إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-31-2010, 11:45 AM
  #31
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
كذلك ليس صحيحاً أن هذا المنهج يكلف البشرية جهداً أشق من الجهد الذي تبذله وهي تحيا في ظل المناهج الجاهلية.
إن المناهج الجاهلية - وهي التي يتخذها البشر لأنفسهم في معزل عن هدى الله في أي زمان وفي أي مكان - تتسم حتماً بشيء من نتائج الجهل البشري والضعف البشرى والهوى البشرى - وذلك في احسن حالاتها - فهي من ثم تصطدم بالفطرة البشرية اصطداماً كلياً أو جزئياً. ومن ثم تشقى بها النفس بقدر ما فيها من التصادم مع فطرتها!.
ثم إنها تتسم كذلك بالعلاجات والحلول الجزئية للمشكلات البشرية. وكثيراً ما تعالج جانباً بإيذاء الجانب الآخر، وتلك هي الثمرة المباشرة للرؤية الناقصة التي لا تلم بجميع الجوانب في الوقت الواحد.. فإذا عادت إلى علاج الداء الجديد الذي أنشأه العلاج للداء الأول، أنشأت داء جديداً ... وهكذا دواليك.. كما تشهد بذلك دراسة التقلبات والأطوار التي أنشأتها النظم البشرية والمناهج البشرية... الجاهلية... وهذا وذلك يكلف البشرية - ولا شك - جهوداً أشق من الجهد الذي تبذله للمنهج الكامل الشامل المستقيم مع الفطرة؛ الذي ينظر إلى مشكلاتها كلها من جميع الجوانب، ويضع لها العلاج الكامل الشامل، المنبثق من الرؤية الكاملة الشاملة.
والذي يراجع سجل الآلام البشرية، الناشئة من مناهج الجاهلية، في تاريخها الطويل، لا يجرؤ على القول بان هذا المنهج الإلهي بكل تكاليفه، وبكل "أخلاقيته" يكلف البشرية من الجهد مالا تكلفه لها المناهج الجاهلية!.
وأيسر ما في هذا المنهج أنه - وهو يضع في حسابه البلوغ إلى القمة السامقة - لا يعتسف الطريق، ولا يستعجل الخطى، ولا يتخطى المراحل... إن المدى أمامه ممتد فسيح؛ ولا يحده عمر فرد، ولا تستحثه رغبة فان يخشى أن يعجله الموت أو الفوت عن تحقيق غايته البعيدة؛ كما يقع لأصحاب المذاهب والمناهج الأرضية من البشر الفانين؛ الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد؛ ويتخطون الفطرة الهادئة الخطى، ليقفزوا إلى تحقيق صورة براقة تخايل لهم؛ ولا يصبرون على الخطو الطبيعي الهادئ المطمئن البصير ... وفي الطريق المعتسف الذي يسلكونه تقوم المجازر، وتسيل الدماء، وتتحطم القيم، وتضطرب الموازين... ثم يتحطمون هم في النهاية تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها الأجهزة المصطنعة العسوف!.
فأما المنهج الإسلامي فيسير هيناً ليناً - مع الفطرة - يوجهها من هنا، ويذودها من هناك، ويقومها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها ولا يجهدها كذلك. إنه يصبر عليها صبر العارف البصير، الواثق من الغاية البعيدة المدى، الأكيدة التحقيق... والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية، والذي لا يتم في الجولة الثانية يتم في الجولة الثالثة... أو العاشرة... أو المئة... أو الألف! كل ما هو مطلوب هو بذل الجهد والمضي في الطريق!.
وكما تنبت الشجرة الباسقة، وتضرب بجذورها في أعماق التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك... كذلك ينبت هذا المنهج في النفس والحياة. ويمتد في بطء، وعلى هينة... وفي ثقة وطمأنينة... ثم يكون ما يريد الله أن يكون..
إن الإسلام يلقى بذوره، ويقوم على حراستها؛ ويدعها حينئذ تنمو نموها الطبيعي الهادئ وهو واثق من الغاية البعيدة.. ومهما يحدث من البطء أحياناً، ومن التراجع أحياناً، فان هذا شأن الفطرة.. والزارعة قد تسفى عليها الرمال… وقد يأكل بعضها الدود.. وقد يحرقها الظمأ. وقد يغرقها الري. وقد تصاب بشتى الآفات … ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل. فلا يعتسف، ولا يقلق. ولا يحاول أن ينضجها بغير وسائل الفطرة الهادئة اليسيرة... ومن ثم يصاحبها اليسر، وتسهل تكاليفها على النفوس..
على أننا لا نحتاج - اليوم- إلى الحديث عما تعانيه البشرية من اعتساف المناهج الجاهلية وأصحابها. وحسبنا ما تجأر به من الشقوة في مشارق الأرض ومغاربها. و ما يجهر به بقية العقلاء من صيحات الإنذار والخطر في كل مكان..
وأخيراً فانه ليس صحيحاً أن هذا المنهج لم يعش طويلاً- كما يقول بعضهم في خبث وكيد؛ وبعضهم في حماسة وغيرة! فان البناء الروحي والاجتماعي والسياسي، الذي قام على أساس هذا المنهج السامق الفريد، والذي لم يستغرق بناؤه سوى قرن واحد من الزمان - بل نصف قرن في الحقيقة - قد ظل يقاوم جميع الآفات التي تسللت إليه، وجميع العداوات التي ساورته، وجميع الهجمات الوحشية التي شنت عليه ... اكثر من ألف عام.
وقد ظلت هذه العوامل الرهيبة تساوره وتهاجمه وتتسلل إلى قواعده في إصرار... ووراءها جميع قوى العالم الجاهلي.. فلا تبلغ أن تحطمه من أساسه. ولكنها مع تطاول الزمان، ومع التجمع والترصد، ومع الإصرار والاستمرار؛ ظلت تنقص منه شيئاً فشيئاً، وتنحرف به عن أصوله شيئاً فشيئاً حتى أثخنته فعلا وهددته تهديدا خطيرا .. ومع هذا كله فإنها لم تستطع - حتى اللحظة - تشويه أصوله النظرية، فما تزال هذه الأصول قادرة على البعث الجديد، حين يعتنقها جيل جديد!.
ولكي ندرك قيمة هذه الحقيقة التاريخية، ينبغي ان ننظر إلى بناء آخر، قام على منهج جاهلي... ذلك هو بناء الدولة الرومانية.. لقد استغرق هذا البناء قرابة ألف عام.. ثم تحطم فيما لا يزيد على قرن واحد تحت ضربات الهون والقوط.. ولم يقم بعد ذلك أبداً.. ولا بقيت في أصوله بقية ينهض عليها بعث جديد!.
وهذا هو الفارق الأساسي بين منهج الله ومناهج العبيد!.
نعم إنه كانت هناك فترة فارعة في تاريخ هذا المنهج - وفي تاريخ البشرية كله - ظلت تتراءى في التاريخ البشري كله، كالقمة السامقة، تتطاول إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأنظار؛ وهي في مكانها السامي هناك!.
.... وهي فترة قصيرة فعلاً ....
ولكن هذه الفترة ليست هي كل العهد الإسلامي... إنما هي منارة أقامها الله، لتظل البشرية تتطلع إليها، وتحاول ان تبلغها كذلك؛ وتتجدد آمالها في بلوغ القمة السامقة، وهي تدرج إليها في المرتقى الصاعد. ويقسم الله لها ما يقسم من المدارج في هذا المرتقى. وهي تتطلع دائماً إلى المنارة الهادية!.
حقيقة ان هذه الفترة لم تكن وليدة معجزة لا تتكرر، وأنها كانت ثمرة الجهد البشري الذي بذلته الجماعة المسلمة الأولى، وأنها ممكنة التحقيق حين يبذل مثل ذلك الجهد مرة أخرى...
ولكن هذا الجهد الذي بذلته طائفة مختارة من البشر، قد يكون مرصوداً لكثير من الأجيال البشرية القادمة - لا لجيل واحد - وقد يكون تحقيق تلك القمة الفريدة في ذلك الجيل الواحد، قدراً من أقدار الله، لكي يقوم هذا النموذج في صورة واقعية تمكن محاولتها ، وتمكن معرفة خصائصها ... ثم يترك للبشرية بعد ذلك في أجيالها المتتابعة، ان تحاول بلوغها من جديد.
وقد ظل المنهج يؤدي دوره، فيما بعد هذه الفترة، في مساحات واسعة من الحياة البشرية، وظل يفعل في تصورات البشرية وتاريخها وواقعها أجيالاً طويلة؛ وترك من ورائه آثاراً وتيارات في حياة البشرية كلها، لعلها هي التي تجعلنا نأمل اليوم، في إمكان البشرية ان تتطلع إلى المحاولة من جديد.
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:46 AM
  #32
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

منْهَجٌ مُؤَثِّـر

على ان هذه الاشراقة اللامعة، بلغت من التأثير الدائم في واقع الحياة البشرية، قدر ما بلغته من البهاء والرفعة، ومن العظمة والكمال. وخلفت في واقع البشرية التاريخي من الاثار الباقية، ما قد يجعل الجيل الحاضر من هذه البشرية اليوم أقدر على المحاولة من سائر الأجيال التي خلت - بعد تلك الصفوة المختارة من رجال الصدر الأول - وذلك بمساعدة التيارات التي أطلقتها، والرواسب التي خلفتها، في التصورات والقيم، وفي النظم والأوضاع سواء.
وسنحاول في هذا الفصل أن نلم - في اختصار وإجمال يناسبان طبيعة هذا البحث المجمل المختصر- بلمحات عن آثار هذه الاشراقة الوضيئة الفريدة، لا في تاريخ الأمة الإسلامية وحدها، ولكن كذلك في تاريخ البشرية بجملتها.

* * *

__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:47 AM
  #33
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين


* * *
لقد استطاعت تلك الفترة ان تنشيء في واقع الحياة البشرية عدداً كبيراً من الشخصيات النموذجية، تتمثل فيها الإنسانية العليا، بصورة غير مسبوقة ولا ملحوقة. صورة تبدو في ظلها جميع الشخصيات البشرية التي نشأت في غير هذا المنهج، أقزاماً صغيرة، أو كائنات لم تستكمل وجودها بعد، أو كائنات غير متناسقة على كل حال!.
ولم تكن هذه الشخصيات النموذجية التي أخرجها المنهج الإلهي في تلك الفترة القصيرة آحاداً تعد على أصابع اليدين؛ إنما كانت حشداً كبيراً؛ يعجب الباحث كيف انبثقت هكذا سامقة ناضجة إلى هذا المستوى العجيب، في هذه الفترة القصيرة المحدودة. ويعجز عن تعليل انبثاقها على هذا النطاق الواسع؛ وعلى هذا المستوى الفارع، وفي مثل هذا التنوع من النماذج... ما لم يرد هذه الظاهرة الفريدة إلى فعل ذلك المنهج الفريد.
والمهم أن نعرف ان هؤلاء الناس، الذين تمثلت فيهم نماذج الإنسانية العليا: النماذج التي ظلت فريدة في سموقها، وظلت سائر النماذج على مدار القرون تبدو في ظلها أقزاماً صغيرة، أو كائنات غير تامة الوجود... المهم أن نعرف ان هؤلاء الناس الذي حققوا ذلك المنهج الإلهي في حياتهم على هذا النحو العجيب، قد ظلوا - مع هذا - ناساً من البشر لم يخرجوا عن طبيعتهم، ولا عن فطرتهم؛ ولم يكبتوا طاقة واحدة من طاقاتهم البانية، ولم يكلفوا أنفسهم كذلك فوق طاقتهم… لقد زاولوا كل نشاط إنساني، وأصابوا من الطيبات كل ما كان متاحاً لهم في بيئتهم وزمانهم… لقد أخطأوا وأصابوا، وعثروا ونهضوا ، وأصابهم الضعف البشري أحياناً - كما يصيب سائر البشر - وغالبوا هذا الضعف، وانتصروا عليه أحياناً أخرى...
والمعرفة بهذه الحقيقة ذات أهمية قصوى. فهي تعطي البشرية أملاً قوياً في إعادة المحاولة؛ وتجعل من واجبها - بل تجعل من حقها - أن تتطلع إلى هذه الصورة الوضيئة الممكنة، وأن تظل تتطلع. فهي صورة من شانها أن تزيد من ثقة البشرية بنفسها، وبفطرتها، وبمقدراتها الكامنة، التي يمكن - عندما يوجد المنهج الصالح- ان تبلغ بها إلى ذلك المستوى الإنساني الرفيع الذي بلغته مرة في تاريخها … فهي لم تبلغه بمعجزة خارقة لا تتكرر . إنما بلغته في ظل منهج من طبيعته ان يتحقق بالجهد البشري، وفي حدود الطاقة البشرية.
ولقد انبثق ذلك الجيل الفارع العظيم، من قلب الصحراء، الفقيرة الموارد، المحدودة المقدرات الطبيعية والاقتصادية والعلمية... وعلى كل ما كان في هذه البيئة من الموافقات المكونة لهذا الانبثاق الهائل العجيب، فان البشرية - اليوم وغداً- ليست عاجزة بفطرتها، ولا عاجزة بمقدراتها، أن تنجح مرة أخرى في المحاولة، إذا هي اتخذت ذلك المنهج قاعدة لحياتها.
ولقد ظل هذا المنهج - على كل ما ألم به على مدى الزمن من انحرافات ومن خصومات ومن هجمات - يبعث بنماذج من الرجال، فيها من ذلك الجيل الأول الفارع مشابه، وفيها منه آثاراً وانطباعات... وظلت هذه النماذج تؤثر في الحياة البشرية تأثيرات قوية، وتؤثر في خط سير التاريخ البشري، وتترك من حولها ومن ورائها تيارات ودوامات هائلة تطبع وجه الحياة، وتلون سماتها.
وما يزال هذا المنهج قادراً في كل حين، على ان يبعث بهذه النماذج، كلما بذلت محاولة جدية في تطبيقه وتحكيمه في الحياة. على الرغم من جميع المؤثرات المضادة، وعلى الرغم من جميع المعوقات من حوله وفي طريقه.
والسر الكامن فيه هو تعامله المباشر مع الفطرة؛ واستمداده المباشر من رصيدها المكنون. وهو رصيد هائل، ورصيد دائم. وحيثما التقى مع هذا المنهج تفجرت ينابيعه الثرة، وفاض فيضه المكنون!.

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:48 AM
  #34
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين


* * *
واستطاعت هذه الفترة ان تقرر في واقع الحياة البشرية مبادئ وتصورات، وقيما موازين، لم يسبق أن تقررت في تاريخها كله، بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحيوي كله. ولم يقع كذلك ان تقررت هذه المبادئ والتصورات والقيم والموازين في واقع البشرية مرة أخرى - وفي ظل أي منهج وأي نظام في الأرض كلها - بمثل هذا الوضوح، وبمثل هذا العمق، وبمثل هذا الشمول للنشاط الحيوي كله... ثم- وهذا هو الأهم- بمثل هذا الصدق والجد والإخلاص والتجرد الحقيقي العميق.
وقد تناولت هذه المبادئ والتصورات، وهذه القيم والموازين، كل قطاعات الحياة الإنسانية، تناولت تصور البشرية لإلهها، وعلاقاتها به. وتصورها لهذا الوجود الذي تعيش فيه وعلاقتها به، وتصورها لغاية وجودها الإنساني ومكانها في هذا الكون ووظيفتها...
كما تناولت - تبعاً لذلك- تصورها لحقيقة الإنسان، وحقوقه وواجباته وتكاليفه، والقيم التي توزن بها حياته ونشاطه ومكانته، والتي تقوم عليها علاقاته بربه، وعلاقاته بأهله، وعلاقاته بأبناء جنسه، وعلاقاته بالكون والأحياء والأشياء.
ومما تناولته... الحقوق والواجبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. والأنظمة والأوضاع والروابط التي تنظم هذه الحقوق والواجبات وبالجملة كل قطاعات الحياة الإنسانية في شتى صورها وجوانبها الكثيرة.
وقررت في هذا كله حكمها الذي يفردها ويميزها، ويجعل لها طابعها الرباني الفريد..
وقد تم هذا كله في وسط محلى معاد لمثل هذه المبادئ والتصورات، ولهذه القيم والموازين... وفي وسط عالمي منكر لأساس هذه المبادئ والتصورات والقيم والموازين.. وفي ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وعقلية ونفسية - محلية وعالمية - من شأن ظواهرها ان تصادم هذه الاتجاهات التي قررها الإسلام في واقع الحياة البشرية، للمرة الأولى، أو على الأقل لا تساعدها على الحركة الطليقة. معتمداً في نجاحه - قبل كل شيء - على رصيد الفطرة البشرية من الاستعداد للاستقامة على المنهج الإلهي- الموافق في صميمه لهذه الفطرة - قبل ان تغشيها المؤثرات السطحية- وعلى استثارة هذا الرصيد، واستنقاذه من الركام الذي ران عليه. وهو رصيد ضخم، يكفي - حين يوجد المنهج الذي يستنقذه من التبدد والانطمار - لمقاومة تلك المؤثرات السطحية ، التي يظن بعض قصار النظر أنها تمثل كل شيء في حياة الإنسان... والإسلام لا يغفل هذه المؤثرات ولا يهمل آثارها في الحياة البشرية، ولكنه لا يقف أمامها مستسلماً، باعتبارها "أمراً واقعاً" لا فكاك منه. بل يلجأ إلى استنقاذ رصيد الفطرة؛ وتجميعه ، وتوجيهه، لتعديل الواقع، في رفق وتؤدة- على نحو ما بينا من طريقته في العمل في الفصل السابق- وينتهي إلى مثل ما انتهى إليه في تلك الفترة، في مواجهة تلك الظروف المناوئة، المحلية والعالمية، وتحويلها إلى ظروف مواتية. كما حدث بالفعل في الجزيرة العربية. وفيما وراءها كذلك!.
والبشرية اليوم قد تكون - في بعض الجوانب - أحسن حالاً وظروفاً منها يوم جاءها هذا المنهج، واحدث فيها - في فترة قصيرة- ذلك الانقلاب الشامل، وتلك الثورة العظمى- في رفق ويسر وانطلاق- وقد تكون أقدر على العمل بهذا المنهج- للأسباب التي سنبديها في فصل تال - وقد تكون طاقتها اليوم على حمله اكبر. وبخاصة حين نعرف ان رصيد الفطرة الإنسانية- على الرغم من كل ما يرسب فوقه من ركام الفساد والشر والانحراف ؛ وعلى الرغم من كل ما يبدده ويسحقه من الأوضاع المادية والمؤثرات الاقتصادية والفكرية - قادر على ان ينتفض، ويتجمع، ويعمل، حين يفلح المنهج في استنقاذه وتجميعه وتوجيهه، وإطلاقه في الخط المتناسق مع فطرة الإنسان، وفطرة الكون، كما خلقها الله. وان هذا الرصيد من الأصالة، والعمق، والضخامة، بحيث يرجح سائر العوامل الأخرى، التي تأخذ صورة "الواقع" ... فما بال إذا كان بعد هذه العوامل اليوم في صفه وفي اتجاهه؟
ان "الواقع" الخارجي يتراءى، لمن لا يعرفون طبيعة هذا المنهج، كما لو كان هو الحقيقة التي لا سبيل إلى تغييرها، ولا سبيل إلى زحزحتها، ولا سبيل إلى التمرد عليها!.
ولكن هذا ليس إلا وهماً كبيراً. فالفطرة البشرية "واقع" كذلك. وهي ليست على استقامة مع هذا الواقع الظاهري؛ بدليل أنها تشقى به في مشارق الأرض ومغاربها. وحين تصطدم الفطرة بوضع من الأوضاع، أو بنظام من النظم، فقد تغلب في أول الأمر، لأن وراء هذا الوضع أو هذا النظام قوة مادية تفرضه فرضاً، ولكن الذي لا شك فيه ان الفطرة أقوى واثبت من كل وضع طارئ عليها، ومن كل قوة تسند هذا الوضع الطارئ. ولابد لها من أن تغلب في النهاية. وبخاصة حين يقودها منهج طبيعته من طبيعتها..
وقد حدث هذا مرة يوم واجه ذلك المنهج الإلهي "واقع" الجزيرة العربية، وواقع الأرض كلها. فانتصر على هذا الواقع انتصاراً رائعاً، وبدل قوائمه التصورية والعملية، وأقامه على أسس جديدة.
وهذا الذي حدث لم يتم بمعجزة خارقة لا تتكرر. ولكنه تحقق - وفق سنة الله الدائمة- بجهد بشري، وفي حدود الطاقة البشرية... فدلت هذه السابقة على إمكان تكرار هذه الظاهرة.
فما بال إذا كانت التيارات التي أطلقتها تلك الفترة، والرواسب التي خلفتها، في حياة البشرية، وفي الواقع التاريخي، كلها عوامل مساعدة في المحاولة الجديدة؟

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:48 AM
  #35
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين


* * *
واستطاعت تلك الفترة ان تقر في حياة البشرية تقاليد عملية، وأوضاعاً واقعية- تستند إلى تلك المبادئ والتصورات والقيم والموازين- لم تمت وتذهب بانقضاء تلك الفترة. ولكنها امتدت في صورة تيار متحرك، مندفع إلى مسافات بعيدة في الأرض، والى أحقاب متطاولة من الزمان. وتأثرت بها الحياة البشرية كلها - على صورة من الصور- وأصبحت رصيداً للبشرية كلها، تنفق منه وتستمد اكثر من ألف عام.. رصيداً يؤثر في تصوراتها، ويؤثر في أوضاعها، ويؤثر في تقاليدها، ويؤثر في علومها ومعارفها، ويؤثر في اقتصادها وعمرانها، ويؤثر في حضارتها كلها تأثيرات متفاوته، ولكنها مطردة فاعلة في كل ركن من أركان الأرض. وما تزال بقايا من ذلك التيار تعمل في واقع الحياة البشرية حتى اليوم، على الرغم من جميع القوى التي وقفت في وجه هذا المد الغامر، وعلى الرغم من النكسة أو النكسات إلى الجاهلية والإغريقية والجاهلية الرومانية، في العالم الغربي، الذي سيطر على مقاليد الأرض أحقاباً متطاولة!.
وقد استقرت في حياة البشرية من وراء هذه التأثيرات الواقعية مبادئ وقيم، ونظريات وأوضاع، قد تجهل البشرية اليوم مصدرها الأصيل، وقد تردها إلى مصادر أخرى غير ذلك المنهج المؤثر. ولكنه ليس من المتعذر معرفة اصلها الأول، والرجوع بها إلى فعل المنهج الإلهي، وآثاره في الحياة البشرية. وسنشير في فصل تال إلى بعض الخطوط العريضة التي انتهت البشرية إلى إقرارها اليوم، وكانت منكرة لها اشد الإنكار يوم جاءها بها الإسلام، أول مرة، منذ نيف وثلثمائة وألف عام!.
ولعله من شأن استقرار هذه الخطوط العريضة في حياة البشرية وأوضاعها الحاضرة، بعد الإنكار الشديد لها يوم جاءها بها الإسلام أول مرة، ان تكون البشرية اليوم اقرب - بصفة عامة - إلى تفهم هذا المنهج، وأقدر كذلك على حمله، ولديها منه رصيد واقعي، خلفته موجة المد الأول، لم يكن لديها يوم جاءها أول مرة! ولديها كذلك رصيد من تجاربها الخاصة، في فترة التيه والشرود عن هذا المنهج، وما أصبحت تعانيه اليوم من أثار هذا التيه وهذا الشرود- مما سبقت الإشارة إليه باختصار- فهذه وتلك قد تكون من العوامل المساعدة على تقبل المنهج الإلهي، والصبر عليه في الجولة القادمة... بإذن الله...

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:49 AM
  #36
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
ولعله يحسن الآن - وقد وصلنا إلى هذا الحد من الإشارات المجملة - ان نفصلها بعض التفصيل، بذكر شيء من مدلولتها الواقعية في الحياة البشرية، من خلال الواقع التاريخي، وبتفصيل شيء من رصيد الفطرة الذي واجه به الإسلام واقع البشرية فانتصر عليه، وقرر منهجه في وجه ذلك الواقع..
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:50 AM
  #37
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

رصيد الفـطـرة

يوم جاء الإسلام أول مرة وقف في وجهه "واقع" ضخم. واقع الجزيرة العربية، وواقع الكرة الأرضية!... وقفت في وجهه عقائد وتصورات؛ ووقفت في وجهه قيم وموازين؛ ووقفت في وجهه أنظمة وأوضاع؛ ووقفت في وجهه مصالح وعصبيات..
كانت المسافة بين الإسلام- يوم جاء- وبين واقع الناس في الجزيرة العربية وفي الكرة الأرضية، مسافة هائلة سحيقة، وكانت النقلة التي يريدهم عليها بعيدة بعيدة...
وكانت تسند "الواقع" أحقاب من التاريخ؛ وأشتات من المصالح؛ وألوان من القوى؛ وتقف كلها سداً في وجه هذا الدين الجديد؛ الذي لا يكتفي بتغيير العقائد والتصورات، والقيم والموازين، والعادات والتقاليد، والأخلاق والمشاعر... إنما يريد كذلك - ويصر- على ان يغير الأنظمة والأوضاع، والشرائع والقوانين، وتوزيع الموال والأرزاق. كما يصر على انتزاع قيادة البشرية من يد الطاغوت والجاهلية، ليردها إلى الله وإلى الإسلام!.
ولو أنه قيل لكائن من كان - في ذلك الزمان- ان هذا الدين الجديد الذي يحاول هذا كله، في وجه ذلك "الواقع" الهائل، الذي تسنده قوى الأرض كلها، هو الذي سينتصر، وهو الذي سيبدل هذا الواقع في أقل من نصف قرن من الزمان، لما لقى هذا القول إلا السخرية والاستهزاء والاستنكار!.
ولكن هذا "الواقع" الهائل الضخم، سرعان ما تزحزح عن مكانه، ليخليه للوافد الجديد. وسرعان ما تسلم القائد الجديد مقادة البشرية ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويقودها بشريعة الله، تحت راية الإسلام!.
كيف وقع هذا الذي يبدو مستحيلاً في تقدير من يبهرهم "الواقع" ويسحقهم ثقله، وهم يزنون الأمور والأوضاع؟!.
كيف استطاع رجل واحد. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم… أن يقف وحده في وجه الدنيا كلها، أو على الأقل في وجه الجزيرة العربية كلها في أول الأمر ؟ أو على الأقل في وجه قريش سادة العرب كلهم في منشأ الدعوة؟ وأمام تلك العقائد والتصورات، والقيم والموازين والأنظمة والأوضاع، والمصالح والعصبيات، ثم ينتصر على هذا كله، ويبدل هذا كله؛ ويقيم النظام الجديد، على أساس المنهج الجديد، والتصور الجديد؟
انه لم يتملق عقائدهم وتصوراتهم، ولم يداهن مشاعرهم وعواطفهم، ولم يهادن آلهتهم وقيادتهم.. لم يتمسكن حتى يتمكن... انه أمر ان يقول لهم منذ الأيام الأولى، وهو في مكة، تتألب عليه جميع القوى:
" قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد، لكم دينكم ولي دين "..
فلم يكتف بان يعلن لهم افتراق دينه عن دينهم، وعبادته عن عبادتهم، ومفاصلتهم في هذا مفاصلة كاملة لا لقاء فيها. بل أمر كذلك ان ييئسهم من إمكان هذا اللقاء في المستقبل. فكرر عليهم: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد "... وباطراد المفاصلة في هذا الأمر، الذي لا التقاء فيه! " لكم دينكم ولي دين ".
وهو كذلك لم يبهرهم بادعاء ان له سلطاناً سرياً، ولا مزايا غير بشرية ولا موارد سرية. بل أمر ان يقول لهم:
" قل: لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول لكم إني ملك. ان اتبع إلا ما يوحى إلي "... (الأنعام: 50)
ولم يوزع الوعود بالمناصب والمغانم لم يتبعونه، حين ينتصر على مخالفيه: قال ابن إسحاق: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على القبائل في الموسم - موسم الحج- يقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به".
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري: أنه أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه. فقال رجل منهم يقال له: بيجرة بن فراس: والله أو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب! ثم قال له: أرأيت ان نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: " الأمر لله يضعه حيث يشاء". قال: فقال له، أفتهدف نحورنا للعرب، فان أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه"...
كيف اذن وقع الذي وقع؟ كيف قوى ذلك الرجل الواحد على قهر ذلك "الواقع"؟
انه لم يقهره بمعجزة خارقة لا تتكرر. فقد أعلن - صلى الله عليه وسلم- انه لا يعمل في هذا الحقل بخارقة؛ ولم يستجب - مرة واحة- لطلبهم للخوارق.. إنما وقع الذي وقع وفق سنة دائمة تتكرر كلما أخذ الناس بها واستجابوا إليها.
لقد وقع الذي وقع من غلبة هذا المنهج، لأنه تعامل - من وراء الواقع الظاهري- مع رصيد الفطرة المكنون. وهو رصيد - كما أسلفنا- ضخم هائل، لا يغلبه هذا الركام الظاهري؛ حين يستنقذ ويجمع ويوجَّه، ويطلق في اتجاه مرسوم!

* * *

__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:51 AM
  #38
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
كانت المعتقدات الفاسدة والمحرفة ترين على ضمير البشرية، وكانت الآلهة الزائفة تزحم فناء الكعبة كما تزحم تصورات الناس وعقولهم وقلوبهم . وكانت المصالح القبلية والاقتصادية تقوم على كواهل هذه الآلهة الزائفة، وما وراءها من سدانة وكهانة، ومن أوضاع في حياة الناس، مستمدة من توزيع خصائص الألوهية بين العباد؛ وإعطاء السدنة والكهنة حق الاشتراع للناس، ووضع مناهج الحياة!!!
وجاء الإسلام يواجه هذا "الواقع" كله بلا اله إلا الله. ويخاطب الفطرة التي لا تعرف لها إلهاً إلا الله. ويعرف الناس بربهم الحق، وخصائصه وصفاته التي تعرفها فطرتهم من تحت الأنقاض والركام.
" قل: أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم؟ قل: إني أمرت ان أكون أول من أسلم. ولا تكونن من المشركين. قل: إني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم. من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه، وذلك الفوز المبين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وان يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير. وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير. قل: أي شيء اكبر شهادة؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم، وأوحى إلى هذا القران لأنذركم به ومن بلغ. أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟ قل: لا أشهد قل: إنما هو اله واحد، وإنني بريء مما تشركون ". (الأنعام: 14-19)
" قل: انى نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله: قل: لا اتبع اهواءكم، قد ضللت اذن وما انا من المهتدين. قل : انى على بينة من ربي. وكذبتم به، ما عندي ما تستعجلون به. ان الحكم الا الله، يقص الحق وهو خير الفاصلين. قل: لو ان عندي ما تستعجلون به لقضى الأمر بيني وبينكم،والله أعلم بالظالمين. وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين.وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار،ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى، ثم اليه مرجعكم،ثم ينبئكم بما كنتم تعلمون،وهو القاهر فوق عباده،ويرسل عليكم حفظة،حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون.ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق.ألا له الحكم،وهو أسرع الحاسبين.قل:من ينجيكم من ظلمات البر والبحر،تدعونه تضرعا وخفية:لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين.قل:الله ينجيكم منها ومن كل كرب،ثم أنتم تشركون.قل: هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم،او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم باس بعض.انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ".... ( الأنعام: 56-65)
واستمعت الفطرة الى الصوت القديم،الذي يخاطبها من وراء ركام الواقع الثقيل،في التيه العريض.وثابت الى الهها الواحد.وانتصرت الدعوة الجديدة على الواقع الثقيل!

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:52 AM
  #39
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
وعندما ثاب الناس الى إله واحد.امتنع ان يعبد الناس الناس ووقف الجميع رافعي الرؤوس امام بعضهم البعض.يوم انحنت كل الرؤوس للإله الواحد القاهر فوق عباده. وانتهت اسطورة الدماء المتفاضلة، والأجناس المتفاضلة، ووراثة الشرف والحكم والسلطان...
ولكن كيف وقع هذا ؟
لقد كان هناك "واقع" اجتماعي، وراءه مصالح طبقية وعنصرية، مادية ومعنوية. واقع سائد في الجزيرة العربية، وسائد في الأرض من حولها. واقع ليس محل اعتراض احد، لأن المنتفعين به لا يسأمونه، والرازحين تحته لا ينكرونه!.
كانت قريش تسمى نفسها "الحمس" وتفرض لنفسها حقوقاً وتقاليد ليست لسائر العرب. وتقف في الحج بالمزدلفة حين يقف الناس جميعاً بعرفات! ويقيمون على هذه الامتيازات منافع اقتصادية يفرضونها على سائر العرب. فيحتِّمون عليهم ألا يطوفوا بالبيت الا في ملابس يشترونها من قريش؟ وإلا طافوا بالبيت عراة؟
وكانت الأرض كلها من حول الجزيرة تعج بالتفرقات القائمة على اختلاف الدماء والأجناس وتفاضلها...
" كان المجتمع الايراني مؤسساً على اعتبار النسب والحرف. وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر، ولا تصل بينها صلة. وكانت الحكومة تحظر على العامة ان يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير. وكان من قواعد السياسة الساسانية ان يقتنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه. ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها. وكان ملوك ايران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم. وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها على بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع".
"وكانت الأكاسرة ملوك فارس يدعون انه يجري في عروقهم دم الهي. وكان الفرس ينظرون اليهم كآلهة، وينشدون الأناشيد بألوهيتهم، ويرونهم فوق القانون، وفوق الانتقاد، وفوق البشر، لا يجري اسمهم على لسانهم، ولا يجلس أحدهم في مجلسهم؛ ويعتقدون أن لهم حقاً على كل انسان ،وليس لإنسان حق عليهم. وأن ما يرضخون لأحد من فضول أموالهم وفتات نعمهم فإنما هو صدقة وتكرم، من غير استحقاق، وليس للناس قبلهم الا السمع والطاعة. وخصصوا بيتاً معيناً - هو بين الكياني- فكانوا يعتقدون أن لأفراده وحدهم الحق أن يلبسوا التاج، ويجبوا الخراج. وهذا الحق يتنقل فيهم كابراً عن كابر، واباً عن جد، لا ينازعهم ذلك الا ظالم، ولا ينافسهم الا دعى نذل،. فكانوا يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك، لا يبغون به بدلاً، ولا يرون عنه محيصاً . فإذا لم يجدوا من هذه الأسرة كبيراً ملكوا عليهم طفلاً. وإذا لم يجدوا رجلاً ملكوا عليهم امرأة. فقد ملكوا بعد "شيرويه" ولده "أردشير" وهو ابن سبع سنين. وملك "فرخ زاد خسرو بن كسرى أبرويز" وهو طفل. وملكوا بوران بنت كسرى. وملكت كذلك ابنة كسرى ثانية يقال لها: "أزرمى دخت" ولم يخطر ببالهم ان يملكوا عليهم. قائداً كبيراً، أو رئيساً من رؤسائهم، مثل "رستم" و "جابان" وغيرهما. لأنهم ليسوا من البيت الملكي!.
وكان نظام الطبقات في الهند من اعنف وأبشع ما يصنع الانسان بالإنسان.
"وقبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارة البرهمية، ووضع فيها مرسوم جديد للمجتمع الهندي، وألف فيه قانون مدني سياسي اتفق عليه، واصبح قانوناً رسمياً، ومرجعاً دينياً، في حياة البلاد ومدنيتها، وهو المعروف الآن: "منوشاستر"...
"يقسم هذا القانون الأهالي الى اربع طبقات متميزة. وهي:
(1) البراهمة: طبقة الكهنة ورجال الدين.
(2) شترى: رجال الحرب
(3) ويش: رجال الزراعة والتجارة.
(4) شودر: رجال الخدمة
ويقول "منو" مؤلف هذا القانون:
"ان القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشترى من سواعده وويش من أفخاذه، والشودر من أرجله! ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم. فعلى البراهمة تعليم "ويد" او تقديم النذور للآلهة. وتعاطي الصدقات. وعلى "الشترى" حراسة الناس، والتصدق وتقديم النذور ودراسة "ويد" والعزوف عن الشهوات. وعلى "ويش" رعى السائمة والقيام بخدمتها وتلاوة "ويد" والتجارة والزراعة. وليس "لشودر" الا خدمة هذه الطبقات الثلاث!.
"وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقاً ألحقتهم بالآلهة. فقد قال : ان البراهمة هم صفوة الله، وهم ملوك الخلق، وان ما في العالم هو ملك لهم، فانهم أفضل الخلائق وسادة الأرض، ولهم ان يأخذوا من مال عبيدهم شودر - من غير جريرة - ما شاءوا. لأن العبد لا يملك شيئاً، وكل ماله لسيده. وان البرهمي الذي يحفظ "رك ويد" (الكتاب المقدس) هو رجل مغفور له، ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه واعماله: ولا يجوز للملك حتى في اشد ساعات الاضطرار والفاقة ان يجبي من البراهمة جباية، او يأخذ منهم أتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعاً، وان استحق برهمي القتل، لم يجز للحاكم الا ان يحلق رأسه، اما غيره فيقتل!.
" اما الشترى فان كانوا فوق الطبقتين (ويش وشودر) ولكنهم دون البراهمة بكثير. فيقول: "منو" ان البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشترى الذي ناهز مئة، كما يفوق الوالد ولده!.
" أما شودر "المنبوذون": فكانوا في المجتمع الهندي - بنص هذا القانون المدني الديني- احط من البهائم، وأذل من الكلاب. فيصرح القانون بأن "من سعادة شودر ان يقوموا بخدمة البراهمة، وليس لهم اجر او ثواب بغير ذلك. وليس لهم أن يقتنوا مالاً، أو يدخروا كنزاً فان ذلك يؤذي البراهمة! وإذا مد أحد من المنبوذين إلى برهمي يدا أو عصا ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه في غضب فدعت رجله، وإذا هم أحد من المنبوذين أني يجالس برهميا فعلى الملك أن يكوى إسته، أو يحرمه وينفيه من البلاد. واما اذا مسه بيد، أو سبه، فيقتلع لسانه. وإذا ادعى انه يعلمه سقى زيتاً فائراً. وكفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة. ورجل من الطبقة المنبوذة، سواء !!!".
اما الحضارة الرومانية الشهيرة فقامت على اساس الترف، الذي يوفره ثلاثة ارباع سكانها من العبيد، للربع الباقي من الاشراف! وعلى اساس التفرقة في نصوص القانون بين السادة والعبيد. وبين الطبقات الكريمة والوضيعة:
جاء في مدونة جوستنيان القانونية الشهيرة:
" ومن يستهو ارملة مستقيمة او عذراء، فعقوبته - ان كان من بيئة كريمة - مصادرة نصف ماله، وان كان في بيئة ذميمة فعقوبته الجلد والنفي من الأرض".
وبينما كان هذا "الواقع" سائداً في الأرض كلها، كان الاسلام يخاطب "الفطرة" من تحت ركام الواقع. الفطرة التي تنكر هذا كله ولا تعرفه. وكانت استجابة الفطرة لنداء الاسلام أقوى من هذا الواقع الثقيل.
استمعت الفطرة الى الله - سبحانه- يقول للناس جميعاً.
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر هو أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله أتقاكم "... [الحجرات:13]
واستمعت اليه -سبحانه- يقول لقريش خاصة: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "... [البقرة:199]
واستمعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول للناس جميعاً: " يا أيها الناس. ان ربكم واحد، وان اباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على ابيض ولا لأبيض على احمر فضل الا بالتقوى ".
واستمعت إليه يقول لقريش خاصة:
" يا معشر قريش.. اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، ما اغنى عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي ، لا اغنى عنك من الله شيئاً ". [متفق عليه]
استمعت الفطرة الى النداء المستجاب، وأزاحت عنها ركام "الواقع" وانطلقت مع المنهج الإلهي.. ووقع ما وقع وفق سنة الله المطردة، القابلة للوقوع في كل حين.

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-31-2010, 11:54 AM
  #40
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
وكان النظام الربوي هو السائد في الجزيرة العربية، وعليه يقوم اقتصادها الأساسي. ولا يحسبن أحد انها كانت مجرد معاملات فردية في حدود ضيقة. فقد قامت لقريش تجارة ضخمة مع الشام في رحلة الصيف، ومع اليمن في رحلة الشتاء. وكانت توظف في هذه التجارة رؤوس أموال قريش. ولا يجوز ان ننسى ان قافلة ابي سفيان التي ترصد لها المسلمون في غزوة بدر، ثم أفلتت منهم، وقسم الله لهم ما هو خير منها، كانت تحوى ألف بعير موسوقة بالبضائع! ولو كان الربا مجرد معاملات فردية محدودة، لا نظاماً شاملاً للحياة الاقتصادية ما استحق من الله - سبحانه - هذه الحملة المفزعة المتكررة في القران، ولا متابعة تلك الحملة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه!.
هذه الأموال، وهذه الحركة التجارية، وهذا الاقتصاد الذي يقوم عليها، كان يقوم كله على اساس النظام الربوي. وفيه تجمعت اقتصاديات البلاد تقريباً قبيل البعثة، فكذلك كانت تقوم الحياة في المدينة. وأصحاب اقتصادها هم اليهود. والربا قاعدة اقتصاد اليهود!.
وكان هذا "واقعا" اقتصادياً تقوم عليه حياة البلاد!.
ثم جاء الاسلام.. جاء ينكر هذا الأساس الظالم الجارم؛ ويعرض بدله اساساً آخر: أساس الزكاة والقرض الحسن والتعاون والتكافل.
" الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، فلهم اجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس. ذلك بأنهم قالوا: انما البيع مثل الربا. واحل الله البيع وحرم الربا. فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، وأمره الى الله. ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. يمحق الله الربا ويربى الصدقات. والله لا يحب كل كفار أثيم. ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات. واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، لهم اجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين. فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون، وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة، وأن تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون. واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ". [البقرة: 274-281]
ووجدت الفطرة ان دعوة الله خير مما هي فيه. واشمأزت من الأساس الهابط الذي يقوم النظام الربوي عليه. ومع مشقة الانتقال في الأوضاع الاقتصادية التي تقوم عليها حياة الناس، فقد كانت استجابة الفطرة أقوى من ثقل " الواقع" ، وتطهر المجتمع المسلم من تلك اللوثة الجاهلية. وكان ما كان. وفق سنة الله التي تتكرر كلما دعيت الفطرة فانتفضت من تحت الركام والأنقاض!.

* * *
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:59 PM