
دور المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
[gdwl]
أ.د. عبد الحميد محمود البعلي
استاذ الفقه المقارن والاقتصاد الإسلامي
رئيس قسم الاقتصاد بكلية الشريعة جامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية بالجنوب ( سابقاً )
المستشار باللجنة الاستشارية العليا للعمل على
استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية
بالديوان الأميري – الكويت
[/gdwl]
توطئة
الحاجة إلى تأسيس وبناء اقتصاديات إنتاج
حقيقية تقود عملية التنمية.
- الواقع الاقتصادي المؤلم في التقارير الدولية :
يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية البشرية سنة 2001م إلا أنه على الرغم من أن العالم يكافح من أجل تنمية بشرية أفضل فلا يزال نحو 90 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع ، ولا زال 826 مليون نسمة يعانون سوء التغذية ، ولا زال مليار نسمة يفتقرون إلى مصادر مياه مناسبة ، ومتوقع أن عدد الأطفال الذين لا يتلقون تعليماً يبلغ 115 مليون طفل وواحد من كل عشرة يولدون في أفريقيا جنوب الصحراء يموت.
كما ينشر التقرير خلاصة مؤداها أن الدول تصنف إلى خمس فئات عند الحكم على إنجازاتها التقنية والتي تعتبر اليوم صلب التنمية البشرية وتلك الفئات الخمس طبقاً لموقع قناة الجزيرة على شبكة الإنترنت هي : القادة والقادة المحتملون والنشطون والمهمشون والآخرون من بين دول العالم صنفت 18 دولة ضمن فئة القادة من بينها إسرائيل و 18 دولة أخرى ضمن القادة المحتملون بينها بلد واحد مسلم هو ماليزيا.
كما أصدرت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار تقريرها حول مناخ الاستثمار في الدول العربية في عام 2001 متضمناً أنه يقدر معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لـ 17 دولة عربية توافرت عنها بيانات بنمو 3.9 % منخفضاً من نحو 4.2% عن عام 2000 وتراجع مؤشر المركب لمناخ الاستثمار بنحو 0.7% نقطة مقابل 1.2 نقطة في عام 2000م.
تشير التقارير إلى أن الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات العام أصبح في تزايد مستمر ولكنه يعني أيضاً أن انتقال الأمراض بين تلك الاقتصاديات أصبح أكبر وفي تزايد مستمر ، ففي عام 1997م بلغ معدل نمو تجارة السلع العالمية نحو 11% ولكن أزمة آسيا الاقتصادية هبطت به إلى معدل 5% لعامي 1998 و 1999م[1].
ويذكر تقرير التنمية البشرية العربية 2002 [2] بعض المؤشرات حول الارتفاع المضطرد في عدد السكان والذي يصاحبه انخفاض مضطرد في مستوى المعيشة ويظل مستوى الفقر أدنى من مستويات أكثر الدول فقراً، وانخفاض إنتاجية العمالة العربية بنسبة 0.2% سنوياً للفترة من 1960 – 1990م، وطاقات النساء العربيات شبه معطلة فيه ، ناهيك عن تخلف البيئة السياسية نفسها وعدم وجود آلية للقياس والتغيير ، وأن 15 دولة عربية من أصل 22 تعاني ندرة شديدة في المياه أو تقع تحت خط الفقر في المياه ، وفي خلاصة وباستبعاد مستوى الدخل يضع مؤشر التنمية البشرية HDI
البلاد العربية في المؤخرة ما بين 111 دولة باستثناء أفريقيا ، والبشر عماد التنمية وكل ذلك طبقاً للتقارير يحدث في دول غنية مالياً فقيرة تنموياً ، أو بمعنى أصح أننا دول تفتقر إلى الوعي التنموي أو القدرة على إدارة مواردها للحاق بركب التطور العالمي كما يقول مؤشر الشال الاقتصادي[3].
وفي تعليق مجلة الإيكونومست على التقرير متسائلة: ما خطب العرب ؟ ولماذا حشروا خلف التطور ؟ وتقر الإيكونومست بأننا نملك ما يكفي من ثروة ومن تجانس خلافاً لمناطق العالم الأخرى ، ومن إرث حضاري ولغوي وديني يفترض أن يحمي عملية التغيير .
خلاصة ما تقدم :
أننا أصبحنا بحاجة ماسة إلى بناء اقتصاد إنتاجي وإلى تنمية حقيقية وهذا وذاك نأخذ بأسبابه الحقيقية، وهنا نستطيع القول بأن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية ودورها في التمويل والتنمية يمكن أن تؤدي دوراً فاعلاً وحقيقياً في ذلك الأمر / الخطب[4] الجلل ألا وهو بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي ، وإحداث تنمية حقيقية تنهض بالواقع المحلي والإقليمي من خلال النهوض بالمنشآت المهنية والصناعية والإنتاجية بجميع أشكالها وأنواعها .
1) النظام المصرفي حجر الزاوية في عملية التنمية الشاملة الاقتصادية بوجه أخص :
لا يكاد يختلف اثنان على أن تمويل عملية التنمية الاقتصادية وقيادتها يقع على كاهل الجهاز المصرفي ومن ثم النظام الذي يتبناه ، وذلك على أساس من تحديد خياراتنا الاقتصادية والاجتماعية ابتداء ، ومن هنا يلزم تحديد القطاعات الأساسية التي يعتمد عليه الاقتصاد الوطني في ضوء الظروف المحلية والإقليمية وليس بناء على تحديد الجهات المانحة أو المقرضة أو الشركات متعدية القارات وهنا يأتي في مقدمتها المنشآت المهنية والحرفية
والتجارية والصناعية الصغيرة والمتوسطة وتتوقف قدرة الجهاز المصرفي على المساهمة في عملية التنمية على مدى قوته في جذب وتجميع الموارد المالية من الأفراد والمؤسسات ذات الفائض واستخدامها الاستخدام الأمثال وفق سلم أولويات متفق عليها.
2) قدرة المصارف الإسلامية على استقطاب الودائع وخصوصية المودعين فيها :
المودعون في البنوك والمصارف الإسلامية يشكلون عنصر قوة واستمرار، ومن ثم يجب المحافظة عليهم وتوسيع دائرتهم، وتشير الدراسات الميدانية إلى أن المودعين في هذه المصارف ينقسمون إلى أربعة أنواع أو فئات [5]هي :
§الفئة الداعمة التي تحرص على التعامل الشرعي وهي الرصيد الأساسي للبنوك الإسلامية.
§الفئة المنحازة التي تفضل التعامل مع البنوك الإسلامية إذا وجدت خدمات ومنتجات إسلامية منافسة وهي فئة كبيرة.
§الفئة النفعية التي تبحث عن المزايا فقط.
§الفئة المناوئة التي لا ترغب في التعامل مع البنوك الإسلامية.
وكمثال مقارن يبين توزيع الودائع في البنوك الإسلامية والتقليدية ، نعتمد حالياً أول بنك إسلامي وهو بنك دبي الإسلامي الذي أنشئ سنة 1975 خلال الجدول التالي:
مقارنه النسب المئوية لمكونات الودائع لإجمالي المصارف وبنك دبي الإسلامي بدولة الإمارات العربية المتحدة ( 88 – 1995 )[6]
أنواع الودائع
دبي الإسلامي
إجمالي البنوك
وقد سقنا هذا المثال فقط كمؤشر على أهمية الدور الذي تستطيع أن تقوم به البنوك الإسلامية في جذب المزيد من الإيداعات، ومن ثم التوسع في عمليات التمويل والتجارة والاستثمار، وإن كان هذا يفرض عليها وضع إستراتيجية واضحة المعالم ومدروسة في ظل تقارير تشير إلى تطور الإيداعات في القطاع المصرفي الإسلامي ، وكذلك إلى نمو الحصة السوقية لها ، مما يتطلب عملاً مكثفاً من البنوك الإسلامية واستقطاب مواقع جديدة باستمرار.
3) النشاط المصرفي الإسلامي وقدرته على تلبية متطلبات التنمية على أساس إستراتيجية الاستثمار:
المصرفية الإسلامية تعتمد على القاعدة الإنتاجية لا الإقراضية في أصولها الفكرية وفي ممارستها العملية بدل على ذلك ويؤكده سلة الأدوات والصيغ التمويلية والاستثمارية التي تتبناها هذه المصارف[7].
أولاً: الدعائم الست لاستراتيجية الاستثمار في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية [8]
البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية قد تزايد عددها وتضاعفت فروعها وشاركتها في العمل البنوك التقليدية ، يجب أن تتبنى إستراتيجية واضحة للاستثمار تقوم على الركائز التالية :
-
التناغم مع الخطط الاقتصادية للدول التي توجد فيها والعمل على دعمها بقصد تحقيق أهداف التنمية الملحة في تلك الدول.
-
الموائمة بين مصادر التمويل ومواضع النشاطات والأعمال وبين الصيغ والأدوات التمويلية والاستثمارية المستخدمة والمتعددة والمتنوعة بما يلبي كافة الاحتياجات الحقيقية للواقع.
-
وعلى وجه الخصوص تمويل المشروعات الصغيرة ومشروعات الشباب الحرفية والمهنية باعتبارها آلية للتنمية القاعدية ، ولأن هذه المجالات لا تنافسها فيها الشركات العالمية الكبرى وهذا وذلك يشكل قاعدة مستقبلية لاقتصاد وطني قوي ومستقل قادر
[1] تقرير الشال الاقتصادي رقم 43 العدد 11 لسنة 2001
[2] نشرته جريدة النيويورك تايمز في عدد 2 يوليو 2002 وأعد بتكليف من الأمم المتحدة والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
[3] رقم 27 للسنة 12/2002 بتاريخ 13/7/2002.
[4] )كما تقول مجلة الإيكونومست في تعليقها على تقرير التنمية البشرية العربية 2002م ومشار إليه في تقرير الشال الاقتصادي رقم 27 للسنة 12/2002 بتاريخ 13/7/2002م.
[5]د. عبد الفتاح محمد فرج بحثه رؤية إستراتيجية لعمل البنوك الإسلامية في ظل العولمة – مجلة آفاق اقتصادية تصدرها غرفة التجارة والصناعة في دولة الإمارات المجلد 21 العدد 83 السنة 1421هـ الموافق 2000م ص24
[6] المصدر التقارير السنوية – مصرف الإمارات المركزي وبنك دبي الإسلامي 88-1997م- د. عبد الفتاح محمد فرج – المرجع السابق
[7] أنظر بحثنا أدوات التمويل والاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية مقدم للمؤتمر السنوي الرابع للبنوك الإسلامية – الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية – عمان – يونيو 2001.
[8] للاستئناس أنظر مشروع الإستراتيجية طويلة المدى للعلاقات والمفاوضات الخليجية مع الدول والتكتلات والمنظمات الدولية – مجلة آفاق اقتصادية المجلد 22 العدد 86 للسنة 1421-2001 ص201