
مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها
المطلب الرابع
شروط جباة الضرائب
لا شك أن التعامل مع المال فيه من الخطورة والفتنة الشيء الكبير، وذلك لتعلق الناس به، وميلهم إليه، ورغبتهم في تحصيله وجمعه، واقتنائه، وصدق الله العظيم إذ يقول: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث)(164)، وقال سبحانه: (وتحبون المال حبًا جمًا)(165).
لهذا فإن من يتولى شؤون المال، جمعه أو إنفاقه، لابد أن يكون من أهل الصلاح والتقوى، أمينًا على أموال الناس، زاهدًا فيما عندهم، قويًا في دينه، له من الكفاءة والأخلاق ما يميزه عن غيره، وهذا ما أشار إليه الإمام أبو يوسف رحمه الله، إذ يقول في كتابه الخراج: "أما العشور فرأيت أن تُوليها قومًا من أهل الصلاح والدين، وتأمرهم أن لا يتعدوا على الناس فيما يعاملونهم به، فلا يظلمونهم به، ولا يأخذوا منهم أكثر مما يجب عليهم، وأن يمتثلوا ما رسمناه لهم، ثم تتفقد بعد ذلك أمرهم، وما يعاملون به من يمر عليهم، وهل تجاوزا ما أمروا به؟ فإذا كانوا قد فعلوا ذلك عزلت وعاقبت، وأخذت بما يصح عند عليهم لمظلوم، أو مأخوذ منه مما يجب عليه، وإن كانوا قد انتهوا إلى ما أمرتهم، وتجنبوا ظلم المسلم والمعاهد، أثبتهم على ذلك الأمر، وأحسنت إليهم، فإنك متى أثبت على حسن السير والأمانة، وعاقبت على الظلم والتعدي لما تأمر به في الرعية، يزيد المحسن في إحسانه، ويرتدع الظالم عن معاودة الظلم والتعدي(166).
وأخيرًا: نظرة في الواقع:
إننا إذا نظرنا إلى واقع الأمة هذه الأيام نجد أنها تعاني في كثير من دولنا العربية والإسلامية مما وظف عليها من ضرائب على التجارات المحلية والخارجية، والمعاملات التي يقدمها المواطن للدولة لنيل حقوقه ومصالحه، وعلى العقارات، والخدمات الصحية، والتعليمية وحتى المرتبات الشهرية لم تسلم.
ومع تقديرنا لما يقع على عاتق الدولة من مسئوليات وحاجتها إلى فرض ضرائب تستعين بها على تقديم الخدمات العامة وتحقيق المصالح إلا أن هذه الضرائب المتعددة والمتنوعة بعضها لا نجد له مبررًا من الوجهة الشرعية، ولذا فإن هذا الكم الهائل من الضرائب بحاجة إلى إعادة نظر وتمحيص في ضوء واقع الناس وإمكاناتهم ومراعاة ذلك ما أمكن فما كان ضروريًا لابد منه لحاجة الدولة فعلى المكلف أن يؤدي هذا الالتزام، ويستحب ثواب ذلك عند الله لأن ما يؤخذ ينفق في مصالح الأمة، وما يمكن الاستغناء عنه أو أنه ليس له ضرورة ملحة فيجب على الدولة أن تقدر الضرورة بقدرها، مراعاة لحال الناس ما أمكن.
أهم نتائج البحث والتوصيات
يمكن إجمال ما جاء في البحث فيما يلي:
1- الضريبة عشر قديم حديث وهي فريضة نقدية تقتطعها الدولة من أموال المواطنين على أساسا نظرية سيادة الدولة. أو التكافل الاجتماعي من أجل تغطية النفقات لتأمين الخدمات العامة في الدولة لمصلحة المواطنين.
2- الضريبة في اصطلاح فقهاء الشريعة حق في مال المسلم غير الزكاة يحدده ولي الأمر في حالات استثنائية لمواجهة ظروف طارئة، وتختلف عن الزكاة في المقدار ووجوه الإنفاق والاستمرارية.
3- أفتى كثير من الفقهاء القدامى والمحدثين بجواز توظيفها على الناس مستدلين لذلك بالكتاب والسنة وعمل الصحابة والمعقول المبني على قواعد الشريعة وأصولها العامة.
4- من الفقهاء من لا يرى جواز توظيفها على الناس، إذ لا حق في المال سوى الزكاة، وبمناقشة والرد عليها تبين رجحان جواز فرض الضرائب في حالات تستوجب ذلك.
5- فرض الضرائب من اختصاصات الدولة الإسلامية يقدره ولي الأمر بمشاورة أهل الحل والعقد في الأمة، أو ما يسمى بالمجالس النيابية، وليس له أن ينفرد بفرضها وتقديرها.
6- يكون فرض الضريبة شرعيًا إذا فرضت بشروط أهمها:
أ- أن تكون حاجة الدولة للمال حاجة حقيقية وضرورية.
ب- أن تكون استثنائية تنتهي بانتهاء الظرف الطارئ.
ج- أن تكون موازنة الدولة عاجزة عن تأمين ما تحتاج لذلك الظرف.
د- وجود مصلحة عامة حقيقية لا وهمية تتحقق من فرض الضريبة.
ه- أن تؤخذ من فائض المال لا ممن ليس عنده إلا ما يسد حاجاته الضرورية.
و- أن تقدر الضريبة تقديرًا يتناسب مع ظروف العامة بعد دراسة مستفيضة من أولي الأمر ومشاورة أهل الاختصاص.
7- يشترط في ولي الأمر الذي له حق فرض الضريبة: العدالة والكفاءة والعلم وكمال الأهلية.
8- جهاز تحصيل الضريبة له مواصفات دينية، أخلاقية، فنية تخصصية.
9- ما يفرض على الناس اليوم من ضرائب يحتاج الأمر فيه إلى إعادة النظر وتحري الدقة من حيث الضرائب وتنوعها وضرورة مراعاة أحوال الناس المعاشية ما أمكن وعدم تكليف الناس فوق طاقتهم وهذا مطلب شرعي لا يجوز تجاهله.