
مشاركة: لماذا تقدم اليهود وتفوقوا علي المسلمين
* * *
واستطاعت تلك الفترة ان تقر في حياة البشرية تقاليد عملية، وأوضاعاً واقعية- تستند إلى تلك المبادئ والتصورات والقيم والموازين- لم تمت وتذهب بانقضاء تلك الفترة. ولكنها امتدت في صورة تيار متحرك، مندفع إلى مسافات بعيدة في الأرض، والى أحقاب متطاولة من الزمان. وتأثرت بها الحياة البشرية كلها - على صورة من الصور- وأصبحت رصيداً للبشرية كلها، تنفق منه وتستمد اكثر من ألف عام.. رصيداً يؤثر في تصوراتها، ويؤثر في أوضاعها، ويؤثر في تقاليدها، ويؤثر في علومها ومعارفها، ويؤثر في اقتصادها وعمرانها، ويؤثر في حضارتها كلها تأثيرات متفاوته، ولكنها مطردة فاعلة في كل ركن من أركان الأرض. وما تزال بقايا من ذلك التيار تعمل في واقع الحياة البشرية حتى اليوم، على الرغم من جميع القوى التي وقفت في وجه هذا المد الغامر، وعلى الرغم من النكسة أو النكسات إلى الجاهلية والإغريقية والجاهلية الرومانية، في العالم الغربي، الذي سيطر على مقاليد الأرض أحقاباً متطاولة!.
وقد استقرت في حياة البشرية من وراء هذه التأثيرات الواقعية مبادئ وقيم، ونظريات وأوضاع، قد تجهل البشرية اليوم مصدرها الأصيل، وقد تردها إلى مصادر أخرى غير ذلك المنهج المؤثر. ولكنه ليس من المتعذر معرفة اصلها الأول، والرجوع بها إلى فعل المنهج الإلهي، وآثاره في الحياة البشرية. وسنشير في فصل تال إلى بعض الخطوط العريضة التي انتهت البشرية إلى إقرارها اليوم، وكانت منكرة لها اشد الإنكار يوم جاءها بها الإسلام، أول مرة، منذ نيف وثلثمائة وألف عام!.
ولعله من شأن استقرار هذه الخطوط العريضة في حياة البشرية وأوضاعها الحاضرة، بعد الإنكار الشديد لها يوم جاءها بها الإسلام أول مرة، ان تكون البشرية اليوم اقرب - بصفة عامة - إلى تفهم هذا المنهج، وأقدر كذلك على حمله، ولديها منه رصيد واقعي، خلفته موجة المد الأول، لم يكن لديها يوم جاءها أول مرة! ولديها كذلك رصيد من تجاربها الخاصة، في فترة التيه والشرود عن هذا المنهج، وما أصبحت تعانيه اليوم من أثار هذا التيه وهذا الشرود- مما سبقت الإشارة إليه باختصار- فهذه وتلك قد تكون من العوامل المساعدة على تقبل المنهج الإلهي، والصبر عليه في الجولة القادمة... بإذن الله...
* * *