
مشاركة: دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
ويوجد الآن نوعان من سياسات التمويل لهذه المنشآت هما:
أولاً: سياسة التمويل بالإقراض: التي تتبعها البنوك التقليدية وما يتبعه ويترتب عليه من استخدام أصحاب هذه المنشآت للكمبيالات التجارية كأداة للوفاء جنباً إلى جنب مع الشيكات ، ومن ثم يكون إتباع أسلوب البيع الآجل بالكمبيالات هو الأكثر شيوعاً وانتشارا واستعمالا ، الأمر الذي يضطر أصحاب هذه المنشآت إلى خصم قيمة هذه الأوراق التجارية قبل موعد استحقاقها للحصول على السيولة اللازمة لتمويل رأس المال العامل ، وما قد يعكسه أسلوب:
-
خصم الكمبيالات.
-
الخصم عند السداد المبكر.
من خلل في التمويل أو في الهيكل التمويلي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ،وما قد يصاحب ذلك من صعوبات في حالات التمويل بالعملات الأجنبية ، ناتجة عن العجز في الحصول على احتياجاتها منها ، بسبب ارتفاع الفائدة وأسعار الصرف وصعوبة الإجراءات والدراسات اللازمة والضمانات المطلوبة.
لكل ذلك فإن دور البنوك التقليدية في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة محدود بسبب:
1)
عدم تناسب العائد مع الأعباء الإدارية والفنية التي يقوم بها البنك بصدد التمويل.
2)
ضعف البيانات والإحصاءات التفصيلية والسليمة عن أنشطة هذه المنشآت ومن ثم صعوبة تقييمها اقتصاديا.
ثانياً : المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وسياسة التمويل بالأدوات والصيغ والأساليب الشرعية :
* دور المصارف الإسلامية في التنمية الحقيقية.
من المجمع عليه في فقه التنمية الحقيقية أنها هي التنمية الذاتية والقاعدية والتي تسمى أحياناً: التنمية من أسفل.
والذاتية هي التي تعتمد على التمويل الداخلي أساساً لا الإسراف في الاقتراض الخارجي.
والقاعدية أو من أسفل هي التي تستطيع أن تحرك المنشآت الصغيرة والمتوسطة ، وتعمل على توسيع قاعدة الملكية وتنوعها وتعددها ، ولا تحصر نفسها في نمط واحد منها وإن اختلف الوزن النسبي أو الأوزان النسبية لكل نوع ، بحسب ظروف واحتياجات كل بلد.
والمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية هي :
-
الأقدر على ذلك بحسب:
-
مفهومها ومعناها.
-
أدوات عملها بضوابطها وأحكامها الشرعية.
ومن ثم كان من أهدافها الرئيسية تنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة : الحرفية والمهنية والصناعات الصغيرة باعتبارها جميعاً الأساس الفعال لتطوير البنية الاقتصادية ، وتوسيع قاعدة الملكية ، وبناء المسؤولية الشعبية في إحداث تنمية حقيقية مُتَبعة في ذلك أدوات ووسائل التمويل الشرعية.
خامساً: سبيل معالجة المعوقات والصعوبات
(أ) سبل مواجهة الصعوبات والمعوقات التي تواجه المنشآت المتوسطة والصغيرة:
(1) أن تكون هذه المنشآت أحد المكونات الرئيسية في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية .
(2) أن تكون أحد الأهداف الرئيسية في مجال استخدام وتوظيف أموال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وأحد مكونات سياستها التمويلية .
(3) أن يكون لهذه المنشآت مناطق توطن واضحة ومدروسة باستخدام الأساليب العلمية والفنية من خلال دراسات الجدوى ، مما يساعد على ربطها بالمزايا المادية والمكانية والوفورات .
(4) الارتباط التام بين الهيكل التنظيمي لهذه المنشآت وتحقيق أهداف نشاطها المختلفة .
(5) تحقيق نوع من التعاون بين هذه المنشآت والمنشآت الكبيرة .
(ب)سبل مواجهة الصعوبات والمعوقات التي تواجه المصارف والمؤسسات المالية والإسلامية الممولة لهذه المنشآت:
المصارف الإسلامية بحاجة إلى تطوير صيغ التمويل المتاحة لديها وتطوير صيغ تمويل جديدة بقصد الملائمة والتناسب والنهوض بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة .
(1) تطوير صيغ التمويل المتاحة من خلال :
(أ) التخصص القطاعي أي حسب قطاع النشاط الذي تمارسه المنشآت الصغيرة والمتوسطة فهناك :
¨قطاع التجارة .
¨قطاع الخدمات .
¨القطاع الزراعي .
¨القطاع الصناعي .
¨القطاع العقاري .
مع ما يتطلبه كل قطاع بحسب طبيعته من فن وخبرة وإلمام واسع بفنياته ومتطلباته .
(ب)التخصص في العمليات حسب الآجال بقصد التغلب على مشاكل الاستثمار قصير الأجل والتي من أهمها [1] :
(1) انخفاض سرعة دوران الأموال .
(2) صعوبة مشاركة هذا النوع من الاستثمار في المشاريع التنموية التي تتطلب بحسب طبيعتها استثمارات طويلة الأجل ، ومن الخطر استخدام أموال قصيرة الأجل في استثمارات طويلة الأجل .
وبذلك يتضح وجود عقبة في تمويل المشاريع المتوسطة والطويلة الأجل بأموال قصيرة الأجل على أساس من المشاركة في الربح والخسارة .
(3) هذا فضلا عن صعوبة توجيه الودائع قصيرة الأجل بالعملة الأجنبية إلى المشاريع التنموية حيث تحرص المصارف الإسلامية في الغالب على الإبقاء على العملات الأجنبية والنتيجة الطبيعية لذلك هو اتجاه هذه الأموال إلى أسواق المضاربات الخارجية وازدياد نسبة المخاطر التي تواجهها .
(ج) التوفيق بين الموارد والاستخدامات حسب الأجل : بمعنى تناسب المدخلات (الموارد) مع المخرجات (الاستخدامات) وما يتطلبه ذلك من أن يعد المصرف الإسلامي مشروعات استثمارية قصيرة ومتوسطة وطويلة تناسب المنشآت الصغيرة والمتوسطة ويعلن المصرف عن ذلك للمتعاملين ، ويحدد المدة المناسبة لكل وديعة يرغب صاحبها في استثمارها في مشروع معين ([2]) ، كما يمكن إنشاء سلة مشروعات متنوعـة المـدة لتوزيع المخاطـر بحيث لا يسمح بالسحب من الوديعة إلا بعد انتهاء مدتها .
(د) يجب على المصارف والمؤسسات المالية والإسلامية أن تأخذ في اعتبارها المشروعات المناسبة لكل منطقة جغرافية تبعاً لنشاط أهل المنطقة ، وظروفهم الاجتماعية ، وإمكانياتهم لتقديم مدخرات ، ومحاولة التوفيق تبعاً لذلك بين المدخلات والمخرجات أو الموارد والاستخدامات .
(ح) نماذج تمويلية ملائمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة :
(1) المشاركة في صفقة .
(2) المشاركة في رأس المال العامل ([3]).
إذ يمكن للمنشأة الاتفاق مع المصرف على تمويل رأس المال العامل بنظام النمر في حدود سقف تمويلي يتم الاتفاق عليه بينهما ، ويفتح المصرف للمنشأة حساباً بذلك يمكنها من خلال السحب في حدود مبلغ التمويل المتفق عليه والإيداع في الحساب وفي نهاية المدة يحسب بنظام النمر المبالغ التي اشترك بها المصرف ومدة كل مبلغ ومقدار الربح المستحق حسب مقدار هذه المبالغ ومدتها وحسب نسبة رأس المال في الأرباح المتفق على نسبتها قبل الدخول في المشاركة في رأس المال العامل .
وتستخدم في تمويل رأس المال العامل أيضا الصيغ التمويلية التالية :
·الإجارة إذا كانت حاجة المنشأة تتمثل في معدات لفترة معنية .
·المرابحة إذا كانت حاجة المنشأة تتمثل في شراء مواد أولية أو بضائع .
·المشاركة في الربح والخسارة بنسب يتفق عليها بين البنك والعميل وهناك رأي بتمويل رأس المال العامل لقاء نسبة من المبيعات قياساً على عقد المزارعة ([4]) .
وهناك تجربة لبنك فيصل الإسلامي السوداني في تمويل رأس المال العامل بالإجارة وهي طريقة تقوم فيها الجهة الممولة (البنك) وأصحاب المنشأة بالمشاركة في توفير رأس المال التشغيلي عن طريق تأجير هذه المنشأة إما لكامل السنة أو يدفع إيجار بالإنتاج . تعتبر الشركة بين البنك وصاحب المنشأة شخصية اعتبارية قائمة بذاتها وتقوم هذه الشركة بإجارة المشروع وتدفع هذه الإجارة للمشروع وتعتبر الأجرة كمصاريف تخصم منالعائد وليس لهذه الإجارة علاقة بربح المشروع أو خسارته إذ هي إجارة يتفق عليها قبل تشغيل المشروع ([5]) .
أساليب المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية
في تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة
(أ) حزم التمويل الشرعية الأكثر شيوعاً
تتمثل استخدامات المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية للأموال في صيغ التمويل الشرعية مثل :
اولاً: حزمة المشاركات بأنواعها المختلفة من حيث المدة والطبيعة والنشاط ؛ فباعتبار المدة تتنوع المشاركات إلي قصيرة ومتوسطة وطويلة ؛ وباعتبار الطبيعة تنقسم إلى مشاركة مستمرة ومتتالية ومتناقصة أو منتهية بالتمليك ومستردة بالتدريج([6]) ومستردة في نهاية المدة ([7]) ، وباعتبار النشاط تتنوع إلى مشاركات في سلع زراعية أو صناعية وغيرها وعقارية ... الخ .
ثانيا: حزمة البيوع بأنواعها المختلفة مثل :
§المرابحات بأنواعها المختلفة المحلية والدولية والبسيطة والمرابحة للآمر بالشراء .
- بيوع السلم والسلم الموازي .
- البيع بالتقسيط والبيع الفوري .
- الاستصناع والاستصناع الموازي .
- بيع المساومة .
ثالثا: حزمة الإجارة بأنواعها المختلفة مثل :
-
الإجارة التشغيلية .
-
الإجارة المنتهية بالتمليك .
رابعاًً: الوكالة في الاستثمار بأنواعها المختلفة .
-
الوكالة المطلقة .
-
الوكالة المشروطة أو المقيدة .
(ب) حزم التمويل الشرعية الأقل شيوعاً
اولاً: تمويل رأس المال العامل بأنواعه المختلفة للمشروعات المختلفة ([8]):
-
تمويل رأس المال العامل لدورة واحدة .
-
تمويل رأس المال العامل لعدة دورات .
ثانياً: التصكيك أو صكوك التمويل الإسلامية كأحدث الوسائل التمويلية الممكنة
إن من أسس ومرتكزات النظام المصرفي الإسلامـي وبرنامجه الإصلاحي أن : " النقود رؤوس أموال يٌتجر بها لا فيها " .
ولعل هذه القاعدة هي التي تعطى المدلول الصحيح والمفهوم الدقيق لوساطة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وأنها وساطة ذات طبيعة خاصة ومتطلبات معينة .
وإن من لوازم بناء هذا النظام وبرنامجه الإصلاحي وجود سوق مالية كفؤة ونشطة ، وأن الاهتمام بذلك هو من " تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته " ، وقديماً قال الفقهاء " إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
ولسوء الحظ :إن كفاءة عملية توظيف السيولة الفائضة وعلى وجه الخصوص الحصول في الوقت المناسب على ما يحتاجه البنك أو المؤسسة المالية من سيولة ليس متاحاً بهذا القدر المطلوب لأسباب كثيرة لا نخوض في تفاصيلها الآن . مما يفرض على المؤسسات المالية الإسلامية أن تحتفظ لديها بسيولة تفوق 40% عما تحتفظ به البنوك التقليدية .
وأصبحت ما أسميه " بالمعضلة الرباعية " التي تواجهها تلك المؤسسات متمثلة في : تطوير وتوفير أدوات مالية للتداول ومقبولة ، وتحظى بتصنيف دولي مناسب تفى باحتياجات :
vالسيولة .
vوالربحية .
vوالأمان وفق معايير قياسية .
vوالتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية .
أصبحت هذه المعضلة الرباعية هي " التحدي الأكبر " الذي يواجه المؤسسات وأيضاً الفكر الشرعي والفقهاء على السواء في إطار ثوابت شرعية من النواهي ، ناهيك عن الأوامر ، تشكل إطاراً لآلية السوق الإسلامي من أهمها :
(1)
عدم التعامل بالفوائد الربوية آخذاً وإعطاء بجميع صورها ومسمياتها وسواء كانت ظاهرة أم مستترة .
(2)
سد الطريق أمام الغرر في مظانه المختلفة وبشروطه الشرعية ، على كل هذه الأسـس والمرتكزات الشرعية تأتـي الأهمية الكبرى : لعلميات أو برامج أو صناعه التوريق Securitization
أو التسنيد Ponds
في كل عملية بذاتها وبحسبها.
[1] أنظر د. حسن يوسف داود – الاستثمار قصير الأجل في المصارف الإسلامية ص 25 وباسرها ط المعهد العالمي للفكر الإسلامي سنة 1996 .
[2] د. حسن يوسف داود – مرجع سابق ص 67 .
[3] بعض المنشآت تحتاج إلى سيولة لسداد التزامات طارئة ونقد احتياطي لمواجهة المصروفات الطارئة أو شراء خامات أو عمل صيانة أو دفع رسوم جمركية أو دفع أجور عمال أو مصروفات إدارية أو مصروفات الخدمات كالكهرباء والماء والإيجارات مما يلزم معه تدبير سيولة وتدعيم رأس المال العامل وعلى هذا النحو عرفه البعض بأنه ذلك الجزء من إجمالي رأس مال المنشأة الذي يخصص لمتطلبات التشغيل من يوم لآخر وتسيير عملياتها واستمرار الدورة الإنتاجية وهي المتطلبات قصيرة الأجل من غير الأصول الثابتة التي تتكرر بتكرار الإنتاج أو هو الجزء الذي يخصص من المواد المتاحة للمشروع لمواجهة نفقاته الجارية المتكررة ويتمثل هذا الجزء في أي لحظة من اللحظات في الأصول المتدولة للمشروع - أنظر سليمان ناصر – تطوير صيغ التمويل قصير الآجل للبنوك الإسلامية ص 301 نشر جمعية التراث الإسلامي ، وفي النظام البريطاني يعرف إجمالي رأس المال العامل بأنه الفرق بين الأصول المتداولة والخصوم المتداولة ، وفي النظام الأمريكي يعرف إجمالي رأس المال العامل بأنه الأصول المتداولة وأن صافي رأس المال العامل هو الفرق بين الأصول المتداولة والخصوم المتداولة ، وعند الفرنسيين فإن رأس المال العامل = رأس المال الدائم – القيم أو الأصول الثابتة – المرجع السابق .
[4] هذا الرأي طبقه بيت التمويل الإسلامي العالمي بلكسمبورغ ولكن بصورة محدودة أنظر د. عاشور عبد الجواد عبد الحميد – البديل الإسلامي للفوائد المصرفية الربوية ص 122 . ويقوم بنك فيصل الإسلامي السوداني بتمويل رأس المال العامل بالمشاركة والإجارة .
[5] انظر د. حسن يوسف داود – مرجع سابق ص 304 .
[6] طبقها بنك التقوى سابقاً .
[7] طبقها بعض بنوك باكستان .
[8] سيأتي تفصيل القول فيه باعتباره أكثر النماذج التمويلية ملائمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة .