أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-31-2010, 11:45 AM
  #23
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين

* * *
كذلك ليس صحيحاً أن هذا المنهج يكلف البشرية جهداً أشق من الجهد الذي تبذله وهي تحيا في ظل المناهج الجاهلية.
إن المناهج الجاهلية - وهي التي يتخذها البشر لأنفسهم في معزل عن هدى الله في أي زمان وفي أي مكان - تتسم حتماً بشيء من نتائج الجهل البشري والضعف البشرى والهوى البشرى - وذلك في احسن حالاتها - فهي من ثم تصطدم بالفطرة البشرية اصطداماً كلياً أو جزئياً. ومن ثم تشقى بها النفس بقدر ما فيها من التصادم مع فطرتها!.
ثم إنها تتسم كذلك بالعلاجات والحلول الجزئية للمشكلات البشرية. وكثيراً ما تعالج جانباً بإيذاء الجانب الآخر، وتلك هي الثمرة المباشرة للرؤية الناقصة التي لا تلم بجميع الجوانب في الوقت الواحد.. فإذا عادت إلى علاج الداء الجديد الذي أنشأه العلاج للداء الأول، أنشأت داء جديداً ... وهكذا دواليك.. كما تشهد بذلك دراسة التقلبات والأطوار التي أنشأتها النظم البشرية والمناهج البشرية... الجاهلية... وهذا وذلك يكلف البشرية - ولا شك - جهوداً أشق من الجهد الذي تبذله للمنهج الكامل الشامل المستقيم مع الفطرة؛ الذي ينظر إلى مشكلاتها كلها من جميع الجوانب، ويضع لها العلاج الكامل الشامل، المنبثق من الرؤية الكاملة الشاملة.
والذي يراجع سجل الآلام البشرية، الناشئة من مناهج الجاهلية، في تاريخها الطويل، لا يجرؤ على القول بان هذا المنهج الإلهي بكل تكاليفه، وبكل "أخلاقيته" يكلف البشرية من الجهد مالا تكلفه لها المناهج الجاهلية!.
وأيسر ما في هذا المنهج أنه - وهو يضع في حسابه البلوغ إلى القمة السامقة - لا يعتسف الطريق، ولا يستعجل الخطى، ولا يتخطى المراحل... إن المدى أمامه ممتد فسيح؛ ولا يحده عمر فرد، ولا تستحثه رغبة فان يخشى أن يعجله الموت أو الفوت عن تحقيق غايته البعيدة؛ كما يقع لأصحاب المذاهب والمناهج الأرضية من البشر الفانين؛ الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد؛ ويتخطون الفطرة الهادئة الخطى، ليقفزوا إلى تحقيق صورة براقة تخايل لهم؛ ولا يصبرون على الخطو الطبيعي الهادئ المطمئن البصير ... وفي الطريق المعتسف الذي يسلكونه تقوم المجازر، وتسيل الدماء، وتتحطم القيم، وتضطرب الموازين... ثم يتحطمون هم في النهاية تحت مطارق الفطرة التي لا تصمد لها الأجهزة المصطنعة العسوف!.
فأما المنهج الإسلامي فيسير هيناً ليناً - مع الفطرة - يوجهها من هنا، ويذودها من هناك، ويقومها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها ولا يجهدها كذلك. إنه يصبر عليها صبر العارف البصير، الواثق من الغاية البعيدة المدى، الأكيدة التحقيق... والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية، والذي لا يتم في الجولة الثانية يتم في الجولة الثالثة... أو العاشرة... أو المئة... أو الألف! كل ما هو مطلوب هو بذل الجهد والمضي في الطريق!.
وكما تنبت الشجرة الباسقة، وتضرب بجذورها في أعماق التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك... كذلك ينبت هذا المنهج في النفس والحياة. ويمتد في بطء، وعلى هينة... وفي ثقة وطمأنينة... ثم يكون ما يريد الله أن يكون..
إن الإسلام يلقى بذوره، ويقوم على حراستها؛ ويدعها حينئذ تنمو نموها الطبيعي الهادئ وهو واثق من الغاية البعيدة.. ومهما يحدث من البطء أحياناً، ومن التراجع أحياناً، فان هذا شأن الفطرة.. والزارعة قد تسفى عليها الرمال… وقد يأكل بعضها الدود.. وقد يحرقها الظمأ. وقد يغرقها الري. وقد تصاب بشتى الآفات … ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل. فلا يعتسف، ولا يقلق. ولا يحاول أن ينضجها بغير وسائل الفطرة الهادئة اليسيرة... ومن ثم يصاحبها اليسر، وتسهل تكاليفها على النفوس..
على أننا لا نحتاج - اليوم- إلى الحديث عما تعانيه البشرية من اعتساف المناهج الجاهلية وأصحابها. وحسبنا ما تجأر به من الشقوة في مشارق الأرض ومغاربها. و ما يجهر به بقية العقلاء من صيحات الإنذار والخطر في كل مكان..
وأخيراً فانه ليس صحيحاً أن هذا المنهج لم يعش طويلاً- كما يقول بعضهم في خبث وكيد؛ وبعضهم في حماسة وغيرة! فان البناء الروحي والاجتماعي والسياسي، الذي قام على أساس هذا المنهج السامق الفريد، والذي لم يستغرق بناؤه سوى قرن واحد من الزمان - بل نصف قرن في الحقيقة - قد ظل يقاوم جميع الآفات التي تسللت إليه، وجميع العداوات التي ساورته، وجميع الهجمات الوحشية التي شنت عليه ... اكثر من ألف عام.
وقد ظلت هذه العوامل الرهيبة تساوره وتهاجمه وتتسلل إلى قواعده في إصرار... ووراءها جميع قوى العالم الجاهلي.. فلا تبلغ أن تحطمه من أساسه. ولكنها مع تطاول الزمان، ومع التجمع والترصد، ومع الإصرار والاستمرار؛ ظلت تنقص منه شيئاً فشيئاً، وتنحرف به عن أصوله شيئاً فشيئاً حتى أثخنته فعلا وهددته تهديدا خطيرا .. ومع هذا كله فإنها لم تستطع - حتى اللحظة - تشويه أصوله النظرية، فما تزال هذه الأصول قادرة على البعث الجديد، حين يعتنقها جيل جديد!.
ولكي ندرك قيمة هذه الحقيقة التاريخية، ينبغي ان ننظر إلى بناء آخر، قام على منهج جاهلي... ذلك هو بناء الدولة الرومانية.. لقد استغرق هذا البناء قرابة ألف عام.. ثم تحطم فيما لا يزيد على قرن واحد تحت ضربات الهون والقوط.. ولم يقم بعد ذلك أبداً.. ولا بقيت في أصوله بقية ينهض عليها بعث جديد!.
وهذا هو الفارق الأساسي بين منهج الله ومناهج العبيد!.
نعم إنه كانت هناك فترة فارعة في تاريخ هذا المنهج - وفي تاريخ البشرية كله - ظلت تتراءى في التاريخ البشري كله، كالقمة السامقة، تتطاول إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأنظار؛ وهي في مكانها السامي هناك!.
.... وهي فترة قصيرة فعلاً ....
ولكن هذه الفترة ليست هي كل العهد الإسلامي... إنما هي منارة أقامها الله، لتظل البشرية تتطلع إليها، وتحاول ان تبلغها كذلك؛ وتتجدد آمالها في بلوغ القمة السامقة، وهي تدرج إليها في المرتقى الصاعد. ويقسم الله لها ما يقسم من المدارج في هذا المرتقى. وهي تتطلع دائماً إلى المنارة الهادية!.
حقيقة ان هذه الفترة لم تكن وليدة معجزة لا تتكرر، وأنها كانت ثمرة الجهد البشري الذي بذلته الجماعة المسلمة الأولى، وأنها ممكنة التحقيق حين يبذل مثل ذلك الجهد مرة أخرى...
ولكن هذا الجهد الذي بذلته طائفة مختارة من البشر، قد يكون مرصوداً لكثير من الأجيال البشرية القادمة - لا لجيل واحد - وقد يكون تحقيق تلك القمة الفريدة في ذلك الجيل الواحد، قدراً من أقدار الله، لكي يقوم هذا النموذج في صورة واقعية تمكن محاولتها ، وتمكن معرفة خصائصها ... ثم يترك للبشرية بعد ذلك في أجيالها المتتابعة، ان تحاول بلوغها من جديد.
وقد ظل المنهج يؤدي دوره، فيما بعد هذه الفترة، في مساحات واسعة من الحياة البشرية، وظل يفعل في تصورات البشرية وتاريخها وواقعها أجيالاً طويلة؛ وترك من ورائه آثاراً وتيارات في حياة البشرية كلها، لعلها هي التي تجعلنا نأمل اليوم، في إمكان البشرية ان تتطلع إلى المحاولة من جديد.
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 AM