عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2009, 07:45 AM
  #4
هشام حلمي شلبي
 الصورة الرمزية هشام حلمي شلبي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2007
المشاركات: 5,223
افتراضي مشاركة: أحكام البيوع في الاسلام

ونظراً إلى أن هذا النوع من البيع لا يشتمل على غَرر ، ولا على جهالة، ولا مخالفة في الصرف ، ولم يكن في معنى بيعتين في بيعة ، فلم يظهر لي وجه للقول بمنعه . وقد قال بجواز مثل هذا الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله ، حيث قال : الصحيح جواز قوله : بعتك داري بكذا على أن تبيعني عبدك أو نحوه بكذا ، ولا يدخل تحت نهيه r عن بيعتين في بيعة ، لأنَّ المراد أن يعقد على شيء واحد ، في وقت واحد ، عقدين ، وذلك كمسائل العِينة وما أشبهها (...) .

وأما تفسيره بأن تقول : بعتك هذا البعير مثلاً بمائة على أن تبيعني هذه الشاة بعشرة ، فالمذهب إدخالها في هذا الحديث ، والقول الآخر في المذهب عدم إدخالها ، وأن لا يتناولها النهي ، لا بلفظه ولا بمعناه ، ولا محظور في ذلك ، وهذا الذي نراه ونعتقده" .

2 ـ هذه المعاملة جائزة على رأي الشيخين ابن تيمية وابن القيم وآخرين، لأن مآل البيعتين (حلي قديم بنقود ، حلي جديد بنقود) بيعة واحدة (حلي قديم بحلي جديد مع التفاضل لأجل الصنعة والصياغة) .

14 ـ البيع بالدَّين أو بالتقسيط

هل يجوز بيع ذهب بذهب أكثر منه ، أو فضة بفضة أكثر منها ، والزائد في مقابل الصياغة والصنعة والفصوص (الخرز) - البيع مؤجل - ؟

من المعلوم شرعاً أن القرض لا يجوز في الإسلام إلا لضرورة ، أو لحاجة أصلية ، لأنه نوع من الصدقة ، إذ الفائدة (الزيادة في مقابل الزمن) عليه ممنوعة ، ففيه إذن مِنَّةٌ على المقترض، أما البيع المؤجل فيجوز في الإسلام، في حالات الضرورة وغيرها ، لأنَّ الزيادة فيه في مقابل الزمن جائزة ، فليس فيه إذن مِنَّةٌ على المدين .

ومن المشاهد أن المستهلكين والتجار يقبلون على البيع المؤجل ، وبيع التقسيط ، برغم المخاطر التي تنشأ من إمكان عدم السداد ، وذلك لأنَّ البيوع المؤجلة تزيد زيادة محسوسة في مبيعات التجار وإيراداتهم وأرباحهم ، ولذلك فإن سد باب البيع المؤجل أمامهم يلحق بهم ضرراً غير يسير . وقد تنبه ابن القيم إلى هذا منذ ما يقرب من سبعة قرون ، إذْ قال : " لو سُدَّ على الناس ذلك (باب البيع المؤجل) لَسُدَّ عليهم باب الدَّين ، وتضرروا بذلك غاية الضرر" .

وقد علمت أن الآجال التي يتعامل بها تجار حلي الذهب عندنا تترواح بين 20 يوماً و3 أشهر . وهم يبيعون لأجل، ويشترون لأجل ، ويحاولون التوفيق بين آجال البيع وآجال الشراء، فلو باعوا لأجل واشتروا نقداً لوقعوا في الإعسار أو تجميد رأس المال . ثم إنهم يحتاجون للأجل في الاستيراد حتى يتمكنوا من السداد بحوالة أو باعتماد مصرفي ، لما سبق أن اشتروه بالهاتف أو بالفاكس ، من موِّرِديهم .

نعم حرم الإسلام التأجيل (النَّساء) في حالة المبادلات المشبوهة التي تعقد باسم البيع ، ويراد منها القرض الربوي ، فهل ينطبق هذا على مبادلات حلي الذهب والفضة ، ومن ثم فلا يجوز التأجيل ، أم لا ينطبق فيجوز ؟

أجاز ذلك ابن تيمية ، وابن القيم (راجع نص كل منهما في الفقرتين 6 ، 7) . وتعليل الجواز عندهما أن حلي الذهب والفضة ، إذا ما صنعت وصيغت ، لم تعد أثماناً (نقوداً) ، بل تصير سلعة كسائر السلع ، وعندئذٍ فلا ربا في مبادلات حلي الذهب والفضة بالذهب والفضة وسائر الأثمان ، فيمكن أن تجري هذه المبادلات بالتفاضل والنَّساء .

ويبدو أن هذا هو مذهب معاوية والحسن ، قال الطحاوي (321هـ): "دلَّ ذلك على أن ما كان من إنكار عبادة t على معاوية، هو بيع الذهب بالذهب ، إلى أجل " .

وفي مصنف عبدالرزاق : " عن الحسن (...) في السيف فيه الحلية ، والمنطقة ، والخاتم، ثم نبتاعه بأكثر ، أو أقل ، أو نسيئة ، فلم ير به بأساً " .

15 ـ حلي الذهب والفضة : هل هي سلع أم أثمان ؟

وهل خرجت بالصناعة عن الأموال الربوية ؟

يرى بعض العلماء أن الربوي ، بالصناعة ، يخرج عن كونه ربوياً ، فالذهب والفضة يصبحان بالصياغة سلعاً ، ولا يبقيان أثماناً (نقوداً) .

قال ابن رشد (ت595هـ) : " اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة ، مما أصله منع الربا فيه ، مثل الخبز بالخبز ، فقال أبو حنيفة : لا بأس ببيع ذلك متفاضلاً ومتماثلاً ، لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا " ، وهو البُر .

وقال ابن مفلح (ت763هـ) : " إنما خرج عن القوت بالصنعة (...) فليس بربوي".

وإلى ذلك ذهب أيضاً كل من ابن تيمية ، وابن القيم . قال ابن القيم (ت751هـ) : "إن الحلية المباحة صارت - بالصنعة المباحة - من جنس الثياب والسلع ، لا من جنس الأثمان" .

16 ـ تحليل مذهب الشيخين : ابن تيمية وابن القيم

1 ـ قد يبدو لأول وهلة أن مذهب الشيخين ابن تيمية وابن القيم قد جاء على نقلتين : النقلة الأولى إجازة التفاضل لأجل الصنعة ، والنقلة الثانية إجازة النَّساء (الدَّين) . ومعهما في النقلة الأولى بعض السلف : معاوية ، والحسن ، وإبراهيم ، والشعبي . وليس معهما في النقلة الثانية إلا معاوية والحسن .

2 ـ والحق أن مذهب الشيخين ينطوي على نقلة واحدة . فالصنعة عندهما لم تُحِل التفاضل فقط ، وإنما أحلت التفاضل والنَّساء معاً ، لأن الصنعة نقلت الذهب والفضة من مال ربوي (ثمن، نقد) إلى مال غير ربوي (سلعة، عرض) . فالذهب النقدي بالذهب المصوغ ليس مبادلة بين متجانسين ، بل بين مختلفين ، واختلافهما ليس كاختلاف الذهب عن الفضة، حتى يجوز التفاضل بينهما ، ولا يجوز النَّساء ، إنما هو اختلاف كاختلاف الذهب عن البُر ، حتى جاز التفاضل بينهما والنَّساء معاً .

3 ـ إن ربا البيوع (الفضل ، والنَّساء ) قد حرم سداً للذريعة الموصلة إلى ربا القروض . لكن يبدو أن الصنعة في الحلي قد سَدَّت هذه الذريعة ، فلم تعد ثمة حاجة إلى سدها بمنع الفضل والنَّساء .

4 ـ إن مذهب الشيخين ابن تيمية وابن القيم يَحل ثلاث مشكلات لتجار حلي الذهب والفضة في آن واحد : مشكلة رعاية الصنعة ، ومشكلة البيع المؤجل ، ومشكلة فصل الفصوص ، ذلك لأن جواز النَّساء أصعب من جواز الفضل ، ومتى جاز النَّساء جاز معه ضمناً كل هذا .

17 ـ فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد

1 ـ إن اختلاف الأصناف عند العلماء اختلافان : اختلاف بين صنفين في حدود الفئة الواحدة (ذهب ، فضة) ، واختلاف بين صنفين من فئتين مختلفتين (ذهب، بُر) . فهم يقسمون الأصناف الستة الواردة في الحديث إلى فئتين : فئة الذهب والفضة ، وفئة الأصناف الأربعة الباقية (البُر، الشعير، التمر ، الملح) . ويرتبون على هذا أن الذهب بالذهب يوجب التماثل والتقابض، والذهب بالفضة يوجب التقابض دون التماثل (يجوز التفاضل)، والذهب بالبُر لا يوجب التماثل ولا التقابض (يجوز التفاضل والنَّساء) .

2 ـ فعلى رأي هؤلاء العلماء تقتضي هذه العبارة : "إذا كان يداً بيد" أن تكون المبادلة بين صنفين في نطاق الفئة الواحدة (مثل ذهب بفضة) .

3 ـ هذا مع أن عبارة اختلاف الأصناف لا تفرق بين اختلافين ، إنما ظاهرها الاختلاف بين أي صنف وصنف آخر من الأصناف الستة ، بدون تقسيم إلى فئتين .

4 ـ إن هذه العبارة يفهم معناها ، إذا كانت المبادلة ذهباً بفضة ، من أحاديث أخرى ، كأحاديث الصرف ، كقوله r : " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواءً بسواء ، والفضة بالفضة إلا سواءً بسواءٍ، وبيعوا الذهب بالفضة، والفضة بالذهب، كيف شئتم" (صحيح البخاري 3/97) .

ففي هذا الحديث لا توجد عبارة "يداً بيد" لا في آخر الحديث، ولا في أي موضع آخر منه، فقد يفهم من عبارة : "كيف شئتم " أي بالتفاضل والنَّساء معاً .

لكن هناك أحاديث أخرى تجعل فهمنا مقصوراً هنا على التفاضل ، دون النَّساء : " نهى رسول الله r عن بيع الذهب بالوَرِق (الفضة المسكوكة) دَيناً " (صحيح البخاري 3/98).

قال البراء بن عازب وزيد بن أرقم : كنا تاجرين على عهد رسول الله r فسألنا رسول الله r عن الصرف ، فقال : " إن كان يداً بيد فلا بأس ، وإن كان نَساءً فلا يصلح" (صحيح البخاري 3/72) .

5 ـ وبهذا يثبت أن الذهب بالذهب لا يجوز فيه التفاضل ولا النَّساء ، والذهب بالفضة يجوز فيه التفاضل دون النَّساء . أما الذهب بالبُر فيجوز فيه التفاضل والنَّساء ، وهذا بدلالة أحاديث البيع المؤجل (بيع السلم ، وبيع النسيئة) .

6 ـ وبناءً على هذا ، فإن الصنعة ، عند ابن تيمية وابن القيم ، قد جعلت الاختلاف بين الذهب النقدي والذهب المصوغ ، لا كالاختلاف بين الذهب والفضة ، بل أكثر ، كالاختلاف بين الذهب والبُر ، إذْ لو كان الاختلاف كالاختلاف بين الذهب والفضة لجاز الفضل فقط ، ولما جاز النَّساء ، وهما أي الشيخان يجيزان النَّساء أيضاً .

18 ـ تضاؤل الدور النقدي للذهب والفضة

1 ـ الذهب (دنانير الذهب) والفضة (دراهم الفضة) في عصر النبي r كانا هما النقدين السائدين . وإذا قيل : النقدان ، فإنما يراد بهما : الذهب والفضة .

2 ـ بعض الفقهاء ذهبوا لأجل ذلك إلى أن الذهب والفضة هما النقود الشرعية ، ولا نقد سواهما . واعتبروهما نقوداً بالخلقة .

3 ـ فقهاء آخرون لا يرون أن النقود مقصورة على الذهب والفضة ، بل يمكن أن تكون شيئاً آخر ، فالذهب والفضة عند هؤلاء الفقهاء إنما هي نقود بالاصطلاح ، لا بالخلقة .

قال عمر بن الخطاب t : هممت أن اجعل الدراهم من جلود الإبل، فقيل له : إذن لا بعير ، فأمسك .

وقال ابن تيمية (ت728هـ) : " أما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح ، وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به ، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به ، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها ، بل هي وسيلة إلى التعامل بها ، ولهذا كانت أثماناً (نقوداً) (...) . والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض ، لا بمادتها ولا بصورتها (نقوشها) يحصل بها المقصود كيفما كانت" .

4 ـ وكانت نقود الذهب والفضة في أول أمرها هي النقود الرئيسة في البلدان الإسلامية ، أما الفلوس فكانت تستخدم إلى جانبها في الخسيس من الأشياء دون النفيس ، أي كانت نقوداً مساعدة . ثم صارت هذه الفلوس هي النقود الرئيسة الغالبة . وصار الفقهاء يتحدثون عن نقود ذهبية أو فضية : خالصة، أو مرجوحة الغش، أو راجحة الغش (مغشوشة)، بحسب تزايد نسبة خلط الذهب أو الفضة بالمعادن الأخرى الخسيسة . وعندئذٍ لم تعد للنقود قيمة ذاتية ، بل صارت قيمتها ائتمانية ، أي قيمتها الاسمية أو النقدية أعلى بكثير من قيمتها الذاتية أو المعدنية .

5 ـ وفي العصر الحديث انتقلت النقود الرئيسة من النقود المعدنية إلى النقود الورقية . وكانت - هذه النقود الورقية - في بداية الأمر نقوداً نائبة (عن الذهب والفضة) ، بغرض سهولة الحمل، وحفظ الذهب والفضة من التداول والتآكل والسرقة . ثم تحولت النقود الورقية إلى نقود وثيقة ، أي تحمل تعهداً بتحويلها إلى ذهب ، عند الطلب ، ثم صارت إلزامية غير قابلة للتحويل إلى ذهب، بالرغم مما ترتب على ذلك من تضخم نقدي (تدهور مستمر في القوة الشرائية للنقود).

واقتصرت النقود الفضية (المخلوطة) على النقود المساعدة القليلة الأهمية لاستعمالها في المحقرات .

وفي البلدان المتقدمة اقتصادياً، شاعت نقود الودائع (النقود الكتابية) التي تمثلها الشيكات، وطغت على النقود الورقية التي صارت بدورها غطاءً (احتياطياً نقدياً) ، لدى المصارف التجارية، لخلق نقود الودائع . وأخذت هذه المصارف تنهض بدور نقدي ، في خلق النقود الكتابية، يفوق الدور الذي كانت تنهض به دُور السك في إصدار النقود المعدنية .

وعلى الصعيد العالمي أُنشئت في عام 1969م حقوق السحب الخاصة، وهي أيضاًنقود كتابية دولية ، لا وجود لها في الواقع إلا وجوداً محاسبياً دفترياً . وكل حق من هذه الحقوق عبارة عن سلة (مجموعة) من العُمَل (العُملات) الدولية، بأوزان نسبية معينة ، في مقدمتها : الدولار الأمريكي .

6 ـ على أن الذهب لا يزال مستخدماً في التغطية النقدية لدى المصارف المركزية في العالم ، إلى جانب العملات الصعبة ، وأذونات الحكومة ، وبعض الأوراق المالية والتجارية . ولكن مع تخلي العالم عن قاعدة الذهب ، تناقصت الأهمية النسبية للغطاء الذهبي ، وصار المصرف المركزي يصدر النقود، في العديد من البلدان ، بحسب احتياجات النشاط الاقتصادي، دون تقيد بالرصيد الذهبي .

7 ـ المهم في هذا أن الدور النقدي للذهب والفضة قد تضاءل كثيراً. وغلبت عليهما السلعية لا الثمنية (النقدية) . وليس من السهل أن يعود العالم إلى تنقيد الذهب، كما كان.

8 ـ وهذا البيان مفيد في نطاق المذاهب الفقهية التي عللت الذهب والفضة ، الواردين في أحاديث الربا ، بأنهما أثمان (نقود) .

ومع ذلك ، فإن المتعاملين إذا قصدوا بهما اتخاذهما أثماناً ، فإننا نرى أن تطبق عليهم أحكام الربا ، من حيث الفضل والنَّساء ، وهو ما ذهبنا إليه ، كما سيتبين من الفقرة التالية .

19 ـ إذا قصد بالحلي الأثمان

1 ـ إذا كان القصد من الحلي هو اتخاذها ثمناً (نقداً) ، بقصد الادخار والحفاظ على القوة الشرائية ، فإن مبادلة الذهب بالذهب عندئذٍ ، وكذلك الفضة بالفضة ، تعود إلى أصلها في هذا الباب ، فيحكمها التماثل والتقابض ، ولا يجوز فيها التفاضل ولا النَّساء . ولا ينطبق عليها حينئذٍ رأي ابن تيمية ، ولا ابن القيم .

قال ابن تيمية (ت728هـ) : "يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه ، من غير اشتراط التماثل ، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة ، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ، ما لم يقصد كونها ثمناً" .

وقال ابن القيم (ت751هـ ) : "إن هذه (الحلية) بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان ، وأعدت للتجارة" .

2 ـ ويتضح هذا أكثر في الجنيهات والسبائك (الذهبية) ، فالجنيهات (وما في حكمها من الوحدات النقدية) اسم لوحدة نقدية ، وتقل فيها الصنعة . ثم إن نقوش الوحدات النقدية، الذهبية والفضية ، مهدرة في التبادل . فالقاعدة فيها أن يتم هذا التبادل مِثْلاً بمثل ، يداً بيد ، ولا اعتبار للنقوش وصناعة الضرب ، بل تِبْرها وعينُها سواء . والتبر هو الذهب أو الفضة غير المضروبين نقوداً ، بخلاف العَيْن (النقد) .

قال ابن القيم : " إن السكة (النقود المسكوكة) لا تتقوم فيها الصناعة للمصلحة العامة المقصودة منها . فإن السلطان يضربها لمصلحة الناس العامة (...) . فإن القصد بها أن تكون معياراً للناس، لا يتجرون فيها (...) . والسكة غير مقابلة بالزيادة في العرف، ولو قوبلت بالزيادة فسدت المعاملة، وانتقضت المصلحة التي ضربت لأجلها، واتخذها الناس سلعة ، واحتاجت إلى التقويم بغيرها . ولهذا قام الدرهم مقام الدرهم من كل وجه . وإذا أخذ الرجل الدراهم ردَّ نظيرها. وليس المصوغ كذلك" .

وهذه التفرقة بين صناعة الحلي وصناعة ضرب النقود تفرقة واردة ، ولها وجه قوي ، وصناعة الضرب مهدرة ، في صرف العملات ، حتى عند رجال الاقتصاد الوضعي .

3 ـ تعرضنا لهذا الفصل لأن تجار الذهب يتعاملون بأصناف مختلفة لا تقتصر على الأساور والخواتم والحلق والتعاليق (القلائد) ، بل تمتد كذلك إلى الجنيهات والسبائك .

4 ـ كل مبادلة آجلة بين متجانسين ، مثل سبائك ذهبية بسبائك ذهبية، أو جنيهات ذهبية بجنيهات ذهبية ، أو بين متقاربين ، كسبائك بجنيهات ، قصد بها القرض الربوي ، تحت ستار البيع المؤجل ، يأثم صاحبها ، ويعد متحايلاً ومرتكباً لكبيرة الربا المحرم .

5 ـ طلبت مني هيئة تحرير المجلة أن أتطرق إلى : أ ـ المعاني الأخرى المحتملة لقول ابن تيمية : "ما لم يقصد كونها ثمناً" ، وقالت : "لعل أول ما ينصرف إليه الذهن في اتخاذ الحلي ثمناً هو الاستدانة بواسطتها ، من خلال شرائها بثمن مؤجل ، عوضاً عن الاستدانة الصريحة بالنقود" .
ب ـ جدوى هذا القيد من الناحية العملية، إذ المقاصد عادة مستكنة في نفوس المتعاملين ، ويتعذر ضبط المعاملات المالية على أساسها ، مالم ينصب لتلك المقاصد الخفية قرائن خارجية موضوعية".


جواب هذا أن الاقتراض بحيلة شراء الذهب والفضة بثمن مؤجل أمر وارد ، ولولا أنه وارد ما قال ابن تيمية قوله : "مالم يقصد كونها ثمناً" . وسيكون هذا عندئذٍ من باب الحيلة ، والحيلة كما قلنا لا يمكن منعها نهائياً ، فلو اشترى أحدهم منك سيارة بثمن مؤجل ، ثم باعها إلى آخر بثمن حال ، لأنه يريد الاقتراض ولا يريد الشراء ، كيف تستطيع أن تمنعه ؟ وكيف تستطيع أن تعرف في هذه الحالة أنه سيعيد بيع السيارة لأجل الحصول على النقود ؟ هذه هي حيلة " التورق" التي ربما أجازها بعض العلماء لهذا السبب، ولكن جوازها قضاءً لا يعني بالضرورة جوازها ديانة ، إلا للضرورات التي تبيح المحظورات . ومن هنا يتبين جدوى هذا القيد من الناحية العملية ، فجدواه تتعلق بالديانة لا بالقضاء .
__________________
[overline]
قال صلى الله عليه وسلم:

<أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه ديناً أو يطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - مسجد المدينة - شهراً ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام >
صححه الألباني الأحاديث الصحيحة رقم (906)
هشام حلمي شلبي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس