
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * *
وعندما ثاب الناس الى إله واحد.امتنع ان يعبد الناس الناس ووقف الجميع رافعي الرؤوس امام بعضهم البعض.يوم انحنت كل الرؤوس للإله الواحد القاهر فوق عباده. وانتهت اسطورة الدماء المتفاضلة، والأجناس المتفاضلة، ووراثة الشرف والحكم والسلطان...
ولكن كيف وقع هذا ؟
لقد كان هناك "واقع" اجتماعي، وراءه مصالح طبقية وعنصرية، مادية ومعنوية. واقع سائد في الجزيرة العربية، وسائد في الأرض من حولها. واقع ليس محل اعتراض احد، لأن المنتفعين به لا يسأمونه، والرازحين تحته لا ينكرونه!.
كانت قريش تسمى نفسها "الحمس" وتفرض لنفسها حقوقاً وتقاليد ليست لسائر العرب. وتقف في الحج بالمزدلفة حين يقف الناس جميعاً بعرفات! ويقيمون على هذه الامتيازات منافع اقتصادية يفرضونها على سائر العرب. فيحتِّمون عليهم ألا يطوفوا بالبيت الا في ملابس يشترونها من قريش؟ وإلا طافوا بالبيت عراة؟
وكانت الأرض كلها من حول الجزيرة تعج بالتفرقات القائمة على اختلاف الدماء والأجناس وتفاضلها...
" كان المجتمع الايراني مؤسساً على اعتبار النسب والحرف. وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر، ولا تصل بينها صلة. وكانت الحكومة تحظر على العامة ان يشتري أحد منهم عقاراً لأمير أو كبير. وكان من قواعد السياسة الساسانية ان يقتنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه. ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله لها. وكان ملوك ايران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم. وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها على بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع".
"وكانت الأكاسرة ملوك فارس يدعون انه يجري في عروقهم دم الهي. وكان الفرس ينظرون اليهم كآلهة، وينشدون الأناشيد بألوهيتهم، ويرونهم فوق القانون، وفوق الانتقاد، وفوق البشر، لا يجري اسمهم على لسانهم، ولا يجلس أحدهم في مجلسهم؛ ويعتقدون أن لهم حقاً على كل انسان ،وليس لإنسان حق عليهم. وأن ما يرضخون لأحد من فضول أموالهم وفتات نعمهم فإنما هو صدقة وتكرم، من غير استحقاق، وليس للناس قبلهم الا السمع والطاعة. وخصصوا بيتاً معيناً - هو بين الكياني- فكانوا يعتقدون أن لأفراده وحدهم الحق أن يلبسوا التاج، ويجبوا الخراج. وهذا الحق يتنقل فيهم كابراً عن كابر، واباً عن جد، لا ينازعهم ذلك الا ظالم، ولا ينافسهم الا دعى نذل،. فكانوا يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك، لا يبغون به بدلاً، ولا يرون عنه محيصاً . فإذا لم يجدوا من هذه الأسرة كبيراً ملكوا عليهم طفلاً. وإذا لم يجدوا رجلاً ملكوا عليهم امرأة. فقد ملكوا بعد "شيرويه" ولده "أردشير" وهو ابن سبع سنين. وملك "فرخ زاد خسرو بن كسرى أبرويز" وهو طفل. وملكوا بوران بنت كسرى. وملكت كذلك ابنة كسرى ثانية يقال لها: "أزرمى دخت" ولم يخطر ببالهم ان يملكوا عليهم. قائداً كبيراً، أو رئيساً من رؤسائهم، مثل "رستم" و "جابان" وغيرهما. لأنهم ليسوا من البيت الملكي!.
وكان نظام الطبقات في الهند من اعنف وأبشع ما يصنع الانسان بالإنسان.
"وقبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارة البرهمية، ووضع فيها مرسوم جديد للمجتمع الهندي، وألف فيه قانون مدني سياسي اتفق عليه، واصبح قانوناً رسمياً، ومرجعاً دينياً، في حياة البلاد ومدنيتها، وهو المعروف الآن: "منوشاستر"...
"يقسم هذا القانون الأهالي الى اربع طبقات متميزة. وهي:
(1) البراهمة: طبقة الكهنة ورجال الدين.
(2) شترى: رجال الحرب
(3) ويش: رجال الزراعة والتجارة.
(4) شودر: رجال الخدمة
ويقول "منو" مؤلف هذا القانون:
"ان القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشترى من سواعده وويش من أفخاذه، والشودر من أرجله! ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم. فعلى البراهمة تعليم "ويد" او تقديم النذور للآلهة. وتعاطي الصدقات. وعلى "الشترى" حراسة الناس، والتصدق وتقديم النذور ودراسة "ويد" والعزوف عن الشهوات. وعلى "ويش" رعى السائمة والقيام بخدمتها وتلاوة "ويد" والتجارة والزراعة. وليس "لشودر" الا خدمة هذه الطبقات الثلاث!.
"وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقاً ألحقتهم بالآلهة. فقد قال : ان البراهمة هم صفوة الله، وهم ملوك الخلق، وان ما في العالم هو ملك لهم، فانهم أفضل الخلائق وسادة الأرض، ولهم ان يأخذوا من مال عبيدهم شودر - من غير جريرة - ما شاءوا. لأن العبد لا يملك شيئاً، وكل ماله لسيده. وان البرهمي الذي يحفظ "رك ويد" (الكتاب المقدس) هو رجل مغفور له، ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه واعماله: ولا يجوز للملك حتى في اشد ساعات الاضطرار والفاقة ان يجبي من البراهمة جباية، او يأخذ منهم أتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعاً، وان استحق برهمي القتل، لم يجز للحاكم الا ان يحلق رأسه، اما غيره فيقتل!.
" اما الشترى فان كانوا فوق الطبقتين (ويش وشودر) ولكنهم دون البراهمة بكثير. فيقول: "منو" ان البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشترى الذي ناهز مئة، كما يفوق الوالد ولده!.
" أما شودر "المنبوذون": فكانوا في المجتمع الهندي - بنص هذا القانون المدني الديني- احط من البهائم، وأذل من الكلاب. فيصرح القانون بأن "من سعادة شودر ان يقوموا بخدمة البراهمة، وليس لهم اجر او ثواب بغير ذلك. وليس لهم أن يقتنوا مالاً، أو يدخروا كنزاً فان ذلك يؤذي البراهمة! وإذا مد أحد من المنبوذين إلى برهمي يدا أو عصا ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه في غضب فدعت رجله، وإذا هم أحد من المنبوذين أني يجالس برهميا فعلى الملك أن يكوى إسته، أو يحرمه وينفيه من البلاد. واما اذا مسه بيد، أو سبه، فيقتلع لسانه. وإذا ادعى انه يعلمه سقى زيتاً فائراً. وكفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة. ورجل من الطبقة المنبوذة، سواء !!!".
اما الحضارة الرومانية الشهيرة فقامت على اساس الترف، الذي يوفره ثلاثة ارباع سكانها من العبيد، للربع الباقي من الاشراف! وعلى اساس التفرقة في نصوص القانون بين السادة والعبيد. وبين الطبقات الكريمة والوضيعة:
جاء في مدونة جوستنيان القانونية الشهيرة:
" ومن يستهو ارملة مستقيمة او عذراء، فعقوبته - ان كان من بيئة كريمة - مصادرة نصف ماله، وان كان في بيئة ذميمة فعقوبته الجلد والنفي من الأرض".
وبينما كان هذا "الواقع" سائداً في الأرض كلها، كان الاسلام يخاطب "الفطرة" من تحت ركام الواقع. الفطرة التي تنكر هذا كله ولا تعرفه. وكانت استجابة الفطرة لنداء الاسلام أقوى من هذا الواقع الثقيل.
استمعت الفطرة الى الله - سبحانه- يقول للناس جميعاً.
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر هو أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله أتقاكم "... [الحجرات:13]
واستمعت اليه -سبحانه- يقول لقريش خاصة: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "... [البقرة:199]
واستمعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول للناس جميعاً: " يا أيها الناس. ان ربكم واحد، وان اباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على ابيض ولا لأبيض على احمر فضل الا بالتقوى ".
واستمعت إليه يقول لقريش خاصة:
" يا معشر قريش.. اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، ما اغنى عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي ، لا اغنى عنك من الله شيئاً ". [متفق عليه]
استمعت الفطرة الى النداء المستجاب، وأزاحت عنها ركام "الواقع" وانطلقت مع المنهج الإلهي.. ووقع ما وقع وفق سنة الله المطردة، القابلة للوقوع في كل حين.
* * *