عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-2009, 09:49 AM
  #28
ساره ابراهيم
 الصورة الرمزية ساره ابراهيم
 
تاريخ التسجيل: May 2009
الدولة: cairo
المشاركات: 763
افتراضي مشاركة: فن التعامل مع الناس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد؛
ما أنزل الله تعالى الإسلام بأخلاقه ونظمه ومعاملاته إلا لكي يحسن الناس التعامل فيما بينهم كما يقول: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات)، فيتعاونوا على حسن الانتفاع بالكون حولهم فيسعدوا في دنياهم ثم أخرتهم.
وما كانت كل أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تجارب عملية وفنون في كيفية التعامل مع الآخرين.. قريبهم وبعيدهم، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، غنيهم وفقيرهم، مسلمهم وغير مسلمهم، ليقتدي الناس به فيحيوا حياةً هانئة.
والمسلم المتمسك بكل إسلامه لا بد بفطرته السليمة وتمسكه الواعي سيحسن التعامل مع غيره وسيؤثر فيهم ببساطةٍ دون كثير جهدٍ أو كثير علم.. فكن على ثقة من ذلك.
والداعي إلى الله والإسلام لا بد أن يكون أولى الناس بذلك وأحرصهم عليه ليؤدي ما عليه من فرض دعوتهم قدر استطاعته ولينال الثواب العظيم على هذا.
ومن أهم الأسباب التي تفيد في حسن التعامل مع الآخرين وتعين الداعي على التأثير فيهمالقدوة، والتعارف، والحب، والحوار، وسلامة الصدر، والتعاون.
فالقدوة الحسنة:

تجعل الداعي يؤثر فيمن حوله في كل تصرّف بسهولة ويسر وقوة، ودون احتياج لكثرة كلام، إذ بمظهره الحسن، ورائحته الطيبة، وابتسامته الجميلة، وذوقه الراقي، وغض بصره، وحفظ لسانه، وتواضعه، وضبط مواعيده ووعوده، وإتقان عمله، وعونه لغيره، ونحو ذلك، سيدفع الآخرين للتساؤل داخل نفوسهم: ما الذي دفعه لكل هذا؟! فإذا ما علموا منه أن سبب ذلك هو حبه لربه، وطلبه لثوابه وجنته، وتمسكه بإسلامه الذي أسعده، أحبوا ربهم هم أيضًا، وتمسكوا بالإسلام هم أيضًا، لأن الله خلق في طبيعة النفس البشرية صفة التقليد لما حولها حتى للطيور كما أشار القرآن لذلك في ذكر قصة أول قتل على الأرض من قابيل لأخيه هابيل: (فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه).
فلقد خلق الله النفس عبارة عن مجموعةٍ من الصفات التي تؤهلها لحسن الانتفاع بالكون، وجعل العقل فوقها ليوجِّه هذه الصفات نحو الخير لتسعد، لا نحو الشر وإلا تعست، وجعله دائم التفكير فيما حوله لينتفع به.
التعارف

تتم أولى خطوات التقارب والتأثير، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا آخى الرجلُ الرجلَ فليسأله عن اسمه واسم أبيه، وممن هو، فإنه أوصل للمودة) أخرجه الترمذي وقال الألباني أن إسناده ضعيف، ويكون تفصيليًا ما أمكن.. الاسم والسكن والحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها،
ويكون أثناء السير كما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل جابر رضي الله عن زواجه هل من بكر أم من ثيب وهم عائدون من غزوة، أو أثناء الطعام كما سأل صلى الله عليه وسلم عداس عن بلده وهما يأكلان عنبًا بجوار أحد البساتين بعد عودته صلى الله عليه وسلم من الطائف فأسلم، أو في المسجد كما كان يتعرَّف الصحابة رضوان الله عليهم على الأعراب الذين يفدون لمسجد المدينة يريدون التعرف على الإسلام فيستضيفونهم ويكرمونهم ويزدادون تعارفًا عليهم وعلى إسلامهم.. وكذلك من الممكن أن يتم التعارف في النادي أو مكان العمل أو وسيلة المواصلات أو من خلال الزيارات والاستضافات والنزهات والرحلات وتجمعات الأفراح والأحزان ووسائل الاتصال الحديثة وما شابه ذلك.
وبالحب الصادق

الذي ليس هدفه الأول المصلحة وإنما النفع يأتي تبعًا له مع الوقت، يتمنَّى المتحابون البقاء بجوار من يحبونهم وعونهم والتضحية من أجلهم وفعل ما يفرحهم ويسعدهم وترك ما يحزنهم ويتعسهم، فالحب من الصفات الهامة التي خلقها الله تعالى في النفس ليكون دافعًا لحسن العمل وللتأثير والتأثر والبذل والعطاء والتعاون والتسامح والتغافر ونحو ذلك مما يُسعد، فإذا أحب الداعي من يدعوه حرص على الأخذ بيديه نحو طاعة الله حيث السعادة في الدنيا والآخرة، وإبعاده عن المعصية حيث التعاسة فيها، وإذا أحب المدعو داعيَه كان حريصًا على دوام التواجد معه والتشبُّه به واتباعه.
والحب يتكوَّن وينمو بـ:
- إلقاء السلام كما يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) جزء من حديث أخرجه مسلم.
- وبالتهادي كما يقول صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) أخرجه أبو يعلى.
- وبالإعلام بالحب من خلال النظرات والكلمات وغيرها، فقد كان أحد الصحابة عند النبي صلى الله عليه وسلم فمرَّ رجلٌ، فقال: يا رسول الله إنِّي أحب هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (أأعلمته؟) قال: لا، قال: (فأعلمه) جزءٌ من حديثٍ أخرجه أبو داود بسندٍ صحيح.
- وبعفة النفس وعدم النظر إلى ما عند الآخرين، كما يقول صلى الله عليه وسلم: (وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) جزء من حديث أخرجه مسلم، بل الدعاء لهم بالبركة والزيادة وعونهم.

وبالحوار الهادف

ذي النوايا الصادقة الذي يبغي الوصول للحق، وباتباع آدابه: كالاستماع للآخرين، وعدم مقاطعتهم، وعدم رفع الصوت، وطلب الشورى، وقبول الآراء الأخرى وسعة الصدر لها والصبر على ذلك فقد يكون فيها الخير الكثير، والأخذ برأي الأغلبية وبما يناسب من الآراء.. فعدة عقول تفكر -لا شك- أفضل من عقلٍ واحد، ونحو ذلك.
هذا الحوار وبهذه الآداب "وهي سنن، أي يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ولكنه يفتقد ثوابًا، وإذا تركها وحدث ضررٌ ما على نفسه أو غيره أَثِم".. تستخرج ما في النفوس والعقول، وتصحّح المفاهيم، ويتشجع الأفراد على تنفيذ ما يتفق عليه، إذ الكل مشاركٌ فيه، مع الحماس في تقويمه وتصويبه إن حدث خطأ ما.. فيتمكن الداعي من خلال كل هذا التأثير فيمن يدعوه وتوجيهه نحو الإسلام تدريجيًا.
وبسلامة الصدور

من الضغائن والأحقاد وغيرها يسود الخير وينزوي الشر وتتآلف القلوب وتتقارب وتتشابه وتتكاتف وتتحاب، ويضفي بعضها على بعضٍ الصلاح والرشاد والسعادة..
يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً) أخرجه البخاري.
وبالتعاون

يطمئن الجميع ويثقون في إسلامهم أنه ما أُنزل إلا لمصلحتهم ولإسعادهم ولإصلاح حالهم، فالكل ينفع بعضه بعضًا ويخدمه ويقف بجواره في أفراحه وأحزانه ومصائبه، فيقوى المجتمع ويزدهر ويسعد ويزداد تمسكًا بأخلاق إسلامه وقوانينه.
فالمدعو يثق في كلام الداعي إذا ما رآه يساعده، فمساعدته دليلٌ على صدق كلامه السابق له، وأنه فعلاً يريد أن يأخذ بيديه نحو الصواب والسعادة.
إضافة لكل ما سبق، فلكل مدعوّ مدخلٌ إلى قلبه وعقله ووسائل لتحريكها نحو الخير تختلف من شخصٍ لآخر، ولكلِّ سنٍّ أسلوب تعامل، ولكل بيئةٍ وسيلةٌ للوصول إليها.. فالرياضي مثلاً يحتاج إلى ممارسة الرياضة معه ومحادثته فيها، والفنان يحتاج الاهتمام بفنونه وحديثه عنها، والمثقف يهتم بالكتب والقراءات وثقافات المجتمعات حوله والحوار معه في ذلك، والعامل يحتاج إلى من يبيِّن له وسائل زيادة دخله وعونه عليها، والتاجر يحب المشاركة في العلاقات التجارية والحديث عن تنمية الأموال والأعمال، والمهني يحتاج إلى التدريب على مهنته والتطور فيها، وهكذا.. وصغير السنّ يحتاج إلى وسائل دعوية يغلب عليها الحركة والنشاط.. كالرحلات والنزهات والمسابقات والحفلات الحلال وغيرها، بينما كبير السن يحتاج أكثر إلى الحوار والسؤال عنه وتقديره وخدمته، والزوج والزوجة يحتاجان إلى معرفة أسباب السعادة الزوجية في الإسلام وكيفية تربية أبنائهما عليه، وهكذا.
وكل هؤلاء يحتاجون أوّلاً وأخيرًا إلى تحريك قلوبهم وعقولهم نحو خالقهم وراعيهم ورازقهم ودوام تذكرتهم به من خلال تدبر مخلوقاته ونعمه وأرزاقه وأفضاله ورحماته وشرعه الدقيق العادل المتكامل الذي يسعدهم، ومن خلال تذكرتهم بشعائره كالصلاة والصيام وقراءة القرآن وغيرها والتي ما شرعها إلا ليشحن قلوبهم والتي بدورها تدفعهم لحسن التعامل فيما بينهم.
وختامًا
فإن كل نفوس البشر خلقها خالقها هكذا –برحمته وحبه لخلقه- فيها فطرةٌ تحبّ الخير وتساعد عليه وتحب أن تسعد في الحياة، ولذا فهي تميل لكل خيرٍ إذا ذُكِّرت به وإذا وجدته متجسِّدًا أمامها، ولذا أيضًا فهي تتبع كل قدوةٍ حسنةٍ وتحب من يحبها، وتتعارف على من حولها، وتعاون من يعاونها، وتتحاور مع من يتحاور معها.. فليفعل كل داعٍ إلى الله والإسلام ما سبق التذكرة به حتى يسعد الجميع في دنياهم وأخرتهم
__________________
ساره ابراهيم غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس