‏,‏ فدفنه خالي في مقابر العائلة‏,‏ بجوار أمي‏,‏ التي رفض ـ سابقا ـ استلام جثتها‏,‏ وياللقدر ياسيدي‏,‏ فربما تكون قد سامحته هي الأخري‏!‏

الآن سيدي لم أعد أجد من ينتظرني بالمنزل‏,‏ لم يعد هناك من يدعو لي‏,‏ أصبحت أعيش في وحشة الوحدة‏,‏ ويبدو أن انتقام الله قد بدأ معنا‏..‏ نعم سيدي لقد بدأ انتقام الله معي‏,‏ وأخواتي‏,‏ فقد مرضت بهوس نفسي‏,‏ كنت أقطع هدومي‏,‏ وأجري في الشارع‏,‏ وأصرخ‏,‏ وأبكي‏..‏ أضحك‏,‏ وأرقص‏,‏ ثم أعود لأصرخ‏:‏ أبويا مات‏..‏ ياناس‏,‏ أبويا مات‏!!‏

أما شقيقاتي‏,‏ فسوف أقول لك ماحدث لواحدة منهن فقط‏,‏ وهي التي كانت تطعم أبي العيش الناشف فقد أصابها مرض البهاق في جسدها كله‏,‏ ولم يتحملها أحد‏,‏ حتي أولادها‏,‏ وزوجها‏,‏ وطلبوا مني أن آخذها لتعيش معي‏!!‏

سيدي‏..‏ قل ما شئت لنا‏,‏ فنحن في انتظار كلماتك‏,‏ أيقظ ضمائرنا‏,‏ ولكن قبل ذلك كله مازال لدي سؤال أبحث له عن إجابة‏:‏ هل سامحني أبي؟‏!‏

*‏ سيدتي‏..‏ نعم أتذكرك جيدا‏,‏ فمثل تلك القصة لا يمكن أن تمحي من الذاكرة‏!‏ هل تصدقيني لو قلت لك أني أحكي تلك القصة حتي الآن لكثير ممن ألتقي بهم‏,‏ كما يسألني كثير من الأصدقاء والقراء عن حالة الأب أو بماذا انتهت حكايتكم‏,‏ وها أنت جئت بعد سنوات لتضعي كلمة النهاية‏,‏ ولكن هل انتهت قصتكم أم بدأت؟

سبق وحذرتكم ـ ياعزيزتي ـ من أن المنتقم يرتكب نفس خطيئة المنتقم منه‏,‏ وأن والدكم عندما عاد لم يكن هو هذا الوحش القديم الذي عذبكم وأهان والدتكم‏,‏ بل هو انسان عائد بفطرته الأولي‏,‏ بخيره ومحبته وسلامه‏..‏ نعم نحن بشر ولسنا ملائكة‏,‏ قد نجنح إلي الانتقام‏,‏ ولكن الله سبحانه وتعالي وضع ضوابطه لكبح جماح النفس وتهذيبها‏,‏ فطالبنا بالعفو عند المقدرة‏,‏ ووعد الصابرين والعافين عن الناس بجنات وخير كثير‏,‏ ونهانا عن معصية الوالدين وأمرنا بطاعتهما وألا نقول لهما أف ولا ننهرهما ونصاحبهما في الدنيا معروفا حتي لو كان جهادهما للإشراك به سبحانه وتعالي‏.‏

من عاد إليكن ياسيدتي ليس والدكن قاسي القلب‏,‏ متجرد المشاعر‏,‏ الأناني المتغطرس‏..‏ من عاد هو رجل مسن بائس‏,‏ قادكن العلي القدير إليه لترين انتقامه وليكن درسا لكن تتعلمن منه وتوقن بأنه سبحانه وتعالي يمهل ولا يهمل‏..‏ وبدلا من تأمل قدرة الله وفهم رسالته العظيمة‏,‏ تحرك الوحش في داخلكن‏,‏ واستمتعتن بالشر‏,‏ ووجدتن لذة مرضية في إيذاء رجل عاجز فاقد للذاكرة‏,‏ ليس فيه من والدكن إلا الجسد فبالغتن في إهانته وإذلاله‏,‏ وهو التائب النادم علي أشياء لا يذكرها بل ينكرها علي أي أب‏,‏ يخجل منها ويلتمس لكن العذر في الإساءة إليه‏.‏

سيدتي‏..‏ إنها النفس الأمارة بالسوء‏,‏ التي أخرجت الوحش الكامن فيكن حتي أشقائه‏,‏ خشوا علي ما ورثوه عنه‏,‏ وتجاهلوا أنه حي يرزق‏,‏ وأن ماامتلكوه هو مال حرام سيحرق حتما قلوبهم وأولادهم‏,‏ ولو كنت منهم الآن لتصدقت بكل ما ورثوه علي روحه‏,‏ فعليهم أن يسارعوا بتوبة إلي ربهم لعله سبحانه وتعالي يغفر لهم ويتقبل منهم‏.‏

سيدتي‏..‏ الحمد لله أن ضميرك قد استيقظ قبل رحيل والدك‏,‏ فجعلك تستمتعين بوجوده معك‏,‏ لذا هوني علي نفسك‏,‏ اطلبي المغفرة والتوبة‏,‏ صلي من أجله‏,‏ تصدقي وادعي له بالرحمة‏,‏ وثقي في مغفرة الله فأبواب التوبة مشرعة للتائبين‏,‏ وما يطمئنك أنه مات وهو راض عنك‏,‏ محبا لك‏,‏ ملتمسا كل الأعذار لما فعلته معه من تصرفات لا تليق بأبنة تجاه والدها في مثل هذه الظروف‏.‏

الأزمة الحقيقية ـ ياعزيزتي ـ في شقيقتيك وقلبيهما المتحجرين‏,‏ فقد نقلت لنا ما لحق باحداهما من انتقام إلهي‏,‏ ولم تذكري إذا كانت أفاقت من غفلتها واستقبلت الرسالة الإلهية‏,‏ أم مازال قلبها غلفا ؟‏..‏ لعلها تلحق بنفسها وتستغفر الله وتتوب إليه وكذلك شقيقتك الأخري‏,‏ فانتقام الله قادم لا محالة ومن يقتل الوحش بداخله فقد نجا‏,‏ أما من يستسلم له‏,‏ فلن يجني إلا عذابا في الدنيا والآخرة‏,‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:33 PM
  #13
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع

ماكينــة الخياطــة‏!‏


‏السنة 128-العدد 2004 فبراير 27 ‏7 من محرم 1425 هـ الجمعة

هل تذكر هذه الرسالة القصيرة المرفق صورتها والتي نشرتها لي في بريد الأهرام منذ‏22‏ عاما؟ لقد كنت وقتها طالبا بالسنة الثانية بطب الأزهر‏,‏ وشكوت لك من أن المدينة الجامعية رفضت قبولي بحجة أنني لم أكن مقيما بها في السنة الأولي‏,‏ في حين أن إمكاناتي لا تسمح لي بالسكن خارجها لأن نصيبي من معاش أبي لا يزيد علي‏12‏ جنيها واخوتي مثقلون بأعبائهم‏.‏

لقد كان هذا حالي بالفعل‏,‏ فلقد نشأت في أسرة بسيطة مكونة من‏3‏ أشقاء وشقيقتين وكنت الابن قبل الأخير لأبي ـ الذي حرمت منه وأنا في التاسعة من عمري ثم من أمي التي لحقت به بعد‏25‏ يوما كأنما لم تحتمل الحياة من بعده‏..‏ ونشأت في رعاية اخوتي إلي أن حصلت علي الثانوية العامة‏,‏ وجئت من مدينتي بالوجه البحري إلي القاهرة الواسعة لألتحق بطب الأزهر‏..‏ وأقمت أول سنة دراسية مع بعض أبناء بلدتي ثم تفرقوا‏,‏ فتقدمت للمدينة الجامعية للإقامة بها‏,‏ ورفضتني إدارة المدينة للسبب الذي أشرت إليه‏,‏ ولم أجد امامي سوي بابك فشكوت لك ونشرت الشكوي‏,‏ وللأسف لم تستجب إدارة الجامعة لرجائي‏..‏ لكن الرسالة بالرغم من ذلك لم تذهب سدي‏,‏ فقد حققت أثرا آخر لم يخطر في فكري وكان له أثر باهر في حياتي ومستقبلي‏,‏ فلقد تلقيت عقب نشرها خطابا من أحد قراء بريد الأهرام الأفاضل كان يعمل وقتها في الإمارات العربية‏,‏ يقول لي فيها‏:‏ إنه أخ مصري لي يعمل بالإمارات وأنه تأثر كثيرا بحالتي‏,‏ ويرجوني أن أقبل منه هذا المبلغ البسيط وهو شيك بمائة جنيه مرسل علي بنك القاهرة فرع الأزهر كما يرجوني أن ألجأ إليه كلما احتجت إلي شيء إذ إننا جميعا اخوة‏,‏ ولقد رزقه الله الرزق الوفير‏,‏ ثم يخيرني بعد ذلك بين أن يرسل إلي كل عدة شهور مبلغ مائتي جنيه لنفقات الدراسة والكتب‏,‏ أو ان يرسل إلي مبلغا شهريا منتظما قدره ثلاثون جنيها إلي أن انتهي من دراستي‏.‏

فشعرت بأن الله سبحانه وتعالي قد ارسل إلي ملاكا من السماء يأخذ بيدي ويعينني علي تحقيق أحلامي واحلام اسرتي‏,‏ وكتبت إليه أشكره وأدعو له بالخير والصحة والسعادة‏,‏ وابلغه أنني أفضل أسلوب المساعدة الشهرية لكي اضمن موردا يعينني علي الاستمرار في الدراسة‏.‏

وبالفعل بدأ الرجل الفاضل يرسل إلي كل شهر حوالة بمبلغ ثلاثين جنيها بانتظام‏..‏ ويكتب إلي من حين إلي آخر رسائل يشجعني فيها علي الاجتهاد والصبر علي ظروفي‏..‏ ويحرص فيها حرصا شديدا علي ألا يجرح مشاعري أو يشعرني بفضله علي‏..‏ فالتهمت دروسي التهاما لكيلا اتأخر في التخرج ونجحت بفضل هذه المساعدة الكريمة وانتقلت إلي السنة الثالثة ثم الرابعة‏..‏ وفي هذه السنة شعرت بأنني قد اثقلت علي الرجل كثيرا‏,‏ خاصة أنني كنت قد تحدثت عنه إلي زملائي بالكلية فكتب بعضهم إليه يطلبون مساعدته لسوء أحوالهم‏..‏ فلم يخذلهم وارسل إليهم بالفعل مساعدات مشابهة دون أن يشير إلي ذلك في خطاباته إلي‏,‏ وشعرت أنا بالحرج وبأنني قد ورطته في المزيد من الأعباء وكنت قد نجحت في الالتحاق بالمدينة الجامعية‏,‏ فقر قراري علي شيء عزمت علي تنفيذه‏,‏ ولقد نسيت أن اقول لك إنني خلال دراستي في المرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية كنت أعمل في ورشة للخياطة لكي اساعد أسرتي علي اعباء الحياة‏,‏ فتعلمت وأجدت خياطة ملابس الرجال والنساء علي السواء فاشتريت بمدخراتي القليلة من مساعدات الرجل الفاضل ماكينة خياطة واحضرتها إلي غرفتي بالمدينة الجامعية التي يشاركني فيها ثلاثة زملاء آ خرين‏..‏ وبدأت اعمل عليها وأفصل البنطلونات لزملائي في الكلية وفي الجامعة وبأجور متهاودة‏,‏ وسبحان الله انني لم اتسبب بالرغم من ذلك في أي ازعاج لزملائي في الغرفة‏..‏ وانهم لم يتضرروا من عملي علي الماكينة وسطهم‏,‏ ولم يشك أحدهم مني لإدارة المدينة‏..‏ بل كانوا أول زبائني وجلبوا لي زملاء لهم لأفصل لهم البنطلونات واغراهم بذلك حسن التفصيل من ناحية‏..‏ ورخص الأجرة من ناحية أخري‏,‏ بل إن المشرفين علي المدينة الجامعية أنفسهم لم يتوانوا عن تشجيعي علي الاستمرار تقديرا لظروفي‏,‏ بعد أن تأكدوا أنني لا أسبب إزعاجا لأحد‏,‏ ونظرت بعد بدء ممارستي للتفصيل بشهر فوجدت في يدي مبلغا يكفي لمطالب حياتي ودراستي‏..‏ وشعرت بأن الوقت قد حان لكي أطلب من الرجل الفاضل أن يتوقف عن إرسال المبلغ الشهري الي بعد ان أصبحت قادرا علي توفير نفقاتي من عائد عملي الي جانب نصيبي من معاش ابي‏..‏ فكتبت إليه أشكره علي ما فعل معي‏..‏ وأرجو أن يعتبر إجمالي المبلغ الذي تلقيته منه دينا علي أسدده إليه حين استطيع ذلك‏,‏ وأؤكد له أنني لن انسي ما حييت ما كان له من فضل في استمراري في الدراسة وفي حياتي‏.‏

واستجاب الرجل لطلبي‏..‏ ولعله وجه مساعدته لي لطالب آخر أكثر حاجة‏,‏ ومضت الأيام وأنا أدرس الطب واستذكر دروسي وأخيط البنطلونات والملابس حتي تخرجت‏..‏ وعملت‏..‏ وبدأت مشوار الحياة العملية‏..‏ وتوقفت عن الخياطة لكي أتمكن من الاستمرار في دراساتي العليا واستقرت أحوالي المادية‏..‏ وتزوجت وأنجبت ورويت لزوجتي ثم أولادي بعد ذلك قصة هذا الرجل الذي مد لي يد المساعدة في أشد فترات حياتي ضيقا‏..‏ وسافرت للعمل في السعودية حيث أقيم الآن‏,‏ وأنعم الله علي بالرزق‏,‏ ورضيت عن نفسي وعن حياتي غير أنه يشغلني الآن شئ شديد الأهمية بالنسبة لي هو‏:‏ أين هذا الرجل الفاضل الكريم الذي أعانني في شدتي منذ‏22‏ عاما؟‏..‏ وكيف أصل إليه‏..‏ ورد بعض دينه علي‏,‏ أنني مهما فعلت فلن استطيع أن أوفيه حقه‏,‏ لكني أريد أن أقدم إليه أو الي أي انسان ينتمي له أو يمت اليه بصلة قرابة جزءا مما أنعم الله به علي وأريد أن أتكفل باستضافته هو ومن معه في السعودية وبجميع نفقات الحج له ولمن يشاء من اسرته‏,‏ فهل تساعدني في العثور عليه وتحقيق هذا الحلم الجديد لي‏,‏ كما ساهم بريد الاهرام من قبل في تحقيق حلمي القديم بالاستمرار في الدراسة‏..‏ لقد كتبت اليك اسمه‏..‏ واسم الشركة التي كان يعمل بها بالإمارات وهي ليونار إلكترو واسمي ورقم تليفوني لتتفضل بالاتصال بي اذا توصلت الي شئ وشكرا لك مقدما‏..‏ وشكرا لكل من يبذر بذور الخير والعطف والنماء في الارض الطيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏






ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏

يا إلهي‏..‏ ما أسرع ما تجري أمور الحياة‏!‏ فلكأني أكاد أتذكرك وأتذكر رسالتك القصيرة التي كان لها هذا الأثر في حياتك‏!‏
فأما الرجل الكريم فهو يعرف نفسه ولعله يتذكرك فيمن يتذكر ممن مد اليهم يد العون ذات يوم‏,‏ ولعله يتفضل بالكتابة الي أو الاتصال بي ليعطيني عنوانه أو رقم تليفونه لأرسله اليك‏,‏ فتتواصل معه من جديد وتعبر له عن عرفانك بجميله وامتنانك له؟

أن كثيرين يتحرجون من الاشارة الي ما قدمت ايديهم وماتلقوا الشكر عليه‏,‏ لكن العرفان علي الناحية الأخري فضيلة من أقدس الفضائل‏,‏ والشكر علي المنة والاقرار بفضل صاحبها من سمات الأصلاء والأوفياء‏.‏
ولقد حدث أن أصر بعض أهل الفضل علي تكريم شيخ جليل بالرغم من تحرجه من هذا التكريم‏,‏ وتباري الحاضرون في الإشادة بفضله وعلمه وصلاحه ومواقفه الكريمة‏,‏ ثم طلبوا منه أن يلقي كلمة فنهض محرجا وقال‏:‏ جاء في الأثر‏:‏ احثوا في وجوه المداحين التراب‏!‏وسكت للحظات‏,‏ بهت خلالها الحاضرون واستشعروا الحرج ثم قال‏:‏ غير أنه جاء في الأثر أيضا‏:‏ أن المؤمن اذا مدح في وجهه ربا الايمان في قلبه‏,‏ وبهذا المعني فإني اتقبل تكريمكم وأشكركم عليه وأذكركم بما قاله ابن عطاء الله السكندري من انه‏:‏ من مدحك فانما مدح مواهب الله فيك‏..‏ فالشكر لمن وهب وليس لمن وهب له فانفرجت اسارير الحاضرين‏..‏ وصفقوا بحرارة للشيخ الجليل‏.‏

وهذا صحيح‏..‏ فالإنسان اذا استشعر حسن ظن الآخرين به وإشادتهم به‏,‏ أحب ان يستزيد من الفضائل والأعمال التي استوجبت مدحه والإقرار بفضله وهذا هو المقصود بزيادة الإيمان في قلبه‏.‏
كما أنها حقيقة نفسية اكدها علم النفس الحديث بعد‏1400‏ سنة حين قال علماء النفس إن الانسان يميل دائما لأن يكون عند حسن ظن الآخرين به‏..‏ وإنك اذا أشعرت إنسانا ما بأنه أمين وأهل للثقة وعلي خلق كريم ويستحق الإعجاب‏,‏ فانه قد يراجع نفسه عدة مرات قبل أن يقترف ما يخدش هذه الصورة المثالية لديك‏..‏ ولقد يتوقف تدريجيا عما يتناقض معها من سلوكيات علي مدي الأيام‏..‏ حتي يصير بالفعل أمينا وأهلا للثقة‏.‏

ولأن الشكر هو الحفاظ للنعم‏,‏ فإنك تسعي للتواصل مع هذا الرجل الفاضل الذي أعانك علي أمرك في أشد فترات حياتك احتياجا للمساعدة‏,‏ وبمنطق مدح المؤمن في وجهه ينبغي له هو أن يتقبل شكرك وعرفانك ومحاولتك لرد بعض دينه اليه‏..‏ فلا يتواري وراء ستار التحرج والخجل‏,‏ ولا يبخل عليك بهذا الفضل الجديد ان شاء الله‏,‏ خاصة أنك انسان تستحق الإشادة والإعجاب لكفاحك الشريف في الحياة ولتعففك عن الاستنامة الي الاعتماد علي مساعدته الشهرية الي ما لا نهاية‏,‏ فلقد سعيت الي الرزق الشريف وانت طالب طب مثقل بأعباء الدراسة والحياة‏..‏ ونجحت في الاعتماد علي نفسك والاستغناء عن مساعدته في الوقت المناسب‏..‏ واحسب ان اللحظة التي كتبت اليه فيها تشكره علي فضله وتطلب منه التوقف عن إرسال المساعدة الشهرية كانت لحظة فارقة في حياتك وانها قد عمقت احترام هذا الرجل لك ولكفاحك واشعرته بأنه قد وجه مساعدته لمن كان يستحقها بالفعل‏,‏ غير أنك تستطيع ان تعبر عن عرفانك له بطريق آخر الي جانب استضافته هو أو بعض أفراد اسرته ودعوته للحج علي نفقتك‏,‏و لعلك تكون قد بدأت هذا الطريق تلقائيا منذ أن استقرت احوالك وأجزل الله سبحانه وتعالي لك العطاء وهو أن تكرر سيرة هذا الرجل معك في محنتك السابقة‏,‏ مع طالب آخر أو أكثر فتعينه علي أمره‏..‏ كما أعانك هو من قبل علي أمرك وتعيد اليه الأمل في الحياة والمستقبل‏..‏ كما أحيا هذا الأمل في قلبك فهكذا يتواصل غرس بذور الخير والحب والنماء الي ما لا نهاية‏.‏

وهكذا تتأكد بفضل الفضلاء من امثال هذا الرجل وأمثالك خيرية الحياة‏.‏
أنني أترقب أن يكتب ألي هذا الرجل الفاضل أو يتصل بي‏,‏ وأرجو أن أتمكن من تحقيق التواصل بينكما خلال وقت قريب بإذن الله‏.‏









42823 ‏السنة 128-العدد 2004 مارس 5 ‏14 من محرم 1425 هـ الجمعة

ماكينة الخياطة

إلي الطبيب كاتب رسالة ماكينة الخياطة في الطريق إليك خطاب مني يحمل رقم تليفون الرجل الكريم الذي وقف بجانبك خلال مرحلة الدراسة‏,‏ فلقد اتصل بـ بريد الأهرام رجل فاضل قال إنه ابن هذا الشخص‏,‏ وأنه قرأ رسالتك وتشكك في أن يكون والده هو المقصود بها‏.‏ فاتصل به حيث يقيم‏,‏ وسأله عما يعتقده فحاول كعادة الفضلاء في إنكار الذات ألا يجيب علي السؤال‏,‏ ثم تحت ضغط الابن اعترف بأنه فعلا ذلك الرجل‏,‏ ولقد تبين أنه مازال مقيما بالإمارات حتي الآن أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والسعادة‏.‏
وشكرا للابن الفاضل الذي اهتم بالاتصال بنا وإبلاغنا بهذه المعلومات
__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:46 PM
  #14
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


رحلة الأيام

بـريــد الأهــرام
السنة 127-العدد 42788
30 يناير 2004

‏8 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أنا رجل من الخامسة والأربعين من العمر‏,‏ نشأت في أسرة متوسطة بين أمي التي نهضت بمسئوليتي بعد وفاة أبي وأنا طفل صغير‏,‏ وثلاث شقيقات ولقد مضت بنا رحلة الأيام وتخرجت في كلية العلوم وبدأت اخطط لحياتي ولتحقيق نجاحي في الحياة العملية‏..‏ فكان أول ما فعلت هو أن تزوجت من فتاة من أسرة ثرية تكبرني بخمس سنوات‏,‏ تعرفت عليها خلال دراستي الجامعية لأنها كانت كثيرة الرسوب حتي ادركتها وهي لم تتخرج بعد‏..‏ وشعرت بأن زواجي منها سيفتح لي أبواب النجاح والثراء‏,‏ وبالفعل فقد كان اهلها كرماء معي وعرضوا علي وظيفة ذات مرتب عال لكني اعتذرت كيلا أكون تحت وصايتهم‏,‏ وعملت في إحدي الهيئات وبدأت أتطلع لممارسة العمل التجاري الحر إلي جانب الوظيفة‏,‏ وجمعت مبلغا مقبولا من المال يمكن أن يصلح كبداية للعمل‏,‏ كان حصيلة ما ادخرته واقترضته من أمي‏.‏ كما حصلت علي جزء منه من زوجتي‏,‏ ثم قدمته إلي شخص كان يمارس التجارة وكان يهتم بأمري ويمد لي يد العون‏,‏ فرحب بمشاركتي له بهذا المبلغ البسيط وأفسح لي المجال للعمل معه وتعلم أسرار التجارة والسوق‏.‏


وواصلت العمل معه أو من خلاله بحماس شديد‏,‏ ونفذت بعض العمليات التجارية لحسابي الخاص‏..‏ فبدأت احوالي المادية في التحسن‏.‏



وعاما بعد عام أصبح هذا النشاط التجاري هو عملي الأساسي‏..‏ وتفرغت له وحققت نجاحا ماديا كبيرا‏,‏ فاشتريت لنفسي سيارة بدلا من اعتمادي علي سيارة زوجتي‏,‏ واشتريت لنفسي شقة ممتازة بدلا من الإقامة في شقة زوجتي وانتقلت إليها مع ابنتي وزوجتي‏.‏


وأغراني النجاح والطموح فأردت أن تكون لي شركتي الخاصة‏,‏ وأن اتوقف عن العمل تحت مظلة شركة ذلك الإنسان الذي مد لي يد العون في البداية‏,‏ ونفذت قراري برغم محاولته اثنائي عنه‏,‏ وأسست شركتي وجاء وقت الانفصال عن شريكي القديم فتركته وأخذت معي معظم أعمال الشركة القديمة‏..‏ ولم أتأثر برجائه الحار لي أن اترك له بعض هذه الأعمال كيلا تتعثر أعماله هو بعد انفصالي عنه‏,‏ وانتابني الجحود تجاهه بشكل غريب‏,‏ ولم اشعر بأي تعاطف معه‏..‏ حتي وهو يودعني نادبا وقائلا‏:‏ حسبي الله ونعم الوكيل‏!.‏



وبدأت العمل في شركتي الخاصة بحذر ولازمني التوفيق فتوسعت في أعمالها شيئا فشيئا‏,‏ حتي افتتحت فرعا آخر لها‏,‏ وتدفق الربح علي فشعرت بأنني قد ملكت الدنيا وما عليها‏..‏ ولاحظت خلال ذلك أنني قد أصبحت عدوانيا وسليط اللسان بشكل غريب‏,‏ وأنه لا يكاد ينجو من لساني أحد ابتداء من زوجتي إلي موظفي الشركة‏.‏ كأني لا أطيق نجاحي وأريد أن أعبر عنه بالعدوان علي الآخرين‏..‏


ولم لا أفعل وقد أصبحت ثريا ولدي الخدم والحشم وفيلا وسيارات‏..‏ إلخ وفي غمرة نجاحي هذا فوجئت بابنتي الكبري تشكو من آلام لا تحتمل‏,‏ وهرولت بها إلي الطبيب فبدأنا دورة الفحوص والأشعات التي انتهت بالحقيقة المرة وهي إصابة ابنتي الحبيبة بالمرض العضال‏.‏



واجريت لها جراحة عاجلة واصطحبتها بعد الجراحة إلي الخارج لإجراء فحوص جديدة‏,‏ فتبين منها للأسف أن المرض مازال كامنا في جسمها‏,‏ وخضعت الابنة للعلاج الرهيب‏,‏ وعشت أسود أيام حياتي وأنا اري أثر هذا العلاج القاسي علي ابنتي وهيئتها‏,‏ ثم ادركتها رحمة الله سريعا فأراحتها من عذابها‏..‏ ورحلت عن الحياة وتركتني أتساءل ما قيمة أي شيء في الحياة إذا حرم الإنسان من أحب البشر إليه؟‏..‏ وماذا صنع لي المال الذي كدحت طوال السنين لجمعه‏..‏ هل حمي ابنتي من المرض؟‏..‏ هل خفف عنها الألم؟ هل أبعد عنها شبح القضاء المحتوم؟‏..‏


وبعد فترة اكتئاب شديد عدت للعمل من جديد وشغلت نفسي به ودفنت احزاني فيه‏..‏ وأصبحت اقضي معظم ساعات اليوم في مكتبي حتي بدأت جراحي تندمل تدريجيا‏..‏ وبدأت الأحزان تهدأ وإن كانت لا تموت‏,‏ ومضي عامان علي غياب ابنتي الكبري ثم لاحظت فجأة أن زوجتي وابنتي الأخري تخرجان معا في المساء كثيرا وتترددان علي عيادات الأطباء‏,‏ مرة بدعوي فحص الأم‏,‏ ومرة بدعوي فحص الابنة‏,‏ كما لاحظت علامات الإعياء علي وجه ابنتي‏,‏ وأحسست بشيء يجري في السر ولا أعلم به‏.‏ وسألت زوجتي عما يجري فإذا بها بعد تردد طويل تصارحني بأن ابنتنا الأخري قد أصيبت بنفس المرض العضال الذي أودي بحياة اختها‏,‏ وتقول لي‏:‏ إنها حاولت بقدر الإمكان تأجيل علمي بالخبر إشفاقا علي‏,‏ ولم اسمع بقية كلماتها لأني سقطت مغشيا علي ونقلت إلي المستشفي‏.‏



وفي المستشفي زارني كثيرون‏..‏ وفوجئت بزيارة شريكي القديم لي وكانت أول مرة آراه فيها منذ عشر سنوات‏,‏ وتوجست لحظات من أن يكون قد جاء شامتا في‏,‏ لكني لاحظت صفاء نيته‏,‏ كما لاحظت أيضا سوء أحواله المادية من مظهره وحديثه‏,‏ وبعد حديث المجاملة المألوف‏..‏ وجدتني فجأة أطلب منه السماح والعفو عما فعلت معه‏..‏ وعن مقاطعتي له طوال السنوات السابقة ونسياني أو جحودي لفضله علي في بداية حياتي‏,‏ وإذا بالرجل يقول لي في سماحة إنه قد فوض أمره إلي الله فيما حدث بيننا منذ زمن طويل‏,‏ وأن كل شئ نصيب‏..‏ والأرزاق دائما بيد الله وحده‏,‏ وشعرت بالارتياح بعض الشئ بعد أن تركني‏..‏ وغادرت المستشفي بعد بضعة أيام واصطحبت زوجتي وابنتي في رحلة إلي الخارج لإجراء المزيد من الفحوص والتحليلات‏.‏


ولكن الخوف استقر في أعماقي وأصبحت كثير البكاء‏..‏ ودائم التفكير في حال شريكي السابق وأطلب من الله العلي القدير أن يسامحني كل من ظلمته خلال رحلة العمل والطموح في مال أو في قول‏,‏ وأن يدعو الله وتدعو أنت وقراؤك لابنتي الكبري بالرحمة وللصغري بالشفاء والنجاة من الوحش الذي يترصدها‏.‏



إنني أخرج زكاتي كاملة وأتصدق كثيرا‏,‏ وأعول بعض الأيتام‏,‏ وأرجو أن يشفع ذلك لابنتي في مرضها ولي في محنتي‏,‏ كما أرجو أيضا أن تسامحني زوجتي من كل ما بدر مني تجاهها خلال رحلة العمر فهل يتقبل الله سبحانه وتعالي مني؟‏..‏


وهل هناك ما أستطيع أن أفعله لكي يعفو الله سبحانه وتعالي عني‏,‏ ويترفق بي‏..‏ وابنتي؟‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


نعم يا سيدي هناك ما تستطيع أن تفعله أكثر مما فعلت قربي إلي الله سبحانه وتعالي‏,‏ عسي أن يحفظ عليك ابنتك‏,‏ ويخفف عنك أحزانك وآلامك ويحقق لك السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة‏..‏ تستطيع أن تعين شريكك القديم علي تحسين أحواله المادية التي تدهورت بانسحابك من عملكما المشترك مستوليا علي معظم أعمال الشركة القديمة‏,‏ وتاركا إياه للتعثر ومواجهة الصعاب‏..‏ فتستطيع إن شئت أن تعينه علي النهوض مرة أخري‏,‏ كما أعانك هو في بداية حياتك العملية‏,‏ وتستطيع أن تشاركه بجزء من مالك فتوفر له فرص الكسب والعمل واستعادة النشاط دون أن تخسر شيئا‏..‏ أو دون أن تخسر الشئ الكثير في أسوأ الأحوال‏,‏ وها قد علمتك رحلة الأيام بالدروس المؤلمة أنه لا قيمة للمال في حد ذاته إذا كان الإنسان مؤرق الضمير معذبا‏,‏ ولا أمان للأيام إن لم يتسلح المرء لها بالعدل مع الجميع‏..‏ واجتناب الظلم وإيلام الآخرين والعدوان علي حقوقهم‏,‏ وبالأعمال الصالحات التي يرجو بها المرء وجه ربه ويتشفع بها لديه في أن تحميه من غوائل الأيام‏.‏


لقد وضعت أقدامك علي هذا الطريق بعد رحيل ابنتك الغالية رحمها الله وعوضها عن شبابها في جنات النعيم إن شاء الله‏..,‏ ولم يبق إلا أن تواصله حتي النهاية بإذن الله مرددا قول الخليفة المعتصم في مرضه الأخير‏:‏ اللهم أنك تعلم أنني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك‏,‏ وأرجوك من قبلك ولا أرجوك من قبلي‏.‏



كما تستطيع أيضا أن تراجع مشوار حياتك العملية وتتحري أن كان ثمة من ظلمته أو بخست حقه أو أسأت إليه عامدا متعمدا فتصلح ما فعلت‏,‏ وترد الحقوق لأصحابها ولو بطريق غير مباشر كنوع من التعويض والتكفير عن نثار الطريق الذي أصاب بعض العيون بالأذي خلال انطلاق جواد الطموح الجامح إلي أهدافه‏.‏ إننا جميعا نحتاج إلي هذه الوقفة مع النفس من حين لآخر‏,‏ لكي ننقي الثوب من أدرانه السابقة‏,‏ ونواصل الرحلة بضمير غير مثقل بالذنوب‏,‏ وأنه لتشتد حاجتنا إلي مثل هذه المراجعة كلما كابدنا أحزان الحياة وآلامها‏,‏ وكلما تعاملنا مع همومها الحقيقية‏.‏


أما ابنتك الصغري فلسوف يحفظها الله سبحانه وتعالي عليك بقدرته وهو جل شأنه من أمره بين الكاف والنون‏..‏ وأما زوجتك وشريكة رحلتك فلقد سامحتك بالفعل علي كل ما بدر منك تجاهها‏,‏ لأن الألم مطهر للنفوس الخيرة‏,‏ ولقد كابدت محنة الثكل أعانها الله علي تحملها ورفع بها من درجاتها فليس لأي شئ آخر قيمة تستحق أن تحزن من أجلها‏,‏ وأما رحلة الأيام فستمضي بك وبأسرتك في أمان وسلام بإذن الله ولسوف تسعد باكتمال شفاء ابنتك الغالية واستوائها يوما بعد يوم وردة زاهية تنجب لك الأحفاد وتملأ حياتك بعطر الحب ودفء القلوب إن شاء الله‏.‏



فواصل الطريق الذي بدأته ياسيدي‏,‏ واسترجع دائما الدعاء الذي قيل إن بعض الصحابة قد سمع رجلا غريبا يردده في المسجد النبوي‏,‏ ووصفوه للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه‏,‏ فقال ما معناه‏:‏ هذا أخي جبريل‏..,‏ وهو‏:‏ اللهم اغفر لي مامضي من ذنوبي‏..‏ واعصمني فيما بقي لي من عمري‏,‏ وارزقني أعمالا زاكية ترضي بها عني‏.‏


وما أحوجنا جميعا إلي ترديد هذا الدعاء كل حين وإلي العمل به‏!‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:47 PM
  #15
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


ثــــورة البركــان

بـريــد الأهــرام
42788
‏السنة 127-العدد
2004
يناير
30
‏8 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أرجو ان يتسع صدركم لمشاركتي مشكلتي العائلية‏,‏ وان تساعدوني برأيكم فيما أعانيه في حياتي‏,‏ فأنا طبيب أبلغ من العمر‏54‏ عاما وقد نشأت في أسرة فقيرة جدا‏,‏ وتوفي والدي العامل بإحدي المؤسسات الحكومية وانا في الخامسة عشرة بعد صراع مرير مع المرض‏,‏ وتولت والدتي تربيتي وشقيقاتي البنات الثلاث حتي أتممنا دراستنا الجامعية‏,‏ ولا يخفي عليكم كم عانت والدتي وهي تواجه الحياة ونفقات تعليمنا بمعاش ابي الهزيل‏,‏ وفي عامي الأخير بالكلية تعرفت علي زميلة لي لها نفس ظروفي الاجتماعية وحظها من الجمال بسيط‏,‏ وجمعنا الفقر والمعاناة فأحببنا بعضنا واصبحنا لا نفترق‏,‏ وعرفتها بأسرتي واستقبلوها بترحاب وفرحة‏,‏ ولكن اهلها رفضوا بشدة مبدأ ان تتزوج ابنتهم انسانا فقيرا‏,‏ غير أننا اصررنا علي الزواج وتم زواجنا بالفعل علي أسنة الرماح واقمنا في سكن حكومي بالوحدة الصحية التي عملنا بها وكان كل جهازنا في بيت الزوجية دستة اطباق ودستة ملاعق وملاءتين للسرير فقط ومع ذلك فلقد كنا في منتهي السعادة‏.‏


وبعد عام واحد من الزواج اكتشفت ان زوجتي التي اكن لها حبا عظيما ليست إلا قنبلة موقوتة او بركانا قابلا للثورة في اي وقت وأمام أي شخص ولأتفه الأسباب‏,‏ ويرمي بحممه في كل الاتجاهات دون أي محاذير أو ضوابط‏,‏ ولقد انفجر هذا البركان حتي أمام امي وشقيقاتي اكثر من مرة فساءت العلاقة بينهن واصبحت امي وشقيقاتي هن الهدف الرئيسي لحمم البركان حتي ولو كانت ثورة البركان لأي سبب آخر لا علاقة لأسرتي به‏.‏



وبعد نحو أربع سنوات من زواجنا حصلنا علي عقد عمل باحدي الدول العربية وبدأت حالتنا المالية تتحسن ورزقنا الله بولد وبنت‏,‏ حاولنا تربيتهما أفضل تربية‏,‏ ولكن كان هناك دائما اختلاف في وجهات نظرنا تجاه تربية الأولاد‏.‏ فأنا أومن بأهمية الشدة والحزم معهما احيانا اذا تتطلب الأمر ذلك وهي تؤمن بحرية الأولاد المطلقة وبأنه لا مكان علي الإطلاق للشدة والحزم‏,‏ وخوفا من ثورة البركان فقد كنت اتنازل لها عن كل شيء يتعلق بتربية الابناء وكانت النتيجة ان الابن الكبير ضحي باحدي كليات القمة للالتحاق بأحد المعاهد الفنية‏,‏ ولم اعترض بل باركت ما فعل‏,‏ ومع ذلك فهو متعثر في دراسته و أدمن شرب الخمور أما الابنة فإنها عنيدة بشكل رهيب وورثت طبع أمها البركاني تجاه كل الناس‏,‏ ففقدت القدرة علي تكوين صداقات‏,‏ ومرت بنا سنوات العمر علي نفس المنوال‏..‏ ثورات بركانية رهيبة لا تبقي ولا تذر لأي اختلاف بسيط في وجهات النظر‏,‏ ولا أخفي سرا انني في بداية زواجنا كنت أتفاعل مع هذه الثورات حتي مددت يدي عليها مرتين أو ثلاثا دفاعا عن نفسي ولمنع ايذائها البدني لي أو نتيجة لاستثارتها وإهانتها الشديدة الشديدة لي ولأهلي بلا أي سبب‏,‏ وكانت بعد كل ثورة بركانية منها أو بعد كل انفجار قاتل تقوم بمنتهي العذوبة بمحاولة مصالحتي‏,‏ ومرات أرفض التصالح واترك المنزل لعدة أيام وأقيم في منزل والدتي حتي تصفو نفسي‏,‏ وفي أحيان أخري كنت اقابل مصالحتها لي بأحسن منها‏.‏



وبعد ان تحسنت حالتنا المالية قمت بشراء شقة فخمة في احد احياء القاهرة الراقية بدلا عن الشقة المتوسطة باحدي المدن بمحافظتها‏,‏ واصرت زوجتي علي كتابة الشقة الفاخرة باسمها ووافقت في الحال وحين اشترينا بعد ذلك فيلا صغيرة في احدي المدن الجديدة اصرت علي كتابة نصفها باسمها ووافقت كذلك دون اي مناقشة‏,‏ كما أصرت ايضا علي ان تكون السيارتان باسمها وكذلك الأموال السائلة ولم اعارض لأني علي علم أن حبنا مازال قائما رغم كل ما نعانيه‏,‏ ولأنه لا رغبة عندي في الثروة او التملك فكل ما أجمعه من ثروة هدفه الوحيد اسعاد ابنائي بعد مماتي‏.‏



وهكذا مضت حياتنا طوال الأعوام السبعة والعشرين وفي كل مرة كانت تنفجر فيها كانت تعيد علي مسامعي كل ما حدث مني تجاهها في الماضي‏,‏ مكررة في كل مرة أنني قد اعتديت عليها بالضرب ذات يوم منذ عشرين عاما ولا تذكر سبب اعتدائي عليها‏,‏ وتقوم خلال انفجارها بسبي بأبشع الألفاظ وكذلك سب شقيقاتي وأمي رحمها الله‏,‏ ومنذ‏15‏ عاما اصبحت لا اتفاعل علي الإطلاق مع انفجارها وإنما اغادر المنزل لفترة قصيرة وأعود حين تهدأ أعصابها أو أغلق علي نفسي احدي الحجرات أو أقوم بوضع قطعة القطن في اذني حتي لا أسمع ما تقول‏,‏ وفي كل انفجاراتها طوال‏27‏ عاما كانت تصر علي ان تكون فضيحتنا علي الملأ وتقوم بفتح كل النوافذ علي مصراعيها‏,‏ وحين أقوم بإغلاقها تفتحها مرة أخري‏,‏ وتقف بالنافذة وتصرخ وتسب بكل ما أوتيت من قدرة علي الصراخ حتي اصبحت سيرتنا علي ألسنة الجيران‏,‏ في الحي الراقي الذي نسكنه‏,‏ وكل هذا وانا لا أرد بكلمة واحدة حتي لا تزداد ثورة وعنفا‏,‏ غير أن ما حدث في الانفجار الأخير للبركان لم يخطر لي علي بال أو فكر أو توقع من قبل‏,‏ فقد كنا قبل امتحانات الأولاد بحوالي‏3‏ أسابيع وكان المفروض انه بعد اسبوع بالضبط سوف نستقبل أحد الشباب مع أهله لطلب يد ابنتي وهو شاب ممتاز يعمل في مهنة مرموقة ويشهد له الجميع بمستقبل باهر في مهنته‏,‏ ولقد قابلني وزوجتي واتفقنا معه علي حضوره مع اهله لإتمام الاجراءات المعروفة وتحديد موعد لخطبة ابنتنا له‏,‏ ولكن قبل‏7‏ أيام فقط من هذا الموعد وكان يوم جمعة صحت زوجتي من نومها متعكرة المزاج وبدأت الأبخرة والغازات التي تسبق الانفجار في التصاعد بشكل سريع جدا وبدون أي اسباب علي الإطلاق وجاءت لحظة الانفجار الرهيب حين رأت ابنتنا تتصفح الجريدة اليومية فانفجرت فيها متهمة إياها بأنها تشبه اباها في اضاعة وقتها في قراءة الجرائد والكتب‏,‏ ثم بدأت الحمم في التناثر في كل اتجاه وأصابت كالعادة شقيقاتي وأمي رحمها الله‏,‏ ونالتي من الحمم أكثرها إيلاما مع ذكر كل ما مرت به من مآس وصعاب خلال رحلة الأعوام السبعة والعشرين وانتابتها حالة هياج عصبي شديد‏,‏ وأنا لا أقوم سوي بمحاولة تهدئتها مذكرا إياها بالعشرة والحب‏,‏ طالبا منها أن تتقي الله في نفسها قبل اتقائه فينا‏..‏ فما كان منها إلا أن ألقت بالقنبلة القاتلة في وجهي خلال هياجها فقالت لي أمام ابنائنا انها كانت تخونني في كل مرة كانت تحس فيها بالإهانة ولما لم أصدق أذني كررت نفس الكلام أمام ابننا البالغ من العمر‏23‏ عاما وابنتنا البالغة من العمر‏20‏ عاما وأسقط في يدي ولم ادر ماذا أفعل كرد فعل لما تقوله وأصابني الذهول مما اسمع حيث كنت أتوقع منها أي شيء إلا هذا‏,‏ خاصة وانني لم أشك لحظة واحدة طوال سنوات زواجنا في أي سلوك من جانبها‏,‏ فضلا عن انها علي درجة كبيرة من التدين وتؤدي كل فرائض دينها وتفعل الخير الكثير للآخرين‏..‏ وبعد أن عدت إلي تفكيري المنطقي بعد لحظات الذهول الأولي ادركت انها محاولة منها لإيلامي كعادتها في كل مرة‏,‏ ولكن هذه المرة كانت مدمرة‏,‏ ودخلت غرفتي لترتيب افكاري والوصول إلي قرار بشأن ما قالته‏..‏ ثم استقر رأيي علي إبلاغ أخواتها بما حدث منها واستدعائهم من المحافظات البعيدة التي يسكنون فيها لمحاولة معرفة أسباب قولها الخطير هذا‏,‏ وبعد نحو نصف ساعة اتصلت بها احدي شقيقاتها تليفونيا تستفسر منها عما حدث وتوصيها بتقوي الله في نفسها واسرتها‏,‏ وفوجئت بردها علي أختها وكنت بالمصادفة موجودا أثناء المحادثة فقد قالت لاختها أنها لا تدري كم مرة طاوعت الشيطان وكم مرة قاومته‏.‏ وهنا وسوس الشيطان لي إنها قد تكون صادقة فيما قالت بالرغم من استبعادي لهذا الفعل منها‏,‏ وحضرت أخواتها وحاولن إفهامي انها كانت تغيظني


فقط بهذا القول وجئن بها أمامي وقالت إنها لم تكن تعني ما قالته‏,‏ ولكن كل هذا لم يجد نفعا معي فقد ركبني الشيطان وتملكتني الوساوس‏,‏ وفي محاولة مني لوضع حد لهذا العذاب فقد طلبت منها أمام أخواتها أن تقسم علي كتاب الله بأن كل ما قالته كان غير حقيقي ولكنها رفضت نهائيا القسم بحجة أن في هذا اهانة لها وان القسم معناه أنني أشك فيها‏,‏ وهذا أمر مرفوض فأصررت علي موقفي‏,‏ فما كان منها إلا أن غادرت المنزل إلي منزل آخر لنا ومعها الأبناء‏,‏ وبعد ذلك حاولت استرضائي كعادتها بعد كل انفجار بركان‏,‏ لكنني رفضت تماما إلا إذا أقسمت بأن كل كلامها كان غير صحيح ومازالت ترفض القسم حتي الآن‏.‏


إنني أعتقد إلي حد كبير أنها لم تكن تعني ما تقول ولكن تلك الوساوس تتملكني وانا علي ثقة تامة بأنها لن تقسم علي كتاب الله كذبا‏,‏ وأنا الآن في حالة يرثي لها من حيث شكوكي فيها وضاقت السبل أمامي وأصبحت أعتقد أن الحياة لا تستحق أن نعيشها‏,‏ حيث إن كل أمالي في أسرة هادئة سعيدة ناجحة لم يتحقق أي شئ منها بسبب تعنت زوجتي وعواصفها البركانية‏..‏ لقد تحملت كل انفجاراتها طوال‏27‏ عاما‏,‏ فهل يكون جزائي بعد كل ذلك هو ايلامي بهذا الشكل‏,‏ وهل هذا جزاء الوفاء والإخلاص والتفاني والتحمل؟ انها الآن تطلب الطلاق لأني أشك فيها بعد ما قالته وبسبب اصراري علي أن تقسم بالله وأنا لا اتخيل بيتي محطما خاصة ان الطلاق سوف يؤدي الي ضياع مستقبل الأولاد خصوصا مع تعثر ابني في دراسته وأيضا إبنتي الأن في سن الزواج‏,‏ فكيف يكون موقفها أمام خطيبها اذا حدث الطلاق بين ابيها وامها بعد‏27‏ عاما من الزواج ارجو ان تساعدني في التفكير واتخاذ القرار مع عظيم شكري وتقديري لك مقدما‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


قد يكون لزوجتك بعض الحق في أن تغضب لكرامتها وتستشعر الإهانة‏,‏ إذا كنت قد بادرتها بالشك في وفائها لك دون آية شواهد يمكن أن تثير مثل هذه الشكوك‏,‏ أما أن تعلن هي علي رءوس الأشهاد وأمام أبنها الشاب‏,‏ وهي في قمة ثورتها البركانية أنها كانت تخونك كلما شعرت بالإهانة من جانبك لها‏,‏ وتتعلل بعد ذلك بأنها لم تكن تعني ما تقول‏,‏ وتدافع عنها شقيقاتها بانها كانت تقصد إيلامك وإغاظتك في حمأة استسلامها لشياطين الغضب‏,‏ وترفض هي أن تطمئن خواطرك بالقسم علي كتاب الله علي كذب ما ادعته علي نفسها‏,‏ ثم تغضب بعد كل ذلك لأن طائفا من الشك في إخلاصها قد ألم بك؟ فهذا مالم اسمع به من قبل ومالم أتعامل معه علي كثرة ما تعاملت مع هموم البشر‏,‏ وعرفت ولمست من غرائب النفس البشرية‏!‏


فالمرأة السوية اذا استسلمت مرة لشياطين الغضب قد تحاول إيلام زوجها بأي وسيلة إلا أن تقترب‏,‏ وهي في قمة غضبها من المنطقة المحرمة‏,‏ وهي منطقة الشرف‏..‏ شرفها هي أولا ثم شرف زوجها من بعدها‏,‏ ولقد تدين نفسها بكل سبة‏,‏ لكنها وأبدا لايمس شرفها وشرف زوجها علي هذا النحو الذي يكشف عن طبيعة سادية شديدة القسوة‏.‏



أما غضبها بعد ذلك لمجرد استسلامك لبعض وساوس الشك في أن يكون ما صرحت به في عنفوان ثورتها عليك صحيحا‏,‏ وليس كما تقول شقيقاتها فليس إلا نوعا من التجبر والكبرياء الجوفاء التي لا سند لها من الواقع والحقيقة‏.‏


ولو كان لدي زوجتك أي قدر من الحكمة لأدركت أنها قد أخطأت بما قالت خطأ لاتغسله مياه البحر‏,‏ ولا يجدي شئ في تبريره حتي ولو كانت الرغبة السادية في الإيذاء النفسي لزوجها‏.‏



بل ولأدركت كذلك أن من حقك أن تتردد بعض الوقت بين تصديق ما صرحت به عن نفسها‏,‏ وبين الاقتناع بأنه ليس سوي حلقة جديدة ولكن مبتكرة في محاولة إيلامه وجرح كرامته وإشعاره بالهوان معها ولعرفت كذلك انك لو لم تفعل ذلك وتفكر في هذا الأمر بجدية لكنت مفرطا في كرامتك كرجل وكزوج‏,‏ ولنهضت لإزالة أسباب هذا الشك من نفسك بكل الحيل ولو تطلب الأمر أن تقسم علي مصاحف الدنيا كلها‏,‏ ليس فقط تهدئة لخواطرك‏,‏ وإنما أيضا صيانة لشرفها وكرامتها‏,‏ واستردادا لاعتبارها أمام ابنها الشاب الذي أصابت كرامته في مقتل بهذا التصريح الشائن‏.‏


والحق أنني لا أري فيما حدث‏,‏ سواء كانت صادقة أو كاذبة فيما ادعته علي نفسها‏,‏ الا فصلا جديدا من فصول القهر النفسي التي تعيشها معها منذ زواجك منها‏,‏ فأنت مقهور معها منذ زمن طويل وتحملت منها الكثير والكثير حتي اعتادت منك الخنوع التام‏,‏ فما أن حاول عقلك التمرد مرة واحدة‏,‏ وطلب الدليل علي عدم صحة ما قالته عن نفسها‏,‏ حتي انتفضت غاضبة وهي الملوم في الأصل وهجرتك وطلبت الطلاق‏,‏ فبأي منطق تفكر هذه السيدة؟



وبأي شريعة تستحل مالك وأملاكك التي قهرتك علي تسجيلها باسمها دون اعترض من جانبك؟


يا سيدي أنني أري لك أن تتمسك بموقفك وبمطلب القسم علي كتاب الله أمام جميع أفراد أسرتها لكي تزيل هي آثار الشك الذي بذرته في نفسك بتصريحها المعيب ذاك‏,‏ وبأن تتنازل عن تجبرها وكبريائها الأجوف وتخضع لعلاج منتظم لدي طبيب للأمراض العصبية يحاول أن يخلصها من نوباتها البركانية أو يقلل من معدلها أو يخفف من أثقال حممها وشظاياها‏,‏ فإن لم يكن هذا ولا ذاك‏..‏ فلترد عليك أملاكك ومالك بعد استقضاء حقوقها الشرعية كاملة‏..‏ ولتطو أنت هذه الصفحة من حياتك وتضع كلمة النهاية غير نادم لحياة زوجية لم تكن مودة ولا رحمة‏,‏ وأما الخوف علي مستقبل الابن المتعثر في دراسته‏,‏ وحرج الابنة الشابة أمام خطيبها وأصهارها اذا أنفصل أبواها في هذه المرحلة من العمر‏,‏ فهو حرص حميد علي صالح الابناء لكنه ينبغي له ألا يقتصر علي أحد الأبوين دون الآخر‏,‏ بل إن الأولي بالهم به هي الأم التي ينبغي لها أن تكون عماد الأسرة وحاميتها من الانهيار والكوارث‏..‏ ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:49 PM
  #16
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


أيـام مســــــــروقة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
‏15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


أنا شاب في الرابعة والعشرين من عمري‏,‏ نشأت في أسرة بسيطة واقتضت ظروفي العائلية والمادية أن اخرج للعمل منذ سن الثامنة‏..‏ فعملت كل صيف في إحدي المهن كصبي‏,‏ لكي أستطيع مواصلة تعليمي‏..‏ وعملت في بعض السنوات خلال الدراسة فكنت أغادر المدرسة إلي العمل مباشرة ولا أرجع إلي البيت إلا في العاشرة مساء‏,‏ لكي أزدرد بعض الطعام وأنام كالقتيل‏.‏


وظل الحال علي هذا النحو حتي عملت منذ عدة سنوات في شركة تجارية صغيرة‏,‏ وبدأت فيها من البداية صغيرا‏..‏ ثم تقدمت وازداد اعتماد صاحب العمل علي تدريجيا حتي أصبحت بمثابة نائبه أو وكيله في أداء الأعمال التجارية التي يكلفني بها‏..‏ ثم رحل صاحب العمل عن الحياة منذ عامين فجأة‏,‏ وترك كل شيء في يدي‏..‏ وحزنت علي رحيله حزنا شديدا‏..‏ ووجدت أنني استطيع إذا أردت أن أخفي بعض الأموال التي لايعلم أحد عنها شيئا سواي‏,‏ وأن أظهر البعض الآخر‏..‏ لكني خشيت الله سبحانه وتعالي وقررت ألأ اخون الأمانة وألا أمد يدي إلي حرام‏.‏



وبعد انتهاء المراسم الحزينة بأيام ذهبت إلي بيت صاحب العمل والتقيت بأرملته وقدمت لها كل ما لدي من مال وأوراق ومستندات تخص العمل‏,‏ ومن بينها كمبيالات علي بعض العملاء‏..‏


وشكرتني السيدة كثيرا وامتدحت أمانتي وطلبت مني الاستمرار في العمل واعتبار نفسي المسئول عنه‏,‏ ومداومة الاتصال بها وزيارتها كل يوم لإبلاغها بنتائج العمل ومشاكله‏..‏ ورحبت بذلك‏,‏ وعدت لمواصلة عملي وقد أصبحت المسئول الأول عنه‏..‏ ووفقني الله في الحفاظ علي عجلة العمل دائرة‏,‏ وفي تحصيل بعض الديون من بعض العملاء‏,‏ وفي تصريف بعض البضائع الراكدة منذ فترة‏..‏ واطلعت ارملة صاحب العمل علي كل ذلك فسعدت به كثيرا وأثنت علي همتي ودعت لي بالخير‏,‏ وابتهاجا بهذه الاخبار السعيدة دعتني لتناول الغداء معها ومع أطفالها يوم الجمعة التالي‏,‏ وذهبت إليها في الموعد المحدد‏,‏ فشممت رائحة البخور المعطرة تفوح من الشقة‏..‏ ودخلت فوجدتها في أبهي صورة‏,‏ واستقبلتني بابتسامة ساحرة‏,‏ وقدمت لي عصير البرتقال‏,‏ وجلسنا في الانتريه بعض الوقت نتحدث ونتسامر ونداعب أطفالها الذين يمرحون حولنا‏,‏ ثم انتقلنا إلي مائدة الغداء التي أعدتها السيدة التي تدير شئون البيت‏,‏ واستمتعنا بأكلة شهية وتواصل الحديث بيننا علي المائدة بلا انقطاع‏,‏ وكادت الجلسة تمضي عادية لولا شيء واحد أعطاني مؤشرا مهما‏..‏ فلقد أمسكت السيدة بقطعة من اللحم ووضعتها بيدها في فمي‏..‏


وابتسمت‏..‏ فرددت علي ابتسامتها بمثلها‏,‏ وأدركت أو تأكدت مما كنت أشك فيه قبل أسابيع‏,‏ وهو أن هذه السيدة تفكر في كرجل‏..‏ وليس فقط كمدير لعملها التجاري‏,‏ وسعدت بذلك في قريرة نفسي‏,‏ لكني لم أقدم علي أية خطوة علي طريق الاقتراب منها لعلمي أنها تكبرني بثلاثة عشر عاما‏,‏ ولخوفي من أن يسئ البعض‏,‏ خاصة أقاربها وأقارب زوجها الظن بي ويتصوروا انني طامع في مالها‏,‏ كما أن أبي وأمي لن يرحبا أبدا بزواجي من أرملة تكبرني في السن وذات أبناء ولو كانت من اغني الأغنياء‏.‏


وهكذا واصلت العمل والدراسة وكنت قد بلغت السنة النهائية من دراستي الجامعية‏..‏ وانشغلت بالمذاكرة والامتحانات‏,‏ فتخلفت عن زيارة صاحبة العمل عدة مرات‏,‏ واعتذرت لها بمشاغلي‏,‏ وظهرت النتيجة وحصلت علي شهادتي ففوجئت بها تقدم لي ساعة ثمينة هدية النجاح وتدعوني من جديد للغداء‏,‏ وتكرر ما حدث في الدعوة السابقة‏..‏ لكن شيئا جديدا قد طرأ‏,‏ هو أنها دخلت الحمام وتركتني وحيدا في الانتريه لفترة طويلة‏,‏ فجاءت السيدة التي تعمل لديها بالشاي ووضعته أمامي ثم نظرت إلي نظرة معبرة وسألتني بطريقة مباشرة‏:‏ لماذا لاتطلب يد السيدة فلانة؟‏!..‏ وهي الجمال كله والأدب كله والأخلاق كلها‏,‏ وذهلت لما سمعت وترددت في الإجابة‏,‏ ثم قلت لها انني شاب عمري‏24‏ سنة وخريج جديد لم يحصل علي عمل رسمي بعد‏,‏ وظروفي المادية سيئة‏,‏ فبأي شيء أتقدم لمثل السيدة فلانة؟‏..‏



فرمقني بنظرة جانبية وقالت‏:‏ بشبابك‏..‏ ومستقبلك‏..‏ وأمانتك‏!‏ تتقدم ولا تحمل هم الأعباء المادية لأننا لن نكلفك شيئا‏.‏ أو دعني اتحدث باسمك حين تخرج السيدة من الحمام وأعلنها برغبتك فيها‏!.‏


وسكت موافقا‏,‏ وجاءت السيدة فقابلتها مديرة البيت بزغرودة‏,‏ واعلنتها ان هذا الشاب الخجول يطلب يدها علي سنة الله ورسوله‏,‏ لكنه يخشي ألا تقبلي به لظروفه‏..‏ فأشادت السيدة بأخلاقي وكيف أنها لا تقدر بمال الأرض وأعلنت موافقتها علي الفور‏..‏



وبدأنا بعد ذلك الحديث في التفاصيل وحددنا موعدا لعقد القران بعد أيام‏,‏ وطلبت منها شيئا واحدا هو أن نتكتم هذا الزواج عن أهلي‏,‏ لأن أبي وامي لن يوافقا عليه ولن يدعاني لحال سبيلي إذا علما به‏.‏


وطلبت هي أن نتكتم الزواج عن أهل زوجها الراحل لكليلا يثيروا لها المتاعب خاصة بالنسبة لأولادها‏,‏ واتفقنا علي ألا يعلم به إلا أخوتها ووالدتها‏..‏



وبدأت حياتي الزوجية معها‏..‏ وغرقت في طوفان عاطفتها وشوقها‏,‏ وأصبحت أتناول الغداء معها كل يوم وأرجع للعمل وأعود إليها في المساء لقضاء السهرة‏,‏ وارجع للبيت في منتصف الليل واعتذر لأمي وأبي بالعمل‏,‏ أو أزعم لأمي أنني سأتسلم بضاعة طوال الليل‏,‏ وأقضي الليل مع زوجتي‏..‏


وبالرغم من المجهود الذي ابذله في العمل فلقد تحسنت صحتي‏..‏ وازداد وزني‏..‏ بفضل التغذية الجيدة والسعادة‏,‏ فأنا أحب زوجتي وحريص عليها وهي تحبني حبا كبيرا وتعتبرني هدية السماء لها‏,‏ وانا سعيد معها وأتفجر حماسا للعمل‏..‏ وأصبحت احصل علي نسبة‏5%‏ من أرباحه إلي جانب مرتبي مقابل إدارتي له‏..‏ وجرت النقود في يدي وأصبح يتوافر لدي لأول مرة أكثر من احتياجاتي‏,‏ واعطيت أمي مائتي جنيه هدية لها فسعدت بها كثيرا‏..‏ شيء واحد فقط ينغص علي هذه السعادة هو خوفي من أن يعلم أبي وأمي بزواجي من السيدة التي ادير تجارتها‏,‏ خاصة أمي‏..‏ لأن أبي يمكن بعد ثورته الأولي وسخطه أن أتفاهم معه‏,‏ أما أمي فلن يهدأ لها بال إذا علمت إلا بعد أن ترغمني علي طلاقها‏,‏ وترك العمل معها وتحرم علي رؤيتها‏,‏ لأنها كأي أم تريد لابنها ان يتزوج فتاة بكرا وأصغر منه‏,‏ وليست ارملة تكبره بـ‏13‏ عاما ولديها ثلاثة أبناء‏..‏ وأنا أعرف عن نفسي أنني لن اتحمل غضب أمي علي‏,‏ اذا غضبت وافكر في اليوم الذي ستنفجر فيه المشكلة وادعو الله أن يبعده إلي أقصي حد ممكن‏..‏ وأن يؤجل المتاعب لأجل بعيد‏.‏



ولكن الي متي سأظل خائفا اتلفت حولي كالمشبوه وأنا أتسلل إلي بيت زوجتي‏..‏ أو أغادره في الليل؟


وماذا تقترح علي أن أفعل لأتخلص من هذا الخوف الثقيل علما بأنني قد كتبت لزوجتي مؤخر صداق كبيرا لا استطيع الوفاء به‏,‏ كما لا استطيع تحمل بقية اعباء الطلاق الذي لا ارغب فيه؟‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


ماذا فعلت بنفسك أيها الشاب؟


لقد تزوجت زواجا محكوما عليه بأن يكون مؤقتا‏,‏ وان ينتهي مخلفا وراءه جراحا علي الجانبين طال المدي أو قصر‏,‏ إن لم يكن بسبب زوال غشاوة الرغبة والشوق والاندفاع إلي الارتواء العاطفي بعد حين‏,‏ فلقد يجئ الانهيار لأسباب خارجية لا يمكن تفاديها إلي الأبد‏,‏ كثورة الأهل علي هذا الزواج غير المتكافئ من كل الوجوه‏,‏ خاصة أهل الزوج الراحل الذين سيتشككون بالضرورة‏,‏ ولهم بعض العذر في ذلك‏,‏ في دوافعك المادية للارتباط بهذه السيدة‏,‏ وسيتهمونك بالطمع في ثروة الأرملة وابنائها‏,‏ وقد ينهضون لمنازعة زوجتك في حضانة الأبناء وحق الوصاية عليهم بعد ظهور رجل غريب في حياة أمهم يخشي منه علي ثروة الأبناء ومستقبلهم‏,‏ خاصة وهو ليس رجلا متوسط العمر مستقرا ماديا وناضجا ويبحث عن الأمان والاستقرار‏,‏ وإنما شاب طموح يصغر زوجته بـ‏13‏ عاما‏,‏ فماذا تفعل زوجتك إذا خيرت بين حضانة ابنائها والوصاية عليهم‏..‏ وبين التخلي عن هذا الزواج الذي لا تستطيع الدفاع عنه أو تبريره أمام أهل زوجها الراحل؟‏.‏



هل تراها تضحي بأبنائها من أجلك؟


ان الجواب معروف‏,‏ولا يحتاج إلي بيان‏..‏ لهذا فإن زواجك هذا هو مهلة مسروقة من الزمن قد تكون لعدة أسابيع وقد تطول بالشهور والسنوات‏,‏ لكنه في كل الأحوال سوف تمارس قوانين الحياة الطبيعية تأثيرها علي كل الأطراف في الوقت المناسب فتكتشف أنت بعد الري والشبع والارتواء انك قد تسرعت في الزواج من هذه السيدة التي تكبرك كثيرا في العمر ومثقلة بأعباء الأبناء‏,‏ وتكتشف هي أنها قد خرجت علي المألوف وتجاهلت الاعتبارات العائلية والاجتماعية العديدة‏..‏ فأساءت الي نفسها وعرضت ابناءها لخطر انتقال حضانتهم والوصاية عليهم لغيرها‏..‏ فتندم علي انسياقها وراء مشاعرها المحرومة عقب وفاة زوجها وتتمني لو لم تكن قد ضعفت أمام نداء الرغبة علي هذا النحو‏.‏



علي أية حال فإن بعض الحقيقة خير من أي زيف‏,‏ كما يقولون‏,‏ ولا مفر إذا اردت أن تتخلص من الخوف والإحساس الباطني ـ بأنك ترتكب خطأ لا تستطيع مواجهة الآخرين به ـ من مواجهة الحقائق بدلا من الهروب منها وتحمل تبعات المواجهة بشجاعة أيا كانت النتائج‏,‏ فابدأ بأبيك وصارحه بما فعلت وتحمل ثورته وغضبه‏..‏ ثم اطلب منه النصيحة فيما تفعل‏..‏ وكن أمينا معه في الحديث عن نفسك ومشاعرك وطموحك وحقيقة رغبتك في هذه السيدة‏..‏ وتدبرا معا اذا تقبل ابوك حقيقة زواجك كيفية تخفيف وطأة القصة علي والدتك‏..‏ واصمد للأعاصير والعواصف والرعود والبروق المتوقعة‏..‏ فإذا نجحت في الصمود لهذه الأهوال‏,‏ فمن يدري ربما تكون الاستثناء من القاعدة وينجح زواجك ويطول عمره بعض الوقت‏..‏ قبل أن ينفجر من ناحية الزوجة ومنازعات أهل زوجها معها‏..‏


وفي كل الأحوال فإنك ايها الشاب كما قلت لك في البداية راكب قطار سيصل إلي محطته الأخيرة طال الوقت أو قصر‏,‏ ولو كنت من أهل الحكمة لبادرت أنت علي الفور بتصحيح هذا الوضع الذي يخالف قوانين الحياة بدلا من انتظار انهياره المحتوم‏,‏ وتفاهمت مع زوجتك وديا علي الانفصال بلا تبعات مادية مراعاة لظروفك وسابق خدمتك لها‏,‏ ثم انسحبت من العمل معها وبحثت عن مستقبلك في طريق آخر بلا اجتراء علي مخالفة المألوف‏..‏ ولا تحد لقوانين الحياة الطبيعية‏.‏



__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:52 PM
  #17
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الطاعة المقدسة‏!‏

بـريــد الأهــرام

42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
‏15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

أنا سيدة في منتصف العشرينيات من عمري ونحن ثلاثة ابناء أنا الكبري بينهم وقد نشأنا بين أبوين متعلمين تعليما جامعيا‏.‏ وعلي أن الكلمة الأولي والأخيرة بالنسبة لجميع شئون حياتنا هي لوالدتي‏,‏ وقضينا زهرة سنوات حياتنا في الدول العربية‏,‏ ولذلك حصلت علي الثانوية العامة من إحدي دول الخليج‏,‏ وعدت بعدها الي مصر‏,‏ حيث التحقت باحدي كليات القمة بجامعة الإسكندرية‏,‏ والحمد لله رب العالمين فقد أنهيت دراستي بالجامعة دون أي مشاكل‏,‏ وفي العام الأخير من الكلية تقدم لي العديد من الشباب للزواج مني‏,‏ الا أن أمي كانت ترفضهم لأسباب تراها هي‏,‏ الي ان تقدم لي منذ نحو عام ونصف العام شاب من الوجه البحري لاصلة لنا به ولا نعرفه ولا يعرفنا‏...‏ ولكن والدتي رأت فيه أنه الشاب المناسب لي من جميع الوجوه المادية والاجتماعية والأدبية‏..‏ لكن هذا الشاب الممتاز من وجهة نظر والدتي ليس من ابناء الإسكندرية‏,‏ ولذلك فقد اشترطت عليه الإقامة بالإسكندرية‏,‏ فوافق أهله برغم أنه وحيدهم‏,‏ وذلك رغبة منهم في سعادته‏,‏ ودون دخول في تفاصيل كثيرة فقد تسارعت خطوات الزواج‏..‏ حتي تم زفافنا في الأسبوع الأخير من سبتمبر سنة‏2002‏ في شقة بالإيجار علي أطراف مدينة الإسكندرية‏,‏و برغم حدوث بعض المشاكل البسيطة في الطريق إلا أنها مرت جميعها بسلام‏...‏ لكن والدتي صنعت منها سجلا اسودا لأهل زوجي‏.‏



وبعد انتقالي لمنزل الزوجية ومعايشتي لزوجي وجدته إنسانا فاضلا يحبني ويقدرني ويغير علي من كل شيء‏...‏ ووجدت معه كل معاني الحب والسعادة والهناء‏.‏


ومع بداية زواجنا بدأ زوجي يطلب مني ان اراعي بعض الأمور كأن أغطي رأسي حيث كنت لا أضع اي غطاء علي رأسي‏,‏ كما أنني كنت أرتدي البنطلون‏..‏ فطلب مني عدم ارتدائه‏,‏ وأضع المساحيق علي وجهي فطلب مني عدم وضع المساحيق علي وجهي خارج المنزل لأنني كما يقول أجمل بدونها‏,‏ ورحبت انا بكل ذلك واقتنعت به وبأحقية زوجي في طلبه مني‏,‏ الا أنني فوجئت بوالدتي الحبيبة تثور علي أنا وزوجي وتطلب مني عدم طاعته بدعوي أنه بذلك سوف يلغي شخصيتي‏!‏ واحترت ماذا أفعل؟ وحلا لهذا الإشكال كنت أرتدي أمام زوجي ما يرضيه عني‏..‏ وبعد انتهاء إجازته وسفره الي عمله وعودتي لمنزل والدي أرتدي ما يرضي والدتي‏.‏



وبعد نحو عشرة شهور من الزواج لاحظت أن زوجي يتعب كثيرا عند نزول الاجازة‏...‏ حيث يحضر الي الإسكندرية وبعد يوم أو يومين نسافر معا الي أهله في مدينتهم لنمضي معهم جزءا من الاجازة‏,‏ ولذلك اقترح علي زوجي ان ننقل إقامتنا من الإسكندرية الي مدينتهم حتي يشعر ببعض الاستقرار والراحة خلال اجازته‏..‏ فقلت له إنني مقتنعة تماما بحقه في ذلك‏,‏ ولكن عليه أن يعرض الموضوع علي والدتي لكي توافق علي هذا الاقتراح‏,‏ وذهبنا الي والدتي لعرض الأمر عليها‏...‏ وبمجرد سماعها للفكرة تكهرب الجو وثارت علينا ثورة عارمة‏...‏ وتوعدتنا بالويل والثبور وعظائم الأمور إن تم ذلك النقل‏,‏ وقالت بصيغة الأمر النهائي‏...‏ إما أن نظل في الإسكندرية وإما أن يتم الطلاق بيني وبين زوجي‏,‏ وحجتها في ذلك أمران‏:‏


الأول‏:‏ إن اثاث منزلي أفخم من ان ينقل الي الأقاليم‏,‏ علما بأنني عندما زرت بعض زملاء زوجي وأصدقائه وجدت عند بعضهم أثاثا أفخر من أثاث منزلي‏.‏



الثاني‏:‏ إنه لا يوجد في الإقاليم مدارس أجنبية‏..‏ وهي تريد أن يتعلم أبنائي في مدارس أجنبية‏,‏ علما بأنه لايوجد عندنا من تعلم في مدارس أجنبية كما أن مدينة زوجي بها مدارس خاصة‏.‏


وأنا الآن حائرة بين الطرفين والدتي وزوجي‏,‏ فكيف أوفق بين الرغبتين المتعارضتين؟ وكيف احافظ علي حياتي الزوجية من أجل زوجي وطفلي الوليد ونفسي‏,‏ ان والدتي تتوعدني بغضب الله علي إن خالفتها‏...‏ وهي تقول لي بمنتهي البساطة إن الحل الأمثل لمشكلتي هو طلاقي‏,‏ كأن الطلاق أمر غاية في السهولة واليسر علي المرأة وأيضا بكل بساطة تقول لي الآن‏...‏ إنها سوف تطلقني‏..‏ وبعد انتهاء العدة‏...‏ سوف تزوجني ممن هو أفضل من زوجي مادمت أطيعها‏..‏ لأن طاعة الأم أمر مقدس عند الله‏!‏ فهل خراب البيوت والطلاق أمر هين لهذه الدرجة؟‏...‏ إنني لاأتخيل الحياة مع رجل آخر غير زوجي‏,‏ كما لا أتخيل الحياة لحظة واحدة دون ابني فلذة كبدي‏..‏ فماذا أفعل؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


تمسكي يا سيدتي بزوجك وحياتك الزوجية ودافعي عنها حتي الرمق الأخير‏,‏ لكي يسعد طفلك بحياة آمنه مستقرة بين أبوين متفاهمين متحابين‏..‏ أما اغراءات والدتك لك بالطلاق ووعودها المسمومة بأن تزوجك ممن هو أفضل من زوجك الحالي ووالد طفلك‏,‏ وبشراها لك بتأكيد ذلك كمكافأة من السماء لك لأنك قد أطعت أمك ودمرت حياتك الزوجية ومزقت طفلك الوليد بين أبويه‏,‏ حيث إن طاعة الأم أمر مقدس‏..‏ فكل ذلك ليس سوي ابتزاز عاطفي لك لكي تخضعي نهائيا لإرادتها وترفضي الانتقال مع زوجك الي مدينته‏,‏ ولو تطلب الأمر هدم حياتك الزوجية رغم سعادتك بها‏,‏ والحق أني أعجب لأم لا تشجع ابنتها علي طاعة زوجها الذي تحبه ويحسن معاملتها‏,‏ وتطالبها بالطلاق منه لأنه قد فكر مجرد تفكير في نقل مقر اقامته بعيدا عن مدينة الأم‏..‏



إن كل انسان مسئول عن حياته واختياراته‏,‏ وانت زوجة وأم وتملكين ارادتك وحياتك‏,‏ ومن واجبك ان تلحقي بزوجك حيث يقيم‏,‏ والطاعة المقدسة التي تشير اليها والدتك لكي تظل ممسكة بقياد حياتك وتوجهه كيف تشاء‏,‏ لاتنسحب علي ما يتعارض مع الشرع والدين والحكمة والمصالح المشروعة للبشر‏,‏ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وزوجك أحق بطاعتك له في هذا المطلب العادل المشروع‏,‏ وهو الانتقال إلي مدينته‏,‏ وقصة المرأة الأعرابية التي ارسلت تستفتي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الخروج من بيتها لزيارة أمها المريضة معروفة‏,‏ فقد أمرها زوجها قبل سفره بألا تغادر البيت قط خلال غيابه ثم مرضت أمها وارادت زيارتها للاطمئنان عليها‏,‏ فأرسلت تستفتي الرسول الكريم هل يجوز لها ان تزورها خلافا لأمر زوجها‏,‏ فأجابها الرسول صلوات الله وسلامه عليه بما معناه أن‏(‏ أطيعي زوجك‏),‏ وحين لاقت الأم منيتها قبل عودة الزوج بعث الرسول الي المرأة الأعرابية من يبشرها بحسن المآل جزاء وفاقا لطاعتها لزوجها في احلك الظروف‏.‏



يا سيدتي ان البر بالأبوين لايعني ابدا ان يمحو احدهما شخصية الابن أو الابنة‏,‏ أو ان يتسلط تسلطا تاما علي حياته‏,‏ فلايخطو خطوة في اي اتجاه الا بإذنه وقبوله‏,‏ ولا يعني أن يتخذ احد الأبوين القرارات المصيرية دونه خاصة اذا كان الابن راشدا وقادرا علي إدارة حياته‏..‏ والانسان يحتاج دائما الي مشورة المخلصين من حوله في أمره‏,‏ وليس هناك من هما أحرص علي مصالح الابن من أبويه‏,‏ لهذا فإن مشورتهما في أمور حياة المرء لها الأولوية القصوي‏,‏ ولكن بشرط ان يكون الناصح متجردا من الهوي‏,‏ وتكون النصيحة خالصة لوجه الله وليست من نوع نصائح الطاعة المقدسة‏!‏

__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 04:54 PM
  #18
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الاعتـراف

بـريــد الأهــرام
42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

لقد قرأت اليوم الرسالة التي أرسلها رجل طلق بالخلع تحت عنوان السلاح السحري التي يشكو فيها الرجل من سوء استغلال الطفلة كسلاح لإذلاله وانعكاس ذلك علي نفسية الطفلة‏!!‏ ووصفه زوجته او خليعته بأنها ضعيفة الشخصية كوالدها‏.‏


للأسف الشديد فأنا والد هذه الزوجة الذي وصفه الزوج المخلوع بالرجل عديم الشخصية‏!!‏



نعم أنني لا استطيع ان أعارض زوجتي ولقد قاطعت جميع أهلي خوفا من بطشها‏,‏ وسيطرت علي تماما ومنذ زمن بعيد‏..‏ ففي صدر شبابي طلقتها وتركتها في بيت والدها بالقاهرة لمدة عام‏,‏ وكانت وقتها حاملا في ابننا الأول وتدخل شقيقها وتم الصلح بشرط ألا يزورني أحد من أشقائي أو يتصلوا بنا وقبلت من أجل الطفل‏..‏ وتوالت التنازلات حتي أنني كنت أترك عملي لأرعي الأطفال في حين تنزل هي إلي العمل ولم تهتم بي ولا بالأطفال‏,‏ وكرست حياتها للعمل مهملة بيتها حتي وصلت إلي اعلي المناصب‏,‏ ولقد انجبنا‏3‏ أبناء والتحقوا جميعا بكلية الطب‏,‏ وبعد تخرج الولدين سافرا إلي القاهرة للعمل هناك‏,‏ حيث إن لوالدتهما شقة قامت بشرائها لتأمين مستقبلها‏..‏ ونحن ندفع لهما الإيجار وقمنا بطلاء الشقة‏(‏ أو بمعني أصح والدتهماوهما بعيدان عنا كل البعد ولم يتصلا بنا طوال إقامتهما بالقاهرة سوي مرات معدودة؟‏!‏ وكانت الأم مشغولة بعملها ولم يبق معي بالمنزل سوي ابنتي التي صرت اعشقها لحد الجنون‏,‏ حيث انها كانت تملأ الفراغ الذي تتركه الأم بغيابها عن المنزل في عملها واجتماعاتها‏.‏


وهكذا نشأت ابنتي في منزل لا توجد فيه الأم سوي لساعات قليلة ونائمة‏..‏



منزل لم يعرف عما أو عمة أو ابناء العموم أو العمات‏,‏ ـ منزل لا يعرف سوي صوت الأم العالي‏..‏ وهكذا كانت القدوة‏..‏ فالأم هي قدوة للبنت ولم تعلم زوجتي ابنتها الوصايا الحميدة التي أوصت بها الأعرابية ابنتها عند الزواج عندما قالت لها‏:‏ لقد خرجت من دار غير دارك‏..‏ فكوني لزوجك أمة يكن له عبدا‏..‏ وكوني له فرشا يكون لك سماء‏.‏


وهكذا فإن ابنتي لم تكن ضعيفة الشخصية كما صورها زوجها السابق ولكنها كانت تحاول أن تقلد أمها؟‏!‏



أما أنا فليس لي من أهل أو أقارب بعد أن قاطعتهم منذ أمد طويل‏..‏ حتي أن لي شقيقة مريضة وطريحة الفراش لم أزرها ولم أتصل بها‏,‏ ولا استطيع أن أفعل خوفا من بطش زوجتي‏..‏ وما يقول عنه صاحب الرسالة فهو صحيح لأن زوجتي تقوم بتلقيني درسا في إثارة حفيظة الرجل‏,‏ كما تقوم بتلقين الطفلة درسا مماثلا‏,‏ وبعد عودتنا من رؤية الأب تسأل الطفلة ماذا فعلت؟ فإن كان غير ما أمرتني به تكون ليلة سوداء ومعركة وسبابا‏.‏ ولذلك ونظرا لكبر سني أحاول أن اتفادي الصدام معها ـ فهي كما وصفها فولاذية ذات شخصية متسلطة ـ وأقوم بتنفيذ ما تطلبه مني حتي يكره الرجل طفلته وتكرهه الطفلة‏.‏


بل وأكثر من ذلك لقد ألحقنا الطفلة بمدرسة أجنبية‏,‏ وقمنا برفع دعوي في المحكمة لمطالبته بالنفقات‏,‏ وهكذا تحاول أن تجعل حياته جحيما‏.‏



إنني اكتب لك اليوم لعلي استريح من حمل ثقيل لم استطع أن أبوح به لأحد من قبل‏,‏ وهذا بمثابة اعتذار للرجل الذي اتابع نجاحاته من الزملاء‏..‏ ولأنه ليس في العمر بقية‏,‏ حيث وصلت من العمر ارذله‏,‏ أرجو منه أن يسامحني حتي ألقي ربي وهو راض عني‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


انت تقر ياسيدي بكل ما قاله زوج ابنتك السابقة في رسالته‏,‏ لكنك تبرره بمبرر وحيد هو انك مقهور الإرادة مع زوجتك‏,‏ وانها تفرض عليك اداء هذا الدور البغيض مع حفيدتك في بث كراهية ابيها في نفسها لكي تستقر في اعماقها منذ الصغر‏.‏


وإذا سلمنا بأنك لا تستطيع لأسباب تتعلق بضعف الشيخوخة وضعف الإرادة وطلب السلامة ان تواجه زوجتك وترغمها علي الكف عما تفعل‏,‏ فإنك تستطيع علي الأقل ان تتحايل علي عدم تنفيذ تعليماتها الصارمة بأن تدع الأبنه خلال جلسة الرؤية وحدها مع ابيها‏,‏ وألا تبث السموم في نفسها تجاهه‏,‏ بحيث تتيح للأب حقه العادل في التواصل مع طفلته دون مؤثرات سلبية من جانبك‏,‏ وتتفادي في نفس الوقت غضب زوجتك المتجبرة‏..‏ نعم تستطيع أن تفعل ذلك كما تستطيع ايضا ان تكف دائما عن ترديد البهتان علي مسامع الطفلة لكي تكره اباها‏..‏ لأنه لن يدفع ثمن ذلك في النهاية إلا هذه الابنة نفسها‏..‏ كما أنه امر ليس من العدل والدين والتربية الصحيحة في شيء‏,‏ وشكرا‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:15 PM
  #19
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الخروج من الشرنقة


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

هل تذكرني؟ إنني صاحب رسالة الحب الزائفالتي تفضلت بنشرها في يونيو عام‏2000,‏ وشكوت لك فيها من أمي ورفضها القاطع لزواجي من أي فتاة أو سيدة‏,‏ لأني ابنها الوحيد الذي ترتبط به وتعتمد عليه خاصة بعد زواج شقيقاتي‏,‏ وحكيت كيف كانت كلما هممت بخطبة فتاة تمرض أو تتمارض وتلازم الفراش‏,‏ ويبدو كما لو أنها علي وشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة‏,‏ فنضطر لتأجيل الخطبة وأتفرغ لملازمتها ورعايتها الي أن يمضي موعد الخطبة‏..‏ فتسترد علي الفور دماء الصحة والعافية وتنهض من فراش المرض وهي في قمة السعادة‏..‏ كما رويت لك كيف تأجلت آخر خطبة لي عدة مرات لنفس السبب‏,‏ حتي ضاق بنا أهل الفتاة واعتذروا عن إتمام الارتباط‏,‏ إلي أن يئست تماما من أن أجد حلا لمشكلتي فكففت عن محاولة الزواج بعد أن أصبحت لي سمعة غير مستحبة في بيوت العائلات الكريمة من جراء ما حدث في محاولات الخطبة العديدة السابقة‏,‏ وأذكر أنك بعد أن حللت موقف أمي مني ووصفت حبها لي بأنه حب زائف‏,‏ لأنه حب أناني لا يضع سعادة الابن المحبوب في الاعتبار‏,‏ وأن كل ما يهدف اليه هو استمرار الاستئثار به وتملكه دون بقية النساء‏..‏ قلت لي إنه لا مفر من أن تسعي الي الارتباط بفتاة مناسبة في سرية تامة بعيدا عن والدتك لكيلا تفسد عليك المشروع ثم تتزوج وتضع والدتك أمام الأمر الواقع وتتحمل صواعقها وعواصفها وحمم براكينها الي أن تخمد النار وتسلم بما حدث‏,‏ مع تأكيدك لي بضرورة الفصل بين أمي وزوجتي في المسكن‏...‏ لكيلا يحدث الاشتباك المتوقع بينهما‏,‏ وبعد نشر الرسالة ساءت حالتي النفسية للغاية وانقطعت عن زيارة الاصدقاء أو استقبالهم وأصبحت أخرج بعد صلاة الفجر الي عملي وأعود إلي البيت في المساء منهكا فأجد أمي تتفجر شبابا وحيوية تتحدث في التليفون مع إحدي بناتها وتطلق ضحكاتها العالية‏..‏ فأدخل غرفة نومي محسورا ولطبيعة عملي فلقد كنت أسافر الي عاصمة المحافظة التي تقع فيها مدينتي عدة مرات كل اسبوع وأتردد علي مسجد قريب من العمل لأصلي فيه‏,‏ وفي هذا المسجد رأيت رجلا سمح الوجه وقورا‏,‏ لاحظت أنه ينظر الي ويراقبني‏,‏ ربما لأنني وجه غريب يظهر في المسجد فتبادلنا النظرات والابتسامات والتحية ثم حدث في أحد الأيام وكنا نستعد لأداء صلاة المغرب‏..‏ أن سمعت صوت سقوط جسم علي الأرض في أحد أركان المسجد‏,‏ ورأيت المصلين يهرولون ناحيته فهرولت معهم‏..‏ فوجدت هذا الرجل وقد أصيب بأزمة صحية مفاجئة‏,‏ فقد معها توازنه وساعدناه علي النهوض فطلب


مني أنا بالذات أن أوصله إلي بيته القريب‏,‏ ففعلت وأحضرت له طبيبا وصرفت الدواء من الصيدلية ومكثت معه حتي صلاة العشاء وودعته بعد الاطمئنان عليه وهو يشكرني بحرارة ورجعت إلي مديتني الصغيرة‏.‏



وبعد أسبوع لاحظت أنه لم يظهر بعد في المسجد منذ ذلك اليوم‏,‏ فتوجهت إلي بيته للسؤال عنه‏,‏ وطرقت الباب ففتحته لي فتاة شابة فارتبكت لأني لم أر من قبل أحدا معه في بيته وكنت أظنه أرمل وحيدا وهممت بالرجوع لكنه ناداني من الداخل ورحب بي‏,‏ وفسر لي وحدته في المرة السابقة بأن زوجته وبناته الأربع كن حين رجعت معه الي بيته يحضرن درسا دينيا لداعية مشهورة واستشعارا مني بحرج الموقف حاولت الانصراف بعد فترة قصيرة‏,‏ لكنه أصر علي أن أبقي معه حتي نتناول معا طعام العشاء‏..‏ وعرفت منه أنه رجل بالمعاش عمل مديرا بوظيفة سيادية كبري‏,‏ وطلب مني أن أحكي له قصتي لأنه يلاحظ نظرة حزن غريبة في عيني‏,‏ فوجدتني أروي له كل شئ بصراحة تامة‏,‏ وأحكي له مالم أصرح به لانسان قبله‏,‏ فربت علي كتفي وطلب مني الصبر علي والدتي والدعاء لها بالهداية‏,‏ ثم سألني‏:‏ مارأيك في ابنتي الكبري التي فتحت لك الباب‏..‏ هل تراها مناسبة لك‏,‏ فأجابته علي الفور بالإيجاب‏,‏ ولم أفكر في أن أطلب مهلة للتروي والتفكير في الأمر‏,‏ فشجعه ذلك علي أن يدعوها ويبلغها أن هذا الشاب الطيب يطلب يدك



فماذا تقولين؟ وخفق قلبي خوفا من الحرج وفوجئت بها توافق حتي بعد إطلاعها علي جميع الظروف التي تحيط بي‏,‏ وطلب مني الرجل ألا أبوح بما حدث لأحد إلا من اثق به ثقة كاملة حتي لايتسرب الخبر الي والدتي‏,‏ وبالفعل لم ابح لأحد بسري سوي خالي وزوج إحدي شقيقاتي‏,‏ وخلال ذلك خطرت لوالد فتاتي فكرة كان لها أثر السحر في إتمام الارتباط‏,‏ فقد اقترح علي إرسال أمي لأداء العمرة عارضا ان يتكفل هو بنفقاتها كاملة‏,‏ وخلال غيابها فيها يتم عقد القران والزفاف والانتقال الي بيت الزوجية في بلدتي‏..‏ وترجع أمي من عمرتها فتجدني زوجا ورب أسرة مع حرصي علي مراعاتها ورعايتها وتحملها خلال فترة الثورة الأولي‏,‏ ونفذنا الفكرة بالفعل‏..‏ ورحبت امي بها ولم تسألني عن مصدر النقود التي دفعتها للعمرة‏,‏ ولعلها اعتبرتها آخر مدخراتي التي كنت قد ادخرتها للزواج‏,‏ واطمأنت بذلك الي اني لن اتمكن من الزواج ذات يوم‏,‏ وسافرت والدتي الي العمرة ورجعت واستقبلتني بالقبلات ثم عرفت بما تم في غيابها‏,‏ ولك ان تتخيل ماحدث وماجري بعد ذلك‏,‏ وكيف بعد ان بح صوتها من الصراخ والعويل هاجمتها جميع امراض الأرض حتي عجزت عن الحركة ولازمت الفراش؟ وتفرغت أنا وزوجتي لخدمتها ورعايتها وتمريضها‏,‏ وصرنا ننام علي الأرض بجوار فراشها لنجيب نداءها في أية لحظة‏,‏ ونصحبها الي الأطباء لعلاج أمراض لاندري عنها شيئا‏,‏ وهكذا طوال ثلاثة أشهر كاملة‏..‏ فاذا استأذناها في العودة لبيت الزوجية في مساء أحد الأيام لكي نبدل ملابسنا ونرتب أمورنا‏..‏ واذنت لنا علي مضض لم نكن نستقر في البيت ساعة حتي يلاحقنا الجيران بالتليفون‏:‏ عودوا والدتك تموت‏!‏



فنرجع مهرولين‏..‏ ونجدها في نفس الحال‏..‏ ونسلم أمرنا الي الله‏..‏ وهكذا عشت شهور الزواج الأولي كلها في جو الإرهاب المعنوي هذا‏..‏ والويل لزوجتي اذا ارتدت فستانا نظيفا في البيت‏,‏ والويل لي ولها اذا تبادلنا الحديث امامها بكلمة‏,‏ لأن الكلام ينبغي له ألا يوجه إلا لها هي‏,‏ واخيرا ظهرت بارقة امل في ان تخفف امي من موقفها هذا من زواجنا‏,‏ فلقد تحركت ثمرة الحب في أحشاء زوجتي‏,‏ وأملنا ان تسعد امي بالخبر وابلغتها به امام خالي‏,‏ فلم أنس تعبير وجهها حين سمعته ولا كيف اسود وجهها واظلم كانما قد أبلغتها بأسوأ خبر في الوجود‏,‏ وانقضت من شهور الحمل ثلاثة أشهر وزوجتي برغم كل شيء دائمة الابتسام في وجه أمي وحريصة علي خدمتها وتجاهل إساءاتها‏..‏ ثم خرجت ذات يوم لأصلي العصر في المسجد القريب ورجعت فوجدت زوجتي مستلقية علي الأرض والدم يغرق فستانها وامي تحاول مساعدتها علي النهوض‏,‏ وسمعت روايتين تفسيرا لماحدث‏,‏ الأولي من أمي وتقول ان زوجتي داخت من الحمل وسقطت علي الكرسي ثم علي الأرض‏,‏ والثانية من زوجتي علي انفراد وتقول ان أمي ألقت علي الأرض عامدة قشر الموز وبعض الزيت لكي تتزحلق عليها‏,‏ وانها جمعت قشر الموز من الأرض ومسحت الزيت قبل وصولي بدقائق‏,‏ ثم تظاهرت بمساعدتها علي النهوض وطلبت زوجتي أن تذهب الي بيت أهلها لتستريح فترة تسترد خلالها عافيتها بعد ان فقدت جنينها فوافقتها علي ذلك‏.‏



وشفيت امي من كل امراضها بقدرة قادر بمجرد ان رحلت زوجتي الي بيت أهلها‏..‏ وتحركت في البيت وتزينت وارتدت اجمل ملابسها البيتية وغطت الابتسامة وجهها‏,‏ وبعد أسابيع اخري حملت زوجتي من جديد‏..‏ فحرصنا علي تكتم الخبر عن أمي هذه المرة‏,‏ فلم تعلم به إلا بعد ان لاحظت انتفاخ بطن زوجتي‏,‏ ولم تعلق سوي بالسباب واللعنات‏..‏ ثم بدأ مسلسل الأمراض والأزمات الصحية‏..‏ فحرصت علي إبعاد زوجتي عن أمي بقية شهور الحمل‏,‏ وتحملت انا كل العبء وحدي في رعايتها‏,‏ وحين جاء موعد الولادة نقلت أمي الي المستشفي لاشتداد الأزمة عليها وحرت في رعايتها ورعاية زوجتي التي علي وشك الوضع‏,‏ واستعرت سيارة صهري لأتنقل بين الاثنتين‏,‏ ووضعت زوجتي طفلا وطفلة فرحت بهما فرحة طاغية‏,‏ وهرولت لأطمئن علي أمي التي دخلت العناية المركزة‏,‏ فوجدتها قد تحسنت وغادرت العناية‏,‏ ولم تسألني عن زوجتي ولا عن مولودها‏,‏ وأرادتني ان ابقي إلي جوارها ليل نهار وأدع زوجتي لنفسها‏.‏


ومضت الأيام بطيئة وكئيبة ورجعت أمي لبيتها وزوجتي لبيت اهلها لفترة ثم إلي بيت الزوجية‏,‏ ولم استطع أن احتضن طفلي وطفلتي واداعبهما طوال شهرين سوي مرة أو مرتين لأنه مطلوب مني ألا اتحرك بعيدا عن امي خطوة واحدة‏..‏ وطوال ذلك لم تسألني هي ولو من باب المجاملة هل وضعت زوجتك أم لا‏..‏ وماذا انجبت طفلا أم طفلة؟‏!.‏



وبعد عدة أسابيع انشغلت بعض الشيء بالطفلين وبزوجتي‏,‏ ودخلت أمي المستشفي لإجراء جراحة دقيقة فسلمت زوجتي طفليها لأهلها ونهضت لخدمة أمي في المستشفي ثم في البيت‏,‏ فما أن عادت اليه حتي شكت أمي لشقيقاتي من زوجتي ومن إهمالها لها وتأخيرها مواعيد الدواء‏..‏ الخ‏,‏ وإذا بشقيقاتي يتأثرن بهذه الادعاءات ويقاطعنني ويقاطعن زوجتي‏,‏ وعبثا حاولت مصالحتهن وارضاءهن لكيلا يقطعن صلة الرحم معي ومع الطفلين اللذين بلغ عمرهما عشرة شهور ويعيشان كالمنبوذين من أهلي‏,‏ فلا يفرح بهما احد ولا يداعبهما أحد‏,‏ و قالت لي اختي الصغري انهن يعرفن جيدا ان امي تظلم زوجتي فيما تدعيه عليها‏,‏ لكنهن لا يردن إغضابها ولا عصيان اوامرها لهن بمقاطعتنا فسلمت امري إلي الله‏..‏ وكلما اشتد حولنا الحصار والمقاطعة ازددت انا وزوجتي اقترابا والتصاقا وحاول كل منا تعويض الآخر عما ينقصه من عطف وحنان‏.‏


والآن يا سيدي فإني في حيرة من أمري‏,‏ فلقد حاولت مجددا الاتصال بشقيقاتي أو زيارتهن فواصلن مقاطعتي‏,‏ ما عدا ازواجهن الذين يقدرون ظروفي‏..‏ فماذا أفعل لكي اصون صلة الرحم التي قطعتها شقيقاتي‏..‏ ولكيلا ينشأ اطفالي منبوذين بلا أهل؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


كل ما تعانيه الآن هو من جراء تجرؤك علي الخروج من الشرنقة التي أرادت لك والدتك ان تحيا فيها محنطا إلي ما لا نهاية‏,‏ غير أنه لم يكن هناك مفر من هذا الخروج لتعيش حياة طبيعية‏..‏ وتنعم بالزواج والإنجاب وممارسة إحساس الأبوة وإحساس المسئولية عن أسرة صغيرة يسودها العطف والحنان‏,‏ فتحمل اقدارك يا صديقي وواصل حياتك‏..‏ وأرض بما تدفعه من ثمن لامتلاكك لزمام أمرك من جديد‏..‏ واختيارك للحياة السوية ضد رغبة أقرب الناس إليك‏.‏ والحق انه لم يعد بمقدورك ان تفعل أكثر مما فعلت للحفاظ علي صلة الرحم بينك وبين شقيقاتك‏,‏ فان كان ثمة ما تستطيع أن تضيفه إلي جهودك السابقة لرأب الصدع‏,‏ فهو فقط أن تتعالي علي جرح مقاطعة شقيقاتك لك‏,‏ وتتعامل معه بروح الفهم والتسامح‏,‏ لأنك تدرك جيدا انه ليس موقفا نابعا منهن‏,‏ وانما هو خنوع للأم وخضوع لرغبتها في مقاطعتهن لك‏,‏ ومداراة لها‏,‏ محاولة لتجنب إغضابها إشفاقا عليها مما تعتبره هي هزيمة لها في صراع الاستئثار بك دون غيرها من النساء‏.‏


وفهم كل شيء يؤدي إلي التسامح مع كل شيء كما يقولون‏.‏ ولهذا فلقد تستطيع إبلاغ شقيقاتك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‏.‏ انك تتفهم موقفهن‏,‏ بل وتلتمس لهن بعض العذر في الضغوط التي تمارسها عليهن أمهن‏,‏ وتدرك انه لايعبر عن حقيقة مشاعرهن تجاهك‏,‏ وتنتظر في صبر ان تنكسر القيود التي تحول بينهن وبينك‏,‏ وسواء تحقق ذلك في المدي القريب أو البعيد‏,‏ فلسوف تظل دائما الأخ المخلص المحب لهن‏..‏ والحاضر دوما حين يحتجن اليك‏.‏



اما شقيقاتك فاني اذكرهن بانه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وان قطع صلة الرحم من اكبر الكبائر‏,‏ وانهن يستطعن ان يعفين أنفسهن من وزرها دون التعرض لغضب الأم بالتحايل علي أوامرها‏,‏ والتواد عن بعد مع شقيقهن ولو سرا في بيوت بعض الأهل من حين لآخر‏,‏ أو في المناسبات أو عبر الأزواج أو بأي وسيلة للاتصال‏,‏ مع الالتزام بأوامر الأم بعدم زيارة بيته أو استقبال زوجته في بيوتهن إلي أن يغير الله من حال إلي حال‏.‏


أما والدتك فإني اعجب كيف لم يرق قلبها لهذين الطفلين اللذين جاءا إلي الحياة منذ عشرة شهور فلم تطلب رؤيتهما ولم تشعر بأي رغبة في ذلك حتي الآن؟



لقد حدث في كثير من القصص المماثلة ان كان مرأي الحفيد من الابن أو الابنة الخارجة علي طاعة الأهل لأول مرة بعد سنوات المقاطعة‏..‏ أثر السحر في إذابة جليد الجفاء والخصام بين الأبوين وبين الأبناء‏.‏


وكثيرا ما نصحت بعض من استشاروني في قصص مماثلة بأن يحملوا أطفالهم الرضع ويتوجهوا بهم إلي الأب الغاضب أو الأم الغضبي‏,‏ ويطرق أحدهم باب الشقة رافعا طفله بين يديه كأنما يحتمي به مما ينتظره فما ان يفتح الباب‏,‏ حتي يضع طفله بين يدي امه أو ابيه‏,‏ ويقول له انه يتقبل منه كل عقاب لكن هذا الطفل البرئ لاذنب له فيما فعل وهو يحتاج إلي جده وجدته كما يحتاجان اليه‏..‏ فهل يرفضانه؟



فتكون الاستجابة في معظم الحالات‏,‏ ان لم يكن في كلها‏,‏ هي الترحيب والدموع والاحضان والتجاوز عن الأخطاء وفتح صفحة جديدة في علاقة الطرفين‏.‏


فتري هل لو نفذت هذه النصيحة يمكن ان يكون لها بعض الأثر في تغيير مشاعر والدتك الصخرية تجاه طفليك؟ الحق انني لست علي ثقة من ذلك لكنه لابأس من التجربة ولو من باب استنفاد آخر الوسائل اذ لعل وعسي الله الذي ألان الحديد لعبده ونبيه داود عليه السلام‏,‏ يلين قلب والدتك لهما‏..‏ ولو انصفت لفعلت ولما حكمت علي نفسها بالحرمان من حفيدين جديدين يمكن أن يضيئا حياتها الخاوية ولو ادركت والدتك ان عاطفة الابن تجاه أمه لاتتعارض ابدا مع عاطفته تجاه زوجته واطفاله لما وضعت نفسها كطرف نقيض مع زوجتك وطفليك ولما اتخذت هذا الموقف المتعسف من زواجك منذ البداية‏.‏



فمكانة الأم سامية وراسخة في عمق اعماق القلوب حتي ولو لم يع البعض ذلك بوضوح واثرها في وجدان الانسان مما لا يمحوه‏,‏ الزمن‏,‏ فكيف تنزل بعض الأمهات عن هذه المكانة العليا الي محاربة طواحين الهواء والتنافس والتجاذب مع شريكة الحياة حول الابن المحبوب؟


لقد تذكرت وانا أقرأ رسالتك ماكان يحدث في الصين في الأزمان القديمة‏,‏ حين كانت العادة ان يعتزل الشاب الحياة فترة طويلة اذا مات احد ابويه وخاصة أمه‏,‏ فيترك كل متاع الدنيا ويتردد علي قبرها كل يوم ويمضي النهار الطويل الي جواره يتأمل في الحياة والموت‏,‏ ويشعر بأنه يؤدي بذلك واجبا تجاه امه أو يكفر عن تقصير سابق في حقها عليه‏.‏



وحين ماتت والدة حكيم الصين كونفوشيوس وكان في الرابعة والعشرين من عمره وزوجا وأبا ظل يتردد علي قبرها‏27‏ شهرا انصرف خلالها عن زوجته‏,‏ وانتهي به الأمر الي طلاقها بعد‏4‏ سنوات فقط من الزواج بسبب حزنه علي امه وإهماله لزوجته‏..‏ واختصر احد المؤرخين القصة في عبارة تقول‏:‏ ماتت امه فطلق زوجته‏!‏


فهل تدرك بعض الأمهات قيمتهن الحقيقية‏..‏؟ وهل يترفعن عن التناحر مع زوجات الأبناء حول مكانتهن في قلوب الأبناء‏.‏؟


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:19 PM
  #20
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


التحول الكبير


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة


فكرت كثيرا قبل أن أمسك القلم وأكتب اليك فأنا شاب متعلم مثقف متوسط الدخل لم استسلم للبطالة فتعلمت وتخرجت وفور تخرجي التحقت بوظيفة خاصة وكانت هي‏..‏ زميلتي‏..‏ انسانة متوسطة الجمال‏,‏ اعجبني فيها التواضع والقناعة وقبل كل هذا كانت من نفس مستواي الاجتماعي أي فقيرة مثلي فربط الحب بيننا ودون أي تفكير تقدمت لطلب يدها علي أن أقيم بعد الزواج في منزل اسرتي‏,‏ وتمت الموافقة من الطرفين وبمساعدة الأب تمت الخطبة ومن بعدها الزواج وبدأت حياتي وسط جو أسري سعيد وكانت أولي المفاجآت أن زوجتي لابد وأن تمر بفترة علاج لكي تنجب ورضيت بقضاء الله وبدأنا رحلة العلاج التي أثمرت في النهاية حورية من حوريات الجنة ومع قدومها تغيرت حياتي فقد فتح الله لي أبواب الرزق لأجد انفسي قد التحقت بالعمل الحكومي ويرزق الله والدي بميراث ليضعه في يدي وأبدأ مشروعا صغيرا ويرزقني الله بطفلتي الثانية ومعها رزقني الله رزقا وفيرا وأصبحت أبا لطفلتين كنت أقضي معهما أوقات فراغي ألعب وأمرح وأعيش عالم الطفولة والبراءة وانسي كل هموم الدنيا‏..‏ اذن أين المشكلة انها تتلخص في كلمة واحدة هي‏..‏ زوجتي‏..‏ نعم زوجتي‏..‏ الانسانة المتواضعة القنوعة اذ انه مثلما حدث التحول لي من العسر الي اليسر حدث لها هي الأخري تحول كبير ولكن الي الأسوأ‏..‏ فلقد بدأت تفتعل المشاكل بينها وبين أسرتي وأهملت الاهتمام بأطفالي وذهب الاحترام من نفسها للجميع فلم تعد تبالي احدا فراحت تثير المشاكل بينها وبين أمي بل بينها وبين أبي أيضا وأنا حائر في سر هذا التغير وحاولت اصلاحها ولم أفلح وراحت هي تهين أمي وأبي فانفجر بركان غضبي وطردتها من المنزل الي منزل اسرتها‏..‏ نعم فكل شيء يهون إلا أبي وأمي ولا أدري هل يسر الحال يحول الانسان الي النقيض أم يجعله يشكر الله علي نعمته‏..‏ لقد اتفقت مع ابي حلا للمشاكل أن أقوم بتأجير شقة سكنية لاعيش فيها مع أطفالي وكان نعم الاتفاق لكن تجارتنا تعثرت واحتاج والدي‏..‏ وقبل ان ينطق بها سلمته كل ما معي من مال علي أن أحصل عليه عندما تتحسن السوق وأجلت فكرة الشقة لحين تحسن الأحوال وأصبحت زوجتي تقيم اقامة كاملة عند اسرتها وانا عند اسرتي وأصبحت حياتي جحيما لبعد أطفالي عني‏..‏ إن زوجتي تأتي يوميا وقد انهارت تماما وتريد أن تعود وأنا رافض أن تدخل منزل الاسرة لسوء معاملتها لأبي وأمي ولكن بعد أطفالي مثل الخنجر يمزق قلبي‏..‏ ماذا أفعل بالله عليك‏..‏ لقد حاولت اصلاحها من ناحية أسرتي ولم أفلح وهي مصممة انها علي حق وأسرتي تعاملها بقسوة رغم أن كل هذا افتراء وكذب‏..‏ انها انسانة مستفزة من الدرجة الأولي فماذا أفعل‏..‏ هل انهي حياتي الزوجية وأبحث عن زوجة تقدر دور الأب والأم أم أصبر وأجمع ما أخذه والدي من مال وأحصل علي مسكن خاص بي؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


أنت محق في غضبك لكرامة ابيك وأمك‏,‏ لكنك قد بالغت في رد فعلك لخلافات زوجتك معهما حين طردتها من البيت وباعدت بينك وبين أطفالك‏..‏ فالزوجة مطالبة بالفعل باحترام أهل الزوج وبنفس القدر الذي يطالبون به باحترامها ومراعاة خصوصياتها اذا كانت تجمعهما حياة مشتركة‏..‏ لكنه علي الجانب الآخر فان المثل الانجليزي يقول يحتاج الأمر الي شخصين لكي تقع مشاجرة‏!‏


ومعني ذلك ان مسئولية المشاجرة تتوزع غالبا علي طرفين أو أكثر وخلافات الزوجة مع الأبوين خاصة في الحياة المشتركة لابد أن تؤخذ دائما بقدر كبير من التفهم والادراك لحقيقة أن احتكاكات الحياة اليومية لابد أن تفرز بعض الشظايا من حين لآخر‏,‏ فتطالب الزوجة بالصبر والحرص الأبدي علي احترام أبوي زوجها وأهله‏,‏ ويطالب الأبوان بالرفق بزوجة الابن‏..‏ والتجاوز عن بعض هناتها‏..‏ وتقدير متاعبها مع أطفالها ومسئولياتها‏,‏ ويطالب الزوج بالحكمة في التعامل مع شكوي الأبوين من زوجته‏,‏ وشكوي الزوجة من أهل زوجها والسعي الدائم للتهدئة‏,‏ مع تجنب التورط في عقد المحاكمات العائلية‏..‏ واجراء المواجهات التي يجد الزوج فيها نفسه ممزقا بين وفائه لابويه‏,‏ وبين مشاعره تجاه زوجته‏.‏



علي أية حال فإذا كنت تبحث عن سر التحول في شخصية زوجتك بعد أن تحسنت أحوالكم المادية بعض الشيء فأغلب الظن أنه اعتقادها أنك قد أصبحت الآن قادرا علي توفير مسكن مستقل لها ولأطفالها‏..‏ يعفيها من الاقامة في حياة مشتركة مع ابويك إلي مالانهاية وحلم المسكن المستقل حلم مشروع لكل زوجة‏,‏ وهي إن قبلت الاقامة في بداية الزواج في كنف أبوي زوجها فباعتبار ذلك حلا مؤقتا الي حين تتوافر الامكانات المادية لتحقيق الحلم المنشود‏.‏


ولقد لاحظت زوجتك أنك بعد تحسن أحوالك المادية لم تقدم علي أية خطوة علي طريق الاستقلال بحياتكما الزوجية‏,‏ وأرادت ان تذكرك بانها ليست سعيدة بالحياة المشتركة مع والديك‏,‏ فبدأت في استفزازهما وتوالت المتاعب والمشاكل‏.‏



فطمئنها علي أنك جاد في نية الحصول علي مسكن مستقل لكما حين تسمح الأحوال بذلك‏,‏ واصفح عنها مكتفيا بفترة العقاب السابقة وأعد أطفالك إلي أحضانك‏,‏ واطلب من والديك أن يعتبرا زوجتك ضيفة مؤقتة في بيتهما الي أن تستقل بحياتك الزوجية بعيدا عنهما خلال وقت قصير إن شاء الله‏.‏
__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:28 PM