عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2012, 08:20 AM
  #8
الراجى حسن الخاتمة
Guest
 
المشاركات: n/a
افتراضي كاترينا الإرهابية..

للأمريكيين ولع بإطلاق اسماء «معينة» على أحداث التدمير والحروب! كثعلب الصحراء، والعقرب، والمطرقة الحديدية،.. الخ. على العمليات، والغزوات العسكرية كما يحدث اليوم في العراق!.. كما يطلقون أسماء النساء الناعمة. على الزوابع، والطوفانات، وأعاصير البحار، والأنهار، كاسم «أليشا» المرأة اليهودية الاسطورية على الإعصار الذي ضرب «تكساس» في أواسط الثمانينيات، وكاترينا على الاعصار الذي ضرب: نيواورلينز.. ربما تفاؤلاً وتيمناً بأن هذه الاعاصير ذات الأسماء الناعمة ستكون آثارها ناعمة، وهينة، لكن السيدة كاترينا هذه المرة كانت أشد قسوة، وعنفاً وضراوة، وإرهاباً، وفزعاً من كل اعمال الجبابرة، والعتاة،.. وكاترينا هذه لا تنتمي إلى أية منظمة لها علاقة بالإرهاب.. كالقاعدة مثلاً.. أو اسرائيل الله الجديدة. وغيرها من وكالات ومافيا الإرهاب الدولية.. وإنما هي تنتمي الى إرهاب الطبيعة.. إذ أن للطبيعة غضباً وجبروتاً يتفوق على عنف البشر كثيراً. فإذا كان البشر يغضبون، ويثورون،فإن خالق الكون سن قوانين، ونواميس للطبيعة تجعلها تنتقم لنفسها حيناً كما توقظ الناس وتعيدهم الى توازنهم ليحدوا من جماحهم، ومن عنفهم ضد الطبيعة، والاعتداء على بني البشر.

وليس عنف كاترينا في التدمير الرهيب المخيف الذي جعل كوكبنا كله يقف حائراً وضائعاً ومستصغراً امامها.. فلا بنتاغون، ولا طائرات، ولا صواريخ، ولا قنابل ذرية ولا وسائل تجسس، وطابور خاص، ولا ذيول طويلة أو أخرى قصيرة.. بل لاشيء اسمه قوة عظمى قادرة على ردعها أو دفعها أو كف وكبت جماحها وعنفوانها.. أقول ليست نتائجها في ذلك فقط.. ولكن كاترينا كشفت هشاشة القوة العظمى على المستوى الاقتصادي، والمستوى الاحترازي الاتقائي، والتدخل السريع لإنقاذ مئات الآلاف من البشر الذين حاصرهم الموت، والذعر، والعذاب، لفترة طويلة، والطوفان يغرق شوارعهم، وبيوتهم، وأطفالهم، وكلابهم، والعاصفة تقتلع اشجارهم وأرواحهم، فيستصرخون ولكن لا صريخ لهم، ويستغيثون فلا مغيث لهم، ويستنجدون فلا منجد لهم، وهذا ما جعل عمدة نيوأورلينز يصرخ بأعلى صوته! عار على أمريكا ما يحدث،.. عار على أمريكا ما يحدث..!!

لأنه رأى مواطنيه يعبث بهم الهلاك بلا منقذ أو معين. فبعضهم نام تحت الطوفان نومة أبدية، والبعض الآخر هام على وجهه، والناجون صاروا ينامون تحت الجسور، وفي الأنفاق، والكنائس، وملاعب الكرة، هرباً من إرهاب كاترينا! بل لقد كشفت كاترينا ما هو اعظم من ذلك وأخطر كشفت عن هشاشة عظام المجتمع الامريكي، وقابليته للتحطم، والتهشم، والتكسر السريع..

(((فلقد تحول كثير من أبناء هذا المجتمع المنكوب الى لصوص، وقطاع طرق، وإرهابيين، يغيرون مع غارة الإعصار، على البيوت، والمحال التجارية، والبنوك، والممتلكات العامة، يفتكون، وينهبون، ويقتلون، بل ويغتصبون النساء، والفتيات القاصرات تحت تهديد السلاح..)))

كل هذا يحدث ببركات كاترينا، مما حدا بالحكومة الأمريكية الى أن تستعين بالجيش، والعتاد الحربي بل وتستدعي بعضاً من جنودها في العراق، لمواجهة هذا الإرهاب.!! وهذا دليل مادي قطعي عى أن المجتمع الأمريكي ليس مجتمعاً متماسكاً، ولا متجانس الوطنية، والانتماء.

((( اذ انه في الحوادث والكوارث والأزمات، يكون الناس اكثر تلاحماً وتكاتفاً، وتتحول المحن الى وسيلة شد وتوثيق اجتماعي، وتصبح الوطنية اكثر جلاء ووضوحاً لأن المأساة واحدة، والهمّ مشترك والمكان واحد، وهذا وضع طبيعي وتلقائي ليس بين بني البشر بل نجده عند البهائم أيضاً فعندما يحدق بها الخطر تراها اكثر تماسكاً وتقارباً في مواجهة المصير الواحد. )))

(((غير أن الحال في أمريكا كشفت عن التفكك الاجتماعي المرعب، كما كشفت عن حالة الفردية المسيطرة على هذا المجتمع. وعلى النفعية الأنانية والعزلة الفرداتية الذاتية، وأنه لولا قوة النظام وسلطته وحزم القانون، لأكل الناس بعضهم بعضاً.. بل لقد بلغ الامر من السوء والتردي الى ما هو أفظع من ذلك. فرأينا من رجال الأمن من ينهب أو يسطو، ويختلس بقوة السلاح!. ورأينا من يلجأ الى الانتحار وقتل نفسه تعبيراً عن الغضب، والضياع، واليأس، وعدم تحمل الصدمة..!. بل لقد كشفت «كاترينا» من أن تحت الرماد وميض نار عنصرية مقيتة فلقد شاهد الناس، واستمعوا الى الآلاف وهم يصرخون: لو كنا بيضاً لما أهملنا هذا الإهمال الذي لا يليق بالكلاب.. )))

((هكذا إذاً تعلن كاترينا عن سوأة المجتمع المثالي الذي إليه ينتهي التاريخ وعن الحضارة التي يجب أن تصرع جميع الحضارات لأنها في نظر مروجيها الحضارة الإنسانية الكاملة للدولة الأقوى والأعظم.. بل لقد قالت «كاترينا» انه لا قوة أبدية مطلقة.. ))

((بل انه لا قوة فوق قوة الله،..))

لقد وقف وزير الداخلية الأمريكي وقد ملأه الذعر وهو يقول: إن ما حدث هو أشبه بتدمير نووي.. أما التدمير الاقتصادي فقد كنست كاترينا ما تبقى في الخزانة الأمريكية المنهكة بحرب العراق الطائشة، الى درجة جعلت الدولة الأقوى في العالم، والأغنى في العالم تتلقى الحسنات من دول صغيرة لا ترى على الخارطة إلا بالمجهر،

(( بل ولم تستنكف من أن تقبل العون والمساعدة من دول ذات هوية مطبوعة بالفقر مثل سري لانكا..))

والفرد الأمريكي الذي كان يقول في الشدة بكل صلف وشموخ : أمريكا.. يا أمريكا. ها هو يهرع بكل جوارحه ويقول: يا الله.. لقد تعالى صوت أجراس الكنائس في سماء أمريكا كلها طلباً للنجدة الإلهية وطلباً للمغفرة..! إذ أن هذه الكارثة ما هي إلا عقاب إلهي كما يقول رجال الدين المسيحيون واليهود على حد سواء حيث يرون أن ما حل بأورلينز كان نتيجة لمعصية وذنب عظيم..

إذ أنه في اليوم الذي ضربت العاصفة، ونزلت المصيبة وزلزلت الأرض كان يوماً مضروباً لمؤتمر ضخم يضم مائة وخمسين ألف شاذ «لوطي» من جميع أنحاء أمريكا، وأن هذا العقاب شبيه بما حل بقوم لوط حيث قلب الله بلدتهم عاليها بسافلها وأمطرها بحجارة من سجيل جزاء وفاقاً لتلك المعصية النكراء.

على كل حال أظن أن «كاترينا» سوف تغير مفاهيم كثيرة حول القوة والجبروت، والاستفراد بالعالم، وأن الذين يسرفون في تمجيد وتأليه العظمة، والغلبة الأمريكية عليهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن يتأملوا جيداً بل يثقوا جيداً أنه في النهاية لاقوة إلا قوة الله، وأنه لا غالب إلا الله..
 
رد مع اقتباس