عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2013, 10:11 AM
  #83
يسري خليل سويلم
مشارك مبتدئ
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
المشاركات: 13
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع

الصوت الرخيم
الجزء الاول
( نشرت فى جريدة الاهرام ، وأعاد الاستاذ عبد الوهاب مطاوع نشرها عام 1991 فى كتاب بعنوان العيون الحمراء )
ولها جزء ثان

منذ سنوات كنت طالبه بالسنه الثالثه بكليه الاداب شابه فى التاسعه عشره من العمر ارتدى الملابس الفاخره واركب السياره واستعمل العطور المستورده ولا افكر فى الزواج واتجاهل ضاحكة مخططات امى للتقريب بينى وبين ابن احدى صديقاتها لكى اقتنع به ويتقدم للزواج منى وكل شئ فى متناول يدى والدنيا باسمه والقلب شباب والحياه واسعه ... وفى هذه الايام المبشره بكل خير ركبت سيارة الاسره ذات يوم وحدى وقدتها فى شوارع القاهره فاذا بعربه نقل ضخمه تصدمنى .. فلم اشعر بما حولى الا بعد ايام ووجدت نفسى راقده على السرير فى المستشفى معصوبة العينين واللفائف تحيط بوجهى من كل جانب وقد تهشمت يداى وساقاى واهلى حولى يواسوننى ولا يصدقون انى عدت الى الحياه ومرت اسابيع طويله قبل ان يرفع الاطباء اللفائف عن راسى والعصابه عن عينى فاذا بي لا اري الا الظلام والاطباء يحاولون التخفيف عنى ويقولون لى ان فقدى للبصر مؤقت وانه مامول الشفاء بجراحه اخرى بعد عام او عامين ... فانفجرت فى بكاء طويل .. وتحسست وجهى فوجدت اثار الندوب فى كل مكان فعرفت انى فقدت جمالى مع بصري وغرقت فى هاويه سحيقه من الياس والقنوط .. وغادرت المستشفى وانا لا اجد فى اعماقى الرغبه فى الحياه .. وبعد اسابيع اخرى بدات فى اجراء عده عمليات للتجميل اعادت وجهى لما كان عليه لكنى لم استعد بصرى ولا حرصى واقبالى على الحياه وفى غمرة هذا الياس الحقنى ابى بمركز لتعليم المكفوفين القراءه بطريقه برايل لكى اشغل وقت فراغى بالقراءه وبدات اتردد على هذا المركز ثلاث مرات كل اسبوع رغما عنى فكان يوم ذهابى يوم حزين فى حياتى ثم بدات اتقبل الواقع الذى ارفضه شيئا فشيئا .. وبدات التفت الى صوت رخيم اسمعه فى المركز فيمس قلبى رغم انى لا ارى صاحبه .. ثم بدات استريح الى هذا الصوت واقترب من صاحبه المدرس بالمركز .. واصبحت اذهب الي المركز كل يوم بلهفه بعد ان كنت اكره الدنيا ... وتلاقت الايدى وانتقل الاحساس الى القلب ونما الحب فى الظلام لانه مثلى محروم من البصر وتعاهدنا على الزواج وحين هممت بان اصارح اهلى فوجئت بهم يزفون الى بشرى السفر الى الخارج لاجراء الجراحه وسافرت واجريت الجراحه وتسلل بصيص النور الى عينى ضعيفا لكنه شتان بينه وبين بحر الظلام الذى غرقت فيه شهورا طويله وبعد عودتى لمصر تذكرت الصوت الرخيم فتوجهت الى المركز وبحثت عنه ورايته شاب اسمر نحيف حلو العينين حاد الانف شعره اسود مسترسل على جبينه فخفق قلبي بشده واقبلت عليه بكل لهفه فسعد بعودتى وفرح بعوده البصر الى لكنه لم يشر الى موضوع الزواج ففاتحته انا فحاول ان يحلنى من وعدى له لاختلاف الظروف لكنى لم اسمح له ان يسترسل فى الحديث وازداد تمسكى به وعرضت الامر على اهلى وتحديت الجميع وتزوجته عن حب واقتناع وكا عمرى وقتها 22 سنه ووجدت معه بعد الزواج كل سعادتى فهو حنون ومتفائل ورقيق المشاعر ويحب الحياه الى اقصى درجه ويحبنى بشده وهو ميسور ماديا والحمد لله .. وانجبنا بنتا وولدا ساعدنى فى تربيتهما واغرقهما بحبه ..... وبعد عشر سنوات من الزواج بدا الحب فى قلبي يهدا قليلا وبدات اشعر بشئ غريب تجاهه فقد بدات لا احب ان يخرج معى فى زيارات الاهل والاصدقاء واصبح ابنى وابنتى هما رفيقاى لكنى لم ادعه يشعر بذلك وساعدنى انه كان يتجنب الخروج كثيرا ... ثم كبر ابناى ولاحظت عليهما بعض الاشياء الغريبه فابنى يتباهى دائما بانى امه امام زملاؤه ويتجنب الاشاره الى ابيه وكذلك ابنتى وابنى نادرا ما يتحدث مع ابيه رغم محاولات زوجى المستمره للحديث معه وذات يوم صارحنى زوجى بمشاعره وقال انه يشعر ان ابنه وابنته يخجلان منه فنفيت ذلك وثرت ثوره عارمه وناديتهما وقسوت عليهما وانكرا هذا الاحساس .... وبعد اسابيع تصادف ان كان زوجى مريضا فلم يذهب الى عمله ولم يكن ابنى يعلم بوجود ابيه فى البيت فعاد من كليته ومعه بعض زملاؤه ففوجئ بابيه واقفا فى الصاله وساله ابوه عمن معه فرد عليه ردا مقتضبا وتركه واقفا كما كان ويبدو ان احد اصدقاء ابنى ساله عمن يكون هذا الرجل فاذا بزوجى يسمعه يرد بانه احد اقارب ابى ينزل ضيفا عندنا لعده ايام وسمع زوجى ذلك فلم يتكلم وانسابت دموعه صامته من عينيه وعند خروج اصحاب ابنى ناداه ابوه وواجهه بما سمعه فاذا بابنى الوقح لا ينكر ما قاله ووجدت نفسي اهوى بيدى على وجهه واطالبه بالاعتذار فاعتذر لكن هيهات ان تشفى كلمات الاعتذار هذا الجرح فلقد تغير حال زوجى وحال الاسره كلها واختفت السعاده من بيتنا واعتصم زوجى فى مكتبه لا يكلم احد واول الشهر يلقي لنا بمصروف الشهر وبجواره ورقه كتب عليها كلمات جارحه لكرامتى وكرامه اولادى اننى اعرف ان ابنى ارتكب جرما كبيرا لكن ماذا استطيع ان افعل فى طيش الشباب فهل توجه الى زوجى كلمه عن العفو عند المقدره والى ابنى لكى يعود الى رشده ..................ولكاتبة هذه الرساله اقول عندى مما اقوله لابنك ما لا تتسع له انهار الصحف لكنى لن اطيل فى تكرار معانى افضت فى الكتابه عنها كثيرا وساقول له فقط ان ابنا يحمل مثل هذا الاحساس البشع تجاه ابيه العطوف المحب لمجرد انه محروم من احدى حواسه لهو ابن لا يشرف اي اب ان يعلن انتسابه اليه ولهو جدير بان ينكره ابيه وليحاول اذا كان يريد ان يكون جديرا بالانتماء الى النوع الانسانى ان يطهر نفسه من هذا الاحساس الدنئ .. هذا عن ابنك اما عن القصه كلها فان خبرة السنين تقول لنا ان كل شجره مورقه تبدا ببذره صغيره تغرس فى الثري ولقد غرستى انتى بغير ان تنتبهى لخطوره الامر بذرة انقطاع الخيوط بين ابنيك وابيهما حين بدات وهما دون العاشره تلاحظين انك لا تحبين الخروج مع زوجك وان ابنيك قد اصبحا بدلا منه رفيقيك فى غدوك ورواحك وهكذا تراجع دور الاب من مركز الدائره فى العائله الى هامشها واصبح لكم مجتمع خاص يحاول الاب النفاذ اليه فلا ينجح فبدا انقطاع الخيوط منذ فتره الى ان بلغ قمته فى هذا المشهد البشع الذى يتنافى مع كل القيم الدينيه والانسانيه على السواء ...ولن تدركى بشاعة ما حدث الا اذا تخيلت حالك لو لم تدركك عنايه الله فتنجح الجراحه ووجدت نفسك تسمعين باذنيك ما سمعه وتتجرعين مرارته .. واى لوم سوف يوجهه لك الاخرون اذا عافت نفسك الجميع كما فعل زوجك اننى الح على هذه الصوره لان مسؤوليتك كبيره فيما حدث وفيما سوف يحدث لاصلاح الاخطاء فالابناء يتبعون الامهات فى تقديرهن للاب واحترامهن له لهذا فان العلاج في يديك قبل ان يكون في يد ابنك الطائش.. فابداى بنفسك والتصقى بزوجك الذى احببته واعترفى بكل فضائله وتحملى غضبه واستياءه واعلنى بتصرفاتك امام الجميع انك تفخرين به واعيديه الى مركز العائله وانضمى اليه فى غضبه من ابنه وقاطعى كل من لا يحمل لزوجك مشاعر الحب والولاء والاعتزاز ولو كان ابنيك ... وعندها سوف تعود الامرر الى طبيعتها وسيجد الاب نفسه يشفق فى اعماقه على هذا الابن الشارد من غضب ربه عليه ومن تنكيل الدنيا به اذا لم يعف عنه بقلب صاف ......................
يسري خليل سويلم غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس