الطــــــريـــــق المنحــــــدر
بـريــد الأهــرام
42844
السنة 128-العدد
2004
مارس
26
5 من صفر 1425 هـ
الجمعة
تفتحت عيناي علي أب حنون وأم قاسية لا تحبني, ولم أكد أبلغ سن الشباب حتي توفي والدي, وتركني لوالدتي التي كانت تعاملني أسوأ معاملة, ولأن أبي كان قد زرع في الحب والحنان, فلم أنحرف, بل بالعكس نجحت دراسيا, والتزمت دينيا وأخلاقيا, وعندما أتي العريس كانت أهم صفة مطلوبة فيه من وجهة نظري أن يكون علي خلق وملتزم دينيا, وقلت في نفسي سأبدا حياة جديدة من صنعي أنا, فلقد كانت خبرتي في العلاقات الزوجية صفرا.
وقد تزوجت إنسانا توسمت فيه كل الصفات الممتازة من وجهة نظري, وشعرت تجاهه بأنه المنقذ الذي سينقذني من سجن أمي ومعاملتها السيئة لي, وسيعوض لي حنان أبي الذي فقدته لكني, منذ البداية وجدت زوجي لا يقدر أهمية المشاعر, فزوجته عليها إطاعة أوامره, وتنفيذ رغباته حتي بدون أن يقول لها كلمة شكر, وكان يحاسبني علي أي خطأ, وكأن هذا الخطأ مصيبة كبري, ولا يجد عيبا في أن يحرجني أمام الناس في أثناء حديثي, كأن يلفت نظري إلي أن ما أقوله تافه, ولا يصح, وشعرت بخيبة أمل كبيرة فكل ما أحتاج إليه كلمة حلوة, ولا أجدها, وبذلت كل جهدي حتي لا يجد زوجي خطأ في تصرفاتي يلومني عليه, ووضعت همي في عملي وتربية أولادي حتي أصبح بيتي من أفضل البيوت ظاهريا, أما ما لم استطع أن اتغلب عليه فهي مشاعري ناحية زوجي, الذي لم استطع التجاوب معه.
وعشت حياتي أفرغ مشاعري فيمن حولي, أخدم الجميع, وأحب الجميع, ويحبني كل أصدقائي وزملائي, ويستشيرونني في حل مشاكلهم, أما زوجي فهو مستمر دائما في أن يشعرني بأنني مخطئة في كذا, ولم أفعل كذا إلي آخر اللوم الذي لاينتهي, ومنذ نحو أربع سنوات نقل إلي مقر عملي زميل جديد, وفي البداية تنافسنا في العمل لأنه في نفس الكادر الوظيفي, ولكن مديرنا استطاع بذكاء أن يجعلنا نتعاون فكنت أعمل معه عدة ساعات يوميا, وتعرفت بأسرته لأنه كان غريبا عن القاهرة, وساعدته في إنجاز بعض المهام, وأصبحت علاقتنا عائلية, وأصبح أولادي وأولاده أصدقاء, أما زوجته فهي إنسانة طيبة وبسيطة جدا لا تعرف من دنياها سوي أن تخدم أولادها, وكان زميلي يشكو لي اهتمام زوجته بكل شئ ما عداه, وحاولت أن ألفت نظرها لذلك وعلمتها الكثير كطريقة الطهي, وترتيب المنزل, وكان يسعدني جدا أن أجد هذا الزميل يثني علي الطعام أو يشكرني علي أمر علمته لزوجته, بل كان يستشيرني هو وزوجته في أمور كثيرة, وأصبحت أجد أهميتي في تلك الأسرة, وبدأت تتجمع الأسرتان في المناسبات المختلفة, فكان ما يكدرها أن زوجي لايتكيف أبدا مع هذه الأمور, كما أني كنت أري نظرات الاشفاق في عين زميلي علي كلما أحرجني زوجي أمام الموجودين, المهم أنني كنت أتجاوز هذه الأمور, ولا أعلق عليها, ولكنها كانت تترك داخلي الأثر النفسي الذي يجعلني أرفض العلاقة الزوجية, وفي أحد الأيام كنت في مكتبي أبكي نتيجة مشادة حدثت بيني وبين زوجي في الصباح, ودخل زميلي المكتب, ولم أشعر به فإذا به يربت علي رأسي ويواسيني ثم خرج, وشعرت بدفء عجيب لأول مرة في حياتي, ولم أنم ليلتها, وقررت أن أدفن رأسي في حضن زوجي النائم بجواري, لكن لم أجد في هذا الحضن غير عظام لم تشعرني بأي شئ, وبخاصة أنه لم يتحمل رأسي كثيرا, بل بدأ يتململ, ويطلب مني الابتعاد عنه, ووجدت نفسي في اليوم التالي أذهب للعمل, وأنا انتظر أن أري زميلي, ولكن عندما رأيته عنفته علي ما فعل, واعتذر لي أنها كانت غلطة ولن تتكرر, وظل بعدها فترة يتحاشي التعامل معي, وبعدها سمعت في أحد الأيام صوت ضجيج أمام مكتبي فخرجت لأستطلع الأمر فوجدت زميلي هذا مغمي عليه, ويحاول الجميع إفاقته فانخلع قلبي, وتقدمت بسرعة أحاول معهم مساعدته حتي أتت سيارة الإسعاف, ونقلته إلي المستشفي, وهناك كنت معه وعندما آفاق ورآني ابتسم لي, وبالرغم أنه كان
هناك الكثير من الزملاء والزميلات شعرت بأنه يكلمني أنا وحدي, ويخرج الجميع من الحجرة.. أما أنا فيقول لي أرجوك انتظري حتي يعرفني ما سأفعله في العمل في فترة غيابه, وبمجرد خروج الزملاء من الحجرة يمسك يدي ويقبلها عدة مرات, ويقول لي إنني حاولت ألا أضايقك لكن كان ذلك علي حساب أعصابي, وهذه هي النتيجة.
ولم استطع أن أقول له شيئا سوي أن أطلب منه الاهتمام بصحته, وخرجت من الحجرة لا أعرف كيف أسير, والآن هل يمكن لسيدة قاربت الخمسين, ورجل في السن نفسها أن يمرا بهذه المشاعر أم هي العشرة الطويلة بيننا؟.
آلاف الأسئلة تدور داخلي لا أجد لها إجابة, وعدت لبيتي وبدأت أتكلم مع زوجي وأطلب منه أن يراعي مشاعري, وسألته لماذا لا تقول لي كلمة حلوة تسعدني, فالكلمة الحلوة لن تكلفك شيئا, ولماذا نتعامل كأزواج بدون أن تكون هناك مقدمات عاطفية, وسألته ألا يسعدك أن تكون العلاقة الزوجية سبب سعادة لنا نحن الاثنين, وكانت النتيجة كما سبق فلقد اتهمني بأنني السبب, وانني زوجة خائبة, وشعرت بأن ماء باردا سكب علي رأسي.. ولا فائدة.
المهم ظل زميلي في المستشفي عدة أيام كنت أذهب إليه لأطمئن عليه يوميا, وعندما خرج من المستشفي ظل عدة أيام بالمنزل, ولم أكن استطيع أن أذهب إليه حتي لا أضعف والآن فهو مازال في إجازة مرضية, وقد يعود إلي العمل في أي وقت وحتي تتخيل الوضع فنحن في مكتبين متجاورين نقضي معا نصف اليوم ويستدعينا مديرنا في بعض الأعمال, ويعرف أننا عندما نعمل معا يصبح العمل علي أعلي مستوي, ونحقق أفضل النتائج دائما, فماذا أفعل عند عودته إنني أكتب لك مشكلتي لكي يقرأها كل زوج يظن أن نجاحه في الزواج, وإثبات رجولته هو أن تطيع زوجته أوامره فقط وتنفذها وأن يراجع كل زوج نفسه, ويسألها هل أراعي مشاعر زوجتي, وأقول لها كلمة حلوة؟, وهل زوجتي تشعر بحبي؟, أم أن حياتي معها مجرد عشرة خالية من المشاعر, وأنا علي ثقة من أن زوجي لن يشك لحظة في أن هذه الرسالة رسالتي فهو مغرور, ويظن أنني لا أجرؤ علي فعل أي شئ ضد إرادته, كما تعود, لكن صدقني أن ضميري هو الذي يمنعني من الخطأ, وأنا أقاوم هذه المشاعر بكل قوتي خوفا من غضب الله الذي أنا حريصة علي رضاه, كما أني أخاطب كل فتاة مقبلة علي الزواج أن تعرف جيدا وتتعلم كيف تعيش حياة زوجية ناجحة,
فهذا ليس ضد الأدب, وألا تدفن رأسها في الرمال ظنا منها أن الكلام في هذه الموضوعات عيب سوف يسقطها من عين زوجها.
وأقول لها إن هذه الموضوعات في احتياج لكل من الرجل والمرأة, ويجب أن يشبع, وألا ستجد نفسها داخل قفص بابه الوحيد يؤدي إلي النار, كما أشعر أنا الآن.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
مع أنك لست مؤهلة لنصح أحد بعد أن خطوت بالفعل بضع خطوات علي الطريق المنحدر الا أنني أنشر رسالتك عسي أن يستفيد بها البعض وأقول لك إن كل ما ذكرت عن زوجك لا يبرر لك التساهل مع زميلك في العمل أو التفريط معه فيما ينبغي للزوجة المحصنة ألا تفرط فيه, وأشير هنا خاصة إلي ما حذفته من رسالتك المؤسفة هذه. فلقد يكون زوجك مقصرا في الاهتمام باللفتات العاطفية في علاقته بك.. وقد يكون تقديره خاطئا في عدم الاهتمام بالمشاعر والكلمة الرقيقة والتجاوب العاطفي مع زوجته.. لكن الفضليات يا سيدتي لا يحللن المشكلة بالتورط في علاقات غرامية مع زملاء العمل ولا بالتساهل معهم, بحيث يسمحن لهم بلمسهن والتعبير لهن عن لواعج أشواقهم, وإنما يحاولن بعث الدفء في حياتهن الزوجية ويغرين أزواجهن بالتجاوب معهن والاهتمام بمشاعرهن, فإن نجحن في ذلك كان بها, وإن عجزن سلمن أمورهن لخالقهن ورضين بحياتهن كما هي وقبلن بنواقصها دون أن يتطلعن إلي أي تعويض خارج المؤسسة الزوجية, فإذا كنت حقا تقاومين الخطأ كما تقولين.. فإن أول خطوة جدية علي هذا الطريق هي أن تطلبي نقلك من هذا المكتب الذي يجمع بينك وبين زميلك وأن تكفي عن زيارته والاتصال به.. وتتفرغي بكل مشاعرك واهتمامك لزوجك وأبنائك.
وتذكري دائما أن الطريق المنحدر الذي بدأت السير فيه, تزداد منحدراته خطورة كلما تسارعت خطواتك عليه, وانك كلما سرت علي دربه تراجعت فرص نجاتك من الهاوية التي ينتهي إليها, وتعذرت عودتك إلي الطريق القويم.. فتوقفي الآن.. وراجعي نفسك فيما فعلت وفرطت, كما تطالبين الأزواج بأن يراجعوا أنفسهم في علاقاتهم بزوجاتهم.. وتطهري من إثم هذه العلاقة قبل أن تفسد عليك روحك واحترامك لنفسك وتدمر حياتك وتصمك بما لا ترضاه السيدة الفاضلة لنفسها.