الخصخصة..
تفاحة الأغنياء حنظلة الفقراء
د. نائل موسى
خصخصة .. خوصصة .. تخاصية، تعددت المصطلحات والمعنى واحد.
فالخصخصة في مفهومها البسيط تعني تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة باستبعاد رأس المال العام، وهي عكس التأميم الذي يعني مصادرة الملكيات الخاصة لصالح الدولة. وهي ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة للوصول إلى الهدف النهائي؛ وهو تطبيق آليات السوق الحر والنظام الرأسمالي.
منذ منتصف السبعينيات أصبح مصطلح "الخصخصة" من أهم المصطلحات على الساحة الاقتصادية العالمية بعد تصاعد الدعوة في مختلف أنحاء العالم لنقل ملكية المشروعات التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص؛ نتيجة حالة الركود الاقتصادي الشديد المصحوب بنسب تضخم مرتفعة، وهي الحالة التي عانت منها الدول الصناعية معاناة شديدة. وكانت بريطانيا من أوائل الدول التي طبقت هذا المبدأ.
ومنذ أن ظهرت الخصخصة كآلية للتحول من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة أثارت جدلاً واسعًا بين الاقتصاديين -مازال مستمرًا حتى الآن- حول مدى أهميتها وجدواها الاقتصادية.. وانقسم الاقتصاديون ما بين مؤيد ومعارض.
فالمؤيدون لها يرون أنها أفضل وسيلة لرفع الكفاءة الاقتصادية للشركة أو المنشأة عن طريق زيادة الإنتاجية، وتعظيم الأرباح، وبالتالي رفع كفاءة الاقتصاد بشكل عام. وفي نفس الوقت تخفف العبء عن الحكومات عن طريق التقليل أو التخلص من نفقات الحكومة على تلك المؤسسات، وبالتالي تخفيض عجز الموازنة العامة وتوجيه تلك الموارد لخدمة المجتمع ككل.
ويرى المؤيدون للخصخصة أيضًا أنها تؤدي إلى الحصول على السلع والخدمات بجودة أكبر وبسعر أقل وتنوع أكبر نتيجة زيادة المنافسة، فضلاً عن تقليل البيروقراطية الحكومية والقضاء على الروتين، واجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتعبئة المدخرات الوطنية، والتخلص من الفساد الإداري والمحسوبية؛ نتيجة إخضاع عملية التوظيف في ظل القطاع الخاص لمعايير اقتصادية سليمة ترتبط بالتكلفة واقتصاديات التشغيل.. ويضيفون إلى تلك الميزات ميزة أخرى تتمثل في توسيع قاعدة الملكية والمشاركة في المجتمع فيما يسميه البعض: تشجيع رأسمالية الشعب عن طريق ضخ أموال الأفراد في العملية الإنتاجية نتيجة شراء المشروعات العامة. الخصخصة ليست وردية وإذا كان المؤيدون للخصخصة يرونها وردية إلى أبعد الحدود، وأنها بمثابة طوق النجاة الذي يحمي اقتصاديات الدول من الغرق في بحر الركود والعجز والتضخم فإن المعارضين للخصخصة يرون الأمر على عكس ذلك، ويسوقون مجموعة من الحجج التي ظهرت كآثار لتجارب الخصخصة في العالم خلال العقود الماضية، وهم يقولون: إنه ليس ضروريًّا أن تؤدي الخصخصة إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية؛ لأن شكل الملكية ليس له علاقة بالكفاءة، ولكن شكل الإدارة هو الذي يحدد ذلك. ويرد المؤيدون على ذلك بأن قدرة الدولة على إدارة المشروعات أقل كثيرًا من قدرة الأفراد؛ بسبب طبيعة القوانين التي تحكم عمل الدولة، ولذا فمن الصعب فصل الإدارة بشكل كامل عن الملكية.
ويرى المعارضون أن كثيرًا من المشاريع التي يتم خصخصتها تأخذ شكل الاحتكار، وبالتالي تساهم الخصخصة في نقل الاحتكار من القطاع العام إلى الخاص؛ وبالتالي حدوث فرق كبير للكفاءة، وهذا يتطلب ضرورة وجود سوق تنافسية للقضاء على هذا الاحتكار.. ويضيفون إلى ذلك حججًا أخرى تتمثل في حدوث تشوه في الاقتصاد نتيجة عدم إقبال القطاع الخاص على المساهمة في المشاريع الحساسة والهامة التي تحوي درجة مخاطرة عالية أو لا تحقق عائدًا أو ربحًا سريعًا، ومن ثم عجز الاقتصاد عن الوفاء باحتياجات المجتمع وحدوث أزمات ومشاكل لا حصر لها، هذا فضلاً عن أن تجارب الخصخصة في العالم لم تُعطِ الثمار المرجوة في مجال خفض أسعار السلع والمنتجات، بل العكس هو الذي حدث في بعض التجارب، وهذا يؤكد ضرورة استمرار دور الدولة حماية للمصلحة العامة والطبقات الفقيرة.
ويلفت المعارضون الأنظار إلى أن الخصخصة ربما تؤدي إلى منافع على مستوى المنشأة أو الشركة وأصحاب رؤوس الأموال؛ لكنها تولد مشاكل جمة على مستوى الاقتصاد الكلي؛ تتمثل في زيادة حجم العاطلين؛ سواء أكان ذلك عن طريق الاستغناء عن العمالة الزائدة أم تقليل فرص العمل نتيجة استخدام التكنولوجيا الحديثة.. إلا أن المؤيدين للخصخصة يرون أنها لا تخلق التشوهات والمشاكل ولكنها تكشف عن وجودها، فالبطالة موجودة في ظل المشروعات العامة لكنها مُقنَّعة. ضغوط الخصخصة وأهدافهاوأيًّا كانت حجج المؤيدين والمعارضين للخصخصة فإن استقراء الواقع يؤكد وجود العديد من القوى والضغوط التي دفعت دول العالم للجوء إلى الخصخصة كأسلوب لإدارة المنشآت الاقتصادية، وتتمثل هذه الضغوط والقوى في ضغوط عملية تهدف إلى إيجاد حكومات أكثر كفاءة تطبق سياسات مالية أفضل يترتب عليها اقتصاد في النفقات، وضغوط أيديولوجية تقضي بتقليل دور الحكومة وتدخلها في الحياة الاقتصادية، وضغوط تجارية تهدف إلى توسيع مجالات العمل وزيادة كفاءة الإنتاج، وضغوط شعبية تسعى إلى خلق مجتمع أفضل تتوفر لدى أفراده فرص أوسع في اختيار السلع والخدمات، وزيادة مشاركتهم في النشاطات الاقتصادية.. وأخيرًا ضغوط دولية تهدف إلى إيجاد اقتصاد تتوفر لديه القدرة على المنافسة مع الأسواق والمنتجات الأخرى، في ظل برامج التصحيح والنظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي تفرضه الدول الكبرى عن طريق المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين. تحسين الأوضاع الاقتصادية هدف أسمىوتهدف الدول التي طبقت الخصخصة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، بعضها يتعلق بالهيكل المالي والنقدي والنمو الاقتصادي وتتمثل في:-
تحسين النتائج الاقتصادية والمالية للمشروعات العامة التي يتم خصخصتها، ومساندة القطاع الخاص في زيادة نشاطه بفضل ضمان استقلاله في الإدارة بما يتلاءم مع الظروف الاقتصادية وحركة المنافسة.
خفض عجز الموازنة العامة للدولة الناجم عن دعم الدولة للمشروعات العامة، واستثمار حصيلة بيع حصص الدولة في تلك المشروعات؛ سواء في النهوض بالمشروعات الأخرى لتتمكن من بيعها أو في الإنفاق على الخدمات الأخرى وتطوير أداء الهيئات التابعة لها.
زيادة إيرادات الدولة من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة على الشركات بعد خصخصتها.
إنعاش السوق المالي وتنشيط بورصة الأوراق المالية وجذب مدخرات القطاع الخاص، وفتح باب الاستثمار أمام رأس المال الأجنبي، والتوسع في مشاركة العمال في ملكية المشروعات.
أما أهداف الخصخصة في مجال سوق العمل فتتمثل في:
تخفيض البطالة المُقنَّعة عن طريق التخلص من العمالة الزائدة أو تطبيق نظام التدريب التحويلي، واستغلالها في إقامة مشروعات إنتاجية أخرى.
توجيه سوق العمل نحو المهنة المطلوبة، وبالتالي تحقيق الكفاءة في فرض العمل والمساهمة في توجيه السياسة التعليمية ومخرجاتها لتتوافق مع الطلب المحـلي عـلى العـمل
اقرأ في نفس الموضوع: أساليب التحول للخصخصة
لمزيد من التفاصيل عن مفاهيم وبرامج الخصخصة انظر:
- موقع البنك الدولي
- البريد الإلكتروني
http://www.worldbank.org
Email:
[email protected]