
الربط بين محتوى المعلومات لقائمة الدخل وقائمة التدفقات النقدية
منذ فترة وجيزة تفجرت ثلاثة قضايا مالية هامة على المستوى الدولي ، وهى القضايا الخاصة بشركة إنرون ، وورلدكم ، وزيروكس ، وكان أثر هذه القضايا مدويا بما يهدد النظام الرأسمالي في عقر داره ، كما كان لهذه القضايا صداها على مهنة المحاسبة والمراجعة وأعضاء مجالس الإدارة التنفيذيين في الشركات ، والمكافآت التي يحصل عليها المديرون التنفيذيون ، وتشمل وسائل العلاج المقترحة تشديد العقوبة على المخالفين ، وإتباع معايير محاسبية أكثر تشددا ، وشفافية أكثر ، والمطالبة بأن تكون غالبية أعضاء مجالس إدارات الشركات مستقلين من غير التنفيذيين ، وأن تكون لجان تعيين المراجعين الخارجيين ولجان المكافآت لجان مستقلة ، وأن يتم عقد اجتماعات منتظمة لأعضاء مجالس الإدارة غير التنفيذيين مع حضور التنفيذيين هذه الاجتماعات ، ومساعدة المساهمين في القيام بدور أفضل لحماية مصالحهم .
ويهتم هذا البحث بالربط بين المحتوى المعلوماتى لقائمة الدخل وقائمة التدفقات النقدية كوسيلة مراجعة انتقاديه إضافية - بجانب أساليب المراجعة الأخرى - يمكن أن يستخدمها المراجعون الداخليون والخارجيون ، والمحللون الماليون ، والمساهمون للكشف عن عدم انتظام الحسابات ، أو تضخم رقم الأعمال أو تضخيم الأرباح ، أو الخلط بين المصروفات الايرادية والمصروفات الرأسمالية، ومعالجة الإيرادات المحصلة مقدما التي تخص فترات لاحقة على أنها إيرادات خاصة بالفترة .
وتبدأ الورقة بتبيان الإطار الفكري لقائمة التدفقات النقدية ويشمل تأصيل مفاهيم قائمة التدفقات ، بالإضافة إلى عرض النقاط الأساسية الخاصة بتعريف قائمة التدفقات النقدية ، وأهدافها ، ومزاياها ، وتبويبها ، وشكلها ، والطرق المستخدمة في إعدادها ، ومزايا كل طريقة ، وكيفية تحليل القائمة ، وفى ضوء هذا الإطار الفكري يتم استخلاص الدلالات التي يمكن أن تتبين من الربط بين المحتوى المعلوماتى لكل من قائمة الدخل وقائمة التدفقات النقدية وينتهي البحث بالخلاصة والنتائج والتوصيات .
ميلاد قائمة جديدة :
منذ فترة وجيزة نسبيا أصبحت قائمة التدفقات النقدية إحدى القوائم الخارجية الإلزامية بالنسبة للمنشآت الاقتصادية بجانب قائمة الدخل وقائمة المركز المالي وقائمة التغيرات في حقوق الملكية ( أو قائمة الأرباح المحتجزة آو قائمة توزيع الأرباح ) ، وقد حلت القائمة محل قائمة مصادر الأموال واستخداماتها ، ويعلق المحللون والمستثمرون والدائنون وغيرهم من العاملين والمهتمين بالدوائر المالية والاقتصادية أهمية كبيرة على قائمة التدفقات النقدية التي طالما طالبوا بأن تكون إحدى القوائم الهامة التي تبين مقدرة المنشأة على توليد النقدية ومدى مرونتها المالية ، ومقدار ما لديها من نقدية حرة تمكنها من التوسع وسداد القروض .
قائمة التدفقات النقدية حلت محل قائمة مصادر الأموال واستخداماتها :
قبل ميلاد قائمة التدفقات النقدية كان يتم إعداد " قائمة مصادر الأموال واستخداماتها " وكانت هذه القائمة تبين التغيرات في بنود قائمة المركز المالي للفترة التي تعبر عنها القوائم المالية ، حيث كان يتم إدراج الزيادة والنقص في بنود المركز المالي في هذه القائمة ، ويتم تحديد الزيادة والنقص عن طريق مقارنه أرصدة بنود قائمة المركز المالي في نهاية السنة المالية الحالية مع رصيد بنود قائمة المركز المالي في نهاية السنة المالية السابقة ، وفى البداية كانت تأخذ هذه القائمة شكل تحليل يطلق عليه قائمة " من أين أتت الأموال وأين ذهبت ثم تغير مسمى هذه القائمة إلى " قائمة الأموال " ثم تغير المسمى إلى" قائمة مصدر الأموال واستخدامها " ، ثم تغير مسمى هذه القائمة مرة أخرى إلى " قائمة التغيرات في المركز المالي " ، وبغض النظر عن تغير المسمى عدة مرات فان هذه القائمة كانت تبين التغيرات في رأس المال العامل .
أسباب التحول إلى الأساس النقدي :
لماذا التحول المفاجئ إلى الأساس النقدي في مجال التقارير المالية ؟ أحد الأسباب الرئيسية أن المستثمرين والدائنين وغيرهم من العاملين والمهتمين بالدوائر المالية والاقتصادية أصبحوا أكثر اهتماما بالتدفقات النقدية للمنشأة بعد توسع المنشآت الاقتصادية في الاقتراض من البنوك واللجوء إلى وسائل الائتمان الأخرى ، كما أن رجال البنوك بصفة خاصة أصبحوا يولون عناية فائقة لمقدرة المنشأة على توليد تدفقات نقدية موجبة ولا يقصرون النظر على القدرة الكسبية للمنشأة فقط ، فهم يرون أن المحاسبة على أساس الاستحقاق بما تتضمنه من وسائل توزيع حكميه كثيرة للغاية مثل الضرائب المؤجلة ، والاستهلاك ، وتوزيع تكلفة الأصول غير الملموسة ، واستحقاق الإيرادات أصبحت بعيدة بصورة كبيره للغاية عن الأساس النقدي . السؤال الأكثر أهميه من بين الأسئلة التي يتم توجيهها من قبل رجال البنوك للمقترض المرتقب هو: ما هي نقطة التعادل النقدي للمنشأة ؟ أي متى تكون المنشأة قادرة على مقابله احتياجات التشغيل النقدية من المتحصلات النقدية من عملائها ؟ وهو سؤال يتعذر الاجابه عليه في حالة عدم وجود قائمة التدفقات النقدية ، فحتى يكون الائتمان الذي تمنحه البنوك لعملائها ائتمانا رصينا يجب أن لا يعتمد البنك على حجم أصول المنشأة فحسب كأساس لتحديد حجم الائتمان ومنحه للعميل ، وإنما يجب أن يعتمد أيضا وفى المقام الأول على مقدرة المنشأة على توليد تدفقات نقدية موجبة من نشاطها المعتاد تستخدم في سداد القروض .
ونظرا لأن القوائم المالية لا تأخذ في الحسبان التضخم فان الكثيرين من رجال الأعمال والمستثمرين كانوا ينادونا بضرورة توافر معيار أكثر تحديدا مثل التدفقات النقدية لتقييم أداء الشركة .
أضف إلى ما تقدم أن قائمة مصادر الأموال واستخداماتها كانت تركز على مفهوم رأس المال العامل ، وهذا المفهوم لا يوفر معلومات لها نفس الأهمية عن السيولة والمرونة المالية كما هو الحال في حاله إتباع الأساس النقدي ، إذ كثيرا ما يؤدى سوء الإدارة لكل من المخزون وحسابات العملاء والمدينين إلى نقص في السيولة لا تكشفه القائمة التي تركز على رأس المال العامل ، والإيضاح التقليدي لمثل هذه المشكلة هو حالة الشركة التي تبين رأس مال عامل مناسب من خلال قائمة مصادر الأموال واستخداماتها ولكن جزءا كبيرا من رأس المال العامل يكون مقيدا في رقم ضخم من حسابات العملاء معدل دورانها منخفض للغاية بالاضافه إلى مخزون كبير يتم تصريفه ببطء ، فحص التدفقات النقدية للشركة من أنشطة التشغيل في هذه الحالة قد يبين النقص الهام في السيولة وانعدام المرونة المالية اللتين قد تؤديان في النهاية إلى إفلاس الشركة .
ومن الأمور التي تثير الانتباه أن بعض منظمات الأعمال تبين قوائم نتائج أعمالها أرباحا سنه بعد أخرى ، في الوقت الذي يتزايد فيه السحب على المكشوف من البنوك في هذه الشركات سنه بعد أخرى وفى غياب قائمة التدفقات النقدية لا نستطيع الحكم من القوائم المالية السنوية لهذه الشركات - بصوره مباشرة -عما إذا كانت النقدية المتولدة من العمليات التي تمثل النشاط المعتاد للشركة قد مكنتها من سداد توزيعات الأرباح وسداد الضرائب المستحقة عليها أم أنها لجأت لمصادر أخرى للحصول على النقدية اللازمة لتوزيع الأرباح وسداد الضرائب ، كما يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت الشركة قد تمكنت من توفير النقدية اللازمة لخدمه الديون المستحقة عليها سنويا من النقدية المستمدة من نشاطها المعتاد أم إن الالتزام المقابل للأعباء السنوية لخدمة الديون قد تمت إضافته إلى أصل الدين لعجز الشركة عن الوفاء بمصروفات خدمة الديون نقدا ، أضف إلى هذا استحالة التعرف على نمط توليد واستخدام التدفقات النقدية في حالة عدم إعداد قائمة التدفقات النقدية ، وهذا النمط من الأمور الهامة التي يجب أن تكون محل اعتبار عند تقييم الشركة ومعرفة مدى قدرتها المالية ، وعند تحليل مقدرتها على سداد أصل وأعباء القروض التي تحصل عليها وقدرتها على إجراء توزيعات نقدية ومدى احتمالات تعرضها في المستقبل لأزمات السيولة .