عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2009, 01:50 AM
  #7
ياسمين حلمى شافع
 الصورة الرمزية ياسمين حلمى شافع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 427
افتراضي مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها

ثانيًا: مناقشة آراء المجيزين:


أعتمد المجيزون في آرائهم على الكتاب والسنة النبوية والآثار التي وردت عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كما احتجوا لذلك بالمعقول وما تهدي إليه القواعد الشرعية والمبادئ العامة القائمة على المصلحة العامة كما أسلفنا.


وإليك مناقشة هذه الحجج والرد عليها:


1- أما استدلالهم بآية البر وهي قوله تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب..... وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ...) فقالوا إن فيها دلالة واضحة على أن في المال حقًا سوى الزكاة، لأن الله تعالى نص على إيتاء المال لذوي القربى .... ثم عطف قيام الصلاة وإيتاء الزكاة على ما سبق، فإن في ذلك دلالة على أن في المال حقًا سوى الزكاة، لأن المعطوف مغاير للمعطوف عليه في العادة وبذلك يجوز للإمام أن يوظف على المكلفين نصيبًا من المال عند عدم كفاية الزكاة لسد حاجة فقراء المسلمين أو تحقيق مصالحهم، ما دام أن في المال حقًا سوى الزكاة فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.


ورد المخالفون هذا الاستدلال من وجوه فقالوا:


إن ما جاء في النص من إثبات حقوق في المال غير الزكاة مطلوب على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، وإنما هو واجب حال الضرورة فقط.


وقال الضحاك بن مزاحم بأن إيتاء المال كان حقًا واجبًا قبل الزكاة فلما فرضت الزكاة نسخت كل حق كان قبلها(124).


وإني أرى أن هذه الردود لا تقوى على دحض حجة المجيزين واستنباطهم أن في المال حقًا سوى الزكاة حيث أن آراء المانعين في الرد اختلفت وتعددت، فمنهم من اعتبر أن في المال حقًا على سبيل الندب، ومنهم من قاله على سبيل الوجوب عند الضرورة، ومنهم من اعتبر أن ذلك منسوخ بآية الزكاة، وإن قولهم بأن ذلك مطلوب على وجه الاستحباب يتفق مع رأي المجيزين أخذ المال من المكلف غير الزكاة عند عدم كفاية الزكاة وعند الحاجة إلى مال لتحقيق مصلحة للمسلمين، أو دفع مضرة فهم يقولون بذلك عند الضرورة وهذا لا يخالف ما قاله المانعون عندما أوجبوا ذلك عند الضرورة.


وأما ادعاؤهم النسخ فهذا غير مسلم لأنه لو صح لكان قول الله تعالى في الآية (وآتى الزكاة) ناسخًا لقوله تعالى: (وآتى المال على حبه) فيقرر جزء الآية حكمًا ينسخه الجزء الآخر وهذا غير معقول في حق الله تعالى.


كما أن الآية اشتملت على خبر ووصف لأهل البر والتقوى، والأخبار لا تنسخ لأن نسخها يكون تكذيبًا لقائلها وتعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا(125).


وروى أبو عبيد عن أبي عباس أن الآية نزلت في المدينة حين نزلت الفرائض وحددت الحدود وأمروا في العمل، فهي محكمة(126).


استدلالهم من السنة


2- : رد المخالفون على المجيزين استدلالهم بحديث فاطمة بنت قيس بأنه حديث ضعيف، قاله الترمذي لأنه من طريق أبي حمزة ميمون الأعور القصاب، وهو ضعيف جدًا عند أهل الحديث. ولا يعول على ما رواه، وقال البيهقي في الحديث لست أحفظ فيه إسنادًا(127).


ورد عليه المجيزون بأن الحديث وإن كان به ضعف إلا أن آية البر المذكورة تقوي عضده وتشد أزره، وهي وحدها حجة بالغة ، قال القرطبي معقبًا على الحديث المذكور: والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في الآية نفسها من قوله تعالى: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) ليس الزكاة المفروضة فإن ذلك يكون تكرارًا(128).


وأما بقية الأحاديث فقد استدلوا بها فهي واردة في الصحاح، ورغم صحتها لكنها لا دلالة فيها على جواز فرض الضريبة مباشرة بل غاية ما تدل عليه أن للمسلم الفقير حقًا في مال الغني المسلم، فإذا لم تكف الزكاة لسد حاجة الفقراء والمحتاجين، فإنه يلزم الأغنياء إعطاء الفقراء من فضول أموالهم.


فإن جاع الفقراء أو عروا فإنما بسبب منع الأغنياء فضول أموالهم، وسيحاسبون على ذلك المنع يوم القيامة، لكنه يمكن الاحتجاج بهذه الأحاديث على جواز فرض الضريبة قياسًا على هذا الحق، فإذا عجز بيت المال عن تحقيق مصالح الناس أو دفع خطر داهم عليهم فإن للحاكم أن يفرض على المكلفين ما يحقق المصلحة الضرورية، أو يدفع الخطر الداهم فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.


3- وأما ما استدلوا به من أقوال الصحابة والتابعين فإن قول الصحابي حجة إذا لم يوجد من يعارضه، ولما لم نجد معارضًا لقول عمر الذي استشهدوا به على جواز فرض الضريبة، وكذا آراء آخرين من الصحابة يقولون بقول عمر، فإن ذلك يكون بمثابة إجماع ويصلح أن يكون استدلالهم حجة.


4- وأما استدلالهم من المعقول أن من واجب الفرد المسلم أن يسهم في تحقيق مصالح المجتمع الإسلامي ويحافظ على كيانهم، ويدفع عنه الخطر انطلاقًا من مبادئ إسلامية عامة، كمبدأ التكافل الاجتماعي، والإخاء الإسلامي، الذي قررته الآية الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة. فالقوي في المجتمع الإسلامي يحمل الضعيف، والغني يأخذ بيد الفقير، فإذا قام البعض بدافع إيمانهم سقط الإثم عن الباقين، وإلا فإن لولي الأمر أن يتدخل ويرتب في أموال الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء والضعفاء. وأولى من ذلك إذا طرأ على المسلمين خطر داهم، أو جدت مصلحة عامة ضرورية ولم يكن في بيت المال ما يحققها. فالضرورة تقدر بقدرها.


الترجيح وما أميل إليه:


بعد الإطلاع على أدلة الفريقين (المجيزين والمانعين) فإني أميل إلى ترجيع رأي المجيزين لفرض الضريبة وذلك للأسباب التالية:


1- قوة أدلة المجيزين، وذلك لاعتمادهم على شواهد من القرآن الكريم وما قال بها المفسرون، وكذا نصوص من السنة النبوية الصحيحة، وما استشهدوا به من آثار واردة عن الصحابة والتابعين، ومن المعقول كلها تدل على جواز فرض الضريبة عند الضرورة. فالقاعدة الشرعية تقول "الضرورات تبيح المحظورات"(129).


2- إن رأيهم يتفق مع قواعد الشريعة ومقاصدها العامة، وهي تحقيق مصالح الأمة. وإقامة مجتمع متعاون على الخير. وهذا هو الأصل من فرض الضريبة.


3- ردهم على مخالفيهم المانعين، وتفنيد حججهم بالحجة والمنطق. وبيان ضعف ما اعتمدوا عليه من حديث، وتوضيح معنى بعضه الآخر بأنه لا يصلح للاحتجاج به في هذا المجال، وليس فيما قالوه ما يدل على حظر فرض ضريبة مالية على الناس عند الضرورة لتحقيق مصالح مستجدة أو دفع خطر داهم، شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها وتنتهي بزوال الحاجة. والله أعلم.
ياسمين حلمى شافع غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس