[justify]إن التهرب من الضرائب يشكل بَليّة عالمية، فقد بلغ الاقتصاد «الأسود» طبقاً لبعض التقديرات نحو %10 من الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة، وقد يبلغ %70 في الدول النامية، والأمر يزداد سوءاً.
تحاول الدول معالجة مسألة التهرب الضريبي بطريقتين عادة: المراجعات المالية وإنزال العقوبات الرادعة، ولكن كما يوحي الارتفاع المتزايد لموجة التهرب الضريبي، فإن مثل هذه الآليات في النهاية مجرد لعبة بين القط والفأر، ويبدو أن الفئران تفوز في النهاية.
فمع انتشار التهرب الضريبي، ظهرت شبكات كاملة متخصصة في مساعدة الناس على إخفاء دخولهم الحقيقية، فأصبحت احتمالات تعرض أولئك الذي يخالفون القانون للعقاب أقل ترجيحاً. فضلاً عن ذلك، ولأن مزيدا من الناس أصبحوا يتهربون من الضرائب، فقد أصبحت الهيئات الضريبية تحت ضغوط متزايدة تدفعها إلى مزيد من التساهل أو قبول الرشوة.
من بين الاستراتيجيات القادرة على إضعاف الروابط بين المتهربين المحتملين أن تستغل الدولة مجموعة متنوعة من المصالح المتضاربة. على سبيل المثال، تم تصميم ضريبة القيمة المضافة بغرض تشجيع الشركات على الحصول على فواتير لمدخلاتهم من أجل تخفيض أوعيتها الضريبية. إلا أن النتائج كثيراً ما تقل عن الفائدة المرجوة، فقد ساعدت ضريبة القيمة المضافة في تحفيز المتهربين من الضرائب إلى إنشاء شبكات أكثر قوة وقدرة على إخفاء سلسلة كاملة من الصفقات أو المعاملات التجارية.
لجأت الحكومة الصينية إلى ابتكار حل غير مألوف؛ فقد عمدت بعض السلطات الضريبية المحلية إلى إصدار نوع من الإيصالات القابلة للتضاعف مثل تذاكر اليانصيب بهدف تشجيع العملاء أو المشترين على المطالبة بإيصالات رسمية. ومن الممكن أن تستخدم مثل هذه الإيصالات كبطاقات «الخربشة» للفوز بمبالغ نقدية بسيطة، إلا أنها تخدم أيضاً كتذاكر يانصيب للفوز بمبالغ أضخم. ولمنع التزوير يتعين على شركات الأعمال أن تشتري آلات خاصة مرخصة لطباعة هذه الإيصالات. ويتم نقل سجلات الإيصالات المطبوعة تلقائياً إلى السلطات الضريبية لاستخدامها في حساب الضرائب. وفي تايوان وبعض بلدان أميركا اللاتينية تستخدم السلطات أنظمة شبيهة بهذا النظام.
ثمة طريقة أخرى لمكافأة المستهلكين لمكافحتهم التهرب الضريبي، ألا وهي تقديم الإعانات المالية. فقد تبنت بعض الدول النامية نظاماً ناجحاً لإعادة ضريبة القيمة المضافة إلى المستهلكين الذين يجمعون الإيصالات الرسمية. فتعرض شمال قبرص، ومثلها تركيا، إعادة 2.5 نقطة مئوية من ضريبة القيمة المضافة، مقارنة بالنسبة المعتادة لضريبة القيمة المضافة، وهي %13.
بيد أن مثل هذه الأنظمة تتحمل قدراً كبيراً من التكاليف المالية المترتبة على الإدارة والرقابة، ذلك أن عملية التحصيل والتحقق من المطالبات تستهلك الوقت، والمحصلة النهائية للفائدة التي يجنيها دافعو الضرائب ضئيلة. فضلاً عن ذلك، فإن هذه الطريقة عُـرضة لممارسات غير مشروعة، مثل تحصيل الإيصالات الصادرة للأجانب والطلاب، الذين لا يستطيعون المطالبة باستعادة المبالغ المستحقة لهم.
كثيراً ما يستخدم نظام الإعانات النقدية للاستهلاك في الدول المتقدمة أيضاً لمجموعة متنوعة من الأغراض، وعلى رأسها مكافحة التهرب الضريبي. وتتلخص واحدة من هذه الإعانات في السماح بخصم نسبة ثابتة من بنود معينة من النفقات من ضريبة الدخل. ففي إيطاليا أصبح الإنفاق على إدخال التحسينات على المساكن قابلاً للخصم جزئياً طوال الأعوام العشرة الماضية، وذلك سعياً إلى تحسين الالتزام الضريبي من جانب الشركات العاملة في قطاع الإسكان. ولقد تم تطبيق تنظيمات جديدة بهدف محدد يتلخص في محاربة العمل الإضافي غير الرسمي. وطبقاً للقانون المالي الصادر في عام 2007، يتعين على من يطالب بالخصم الخاص بتحسين المساكن أن يقدم فاتورة من متعهد بناء، ولابد أن تشتمل هذه الفاتورة على تكاليف العمالة.
كانت النتائج مختلطة فيما يتصل بتقلص حالات التهرب الضريبي. ذلك أن أغلب المطالبات بهذه الإعانة تأتي من شمال إيطاليا، والتي تعتبر عادة أقل ميلاً إلى التهرب الضريبي في الأساس. ورغم أن بعض حالات المطالبة غير المشروعة قيد البحث والتحقيق الآن، فلا توجد سوق سوداء لهذه الإيصالات؛ ويبدو أن عمليات الاحتيال تنشأ بصورة أساسية من الفواتير المزورة. ورغم أن الدراسات الإحصائية غير متوافرة، فإن البيانات المتوافرة تظهر زيادة في الدخول المعلن عنها وفي عدد الشركات والعاملين الرسميين. رغم ذلك، ما زال الدخل الخاضع للضريبة في هذا القطاع يتنامى بمعدل أبطأ من إجمالي الدخل، طبقاً للحسابات الوطنية.
*كارلا ماركيز أستاذة السياسة العامة والاختيار العام بجامعة أيسترن بيد مونت في إيطاليا. بروجيكت سنديكيت،