إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-25-2011, 05:22 PM
  #21
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الرسالة السادسة


بـريــد الأهــرام
42809
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
20
‏29 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة



أنا رجل أبلغ من العمر‏40‏ عاما نشأت في ريف الدقهلية لأب موظف وأم ربة بيت وأسرة محافظة مترابطة متدينة‏,‏ توفي والدي وأنا خارج مصر حيث أعمل لأبني مستقبلي‏,‏ وحضرت بعد‏3‏ سنوات وتم تجنيدي بالمؤهل فوق المتوسط‏,‏ وتم تعييني بمصلحة مرموقة‏,‏ وحصلت خلال عملي علي المؤهل العالي والدراسات العليا والدورات التدريبية التي يرشح لها أفضل العناصر‏,‏ وتوفيت أمي الصدر الحنون وتزوجت من انسانة ريفية هي صغري أخواتها‏,‏ وللعلم فهي الثامنة من اخوتها‏,‏ وانا الرابع‏,‏ وكلهم في مراكز مرموقة والحمد لله ومازلنا مترابطين متماسكين نحب بعضنا حبا صادقا أخويا عظيما‏,‏ والكبير يحترم الصغير سواء في أسرتي أو أسرتها وتزوجت منذ‏13‏ عاما وأنجبنا ثلاثة أولاد في التعليم وزوجتي تحمل مؤهلا متوسطا وموظفة‏,‏ ومنذ أيام تشاجرت معها بسبب خروجي مع بعض الأصدقاء‏,‏ وهم محترمون وعلي خلق ومراكزهم مرموقة ولا نفعل شيئا يغضب الله تعالي إنما نجلس بعض الوقت في المساء وزوجتي بطبيعتها تنام من العاشرة مساء‏,‏ ووصل الأمر الي أنني سببتها وتخاصمنا‏,‏ وفي اليوم الثاني أحسست بدوخة ولم أذق طعم النوم في هذه الليلة وذهبت الي معمل التحليل‏,‏ وفي المساء فوجئت بأن عندي السكر‏,‏


ولأريد شيئا من الدنيا إلا رحمة ربي‏,‏ والحمد لله أنني أخذت من الدنيا كل شيء بل وأعطيت اشياء كثيرة والحمد لله ابتغاء مرضاة الله‏,‏ ولكن زوجتي هذه لماذا وهي نائمة ترتدي بيجامة وفوق البيجامة قميصا منزليا‏,‏ ولماذا أسير في المنزل فأدوس علي دبابيس وبنس شعر ومشابك غسيل ولماذا لا يوجد ترتيب في المنزل‏,‏ ولماذا عدم المبالاة‏..‏ أنني لا ينقصني شيء وما أريده ويريده الرجال هو سيدة تحافظ علي ترتيب بيتها وترتدي ما يرضي الزوج وترضي بالحياة خاصة ونحن ميسورون‏,‏ أم تري هل الزوجة عندما تطيع زوجها يغضب عليها الله‏,‏ أو هل الزوجة عندما تعطي لزوجها أقل حقوقه تغضب الله‏,‏ هل الزوجة عندما تنظف نفسها وبيتها تغضب الله‏,‏ هل الزوجة عندما تكون سعيدة وبشوشة في وجه زوجها تغضب الله وهل معقول ان تنام الزوجة‏18‏ ساعة في اليوم بعيدا عن فراش الزوجية؟‏!.‏



أريد حلا لأنني يئست من الحياة وبدأت في التفكير في البعد عن المنزل لولا أولادي‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


هذه هي الرسالة السادسة التي اتلقاها منك في الشكوي من زوجتك‏..‏ وتعداد مناقبها‏!‏



والحق أنني اري ان معظم عيوب زوجتك قابلة للإصلاح بشيء من الجهد والنصح والصبر‏..‏ كما أن بعضها الآخر يمكن التجاوز عنه والقبول به كأمر واقع‏..‏ كما نتقبل ما لا نستطيع تغييره من ظروفنا الإنسانية أو الصحية أو الاجتماعية‏..‏ ونتعايش معه راضين أو كارهين‏,‏ فهون عليك يا صديقي وحاول الاستعانة بوالدي زوجتك علي حثها علي الاستجابة لما تريده منها‏,‏ ومحاولة إصلاح أمرها‏..‏ وعاتبها برقة فيما تراه مقصرة فيه بدلا من أن تطوي صدرك علي المرارة تجاهها فتتراكم المرارات‏,‏ وتقوم كالسد بينك وبينها‏..‏ وفي انتظار الرسالة السابعة لأعرف منها آخر التطورات‏,‏ وأرجو لك التوصل الي صيغة مريحة للطرفين مع زوجتك والسعادة وراحة البال‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:23 PM
  #22
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الحلــم المتأخــر


بـريــد الأهــرام
42823
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
5
‏14 من محرم 1425 هـ
الجمعة



قرأت رسالة الخروج من الشرنقة للشاب الذي يشكو من محاولات والدته السابقة لإفساد أي مشروع زواج يقدم عليه‏..‏ ثم من محاولاتها بعد أن تزوج للاستئثار به دون زوجته‏,‏ ومحاولتها إجهاضها بعد أن حملت‏,‏ إلي آخر ما جاء في رسالته‏..‏ وقد دفعتني هذه الرسالة لأن أروي لك قصتي عسي أن تستفيد بها بعض الأمهات اللاتي يحتجن إلي النصيحة‏,‏ فأنا سيدة تزوجت من محاسب عمل لفترة طويلة بالخارج‏..‏ وصاحبته في مقر عمله بضع سنوات في البداية‏,‏ ثم حين تقدم الأبناء في مراحل الدراسة استقر رأينا علي أن أرجع بهم إلي مصر ليواصلوا دراستهم وأتفرغ لرعايتهم‏..‏ علي أن يأتي زوجي إلينا كل ستة أشهر‏,‏ ويقضي معنا شهر الإجازة الصيفية‏..‏ أو نذهب إليه نحن فيها‏..‏


واستقرت حياتنا علي هذا النحو‏..‏ وارتبطت خلال هذه الفترة بابني الاثنين ارتباطا شديدا حيث أصبحت بمثابة الأب والأم والمرشد والصديق لهما‏,‏ ولأنني قوية الشخصية بطبعي فلقد فرضت عليهما سيطرتي الكاملة‏..‏ بحيث لا يخطوان خطوة دون استشارتي وقبولي‏..‏ وإذا غضبت علي أحد منهما أنزوي خجلا وراح يستعطفني أن أسامحه وأعفو عنه‏,‏ أما زوجي فكان قد استسلم لسيطرتي عليه منذ البداية‏..‏ وراح يستجيب لكل طلباتي المادية والعائلية‏..‏ ورحت أنا أنفق ببذخ علي نفسي وبيتي وأشتري أشياء ربما لا أحتاج إليها‏,‏ لكني أتلذذ بعملية الشراء نفسها‏,‏ وأشعر بالفخر وأنا عائدة من الشارع محملة بأكياس الحقائب الجلدية والأحذية والملابس والاكسسوارات‏,‏ وتسعدني تعليقات الجارات والصديقات علي كثرة مشترياتي‏..‏



وواصل الابنان دراستهما إلي المرحلة الجامعية‏..‏ وتخرج الأبن الأكبر‏..‏ وكالعادة أحب ابنة الجيران وأراد أن يتزوجها وفاتحني في ذلك فرفضتها علي الفور لأنها من أسرة عادية وليست ثرية‏,‏ ولم اقتنع بما قاله لي من أنه يحبها ولن يجد سعادته إلا معها‏,‏ لأنني لا أعترف بالحب ولا أومن به‏..‏ وأؤمن فقط بأن الزواج لابد أن يكون متكافئا بين الطرفين في المال‏..‏ وحبذا لو كانت العروس أكثر ثراء لكي تشتري أثاثا فاخرا وتسهم بدخلها في نفقات الحياة‏..‏


ولم يقتنع ابني برأيي‏..‏ وصدمت لمخالفته لي لأول مرة‏..‏ لكني لم أستسلم للغضب حين ألح علي بالموافقة علي اختياره ومساعدته علي خطبة فتاته‏,‏ وقررت أن أتبع معه طريقة أخري‏,‏ فأقنعت أباه بأن نسايره ونتظاهر بالموافقة علي اختياره‏,‏ ثم أقوم أنا بطريقتي الخاصة بتدمير هذه العلاقةوإنهائها‏..‏ وفعلنا ذلك وسعد ابني كثيرا بتغير موقفي وصحبناه إلي بيت أسرة الفتاة لقراءة الفاتحة وتقديم الدبلة ـ وتظاهرت بالفرح والابتهاج بخطبة ابني‏.‏



ومن الأيام التالية علي الفور بدأت في التخطيط لإفشال هذه الخطبة‏..‏ وكان سلاحي هو الاستعلاء والتكبر علي أسرة الفتاة‏,‏ وانتهاز كل فرصة لإشعارها بتكبري عليها وبالفارق الاجتماعي والمادي بيننا وبينها‏..‏ وافتعال المشاكل معها‏..‏ ومحاولة الإيقاع بين ابني وفتاته‏,‏ لكنهما صمدا للعجب أمام كل هذه المحاولات وازدادا تمسكا ببعضهما بعضا‏..‏ فلم أجد في النهاية من وسيلة لتشويهها هي وأسرتها سوي الادعاء بأنهم طامعون في مالنا لأنهم فقراء‏.‏ ورحت أردد هذا الكلام في كل مكان لكي يصل إلي أسرة الفتاة‏..‏ وعاتبني بعض الأهل علي ذلك فلم أستجب لهم‏..‏ وواصلت حملتي علي أسرة الفتاة‏..‏ حتي حققت أغراضها وشعر والدها بجرح كرامته‏,‏ وتحدث إلي ابني أكثر من مرة‏..‏ وعاتبني ابني‏,‏ فأنكرت‏,‏ ولم يتحمل والدها الإهانة فبادر هو بفسخ الخطبة وحبس ابنته في البيت ومنع ابني من زيارتها أو الاتصال بها‏..‏ وشعرت أنا بالزهو والانتصار‏..‏ وتظاهرت بالأسف لفشل الخطبة‏,‏ ووعدت ابني بأن أرشح له من هي أفضل منها‏..‏ ولم يرق قلبي له وأنا أراه حزينا مكتئبا ويشعر بالإهانة‏,‏ وأنزوي ابني في غرفته لا يغادرها إلا إلي العمل‏,‏ وتوقف عن الكلام معي ومع أبيه‏..‏ ولم يعد يتحدث مع أحد سوي شقيقه الذي يصغره بعامين‏,‏ وبعد عدة شهور تزوجت الفتاة بإلحاح من أبويها من شاب مناسب وانتقلت إلي مسكن الزوجية‏,‏ وعلم ابني بذلك فازداد صمتا وانطواء وبعدا عنا‏,‏ وبعد شهور أخري فوجئنا به يجمع ملابسه وأشياءه الخاصة‏,‏ ويقول لنا إنه قد تعاقد للعمل في احدي الدول العربية وسيسافر إليها الليلة‏!‏



ودهشنا كيف لم يبلغنا بذلك من قبل‏,‏ وسألناه عن عنوان عمله ومسكنه في البلد العربي فأجاب باقتضاب بأنه لا يعرفهما بعد‏,‏ وأن مندوبا من الشركة سينتظره في المطار وينقله إلي استراحة الشركة‏..‏ ثم يستقر بعد ذلك في مسكن‏..,‏ إذن كيف نتصل بك‏..‏ ومتي ستتصل بنا لتطمئننا عليك؟ فيجيب بأنه سيتصل بشقيقه ويبلغه بكل شيء‏..‏ وسافر وأنا في شدة الضيق والعصبية والغم‏..‏ فلقد خرج عن نطاقي نهائيا‏,‏ وأصبح يفكر ويخطط ويتصرف وحده‏.‏


وانتظرت أن يتصل بنا بعد وصوله إلي مقر عمله‏..‏ فلم يتصل‏,‏ وعلمت أنه يتصل بشقيقه علي التليفون المحمول من حين لآخر‏,‏ ويطمئنه علي أخباره‏,‏ لكنه لايسأل عن أبيه وأمه خلال الاتصال‏,‏ ولا يعطي أخاه عنوانه أو رقم تليفونه لكيلا نعرفه منه‏..‏ ولكي يكون صادقا أقسم لنا أنه لا يعرفهما ومضت بنا الأيام‏..‏ وجاء اليوم الذي فاتحني فيه ابني الأصغر برغبته في الزواج‏..‏ ورحبت بذلك ووعدته بأن أختار له عروسا ممتازة له‏..‏ ولأنه قد تعلم من درس تجربة أخيه فلم يعارض وإنما استسلم لكل رغباتي ووافق علي الفتاة التي اخترتها له وقبل بكل ما أمليته عليه من خطوات وشروط‏..,‏ وأبدي أهل الفتاة قدرا كبيرا من المرونة فلم يتمسكوا بشيء اعترضت عليه أو رفضته‏..‏ وكأنما قد خبروا قدرتي علي الهدم والتدمير فخشوا أن استخدمها معهم‏.‏



وتم زواج ابني الأصغر تحت إشرافي ووفقا لشروطي‏..‏ وإبني يستجيب لكل ما أقرره طلبا للسلام‏,‏ وامتثلت زوجته لأوامري في كل شيء حتي مواعيد حضورها مع ابني للزيارة كما أردتها‏..‏ ولأوامري لها بعدم زيارة أهلهاإلا مرة واحدة لبضع ساعات كل شهر‏,‏ وبدا أن الجميع سعداء وراضون بسيطرتي وأوامري‏..‏ لكني فوجئت بعد عدة شهور بابني الأصغر يبلغني بأنه سيسافر بعد غد إلي البلد العربي الذي يعمل به شقيقه‏,‏ لأنه تعاقد للعمل بإحدي الشركات هناك بمساعدة أخيه‏,‏ وأنه سيقيم معه لفترة في البداية‏,‏ ثم يتخذ لنفسه مسكنا مستقلا ويستدعي زوجته بعد أن تضع حملها خلال أسابيع‏!‏ يا ربي متي حدث كل ذلك؟ ولماذا لم تبلغني به في حينه‏,‏ ولماذا أفاجأ دائما بنبأ رحيل ابني قبل موعد الطائرة بساعات؟ وبغير أن يجيب أدركت أنا أنه قد عمل بوصية شقيقه الأكبر له‏,‏ بأن يتكتم نية السفر عني وعن أبيه لكيلا أعترض أو أثير له المشاكل أو أضيع عليه الفرصة‏,‏ كما أضعت علي ابني الأكبر حلمه بالزواج من فتاته‏.‏ وثرت ثورة هائلة وصببت جام غضبي علي رأس ابني وزوجته التي اتهمتها باللؤم والخبث وسوء الطوية والتخطيط لانتزاع ابني من أمامي‏,‏ وانهلت باتهاماتي علي أهلها وأسرتها‏..‏ حتي زوجي لم ينج مني بالرغم من قسمه لي بأنه لم يعرف بالخبر إلا مني‏.‏



وتحمل الجميع ثورتي لكن زوجة ابني بكت طويلا وشعرت بالمهانة وأقسمت ألا تدخل لي بيتا مرة ثانية‏,‏ فلم أتوان عن طردها من البيت أمام زوجها‏,‏ وسافر ابني وهو ممرور مني لإهانتي له ولزوجته ومنعتني كبريائي من أن أطلب منه أن يتصل بنا للاطمئنان عليه وابلاغنا برقم تليفونه‏..‏ وآثرت الاستعلاء علي إظهار أي ضعف أمومي تجاهه‏.‏


ومضت الأيام والأسابيع وهو لايتصل بنا‏..‏ وتصورته وهو يروي لشقيقه في الغربة ما فعلته معه‏..‏ ويشتركان معا في مهاجمتي وانتقادي فامتلأت نفسي سخطا وغضبا‏,‏ وقررت أن أتحدي الضعف وأثبت للجميع أنني لم أخسر شيئا‏..‏ وانما الخاسر هما ابناي‏..‏ فنهرت زوجي حين اتهمني بتطفيش الابنين والقسوة عليهما حتي ابتعدا عنا‏..‏ وطلبت منه ألا يعود للحديث في هذا الموضوع مرة أخري‏,‏ وبدأت أكثر من الخروج وحدي أو مع زوجي في زيارات عائلية واجتماعية وإلي النادي‏..‏ وفرضت علي زوجي أن نسافر في رحلات سياحية إلي أجمل الأماكن في مصر من شرم الشيخ إلي الغردقة إلي الأقصر وأسوان وأنفقت بجنون‏..‏ وغيرت سيارة زوجي التي أقودها نيابة عنه‏,‏ وجددت أثاث الشقة واندمجت في شلة صديقات جدد بالنادي‏,‏ وأصبحنا نقضي وقت الضحي والظهيرة معا ثلاث مرات اسبوعيا بالنادي‏..‏ وبدوت أمام الجميع دائما سيدة قوية وميسورة الحال وسعيدة بحياتها وزوجها ويعمل أبناؤها بالخارج‏,‏ وخلال ذلك ترامت إلي أنباء غريبة‏..‏ فلقد سمعت أن الفتاة التي كان ابني الأكبر يريد أن يتزوجها قد فشلت في حياتها الزوجية التي فرضت عليها وطلقت من زوجها ومعها طفلة في الرابعة من عمرها وليس في ذلك شئ عجيب في


حد ذاته‏..‏ أما العجيب حقا فهو أن ابني قد علم بوسيلة أو بأخري بطلاقها‏,‏ فاتصل بأهلها وسأل عن موعد انتهاء العدة واتصل بالفتاة‏..‏ وفي الموعد المناسب جاء لمصر وتقدم لأهلها وحده دون أي فرد من عائلته وقبل به أهلها علي هذا النحو لسابق تجربتهم معي‏,‏ وعقد قرانه عليها‏..‏ وعاد من حيث جاء‏,‏ ولم يقض في مصر سوي‏48‏ ساعة‏,‏ لم يتصل خلالها بنا ولم يزرنا‏..‏ وبعد أسبوعين سافرت إليه فتاته القديمة مع طفلتها وبدآ حياتهما الزوجية التي تأخرت خمس سنوات بسببي‏!‏


وشعرت بغصة شديدة في حلقي ومرارة أشد في قلبي‏..‏



إلي هذا الحد نسي ابني الأكبر أمه وأباه‏..‏ وكره أن يراهما أو يتحدث إليهما‏,‏ وما ذنب أبيه وهو كما يعرف عنه مغلوب علي أمره معي‏,‏ ولم يرد له ما حدث‏,‏ ألم يشعر بالشوق إلي أبيه بعد ثلاث سنوات من الغياب‏.‏


لقد علم والده بما جري بعد عدة أسابيع فحزن حزنا شديدا واشتدت عليه وطأة المرض حتي لازم الفراش‏,‏ ولم يعد قادرا علي مغادرته إلا إلي الحمام وبصعوبة شديدة‏,‏ ووجدت نفسي أقضي معظم أوقاتي إلي جواره أرعاه وأحاول تعويضه عما جنيته عليه‏,‏ وفي هذه الفترة بدأت ولأول مرة في حياتي الاقتراب من الله‏,‏ فانتظمت في الصلاة ولم أكن أواظب عليها من قبل‏..‏ وبدأت أقرأ القرآن كل يوم لمدة نصف ساعة‏..‏ وأستمع إلي إذاعة القرآن الكريم التي لايسمع زوجي سواها‏,‏ وكنت أضيق بها من قبل‏..‏ وبدأت أشياء كثيرة داخلي تتغير‏..‏ فندمت علي تكبري علي الآخرين وغروري واحتقاري للضعفاء والبسطاء‏,‏ وعلي بعدي عن الله في معظم سنوات عمري‏,‏ وأسفت أشد الأسف علي ما فعلت بأسرة فتاة ابني الأكبر وادعاءاتي عليها وعلي ابنتها بالباطل‏,‏ وعلي تدبيري لإفشال خطبته لها وقسوتي علي ابني الأصغر وزوجته‏,‏ ونظرت في المرآة فوجدت الجمال الذي كنت أتيه خيلاء وغرورا به قد بدا يذبل‏,‏ والقوة التي اعتززت بها تتحول إلي ضعف ووحدة‏..‏ وأيام وليال موحشة وكئيبة لايزورنا خلالها أحد ولا يسأل عنا أحد حتي أقرب الناس إلينا وهما ابناي‏..‏ انني نادمة علي كل ما فعلت وأريد أن يعرف ابناي ذلك وأن


يتصلا بأبيهما المريض الذي يبكي كل يوم وهو يتحدث عنهما ويتشوق إليهما‏,‏ ولن أفرض نفسي عليهما إذا أرادا ألايتكلما معي‏..‏ لأن المهم هو أن يتحدثا إلي أبيهما ويعيدا إليه البسمة والأمل في الحياة‏..‏ فهل يفعلان وهل تكتب لهما كلمة تناشدهما فيها أن يفعلا ويعفوا عما سلف ويفتحا معي ومع أبيهما صفحة جديدة خالية من المرارات؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


النجاح الحقيقي لأي أم حكيمة هو أن تملك أبناءها بالحب والعطف والفهم‏,‏ والعطاء المستمر لهم من ينبوع الحنان الدافق في أعماقها من البداية للنهاية‏,‏ وفي مقابل هذا العطاء الدائم يرتبط الأبناء بالأمهات والآباء ارتباطا أبديا يسري في شرايينهم‏..‏ فتقطر حبا وعطفا وبرا ووفاء للأبوين‏,‏ أما امتلاك الأبناء بالتسلط وقهر إرادتهم وفرض رغائبنا وأفكارنا نحن عليهم دون تبصر أو مراعاة لرغباتهم وارادتهم واستقلاليتهم‏..‏ فهو نجاح مزيف ومؤقت‏,‏ إذ لا يلبث أن ينكشف عن فشل تام في إنشاء العلاقة السوية العميقة مع الأبناء‏..‏ ولايلبث أن ينكشف عن بركان من التمرد والنفور والعدوانية تجاه الأم المسيطرة أو الأب المسيطر‏,‏ بمجرد أن يملك الأبناء مقاديرهم ويستطيعوا الاستغناء عن الاعتماد علي الأبوين في متطلبات حياتهم‏..‏ بل إن بعضهم قد يبدأ هذا التمرد وهو مازال معتمدا علي أبويه من الناحية المادية‏..‏ معتمدا علي قدرته علي ابتزازهما والحصول علي ما يريد منهما‏..‏


ولأن الأمر كذلك فلقد عجبت وأنا أقرأ في رسالتك إنك قد شعرت بالزهو والانتصار حين نجحت في تدمير خطبة ابنك الأكبر وحرمانه من حلمه بالزواج منها‏,‏ لغير شئ سوي أنه قد اختار لنفسه بدلا من أن يواصل الاعتماد عليك في اختيارات الحياة‏,‏ كما كان الحال وهو فتي‏,‏ وبدعوي أن الفتاة من أسرة عادية وليست ثرية‏..‏ وكان عجبي لإحساس الانتصار في حرمان ابن طيب لم تبدر منه أية بادرة سوء تجاه أبويه من حبه وحلمه في الزواج والسعادة حتي ولو كان أبواه غير مقتنعين تماما بأنه قد اختار الأفضل لنفسه‏,‏ فلقد كان من حقه أن يحقق أحلامه ويخوض تجربته مادام الاختيار في النهاية في الإطار العام المقبول وليس في الفتاة أو في أسرتها مثالب واضحة تدين اختياره؟



إن بعض مواقف الحياة قد تجرفنا‏,‏ إن لم نتنبه لذلك ـ إلي تحديات مع أقرب البشر إلينا يكون انتصارنا فيها أكثر إيلاما لنا في الحقيقة من هزيمتنا‏,‏ لأننا لاننتصر فيها للأسف إلا علي فلذات الأكباد‏,‏ ولأننا نتجرع مرارة هزيمتهم قبل أن يتجرعوها‏,‏ كما أن الانتصار الحقيقي هو الذي يتحقق علي أهواء النفس وأنانيتها وميلها الغريزي للتسلط علي الأحباء‏,‏ وليس علي ثمرات القلب وأحلامهم البسيطة‏.‏


لقد فاتتك يا سيدتي أشياء كثيرة خلال رحلة الحياة‏,‏ ولقد تفكرت طويلا في أسباب ذلك فلم أجد تفسيرا له سوي في اعترافك ببعدك معظم سنوات الرحلة عن الله سبحانه وتعالي‏,‏ واعتزازك بأعراض الدنيا الزائلة‏,‏ وتكبرك وغرورك بمالك وجمالك وسطوتك علي زوجك وابنيك‏.‏



والحكمة القديمة تقول إن الاستبداد هو الأب الشرعي للمقاومة‏..‏ ولهذا فلقد شق عليك ابنك الأكبر عصا الطاعة وابتعد عنك وعن أبيه لإحساسه بالقهر معك وإيمانه بمسئوليتك عن تدمير خطبته السابقة وحرمانه من السعادة مع فتاته‏,‏ وتلاه ابنك الأصغر لإهانتك له ولزوجته واستبدادك بهما معا‏,‏ وفرضك عليهما أسلوب حياتهما ومواعيد زيارتهما لك ولأهل الزوجة وغير ذلك من أمور الحياة‏..‏


ولاعجب في ذلك فالكأس الممتلئة تفيض بما فيها فجأة ودون سابق إنذار‏.‏



انني لا أقر مقاطعة ابنيك لك ولأبيهما بالرغم من تفهمي لأسبابها والتماسي لبعض العذر لهما فيما فعلاه‏...‏ لأن هذه القطيعة التامة هي في النهاية جنوح عن جادة الرحمة والعدل‏,‏ يوقعهما في إثم عقوق الوالدين‏,‏ وهو إثم لو تعلمون عظيم‏..‏ ولقد كان في مقدور الابن الأكبر أن يبقي علي شعرة معاوية مع أبويه مهما كانت مرارته من أمه‏,‏ وأن يطلعهما علي عنوانه ووسيلة الاتصال به‏,‏ ويعفي ضميره من الإحساس بالذنب بالكتابة إليهما كل حين أو الاتصال بهما كل فترة‏,‏ ودون أن يسمح بما يخشاه من محاولتك استعادة السيطرة أوإملاء إرادتك عليه‏..‏ وبذلك يدفع عن نفسه وزر العقوق والإحساس بالذنب‏..‏ ويحتفظ باستقلاليته كما يشاء‏,‏ خاصة أنه قد تحرر بالفعل من قيود الأم الحديدية وحقق حلمه المتأخر بالزواج من فتاته‏..‏ فلماذا يفسد سعادته بتحمل وزر قطع صلة الرحم مع أبويه؟


أما بالنسبة لابنك الأصغر‏..‏ فلقد مضت شهور منذ سافر غاضبا شاعرا بالإهانة لنفسه وزوجته‏..‏ فلماذا لم تسعي أنت للإصلاح بينك وبين زوجته قبل أن تلحق به في الغربة‏..‏ ولماذا لم تحصلي منها علي عنوانه أو عنوان ابنك الأكبر‏,‏ لقد فاتك ذلك أيضا ضمن ما فاتك خلال انغماسك في تحدي مشاعر الأمومة وإنكار الضعف ومحاولة التظاهر بأنك لم تخسري شيئا‏..‏ وعلي أية حال فإن الزمن خير دواء للجراح‏..‏ ولابد أن تكون نفس ابنك قد برأت الآن من المرارة والغضب‏..‏ وأصبح مستعدا نفسيا للتجاوز عما حدث‏..‏ كما أنني أحسب أن ابنك الأكبر وقد حقق لنفسه ما أراده ما عاد يسعده أن يصم نفسه بقطيعة أبويه وعقوقهما‏..‏



والمشكلة فقط هي فيمن يبدأ الخطوة الأولي‏..‏ غير أن المنطق يقول إن هذه الخطوة لابد أن تجئ من الابنين لسبب بسيط‏,‏ هو أنهما يعرفان كيف يتصلان بأبويهما ــ في حين يعجز الأبوان عن القيام بمثل هذا الاتصال‏..‏ وإني علي ثقة من أنهما سوف يتجاوزان عما جري‏,‏ ويحرران نفسيهما من وزر العقوق وقطع الرحم‏..‏ ويفتحان صفحة جديدة مع أبويهما خالية من المرارات والأحزان‏.‏


فكل شئ إلي زوال‏.‏ ولا يبقي إلا العمل الصالح‏,‏ ولا معني لأي نجاح يحققه الإنسان وهو محروم من الأهل والأحباب والمشاعر الأبوية والإنسانية الصادقة‏.‏



ولقد روي الأديب والمفكر الفرنسي أندريه مالرو في مذكراته أنه في نهاية حوار طويل في أواخر الحرب العالمية الثانية بين الزعيم السوفيتي ستالين والزعيم الفرنسي ديجول عمن سوف ينتصر في الحرب قال ستالين‏:‏


ــ في نهاية الأمر لاينتصر إلا الموت‏!‏



فإذا كان الأمر كذلك‏,‏ فلماذا نبدد فرصة العمر القصيرة في القطيعة والخصام واجترار المرارات؟
__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:26 PM
  #23
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الذكريـــات المريـــرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42830
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
12
‏21 من محرم 1425 هـ
الجمعة


قرأت رسالة ماكينة الخياطة للطبيب الذي يروي قصة كفاحه في الحياة حتي استطاع أن يكمل تعليمه ويصنع نجاحه بمساعدة رجل فاضل‏,‏ كان يرسل اليه علي غير سابق معرفة مبلغا شهريا خلال دراسته للطب‏..‏ إلي أن استطاع أن يعتمد علي نفسه ويكسب رزقه من تفصيل البنطلونات للطلبة علي ماكينة خياطة في غرفته بالمدينة الجامعية‏..‏ وكيف يبحث الآن عن هذا الرجل الكريم ليرد له أو إلي أي فرد من أسرته دينه عليه‏.‏ ولقد حسمت هذه الرسالة ترددي في أن أكتب لك بالرغم من مراودة الفكرة لي منذ فترة طويلة‏..‏ ففي قصتي مع الحياة أنا أيضا ما قد يفيد بعض القراء‏..‏


وأبدأ من البداية فأقول لك إنني نشأت ابنا وحيدا لأب يعمل موظفا حكوميا‏..‏ وأم لا تعي الذاكرة منها إلا أطيافا غائمة‏..‏ لأنها رحلت عن الحياة وأنا في السادسة من عمري‏,‏ وعشت وحيدا مع أبي الطيب‏..‏ يرعاني ويهتم بأمري ويصاحبني في أوقات المذاكرة‏,‏ ويصطحبني معه في زياراته لشقيقه‏..‏ وشقيقته أو أصدقائه‏..‏ ولا يطمئن إلا إذا كنت أمام ناظريه‏..‏ فحتي حين يذهب إلي المقهي ليلعب الطاولة مع بعض أصدقائه كان يجلسني إلي جواره‏.‏



وهكذا عشنا معا صديقين متلازمين حتي بلغت سن الثالثة عشرة‏,‏ وعدت من المدرسة ذات يوم فوجدت مسكننا يعج بالرجال والسيدات‏..‏ ومن بينهن عمتي التي استقبلتني بالبكاء‏..‏ واحتضنتني وأبلغتني أن أبي قد توفاه الله فجأة وهو جالس إلي مكتبه في عمله‏..‏ وأنني الآن قد صرت رجلا وطالبتني بألا أبكي‏..‏ وأن أقف بين الرجال لتلقي العزاء في أبي‏..‏ وبالفعل فإنني لم أبك حين عرفت بما حدث‏,‏ وانما أصابني الذهول‏..‏ وراح جسمي ينتفض لا إراديا طوال اليوم واستضافتني عمتي في بيتها لفترة نعمت خلالها بعطفها علي وحنانها‏..‏ ثم قيل لي إنني يجب أن أنتقل للإقامة في بيت عمي‏,‏ لأن زوج عمتي يتضرر من وجودي بين بنتيه اللتين تكبرانني ببضع سنوات‏,‏ وانتقلت إلي بيت عمي الذي تولي الوصاية علي‏..‏ وكان أبي قد ترك لي معاشا ضئيلا لا يتجاوز‏11‏ جنيها ونصيبا علي المشاع في فدان من الأرض كان قد ورثه مع عمتي وعمي‏,‏ وفي بيت عمي هذا أدركت معني اليتم الحقيقي وافتقاد النصير‏,‏ فلقد واجهني من اليوم الأول بأنه لا مكان لي للمبيت سوي الأرض في غرفة ابنيه‏,‏ لأن الفراش لا يتسع لغيرهما‏..‏ والغرفة الأخري مخصصة لبنتيه‏,‏ فلم أعترض لكن ليالي الشتاء القاسية كانت تشق علي فطلبت منه أن يشتري لي مرتبة صغيرة أنام عليها‏,‏ فرفض بحجة أن الحالة لا تسمح بذلك‏,‏ وشيئا فشيئا وجدتني أتحول تدريجيا إلي خادم للأسرة وليس عضوا فيها من دمها ولحمها‏..‏ فزوجة عمي تنتظر عودتي من المدرسة لتكلفني بأعمال البيت وشراء الخضار وكي ملابس ابني عمي وابنتيه‏..‏ وغسل الأطباق‏,‏ ناهيك عن يوم التنظيف الاسبوعي الذي يتعين علي فيه أن أمسح تحت اشرافها الشقة كلها‏,‏ وابناؤها يتسلون بمشاهدة التليفزيون‏..‏ فإذا خلوت من كل الواجبات وبدأت أذاكر دروسي في الصالة لم أسلم من لومها لي لإسرافي في استخدام الكهرباء‏,‏ وشكواها من فاتورتها‏..‏ فاختلس ساعة للمذاكرة علي الأكثر وأسرع بإطفاء النور‏..‏ وقد تقطع علي مذاكرتي بتكليفي بالخروج لشراء شيء للبيت أو للأولاد‏.‏



أما عمي فقد رفض أن يعطيني مصروفا يوميا أو اسبوعيا‏,‏ بحجة أنني أتناول الطعام والشراب في البيت‏..‏ في حين كان أبناؤه جميعا يحصلون علي مصروفهم وينفقونه علي شراء الحلوي والأشياء الصغيرة‏..‏ وحتي الحلاقة كان يرفض أن يعطيني أجرتها‏..‏ ولما طال شعري كثيرا وأصبح منظري منفرا أحضر شفرة حلاقة وطلب مني أن أحلق لنفسي مستعينا بوضع الشفرة علي حد المشط وتمريره فوق شعري‏..‏ ولم أجد مفرا من أن أفعل ذلك‏..‏ أما الكتب والكراريس فلقد قال لي صراحة إن معاشي ونصيبي من الأرض لا يكفيان لطعامي وشرابي‏,‏ وعلي أن أتصرف في بقية احتياجاتي‏,‏ فكنت أجمع الكشاكيل القديمة لابني عمي وأنزع منها الصفحات البيضاء وأصنع منها كراسات‏..‏ وأستعير الكتب من زملائي‏..‏ وأعرض خدماتي يوم الجمعة كل أسبوع علي محال المكوجية والبقالة والفاكهة لأعمل لديها مقابل‏5‏ قروش‏..‏ بل لقد عملت في محل لتصليح الأحذية أربع جمع مقابل اصلاح حذائي المخروق بالمجان‏..‏


ناهيك عن أنني أمضيت السنوات الثلاث الأولي من إقامتي عند عمي دون شراء أية قطعة ملابس حتي صغرت علي ملابسي بشكل فاضح‏,‏ لأن الشاب ينمو جسمه بسرعة خلال هذه المرحلة‏..,‏ ورجوت عمي مرارا أن يشتري لي بنطلونا وقميصا مناسبين لطولي وحجمي دون جدوي‏,‏ وزاد الطين بلة أن جسمي ابنيه بالرغم من أن أحدهما يماثلني في السن والآخر يصغرني بسنة‏,‏ ضئيلان بحيث لا أستطيع الاستفادة من ملابسهما القديمة‏,‏ وحين أصبح منظري مثيرا للرثاء توجهت إلي عمتي وشكوت لها حالي‏,‏ فبكت وقدمت لي جنيهين هما كل ما تستطيع مساعدتي به‏,‏ فأخذتهما وتوجهت إلي سوق الكانتو واشتريت بهما بنطلونا وقميصا من مخلفات المعسكرات‏,‏ ومضت بي الحياة علي هذا النحو‏..‏ وزاد من معاناتي أنني لم أتعثر دراسيا في حين كان ابنا عمي ينجحان سنة ويرسبان أخري‏..,‏ وبدلا من أن يعترف لي عمي وزوجته باجتهادي برغم ظروفي القاسية ازدادا نفورا مني حتي لم يعد أحدهما يطيق النظر في وجهي‏.‏



وجاءت اللحظة الفاصلة حين عدت ذات يوم من مدرستي فوجدت عمي وزوجته وأبناءه علي هيئة مجلس للعائلة يتناقشون بصخب وعمي ثائر لكثرة المصروفات وزوجته تدافع عن نفسها‏,‏ بأنها تفعل المستحيل لتدبير معيشة الأسرة بأقل التكاليف‏,‏ لكن ابن أخيك يسرق الطعام من المطبخ في الليل‏..‏ ويأكل كثيرا‏..‏ ولو لم يكن يفعل ذلك لما نما جسمه علي هذا النحو الهائل‏!‏


ياربي‏..‏ أسرق الطعام؟ إنني أحافظ علي صلاتي منذ كنت في السابعة من عمري وأصوم رمضان وصيام التطوع وكثيرا ما صمت يومي الاثنين والخميس‏,‏ وكثيرا ما اكتفيت بوجبة واحدة وتغاضيت عن تفضيل زوجة عمي لأبنائها بأطايب الطعام والقائها لي ببقاياه‏..,‏ وكثيرا ما تحلب ريقي وهي تجمع أبناءها في غرفة الأولاد في المساء ليتناولوا عشاء خاصا‏,‏ وأنا جائع في الصالة ولا يفكر أحد في دعوتي للانضمام إليهم‏..‏ وبعد ذلك أتهم بسرقة الطعام‏,‏ كان هذا آخر احتمالي فانهرت باكيا‏,‏ وقلت لعمي وللجميع إنني تحملت الذل صابرا في هذا البيت مراعاة لظروفي ويتمي‏,‏ لكن أن يصل الأمر إلي حد هذا الاتهام المقزز فلا‏..‏ ولسوف أغادر البيت وأرجع إلي شقة أبي وأواجه حياتي معتمدا علي نفسي وأريد منه أن يعطيني معاشي كل شهر لأدفع إيجار الشقة وتكاليف الحياة‏.‏



وجمعت ما تبقي لي من هلاهيل وكتبي ومددت يدي إلي عمي وكنا في منتصف الشهر طالبا نصف المعاش‏,‏ وبعد عذاب قبل بمغادرتي لمسكنه‏,‏ لكنه رفض أن يعطيني معاشي كاملا وهو‏11‏ جنيها‏,‏ وقال لي إنه سيخصم منه ثلاثة جنيهات كل شهر مقابل نفقاتي الاضافية خلال إقامتي لديه‏!‏


ولم أجد مفرا من القبول‏..‏ وأخذت مفتاح شقة أبي‏..‏ وتوجهت إلي صاحبة البيت التي تقيم في الدور الثاني منه‏,‏ وكنت أمر عليها من حين لآخر وأشرب لديها الشاي وتعطف علي‏,‏ فرويت لها ما حدث وقلت لها إنني سأعيش وحدي في الشقة بغير مورد سوي ثمانية جنيهات سأدفع لها منها أربعة مقابل الايجار وأعيش بالباقي‏,‏ وسأعمل لأغطي بقية نفقاتي‏,‏ فبكت وترحمت علي أمي وأبي وطلبت ألا أدفع لها الإيجار إلي حين تتحسن أحوالي وأصبح قادرا علي ذلك‏.‏



ووحيدا تماما من الأهل والأقارب واجهت الحياة في هذه الشقة الصغيرة‏..‏ وشعرت برغم قلة الدخل وجفاف الحياة بالأمان والاستقرار‏,‏ وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير يؤهلني للالتحاق بكلية الهندسة‏..‏ وسعدت بذلك‏..‏ وخلت نفسي من الشماتة لنجاح ابن عمي بمجموع ضعيف لا يؤهله إلا للالتحاق بأحد المعاهد‏..‏


وتفضل عمي‏,‏ الذي كان يراوغني كل شهر في دفع المعاش وأطارده عدة مرات حتي يدفع‏,‏ بزيارتي في مسكني زيارة خطيرة لينصحني من أجل مصلحتي بالاكتفاء بهذا القدر من التعليم والبحث عن وظيفة كتابية‏..‏ أو الالتحاق بأي معهد لمدة سنتين والعمل‏,‏ وشكرت له حرصه علي مصلحتي وأكدت له أنني سأفعل ما فيه صالحي بإذن الله‏.‏



وفي اليوم التالي قدمت أوراقي لمكتب التنسيق وحددت رغبتي الأولي وهي كلية الهندسة‏.‏ وقبلت بها‏..‏ ولن أروي لك عما تكبدته من عناء وحرمان وكفاح خلال دراستي للهندسة مستعينا بالعمل في المساء في مكتب هندسي‏..‏ وفي هذا المكتب نشأت صداقة حميمة بيني وبين زميلين بنفس الكلية والمكتب أصبحنا بفضلها أخوة مخلصين وتعاهدنا علي أن يساعد أحدنا الآخر إذا حقق نجاحا يسمح له بذلك‏.‏


وحصلت علي بكالوريوس الهندسة بتقدير جيد جدا‏,‏ وعينت معيدا بنفس الكلية وبدأت التحضير للماجستير في حين رفض صديقاي العمل في مصر‏..‏ وسافرا لاستكمال دراستهما العليا والعمل في أمريكا‏.‏



وفي غمرة سعادتي بتوفيق الله سبحانه وتعالي لي وشكري له علي أن أعانني علي تحمل ظروفي حتي وصلت إلي بر الأمان‏,‏ زارني عمي لا ليهنئني بالنجاح والتعيين‏,‏ وانما ليطلب مني أن أرد له الجميل بخطبة ابنته الكبري التي صادفها حظ عاثر في زواجها وطلقت من زوجها ولديها طفلة في الثالثة من عمرها‏..‏ مؤكدا لي أن هذا هو واجبي نحوه وابتسمت رغما عني وقلت له انني اعتبر ابنته أختا لي ولا أستطيع التفكير فيها أبدا كأنثي‏..‏ لهذا فاني أشكره علي حسن ظنه بي واعتذر عن هذا الشرف الذي لا أستحقه‏..‏ وعبثا حاول إقناعي فوجدني صامدا لا أتغير فغادرني ناقما علي جحودي‏!‏


وحصلت علي الماجستير وبدأ صديقاي المقيمان في أمريكا يكتبان إلي طالبين مني اللحاق بهما‏..‏ وأرشداني إلي جامعة قريبة من مقرهما لأكتب لها طالبا منحة دراسية لدراسة الدكتوراه فيها‏..‏ فكتبت إليها وفوجئت بقبولها لي فاعددت أوراقي للسفر وسافرت واجتمع شملنا من جديدا وأقمت معهما في شقتهما‏..‏ والتحقت بالجامعة‏,‏ وتوالت الأحداث سريعة بعد ذلك‏,‏ فحصلت علي الدكتوراه‏,‏ وألح علي صديقاي بالبقاء في أمريكا والعمل في احدي جامعاتها وقلبت الفكرة في رأسي فتساءلت‏:‏ لمن أعود في مصر وليس لي فيها أب ولا أم ولا أخ‏..‏ ولا عم ولا خال‏,‏ ولماذا لا أستمر هنا بضع سنوات حتي إذا ثقلت علي الغربة رجعت إلي بلدي في أي مرحلة من العمر؟



وهكذا راسلت بعض الجامعات فتلقيت عرضا بتعييني أستاذا بجامعة أخري بنفس المدينة‏,‏ واستمرت بذلك صحبتنا نحن الثلاثة‏..,‏ وبعد أن استقرت أحوالنا بحثنا عن أقرب مسجد لمدينتنا لكي نؤدي فيه صلوات الجمعة بعد أن كنا نؤديها في بيت أحد المصريين المهاجرين‏,‏ واهتدينا إلي مسجد علي بعد‏40‏ كيلو مترا من مدينتنا‏,‏ فأصبح قبلتنا وواحتنا‏,‏ نتوجه إليه يوم الجمعة وفي الأعياد والمناسبات‏..‏ ونطهو الطعام في رمضان في مسكننا ونحمله إليه لنتناول افطارنا مع رواده‏,‏ وجمعتنا صداقة متينة بإمام المسجد وهو مصري مهاجر منذ‏30‏ عاما ومثقف ويجيد الانجليزية‏,‏ وفي احدي جلسات الصفاء معه رويت له ذكرياتي المريرة في بيت عمي ويتمي وقلة حيلتي وهواني علي الناس‏..‏ فربت علي كتفي وقال لي إنه لا بأس بأن أتذكر ذلك من حين لآخر لكي أدرك نعمة الله التي أسبغها علي الآن وأقدرها حق قدرها‏,‏ ولكن بشرط ألا تفسد علي هذه الذكريات صفاء نفسي أو تدفعني لكراهية رموز هذه الذكريات ومحاولة الانتقام منهم‏.‏


والحق إن هذه الكلمات قد أثرت في كثيرا‏..‏ وغالبت نفسي لكيلا تحمل الحقد أو الكراهية لأحد مهما فعل بي في الماضي‏,‏ بل إنني سامحت عمي وزوجته وأبناءه فيما فعلوه معي‏,‏ ولقد تزوجت بواسطة هذا الشيخ الفاضل من فتاة مصرية طيبة متدينة أرشدني إليها الشيخ‏,‏ ورجعت إلي مصر بعد أن وفقت أوضاعي في أمريكا‏..‏ ومع كليتي السابقة في مصر ودفعت راضيا الغرامة التي يدفعها من لا يعود للكلية بعد الحصول علي الدكتوراه‏,‏ وزرت أهل هذه الفتاة في بلدة صغيرة بجوار طنطا‏..‏ وقدمت نفسي لوالدها بأنني من طرف الشيخ فلان في أمريكا‏..‏ فرحب بي وكان علي علم بمقدمي ودخلت الفتاة تحمل صينية الشاي فوقع القبول في قلبي من أول وهلة‏.‏



والآن فلقد مضت سبع سنوات علي زواجي أنجبت خلالها ولدين‏..‏ وأحيا حياة سعيدة مع زوجتي الطيبة القنوع‏..‏ وطفلاي يملآن حياتي بهجة وسرورا ونعيش في بيت صغير جميل له حديقة اشتريته بالتقسيط‏,‏ وأركب سيارة فارهة وأخواي اللذان عوضني بهما ربي عن وحدتي قد تزوجا وأنجبا وأصبحنا عصبة عائلية واحدة نلتقي عائليا بانتظام‏,‏ ولقد رجعت إلي مصر خلال هذه الفترة عدة مرات وأقيم كل مرة في شقة أبي القديمة التي جددتها وأعدت تأثيثها‏..‏ وأحرص علي زيارة صاحبة البيت الطيبة وتقديم الهدايا لها‏..‏ ولقد رفعت بمبادرة مني ايجار الشقة من‏4‏ جنيهات الي‏40‏ جنيها وأدفع لها الإيجار لمدة سنة مقدما‏.‏


وأزور عمي وزوجته وابناءه حاملا لهم جميعا الملابس والهدايا وأرقب فرحتهم بها وأراهم جميعا يتهللون لرؤيتي‏,‏ وأري ابناء عمي الذين لم يسمحوا لي بالاقتراب منهم أو صداقتهم يتوددون الي‏,‏ فتطوف بي الذكريات المريرة لكني أسارع بنفضها من رأسي لكيلا تفسد علي استمتاعي باللحظة‏.‏



وفي كل مرة انفح عمي مبلغا محترما من المال ليستعين به علي زواج ابنائه‏..‏ فيرفع يديه بالدعاء لي كما تركت له نصيبي من الأرض‏,‏ أما عمتي الطيبة‏,‏ فقد رحلت عن الدنيا‏,‏ وأنا مازلت ألاطم أمواج الحياة خلال دراستي للهندسة‏..‏ وكم تمنيت لو كانت قد عاشت حتي تراني‏,‏ وقد صنعت نجاحي واصبحت قادرا علي إعالة نفسي وأسرتي‏,‏ غير أنني أعوض غيابها ببر ابنائها وزيارتهم حين أجيء الي مصر وتقديم الهدايا والمنح المالية لهم‏..‏


وأريد أن أقول في النهاية لمن يواجهون ظروفا صعبة في حياتهم انه بالايمان والصبر والجلد والكفاح وانتظار الفرج لابد أن يعبروا هذه الظروف أويتخففوا منها‏..‏ وأن المهم دائما هو ألا يحمل الانسان مشاعر الحقد والكراهية لأحد حتي ولو كان ممن أساءوا اليه أو قسوا عليه خلال ضعفه‏..‏



ويكفي ان يمضي الانسان نحو اهدافه في الحياة لا ينشغل بغيرها فيعينه ذلك علي النجاح وتحقيق الأحلام مهما تكن‏,‏ ذكريات الماضي مريرة‏..‏ أو مؤلمة‏.‏


وهذا ما فعلته وهذا ما أردت ان اضعه تحت أنظار قرائك لعلهم يجدون فيه بعض مايستفيدون به ـ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


خير ما ننتقم به ممن أساءوا الينا وظلمونا ونفروا منا ونحن في ضعفنا وشدة حاجتنا إلي العون والمساندة‏,‏ هو أن نصنع حياتنا بغير الاعتماد عليهم ونحقق اهدافنا ونجاحنا معتمدين علي أنفسنا‏,‏ حتي ليشعروا بالندم علي أنهم لم يشاركوا ولو بالكلمة الطيبة فيما حققناه من نجاح‏..‏ ولم يكن لهم أي فضل فيما أصبنا من توفيق‏,‏ ولم يعد يحق لهم ان يعتزوا بدورهم في مساندتنا‏..‏ وأن يشاركونا بعض ثمراته‏.‏


والحق أن من أهم العوامل المساعدة علي النجاح وتحقيق الأهداف‏,‏ الي جانب الايمان بالله سبحانه وتعالي‏,‏ والصبر والجلد والكفاح الشريف‏,‏ ألا يبدد الانسان بعض طاقته النفسية في بغض من أساءوا اليه والانشغال بالتفكير في رد الاساءة إليهم‏,‏ او اجترار المرارات التي تجرعها منهم‏..‏



فكل ذلك يخصم من تركيز الانسان علي أهدافه في الحياة‏..‏ ويضعف من قدراته علي النجاح ويسمم روحه وافكاره حتي اذا حقق لنفسه كل أو معظم ما أراده لها لم يجد نفسه سعيدا بما حقق‏,‏ لأن مراراته القديمة قد انعكست علي الأشياء من حوله وأفسدت عليه قدرته علي الابتهاج بالحياة‏,‏ لهذا قال أحد الحكماء إن الحقد هو ثروة الحاقدين‏,‏ التي لا يجنون سواها‏,‏ في حين يجني المترفعون عنه والمتسامحون مع البشر والحياة بصفة عامة ثمار التوفيق في الدنيا ورحيق صفاء النفوس‏,‏ وكان العادل العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدعو ربه بقوله‏:‏ رب قدرني علي من ظلمني لأجعل عفوي عنه شكرا لقدرتي عليه‏..‏ وأي شكر لما أنعم الله سبحانه وتعالي عليك أعظم من أن تبر عمك الذي ظلمك وقتر عليك ولم يترفق بك وأنت في ضعفك ويتمك وقلة حيلتك؟


وأي شكر له سبحانه وتعالي أجل من أن تكون يدك وأنت من كنت المنبوذ منهم هي العليا فوق ايديهم جميعا‏..‏ حتي ليتهللوا لرؤيتك ويخطبوا ودك‏,‏ وقد كانوا من قبل لايسمحون لك بالاقتراب منهم؟



لقد صنعت حياتك بيدك ومعتمدا علي نفسك بلا أي معين أو نصير سوي الله سبحانه وتعالي الذي لا يضيع أجر الصابرين‏,‏ فكنت كمن وصفه الشاعر القديم الطغرائي بقوله‏:‏


وإنما رجل الدنيا وواحدها


من لا يعول في الدنيا علي رجل‏!‏



وشققت طريقك وسط الصخور فذكرتنا بما قاله نابليون بونابرت ذات يوم أنه تستطيع بالإبرة أن تحفر بئرا بشرط الجلد والمثابرة وطول النفس‏.‏


لقد كنت تستطيع ان تجفو عمك وزوجته وابناءه الي الأبد وتقطع مابينك وبينهم‏,‏ ولربما أيدك في ذلك بعض من يعرفون تاريخهم معك أو لم يستنكروه‏,‏ لكن أصحاب النفوس الكبيرة لايفعلون ذلك‏,‏ ولا يقطعون رحم من قطع رحمهم أو أساء اليهم‏..‏ ويتذكرون دائما الحديث الشريف الذي يقول‏:‏ ليس الواصل المكافيء بمعني انه ليس من يصل رحم من قطع رحمه أو باعده‏,‏ كمن لا يصل إلا رحم من يصله فيكافئه علي الوصل بالوصل‏,‏ ويطلبون لأنفسهم دائما أجر الواصل لأنه أكبر واعظم‏,‏ كما أن كل اناء ينضح بما فيه في النهاية‏..‏ ومن كان إناؤه ممتلئا بالشهد الصافي لا ينضح إلا العفو والخير والعطاء‏,‏ ومن كان إناؤه ممتلئا بالحقد والبغض والكراهية لا ينضح إلا السم الزعاف‏.‏



فهنيئا لك ياصديقي ما أصبت من توفيق في الحياة بكفاحك الشريف وصبرك علي المكاره‏..‏ وثقتك في قدراتك‏,‏ وصفاء نفسك وخلوها من الأحقاد والمرارات‏..‏ وشكرا لك علي هذه الرسالة المفيدة‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:29 PM
  #24
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


العطر الفواح


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة





أنا طبيب اعمل مدرسا مساعدا بقسم الجراحة في احدي الوحدات التخصصية بواحدة من أقدم جامعات مصر‏,‏ وقد دفعني للكتابة إليك بطل هذه القصة‏,‏ الذي لم ار مثيلا له في إخلاصه لعمله ورعايته لحدود ربه في التعامل مع مرضاه ومع مرءوسيه وتلاميذه ومع الجميع‏.‏


فلقد عين هذا الاستاذ معيدا ثم مدرسا مساعدا في نفس القسم‏,‏ ويذكر من زاملوه في هذه الفترة أنه كان شعلة من النشاط والاخلاص الي جانب الالتزام الديني والأخلاقي الكاملين فاذا به يكتشف انه قد أصيب بالمرض الخطير في تجويف البلعوم الأنفي وفي الغدد الليمفاوية‏,‏ ولقد جاء اكتشاف المرض بمحض الصدفة‏..‏ فبدأ رحلة العلاج الكيماوي والإشعاعي وتحمل صابرا تأثيرات العلاج علي الصحة العامة والتركيز والحالة النفسية مع إدراكه جيدا كطبيب ان النتائج في مثل حالته ليست مطمئنة‏,‏ ولم ييأس الاستاذ لحظة واحدة من أمل الشفاء واعتمد في مقاومته للمرض علي شيئين‏:‏ العلاج الذي يصفه المتخصصون‏,‏ والدعاء والابتهال الي الله ومناجاته طلبا للشفاء‏,‏ فكان يناجي ربه قائلا‏:‏ رب ان كنت قد وقفت يوما الي جانب مريض فقير وساعدته فاعف عني برحمتك وساعدني ولقد كانت حياته حافلة بمساعدة المرضي البسطاء ورعايتهم وحسن معاملتهم حتي يلهجوا بالدعاء له كلما رأوه‏..‏ وتغمره السعادة وينشرح صدره ويبش في وجوههم كلما رآهم‏.‏



وفي شدة معاناته للمرض والألم أكمل دراسته للدكتوراه‏,‏ ونوقشت رسالته في يوم مشهود ونال درجته العلمية متفوقا علي كل الأقران وقاهرا اليأس والقنوط‏..‏ ثم استجاب الله لدعائه ودعاء مرضاه ومحبيه واسرته‏,‏ فشفي بإذن الله من مرضه تماما ولم يؤكد له الأطباء المعالجون ذلك إلا بعد ان كرروا الفحوص والاشعات واثبتت كلها شفاءه‏..‏ فزفوا اليه البشري وقالوا له إنه قد أصبح انسانا طبيعيا ويستطيع ان يعمل اي ساعات عمل يريدها وان يسافر الي اي مكان لانه قد اصبح صحيح الجسم باذن الله‏,‏ فسافر الي مكة للعمل كاستشاري باحد المستشفيات وواصل اجتهاده حتي اصبح رئيسا لقسمه في هذا المستشفي‏,‏ وحرص خلاله علي السفر دوريا الي الخارج لإجراء مسح لحالته المرضية فيتأكد له كل مرة شفاؤه التام فيرجع من الخارج الي الكعبة ليؤدي العمرة ويطيل الصلاة شكرا لربه وعرفانا‏,‏ ويقضي الرجل في غربته عشر سنوات ادي خلالها فريضة الحج عشر مرات وقام بعدد كبير من العمرات شكرا لربه علي ان من عليه بالشفاء والصحة ويرجع في النهاية الي قسمه في مصر‏,‏ فيقدم لمن يتعاملون معه من المرضي او الأطباء الصغار او اعضاء هيئة التمريض مثالا نادرا للعمل الذي يرعي صاحبه حدود الله في حياته ومثالا اكثر ندرة للتواضع الجم والرحمة بالمرضي ومن هم أقل منه‏..‏ ويجمع الممرضين والممرضات العاملين بالقسم ويقول لهم إن من يحافظ منهم علي المال العام‏,‏ ويرعي حق المريض ويعتبره وديعة لديه يحاسبه الله عنها سبحانه وتعالي‏..‏ فإنه يضع التراب الذي يدوس عليه فوق رأسه وينحني له شكرا وتقديرا‏,‏ ومازال هذا الاستاذ ينشر حوله الخير والعطف والخوف من الله سبحانه وتعالي ويهتم بكل شئون المرضي بنفسه‏..‏ ويحرص علي تدفئة غرفتهم في الشتاء القارس‏,‏ ويراقب بنفسه نظافتها وحالة الأسرة فيها واعمال الكهرباء والسباكة‏,‏ بغير ان يكلف احدا من صغار الأطباء بالقيام بذلك نيابة عنه ـ كما انه يشجع الأطباء الشبان ويساعدهم بجدية علي تقديم رسائلهم العلمية ويعتبر طلبة الكلية ابناءه‏.‏



وكلما عاتبه بعض زملائه الكبار علي إرهاقه لنفسه بالعمل وقيامه بما يستطيع غيره من صغار الأطباء القيام به نيابة عنه‏..‏ أجابه بالاجابة الدائمة التي تكشف عمق تدينه فيقول‏:‏ أفلا اكون عبدا شكورا ذلك انه يعتبر كل مايقوم به من عمل ومايقدمه للمرضي والطلبة وصغار الأطباء قربي الي الله وشكرا له علي ان انعم عليه بالشفاء من مرضه الخطير‏.‏


هذا هو استاذي الذي اردت ان اكتب لك قصته مع الشفاء والأمل وصالح الأعمال‏..‏ عسي ان يستفيد بها قراء بريد الجمعة‏..‏ فهل تراني محقا في ذلك؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


كان الكاتب المسرحي تيرانس راتيجان يقول‏:‏ في العالم ظلام كثير‏,‏ لهذا فإنه يرحب بأية شمعة ولو كانت صغيرة‏!‏


والشمعة التي رويت لنا قصة صاحبها ليست صغيرة بكل التأكيد‏,‏ لأنها تبدد مساحة كبيرة من ظلام اليأس والقنوط‏,‏ وتنشر الخير والرحمة والعطف حولها‏,‏ وتؤكد خيرية الحياة‏,‏ وقدرة كل إنسان لو أراد علي ان يجود ـ كما يقول الشاعر أمادو نرفو ـ بشيء ما مهما كان صغيرا قد تكون ابتسامة وقد تكون يدا تربت علي آلام الآخرين‏,‏ وقد تكون كلمة تقوي عزمهم‏.‏



واستاذك الذي رويت لنا قصته مع المرض والأمل والشفاء ورعاية حدود ربه في عمله‏,‏ تقدم لنا مثالا يرفع المعنويات‏,‏ ويذكرنا بألا نيأس أبدا من رحمة الله‏,‏ مهما تكثف الظلام حولنا‏,‏وان نؤمن دائما بأن في الغد دائما متسعا لكل شيء‏..‏ وان التعلق الأبدي بالأمل في رحمة الله لابد ان يكشف الضر ذات يوم عن المهمومين كما كشفه سبحانه وتعالي عن عبده أيوب عليه السلام‏,‏ وحين تلقي البشري في امره الإلهي له‏:‏ اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فضرب أيوب الأرض برجله فنبعت له عينان‏,‏ شرب من إحداهما واغتسل من الأخري‏,‏ فذهب بلاؤه بإذن الله‏,‏ وماكل وسائل العلاج برغم ضرورتها سوي أسباب علينا اتخاذها ترقبا لهذا الأمر الإلهي ومادعاء المبتلين وابتهالهم لربهم ومناجاتهم له إلا استنزال أو استعجال لهذا الأمر‏.‏


ولقد من الله سبحانه وتعالي علي استاذك بالشفاء استجابة لدعائه ودعاء محبيه ومرضاه البسطاء‏,‏ فأحسن شكر نعمة ربه عليه بالاستمرار في نهجه العادل في العمل وفي رحمته بالمرضي ورفقه بتلاميذه‏,‏ وحرصه علي رعاية حدود ربه في عمله‏,‏ فهنيئا له كشف الضر عنه‏..‏ وعقبي لمن ينتظر‏.‏



وسلاما وأمانا علي من يرعون حدود الله في حياتهم‏.‏


فيكونون كالعطر الفواح‏..‏ ينفث الجمال‏..‏ ويطرد العطن من اي مكان يوجدون فيه‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:30 PM
  #25
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الأمــل الأبــدي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة


أنا سيدة أبلغ من العمر‏40‏ عاما ومتزوجة من مهندس مدني عمره‏47‏ عاما‏,‏ وجميلة وذات قوام ممشوق وبيضاء البشرة ولقد كنت أسكن في حي شعبي قبل الزواج وكان زوجي جارا لنا في الشارع المجاور‏,‏ وبعد حصولي علي البكالوريوس ارتديت الحجاب خوفا من الله وبدون طلب من أحد‏,‏ لأنني عندما كنت فتاة كانت نظرات الناس لي تثير خوفي من الله‏,‏ ولذلك ارتديت الحجاب وحمدت الله كثيرا وكنت قبل ذلك ملتزمة تماما منذ صغري بالصلاة ثم تزوجت زوجي هذا‏,‏ وبدأت معه من الصفر واعطيته مصوغاتي البسيطة لكي يبدأ مشروعا صغيرا‏,‏ وكانت لي حكمة أومن بها الي الآن وهي أن فقرا بلا دين هو الغني الكامل وبدأ زوجي حياته العملية بعد الزواج ونجح وبدأنا نصعد السلم درجة درجة‏,‏ وانتقلنا من الشقة البسيطة الي شقة أخري أجمل وأوسع وتم تجديد الأثاث‏,‏ ومن الله علينا بابن وابنة وأصبح الأبن الأكبر الآن تلميذا بالصف الأول الثانوي والابنة بالصف الأول الإعدادي‏,‏ وهما والحمد لله متفوقان واتفقنا منذ البداية علي أن نقسم مسئوليتنا فزوجي يهتم بعمله وأنا أرعي الابناء من الألف الي الياء من حيث التربية والتعليم وتلبية طلباتهم الخارجية‏,‏ وأثرت دائما ان أكون في حالي والا أحتك بجارة لي أو انشيء صداقات مع أحد‏,‏ وأن أرعي زوجي في كل شيء وأسمع كلامه كما أمرنا الله سبحانه وتعالي‏,‏ وعندما تم تعييني بعد‏12‏ عاما من تخرجي في وزارة التربية والتعليم مدرسة اعدادي علوم رحب زوجي بذلك لكنه طلب مني أن أحصل علي إجازة رعاية طفل لمدة ست سنوات متواصلة حتي يكبر الابناء‏,‏ وبعد ذلك يسمح لي بنزولي مجال العمل كمدرسة‏,‏ ووافقت علي ذلك علي الفور مادام هذا في مصلحة زوجي وابنائي‏,‏ ومشكلتي الآن هي ان زوجي عندما أصبح ميسور الحال الي حد ما بدأت تراوده فكرة الزواج من أخري‏,‏ وقد خاض تجربتين انتهتا بالفشل من قبل ان تبدآ وهذا بفضل أولاد الحلال وقبلهم الله سبحانه وتعالي‏,‏ وعلمت بذلك وحزنت حزنا شديدا وسألته لماذا يفعل ذلك ولماذا لا يحمد الله علي النعمة التي بين يديه فاعتذر لي ووعدني بآلا يتكرر ذلك مرة أخري‏,‏ ولم يعلم أحد من أسرتي بالأمر‏,‏ وعاملته معاملة حسنة جدا ونسيت ما صدر منه الي أن حدث زلزال كبير في بيتي منذ عام أو أكثر عندما كان ابني في الشهادة الأعدادية وابنتي في الشهادة الابتدائية فقد تعرف علي سيدة مطلقة لديها ابنتان احداهما في أولي جامعة والأخري في الثانوية العامة وعمرها‏42‏ عاما‏,‏ وعندما طلقت هذه السيدة تركت


المحافظة التي كانت تقيم فيها وجاءت الي محافظتي وهي الإسكندرية وأقامت في منزل خالتها في حجرتين علي السطح‏,‏ وهذا المنزل بجوار منزل أسرتي يفصلهما جدار واحد مشترك‏,‏ كما أنني أعرف هذه السيدة جيدا‏,‏ وكانت بداية التعارف بينها وبين زوجي هو بناء قطعة أرض تمتلكها في محافظة مطروح‏,‏ وتطورت هذه العلاقة حتي وصلت الي الاتفاق علي الزواج‏,‏ وعلمت بهذا وعندما واجهت زوجي نفاه وزعم انها مجرد علاقة عمل فقط لا غير‏,‏ وأعطاني رقم تليفونها في العمل لكي أتصل بها وأطلب قطع أي علاقة بينها وبين زوجي إثباتا لحسن نيته وفعلا حدث ذلك واتصلت بها فراوغتني واتهمتني بأنني أتوهم اشياء لا أصل لها‏,‏ وأنهيت المكالمة وأنا في قمة غضبي من هذا الرد وأخبرت زوجي بما حدث ولم يعلق بشيء سوي أنه سوف يلغي عمله معها‏.‏



ومرت الأيام وانتهت الامتحانات ونجح ابني وابنتي في الشهادتين الإعدادية والابتدائية بتفوق بفضل الله وفضل رعايتي لهما رعاية كاملة وصبري الشديد وتحملي‏,‏ وبعد شهر من النتيجة وفي الصيف الماضي عرفت أن هذه السيدة تقوم بنقل اثاثها الي سكن آخر‏,‏ وتقول أنها سوف تتزوج المهندس‏(‏ فلان‏)‏ زوج السيدة‏(‏ فلانة‏)‏ التي هي أنا‏,‏ فأنهرت وأحسست أن رحلة عمري قد انتهت ولكنني تماسكت وواجهته بذلك واذا به يفجر في وجهي قنبلة ثانية هي أنه تزوجها بالفعل منذ‏8‏ أشهر تقريبا وأنها نزوة وسوف يطلقها من أجلي وأجل ابنائي‏,‏ وسألته يومها هل هي حامل فنفي ذلك بإصرار وحمدت الله ولكنها كانت طعنة كبيرة في صدري وانتهي الأمر بأن طلقها‏,‏ لكن هذه السيدة أرسلت لي رسالة مع قريبة لي ملخصها هو لماذا هذه الثورة الهائلة وهي ليست أول زوجة يتزوج عليها زوجها ولا آخر زوجة سيتزوج عليها‏,‏ ولقد قبلت أن أكون زوجة ثانية ولو بنسبة‏5%‏ ويكون لها نسبة‏95%,‏ فماذا يغضبها في ذلك ؟‏!‏ المهم أنني صممت علي أن احتفظ بزوجي لنفسي وقلت إنني لن أقبل بزوج الاثنتين أبدا‏,‏ واذا أراد تلك المرأة فليتركني لحالي أنا وأولادي أرعي الله فيهما وسوف يجزيني الله كل خير ان شاء الله‏,‏ وانتهي الأمر بأن انفصل زوجي عنها خوفا علي بيته وأسرته‏,‏ وتحدثت الي نفسي اذا كان الله يسامح ويغفر فلماذا لا يصفح العبد ويغفر؟ وبدأت معه من جديد وأعطيته كل اهتمام ورعاية أكثر مما سبق وكأنني زوجة جديدة‏,‏ وكأنه زوج جديد في كل شيء وبعد أربعة أشهر فوجئت بأنه ردها وأنها حامل في الشهر الرابع‏,‏ وفي هذه اللحظة كان قراري الذي لا رجعة فيه هو أن يتركني لحالي ويذهب الي هذه السيدة ويعيش معها‏,‏ وكان رده أنني لن أستطيع أن أعيش بدونك ولو لحظة واحدة‏,‏ وأن هذا الحمل كان قدرا من الله ولن نستطيع ان نعترض علي مشيئة الله‏,‏ وأنني لابد وأن أرضي بالأمر الواقع وسوف تكون له زوجة بالاسم فقط لأنه يوجد طفل قادم‏,‏ أنني سيدة مجروحة من زوجي الي أبعد حد‏,‏ حيث انه يقول إنه لم يعش مرحلة شبابه لأن حياته كلها شقاء وتعب وهو يريد أن يتمتع ويعيش من جديد ولكنه يفشل في كل مرة لأنني أقف كحاجز من فولاذ بينه وبين أي امرأة أخري‏,‏ حتي ولو أنجب منها بسبب حبه لي الشديد وعشرتي الطيبة‏,‏ وقد وصل به الأمر الي أنه تعثر في عمله هذا العام بالكامل وتراجع بعض الشيء وعندما وجد مني هذا الإصرار علي الانفصال تماما كان قراره بأنه سوف يطلقها غيابيا لأنها رفضت حضور الطلاق‏,‏ وأحضر لها شقة واسعة وأفضل بكثير مما كانت فيها وانتهي من تشطيبها وسوف يحضر لها بعض الأثاث الجديد ويتولي هو مسئولية الطفل القادم من الألف الي الياء ولن يبخل عليه بشيء أبدا‏,‏ لقد فقدت خلال سنوات زواجي من وزني عدة كيلوجرامات وأصبح وزني‏54‏ كجم بعد أن كان‏62‏ كجم في بداية زواجي‏,‏ وفقدت بعض حيويتي وأنوثتي وكان تعليقه بعد طلاق هذه المرأة أنه سوف يعتبرني انسانة مريضة وانه يتقبلني بهذا الشكل من أجل الابناء وأنني ظالمة وجبارة وغير رحيمة به‏,‏ وغير ذلك من كلام لا أستطيع أن اتحمله من رجل أعطيت له كل شيء فاذا به يتهمني الآن بأنني صاحبة مشاعر جافة وأهتم في المقام الأول بالأبناء ثم به بعد ذلك‏,‏ وما فيه هو الآن أنا السبب فيه حيث كان قد طلب مني كثيرا أن أنجب طفلا ثالثا ورفضت واكتفيت باثنين‏,‏ مع العلم أنني ضعيفة ولا أستطيع أن اتحمل الإنجاب مرة ثالثة‏.‏



فماذا أفعل الآن يا سيدي؟ هل أنا فعلا ظالمة مع هذه المرأة؟ إنني في حيرة من أمري وأشعر بأنني مكسورة النفس‏,‏ جريجة مما وصلت اليه‏,‏ وأقسم بالله ان كل كلمة كتبتها في هذه الرسالة كانت صادقة ولم أتجن علي أحد‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


من حق كل زوجة مخلصة لزوجها وابنائها وأسرتها أن ترفض أن تشاركها في زوجها امرأة أخري‏,‏ حتي ولو كانت نسبة المشاركة كما تزعم تلك السيدة هي‏5%‏ فقط‏..‏ فجوهر الزواج هو قصر الطرف والاكتفاء بشريكة العمر ما لم تكن هناك رخص شرعية تبرر للزوج الزواج عليها‏..‏ والزوج حين يقترن بزوجته فإنه يعاهدها ضمنيا علي الاخلاص لها والاكتفاء بها دون غيرها من النساء‏..‏ ولم يحدث ذات يوم ان عاهد زوج زوجته وهو يقترن بها علي أنه سوف يتزوج عليها في أول مفترق للطرق‏,‏ ولو فعل ذلك لرفضته شريكته من قبل البداية‏..‏ ولهذا منح الشرع الحنيف المرأة حق الاشتراط علي زوجها في وثيقة القرآن ألا يتزوج عليها‏,‏ وخيرها اذا تزوج عليها زوجها بين قبول الأمر الواقع والرضا به أو الاصرار علي الانفصال عنه وبالتالي فإنك لست ظالمة كما يحاول زوجك إيهامك لتمسكك بحقك المشروع في ألا تشاركك في زوجك امرأة أخري مهما كانت الأسباب والمبررات‏,‏ وان كان ثمة ظلم في القصة كلها فلقد جناه زوجك وتلك السيدة علي الجنين القادم من عالم الغيب وهو المظلوم الحقيقي في هذه القصة‏..‏ ولقد ظلمه زوجك بنزوته ورغبته في الاستزداة من المتعة بعد أن يسر الله أموره وبدل احواله إلي الأفضل‏,‏ وظلمته ايضا تلك بتطلعها إلي مشاركة زوجة وأم في زوجها واغتصاب حقها فيه‏,‏ ولو كانت هي نفسها في موقعك لاختلف منطقها وجأرت بالشكوي من غدر زوجها بها‏.‏



ان المثل الإنجليزي يقول‏:‏ خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي‏!.‏


والمشكة هي أن زوجك قد بدأ ما لم يكن يعرف كيف ينتهي منه ذات يوم بلا خسائر أو بأقل قدر منها‏..‏ لهذا فقد ظلمك وظلم جنينه وزاد المشكلة تعقيدا بهذا الطفل المرتقب‏..‏ وعليه أن يتحمل تبعات جريه وراء أهوائه ويكف عن محاولة تبريرها باتهامك بجفاء المشاعر والقسوة‏,‏ فلقد كان الطريق واضحا امامه منذ البداية لو اراد حقا أن يلتزم العدل معك‏,‏ وهو أن يخيرك قبل أن يقدم علي الزواج بين القبول به أو رفضه والانفصال عنه‏,‏ لكن المشكلة هي أن من يتورط في مثل هذه النزوة يتعلق دائما بأمل أبدي في أن ينجح ولأطول فترة ممكنة في الجمع بين الحسنيين الزوجة المخلصة المتدينة والأسرة المستقرة والحياة العائلية المحترمة‏,‏ ثم زواج العشق السري أو العلني ومتعته اللاذعة وأوقاته المسروقة من حساب الزمن‏,‏ واحساس المغامرة المثير للمشاعر والغرائز وممارسة إثبات الذات وإقناع النفس بأن صاحبها مازال قادرا علي أن يصول ويجول في عالم المرأة والعشق ويحقق الانتصارات المشهودة‏!.‏



لهذا كله فإني أؤيدك في موقفك ولاأراك ظالمة لأحد‏,‏ بالرغم من أن مقدم هذا الطفل سوف يزيد الأمر صعوبة‏..‏ ويربط زوجك بتلك السيدة حتي ولو استمر في طلاقها برباط أبدي‏..‏ وذلك من خلال رعايته والإشراف علي تربيته وتحمل مسئوليته مما يتطلب منك أكبر قدر من المهارة والحرص علي احتواء زوجك واشباع كل احتياجاته النفسية والعاطفية‏..‏ ليظل صامدا أمام نداء المرأة الأخري‏.‏

__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 05:35 PM
  #26
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الوقوف علي الشاطيء‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة



طلقت زوجتي بعد‏17‏ عاما من الزواج‏,‏ وذلك لوجود هوة سحيقة بيني وبينها فكريا ونفسيا بل وثقافيا أيضا‏!!‏


وخرجت من هذه الزيجة بــ‏3‏ ابناء‏(‏ ولدان وبنت‏),‏ احببتهم ورعيتهم وحنوت عليهم لأقصي درجة‏,‏ لكن‏(‏ جريمتي‏)‏ هي أن إمكاناتي المادية كانت ضعيفة جدا‏,‏ إذ كنت مدرسا بوزارة التربية والتعليم لا املك من الدنيا سوي راتبي‏,‏ وامانتي وإخلاصي في العمل‏.‏ اما عن السفر للخارج والإعارات فكانتا لفترات وجيزة لاتسمن ولاتغني من جوع‏.‏



ولقد تزوجت ـ بعد طلاقي ـ بأخري وجدت نفسي معها وانجبت منها ولدا‏,‏ كما تزوجت مطلقتي هي الاخري وانجبت ولدا‏,‏ لكن اولادي ظلوا معي‏,‏ فحفظتهم في جفوني ورعيتهم ليل نهار‏,‏ بكل ما أوتيت من قوة وقدرة ووعي لمدة‏10‏ سنوات ولم امنعهم قط طيلة هذه الفترة من زيارة والدتهم وجميع افراد اسرتها ومرت الايام والسنون وتحملتها بمشكلاتها المريرة الثقيلة‏,‏ اذ مهما كانت زوجة الاب مثالية‏,‏ فهي في نظر الابناء والمجتمع زوجة اب ليس الا‏,‏ غير اني كنت احاول دوما ان اعدل بين الجميع قدر استطاعتي‏.‏


وفي سن الحادية والعشرين فضلت ابنتي والتي تبلغ من العمر الآن‏23‏ عاما ان تقيم مع والدتها‏,‏ فوافقت فإذا بها تبتعد عني نفسيا وعاطفيا شيئا فشيئا‏,‏ لتقترب اكثر واكثر من امها واخوالها مع اني خلال هذين العامين لم ادخر وسعا في تدبير معظم نفقاتها‏,‏ خاصة التعليمية حتي تخرجت في كلية التربية الفنية بتقدير جيد جدا ثم تقدم لخطبة ابنتي وهي في كنف والدتها وزوج والدتها وهو رجل طيب حقا من اعجبها واعجبته وتوافقا معا من عدة نواح‏,‏ خاصة من الناحية المادية اذ ان اسرته ميسورة الحال‏,‏ وهنا بدأت معاناتي فلقد فوجئت باخوال ابنتي يأخذون بزمام الأمور وتقرهم علي ذلك ابنتي ـ كما لو كنت انا الخال وهم الاب فهم يتصرفون كما لو كانوا هم المسئولين عن المشروع فيرسمون تفاصيله ودقائقه ويتبادلون الزيارات واللقاءات مع العريس واهله دون ان يعيروني اي اهتمام فإذا غضبت لكرامتي اشركوني في الامر وكشكل تكتمل به الصورة وإذا ماتحدثوا معي اقتصر حديثهم علي اين سيقام العرس‏,‏ ومتي‏,‏ ومن الذي سوف يدعي اليه وكم سأدفع لجهاز ابنتي الخ‏,‏ لكن اين هو المال الذي استطيع ان اجهز به ابنتي ؟



ان الخلاضة هي ان ابنتي غير راضية عني لانني غير راض ولا أقبل بالتهميش او ان يقوم غيري باداء دوري وأنا الولي الطبيعي الذي اعطي وضحي وربي وشقي وصبر واوفي‏,‏ اما الخطبة والزواج فتسيران علي قدم وساق‏,‏ بموافقتي او دون موافقتي وطبعا بواسطة الام والاخوال الذين يبدو انهم اقنعوا الخطيب واسرته بانه لم يكن لي اي دور في تنشئة اولادي او الانفاق عليهم لا في الماضي ولا في الحاضر‏,‏ مع ان ابنائي حين كانوا صغارا لم يكن اخوالهم او والدتهم يهتمون بهم او يتحملون القدر اليسير من المسئولية المالية او الادبية تجاههم‏,‏ والله علي ما اقول شهيد‏,‏ فماذا افعل هل اقطع صلتي بابنتي ؟ وهل تعتبر هي ابنة عاقة وهل اذا تزوجت دون موافقتي يكون هذا الزواج صحيحا شرعا؟‏.‏



ولكاتب هذه الرسالةأقول‏:‏


فهمت من رسالتك ان السبب الجوهري لعدم رضاء ابنتك عليك هو امتناعك عن المساهمة المادية في تكاليف زواجها وانك ربما تتعلل بتهميش دورك في اجراءات الزواج لكي تنفض يدك من المسئولية وتنسحب من الموقف‏,‏ فان كان مافهمته صحيحا فاني انصحك بأن تبذل كل ماتستطيع من جهد للاسهام في تكاليف زواج ابنتك بقدر يتناسب مع امكاناتك المادية حتي ولو ارهقت نفسك بعض الشيء‏..‏ فبقدر تحملنا مسئوليتنا عن ابنائنا‏,‏ ووقوفنا الي جوارهم في مناسباتهم المصيرية بقدر مايحترمنا هؤلاء الابناء وتصفو لنا مشاعرهم وقلوبهم‏..‏ ويتعمق ولاؤهم لنا‏..‏ اما الوقوف علي الشاطيء‏..‏ والاكتفاء بلوم الذين يكافحون الموج وحدهم لانهم لم يستشيرونا في طرق الابحار‏,‏ فليس مما يكسبنا محبتهم وولاءهم ولاحبهم‏,‏ ولهذا فاني انصحك بأن تنحني للعاصفة مادام الزواج سيتم سواء قبلت به ام رفضته‏,‏ خاصة ان ابنتك ترغبه وتؤيدها في ذلك والدتها واخوالها كما انصحك بالا تعترض عليه لمجرد ان خطواته الاولي قد بدأت في غيابك‏,‏ ذلك ان هذا السبب وحده ليس كافيا لرفض زواج مستوف لشروط النجاح والفلاح باذن الله‏..‏ وبان تشارك بما تستطيع المشاركة به في نفقات الزواج وسوف تجد نفسك وبلا اي جهد من جانبك في قلب الدائرة وليس علي هامشها‏,‏ وسوف تحفظ لك ابنتك هذا الجميل وتظل الابنة المخلصة لك إلي النهاية بإذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:01 PM
  #27
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الظلم المركب‏!‏


بـريــد الأهــرام
42837
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
19
‏28 من محرم 1425 هـ
الجمعة




أنا زوجة وأم لابناء وبنات كبار اتموا تعليمهم‏,‏ وعملوا‏,‏ وتزوجوا‏,‏ واستقلوا بحياتهم‏,‏ وخلت الشقة علي أنا وزوجي‏,‏ وكلانا بالمعاش‏.‏


ولأن الرحلة قد أنقضت بخيرها وشرها‏,‏ فإنني لاأكتب لك شكوي من بخل زوجي‏,‏ وإنما فقط لأمهد بما أرويه لك عن طبائعه‏,‏ لما أريد مناقشته في نهاية الرسالة فزوجي قد حرمني طوال سنوات زواجنا من التمتع بمرتبي‏,‏ وأجبرني علي انفاقه كله تقريبا علي البيت والأبناء وكانت مساهمته في نفقات الأسرة ضئيلة للغاية‏,‏ وينفق معظم مرتبه علي ملذاته الشخصية من سجائر وأشياء أخري محرمة‏,‏ وينفق بكرم علي أصدقائه وزميلاته ومعارفه‏,‏ ويحرمني من أي مصروف‏,‏ ولا يشتري لي شيئا علي الإطلاق‏,‏ ولا يعرف كيف يجاملني في أي مناسبة‏,‏ فإذا دعونا أحدا علي العشاء أصر علي أن تكون تكاليف العزومة مناصفة بيني وبينه‏,‏ وأدفع النصف المفروض علي‏,‏ ويظهر أمام الضيوف وكأنه حاتم الطائي‏,‏ وكذلك فإننا إذا خرجنا معا لزيارة ابنتنا تكون المواصلات مناصفة بيننا‏,‏ والمجاملات مناصفة كذلك حتي ولو كانت لشقيقته‏.‏



فهل يكون من العدل أن يحصل مثل هذا الزوج علي معاشي بالكامل بعد وفاتي‏,‏ كما ينص علي ذلك القانون الجديد الذي يتحدثون عنه‏!.‏


أنني أتصور أن يحصل الزوج علي معاش زوجته بعد وفاتها بشروط واضحة وعادلة‏.‏



‏*‏ أن يكون عائلا لأطفال أو أبناء لم يبلغوا سن العمل‏.‏


‏*‏ أن يكون عاجزا عن الحركة أو مريضا‏.‏



‏*‏ أن يكون معاشه ضئيلا لا يفي بالاحتياجات الأساسية له‏..‏ أما وأن يكون كزوجي يعيش بمفرده بعد زواج الأولاد‏,‏ وفي صحة مقبولة‏,‏ ومعاشه يساوي معاش زوجته تقريبا‏,‏ ويحصل علي معاش زوجته بالكامل‏,‏ فاعتقد أن هذا هو الظلم المركب‏,‏ لأنه يكون قد ظلم زوجته في حياتها‏,‏ وسوف يظلمها أيضا بعد وفاتها‏.‏


فلماذا لا يعاد النظر في هذا الموضوع‏,‏ ولماذا لايعطي الزوج جزءا من المعاش حسب ظروفه التي أوضحتها والباقي يعود للدولة وذلك حتي لا نساعد مثل هذا الزوج‏,‏ الذي يحصل علي معاش كبير‏,‏ ولا يعول أحدا‏,‏ وفي صحة جيدة‏.‏ علي التصرف في هذا الدخل الكبير تصرفا ضارا به في هذه السن‏.‏



أنني لا أخشي الموت‏,‏ بل أرحب به في أي لحظة حتي ألقي وجه ربي الكريم‏,‏ لكني الآن أشعر بالأسف والظلم‏,‏ ولن أكون راضية إذا حصل هذا الزوج علي أي مليم من معاشي‏.‏


ألست معي في أن هذا القانون سوف يظلم الكثيرات من الزوجات المضحيات مثلي‏,‏ واللآتي لم يحصلن علي كلمة شكر واحدة في حياتهن من أزواجهن؟‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


ومن أدراك يا سيدتي أنك ستسبقين زوجك إلي لقاء ربك‏,‏ وأنه سوف يستمتع بمعاشك‏,‏ وقد ينفقه فيما يضره في هذه المرحلة من العمر؟‏,‏ ومن يضمن ألا يسبقك هو إلي العالم الآخر‏,‏ وتحظين أنت بمعاشه وتعوضين به بعض بخله‏,‏ وتقتيره عليك في حياته؟‏.‏



وهل بلغ بك السخط علي زوجك أن أصبحت تفضلين أن يذهب كل أو معظم معاشك إلي خزانة الدولة‏,‏ علي أن يستمتع به زوجك البخيل من بعدك؟‏,‏ وكيف يمكن تطبيق القواعد التي تقترحينها لصرف معاش الزوجة الراحلة للزوج‏,‏ وبعضها يمكن التحايل عليه‏,‏ ويفتح الباب للحيل والألاعيب والفساد؟‏.‏



لقد ظل الأزواج علي مدي أكثر من‏50‏ عاما يطالبون بحقهم في معاش الزوجة الراحلة أسوة بما تحصل عليه الزوجة إذا رحل عنها زوجها‏,‏ وكانوا يرون أن حرمانهم من نصيب الزوج في معاش زوجته الراحلة ظلم بين له‏,‏ حتي استجابت الدولة أخيرا‏,‏ وأعدت القانون الذي يسمح للزوج بنصيبه من معاش زوجته‏,‏ والمؤكد هو أن المشرعين الذين أعدوا مواد هذا القانون لم يخطر لهم في بال أن تجئ المعارضة له من جانب بعض الزوجات اللاتي شقين بأزواجهن وحياتهن الزوجية‏,‏ ويطلبن وضع ضوابط علي صرف معاش الزوجة الراحلة لزوجها لحرمان بعض الأزواج من أن يعيشوا في سعة بعد رحيل زوجاتهم‏.‏ أن الفكرة رغم غرابتها تثير التأمل‏,‏ وتدعونا لإحسان عشرة شريكات الحياة حتي لا ينتقمن منا بعد رحيلهن بحرماننا من معاشاتهن‏,‏ كما تطالب كاتبة هذه الرسالة؟‏..‏ وشكرا لها‏!.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:02 PM
  #28
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الإحساس المرير‏!‏


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




أنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري نشأت في أسرة متوسطة الحال بين أب يكافح لتعليم ابنائه الخمسة‏,‏ وأم ربة بيت طيبة‏,‏ وتركز كل جهدها علي ان يخرج الابناء إلي الحياة متمتعين بالخلق الكريم والأدب الحميد‏.‏ ولقد حقق الله سبحانه وتعالي لأبوينا مرادهما‏,‏ فتعلمنا كلنا وحصلنا علي شهاداتنا‏,‏ واحسب أننا قد تسلحنا جميعا بالأخلاق الحميدة‏,‏ وبعد انتهاء دراستي وفقني الله إلي عمل مناسب‏..‏ ومضت ثلاث سنوات لم يتقدم لي خلالها أحد بالرغم من جمالي المتوسط‏..‏ إلي أن جاء يوم دعتني فيه احدي زميلاتي بالعمل لحضور عيد ميلاد ابنها‏..‏ واستأذنت أمي في الذهاب إليه فأذنت لي وفي الحفل ووسط مرح الأطفال لاحظت ان هناك شابا لايكاد يرفع عينيه عني‏,‏ وانه يحدق في باهتمام‏,‏ وبعد يومين من الحفل التقيت بزميلتي هذه فاذا بها تبادرني بتسليمي ورقة صغيرة مكتوبا عليها اسم شخص وبياناته وعنوانه ومكان عمله‏..‏ الخ‏,‏ وسألتها عما يعني ذلك؟ فقالت ان هذه هي بيانات الشاب الذي كان يحدق فيك طوال الحفل‏,‏ وصارحتني بأنها كانت قد دعته خصيصا لكي يراني‏,‏ عسي أن ألقي القبول لديه فيتقدم الي اسرتي‏..‏ وطلبت مني أن أكلف أبي بالسؤال عنه اعتمادا علي هذه البيانات‏.‏


وعدت إلي البيت سعيدة وأبلغت امي بما حدث فدعت لي بالخير‏..‏ وقام أبي بالسؤال عن الشاب فجاءت النتائج طيبة للغاية‏,‏ وتمت الخطبة واستمرت‏4‏ أشهر كانت من أسعد أيام حياتي‏,‏ واكتشفت في خطيبي الكثير من المزايا وأولاها الأخلاق النادرة والبر بأبويه والعطف علي اخوته‏,‏ فانعكس كل ذلك علي علاقتي بأسرته التي أحببتها وأحبتني حبا جما‏,‏ خاصة والدته حيث عاملتني كابنة مدللة لها وتزوجنا في شقة مناسبة وعشت مع زوجي أسعد أيام عمري‏,‏ وأحسست دائما بأنني فرد من أفراد اسرته‏,‏ وبعد خمسة أشهر من الزواج حدث أن زارتني والدة زوجي وسألتني برقة شديدة عما إذا كنت حاملا أم لا فأجبتها بالنفي‏,‏ فطيبت خاطري وعرضت علي أن تصحبني إلي طبيب متخصص فلم امانع‏,‏ وبدأت رحلة العذاب من تحاليل وأشعة وعلاج‏,‏ ثم علمت والدتي بالأمر فاقترحت أن يعرض زوجي نفسه كذلك علي طبيب عسي ان يكون الأمر مرتبطا به‏,‏ ففعل وأكدت النتائج انه سليم تماما وقادر علي الإنجاب وواصلت انا علاجي حتي وصلت الي المرحلة الأخيرة منه فإذا بي اصدم صدمة العمر بأني اعاني من عيب خلقي يستحيل معه أن أحمل‏..‏ وانهرت باكية وحزينة‏,‏ ولم يخفف عني بعض آلامي سوي زوجي ووالدته الحنون واسرته التي لم تتغير علاقتها بي علي الإطلاق بعد معرفة هذه الحقيقة المؤلمة‏.‏


وبرغم سعادة زوجي معي فلقد وجدت نفسي بعد فترة أحس احساسا مؤلما بالذنب تجاهه‏,‏ خاصة انني اعرف عنه حبه الشديد للأطفال‏..‏ أما هو فقد ازداد حبا لي وتعلقا بي وراح يواسيني ويطلب مني الرضا بقضاء الله وقدره‏,‏ وعدم الاعتراض علي مشيئته‏,‏ غير أنه بعد فترة أخري اشتد علي الاحساس بأني قد أجرمت في حقه واني أظلمه بحرمانه من الإنجاب فعرضت عليه الانفصال لكي يتزوج من أخري وينجب ويري اطفالا‏,‏ فرفض هذه الفكرة رفضا قاطعا‏,‏ ورفضتها بأشد منه والدته الطيبة فعرضت عليه ان يتزوج مع استمراري في عصمته وعلي ان اعيش معه ومع زوجته في نفس الشقة‏,‏ وأكون خادمة له ولزوجته واولاده منها الذين سيكونون بالتالي ابنائي‏,‏ فرفض ذلك بإصرار وطلب مني أن نحيا حياتنا كما ارادها لنا الله‏,‏ وقال لي إنه يجد في ابناء إخوته ما يحتاج اليه من ممارسة احساس الابوة ولا يحتاج الي خوض تجارب لايضمن نتائجها‏,‏ وفي هذه الاثناء رحل والد زوجي عن الحياة يرحمه الله‏,‏ فانتقلت للإقامة مع والدة زوجي لفترة العزاء ثم فترة طويلة بعدها‏..‏ فعرضت عليها خلال ذلك ان يتزوج ابنها في شقتي‏..‏ وان استمر أنا في الاقامة معها علي أن يزورني زوجي في بيتها من حين لآخر‏,‏ فرفضت لكنها وبعد إلحاح شديد مني قبلت ان تعرض عليه الفكرة بحياد ودون أن تؤيدها أو ترفضها‏,‏ وعرضتها عليه‏,‏ فرفض أيضاوأخيرا خطر في ذهني ان أسئ معاملته لكي يملني ويطلقني‏,‏ وحاولت ذلك بالفعل فلم احسن التمثيل وابتسم بعد ان عرف مقصدي‏..‏ في حين إنهرت أنا باكية واعترفت له بأنني احبه وأتعذب من أجله‏..‏ ولا أطيق الحياة بدونه‏,‏ لكن ماذا أفعل وقد شاءت إرادة الله ألا استطيع الإنجاب له‏..‏ فبماذا تنصحني ان افعل ياسيدي؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


إلحاحك علي زوجك بأن يتزوج عليك لكي ينجب قد يعكس إحساسا مريرا بالذنب تجاهه لما تتصورينه من مسئوليتك عن حرمانه من الأطفال‏,‏ لكنه يعكس علي جانب آخر احساسا اخر أشد ايلاما بالخوف من المستقبل والتحسب الزائد لأن يجئ يوم ينصرف فيه زوجك عنك الي زوجة أخري‏,‏ ولا غرابة في ذلك لأن الخوف القوي المسيطر لديك من فقد زوجك بسبب عجزك عن الإنجاب له قد ترجمه عقلك الباطن الذي يضيق بهذا الخوف‏,‏ إلي ما يسميه علماء النفس برد الفعل العكسي للأشياء‏..‏ وهي حيلة من الحيل النفسية التي يلجأ اليها العقل الباطن للدفاع عن النفس والتخفف من الآلام‏,‏ كأن يشتد حزن الانسان مثلا لضياع فرصة ثمينة كان يتطلع اليها بلهف‏,‏ ويضيق عقله الباطن بهذا الحزن فيترجمه برد الفعل العكسي إلي محاولة التهوين من قيمة هذه الفرصة نفسها‏..‏ والزعم بأنها ما كانت لتضيف اليه شيئا‏,‏ وبدلا من ان يعبر الانسان عن الحزن لضياعها نجده ينطق بعبارات تزعم للنفس ان ضياعها أفضل من مجيئها‏,‏ وأنه الآن اسعد حالا منه لو كان قد فاز بها‏..‏ إلخ‏.‏


ولأنك تضيقين في أعماقك بخوفك الشديد من فقد زوجك ذات يوم‏,‏ فلقد عبرت عن هذا الخوف القاهر برد الفعل العكسي في مبادرتك انت علي طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع‏,‏ باقتراح الانفصال عن زوجك‏,‏ فلما رفضه الرجل النبيل تعددت اقتراحاتك عليه بالزواج من أخري للإنجاب وتوالت التيسيرات والتسهيلات التي تقدمينها له لكي يقبل بها‏.‏



ولست اعني بذلك أنك لست صادقة في هذه العروض العديدة التي تقدمينها لزوجك‏,‏ فالحق انها عروض صادقة وتعكس روحا مضحية وبعيدة عن الأنانية‏,‏ وانما اقصد فقط أن الخوف الكامن في أعماقك من المستقبل هو المحرك الأساسي لها وبغير وعي منك‏,‏ فثقي في نفسك ياسيدتي وفي جدارتك بان يكتفي بك زوجك ويسعد بك ومعك دون أطفال‏,‏ وتخلصي من هذا الخوف القاهر الذي يكبل إرادتك ويحرمك من الاستمتاع بالأوقات الخالية من الأكدار‏..‏ وتخلصي قبل كل ذلك وبعده من الإحساس القاتل بالذنب تجاه زوجك‏,‏ لأن الانسان لايلام علي أمر قد قدر عليه‏,‏ ولم تكن له فيه حيلة‏,‏ كما أن الرجل يعفيك من كل مسئولية عن حرمانه من الأطفال‏,‏ ويرضي بأقداره ويطالبك بالرضا بها فاقبلي عافية وعيشي حياتك معه في سلام‏,‏ ولا تتعجلي الهموم والأكدار‏..‏ ولا تستدعيها الي حياتك قبل موعدها المقدور في عالم الغيب‏,‏ وتعاملي مع الأمر علي طريقة الصوفية الذين يقولون درءا للهموم واتقاء للتحسب الزائد للمستقبل لك الساعة التي انت فيها‏..‏ ولو اردت التخفيف عنك أكثر من ذلك لقلت لك إن تقدير الأسوأ يحرر الانسان من الخوف الشديد مادام قد عرف اقصي ما يمكن ان تنتهي اليه الأمور وتهيأ نفسيا للتعامل معه أو القبول به‏,‏ وأسوأ العواقب في مثل ظروفك هذه هو ان يجئ يوم بعد عدة اعوام أو أكثر ويشعر زوجك بحاجة ملحة عليه في الإنجاب فيتزوج بمشورتك وموافقتك من أخري‏,‏ فما الجديد اذن في الأمر وقد تحسبنا له منذ البداية وطالبناه به فرفضه من قبل حبا وإكراما لنا؟



ان مشكلتك الحقيقية هي أن زوجك قد تقبل أقداره ورضي بها‏,‏ في حين أنك أنت التي لم تتقبلي في أعماقك بعد أقدارك ولم ترضي عنها‏,‏ لهذا فهو يعيش في سلام نفسي معك‏..‏ وانت تحترقين بالإحساس بالذنب تارة وبالخوف من فقد زوجك تارة أخري‏..‏ وبتقديم اقتراحات الزواج اليه إبراء للذمة من ذنبه تارة ثالثة‏..‏ فتقبلي أقدارك أولا ياسيدتي‏,‏ ولسوف تتغير اشياء كثيرة في حياتك وشخصيتك وعلاقتك بزوجك الي الأفضل‏,‏ ولقد كان القطب الصوفي ابوبكر الشبلي يقول من توكل علي الله رضي بفعله وكان الامام حسن بن علي رضي الله عنهما يقول من رضي بحسن اختيار الله له لم يعدل به شيئا‏.‏


فارضي بما إختاره لك ربك‏..‏ ولسوف تتحسن الأحوال كثيرا بإذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:03 PM
  #29
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الطــــــريـــــق المنحــــــدر


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




تفتحت عيناي علي أب حنون وأم قاسية لا تحبني‏,‏ ولم أكد أبلغ سن الشباب حتي توفي والدي‏,‏ وتركني لوالدتي التي كانت تعاملني أسوأ معاملة‏,‏ ولأن أبي كان قد زرع في الحب والحنان‏,‏ فلم أنحرف‏,‏ بل بالعكس نجحت دراسيا‏,‏ والتزمت دينيا وأخلاقيا‏,‏ وعندما أتي العريس كانت أهم صفة مطلوبة فيه من وجهة نظري أن يكون علي خلق وملتزم دينيا‏,‏ وقلت في نفسي سأبدا حياة جديدة من صنعي أنا‏,‏ فلقد كانت خبرتي في العلاقات الزوجية صفرا‏.‏


وقد تزوجت إنسانا توسمت فيه كل الصفات الممتازة من وجهة نظري‏,‏ وشعرت تجاهه بأنه المنقذ الذي سينقذني من سجن أمي ومعاملتها السيئة لي‏,‏ وسيعوض لي حنان أبي الذي فقدته لكني‏,‏ منذ البداية وجدت زوجي لا يقدر أهمية المشاعر‏,‏ فزوجته عليها إطاعة أوامره‏,‏ وتنفيذ رغباته حتي بدون أن يقول لها كلمة شكر‏,‏ وكان يحاسبني علي أي خطأ‏,‏ وكأن هذا الخطأ مصيبة كبري‏,‏ ولا يجد عيبا في أن يحرجني أمام الناس في أثناء حديثي‏,‏ كأن يلفت نظري إلي أن ما أقوله تافه‏,‏ ولا يصح‏,‏ وشعرت بخيبة أمل كبيرة فكل ما أحتاج إليه كلمة حلوة‏,‏ ولا أجدها‏,‏ وبذلت كل جهدي حتي لا يجد زوجي خطأ في تصرفاتي يلومني عليه‏,‏ ووضعت همي في عملي وتربية أولادي حتي أصبح بيتي من أفضل البيوت ظاهريا‏,‏ أما ما لم استطع أن اتغلب عليه فهي مشاعري ناحية زوجي‏,‏ الذي لم استطع التجاوب معه‏.‏



وعشت حياتي أفرغ مشاعري فيمن حولي‏,‏ أخدم الجميع‏,‏ وأحب الجميع‏,‏ ويحبني كل أصدقائي وزملائي‏,‏ ويستشيرونني في حل مشاكلهم‏,‏ أما زوجي فهو مستمر دائما في أن يشعرني بأنني مخطئة في كذا‏,‏ ولم أفعل كذا إلي آخر اللوم الذي لاينتهي‏,‏ ومنذ نحو أربع سنوات نقل إلي مقر عملي زميل جديد‏,‏ وفي البداية تنافسنا في العمل لأنه في نفس الكادر الوظيفي‏,‏ ولكن مديرنا استطاع بذكاء أن يجعلنا نتعاون فكنت أعمل معه عدة ساعات يوميا‏,‏ وتعرفت بأسرته لأنه كان غريبا عن القاهرة‏,‏ وساعدته في إنجاز بعض المهام‏,‏ وأصبحت علاقتنا عائلية‏,‏ وأصبح أولادي وأولاده أصدقاء‏,‏ أما زوجته فهي إنسانة طيبة وبسيطة جدا لا تعرف من دنياها سوي أن تخدم أولادها‏,‏ وكان زميلي يشكو لي اهتمام زوجته بكل شئ ما عداه‏,‏ وحاولت أن ألفت نظرها لذلك وعلمتها الكثير كطريقة الطهي‏,‏ وترتيب المنزل‏,‏ وكان يسعدني جدا أن أجد هذا الزميل يثني علي الطعام أو يشكرني علي أمر علمته لزوجته‏,‏ بل كان يستشيرني هو وزوجته في أمور كثيرة‏,‏ وأصبحت أجد أهميتي في تلك الأسرة‏,‏ وبدأت تتجمع الأسرتان في المناسبات المختلفة‏,‏ فكان ما يكدرها أن زوجي لايتكيف أبدا مع هذه الأمور‏,‏ كما أني كنت أري نظرات الاشفاق في عين زميلي علي كلما أحرجني زوجي أمام الموجودين‏,‏ المهم أنني كنت أتجاوز هذه الأمور‏,‏ ولا أعلق عليها‏,‏ ولكنها كانت تترك داخلي الأثر النفسي الذي يجعلني أرفض العلاقة الزوجية‏,‏ وفي أحد الأيام كنت في مكتبي أبكي نتيجة مشادة حدثت بيني وبين زوجي في الصباح‏,‏ ودخل زميلي المكتب‏,‏ ولم أشعر به فإذا به يربت علي رأسي ويواسيني ثم خرج‏,‏ وشعرت بدفء عجيب لأول مرة في حياتي‏,‏ ولم أنم ليلتها‏,‏ وقررت أن أدفن رأسي في حضن زوجي النائم بجواري‏,‏ لكن لم أجد في هذا الحضن غير عظام لم تشعرني بأي شئ‏,‏ وبخاصة أنه لم يتحمل رأسي كثيرا‏,‏ بل بدأ يتململ‏,‏ ويطلب مني الابتعاد عنه‏,‏ ووجدت نفسي في اليوم التالي أذهب للعمل‏,‏ وأنا انتظر أن أري زميلي‏,‏ ولكن عندما رأيته عنفته علي ما فعل‏,‏ واعتذر لي أنها كانت غلطة ولن تتكرر‏,‏ وظل بعدها فترة يتحاشي التعامل معي‏,‏ وبعدها سمعت في أحد الأيام صوت ضجيج أمام مكتبي فخرجت لأستطلع الأمر فوجدت زميلي هذا مغمي عليه‏,‏ ويحاول الجميع إفاقته فانخلع قلبي‏,‏ وتقدمت بسرعة أحاول معهم مساعدته حتي أتت سيارة الإسعاف‏,‏ ونقلته إلي المستشفي‏,‏ وهناك كنت معه وعندما آفاق ورآني ابتسم لي‏,‏ وبالرغم أنه كان


هناك الكثير من الزملاء والزميلات شعرت بأنه يكلمني أنا وحدي‏,‏ ويخرج الجميع من الحجرة‏..‏ أما أنا فيقول لي أرجوك انتظري حتي يعرفني ما سأفعله في العمل في فترة غيابه‏,‏ وبمجرد خروج الزملاء من الحجرة يمسك يدي ويقبلها عدة مرات‏,‏ ويقول لي إنني حاولت ألا أضايقك لكن كان ذلك علي حساب أعصابي‏,‏ وهذه هي النتيجة‏.‏


ولم استطع أن أقول له شيئا سوي أن أطلب منه الاهتمام بصحته‏,‏ وخرجت من الحجرة لا أعرف كيف أسير‏,‏ والآن هل يمكن لسيدة قاربت الخمسين‏,‏ ورجل في السن نفسها أن يمرا بهذه المشاعر أم هي العشرة الطويلة بيننا؟‏.‏



آلاف الأسئلة تدور داخلي لا أجد لها إجابة‏,‏ وعدت لبيتي وبدأت أتكلم مع زوجي وأطلب منه أن يراعي مشاعري‏,‏ وسألته لماذا لا تقول لي كلمة حلوة تسعدني‏,‏ فالكلمة الحلوة لن تكلفك شيئا‏,‏ ولماذا نتعامل كأزواج بدون أن تكون هناك مقدمات عاطفية‏,‏ وسألته ألا يسعدك أن تكون العلاقة الزوجية سبب سعادة لنا نحن الاثنين‏,‏ وكانت النتيجة كما سبق فلقد اتهمني بأنني السبب‏,‏ وانني زوجة خائبة‏,‏ وشعرت بأن ماء باردا سكب علي رأسي‏..‏ ولا فائدة‏.‏


المهم ظل زميلي في المستشفي عدة أيام كنت أذهب إليه لأطمئن عليه يوميا‏,‏ وعندما خرج من المستشفي ظل عدة أيام بالمنزل‏,‏ ولم أكن استطيع أن أذهب إليه حتي لا أضعف والآن فهو مازال في إجازة مرضية‏,‏ وقد يعود إلي العمل في أي وقت وحتي تتخيل الوضع فنحن في مكتبين متجاورين نقضي معا نصف اليوم ويستدعينا مديرنا في بعض الأعمال‏,‏ ويعرف أننا عندما نعمل معا يصبح العمل علي أعلي مستوي‏,‏ ونحقق أفضل النتائج دائما‏,‏ فماذا أفعل عند عودته إنني أكتب لك مشكلتي لكي يقرأها كل زوج يظن أن نجاحه في الزواج‏,‏ وإثبات رجولته هو أن تطيع زوجته أوامره فقط وتنفذها وأن يراجع كل زوج نفسه‏,‏ ويسألها هل أراعي مشاعر زوجتي‏,‏ وأقول لها كلمة حلوة؟‏,‏ وهل زوجتي تشعر بحبي؟‏,‏ أم أن حياتي معها مجرد عشرة خالية من المشاعر‏,‏ وأنا علي ثقة من أن زوجي لن يشك لحظة في أن هذه الرسالة رسالتي فهو مغرور‏,‏ ويظن أنني لا أجرؤ علي فعل أي شئ ضد إرادته‏,‏ كما تعود‏,‏ لكن صدقني أن ضميري هو الذي يمنعني من الخطأ‏,‏ وأنا أقاوم هذه المشاعر بكل قوتي خوفا من غضب الله الذي أنا حريصة علي رضاه‏,‏ كما أني أخاطب كل فتاة مقبلة علي الزواج أن تعرف جيدا وتتعلم كيف تعيش حياة زوجية ناجحة‏,


‏ فهذا ليس ضد الأدب‏,‏ وألا تدفن رأسها في الرمال ظنا منها أن الكلام في هذه الموضوعات عيب سوف يسقطها من عين زوجها‏.‏


وأقول لها إن هذه الموضوعات في احتياج لكل من الرجل والمرأة‏,‏ ويجب أن يشبع‏,‏ وألا ستجد نفسها داخل قفص بابه الوحيد يؤدي إلي النار‏,‏ كما أشعر أنا الآن‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


مع أنك لست مؤهلة لنصح أحد بعد أن خطوت بالفعل بضع خطوات علي الطريق المنحدر الا أنني أنشر رسالتك عسي أن يستفيد بها البعض وأقول لك إن كل ما ذكرت عن زوجك لا يبرر لك التساهل مع زميلك في العمل أو التفريط معه فيما ينبغي للزوجة المحصنة ألا تفرط فيه‏,‏ وأشير هنا خاصة إلي ما حذفته من رسالتك المؤسفة هذه‏.‏ فلقد يكون زوجك مقصرا في الاهتمام باللفتات العاطفية في علاقته بك‏..‏ وقد يكون تقديره خاطئا في عدم الاهتمام بالمشاعر والكلمة الرقيقة والتجاوب العاطفي مع زوجته‏..‏ لكن الفضليات يا سيدتي لا يحللن المشكلة بالتورط في علاقات غرامية مع زملاء العمل ولا بالتساهل معهم‏,‏ بحيث يسمحن لهم بلمسهن والتعبير لهن عن لواعج أشواقهم‏,‏ وإنما يحاولن بعث الدفء في حياتهن الزوجية ويغرين أزواجهن بالتجاوب معهن والاهتمام بمشاعرهن‏,‏ فإن نجحن في ذلك كان بها‏,‏ وإن عجزن سلمن أمورهن لخالقهن ورضين بحياتهن كما هي وقبلن بنواقصها دون أن يتطلعن إلي أي تعويض خارج المؤسسة الزوجية‏,‏ فإذا كنت حقا تقاومين الخطأ كما تقولين‏..‏ فإن أول خطوة جدية علي هذا الطريق هي أن تطلبي نقلك من هذا المكتب الذي يجمع بينك وبين زميلك وأن تكفي عن زيارته والاتصال به‏..‏ وتتفرغي بكل مشاعرك واهتمامك لزوجك وأبنائك‏.‏


وتذكري دائما أن الطريق المنحدر الذي بدأت السير فيه‏,‏ تزداد منحدراته خطورة كلما تسارعت خطواتك عليه‏,‏ وانك كلما سرت علي دربه تراجعت فرص نجاتك من الهاوية التي ينتهي إليها‏,‏ وتعذرت عودتك إلي الطريق القويم‏..‏ فتوقفي الآن‏..‏ وراجعي نفسك فيما فعلت وفرطت‏,‏ كما تطالبين الأزواج بأن يراجعوا أنفسهم في علاقاتهم بزوجاتهم‏..‏ وتطهري من إثم هذه العلاقة قبل أن تفسد عليك روحك واحترامك لنفسك وتدمر حياتك وتصمك بما لا ترضاه السيدة الفاضلة لنفسها‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 06:04 PM
  #30
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


دائرة الاختيار‏!‏


بـريــد الأهــرام
42844
‏السنة 128-العدد
2004
مارس
26
‏5 من صفر 1425 هـ
الجمعة




ترددت كثيرا في الكتابة اليك لكني في النهاية توكلت علي الله العلي القدير‏,‏ وقررت ان ابث اليك شكواي التي أرجو من الله ان اجد لديك المشورة والنصح فيها‏...‏ فأنا سيدة متزوجة منذ مايقرب من ثلاثين عاما واشغل انا وزوجي مناصب رفيعة المستوي في الدولة‏,‏ وقد بدأت مشكلتي حينما رزقت بابنتي بعد ولادة عسرة واتضح ان الولادة اثرت بدرجة طفيفة علي مستوي ذكائها‏..‏ وبعد استشارة الأطباء ذكروا ان الولادة اثرت علي درجة الذكاء بدرجة طفيفة ولكن بالجهد والمثابرة سوف تجتاز هذه المرحلة‏..‏ والحمد الله فقد تعاونت انا وزوجي علي مساعدتها في التعليم وأدخلناها أفضل مدارس اللغات‏,‏ واستطاعت بحمد الله ان تحصل علي الثانوية العامة بدون ان ترسب في اي عام من الاعوام والتحقت بالجامعة وانهت دراستها ووفقها الله في العمل بإحدي هيئات الدولة المميزة‏,‏ والي هنا ليست هناك مشكلة وانما بدأت المشكلة منذ بلوغ ابنتي سن الزواج‏,‏ فنظرا لمستوي عائلتي تقدم لخطبتها العديد من الشباب لكني ترددت كثيرا في قبولهم حيث إن ابنتي لايشعر احد انها أقل قليلا من أقرانها الا بعد معاشرتها لفترة طويلة ولذلك خشيت عليها من الارتباط ثم يحدث الانفصال لاقدر الله‏..‏ ولااستطيع ان اذكر لاحد حالتها لانه لايشعر بها احد إلا بعد فترة‏,‏ وكذلك لكيلا أجرح مشاعرها‏,‏ ووالدها يري ان نقبل الشخص المناسب لها وأنا اري انه من الأفضل ان نقبل شخصا له نفس مواصفاتها ومستواها التعليمي والثقافي والاجتماعي والاسري‏,‏ ولكن ما باليد حيلة فكيف يحدث هذا؟ إن ابنتي علي درجة عالية من الثقافة وتتعامل مع التقنيات‏,‏ الحديثة من حاسب آلي وموبايل بسهولة ويسر ويمكن الاعتماد عليها في إدارة البيت فهل أنتظر حتي يجيء الشخص الموافق لها ولا أعلم متي يجئ؟ ام اوافق علي ارتباطها بشخص عادي في الظروف العادية كما يري والدها؟ إني حائرة ولا اعرف ماذا أفعل والأيام تمر سراعا واريد ان أطمئن عليها واري الفرحة في وجهها فماذا افعل ؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول


إذا اخذنا بالحلول النظرية فإن الأفضل لابنتك هو ان ترتبط بمن تتوافق ظروفه مع ظروفها‏,‏ وليس من المحتمل ان ينكر عليها ذات يوم هذا الفارق الطفيف الذي يميزها عن قريناتها‏,‏ لكن المشكلة هي كيف يمكن العثور علي مثل هذا الشاب المنشود الذي يتكافأ معها عائليا واجتماعيا وثقافيا‏..‏ ويختلف اختلافا طفيفا عن اقرانه في مستوي الذكاء؟ والي متي يطول انتظاره؟


لهذا فلقد يكون من الأوفق ألا تحصري دائرة الاختيار في هذه الفئة التي تتوافق ظروفها مع ظروف ابنتك‏,‏ وان تتسع الدائرة قليلا وتقبلوا بشئ من المخاطرة المحسوبة‏,‏ عسي ان يوفق الله ابنتكم الي شريك حياة متفهم ويقدر بقية مزاياها الأخري‏,‏ وهي لاشك عديدة‏,‏ كما ان اجتياز ابنتك لكل مراحل الدراسة بمدارس اللغات ثم الجامعة واستقرارها في عملها بهيئة مميزة من هيئات الدولة ـ كما تقولين ـ يؤكد أن الأثر الذي تركته الولادة العسرة علي مستوي ذكائها كان طفيفا بالفعل‏..‏ وفي كل الأحوال فإن من ترتبط به لابد ان يعرف كل ظروفها ويقبل بها‏..‏ لتكون احتمالات النجاح والسعادة هي الأغلب والأعم باذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:23 PM