
مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها
روي أن رجلاً كان بينه وبين عمر بن الخطاب قرابة، فسأله مالاً، فزجره وأخرجه فكلّم فيه فقيل يا أمير المؤمنين، فلان سألك فزجرته وأخرجته، فقال: إنه سألني من مال الله – ويعني من مال جماعة المسلمين – فما معذرتي عند الله إن لقيته ملكًا خائنًا؟ فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله(155)، ولهذا فلابد أن تفرض للدفاع عن الأمة ضد أي عدوان وتحقيق الأمن الداخلي وإشباع الحاجة إلى الخدمات الصحية من علاج ومستشفيات ومصانع أدوية ونحوه، وإشباع الحاجات التعليمية من مدارس ومعلمين ونحوه.
5- أن توخذ من فضل المال أو ما يزيد عن حاجة المكلفين الأساسية. ممن كان عنده من المكلفين فضل عن إشباع حاجاته الأساسية أخذت الضريبة من هذا الفضل ومن كان لا فضل عنده شيء بعد هذا الإشباع للحاجات الأساسية فلا يؤخذ منه شيء(156)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة عن ظهر غنى"(157). والمعيار الموضوعي للغني هو ملك النصاب ممن بلغ النصاب أو زاد فإنه يعتبر غنيًا تؤخذ منه الضريبة.
والحكمة من اشتراط النصاب في الزكاة وغيرها أن الضريبة تؤخذ من مال الأغنياء مواساة للفقراء أو مشاركة في مصلحة الإسلام والمسلمين فلا بد أن تؤخذ من مال يحتمل المواساة. المغنى لا نأخذ من الفقير ضريبة وهو في حاجة أن يعان لا أن يعين(158).
وفسر بعض فقهاء الحنفية الحاجات الأساسية بقوله: ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقًا كالنفقة ودور السكن وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد(159).
6- مراعاة الناحية الإنسانية التي هي سمة من أهم سمات التشريع الإسلامي، والتي تفتقدها التشريعات الوضعية حتى المعاصرة منها، إذ تعتبر الضرائب من الديون الممتازة التي تتقدم على جميع الديون الأخرى وتتخذ السلطات كافة الإجراءات التي تراها للحصول عليها حتى ولو أدى الأمر إلى الحجز على أثاث منزل الممول وبيعه. في حين نرى أن الإسلام ينهى عن استخدام الأساليب التعسفية في التحصيل ويوصي بأفضل الطرق في الجباية وأسهلها عن الممول، حتى لو اقتضى الأمر ترك بعض المال دون أخذه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمر سعاته للزكاة أو الخراج في تقدير الخرص للثمار وأن يخففوا على الناس فقال لهم صلى الله عليه وسلم: "إذا خرصتم فجذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع"(160).
كما أن الإسلام يحظر الحجز على الضرورات لاستيفاء الضرائب، بل ويمنع استيفاءها بالقوة، يقول الإمام علي لأحد عماله: إذا قدمت عليهم، فلا تبيعن لهم كسوة شتاء، ولا كسوة صيف، ولا رزقًا يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضرب أحدًا منهم سوطًا واحدًا في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عرضًا في شيء من الخراج، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو(161).
وكذا فإنه لابد أن تكون ملائمة من جهة المواعيد، بأن يطالب بها المكلف، وقت حصوله على الدخل، أو في وقت مناسب ومعقول كأن يكون بعد حصوله على مرتبه مثلاً، أو بعد جني المحصول، أو بيعه مباشرة، لأن في المطالبة المتأخرة نوعًا من المشقة يعانيها المكلف.
7- أن لا يكون فرض الضريبة من قبل الحاكم منفردًا برأيه، بل لابد من موافقة أهل الشورى والرأي، وذلك بتدارس الأمر جيدًا وتحديد الحاجة إليه، وتقدير الضرورة بقدرها، من قبل مجلس شورى يعقده ولي الأمر مع أهل الرأي والتقوى، أي أعوان الحاكم في السلطة، وهم السلطة التشريعية في الدولة أو ما يسمى في الوقت الحاضر بمجلس الشعب، أو مجلس الأمة، وليس لولي الأمر أن ينفرد برأيه في تقدير الضريبة على الناس ولا ولاته على الأقاليم كذلك، فلقد قال تعالى مخاطبًا نبيه عليه السلام: (وشاورهم في الأمر)(162). ووصف هذه الأمة بقوله جل جلاله: (وأمرهم شورى بينهم)(163).
وبهذا نرى ضرورة مشاركة أولي الأمر أهل الحل والعقد في كل أمور الدولة وسياستها وبخاصة في هذا الجانب، فهم أقدر على معرفة حقيقة حاجة الدولة للمال، وكفاية مواردها أو عجزها، وعندهم من القدرة ما يضعوا نظامًا يتم به توزيع أعباء الضريبة على الرعية بالعدل، ومن ثم مراقبة صرف ما يجبى في مواطنه التي من أجلها فرضت الضريبة.