تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: مصري - أعمل الكويت
المشاركات: 729

مشاركة: تساؤلات اقتصادية شرعية والإجابة
ما حكم التأمين ضد المخاطر المتوقعة وافتعال مخاطر للحصول على قيمة التأمين ؟
السؤال الحادى عشر :
ما هو الموقف الشرعي من افتعال مخاطر للحصول على مبلغ التأمين ؟
الجواب :
احتمالات التعرض للخطر ، التي تعتري حياة الإنسان في مختلف مواقفها ومراحلها وعلاقاتها ، شيء فطري متأصل في مختلف أمور الحياة دقيقها وعظيمها ، فعبور الشارع ، وقيادة السيارة والزواج والإنجاب والعمل التجاري أو المهني ، كل ذلك – وكثير سواه – يتضمن احتمال التعرض للخطر ، وهذا الاحتمال جزء من قدر الله وقضائه اللذين فطر عليها الكون والحياة : مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22] .
والتفرقة ضرورية بين هذه المخاطر الفطرية ، وبين أنواع المعاملات التي «يفتعل» فيها الإنسان احتمال التعرض للخطر ويصطنعه اصطناعًا ، ويسعى إلى وضع نفسه في موضع المتعرض له بغير ضرورة ولا حاجة ، ومن هذه الأنواع الرهان والمقامرة .
فالمراهنة يقوم بها أشخاص لا علاقة لهم بالأمر الواقع الذي يتراهنون على وقوعه على نحو معين ، فالذي يراهن أي جواد سيكسب السباق لا علاقة له بالسباق أصلاً ، فلا هو راكبه الذي يجري به ، ولا هو مالكه الذي يسره فوزه ويغنم بذلك ، والذي يراهن أي فريق كرة سيفوز في المباراة ليس لاعبًا في الفريق ولا هو مديره أو مدربه .
والذي يراهن أي حزب سيفوز في الانتخابات ليس هو الناخب أو النشاط الحزبي الذي يستطيع التأثير في النتيجة .
ولكن كلاً من هؤلاء المراهنين يحاول أن يثبت أنه قادر على معرفة الغيب بشكل من الأشكال ، فهو يحاول أن يفيض على نفسه ، ويثبت لذاته – إرضاءً لغروره – أنه يملك صفة من صفات الله عز وجل التي اختص بها نفسه : قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل: 65] ، وحين يخسر الرهان ، بل حين يراهن أولاً ، يعرض نفسه لخطر الخسارة المالية المصطنعة ، التي افتعلها هو بنفسه ، دون أن تكون فطرية متأصلة في السباق الذي يجري بين الخيل وراكبيها ، أو في مباراة الكرة ، أو في الانتخابات السياسية .
والمقامر مثل المراهن ، يعرض ماله للخطر بحدوث نتيجة لا دخل له في إحداثها مثل رمي القداح أو الاستقسام بالأزلام أو دورة «الروليت» ولكن الموقف النفسي للمقامر يختلف عن الموقف النفسي للمراهن ، فالمقامر يقامر ليتسلى ويستمتع بالشعور بالمخاطرة دون نظر إلى الربح أو الخسارة ، بينما المراهن يراهن ليثبت أنه ذكي يستطيع استشراف الغيب ، وكلاهما يعرض نفسه لاحتمال خطر خسارة يصطنعه بنفسه ، ويفتعله ، لتحقيق أهوائه ونزعات مزاجه .
وافتعال احتمال التعرض لخطر الخسارة ظلم للنفس لا مسوغ له ، فالظلم لغة وشرعًا وضع الشيء في غير موضعه وهو محاولة لخلق احتمال لخطر لم يخلقه الله ، تبارك اسمه – في فطرة الأشياء وأصل وضعها ، وفي الحديث القدسي الصحيح : « ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » .
فهذه الأنواع من المعاملات ، التي يصطنع فيها احتمال التعرض للخطر ، ويفتعل، بإرادة الإنسان معاملات غير جائزة شرعًا ، ولا يبيحها أن يكون في بعضها بعض نفع للآخرين ، من المرضى أو طلاب العمل أو الفقراء ، فإن الله تبارك وتعالى حرم الميسر الجاهلي على الرغم من أن حصيلته كانت تذهب إلى الفقراء والمساكين ، ولذلك ينبغي أن ينظر الناس بعين العلم الصحيح في فتاوى بعض العلماء الموظفين الذين يبيحون حفلات الترفيه التي تتضمن كثيرًا من المحرمات ، ومشاريع المقامرة المسماة بـ «اليانصيب» من أجل ما يزعمه أصحابها من نية فعل الخيرات بما يجمعونه من الأموال ، فإن هذا المال كله مجموع من حرام والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ، والمساهمة في هذه الأعمال حرام ولو لم يعد على المساهم فيها نفع مادي مباشر .
ولكن هذه الصورة المحرمة ، من افتعال احتمال التعرض للخطر ، شيء ، والتأمين لحفظ الصحة – والتأمين لاتقاء الخسارة أو تخفيف آثارها شيء آخر ، والتعاون على درء الأخطار ، أو تخفيف آثارها إن وقعت تعاون على البر الذي من أظهر معانيه : ما ينفع الناس .
وهو من الفرار إلى قدر الله من قدر الله – بتعبير الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه – أو هي رد القدر بالقدر ، كما سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن الرقي والأدوية وأنواع الوقاية : هل ترد من قدر الله شيئًا ؟ فقال : «هي من قدر الله » .
وهو من التواد والتراحم الذي يجعل المؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضًا .
وهو من التعاون على درء المفاسد بين المؤمنين فإن : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه» [متفق عليه] ، وفي رواية لمسلم : «ولا يخذله» ، ومن رأى أخاه يتعرض للخطر أو الخسارة الماحقة ثم لم يعمل على وقايته وحمايته فقد خذله وأسلمه .
وهو من تفريج الكربات الذي فيه الحديث الصحيح المبشر لمن «فرج عن مسلم من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة » [رواه مسلم] .
والإسلام بعد أن قرر هذه المبادئ العظيمة الجامعة ، ترك للمسلمين الاجتهاد في وضعها موضع التنفيذ – الذي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً – بحسب ظروف الزمان والمكان ، وسبيل درء الأخطار الفطرية في الكون والحياة، وتحقيق الأمن من وقوعها ، ومن آثارها المدمرة إن وقعت ، يكون بالعمل على تفتيت مغبة هذه الأخطار ، والتعاون بين الناس في تحمل ما تجره من خسران .
__________________
[]((الناجحون لا يتراجعون والمتراجعون لا ينجحون ))ربي لا تدعني أٌصاب باليأس إذا فشلت ولكن ذكّرني دائماً أن الفشل هو التجربة التي تسبق النجاح . وائــل مـــراد