إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 08-25-2011, 07:46 PM
  #71
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


المشروع الجليل


بـريــد الأهــرام
42949
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
9
‏21 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




حلمت كثيرا منذ أن كنت في سن المراهقة بحلم أشكر الله علي أن مكنني بفضله من أن أخطو فيه خطواتي الأولي منذ فترة وجيزة‏.‏


فلقد كنت أحلم بأن أكون قادرة ذات يوم علي مساعدة الشباب غير القادر علي الزواج ومد يد العون لهم‏,‏ لما ألاحظه من قلة الموارد وضعف المرتبات للخريجين من الشبان‏,‏ فكنت أحلم بالفرحة التي سأراها علي وجوههم وهم يتسلمون منا أثاثهم قطعة قطعة وأدوات المطبخ والسجاد والنجف‏..‏ إلخ‏.‏



ولا أدري لماذا شغل هذا الحلم بالذات تفكيري ولكني أعتقد أنه من الأبواب غير المطروقة كثيرا بين أبواب المساعدات وزكاة المال‏.‏


ومرت السنوات وأصبحت بفضل الله‏,‏ امتلك مشروعا ييسر لي المساهمة في هذا المجال بقدر المستطاع‏.‏



وجاء برنامج صناع الحياةللأخ الكريم‏/‏ عمرو خالد ــ جزاه الله خيرا ليضع هذا الموضوع في إطار واضح المعالم‏,‏ فبدأت أسعي لنشر هذه الفكرة بكل جد ــ ولا أعقد علي نفسي وحدها‏,‏ وكان من نتائج هذا السعي أن تبرع أحد الفضلاء‏,‏ بشقة في عمارته الخاصة لإشهار جمعيتنا رسميا وتلقي الطلبات فيها‏,‏ ولتكون مقرا للجنة المسئولة عن دراسة الحالات والانفاق علي الحالات المستحقة للمساعدة‏.‏


كما وجدت أخوات فاضلات‏,‏ يفكرن بالأسلوب نفسه ساعدنني بكل السبل أعزهن الله ــ في مساعدة‏3‏ شبان جامعيين مقبلين علي الزواج‏..‏ ولا طاقة لهم بتكلفته المادية‏.‏



ووجدت فيهم الفئة التي كنت أتمني مساعدتها فعلا‏,‏ أي أنهم شباب جامعي ــ مستواهم الاجتماعي فوق المتوسط ومن أسر كريمة لكنه لاسند ماديا لهم في الحياة‏.‏


وتعرفت كذلك علي اثنين من تجار الموبيليا من أسرة واحدة ــ عرضا المساعدة ــ في البداية بغرف مجانية تماما من معارضهما‏,‏ ووجدتهما أولي الناس بالتعاون معهما في شراء الأثاث منهما مادامت لديهما هذه النزعة الطيبة ــ ووافقا علي المساهمة معنا بهامش ربح بسيط لهما‏.‏



كما وجدت أيضا من قام بدراسة وافية للموضوع‏,‏ وعكف عليها لتحديد التكلفة الفعلية لإعفاف شاب ــ مع إيجاد البدائل لمساعدة أكبر عدد ممكن بأجمل وأرق التجهيزات‏.‏ ووجدت دائرة معارفي في هذا الاتجاه تزداد يوما بعد يوم ووجدت الأيدي تتشابك بطريقة جميلة ومؤثرة أشعرتني ــ أن يد الله معنا ــ وأنه يرضي عن خروج هذه الفكرة للنور ويفتح لنا أبوابا لم تكن في الحسبان لأن هدفنا جميعا ابتغاء مرضاته تعالي وادخال الفرحة إلي قلوب غير القادرين وإعمار الأرض‏.‏


وأكتب إليك الآن لأن أملي في الله كبير في أن يتبني هذه الفكرة مجموعة من القادرين في كل بقعة من بقاع الأرض‏,‏ كما حدث في مشروع الملابس‏.‏



وطموحاتي أن يصل معدلنا إلي إعفاف شاب يوميا علي مدي السنوات العشر القادمة‏,‏ ولقد دعوت الله كثيرا أن أكون حجر الأساس في هذا المشروع الجميل وأشعر إنني بفضل الله أسير بخطوات ثابتة في هذا الاتجاه‏.‏ ومازلت أكرر ــ بعد مشورة الكثيرين من أهل الفقه ـ أن إعفاف شاب صالح أفضل من تكرار الحج والعمرة‏,‏ وهذه دعوة لتلقي طلبات الشبان الجامعيين الذين تجاوزوا سن السابعة والعشرين‏,‏ ولنبدأ بالقاهرة الكبري علي عنوان‏email:(تم حذف الإيميل لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى)‏ كما أرجو أن تساعدنا في إيجاد ص‏.‏ ب علي الأهرام لتلقي الطلبات‏,‏ حتي لايكون عنوان شركتي عملا من أعمال الدعاية لها‏.‏


وليرسل كل شاب يريد الاستفادة من هذا المشروع صورة البطاقة الشخصية وشهادة التخرج وصورة بطاقة العروس وطريقة الاتصال بهم‏,‏ وسوف تتم دراسة الحالات‏,‏ والاتصال بأكثرهم احتياجا ــ مع مراعاة أن حسن الخلق والالتزام الديني من أساسيات الاختيار‏,‏ والله الموفق‏...‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


أرجو الله لكم التوفيق في هذا العمل الجليل‏..‏ وأرجو ممن يرغبون في الاستفادة منه أن يعتبروا بريد الأهرام مؤقتا هو صندوق البريد الخاص بتلقي طلبات الشباب الراغبين في العفاف‏,‏ وأن يكتبوا بوضوح علي الخطاب الذي يرسلون فيه بياناتهم مشروع مساعدة الشباب علي الزواج‏,‏ ذلك أننا لن نفتح هذه الخطابات ولن نقوم بفرزها لكيلا تتضاعف الأعباء علي أسرة بريد الجمعة وبريد الأهرام‏,‏ وإنما سنقوم فقط بتجميع ما نتلقاه من خطابات لهذا الغرض وتسليمها لكاتبة هذه الرسالة علي عنوان شركتها‏,‏ وذلك حتي نهاية أغسطس المقبل‏,‏ آملا أن نكون قد وفقنا قبل هذا الموعد في إيجاد صندوق بريد خاص بهذا المشروع إن شاء الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:49 PM
  #72
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الأمان الحقيقي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا رجل في السابعة والخمسين من عمري كنت أعمل مديرا بإحدي شركات قطاع الأعمال ــ وقد نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وسبعة أبناء ترتيبي بينهم الثالث‏,‏ وكان أبي رجلا مكافحا وصل إلي منصب رئيس مجلس إدارة إحدي شركات القطاع العام المهمة‏,‏ وكرمته الدولة بعدد من الأوسمة‏,‏ وكان في تربيته لنا حازما يؤمن بأن العمل أولا ثم العواطف والمشاعر في المرتبة الثانية‏,‏ وكانت أمي نبعا من الحنان‏,‏ فنشأت علي عكس إخوتي رومانسيا أؤمن بالمشاعر الانسانية‏,‏ وتأتي العاطفة عندي في المرتبة الأولي ثم العمل الجاد الملتزم بحدود الله‏.‏



وقد بدأت قصتي حين جندت بالقوات المسلحة لمدة ست سنوات خلال حرب أكتوبر المجيدة وقبل خروجي بعام تقابلت مصادفة مع فتاة جميلة الخلقة والخلق ومنذ أول وهلة التقت فيها عيوننا أحسست أنها قدري وأنني قدرها‏,‏ وبالفعل أحب كل منا الآخر بكل نبضة من نبضات قلبه وكيانه‏,‏ وكان كل منا يقرأ أفكار الآخر وينطق بما يريد أن ينطق به الآخر دون سابق عشرة‏,‏ وتزوجتها وأنجبت منها ولدين وبنتا‏,‏ ومنذ عشر سنوات تقريبا أصيبت زوجتي الحبيبة بالمرض اللعين وبدأنا المشوار بالعلاج الجراحي وتم استئصال الثدي ثم بالعلاج الكيماوي الذي لم يجد‏,‏ حيث انتشر المرض للأسف بالمخ ثم الرئة اليسري‏,‏ فقمت بتسوية أوراقي والخروج للمعاش المبكر وتفرغت لخدمتها ورعايتها ولا أستطيع مهما قلت أن أصف لك مدي عذابها وآلامها ومدي عذابي معها‏,‏ فقد كنت أتمزق من داخلي من أجلها بالرغم من أنها كانت تحاول إخفاء آلامها عني وعن الأبناء‏,‏ ومنذ ثلاث سنوات ومع آذان فجر أحد أيام الجمعة في شهر أغسطس فاضت روحها الطاهرة بين يدي ورحل عن الحياة توءم روحي وعقلي ومهجة قلبي‏,‏ وتوقف الزمان وفقدت الأشياء معناها‏,‏ وحاولت أن أتماسك من أجل ابنتي التي بقيت معي بعد زواج أخويها واستقلالهما بحيات


هما حفاظا علي التوازن النفسي لها ولي‏,‏ وكانت ابنتي في نهاية العام قبل الأخير في إحدي كليات القمة فرحت أرعاها وأخدمها وأوفر لها الرعاية اللازمة لأعوضها عن فقد والدتها‏,‏ حتي تخرجت وتزوجت منذ عام‏.‏ وأنا الآن بعد أن تزوج الأبناء أعيش وحدي في وحدة قاتلة أجتر ذكرياتي بما فيها من سعادة وشقاء وأظل وحدي فترات طويلة لا أتكلم فيها مع أحد‏,‏ حتي ظننت أنني نسيت الكلام‏,‏ وأتذكر زوجتي الراحلة فأتكلم معها وأحاورها‏,‏ وأشكو حالي إلي الله وإليها‏,‏ وقد حاولت الخروج مما أنا فيه بقراء ة القرآن والقراءات الأخري في الأدب والفلسفة ثم أشار علي والدي أن أتزوج بانسانة تقدر ظروفي وتتناسب سنها مع سني لكي أخرج مما أنا فيه وتستمر الحياة كما تقول في ردودك علي بعض رسائل قرائك‏,‏ وحتي لا أصاب بالاكتئاب‏,‏ وخصوصا أن ظروفي أفضل من غيري‏,‏ حيث إنني أعيش في شقة تمليك مكونة من ثلاث حجرات وصالة وبها أثاث معقول وجميع الأجهزة الكهربائية الأساسية ولا تحتاج إلا لتجديد الحوائط‏,‏ كما أنني لن أكلف من أتزوجها مليما واحدا‏,‏ فاقتنعت بالزواج لكن الأبناء عارضوا فكرة أن أتزوج غير أمهم في البداية ثم وافقوا في النهاية علي المبدأ بعد أن قام الوالد وأعمامهم


وعماتهم باقناعهم‏,‏ وخصوصا أن كلا منهم منشغل بحياته الخاصة‏,‏ كما أني قد أديت رسالتي معهم وبدأت رحلة البحث عن انسانة تناسبني فتقدمت حتي الآن لثلاث آنسات تجاوزن الأربعين من العمر فلم أجد منهن مع الأسف إلا من تريد مؤخر صداق كبيرا مع تغيير الأثاث بأثاث جديد‏,‏ أو تطلب تأمين مستقبلها بكتابة شقتي التمليك باسمها حتي لاينازعها فيها أبنائي بعد وفاتي مع أن كلا منهم يعيش في شقة تمليك وليسوا في حاجة مادية لي ولا أنا في حاجة لهم وأنا معظم مواردي قد ذهبت في زواج الأبناء ومرض زوجتي رحمها الله وإنني لأ تساءل هل راح هذاالزمن الجميل الذي كنا نتعامل فيه بروح الدين‏,‏ وكان الزواج فيه مودة ورحمة وسكنا يسعد فيه كل طرف الآخر‏,‏ والمعاملة الحسنة قبل أن تكون تجارة ومادة؟ وهل اختفي من حياتنا ذلك النموذج من النساء الذي كان يهتم بالمشاعر والحياة الرومانسية الجميلة التي تضفي علي الحياة البهجة والسعادة قبل المادة التي أصبحت مسيطرة علي عقول وقلوب الناس‏.‏



إنني أرجو أن أقول لكل امرأة من هذا الصنف من النساء الذي يطلب الأمان المادي وحده‏,‏ أنه لايدوم في أغلب الأحيان‏,‏ ان الأمان الحقيقي هو في قدرة الرجل الذي سترتبط به علي الوفاء لها ومعاملتها معاملة حسنة يسودها الحب والرحمة والمودة‏,‏ وليس في أي شئ آخر‏,‏ وانهن إذا تمسكن بهذا المنطق المادي فلا يحق لهن أن يشكين بعد ذلك من العنوسة‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


الحكمة الروسية القديمة تقول‏:‏ من يريد الحصول علي أشبال الأسد عليه أن يكون قادرا علي دخول العرين‏!‏



أي أن يتكبد المخاطرة من أجل تحقيق هدفه‏..‏ وكذلك الزواج فإنه لاتكفي الرغبة الصادقة فيه ولا النيات الطيبة لكي يتحقق‏..‏ وإنما لابد أيضا من تكبد تبعاته والاستعداد لمواجهتها‏..‏ وإذا كنت لا أتفق مع من طلبت منك تسجيل شقتك باسمها كشرط للزواج وأري في ذلك ابتزازا لايليق بالفضليات‏,‏ فإني لا أري شططا في أن تطلب الأخري تجديد الأثاث استعدادا للزواج أو أن تطلب ثالثة مؤخر صداق كبير نسبيا إذا كان في حدود الأعراف السائدة الآن‏..‏



فلقد اخترت أن تبحث لنفسك عن زوجة بين الآنسات اللاتي لم يسبق لهن الزواج‏..‏ وهؤلاء حتي ولو كن علي مشارف الأربعين أو تجاوزنها يرين أنفسهن أغلي مهورا ممن سبق لهن الزواج والطلاق أو من ترملن عن أزواجهن‏..‏ لأنهن في النهاية أبكار حتي ولو تأخر عنهن قطار الزواج‏.‏ ولست أدري لماذا استبعدت في بحثك عن شريكة للحياة تؤنس وحدتك بعد رحيل زوجتك‏,‏ الأرامل والمطلقات‏,‏ وهن أكثر تقبلا لظروفك وأكثر واقعية من الآنسات‏..‏ وأقل قلقا بشأن المستقبل بحكم تجاربهن السابقة‏.‏



والحق أنني أؤيدك في استنكارك لمغالاة بعض الآنسات في اهتمامهن الزائد بالأمان المادي في شروط الزواج علي حساب بقية الاعتبارات الأخري وأهمها الأمان الأخلاقي الذي تأمن به المرأة علي نفسها مع من تشاركه الحياة وتضمن معه حسن العشرة والمودة‏,‏ لكني أقول لك إن الحياة لا تخلو أبدا ممن يضعن هذه الاعتبارات الأخلاقية والدينية في مقدمة شروطهن للزواج حتي ولو بدا لنا غير ذلك بسبب سيادة الاعتبارات المادية لدي البعض‏..‏



فواصل البحث ياسيدي ولسوف تلتقي بمن تطلب مثلك العشرة الطيبة وحسن المعاملة والأمان النفسي والخلقي قبل أي شئ آخر‏,‏ وعلي أن تكون مستعدا في نفس الوقت لتكبد بعض الأعباء المادية المحتملة كضريبة لامفر منها للحصول علي أشبال الأسد‏!
__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:50 PM
  #73
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الشاة الشاردة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




هذه هي رسالتي الثالثة إليك خلال شهر واحد‏..‏ وأرجو أن تلقي اهتمامك لأنني في أشد الحاجة إلي عونك لي‏,‏ فأنا رجل متوسط العمر متزوج ولي من زوجتي الحالية ولد عمره‏10‏ سنوات وبنت عمرها‏8‏ سنوات‏,‏ وقد سبق لي الزواج والانفصال عن زوجتي الأولي ولي منها ولد عمره‏13‏ عاما وبنت عمرها‏12‏ عاما يعيشان مع مطلقتي بشقة الزوجية‏,‏ وأنفق عليهما وأراهما مرة كل‏15‏ يوما‏.‏



والمشكلة هي أن والدتهما سيئة السلوك‏,‏ ولهذا فقد قررت ضمهما إلي حضانتي غير أن زوجتي الحالية ترفض ذلك بالرغم من أنها كانت متزوجة قبلي ولها من زوجها السابق ثلاثة أبناء هم بنت في الثانية والعشرين من عمرها وولد عمره‏17‏ عاما وبنت عمرها‏16‏ سنة وهم يعيشون معنا‏..‏ ونحن جميعا نقيم في شقة تملكها زوجتي وأدفع لها فيها ايجارا شهريا قدره‏500‏ جنيه‏..‏ وزوجتي تبرر رفضها لضم ابني وابنتي من زوجتي السابقة بأن الشقة ضيقة وبأن مسئوليتها كبيرة إذ ترعي خمسة أبناء ولا تحتمل أية أعباء اضافية‏,‏ بعد عناء شديد معها قبلت بفكرة ضم ابنتي إلينا‏..‏ لكنها أصرت علي رفض ابني بدعوي أنه سييء السلوك وأنه منذ عدة سنوات قد أساء التصرف مع أخيه وأخته الصغيرين‏..‏ وهذا قد حدث بالفعل‏,‏ لكني استطعت تقويم ابني هذا والحمد لله وأصبح يصلي بانتظام هو وأخته غير أن زوجتي لاتنسي له هذا السلوك أبدا وتذكرني دائما به‏..‏ مع أنه في النهاية طفل ويحتاج إلي من يغرس فيه القيم الأخلاقية حيث لم يجد ذلك لدي والدته‏,‏ لقد اقترحت علي زوجتي احضار ابنتي لتقيم معنا‏,‏ وارسال ابني إلي عمه لكي يقيم معه لأن لديه ولدا في مثل سنه‏,‏ وأخي هذا يعيش مع والدته المسنة في محافظة مجاورة‏,‏ وأنا أرفض هذه الفكرة بشدة لأني أكره أن أفرق بين أخ وأخته حيث لن يغفرا لي ذلك أبدا‏,‏ كما اني لا أتقبل فكرة أن أرسل ابني إلي أخي ليربيه نيابة عني وأنا حي أرزق ولذلك فانني أتوسل إليك أن تمد لي يد العون وتنصح زوجتي بأن تقبل ضم ابني وابنتي إلينا لأنها من قرائك‏,‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


رعاية خمسة أبناء مسئولية ثقيلة بالفعل وتبرر لمن يتكبدها ألا يتحمس لأية أعباء جديدة توضع فوق كاهله الذي ينوء بما يحمله‏..‏ غير أنني بالرغم من ذلك لا أري مفرا من أن أناشد زوجتك أن تترفق بهذا الابن الحائر وتسقط تحفظاتها عليه‏..‏ وتقبل انضمامه إلي أسرتها لكي تنقذه من الضياع‏..‏ ولكيلا تفرق بينه وبين أخته التي قبلت ـ فضلا منها وكرما ـ أن تنضم لأسرتها‏.‏



نعم أنه عبء جديد يضاف لأعبائها الثقال‏..‏ لكنه في نفس الوقت فضل تضيفه زوجتك إلي عطائها لك ولأبنائها‏,‏ وتسهم به في حماية هذا الابن من الانحراف وتنقذه من مكابدة الحرمان من أخته‏..‏ ومن تجرع الاحساس المرير بالنبذ والرفض من جانب أقرب الناس إليه‏.‏



لقد ذكرت الكاتبة الانجليزية الشهيرة اجاثا كريستي في مذكراتها‏,‏ أن أمها قد ثقلت عليها مؤونة أبنائها بعد وفاة زوجها فقبلت طلب أخت لها متزوجة من أمريكي ثري ولم تنجب وتقيم في مدينة بعيدة‏,‏ أن ترسل إليها احدي بناتها لتنشأ في كنفها‏,‏ وأرسلت إليها بالفعل ابنتها الكبري لكي تتخفف من بعض أعبائها المادية‏,‏ وبالرغم من أن هذه الابنة قد نعمت بمستوي من رغد العيش لم يتح لإخوتها والتحقت بأفضل المدارس وارتدت أجمل الثياب وحظيت بعطف أبوين أفرغا فيها حنينهما إلي الأبوة والأمومة‏,‏ فإنها لم تغفر لأمها قط أنها قد أبعدتها عنها وحرمتها من النشأة بين أخوتها وفسرت ذلك بعقل الطفلة حينذاك بأن أمها كانت أقل حبا لها من اخوتها‏,‏ ولم تخل نفسها من المرارة تجاه أمها لهذا السبب حتي بعد أن كبرت وتزوجت وأنجبت وحتي نهاية العمر‏!‏



لهذا فاني أؤيدك بشدة في رفضك لابعاد ابنك عنك وحرمانه من أخته وارساله إلي عمه لكي ينشأ في كنفه وأنت علي قيد الحياة‏,‏ وأثق في أنه لن يفسر ذلك إلا بأنك أقل حبا له من أخته التي ضممتها لأسرتك‏,‏ ولن تخلو نفسه من المرارة تجاهك وتجاه الحياة مهما لقي من رعاية في بيت عمه‏..‏ ولربما أدي ذلك إلي تعرضه للانحراف ليس فقط لبعده عن رقابتك‏..‏ وإنما أيضا لترسب المرارة في نفسه تجاه من باعدوه وحرموه من أخته ومن أبيه‏.‏



أنني أناشد قلب الأم في زوجتك أن يتسع أيضا لهذا الابن الحائر كما يتسع الآن لأبنائها الخمسة وسوف يتسع لابنتك من زوجتك السابقة‏,‏ فهذا الابن في حاجة بالفعل إلي المزيد من اهتمام أبيه وعطف زوجته وحزمها في التربية‏,‏ وحتي لو كان سييء السلوك في بعض الفترات السابقة‏,‏ فإن هذا أدعي لأن تعينك زوجتك علي تقويمه ورعايته لكيلا يرجع إلي سلوكه السابق وينجرف لما هو أسوأ منه‏,‏ أو قديما قال السيد المسيح عليه السلام‏:‏ إذا كان لرجل مائة شاة وضلت احداها ألا يترك التسع والتسعين فوق الجبل لكي يبحث عن هذه الشاة الضالة؟ وهذه الشاة إذا وجدها ألا تبعث في نفسه فرحا أعظم مما تبعثه التسع والتسعون الأخري؟



أنني أترك لفطنة زوجتك أن تتفهم مغزي هذه الكلمات الحكيمة‏..‏ وأن تعمل بما يمليه عليها قلبها كأم‏..‏ وضميرها الأخلاقي كزوجة صادقة الرغبة في اعانة زوجها علي أمره إن شاء الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:51 PM
  #74
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


البيت المهجور


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




قرأت رسالة النداء الحكيم للقارئة الفاضلة التي تنصح الزوجات بأن يعاملن حمواتهن كأمهات لهن ويتذكرن أنه لولا هؤلاء الحموات اللاتي أنجبن أزواجهن لما نعمن بالحياة الزوجية‏,‏ ولربما كن قد عشن وحيدات طيلة العمر‏..,‏ وأنا أتفق معها في أن هناك من الحموات من هن أمهات فضليات بالفعل لزوجات أبنائهن‏..‏ ومنهن من ينصفن زوجات أبنائهن منهم إذا ظلموهن‏,‏ لكن هناك بالضرورة من هن غير ذلك‏,‏ وأنا زوجة منذ خمسة عشر عاما لزوج عطوف وحنون‏,‏ وقد عشنا معا حياة سعيدة هادئة يظللها الحب والتفاهم ولا يتخللها سوي بعض الخلافات العادية التي قد تنشأ بين أي زوجين‏,‏ ثم سرعان ما كنا نتصافي ويتغلب حبنا علي كل شيء‏..,‏ وهكذا مضت حياتنا جميلة وسعيدة ولا يكدر صفوها شيء إلي أن جاءت حماتي للاقامة في شقة مستقلة بنفس المنزل الذي نقيم فيه‏..‏ فكان ذلك حدا فاصلا بين السعادة والشقاء في حياتنا‏,‏إذ لم نهنأ أنا وزوجي منذ ذلك الحين بلحظة سعادة أو راحة بال واحدة فهي سليطة اللسان وحقود وكارهة لنفسها ولابنها أي لزوجي‏,‏ وتري كل الناس مخطئين وتملأهم العيوب ما عداها هي وحدها من بين كل البشر‏,‏ كما أنها تدعي المرض بصفة يومية لكي أقوم بخدمتها‏,‏ وأنا الزوجة والأم ا


لمثقلة بأعباء البيت ومن أبنائي من هو صغير ويحتاج للرعاية‏,‏ ومريض ويتطلب الخدمة‏,‏ ولابد لي أن أترك كل شيء وأكون رهن اشارتها‏..‏ ولابد لي أن أجلس إليها والجلوس إليها في حد ذاته مشقة لأنها لا تكف عن افتعال المشاكل أو الولولة علي ما فاتها أو علي سوء حظها‏..‏ أو علي حياتها التي شهدت ظلم كل من حولها وسوء معاملتهم لها‏,‏ كما لا تكف عن انتقاص كل من يرد ذكره علي لسانها‏..‏ وتعداد معايبه وسوءاته طوال الوقت‏.‏



ولقد حاولت معها الكثير فمرة أخفض لها جناح الذل من الرحمة كما قالت كاتبة رسالة النداء الحكيم‏.‏ ومرة أحاول أن أكون ابنتها وصديقتها ولافائدة‏.‏


أما الغريب حقا فهو علاقتها بابنها أي زوجي‏,‏ فهما ليسا علي وفاق في أي شيء‏.‏



وطباعهما متنافرة وتفكيرهما كذلك‏,‏ وهي ليست حنونا معه ولا هو كذلك نظرا لطباعها الصعبة وتباعدهما معظم رحلة الحياة‏.‏


وهي غنية وتعطيه من مالها لكنها تمن عليه دائما أمام أولاده وأمامي وأمام معارفنا إن أمكن‏,‏ ولا تتقي الله فيه ولا تكف عن افتعال المشاكل معه وتجريح كرامته وإهانته أمام أي إنسان حتي أولاده‏,‏ وهو الرجل الذي شارف الأربعين من العمر‏,‏ أما زوجي فإنه يرعي حدود ربه فيها بقدر ما يستطيع لكي يضع له الله ذلك في ميزان حسناته إن شاء الله‏,‏ وأما أنا فقد أهملت أولادي ووهنت صحتي من أثر محاولاتي للتوفيق بينهما‏.‏ واضطراري للتعامل معها والاحتكاك بها أكثر الوقت‏.‏



وأنا أقول لزوجي دائما إنها أمه وعليه ألا يغضبها مهما حدث منها وأذهب إليها وأتودد لها‏,‏ وأحاول تحريك مشاعرها وقلبها علي ابنها واضطر لأن أسمع أسوأ الكلام وأتحمل جفاء طباعها أملا في رضاء ربي فقط لا غير‏..‏ وكل ذلك بلا طائل فلقد أصبحت حياتنا جحيما لأنها كالبركان لا يسلم من أذاه كل من يقترب منه‏.‏


ولقد أصبح زوجي الحنون مكتئبا وحزينا علي الدوام‏,‏ ولا يدري كيف يرضيها أو يتجنب اهانتها له‏.‏ وقد اختار أن ينتقل في عمله إلي موقع بعيد عنا يبقي فيه معظم الشهر ويرجع إلينا أياما قليلة تجنبا للمشاكل مع والدته ولم نعد نري زوجي الحبيب كما كان أنا وأولادي فهل هذا عدل‏.‏



إنني مضطرة للتعامل معها طلبا لرضاء الله سبحانه وتعالي قبل كل شيء ولأن كل من حولها قد انفضوا عنها بسبب لسانها ومعاملتها السيئة للناس‏,..‏ وأتجرع وحدي حديثها بالسوء عن الناس جميعا بلا استثناء‏,‏ ولست أجاريها في حديثها بالسوء عنهم لكني أخشي بالرغم من ذلك أن أكون مذنبة بسماعي منها هذا الكلام السييء‏,‏ ولا أريد أن أغضب الله سبحانه وتعالي‏,‏ ولا أريد في نفس الوقت أن أخسر حياتي وما كان فيها من راحة بال وهدوء نفس وطمأنينة‏,‏ فهل هذا كثير؟‏..‏ أنني أريد منك أن تقول لزوجي الحبيب كلمة تهديء فيها من نفسه وتعينه علي حاله وتنصحه حتي يهدأ باله‏,‏ ونستطيع أن نلملم شتات أسرتنا من جديد‏.‏ كما أريد أن أستوضح منك هل أقترف الذنوب بسماعي لما تقوله حماتي طوال الوقت عن الناس وعدم اعتراضي عليه‏..‏ ذلك أنني أسمع صامتة وأخشي مراجعتها فيما تقول لكيلا تنقلب علي وتعاديني بشدة فهل أرتكب إثما بذلك؟ علما بأن كل الأهل والأصدقاء قد توقفوا عن زيارتنا بسبب سوء معاملة هذه السيدة لهم حتي أصبح بيتنا مهجورا تماما‏.‏



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


كان الامام الشافعي يقول لأصحابه‏:‏ نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا أي الفحش كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل‏,‏ وأن السفيه لينظر إلي أخبث شيء في إنائه ويحرص علي أن يفرغه في أوعيتكم‏!‏



والأصل هو أن ينزه الإنسان سمعه عن مثل ذلك وأن ينكره علي قائله ويتجنب صحبة من عرف عنهم أنهم لا يذكرون أحد إلا بسوء لكيلا يصيبه رذاذ من إثم فحشه واغتيابه للآخرين‏,‏ غير أن تعقيدات الحياة وما تقتضيه أحيانا من اعتبارات المواءمة الاجتماعية تفرض علينا ألا نشتبك علي الدوام مع كل من يذكرون الغير بسوء ولقد تضطرنا الظروف أحيانا إلي الاكتفاء بالإنكار بالقلب والتزام الصمت المتحفظ حتي يستشعر القائل حرجنا مما يقول ويكف عنه‏..‏ ولقد نغادره إذا واصل حديث السوء لنحرمه من أن يصب أخبث ما في انائه في أوعيتنا وفي مثل ظروفك هذه فإنك لا تملكين حيال والدة زوجك إلا التزام الصمت وعدم مشاركتها في الاساءة للغير‏..‏ ومحاولة تغيير مجري الحديث كلما أوغلت في اجتراح الكرامات‏..‏ لأن اعتبارات المواءمة العائلية تفرض عليك ألا تجابهيها بالانكار العلني وألا تقاطعيها مراعاة لشيخوختها‏..‏ ووحدتها‏..‏ ونفور الجميع منها‏.‏ ولا إثم عليك إن شاء الله في ذلك لأنك ترعينها وتصبرين علي ما يصدر عنها ولا تجارينها فيما تقول‏,‏ ولا تشجعينها علي مواصلته وهذا ما أنصح به زوجك‏..‏ وهو أن يراعي شيخوختها ويتحمل أذاها ويعتصم بالصبر ازاءها معتبرا صبره عليها قربي إلي ال


له سبحانه وتعالي واحسانا إلي والدته يرجو به وجه ربه قبل أي شيء آخر‏,‏ ولابد أن يؤدي ذلك إذا التزم به إلي تجنب الكثير من أسباب الاصطدام بها‏..‏ وإلي تضييق مساحات الخلاف معها بقدر الامكان‏.‏



وفي النهاية فإننا لا نملك استبدال آبائنا أو أمهاتنا بمن هم أكثر توافقا معنا أو مع طباعنا ورؤانا للحياة‏,‏ كما لا نملك كذلك القدرة علي تغيير سلوكهم أو طباعهم أو شخصياتهم‏..‏ وإنما علينا أن نقبلهم كما هم عليه وأن نتواءم معهم بقدر الامكان ونتجنب كل ما يؤدي إلي الشقاق معهم أو اغضابهم أو يثير نقمتهم علينا حتي ولو آذونا بالقول أو الفعل‏..‏ وفي أبنائكم الذين يرونكم تشربون علي القذي لكيلا تقصروا في حقوق آبائكم وأمهاتكم‏..‏ خير الجزاء بإذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:52 PM
  #75
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الرأي النهائي‏!‏


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة




أنا مواطن عربي وأكتب لك من بلدي لاستشيرك‏,‏ ذلك أن لي ابنا في سن العشرين وفي بداية دراسته أدخلته مدرسة أجنبية أملا له في تعليم أفضل ومستقبل أحسن‏,‏ ولأن هذه المدرسة تتبع النظام الأجنبي فهي تسمح بالاختلاط بين الطلبة والطالبات‏.‏ وفي سن الخامسة عشرة لاحظت علي ابني تعلقه بإحدي زميلاته التي لانعرف أصلها وما إذا كانت عربية أم فارسية‏,‏ كما أنها شديدة التحرر وعاداتها تختلف عن عاداتنا كعائلة ذات أصل عريق‏,‏ فنصحناه بعدم الاستمرار في توطيد علاقته بها فكانت ردة فعله دائما هي إقناعنا بأن علاقته بها مجرد علاقة زمالة‏,‏ وفي نفس الوقت نسمع أنه يقول لزملائه إنه يحبها ويريد الارتباط بها‏,‏ وعندما أطرح معه هذا الموضوع لا يستمع إلي ويبقي شارد الذهن غير عابئ بما أوجهه له من نصائح‏,‏ وقد بدأ أيضا عادة التدخين وأصبح يدخن‏3‏ علب سجائر في اليوم وعندما أشير إلي علاقته بها يكون عصبيا ويرتجف من العصبية‏,‏ كما أنه يقاطع كل أصدقائه الذين تحدثوا معه عن هذا الموضوع‏,‏ أو لأنهم نصحوه بالابتعاد عنها‏.‏



وأنا ووالدته حائران معه‏,‏ وخائفان من كثرة الضغط عليه للابتعاد عنها‏,‏ فلقد بدأ بالتدخين وقد يلجأ إلي ماهو أسوأ كالشرب‏,‏ أو المخدرات‏,‏ والعياذ بالله‏..‏ وابني يدرس الآن في إحدي الجامعات الأوروبية‏,‏ أما هذه الفتاة فتدرس في إحدي دول الخليج ولكن مازال الاتصال بينهما مستمرا‏,‏ فهو يتصل بها في كل الأوقات ويستشيرها في كل أموره‏.‏ وأنا ووالدته نلوم أنفسنا كثيرا لسبب اختيارنا له هذا المسار من التعليم‏,‏ ولقد وضعنا علي هذا الابن الكثير من الآمال فلقد كان حلمي أن يشب هذا الابن ليكون رجلا بارا بأسرته حريصا علي أمورها مراعيا لحقوق أخوته وأخواته‏,‏ وفي بعض اللحظات أحس إنه مسحور من جانب هذه الفتاة‏,‏ فلقد كره حتي الجلوس مع والدته وأخوته‏,‏ ويفضل أن يظل بالخارج طول اليوم رغبة في الابتعاد عن المنزل كما يحب العزلة في حجرته‏.‏



ولقد كتبت لك هذه الرسالة وكلي رجاء في أن تنظر إليها كمشكلة إنسانية يمر بها الكثيرون من شبابنا اليوم‏,‏ وسؤالي هو هل نحن ملومان لما وصل إليه حال ابننا‏,‏ حيث أنه قد جاء إلي دنيانا بعد أربع بنات ؟وهل الاهتمام الزائد بكل صغيرة وكبيرة في حياته‏,‏ والتدليل الزائد كان سببا في تصرفاته وسلوكه‏,‏ إنه كلما ضغطنا عليه يقول لنا إنه لن يتزوج طوال حياته‏,‏ وسوف يهاجر إلي بلد آخر‏..‏ فماذا نفعل معه؟‏!‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


حاول أنت وزوجتك أن تشعرا ابنكما أن فكرة ارتباطه بهذه الفتاة قابلة للمناقشة‏,‏ غير أنها تتطلب وقتا كافيا لدراستها والتحري عن أسرة فتاته وبحث ظروفها‏,‏ وكل ذلك قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تتوصلا إلي رأيكما النهائي في الموضوع‏..‏ كما أن هناك أهدافا أخري أولي بالرعاية الآن وهي دراسته وضرورة توفيقه فيها وحصوله علي شهادته قبل اتخاذ أية خطوة علي طريق الارتباط‏,‏ وله الخيار بعد ذلك أن يتمسك باختياره لهذه الفتاة‏..‏ أو يعدل عنه وفقا لظروفه وتطور قصته معها حينذاك‏,‏ ذلك أن تغير موقفكما من الرفض القاطع لارتباطه بهذه الفتاة‏,‏ إلي التفكير في الأمر كقضية قابلة للمناقشة سوف يمد الجسور من جديد بينكما وبينه ويبعث الحرارة في تواصله معكما‏..‏ كما أنه سوف يخفف بعض الشئ من فورانه العاطفي تجاه فتاته‏..‏ لأن رفض الأبوين القاطع لاختيار الابن يؤجج عواطفه تجاه من اختارها‏..‏ ويضفي علي قصته معها ظلالا رومانسية شبيهة بالمآسي الغرامية في القصص القديمة حيث يحب الفتي الفتاة ويتحدان معا في مواجهة أقدار أقوي منهما تحاول التفريق عبثا بينهما‏!‏



أما بحث الأمر معه كشأن قابل ذات يوم للتنفيذ فإنه يجرد قصته معها من هذه الهالة الرومانسية‏..‏ ويتيح للفتي أن يري فتاته بشرا كالبشر لها ميزاتها ولها ايضا عيوبها‏..‏ ولقد يكشف له الاحتكاك بها بعد نزع الهالة الرومانسية عنها بعض مالايستريح إليه فيها أو في ظروفها أو في علاقته بها‏..‏ والمهم هو أن نتيح له فرصة هذا التفكير الموضوعي في الأمر‏,‏ وهو ما لم يتح له من قبل خلال انشغاله بالدفاع عن حبه في مواجهة رفض أبويه لاختياره‏.‏



كما أن دراسته في مجتمع آخر سوف تكسبه خبرة وتجربة وعمقا مما سيكون له بالضرورة أثره في نضج شخصيته واتزان تفكيره باذن الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:52 PM
  #76
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42956
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
‏28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة


أصدقاء علي الورق


إلي السيدة صاحبة رسالة‏(‏ المقامة الزوجية‏)..‏ أول ما تبادر إلي ذهني بمجرد أن قرأت رسالتك‏,‏ ما قرأته يوماعن أن سيدنا داود عليه السلام قال لربه وهو يناجيه‏(‏ يارب كيف أشكرك وشكرك نعمة تستحق الشكر؟‏!)‏ فقال له سبحانه وتعالي‏(‏ الآن شكرتني يا داود‏).‏ ثم قرأت رد صاحب‏,‏ بريد الجمعة‏,‏ عليك فكان أول ما تبادر إلي ذهني هو أن أدعو الله لك أن تستطيعي ركوب زورق الحمد لله وتعداد نعمه سبحانه عليك‏..‏ فاحمدي الله أن لك زوجا‏,‏ بينما تتمني الكثيرات غيرك الزوج ولو كان غيورا‏,‏ ولك جارا وغيرك كثيرات تهدمت بيوتهن ويتمنين أن تظللهن بيوت‏,‏ ولو كان جارهن حسودا‏..‏ وإن كان الله رزقك الولد الهزيل‏,‏ فهو لم يرزقك الولد المتخلف أو المعاق أو العاق أو المجرم‏,‏ وقد رزقك الله الولد الآخر الذي يطعم من دمك‏,‏ والآلاف من السيدات حرمن حتي من الأمل في الولد أوالبنت‏,‏ بعد أن طفن بالمستشفيات والعيادات بحثا عن علاج‏..‏ وقد سلحك الله بمؤهل عال حرمت الكثيرات ليس من مثله‏,‏ بل حتي من مجرد‏(‏ فك الخط‏)..‏ وإن كنت تعملين خادمة في بيت زوجك‏,‏ فغيرك كثيرات يعملن خادمات في بيوت الآخرين‏!!‏ رفع الله عنك ما أنت فيه‏,‏ وتذكري يا أختي دائما قول الله سبحانه وتعالي‏(‏ لئن شكرتم لأزيدنكم‏)‏ وقوله عز من قائل‏(‏ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها‏)‏ فانظري أختاه إلي من هو دونك في أمور الدنيا‏,‏ ومن هو أعلي منك في أمور الآخرة‏.‏


من رسالة للقارئة ـ فرات عبدالمعز عبدالستار


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:54 PM
  #77
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


بدلة الســـهرة‏!‏


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




كنت أود أن أكتب إليك قبل ذلك‏,‏ لكن شاءت الظروف أن تأتي رسالتي إليك في هذا الوقت بالذات‏..‏ فأنا شاب نشأت في أسرة مكونة من أبي الموظف الصغير بمصلحة الميكانيكا والكهرباء‏,‏ وأمي ربة البيت الطيبة‏,‏ وخمسة أخوة وأخوات أنا أصغرهم‏..‏ ونقيم كلنا في شقة من أربع غرف بالدور الأرضي بإحدي عمارات حي العباسية القديمة‏,‏ ولقد تمتعت في طفولتي المبكرة بعطف أبي وأمي وأخوتي خاصة أكبرهم‏,‏ ثم رحل أبي عن الحياة‏,‏ وأنا في السابعة من عمري وأكبر أخوتي في بداية عامه الثاني بكلية الهندسة‏,‏ حيث كان أمله وأمل أبي أن يصبح مهندسا‏,‏ فواجهت الأسرة مشكلة نفقات الحياة والدراسة لكل الأبناء‏.‏ فقد كان معاش أبي ضئيلا ولا يكاد يكفي لإطعامنا فضلا عن نفقات التعليم‏,‏ وذات يوم وجدت أمي تبكي بحرارة وأخوتي يطيبون خاطرها‏..‏ وعرفت من أختي والتي تكبرني مباشرة أنها حزينة من أجل ابنها الأكبر لأنه اضطر لكي يساعد أخوته وأمه إلي أن يتوقف عن الدراسة ليعمل موظفا صغيرا بالمصلحة التي كان يعمل بها أبي‏,‏ وبالفعل عمل أخي موظفا صغيرا بمساعدة زملاء أبي بالمصلحة‏,‏ ولم يشك من أقداره ولم يتوجع‏..‏ وإنما تقبل الأمر الواقع باستسلام ورضا وأصبح همه الأول هو إعالة اخوته وأمه‏,‏ والحق أن أخي هذا كان منذ صغره إنسانا جادا يتحمل المسئولية‏,‏ وكان أبي يقول عنه إنه ولد رجلا كبيرا وليس طفلا منذ البداية‏..‏ ومضت بنا الحياة وأصبح مرتب أخي ومعاش أبي الضئيل هما موردنا الوحيد‏,‏ وأصبحنا نحن الاخوة نتوجه بمطالبنا إلي أخي هذا الذي أصبح أبا لنا ونحصل منه علي مصروفنا الشخصي‏,‏ وكان دائما واسع الصدر ويتحمل حتي دلعنا ومغالاتنا في مطالبنا‏,‏ ويحرم نفسه لكي يلبي طلباتنا‏,‏ فكان يحرص علي أن نرتدي الملابس التي تحفظ علينا مظهرنا في حدود الممكن‏,‏ ويقضي هو الأعوام بقميصين وبنطلونين يبدلهما في الصيف ويضيف إليهما بلوفرا قديما في الشتاء‏,‏ ولا يشتري لنفسه قميصا جديدا إلا بعد إلحاح شديد منا ومن أمنا عليه‏,‏ وحين ثقلت عليه مطالبنا ونفقتنا بحث عن عمل إضافي وتنقل بين عدة أعمال حتي استقر به المقام في مكتب هندسي عمل فيه ساعيا بعد الظهر‏,‏ وقبل ذلك بلا غضاضة‏,‏ ثم حدث ذات يوم أن بحث صاحب المكتب عن أحد مساعديه ليتولي تحبير رسم هندسي أعده فلم يجده‏,‏ وغضب صاحب المكتب‏,‏ فعرض عليه أخي أن يقوم هو بهذا العمل لإنقاذ الموقف‏,‏ وسأله صاحب المكتب في عصبية‏:‏ وما شأنك أنت بالرسوم الهندسية؟ فأجابه أخي في استحياء‏,‏


أنه كان طالبا بكلية الهندسة واضطرته ظروفه العائلية منذ سنوات للتوقف عن الدراسة‏,‏ فاعتذر له صاحب المكتب عن حدته معه وكلفه بالرسم المطلوب ونفذه علي وجه مقبول‏.‏ فرقاه من ساع إلي رسام هندسي واستعان بغيره للقيام بعمل الساعي وعامل البوفيه‏,‏ واستقر الحال بأخي في هذا المكتب عدة سنوات كان دخله منه خير معين له علي مواجهة نفقاتنا‏,‏ وتحسن مظهره بعض الشيء فاشتري لنفسه فميصين وبنطلونا بعد إلحاح شديد منا‏.‏


وخلال هذه السنوات تقدم أخوتي في مراحل التعليم وبلغت أختي الكبري المرحلة الجامعية‏..‏ وبلغ الأخ الذي يليها الثانوية العامة ووصلت أختي الوسطي إلي نهاية المرحلة الاعدادية‏,‏ ووضعت أنا قدمي علي بداية المرحلة الاعدادية‏,‏ وكانت أجمل أوقاتنا حين نجتمع حول شقيقنا العطوف يوم الجمعة ونتسامر معه ونتبادل الأحاديث والأمنيات الطيبة‏..‏ ونتحدث عن المستقبل حين نتغلب علي ظروفنا‏,‏ وكان أخي هذا مهموما علي الدوام بأمرنا ومشاكلنا‏,‏ فهو يذهب معي للمدرسة ليقابل أحد المدرسين ويحل معه مشكلة لي‏,‏ ويذهب مع أخي طالب الثانوية العامة ليقابل الناظر ويحل مشكلة غيابه عنها لأسباب قهرية‏,‏ وحتي المشاكل العاطفية كان يستمع إليها في صبر وفهم ويشير علينا بالرأي السديد‏,‏ ولا يثور علينا ولا يتهمنا بأننا نعبث وهو يكافح لإعالتنا‏,‏ بل يدافع عنا لدي أمي حين تغضب منا وتقرعنا وتذكرنا بتضحيات أخي من أجلنا وكيف أننا ينبغي أن نقابلها بالجد للانتهاء من دراستنا وتخفيف العبء عنه‏,‏ وكان يقول لها دائما كلما شكت من سلوك أحدنا‏:‏ أنهم شباب يا أمي ولابد أن يعبثوا بعض الوقت أو يخطئوا ثم يعودون للصواب في النهاية‏.‏



والحق أنني لا أدري حتي الآن من أين جاء أخي الكبير بكل هذه الحكمة والصبر‏,‏ ربما لأنه تحمل المسئولية في سن مبكرة‏,‏ وربما لتدينه وخشيته لربه‏,‏ فلقد كان حريصا علي الفروض الدينية ولا يغضب من أحدنا إلا إذا استشعر تقصيره في أدائها‏..‏


وبرغم شبابه المتفجر فقد صرف أخي تفكيره عن الفتيات تماما طوال تلك السنوات‏,‏ ولم يفكر في الحب ولا في الزواج لأن لديه ـ كما كان يقول ـ مسئولية كبيرة لابد أن يؤديها قبل أن يفكر في ذلك‏,‏ إلي أن أحب بعد أن تجاوز الثلاثين فتاة تعمل معه في المكتب الهندسي وكتم هواه عنها لثقته من أن ظروفه لا ترشحه للارتباط بها‏,‏ وظل علي هذا الحال عامين أدرك خلالها زملاؤه في المكتب أنه متيم بها في صمت وشجعوه علي مفاتحتها‏,‏ وأكدوا له أنها تنتظر منه ذلك‏..‏ فتشجع أخيرا وفاتحها ورحبت به‏..‏ وأراد أن يخطبها لكن المشاكل المادية ومشكلة السكن حالت للأسف بينه وبين تحقيق أمنيته‏,‏ فلقد قبلت زميلته بكل ظروفه لكن أبويها رفضا أن تتزوج وتقيم معه في شقة الأسرة‏,‏ واشترطا عليه أن يستقل بمسكنه عن أخوته وأمه أولا قبل الزواج‏,‏ ووافقنا جميعا علي ذلك لكنه لم يستطع تدبير شقة مستقلة ولم يتحمس للاستقلال بحياته عنا ونحن مازلنا نحتاج إليه ونعتمد عليه‏,‏ ولم تستطع فتاته اقناع أبويها باستعدادها للعيش مع أسرته أو لم تتحمس جديا لذلك فتنازل من جديد عن حلمه بالسعادة ولم يكمل مشروع الخطبة وترك العمل في المكتب الهندسي لكيلا يعذب نفسه برؤية من أحبها بصدق ولم يستطع


الارتباط بها‏,‏ وبدأ يعطي دروسا خاصة في الرياضيات لطلبة المدارس الاعدادية في البيت ورأيته في هذه الفترة حزينا‏..‏ تطول فترات صمته وسرحانه‏,‏ ويقضي أوقات فراغه في القراءة أو الصلاة أو الجلوس صامتا إلي جانب أمي‏.‏


ثم جاء خاطب لأختنا الكبري وكانت قد تخرجت وبدأت العمل كمدرسة بعقد منذ شهور فرحب به أخي‏..‏ وتفاهم معه علي كل شيء ولم يرهقه ماديا‏..‏ وانشغل عن أحزانه بإعداد جهازها وتدبير التكاليف بشق الأنفس‏,‏ وأشرف علي كل شيء حتي تم زفافها وانتقلت إلي بيت زوجها بسلام‏.‏ ورحلت أمي عن الحياة وبكيناها جميعا ودعونا لها بالرحمة والمغفرة‏,‏ وأنهي أخي الأوسط تعليمه واحتاج إلي مبلغ من المال لكي يسافر إلي أسوان‏,‏ ويبدأ عمله بالشركة التي عين بها ويواجه نفقات حياته إلي أن يقبض أول مرتب له‏,‏ فدبر له أخي المبلغ المطلوب بالرغم من أنه كان مثقلا بأقساط ديون زواج أختنا‏,‏ واستقر الأخ الأوسط في أسوان وأقام في شقة تابعة للشركة فأرسل لأخي يطلب منه أن يرسل إليه أختنا الصغري لتلتحق بالمدرسة الثانوية هناك ويتحمل هو مسئوليتها فيخفف بذلك عنه بعض أعبائه‏,‏ لكن أخي أشفق علي أختنا من البعد عنا فرفض عرض أخينا شاكرا‏,‏ وعرضت أنا أن أنضم إليه بدلا منها لنفس الغرض فرفض أيضا‏,‏ وقال إنه لا يتحمل فراقنا خاصة بعد رحيل أمنا وزواج أختنا‏.‏ ومضت السنوات وتخرجت أختنا الصغري‏..‏ وعملت وجاءها خاطب من أقاربنا يعرف كل ظروفنا ويقبل بها‏,‏ فجهزها أخي للزواج وكبل نفسه


من جديد بالأقساط والديون وهو لم يكد يفرغ من ديون زواج الأخت الأولي‏,‏ وساعده شقيقي الأوسط الكيميائي بإحدي شركات أسوان بعض الشيء في نفقات الزواج‏,‏ وساعدت أختي الكبري أختها بجزء من مرتبها واشترت لها بعض احتياجاتها وزفت الأخت لزوجها‏..‏ وخلا البيت الكبير علي وعلي أخي‏,‏ وازددت اقترابا منه ولاحظت عليه أنه لا يكاد يخرج من البيت بعد عودته من المصلحة‏,‏ وسألته لماذا لايخرج ويتنزه ويلتقي بالأصدقاء‏,‏ فأجابني بأنه سيفعل كل ذلك إن شاء الله حين يتخفف من أقساط زواج الأخت الصغري‏..‏



وحصلت علي الثانوية العامة بمجموع كبير‏,‏ وترددت في اختيار كلية الهندسة إشفاقا علي أخي من نفقات دراستها‏,‏ خاصة أننا كنا قد فقدنا نصيب الأختين والأخ الكيميائي في المعاش‏.‏ لكن أخي ألح علي باختيار الهندسة‏,‏ وأكد لي أنه سيسعد كثيرا بأن أحقق الحلم الذي حالت الظروف القاسية دون أن يحققه هو لنفسه‏,‏ فالتحقت بالكلية ونجحت في السنة الاعدادية‏,‏ وفي اجازة الصيف سيطرت علي فكرة السفر إلي أمريكا للعمل خلال شهور الصيف كما فعل بعض أصدقائي الذين هاجروا قبل عام‏..‏ وعرضت الفكرة علي أخي وألححت عليه بأن يساعدني في ذلك عسي أن أستطيع جمع بعض المال للإنفاق علي دراستي‏,‏ وواصلت الإلحاح عليه حتي استسلم في النهاية‏,‏ ووافق علي مساعدتي بالرغم من رفض بقية أخوتي لذلك ولومهم لي لعدم استكمال دراستي‏,‏ وبعد عناء شديد حصلت علي التأشيرة واقترض أخي من جهة عمله مبلغا من المال ليساعدني في شراء تذكرة السفر‏,‏ وسافرت إلي أصدقائي وخضت التجربة وعانيت الكثير والكثير‏,‏ وعملت غاسل صحون في البداية لمدة‏12‏ ساعة كل يوم‏,‏ فما أن استقرت أوضاعي بعض الشيء حتي كان العام الدراسي الجديد قد أقبل وحان موعد العودة‏,‏ فعز علي أن أقطع التجربة في بدايتها‏,‏ واتصلت بأخي استأذنه في البقاء بأمريكا لمدة عام آخر وأطلب منه أن يقدم لي اعتذارا للكلية وأرجوه أن يوافق علي ذلك‏,‏ وبعد إلحاح شديد وافق لكنه حملني أمانة أن أستكمل دراستي أيا كانت الفترة التي أقضيها في أمريكا‏,‏ وإلا فإنه سوف يشعر بأنه قد أجرم في حقي حين وافق علي سفري‏,‏ ووعدته بذلك صادقا‏..,‏ وبكيت حين قال لي إنه يفتقدني ويفتقد صحبتي وضجيجي وحتي مشاكلي‏..‏ وأنه قد أصبح وحيدا تماما بعد سفري‏,‏ وسألته لماذا لاتتزوج يا أخي وقد جاوزت الأربعين‏,‏ وتحسنت الظروف وأصبحت الشقة خالصة لك‏..‏ فوعدني بأن يفكر في ذلك وانشغلت بحياتي الجديدة واستطعت بعد جهد جهيد الحصول علي الاقامة واستقررت في عمل أفضل‏..‏ وانتهي العام الثاني وحان موعد العودة لكني أشفقت علي نفسي من أن أفقد اقامتي بأمريكا إذا عدت‏,‏ فكتبت لأخي أشرح له ظروفي وأرجوه ألا يغضب مني وأطلب منه أن يبعث إلي أوراقي الدراسية مترجمة ومعتمدة من وزارة الخارجية لكي ألتحق بإحدي الكليات في أمريكا وجددت عهدي له بأن أستكمل دراستي مهما كانت الصعوبات‏,‏ وغضب مني أخوتي جميعا لذلك ما عدا أخي الأكبر الذي تسامح معي كالعادة وأرسل إلي أوراقي وجدد طلبه لي بإنهاء دراستي مهما حدث‏.‏ وواصل هو حياته كأعزب وحيد وأرسلت إليه بعض النقود كرد لديونه علي‏..‏ وطلبت منه أن يسدد بها الأقساط المتراكمة عليه ويوسع علي نفسه ببقيتها وسدد أخي ديونه‏,‏ وتنفس الصعداء‏..‏ وتحسنت أحواله‏,‏ واسترحت حين علمت أن أخوتي لا يتركونه وحيدا لفترات طويلة وأنهم يزورونه باستمرار ويدعونه لزيارتهم‏,‏ حبا له وعرفانا بفضله‏,‏ كما ارتبط أخي الكيميائي بزميلة له في أسوان وتزوجها هناك وأقام معها واجتمع أخوتي كلهم في ضيافته بأسوان‏,‏ وشهدوا زواجه وسعدوا به ما عداي للأسف‏,‏ لأني واجهت مشكلة التجنيد وخشيت إذا عدت لمصر ألا أستطيع السفر مرة أخري‏,‏ وتوالت السنون وأخي يعيش وحيدا ولا شاغل له سوي متابعة أحوالنا والاهتمام بأمرنا‏..‏ والجلوس في المقهي في المساء بعض الوقت‏,‏ والقراءة‏,‏ وأداء الفروض الدينية‏,‏ وقد وفيت بوعدي له وحصلت بعد عناء علي شهادة في الكمبيوتر وعملت بعمل جيد وأصبحت لي شقة جيدة وسيارة‏,‏ وجددت رجائي إليه أن يتزوج قبل أن يفوته القطار‏..‏ وأشركت أخوتي في الإلحاح عليه بذلك بعد أن شعرنا بأنه قد زهد الزواج بعد قصته الأولي التي حرم من استكمالها بسبب الظروف القاسية‏,‏ ولكم كانت سعادتي حين تلقيت منه ذات يوم رسالة يقول لي فيها إنه التقي بسيدة مطلقة في الخامسة والثلاثين من العمر ولها طفلة عمرها‏7‏ سنوات‏,‏ وشعر لأول مرة منذ سنوات طويلة بمشاعره تتحرك تجاهها وأنه يفكر في أن يتقدم إليها بعد أن استشعر ميلها إليه‏,‏ واتصلت به هاتفيا وزغردت في الهاتف تعبيرا عن فرحي وسعادتي بذلك وأقسمت عليه برحمة أبينا وأمنا ألا يدع هذه الفرصة تفلت منه‏,‏ وألا يحرم نفسه من السعادة التي يستحقها‏,‏ وأكدت له أنني سأرجع إلي مصر لحضور زفافه بعد غياب نحو عشر سنوات‏,‏ وسأرسل إليه مبلغا كبيرا لإعداد الشقة للزواج وتجديدها وشراء كل ما يلزمه‏,‏ وأرسلت إليه ـ رغم رفضه‏,‏ ومحاولته الاعتذار لي ـ مبلغا مناسبا وقدم له أخي الأوسط هدية مالية مناسبة قبلها منه بعد إلحاح‏.‏ وتم عقد القران في غيابي ووصف لي أخي الأوسط فرحته وفرحة أختينا بسعادة أخينا الأكبر وخجله خلال عقد القران حتي فاض قلبي له بالحب والوفاء وتمنيت لو كنت موجودا معه لأشاركه فرحته‏..‏



وسئل أخي عن موعد الزفاف فأجاب بأنه سيتم حين أستطيع أنا العودة لمصر والخروج منها دون مشاكل مع التجنيد‏,‏ وكانت قد بقيت ثلاثة أشهر لاغير علي السن التي أستطيع فيها تسوية موقفي التجنيدي والسفر لأمريكا دون مشاكل‏,‏ فتأجل الزفاف حتي ذلك الحين ورحت أنا أعد الأيام علي الموعد المنتظر وأستعد له‏..‏ واشتريت بدلة سهرة سوداء لأخي الأكبر‏..‏ ليرتديها يوم الزفاف وأبلغته بذلك واشتريت لنفسي بدلة مماثلة لي وثالثة لأخي الأوسط بناء علي طلبه‏..‏


وحجزت تذكرة السفر بعد‏10‏ أيام فإذا بأخي الأوسط يتصل بي هاتفيا ويقول لي بصوت غريب إن زفاف أخي قد تم تقديم موعده ويرجوني الحضور علي الفور لإدراكه ولو تركت كل شيئ‏.‏



ولم استرح لنبرة صوت أخي في هذه المكالمة‏,‏ وسألته عما إذا كان قد حدث شيء فأجاب بالنفي وألح علي بالحضور لكيلا يفوتني حضور الزفاف ومشاركة أخي مناسبته‏.‏


ووضعت السماعة واعددت حقيبتي وأبلغت العمل باضطراري للسفر وركبت الطائرة عائدا لمصر‏.‏



وفي المطار استقبلني أخي الأوسط واجما‏,‏ فتأكدت ظنوني وسألته عما حدث‏,‏ فإذا به يقول لي إن شقيقنا الأكبر قد فاجأه وهو يستعد لزفافه نزيف في المخ ونقل للمستشفي وهو الآن في غيبوبة منذ يومين‏,‏ وقد رأي من واجبه أن يدعوني للحضور لأراه حتي لا ألومه فيما بعد‏,‏ وانفجرت باكيا في سيارة الأجرة‏,‏ التي تحملنا من المطار وهرولنا إلي المستشفي وأطللت عليه وهو غائب عن الوعي في فراشه وإلي جواره زوجته التي لم يدخل بها بعد وشقيقتانا وزوجاهما‏..‏ وانفجرت مرة ثانية في البكاء وأنا أقبل وجه أخي ورأسه ويديه وقدميه وشقيقتاي تبكيان‏,‏ وتجذبانني إلي خارج الحجرة وأنا أقاومهما وأقول له اشتريت لك بدلة الفرح يا أخي وأريد أن أراك ترتديها‏.‏


وبعد جهد جهيد استسلمت لأخوتي وخرجت إلي قاعة الانتظار‏,‏ ورفضت العودة للبيت لأستريح من عناء السفر وأصررت علي قضاء الليل في القاعة‏,‏ وفي الفجر انتهي كل شيء‏,‏ ورحل أخي الحنون المضحي الصبور المعطاء عن الحياة بغير أن يسعد نفسه ويتزوج وينجب طفلا كما كان يتمني طوال عمره وقبل أن يحقق لنفسه حلم السعادة الذي تمناه طويلا بعد أن حرم من قبل من تحقيق حلمه في أن يصبح مهندسا‏,‏ وضحي به ليعول أخوته ويحميهم من الضياع‏,‏ مات ولما يبلغ بعد السابعة والأربعين من عمره‏,‏ وكأنما قد أنهكه الكفاح والحرمان‏,‏ وطوي صفحة عمره القصير



إنني أكتب إليك هذه الرسالة الآن من مسكننا القديم بالعباسية‏..‏ بعد عشرة أيام من رحيل أخي عن هذه الدنيا الظالمة‏,‏ وأكتب لك وأنا أراه في كل مكان من الشقة‏..‏ وأراه في جلسته علي الكنبة البلدية التي احتفظ بها من الأثاث القديم‏,‏ وكان يمضي وقت الأصيل جالسا فوقها خاصة في السنوات الصعبة يسبح ربه علي مسبحته ويفكر كيف يطعم هؤلاء الأيتام وكيف يكسوهم وكيف يدبر نفقات تعليمهم‏,‏ فإذا طلب منه أحدنا طلبا ابتسم في وجهه وأشار صامتا إلي عينه اليمني ثم إلي عينه اليسري إشارة إلي أن الطلب مجاب إن شاء الله‏..‏ ولعله يكون في ذلك الوقت خاوي الوفاض تماما‏,‏ لكنه سيقترض من زملائه إلي أن يقبض مرتبه‏.‏


إنني أشعر بحسرة شديدة‏..‏ وأشعر بالذنب تجاهه لأنني قد كلفته دائما فوق طاقته‏..‏ وأحزنته بهجرتي وقطعي لدراسة الهندسة برغم سعادته وتفاخره بحصولي علي الشهادة العالية من أمريكا‏,‏ وأتمني لو رجعت الأيام لكي أواصل دراسة الهندسة من أجله وأحقق له أمله في‏,‏ ولا أتركه لوحدته وعزوبيته حتي تلك السن المتأخرة‏..‏ وأنظر إلي بدلة السهرة السوداء المعلقة في غرفته وأبكي واستغفر الله العظيم وأنا اتساءل عن الحكمة في أن يعيش انسان طيب ومضح مثله في حرمان وعناء وكفاح معظم سنوات عمره حتي إذا ابتسمت له الأيام أخيرا ووعدته بالسعادة‏..‏ تنطوي صفحته علي هذا النحو فجأة‏,‏ إنني حزين من أجله ياسيدي وحزين من أجل نفسي لاني أتجرع برحيله اليتم مرتين‏,‏ ولا أدري ماذا أفعل لكي أؤدي له حقه علي وأرد له الجميل‏,‏ وأتخلص من إحساسي بالذنب تجاهه‏..‏ فهل لديك ماتشير به علي أو تنصحني به‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


هناك أشخاص يضيفون إلي الحياة الكثير ولا يأخذون منها للأسف إلا القليل‏..‏ ويضئ وجودهم حياة من حولهم‏,‏ ويخصم غيابهم الأبدي من جمال الحياة وخيريتها‏,‏ ولقد كان شقيقك الأكبر واحدا من هذا النوع من البشر الذين وصفهم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في معرض حديثه عن الأبرار والصالحين بقوله‏:‏ هم القوم لا يشقي بهم جليسهم نعم لا يشقي بهم جليسهم‏,‏ إنما يسعد‏,‏ ويشعر بالثراء الروحي الذي تفيض به جوانحهم‏..‏ ويتمني المرء لو استطاع أن يحذو حذوهم وينهج نهجهم في الحياة‏..‏ لتزداد خيريتها وتنحسر مساحة الشر والقبح والأنانية فيها‏..‏ ذلك أن أهم ما يتسم به هؤلاء الأبرار هو السماحة والعفة والايثار وانكار الذات والعطاء واحترام مشاعر الغير ورعاية حرماتهم‏..‏ ألم تر كيف كان شقيقك المضحي الصبور يتقبل كل مطالبكم ولو ناء بها كاهله دون أن يفقد صبره معكم أو يشعر أحدكم بثقل عبئه أو يمتن عليه بما يقدمه له؟ أو لم تر كيف كانت تعني الاشارة الصامتة إلي عينيه حين يطلب أحدكم منه مطلبا من مطالب الحياة خلال السنوات الصعبة‏,‏ إنه علي الرحب والسعة سوف يلبي له مطلبه ولو أرهق نفسه بذلك أو اضطر للاستدانة للوفاء به‏,‏ وبغير أن يضيق صدره أو ينطق لسانه بما يزفر به غيره حين ينوء بمطالب الأبناء وتكاليف الحياة؟



لقد كان يرحمه الله أبا بالفطرة والعاطفة‏..‏ والمسئولية أكثر منه أخا أو شقيقا لكم‏,‏ وبعض الأشخاص لهم طبيعة أبوية تغلب عليهم وتتحكم فيهم‏,‏ فيتصرفون مع أشقائهم الضعفاء كما يفعل الأب الرحيم مع أبنائه‏,‏ ولقد يفسر ذلك قول أبيكم عنه إنه يبدو كما لو كان قد ولد رجلا منذ طفولته وليس طفلا‏..‏ فكأنما كان يعد نفسه منذ الصغر لتحمل المسئولية عن اخوته‏..‏ أو لكأنما كان يدرك بطريقة غامضة أنه مرشح لأن يقود سفينة الأسرة بعد أبيه إلي شاطئ الأمان‏..‏


ولقد تحمل أمانة المسئولية بشرف وقاد السفينة باقتدار‏,‏ وقدم بتضحياته وصبره وحكمته المثل والعزاء‏,‏ فحتي عبث الصغار كان يتسامح معه بفهم وحكمة وصبر ويتجاوز عنه‏,‏ ولايري في الظروف القاسية المحيطة بالأسرة مبررا كافيا لكيلا يكون الأطفال أطفالا لهم نزقهم وأخطاؤهم ولا لكيلا يكون المراهقون مراهقين لهم عثراتهم وحماقاتهم وكأنهم ليسوا بشرا كالبشر‏..‏ أو كأن الحرمان سبب كاف لتغيير الطبيعة البشرية وتطويعها لما يتوافق مع الظروف‏.‏



لقد كان شقيقك الأكبر قمة في الحكمة والتراحم‏,‏ وهو يتفهم طبيعة الصغار ويتجاوز عن هناتهم ويدعو أمه للتجاوز عنها‏..‏


تذكرت وأنا أقرأ عن ذلك في رسالتك ما كتبه الروائي الروسي العظيم دستويفسكي في روايته المساكين علي لسان مقار ديوفشكين حين لاحظ أن أطفال جاره المعدم الذي يقيم مع أبنائه الثلاثة وزوجته في إحدي غرف البيت‏,‏ لا يسمع لهم صوت ولا ضجيج كضجيج الأطفال‏,‏ وأنه كلما عبر بباب غرفتهم المفتوح رأي الأطفال جالسين في صمت حزين وكأنهم يفكرون في أمور مهمة فكتب في أوراقه‏:‏



ــ لأشد ما أكره أن يصمت الأطفال وأن يستغرقوا في التفكير فما الطفولة إلا لعب وانطلاق‏,‏ وأنه لمن المؤلم حقا أن يصاب الأطفال بالكآبة وأن يكفوا عن نزقهم‏..‏ وأخطائهم‏,‏ ويتعقلوا‏!‏


نعم‏..‏ من المؤلم حقا أن يصمت الأطفال وأن يكفوا عن الضجيج وأن يستغرقوا في التفكير ويتصرفوا كالكبار بدعوي تقدير الظروف القاسية المحيطة‏..‏ فأي فهم راق للطبيعة البشرية‏..‏ كان شقيقكم الأكبر هذا يتعامل معكم به وأي حكمة وأي صبر؟



إن أمثاله ممن يتحملون مسئوليات إخوتهم قد يضيقون بأي هفوة لأخوتهم بدعوي أن الظروف لا تسمح بترف الأخطاء والهنات‏,‏ ولقد يقسون عليهم من أجل ذلك ويجأرون بالشكوي من الصغار الذين لايقدرون التضحيات المقدمة لهم‏..‏ وكأنما يطالبونهم بأن يخالفوا فطرتهم التي فطرها عليهم الله سبحانه وتعالي مراعاة لظروفهم القاسية‏..‏


كما أن البعض قد يرون أن العطاء لمن يستحقونه لا عائد له في الدنيا‏,‏ والحق هو أن عائده مؤكد في الدنيا والآخرة‏,‏ وأنه ليس هناك عطاء يذهب سدي حتي ولو بدا لنا غير ذلك أو حتي لو تشكينا من الجحود والإنكار‏.‏



وأي عائد لعطاء شقيقك لكم أعظم من هذا الحب العميق والاحترام الكبير والوفاء الجميل الذي حملتموه دائما له‏,‏ بل وأي عائد أجل من حزنكم الصادق عليه وأساكم الشديد لرحيله عن الحياة قبل أن يسعد فيها بحياته مع من اختارها لصحبة السنين‏..‏


لقد كان الأديب البرازيلي باولو كويللو يقول‏:‏ كلما ازداد استعدادك للعطاء ازداد بالضرورة ما تحصل عليه‏.‏



ولقد غنم شقيقك بعطائه لكم راحة القلب والضمير ورضا أمه عنه‏,‏ ناهيك عن محبتكم له واعتزازكم به وعرفانكم له في حياته‏..‏ وحزنكم النبيل عليه بعد رحيله‏..‏ فأما جائزته الكبري فهي وفي السماء رزقكم وما توعدون إن شاء الله‏.‏


إنك تسألني كيف تؤدي إليه بعض حقه عليك وماذا تفعل لكي تتخلص من احساسك بالذنب تجاهه‏,‏ وإني لأنصحك بإكرام صاحبته التي لم يمهله العمر لكي يبني بها وبعدم منازعتها في أي حق من حقوقها‏..‏ بل وبالسخاء معها في ذلك إكراما لمن اختارها لرفقة الحياة ورعاية لظروفها المؤلمة‏,‏ وحبذا لو استطعت أن تجري علي روح شقيقك الراحل صدقة جارية في حدود قدرتك وإمكاناتك‏,‏ وحبذا أيضا لو اقتديت به في تدينه وتراحمه وإيثاره لغيره وسماحته وصبره‏,‏ وسرت علي نهجه في الحياة‏..‏ مع الدعاء الدائم له‏,‏ والاستغفار من أجله‏,‏ واتباع مثله العليا وقيمه الدينية والأخلاقية‏,‏ وفي ذلك بعض الوفاء‏..‏ يرحمه الله‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:55 PM
  #78
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الاتصـــــال


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




بكيت كثيرا وأنا اقرأ رسالة نور الظلام فبكيت قسوة الأقارب‏,‏ وخصوصا قسوة والد كاتبة الرسالة غير أنني قد شعرت بالفخر والاعتزاز بكاتبة الرسالة وزوجها الكريمين وأعتبرهما بطلين حقيقيين من واقع الحياة لا من نسج الخيال‏.‏



وكم أتمني لو اتجه كتاب الروايات والأفلام والمسلسلات إلي مثل هذين النموذجين العظيمين لتقديمهما إلي المجتمع كقدوة في الحب والترابط والتماسك والتضحية والصمود والصبر علي ويلات الحياة وتحمل أثقالها ومراراتها‏.‏



‏...‏ وأنني شيخ أقترب من الثمانين وكنت مديرا سابقا بالتربية والتعليم ويشرفني أن تقبلني هذه السيدة وزوجها أبا بديلا‏...‏ داعيا الله أن يجعلني عند حسن ظنهما بي بحوله وقوته‏.‏ فأرجو إفادتي برقم تليفون هذه الأسرة الكريمة لكي أبادر بالاتصال بها إن شاء الله‏.‏



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


شكرا لك ولسوف نتصل بك غدا ان شاء الله لإبلاغك برقم الهاتف وقد تلقينا لكاتبة الرسالة وزوجها رسائل عديدة واتصالات مختلفة يطلب اصحابها الاتصال بهما‏,‏ وأذنت لنا كاتبة الرسالة في اعطاء رقم هاتفها لمن يطلبه من الآباء والأمهات الذين يرغبون في التواصل الانساني معها ومع زوجها‏,‏ وأتوقع أن يكون قد اتصل بهما الكثيرون من القراء الأفاضل‏.‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:58 PM
  #79
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


أصدقاء علي الورق


بـريــد الأهــرام
42963
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
23
‏6 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




أقول للسيدة الفاضلة كاتبة رسالة البيت المهجور‏:‏ أعانك الله ياسيدتي علي ما ابتلاك به‏.‏ وإني أظن انه من ضمن الأسباب التي تدفع السيدة والدة زوجك للإساءة الي الناس بالقول والفعل هو ما لديها من وقت فراغ كبير‏,‏ ولذلك فإني أقترح عليك شغل هذا الوقت بما ينفعها وبما يتناسب مع سنها وظروفها الصحية والاجتماعية والثقافية وهذه بعض المقترحات‏:‏



‏*‏ إهداؤها شرائط كاسيت دينية مثل سلسلة‏(‏ الأخلاق‏)‏ للأستاذ عمرو خالد‏.‏



‏*‏ تركيب طبق للتليفزيون لمشاهدة القنوات الفضائية‏,‏ وسوف تجد ما يناسبها من برامج دينية ومسلسلات هادفة ومنوعات‏.‏



‏*‏ الذهاب بها في صحبتك أنت وزوجك وأولادكما الي صلاة الجمعة من كل أسبوع‏,‏ والكثير منها بها أماكن مخصصة للسيدات الآن‏.‏ وهذه المقترحات ليس الهدف منها فقط إعانتك‏,‏ ولكن إعانتها هي أيضا‏,‏ فهي سيدة مسنة وسوف تلقي وجه ربها إن عاجلا أو آجلا‏,‏ ولذلك يجب أن نساعدها علي ترك المعاصي لكي يتذكرها الناس بالدعاء بالخير بعد ذلك عسي الله أن يرزقها وإيانا حسن الخاتمة‏.‏

من رسالة للقارئة


د‏.‏ هند عبد الرحمن خشبة ـ أخصائي تحاليل طبية


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-25-2011, 07:59 PM
  #80
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


دمــوع الســعادة


بـريــد الأهــرام
42960
‏السنة 127-العدد
2004
يوليو
30
‏13 من جمادى الآخرة 1425 هـ
الجمعة




أكتب إليك لأروي لك قصتي وأطلب منك المساعدة‏,‏ فأنا شاب في الحادية والثلاثين من عمري‏..‏ نشأت في أسرة من الأسر التي تكافح في الحياة للحفاظ علي مظهرها‏..‏ ولا تستند في حياتها إلا إلي دخلها من العمل الشريف‏..‏ فأبي موظف كبير لكن مرتبه يضعه في فئة محدودي الدخل‏,‏ ويده النظيفة تحجب عنه موارد الرزق الحرام والحمد لله‏,‏ وأمي موظفة كبيرة أيضا وتنفق مرتبها كله علي أسرتها‏..‏ وتدبر شئون العائلة والأبناء بجمعيات الادخار والاقتراض أحيانا‏..‏ كما أنها أسرة تعرف ربها حق المعرفة والحمد لله فكل أفرادها من أصغرهم وهو أخي إلي أكبرهم وهو أبي كلهم صوامون قوامون مصلون‏..,‏ وأسعد أوقاتنا حين يؤمنا أبي في الصلاة‏..‏ وحين نحتفل بالمناسبات الدينية‏,‏ وخاصة المولد النبوي الشريف‏.‏


ولقد مضت بنا الحياة هادئة في معظم أحوالها‏,‏ وأبي وأمي يرعياننا ويقدمان لنا مثلا أعلي في المودة والرحمة التي تجمع بينهما‏..‏ وقد تعاملا معنا منذ الصغر بالحكمة والصبر والحب‏,‏ فلم نسبب لهما حتي في فترة المراهقة العصيبة المشاكل المألوفة‏,‏ وواصلنا تعليمنا بنجاح حتي تخرجت في كلية التجارة والتحق أخي بكلية الشرطة‏,‏ وبدأت رحلة البحث عن عمل‏..‏ ولم يستطع أبي ايجاد وظيفة لي ورحت أتابع اعلانات الوظائف الخالية وأقدم أوراقي لجهات عديدة دون جدوي‏,‏ ثم عملت عملا مؤقتا لمدة شهور بإحدي المدارس‏,‏ وفي شركة أخري كمندوب مبيعات‏,‏ وأخيرا وجدت فرصة عمل مستقر نسبيا في شركة خاصة وكان راتبي ثلاثمائة جنيه فرحت بها حين قبضتها لأول مرة فرحا طاغيا واشتريت لنفسي بنطلونا وقميصا ولأخي مثلهما‏,‏ وحاولت اعطاء أمي مائة جنيه كمساهمة في مصروف البيت فرفضت وطلبت مني ادخارها لزواجي بعد سنوات‏,‏ وبالفعل بدأت أدخر من راتبي هذا جزءا كل شهر لكي أكون مستعدا حين التقي بفتاة أحلامي‏,‏ ولم يطل الوقت بي فقد وجدتني مشدودا إلي زميلة لي في العمل عينت حديثا‏,‏ ولاحظت عليها هدوءها وسماحتها وأدبها كما لاحظت عليها أيضا أناقتها وجمالها الهاديء‏..‏ ويوما بعد يوم


تعمقت الصداقة بيننا وعرفت أن والدها لواء سابق بالقوات المسلحة ومن أسرة كبيرة ويملك أرضا زراعية فترددت في مفاتحتها بحبي لها‏,‏ وقدرت أنها قد لا تقبل بالارتباط بشاب مثلي لايملك إلا شبابه وحبه وبضع مئات من الجنيهات‏..‏ فتراجعت وكتمت مشاعري تجاهها‏..‏ بل وبدأت أيضا أتجنب الالتقاء بها‏..‏ وفوجئت بها في أحد الأيام تطلب مني أن أنتظرها بعد انتهاء العمل لأنها تريد أن تتحدث معي في أمر مهم‏..‏ وجاءتني بعد انتهاء العمل وخرجنا نمشي في طريق العودة إلي بيتها فسألتني عن أسباب ابتعادي عنها وعما إذا كانت قد أغضبتني في شيء أو سمعت عنها شيئا يسيء إلي أخلاقياتها‏,‏ فقلت لها إنني لم أسمع عنها إلا كل ما يزيدني احتراما لها‏,‏ لكنه رحم الله امرءا عرف قدر نفسه‏.‏ وسألتني عما أعنيه بذلك فانهرت واعترفت لها بأنني أتعذب بحبها في صمت منذ أكثر من عام‏..‏ ولكني بعد أن عرفت ظروف أسرتها أدركت أنه لا أمل لي فيها فكتمت مشاعري وابتعدت فصارحتني بحبها لي ورغبتها في الارتباط بي‏,‏ وطلبت مني ألا أبخس نفسي قدرها‏,‏ فأنا ـ كما قالت ـ من أسرة تشرف أية أسرة تصاهرها ولسوف تطلب مني في الوقت المناسب وبعد أن تكون قد مهدت لي الطريق‏,‏ أن أتقدم لأبيها‏..‏ وطرت فرحا بذلك وأوصلتها إلي بيتها ورجعت إلي بيتي وفاتحت أبي وأمي في الموضوع ورويت لهما كل شيء فباركا رغبتي ووعداني بمساعدتي بكل مايستطيعان المساعدة به‏.‏



ومهدت لي فتاتي الطريق لدي أسرتها وفي الموعد المحدد اصطحبت أبي وأمي وأخي وقد أرتدوا أفضل ثيابهم وتوجهنا إلي بيت الأسرة‏,‏ فإذا به شقة واسعة من‏6‏ غرف في عمارة فاخرة‏..‏ والشقة تفوح منها رائحة العز والعراقة‏..‏ واستقبلنا الأب ورحب بنا بغير حرارة وراح يتفحصني بعمق ثم بدأ الحديث فسأل عن راتبي ودخلي وهل لدي شقة ملائمة أم لا‏,‏ وأجبته بصراحة عن كل شيء وقلت له أنني أبذل جهدي للحصول علي شقة في التعاونيات‏,‏ بأحد أطراف المدينة فلم يبد عليه الحماس لما قلت‏,‏ وانتهت الجلسة بغير قبول صريح منه ولا رفض‏,‏ وانصرفنا عائدين وأنا أشعر بالهم يتسلل إلي نفسي‏,‏ وكتم أبي مشاعره فلم يتكلم أمامي‏,‏ لكن نظراته الحزينة كشفت عما يشعر به‏.‏


وفي اليوم التالي غابت فتاتي عن العمل‏..‏ واحترقت بنار القلق والرغبة في معرفة قرار والدها بشأني‏..,‏ وانتظرت بفارغ الصبر ظهورها فلم ترجع إلا بعد ثلاثة أيام‏..‏ وبدت لي حين رأيتها مريضة وشاحبة الوجه‏..‏ وعرفت النتيجة بغير كلام‏..,‏ وواسيتها وطلبت منها الامتثال لرغبة أبيها الحريص علي مصلحتها‏,‏ فانفجرت في البكاء وأكدت لي أنها لن تتخلي عني مهما يحدث وستواصل الكفاح مع أبيها لإقناعه بمن اختارته‏..‏ واتفقنا في النهاية علي ألا نتخذ أي قرار بشأن مصيرنا فلا نقرر الانفصال أو الارتباط إلا بعد أن تيأس هي تماما من نيل موافقة أبيها‏..‏



وتراضينا علي ذلك وواصلنا حياتنا‏,‏ ومضي عام طويل بغير أن تلوح لنا بارقة أمل‏..‏ بل لقد تجهمت السماء أكثر فشكت لي فتاتي من ضغط أبيها عليها لقبول خطبة عريس من أسرة ثرية تربطها بأسرتها صلة المصاهرة فشعرت باليأس ونصحتها بالقبول صادقا‏,‏ لكنها لم تأبه لي ثم ازداد الموقف تعقيدا حين بدأنا نسمع عن تعثر الشركة التي نعمل بها واتجاهها إلي التصفية أو تقليص عدد العاملين بها‏,‏ وترقبنا مصيرنا في وجل فلم يتأخر عنا القدر وتم الاستغناء عن خدمات كل من عملوا بالشركة خلال الأعوام الأخيرة مع تعويضهم بمكافأة بسيطة وكانوا ستة أنا من بينهم‏,‏ ونجت فتاتي من الفصل بالطبع مراعاة لوالدها‏..‏ وألححت عليها من جديد في قبول الآخر ونسياني بعد أن ادلهمت الظروف علي هذا النحو وصرت عاطلا‏..‏ فنهرتني باكية ورحت أبحث عن عمل آخر‏..‏ والتقي كل بضعة أيام بفتاتي في مقهي حديث اخترناه لموقعه الهاديء واعتدال أسعاره وقربه من بيتي‏.‏ وكلما التقينا تبادلنا الأخبار ونسجنا الأحلام وتعلقنا بالأمل في تحسن الأحوال‏..‏ ومضي عامان تنقلت خلالهما بين أكثر من عمل مؤقت ولم تنجح فتاتي في إقناع والدها‏..‏ واقترحت هي علي ذات يوم أن نعقد قراننا ونؤجل الزفاف إلي حين الحصول علي موافقته لكني كرهت لها أن تخرج عن طاعة والدها‏,‏ وتحملت غضبها مني وخصامها لي أسبوعا طويلا نتيجة لذلك‏,‏ وأخيرا تمكن أبي من إيجاد وظيفة لي في جهة تابعة لعمله بعد‏6‏ سنوات من تخرجي‏,‏ وكان أخي قد تخرج في كلية الشرطة وذهب للعمل في أقصي الصعيد‏,‏ ولم يكتف أبي بذلك‏;‏ وإنما استبدل أيضا جزءا من معاشه ودفع لي مقدم ثمن شقة تعاونية بسيطة في أحد أطراف المدينة وشكرته علي ذلك كثيرا وقبلت يده وقلت له إنه قد أدي رسالته معي علي خير وجه وبأكثر مما هو مطلوب منه‏..‏ وتعمدت أن أقول له ذلك لأنني كنت أشعر بحزنه من أجلي واحساسه بعجزه عن اسعادي وتوفير سكن لائق وعمل مناسب لي‏..,‏ فأنبسطت أساريره ودمعت عيناه فأعدت تقبيل يده شاكرا وداعيا له بالصحة وطول العمر‏.‏



وأبلغت فتاتي بالتطورات الأخيرة‏..‏ فنقلتها لأبيها وهي تظن أنه سوف يلين فإذا به يصر علي رفضي وعلي أن ترتبط بالآخر الثري‏..‏ وصارحتني فتاتي بيأسها من أبيها وألحت علي في عقد القران‏,‏ ورفضت للمرة الثانية فغضبت مني غضبا هائلا وتوقفت عن مقابلتي والاتصال بي‏,‏ وتوقعت أن تخاصمني أسبوعا ثم ترجع إلي فإذا بالفترة تطول وتمتد لأسابيع‏..‏ واستشعرت الخطر واتصلت بها فإذا بها تنفجر في البكاء وتبلغني أنه قد تم عقد قرانها علي العريس الجاهز وتطلب مني عدم الاتصال بها ثانية وترجو لي السعادة مع غيرها‏..‏


فوضعت السماعة وظللت في مكاني ذاهلا حتي نبهني من يريد استخدام التليفون‏..‏ فتحركت وأنا لا أري الطريق‏,‏ وعدت للبيت واستلقيت علي الفراش وأغمضت عيني متظاهرا بالنوم‏..‏ وراحت الصور المرئية تتوالي أمام مخيلتي وتعرض علي ذكريات خمس سنوات من الحب والصفاء لاتشوبها شائبة واحدة‏,‏ ولم يغمض لي جفن ليلتها ولم أذهب للعمل في اليوم التالي‏,‏ ثم امتثلت للأمر الواقع وأبي يرقبني في فهم‏,‏ ويقترح علي السفر إلي أخي في الصعيد لبضعة أيام لتغيير الجو‏,‏ وأفكر في اقتراحه فأجده حكيما وبالفعل أحصل علي إجازة من العمل وأسافر إلي أخي وأنزل معه في استراحة الشرطة‏,‏ وأروي له ما حدث وأتشاغل عن همومي بالزيارات ورؤية الحياة هناك‏..‏ وأرجع إلي القاهرة وأشعر بعد عودتي للعمل بأن قلبي قد أغلق أبوابه تجاه الجنس الآخر وأنه يتعذر عليه أن يستجيب لأي فتاة أخري‏,‏ بعد حب العمر‏,‏ خاصة أن أقساط الشقة تلتهم معظم راتبي وأجدني طوال الشهر بلا نقود‏.‏ فأرجع للبحث عن عمل اضافي وأمر بمقهي الذكريات السعيدة ذات مساء فأعرف من الجارسون أنهم يحتاجون في المقهي إلي مساعد جارسون يعمل‏7‏ ساعات كل يوم‏,‏ وأن الأجر‏150‏ جنيها عدا البقشيش‏,‏ واسأل عن مهمة هذا المساعد‏,‏ فأ


عرف أن مهمته هي حمل الطلبات من البوفيه إلي الزبائن واعادة الفوارغ للبوفيه فقط لكنه لا يسجل طلبات الزبائن ولا يحاسبهم علي ما شربوه‏,‏ وأفكر في الأمر بعض الوقت ثم أعرض نفسي عليه‏,‏ وينتهي الأمر بالتحاقي بهذا العمل من الخامسة مساء حتي منتصف الليل كل يوم وبفضل هذا العمل بدأت أجد في يدي بعض النقود بعد سداد قسط الشقة‏,‏ بل وبدأت أدخر بعضها أيضا ولم يعترض أبي علي عملي بالمقهي لأنه يحترم كل عمل شريف‏,‏ وإنما جاء الاعتراض من أخي ضابط الشرطة‏,‏ وغضبت منه لاني شعرت أنه يفكر في نفسه وهو يعترض علي عملي وليس في وصارحته بذلك فسحب اعتراضه وقبل رأسي وأشاد بكفاحي‏.‏


وبعد فترة ترقيت في عملي وأصبحت جارسونا يسجل طلبات الزبائن ويحاسبهم ويتلقي منهم البقشيش‏,‏ وكنا اثنين فقط نقوم بهذا العمل مع ثلاثة من المساعدين‏,‏ واكتشفت أن عمل الجارسون وإن كان من أشق الأعمال من الناحية الجسدية حيث يظل في حركة متصلة طوال فترته إلا أنه أيضا من أكثر الأعمال الصغيرة عائدا‏,‏ إذ كان متوسط دخلي منه لا يقل عن‏600‏ جنيه في الشهر وهو أكثر من ضعف راتبي من الهيئة التي أعمل بها‏,‏ وفي هذا العمل اكتسبت خبرة ثمينة بالحياة‏..‏ وبالتعامل مع البشر‏,‏ وشهدت فيه أيضا لحظات عصيبة وأخري بهيجة‏..‏ لكن أصعب اللحظات علي الاطلاق كانت حين لمحت ذات مساء وأنا أحمل صينية الطلبات فتاتي السابقة تنزل من سيارة حديثة بصحبة شاب رياضي مفتول العضلات وتتجه إلي احدي الموائد علي الرصيف في الناحية التي أتولي الخدمة فيها‏,‏ فلقد شعرت بدوار شديد ووضعت الصينية علي مائدة خالية وجلست ألتقط أنفاسي للحظات ورأني زميلي الذي يعمل في الناحية الأخري جالسا فجاءني مستفسرا عما ألم بي وكنا قد أصبحنا صديقين فصارحته بأن من كنت أتمني الزواج منها وفرقت بيننا الظروف تجلس في المائدة القريبة مع زوجها وأنني أخشي أن تراني وأنا أقوم بهذا العمل‏,‏ فعرض علي


أن يتولي هو خدمتها وخدمة المقهي كله حتي تنصرف‏..‏ وكدت أقبل عرضه لكني تمالكت نفسي بعد لحظات وفكرت أنني أكافح بشرف في الحياة وليس لدي ما أخجل منه فشكرت زميلي وقلت له إنني سأواصل عملي بطريقة طبيعية‏..,‏ وبالفعل سلمت الطلبات التي أحملها للزبائن ثم اتجهت إلي مائدة فتاتي السابقة وحييت الجالسين وسألتهما عن طلباتهما‏..‏ فطلب الشاب شايا ثم أشار إلي زوجته‏.‏ وكانت قد عرفتني بالطبع فألجمت المفاجأة لسانها‏..‏ وربما استغرقتها الذكريات وأردت أن أنهي الموقف فقلت لها بصوت خافت‏:‏ الهانم تأمر بإيه‏,‏ فهمست بصوت لا يسمع بما تريد ولولا أنني كنت أعرف مشروبها المفضل الذي كانت تطلبه دائما وهي معي‏,‏ لما فسرت ما نطقت به وانصرفت من أمامها وأنا أشعر بأن نظراتها تخترق ظهري‏,‏ وظللت أشعر بعينيها تلاحقانني طوال نصف الساعة الذي أمضته بالمقهي ثم ودعتني بنظرة طويلة أثارت شجوني وجددت أحزاني‏.‏ ورويت لأبي وأمي ما حدث فسألني أبي مشفقا‏:‏ أمازلت تحبها؟ فأحنيت رأسي صامتا‏..‏ وتدخلت أمي في الحديث ونصحتني بالتفكير في الزواج بعد أن قاربت علي التاسعة والعشرين وأصبحت لدي شقة واستقررت في العمل‏..‏ ووعدتها بذلك وبعد ستة أشهر فوجئت بتليفون من فتاتي السابقة تقول لي إنها قد طلقت بعد زواج دام ثلاث سنوات لم تنجب فيه ولم تستطع خلاله التوافق مع زوجها وفشلت كل محاولاتها لأن تحبه لأن قلبها ظل مشغولا بغيره حتي سلمت باليأس وحصلت علي الطلاق رغما عن إرادة أبويها‏,‏ وأنها الآن حرة وتعمل عملا مناسبا ومستقرا‏,‏ وتسألني هل مازلت أحبها كما تحبني فصرخت في التليفون أنني أحبها ولم أحب سواها‏,‏ وأحلم باليوم الذي يجمعني بها‏..‏ وانتهينا إلي الاتفاق علي أن أتقدم لأبيها من جديد بعد أن تغيرت الأحوال‏,‏ وقبل أبي مصاحبتي مرة أخري إلي بيت أسرتها واستقبلنا الأب بالطريقة المحايدة نفسها واستمع إلي من جديد بلا حماس وأخفيت عنه بالطبع أنني أعمل في مقهي بعد الظهر لكيلا أعطيه المبرر لرفضي بحجة أن عملي لا يليق بمن يصاهره‏,‏ ولأنني اعتزمت عند الزواج أن أتوقف عنه بعد أن ادخرت منه مبلغا لا بأس به‏..,‏ وكانت المفاجأة حين أبلغنا والدها في الجلسة نفسها أن ظروفي مازالت غير مقنعة ولا ترشحني لمصاهرته‏,‏ فغادرته ساخطا وأنا غاضب من فتاتي لأنني ظننت أنها قد مهدت لي هذه المرة الطريق وضمنت موافقته‏,‏ ولم تتركني هي لغضبي طويلا فلقد اتصلت بي وأبلغتني فيما يشبه الأوامر وبغير مناقشة‏:‏ أحضر المأذون إلي بيت أسرتك يوم كذا الساعة كذا وسأحضر إليك لعقد القران‏..‏ مع السلامة‏!‏



ثم رفضت الرد علي التليفون المحمول بعدها طوال اليوم لكيلا تدع لي أي فرصة لمناقشتها‏,‏ واحترت في أمري واستشرت أبي فنصحني لإبراء ذمتي أمام أبيها بأن أبلغه بما قررته ابنته دون تحديد للموعد أو المكان وأسأله للمرة الأخيرة الإذن لنا بالزواج لكي يتم عقد القران في بيته هو‏,‏ واتصلت به وأبلغته وسألته الإذن فأجابني في برود وكبرياء أنه لا يأذن لي بعقد قراني علي ابنته‏..‏ وهي حرة في أن تفعل بنفسها ما تشاء لكنه سوف يقاطعها ويحرم عليها دخول بيته حتي يوم الدين إن هي ارتبطت بي علي غير رغبته‏,‏ وأغلق التليفون‏!‏


واقترب الموعد المحدد وأنا لم أحسم أمري بعد‏,‏ وفي اللحظة الأخيرة واتتني نوبة شجاعة قمت خلالها بالاتفاق مع المأذون وأجريت الاستعدادات المطلوبة وجاءت فتاتي إلي البيت مصحوبة ببنتي خالتها وأربع صديقات لها ملأن بيتنا بالزغاريد من اللحظة الأولي وجاوبتهن أمي وهي في قمة الفرح‏,‏ وطلبت فتاتي أن تصلح زينتها فقدتها وصاحباتها إلي غرفتي‏..‏ وأغلقن الباب عليهن‏,‏ وجاء المأذون وقدم الشربات وخرجت عروستي وقد اتخذت زينتها وارتدت فستان الفرح الأبيض‏..‏ وتمت الإجراءات وسط الزغاريد والدموع‏..‏ زغاريد الفتيات ودموع عروسي الجميلة ودموعي ودموع أمي‏,‏ بل وأبي وأخي أيضا‏,‏ وانطلقت الفتيات يغنين مع أنغام الكاسيت وزوجتي تغني معهن وضحكاتها ترتج لها الجدران وصاحباتها يتضاحكن ويقارن بين كآبتها يوم زفافها السابق وفرحتها اليوم‏,‏ ثم بدأت الفتيات في الانصراف وأنا أتوقع أن تنصرف معهن زوجتي بعد أن تبدل فستانها الأبيض لكني رأيتها تودع ابنتي خالتها وصديقاتها بالقبلات وتبقي في الشقة فأدركت أنها قررت أن نتزوج علي الفور وليكن من أمرنا مايكون بعد ذلك‏!‏



وأعدت لنا أمي عشاء فاخرا ثم انفردت بعروسي في غرفتي وأنا أشعر بأنني أسعد انسان في الوجود‏..‏ وفي غرفتي عرفت خطة زوجتي للمستقبل وهي أن نقيم مع أسرتي إلي أن ننتهي من إعداد الشقة‏,‏ ولا بأس باستمراري في العمل بالمقهي حتي ذلك الحين‏,‏ علي أن أتوقف عنه بعد انتقالنا إلي عش الزوجية لبعده عنه قبل كل شئ‏,‏ علي أن أبحث لنفسي عن عمل إضافي آخر في أحد المكاتب أو أن أكتفي بعملي الصباحي‏.‏


وبدأنا حياتنا الزوجية‏..‏ وأصبحت زوجتي نجمة الأسرة وموضع اعتزاز كل أفرادها وحبهم‏,‏ واكتشفت فيها روحها الحلوة المتسامحة وعشرتها الجميلة وقدرتها علي اكتساب مودة الآخرين بطريقة تلقائية‏..‏



وبعد شهر واحد ظهرت عليها أعراض الحمل‏,‏ فبلغت سعادتها قمم الجبال وفسرت هي حملها من أول لحظة مني وعدم حملها علي مدي ثلاث سنوات في زواجها السابق بأنه فارق الحب‏!.‏


وكرست كل جهدي لتشطيب الشقة‏,‏ ورفض والد زوجتي الإفراج عن أثاثها المكوم في شقته القديمة نكاية فيها فلم تأبه لذلك‏..‏ واخترنا بذوق زوجتي أثاثا بسيطا وجميلا‏..‏ وانتقلنا إلي الشقة بعد ثلاثة أشهر من الزواج‏..‏ لكن زوجتي لم تنس أبدا الأيام التي أقامتها مع أبي وأمي‏,‏ وكثيرا ما فضلت أن نقضي بضعة أيام في شقة الأسرة‏,‏ خاصة حين اشتدت عليها متاعب الحمل‏,‏ غير أن شيئا واحدا فقط كان ينغص عليها حياتها وهو موقف أبيها منها‏..‏ فلقد كانت أمها بعد فترة غضب قصيرة تتصل بها وتسأل عنها‏,‏ بل وتلتقي بها من حين لآخر في محل عام لتطمئن عليها‏,‏ وكذلك كانت تفعل أختها الصغري وخالتها وأخوالها وأعمامها وأبناؤهم‏,‏ ماعدا والدها الذي ظل كالصخرة لايرق ولايلين ولا يرد علي اتصالاتها به ولا يتصل بها‏..‏ وإذا سمع صوتها في التليفون أغلق السكة بغير كلمة واحدة‏,‏ حتي اضطرت لأن تكتب إليه الرسائل كما لو كان يعيش في مدينة أخري‏,‏ لكي تستسمحه وتطلب رضاه وتشرح دوافعها لما فعلت‏,‏ بلا أي جدوي‏,‏ بل لقد علمت من أختها أنه لايفتح خطاباتها التي يميزها بخطها ويتعمد تركها مغلقة أمامهم علي مائدة السفرة عدة أيام لكي يعرف الجميع أنه لايأبه لابنته التي تزوجت علي غير إرادته‏..‏



وحتي حين وضعت زوجتي مولودها الأول زارها في المستشفي كل أهلها بلا استثناء وقدموا لها الهدايا والمجاملات ماعدا والدها‏..‏ وكان التنازل الوحيد الذي قدمه هو إنه لم يعد يعترض علي اتصال والدتها واختها بها أو زيارتهما لها‏,‏ والآن ياسيدي فلقد اقترب طفلي الوحيد الجميل الذي جمع حوله قلوب أهل زوجتي جميعا ـ ما عدا جده ـ وأهلي من نهاية العام الأول من عمره ـ ومازال والد زوجتي يرفض أن يري حفيده الوحيد أو أن تزوره زوجتي حاملة طفلها معها ـ أو أن يزور هو ابنته أو يلتقي بها في أي مكان أو حتي أن يرد علي اتصالاتها ورسائلها إليه حتي الآن‏,‏ ولقد أعيتنا الحيل معه‏..‏ ووسطنا لديه كل أفراد أهله وخاصته بلا فائدة‏,‏ فماذا نفعل‏..‏ وكيف أقنعه بأنني غير طامع في ماله‏..‏ وأنني إنسان شريف أكافح بأمانة لإعالة أسرتي الصغيرة‏,‏ وقد تركت العمل بالمقهي والتحقت بعمل مسائي بإحدي الشركات ودخلي منه يوازي نصف دخلي من المقهي‏,‏ لكني رضيت بذلك لكي أسد عليه الثغرات‏..‏


إنه من قرائك فهل توجه له كلمة لكي يفتح أبواب قلبه المغلقة لابنته التي تحبه وتحترمه وتطلب رضاه ولم تفعل ما فعلت إلا بعد أن يئست من نيل موافقته علي زواجها بمن أرادت؟



ولكاتب هذه الرسالة أقول‏:‏


لو كانت كل جناية زوجتك في نظر أبيها أنها قد تزوجتك علي غير إرادته بعد أن أعيتها الحيل معه لنيل موافقته‏,‏ أفلا يشفع لها عنده أنها لم تفعل ذلك إلا مضطرة‏,‏ وبعد أن تأكدت بما لا يدع لها مجالا للشك أنها لن تسعد بحياتها إلا مع من اختاره قلبها‏..‏


وألا يشفع لها أنها قد لقيت حظا عاثرا في زواجها الأول الذي امتثلت فيه لإرادة أبيها وقبلت الزواج بشروطه فكان الانفصال وانهيار حياتها الزوجية‏,‏ وحمل لقب المطلقة هو مصيرها‏.‏



وألا تشفع لها عنده سعادتها الآن مع من اختارته لرفقة الحياة وتعمق روابطها به بعد الإنجاب منه‏..‏ وسعادة الابنة في حياتها الزوجية هي هدف كل الآباء ودوافعهم لما يتخذونه من مواقف بشأن زواجهن‏.‏


بل وألا يشفع لها عنده أن أنجبت أول حفيد له لكي تتحرك مشاعره تجاهه ويسعد به ويختبر معه تلك الأحاسيس البهيجة الجديدة التي يحركها الحفيد في قلب جده‏..‏



إن أهل الرزانة من البشر قد يطيش صوابهم فرحا وابتهاجا بأحفادهم‏,‏ وتفيض قلوبهم حبا ورحمة بهم‏.‏


ولقد روي عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه إنه كان شديد الحب لحفيديه من ابنته فاطمة الزهراء وغامر العطف عليهما والرحمة بهما‏,‏ حتي لقد كان يطيل السجود إذا ارتحله أحدهما وهو ساجد لكيلا يتعجله النزول عن ظهره‏,‏ كما كان لايشير إلي حفيديه هذين إلا بقوله‏:‏ ابناي الحسن والحسين‏.‏



فكيف يحرم صهرك نفسه من هذه النعمة الجليلة‏..‏ نعمة أن يمتد به العمر حتي يري حفيدا له يلاعبه ويداعبه ويغمره بحبه وعطفه ورحمته ويري فيه امتدادا له وتواصلا متجددا مع الحياة؟


بل وكيف يحرم هذا الحفيد نفسه من حقه عليه في أن يسعد به ويلقي رعايته وعطفه؟



انني أربأ بوالد زوجتك أن يجحد نعم ربه عليه فلا يشكرها له سبحانه وتعالي ولا يشكره عليها‏,‏ والشكر هو الحافظ للنعم ومنها أن يكون له هذا الحفيد وأن تكون ابنته التي اضطرت لمخالفته شديدة الحرص بالرغم من ذلك علي استرضائه ونيل عفوه وصفحه‏,‏ ولو لم تكن كذلك لنفضت يدها منه وواصلت حياتها لا تأبه لمن يرفض يدها الممدودة إليه‏..‏ ويقطع رحمها‏,‏ ولا يظنن صهرك أن ابنته إنما تسعي إليه طلبا لمنفعة أو حرصا علي إرث منتظر‏,‏ إذ لو كانت الثروة غايتها لما فضلت الطلاق من زوجها الثري‏..‏ وارتبطت بشاب مكافح مثلك‏,‏ كما أنه يستطيع أن يتخذ من الإجراءات ما يكفل له التأكد من صدق نية ابنته وحرصها علي أن تستعيد صلة الرحم معه وزهدك كذلك في أي نفع يجئ من ناحيته‏,‏ بل يستطيع أن يحرمها من ماله وميراثه إذا أراد مخالفة شرع ربه في المواريث‏..‏ لكي يصدق أنه لا دافع لسعي ابنته إليه سوي رغبتها في أن تعفي نفسها من شبهة العقوق مع أنها لم تفعل ما فعلت إلا مضطرة وكارهة‏..‏


والفضلاء من الآباء والأمهات لايضعون ابناءهم أبدا أمام الاختيار الصعب بينهم وبين من يختارهم الأبناء لرفقة الحياة‏,‏ لكيلا يتأذوا أبلغ الأذي إذا اضطر الأبناء لاختيار شركاء الحياة دونهم‏,‏ ولقد يعترضون علي اختيارات الأبناء ويبذلون كل جهد لإقناعهم بوجهة نظرهم‏,‏ لكنهم إذا لمسوا إصرار الأبناء وأنه لم يبق أمامهم لنيل ما يرون فيه سعادتهم سوي الخروج علي الطاعة‏..‏ تنازل الآباء في اللحظة الأخيرة عن مواقفهم ومنحوا موافقتهم حتي ولو لم يكونوا مقتنعين بذلك‏,‏ برا بهؤلاء الأبناء وإشفاقا عليهم من دفعهم دفعا إلي شق عصا الطاعة عليهم‏..‏



فإذا كانت زوجتك تشعر ببعض الوزر لخروجها علي طاعة أبيها‏..‏ فالحق أن النصيب الأكبر منه إنما يتحمله هذا الأب نفسه بتحجره وعدم مرونته مع ابنته‏..‏ واني لأرجو له أن يعفي نفسه وابنته من هذا الوزر لكي تصفو له ولابنته الحياة‏..‏ ولكي يستمتع بما لم يجربه من قبل من أحاسيس ومشاعر وهو يداعب حفيده ويرقبه وهو يحبو ويخطو خطواته الأولي في الحياة‏,‏ ويتعلم نطق الحروف والأشياء وينثر البهجة والسعادة حوله‏..‏ إن شاء الله‏..‏


__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:11 AM