
مشاركة: الرقابة المصرفية ومعايير لجنة بازل
رابعاً: الاتجاهات الحالية والقضايا الاستراتيجية التي تواجه البنوك(22)
من المتوقع خلال السنوات القليلة القادمة، أن تواجه البنوك تغييرات ملحوظة، وكذا عدداً من القضايا الاستراتيجية وذلك نتيجة تزايد تأثير القوى الرئيسية التالية:
1. النزعة نحو التدويل(23):
وفي هذا المجال نقصد بالتدويل تزايد التعاون بين الدول والمؤسسات المختلفة المتواجدة بتلك الدول في المجال الاقتصادي، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك بالزيادة الهامة والكبيرة في تواجد البنوك والمؤسسات المالية الأخرى خارج أسواقها المحلية اي في الدول الأجنبية. ويلاحظ أن التدويل له ثلاثة آثار هامة في العديد من الدول، وتلك الآثار الثلاثة أدت إلى ما يلي:
- زيادة أهمية الأصول والالتزامات الأجنبية في البنوك المحلية.
- زيادة عدد البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية العاملة في اسواق الأعمال المصرفية محلياً.
- تزايد أصول البنوك الأجنبية العاملة في أسواق الأعمال المصرفية المحلية.
وفي الوقت الحاضر، هناك عدد من الدلائل تشير إلى أن البنوك الأجنبية سوف تمثل تهديداً على أسواق الأعمال المصرفية المحلية، وفي أوروبا على سبيل المثال ففي خلال السنوات القليلة القادمة، يُتوقع أن البنوك الأجنبية الكبيرة فقط سوف تشكل التهديد التنافسي الرئيسي في سوق الأعمال المصرفية بالتجزئة (Retail Banking Market) طالما كانت الفرص متاحة، وأن تكون تلك البنوك الأجنبية لديها القدرة على أن تستحوذ (Acquire) على المؤسسات المالية ذات الأعداد الكبيرة من العملاء (Large Customers Bases).
ومن الجدير بالذكر، أنه في عدد لا بأس به من الدول العربية يلاحظ أن ثمة توسعاً للبنوك الأجنبية منذ عدة سنوات في الأسواق المصرفية المحلية، حيث ارتفعت حصة البنوك الأجنبية في عدد من الدول العربية إلى نسب مرتفعة وصلت على سبيل المثال إلى ما يزيد عن 20% في لبنان والإمارات، ومن المتوقع أن يزداد توسع البنوك الأجنبية في ظل انضمام عدد من الدول العربية إلى منظمة التجارة العالمية WTO والتوقيع على اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات المالية(24).
2. الشمولية : (Universaliation) (25)
ويعد هذا أحد التطورات المصرفية الرئيسية التي ظهرت في أوروبا ومن بعدها في العديد من دول العالم خلال العقدين الماضيين، إذ بدأت البنوك في تلك الدول في البعد عن التخصص المصرفي وكذا تقليل التركيز على الأشكال التقليدية للإقراض والاستثمار، وبذا أصبحت تلك البنوك تقوم بتقديم تشكيلة شاملة من الخدمات المالية.
وعليه ففي كافة أنحاء أوروبا الآن، تتحرك البنوك باتجاه النظم المصرفية الشاملة والتي تمكنها من ممارسة نشاطها في أسواق كانت من قبل محظورة عليها، كما أن سرعة تآكل الفواصل التقليدية بين العمل المصرفي وتقديم الخدمات الأخرى يعتبر انعكاساً لتزامن تآكل تلك الفواصل في أسواق المال الدولية خاصة بين أسواق التمويل المصرفية وأسواق التمويل من خلال السندات، وبالإضافة إلى ذلك فإن ظاهرة التسنيد (Securitisatisation) سوف تغذى باستمرار اضمحلال وانهيار الخطوط الفاصلة (Demarcation Lines) بين العمل المصرفي وأسواق رأس المال وأسواق النقد.
3. التسنيد: (Securitisation) (26)
وهذه الظاهرة بزغت في السبعينات والثمانينات، وصارت تشكل واحداً من أهم ملامح أسواق المال الدولية هذا ويشير مصطلح "التسنيد" في معناه الأساسي إلى الأساليب الفنية والتي يمكن من خلالها تحويل الأصول أو تغيير شكلها الخارجي إلى أصول مالية وبحيث يمكن إعادة بيعها إلى المستثمرين في أسواق المال، هذا وقد نشأت ظاهرة "التسنيد" في البنوك التي فقدت ميزتها النسبية بالقياس إلى أسواق الأوراق المالية، في مجال الوساطة المالية في عمليات الائتمان الدولية (International Credits). كما حمل أسلوب "التسنيد" معه تغيراً ذات مغزى هام في الدور الذي يقوم به المصرفيون، حيث أن الربحية الآن تحولت من كونها تعتمد على إجراء الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بهامش أسعار الفائدة، إلى التركيز باتجاه تحقيق الإيرادات من العمولات عن الأنشطة الخاصة بتقديم أدوات دين (Debt Instruments) للمستثمرين.
وتجدر الإشارة إلى أن "التسنيد" من الظواهر التي اعتمدت على التقدم التكنولوجي وتزايد استخدامات الكمبيوتر، حيث أتاح ذلك للمؤسسات المالية من أن تقوم وبتكاليف قليلة بتجميع حزمة تشكل محفظة قروض بإصدارات صغيرة وبيع هذه الحزمة في صورة ورقة مالية إلى طرف ثالث (حامل الورقة)، وتقوم تلك المؤسسة المالية بتحويل أقساط وفوائد هذه الحزمة إلى حامل الورقة وبذا تكون قد حققت فائدتين من عملية "التسنيد" الأولى هي تحويل أصل غير سائل إلى سيولة تساعد على سد الفجوة التمويلية والثانية الحصول على رسوم نظير تحويل مدفوعات خدمة القروض إلى حامل الورقة، هذا وقد أمكن من من خلال التطور التكنولوجي تطبيق هذا الأسلوب على العديد من أنواع القروض من رهونات وقروض شراء سيارات ومتحصلات بطاقات الائتمان طالما أنه يمكن تجميع هذه القروض في شكل حزم متجانسة ذات قيمة محددة ويتم بيعها في سوق رأس المال كورقة مالية.
4. العولمة : (Globalisation) (27)
تشير العولمة إلى عمليات التوحيد والتكامل عالمية النطاق لكل من أسواق رأس المال وأسواق النقد، أي التوحيد والتكامل بين الأسواق المالية عالمياً، وذلك من خلال آلية المبادلات (Swaps Mechanism) وعمليات الموازنة (Arbitraging) المصاحبة لها وذلك لفروق الأسعار العالمية، هذا وقد أدت عمليات العولمة إلى إمكانية قيام البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بإدارة محافظ استثمارات عالمية (Global Investment Portfolios)، كذلك فإن سلسلة كاملة وشاملة من المنتجات والأساليب الجديدة أصبحت متاحة الآن، بحيث يستطيع اللاعبون الرئيسيون في السوق (المؤسسات المالية الدولية) القيام بأنشطتهم في الاسواق المالية المختلفة في كافة أنحاء العالم، في نفس الوقت أي بصورة متزامنة .
5. التجمع والاندماجية: (Conglomeration) (28)
نظراً لعدد من العوامل والمتغيرات في كل من سوق الخدمات المالية وكذا البيئة الاقتصادية العالمية، فإن من المتوقع في المستقبل أن يتم تقديم الخدمات المالية من خلال أربعة أنماط رئيسية من المؤسسات وهي : (Conglomerates)، والمتخصصين (Specialists)، والوكلاء (Agents)، والمؤسسات التي تمارس أنشطتها تحت مظلة امتياز من مؤسة أخرى (Franchisers).
وعلى الأرجح فإن "التجمع والاندماجية" يعد الاتجاه الأكثر أهمية من بين الاتجاهات التي تلائم العمل المصرفي في أوروبا، بل في العديد من دول العالم المختلفة، ولعل حركة "التجمع والاندماجية" تحددت ملامحها واكتسبت خصائصها وصفاتها المميزة من خلال رغبة البنوك التي تعمل على نطاق واسع في الحفاظ على تواجدها عالمياً. ويذكر أن عدداً كبيراً من عمليات الدمج (Mergers) وكذا عمليات السيطرة (Takeovers) في سوق الخدمات المالية الأوروبية تمت عام 1986، هذا ويمكن القول إن من أهم الأسباب الرئيسية التي تفسر حدوث عمليات الدمج والسيطرة، ترجع إلى الدوافع الاستراتيجية (Strategic Motives) والمرتبطة بالتنويع (Diversification) وكذا الدوافع الاقتصادية ذات العلاقة بالعمل والتعاون معاً (Synergy) والنمو.
وتجدر الإشارة إلى أن "استراتيجية الدمج والاستحواذ" (Merger and Acquisition Strategy) في مجال العمل المصرفي، لا تختلف عن تلك الاستراتيجية في الشركات الصناعية الأخرى. كما أن أحد الأسباب التي تدفع الشركات للاستثمار في خارج دولها، هو تشبع السوق المحلي بدرجة كبيرة، وهذا ينطبق بصفة خاصة على البنوك الألمانية حيث ان ما يزيد عن 90% من السكان لديهم نوع ما من أشكال الحسابات في أحد البنوك وأن السوق المصرفي في ألمانيا يتميز بظاهرة "وجود بنوك أكثر من اللازم" (Over banked). أما الدوافع الاستراتيجية بالنسبة لكل من البنوك في المملكة المتحدة وكذا في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والتي توسعت في الخارج (فيما وراء البحار) فقد تم تبريرها وتفسيرها بالحجج الخاصة بالتنويع "سياسة اتبع العميل" (Follow the Customer) هذا ومن المتوقع أن اتجاه التجمع والاندماجية سوف يستمر بلا شك طالما كانت المؤسسات المالية الكبيرة ترغب في التوسع في تقديم منتجات متعددة، وكذا الهيمنة على الأسواق جغرافياً (Geographical Coverage) أي السيطرة على أسواق جغرافية جديدة، خارج نطاق دولها، وطالما أن تلك المؤسسات لديها مزيد من رؤوس الأموال التي تكفي لابتلاع ضحاياها من المؤسسات المالية الأصغر. ومن القوى الدافعة الرئيسية باتجاه "التجمع والاندماجية" هي النمو الواضح في أعمال مصرفي الاستثمار (Investment Banking)، وكذا النمو في أنشطة أسواق الأوراق المالية.
وأخيراً نشير إلى أنه "من أهم التوجهات التي شهدتها السنة المالية 97/1998، انتشار عمليات الاندماج بين الشركات العملاقة، وأغلبها في قطاقات الاتصالات والسيارات والمال، خاصة بين المؤسسات المالية الكبرى. وتستهدف عمليات الاندماج تحسين مستوى أداء الشركات والمؤسسات المندمجة وتدعيم قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية(29).
6. التركز: (Concentration)
إن التركز في أسواق العمل المصرف يعد أيضاً أحد الملامح الهامة للتغييرات الهيكلية في عالم البنوك، والتركز ليس بأي حال ظاهرة حديثة، حيث أن النظم المصرفية في العديد من دول العالم يهيمن ويسيطر عليها عدد قليل من البنوك الكبيرة وذلك منذ نصف قرن على الأقل، هذا وتختلف النظم المصرفية في درجة تركزها التنافسية (Competitive Degree of concentration).
أما بالنسبة للطريقة الأكثر شيوعاً لقياس التركز المصرفي فهي تعتمد على احتساب نسبة أصول أو ودائع القطاع المصرفي في دولة ما والتي يسيطر عليها ويديرها أكبر ثلاثة أو خمسة بنوك. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه هناك صعوبة في أن تقيّم بدقة كل من فعالية ومدى التركز في داخل النظم المصرفية بمفردها، كما أنه أصبح أيضاً من الصعوبة بدرجة كبيرة قياس التركز المصرفي بالقياسات المعاصرة (Contemporary measures) وذلك بسبب عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين أسواق العمل المصرفي والأسواق المالية الأخرى، ومع ذلك فإنه من الواضح أن هناك اتجاهاً لتفضيل الحجم الكبير لدى العديد من البنوك في عدد كبير من دول العالم المختلفة.
هذا وتتسم الأسواق المصرفية في عدد من الدول العربية بظاهرة التركز المصرفي، ولعل أبلغ مؤشر على التركز المصرفي في الوطن العربي أن حصة أول 20 بنكاً عربياً من موجودات القطاع المصرفي قد قاربت 50% في عام 1995، 90% بالنسبة لحصة أول 100 بنك عربي، الأمر الذي يعني أن أكثر من 200 بنك عربي تنافسي على حصة قدرها 10% فقط من نشاط السوق المصرفية العربية(30).
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم