مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها
ب- الضريبة في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية:
من المعلوم أن كل ما لم يرد به نص يحدد معناه فإن للعلماء فيه أقوالاً ولذا فلقد اختلفوا في تعريفاتهم للضريبة وإن كانت تبدو جميعها بمعنى واحد إلى حد ما:
1- عرفها الإمام الغزالي بأنها: ما يوظفه الإمام على الأغنياء بما يراه كافيًا عند خلو بيت المال من المال(13).
2- عرفها الإمام الجويني بأنها: ما يأخذه الإمام من مياسير البلاد والمثرين (الأغنياء) من طبقات العباد بما يراه سادًا للحاجة(14).
3- وعرفها من المحدثين د. يوسف إبراهيم فقال(15): هي ما تفرضه الدولة فوق الزكاة وسائر التكاليف المحددة بالكتاب والسنة وذلك وفقًا لظروف المجتمع الإسلامي، وتتميز هذه الضرائب بأنها مؤقتة بالظروف التي فرضت من أجلها، ويمكن أن يطلق عليها الضرائب الاستثنائية.
4- وجاء في تعريفها كذلك: بأنها الاقتطاعات المالية، العينية منها والنقدية التي تقتطعها الدولة الإسلامية من أموال الأفراد قسرًا وبصفة نهائية دون أن يكون مقابلها نفع معين مشروط، وتخصص لتغطية النفقات العامة، وفي نفس الوقت تستند فرضيتها إلى الأحكام والقواعد الكلية للشريعة الإسلامية(16).
ومما سبق يمكن وضع مفهوم للضريبة في الفقه الإسلامي بأنها:
مقدار محدد من المال تفرضه الدولة في أموال الممولين لضرورة طارئة مستندة في ذلك إلى قواعد الشريعة العامة، دون أن يقابل ذلك نفع معين للممول، تستخدمه الدولة في تغطية النفقات العامة للمواطنين، وتمتاز هذه الضرائب بأنها مؤقتة بالظروف التي فرضت من أجلها، وليست تشريعًا دائمًا أصيلاً بل هي استثنائية تنتهي بانتهاء الظروف التي استوجبتها.
أوجه الاتفاق والاختلاف بين معنى الضريبة في الفقه الإسلامي ومعناها في اصطلاح الاقتصاديين:
أوجه الاتفاق:
يتفق معنى الضريبة في الفقه الإسلامي مع معناها في اصطلاح علماء الاقتصاد في الأوجه التالي:
1- كلاهما تفرضه الدولة على سبيل الجبر والإلزام.
2- كلاهما فريضة نقدية.
3- لا يقابلها نفع معين يعود على الممول.
أما أوجه الاختلاف:
1- الضريبة في المفهوم الإسلامي تستند في فرضيتها إلى أصل شرعي من الكتاب أو السنة أو الآثار الوارد عن الصحابة.
في حين أن الضريبة في المفهوم الاصطلاحي لدى علماء الاقتصاد لا تعتمد في فرضيتها على شيء من الشريعة بل قد تفرضها على أساس نظرية سيادة الدولة أو على أساس أن الأفراد ملزمون بحكم كونهم أعضاء في المجتمع بالمشاركة في النفقات العامة التي تقوم بها الدولة.
2- تعتبر الضريبة في العرف الدولي موردًا من موارد الدولة الثابتة في حين أن الضريبة من وجه نظر الشريعة تفرض لظروف طارئة تعجز الدولة عن مواجهتها، وليست تشريعًا أصيلاً بل استثنائيًا.
3- الضريبة في النظام الوضعي تتصف بالديمومة، بينما في الفكر الإسلامي مرتبطة بالظروف التي من أجلها فرضت وليست تشريعًا دائمًا.
المطلب الثاني
الموارد المالية في الدولة الإسلامية ومدى علاقتها بالضرائب
قبل الحديث عن مشروعية فرض الضرائب وآراء الفقهاء في ذلك لا بد من أن نطرح السؤال التالي ثم نجيب عنه:
هل وجد في النظام المالي الإسلامي في عهد التشريع ما يتوافق مع مفهوم الضريبة بمفهومها العصري؟
وحتى تكون الإجابة واضحة – بإذن الله تعالى – لابد أن نتعرض بإيجاز إلى الموارد المالية في الدولة الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين لنتبين هل من وجود علاقة بين تلك الموارد التي كان يؤديها المكلف وبين الضرائب بالمفهوم المعاصر.
أولاً: الموارد المالية للدولة الإسلامية:
لما كان تحقيق المصالح العامة وتأمين الحاجات الضرورية لأي مجتمع يمثل المسؤولية الأولى للدولة القائمة عليه، فإنه لا يتسنى لهذه الدولة أن تقوم بدورها في النفقات العامة إلا بوجود موارد مالية ثابتة ودورية تركن إليها في تأمين هذه المتطلبات، وبما أن الإسلام نظام حياة للبشرية، وهو دين العدالة والرحمة والمساواة، فإنه من باب أولى أن تكون دولة الإسلام رائدة وقدوة حسنة في تحمل مسؤولية أبنائها وتأمين حاجاتهم الأساسية وتقديم الخدمات العامة التي تستوجبها الحياة، وتحقيق التكافل الاجتماعي فيما بينهم. إذ أن من واجبات الدولة تحقيق الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي لأبنائها إضافة إلى واجباتها الدينية والروحية(17).
وبناء على ذلك، فهل كان للدولة الإسلامية موارد مالية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده؟ والجواب عن ذلك من خلال الواقع والنص يقول – نعم – .
وإليك أهم الموارد التي كان يعتمد عليها بيت المال في صدر الإسلام:
1- الزكاة: وهي تمليك مال مخصوص لمستحقه بشرائط مخصوصة(18). وفي تعريف آخر هي: حق واجب في مال خاص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص(19). وتؤخذ من المسلم من سائر أمواله نقدية أو زراعية أو عروضًا تجارية إذا بلغت أمواله النصاب الشرعي المقرر فمن ملك النصاب يجب عليه أن يؤدي زكاة ماله للدولة أو تقوم الدولة بجبايتها لتنفقها على مستحقيها. وقد جاءت فرضيتها في كتاب الله تعالى حيث يقول جل وعلا: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(20).
ويقول سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض)(21). وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام الرازي: ظاهر الرواية يدل على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان فيدخل فيه زكاة التجارة والنقدية والنعم لأن ذلك لما يوصف بأنه مكتسب(22).
2- الخمس من غنائم الحرب، ومما يستخرج من الأرض من المعادن والركاز(23). قال تعالى: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل)(24). وقال صلى الله عليه وسلم: "وفي الركاز الخمس)(25).
3- الجزية: وهي ضريبة مالية تؤخذ من غير المسلمين إذا دخلوا في ذمة المسلمين وعهدهم مع بقائهم على دينهم، يدفعونها للدولة الإسلامية نظير حماية المسلمين لهم من عدوهم وحقنًا لدمائهم فلا يتعدى عليهم أحد من المسلمين، وكذلك نظير انتفاعهم بمرافق الدولة الإسلامية، وأما مقدارها فيجتهد فيه الإمام حسب حالة الناس المادية وظروفهم، وقد وردت شرعيتها في كتاب الله تعالى إذ يقول سبحانه: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون)(26).
4- الخراج: ما وضع على رقاب الأرضين من حقوق تؤدى عنها(27). وهو جزء معين من الخارج منها كالربع والثلث ونحوهما وقد يكون نصف الخارج. وهذا المورد ضريبة يفرضها الإمام على أراضي أهل الذمة بعد فتحها عنوة وإقرار أهلها عليها إن رغبوا(28).
وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر وأبقى رقبة الأرض في أيدي أهلها نظير خراج يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم(29)، ثم فعل ذلك عمر بن الخطاب في أرض سواد العراق(30).
والملاحظ أن ضريبة الخراج إنما كانت على غير المسلمين لانتفاعهم برقبة الأرض بعد أن أصبحت للمسلمين عقب الفتح – على أن يخرجهم المسلمين منها متى شاؤا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر – ، أو أرضًا صالح عليها أهلها دون قتال على أن يدفعوا خراجًا يقدره أولو الأمر من المسلمين.
5- العشور: وهي ما يؤخذ من أموال التجارة سواء كان المأخوذ عشرًا لغويًا أو نصفه أو ربعه أو ما تأخذه الدولة ممن يجتاز بلده إلى غيره من التجار(31).
وقد أصبح من موارد بيت المال في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كتب إليه أهل منبج من وراء بحر عدن يعرضون عليه أن يدخلوا تجارتهم أرض العرب وله منها العشر فشاور عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأجمعوا على ذلك، فهو أول من أخذ منهم العشور. وكذا سأل عمر المسلمين كيف يصنع بكم الحبشة إذا دخلتم أرضهم قالوا: يأخذون عشر ما معنا، قال: فخذوا منهم مثل ما يأخذون منكم(32).
وبذلك يكون عمر رضي الله عنه قد شرعها من قبيل المعاملة بالمثل ولا تؤخذ إلا من غير المسلمين، أما المسلمون فلا يؤخذ منهم إلا ربع العشر وهو مقدار الزكاة المفروضة.
فعن عبد الرحمن بن معقل قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلمًا ولا معاهدًا. قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم(33).
سئل عبد الله بن عمر: هل علمت عمر أخذ العشر من المسلمين؟ فقال لا لم أعلم(34).