عرض مشاركة واحدة
قديم 09-14-2009, 01:44 AM
  #3
ياسمين حلمى شافع
 الصورة الرمزية ياسمين حلمى شافع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 427
افتراضي مشاركة: الضرائب وحكم توظيفها

ثانيًا: مدى توافق هذه الموارد مع مفهوم الضريبة المعاصرة:


لا شك أن هنالك توافقًا في بعض الوجوه واختلافًا أكبر في وجوه متعددة نبنيها في ما يلي ثم في ضوء ذلك نحكم على التوافق أو الاختلاف.


1- وجوه التشابه أو التوافق:


تتفق الزكاة مع الضريبة من حيث:


‌أ- إن كلا منهما يدفعه المكلف قسرًا وإلزامًا إذا امتنع عن الدفع مختارًا.


وتتضح قسرية الزكاة في التحصيل الجبري لها من الممتنع عند أدائها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطاها مؤتمرًا فله أجرها ومن منعها فإني آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد منها شيء(35). كما أن أبوبكر الصديق رضي الله عنه قاتل من امتنع عن دفع الزكاة(36).


‌ب- الزكاة والضريبة تدفعان إلى السلطات المحلية.


‌ج- يشتركان في إنعدام المقابل الخاص للممول وإنما تدفع منه بوصفه عضوًا في مجتمع مسلم يتمتع بحمايته وكفالته وأخوته، فعليه أن يسهم في معونة أبنائه(37).


2- أما أوجه الاختلاف بين الزكاة والضريبة فهي كثيرة منها:


‌أ- من حيث أساس فرضية كل منهما: فإن أساس فريضة الزكاة هو القرآن الكريمة فهي فريضة إلهية وركن من أركان الإسلام وتسمى في لغة القرآن. قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)(38). وهي عبادة لله تعالى وتقربًا إليه سبحانه، أما الضريبة فهي التزام مدني محض خال من كل معنى للقربة والعبادة، إلا طاعة الحاكم فيما له سند شرعي – جاءت بطلب بشري على شكل قوانين أو قرارات حكومية قد تكون قسرية، وقد تفرض ظلمًا أو تنبع عن هوى مما يجعل الكثير من المكلفين يتهربون منها إن أمكن على العكس من الزكاة التي يدفعها المكلف طوعًا وطمعًا في ثواب الله تعالى ومغفرته، كما أن الزكاة لا تكون إلا على المسلم بينما الضريبة على المسلم وغيره من المواطنين(39).


‌ب- من حيث الاسم الذي تحمله كل منهما: فالزكاة تعني النماء والطهارة والبركة(40). سواء للمال نفسه أو لصاحبه من الشح والبخل، في حين أن الضريبة من الفعل ضرب، وضرب عليه الغرامة أي ألزمه وكلفه تحمل عبئها(41)، ومنها قوله تعالى: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة)(42)، فالضريبة تعني المغرم، والنقص، والعبء.


‌ج- من حيث الثبات والاستمرارية: فالزكاة فريضة دائمة وثابتة ما دام في الأرض مسلمون يوحدون الله تعالى لا يبطلها دور جائر ولا عدل حاكم، شأنها شأن الصلاة، وهي لا تخضع لتقنين التعديل أو التبديل أو الإلغاء، ولا تخضع لقاعدة، لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان(43)، وإنما تخضع لقاعدة "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص"(44).


أما الضريبة فليس لها صفة الدوام والثبات لا في نوعها ولا مقاديرها، ولكل حكومة أن تضع من الضريبة حسب ما تراه السلطة التشريعية فيها، فهي تجب حسب الحاجة وتزول بزوالها، اقتضت فرضيتها ظروف مستجدة، فهي تكليف زمني تتحدد أحكامها بتعًا لمشيئة الوضع الحكومي(45).


‌د- من حيث تحديد المقادير في كل منهما: أن الزكاة فريضة إلهية في وجوبها ومقاديرها وأنصبتها وأوعيتها وشروطها وسائر أحكامها فمقادير الزكاة من العشر، والخمس، ونصف العشر، وربع العشر، كلها مقادير من عند الله تعالى وليس لأحد أن يغير أو يبدل بخلاف الضريبة حيث تخضع في تقديرها لمشيئة الوضع الحكومي واجتهاد أولي الأمر، وإن بقاءها وعدمه مرهون بتقدير السلطة لمدى الحاجة إليها(46).


هـ- من حيث وجوه الإنفاق في كل منهما: فللزكاة مصارف خاصة محددة في كتاب الله تعالى والسنّة النبوية توزعها الدولة بعد جبايتها أو يوزعها المسلم بنفسه إن شاء، قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)(47).


في حين أن مصارف الضريبة ووجوة إنفاقها غير محددة، وتحكم فرضيتها المشاركة في تحمل الأعباء العامة، وتغطية أوجه الإنفاق العام(48). أضف إلى ذلك أن زكاة كل إقليم أو بلد مخصصة للإنفاق في نفس الإقليم أو البلد، ولا يجوز إخراجها إذا كان يوجد فيه من هو بحاجة إليها فإذا فضل شيء عن حاجة فقراء البلد ومصالحهم فعندها ينقل إلى بيت المال لينفق على سائر السكان(49)، في حين أن الضريبة تعود فورًا إلى خزينة الدولة لتنفقها الدولة على ما تشاء في المصالح العامة.


من هذا وغيره نرى الفرق بين معنى الزكاة وأحكامها وبين مفهوم الضريبة المعاصر، كما أن ما ينطبق على الزكاة ينطبق في الغالب على سائر موارد بيت المال الآنفة الذكر، فالجزية مثلاً منصوص عليها في كتاب الله تعالى كما مر سالفًا، وكذا الفيء والعشور على اعتبار أنهما فيء للمسلمين يدخلان تحت آية الفيء قال تعالى: (وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير، ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم..)(50)، وكذا خمس الغنائم مقداره وسنده محدد بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: (اعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول)(51).


وهذا الأساس يختلف قطعًا عن الأساس القانوني لفرض الضريبة والتي أساسها إما النظرية التعاقدية التي ألتزمت بموجبها الدولة أن تقدم للأفراد خدمة الأمن بكافة أشكالها والتزم الأفراد بمقتضاه أن يدفعوا للدولة الضريبة مقابل ما يحصلون عليه من منافع، وأما نظرية السيادة والتي تعني أن الضريبة عمل من أعمال السيادة وهذا الاتجاه يستند إلى فكرة التضامن المالي، إذ الأفراد ملتزمون بناء عليه بدفع الضرائب للدولة حتى تستطيع النهوض بأعبائها(52). ومما يجدر ذكره أن معظم هذه الموارد قد انتهى وجودها في هذا العصر كمورد ثابت من موارد الدولة الإسلامية فالزكاة مثلاً أصبحت في معظم الدول الإسلامية موكول أمرها إلى من يملك النصاب فإن شاء أداها، وإن شاء منعها ولا تتدخل الدولة في إلزامه بدفعها ولا تحصيلها، وإنما يرجع ذلك إلى مدى إيمان المسلم بربه.


وأما الجزية فقد توقف العمل بها، لأن من يقيم في ديار المسلمين من غير المسلمين أصبحوا من مواطني الدولة ورعاياها يساهمون مع المسلمين في الدفاع عن حمى الوطن، ويوقع عليهم ما يوقع على المسلمين من التزامات تفرضها الدولة على رعاياها، إضافة إلى أنه ليس للمسلمين اليوم شوكة لحماية أنفسهم وديارهم، فأنى لهم أن يفتحوا بلادًا جديدة، يلتزمون بحماية أهلها مقابل دفع الجزية.


وأما الخمس من الغنائم فما عاد له ذكر إذ أن هذه الأمة تركت الجهاد ورفعت رايات السلام والتسليم وفقدت هيبتها في ميادين القتال، وتداعت عليها الأمم كما جاء في الحديث النبوي "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: يا رسول الله فمن قلة يومئذ، قال: لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينتزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت"(53).


وكذلك الخراج ما عاد موردًا للدولة الإسلامية بسبب ما آلت إليه من ضعف في شخصيتها الاعتبارية أمام غيرها إذ قعدت عن الجهاد بل وحتى عن الدفاع عن النفس.


وإننا لنرجو الله تعالى أن يعيد للإسلام مجده بأن يهيء لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها ويعيد لها هيبتها فتنبعث من جديد وتحيي راية الجهاد وتعود مثل هذه الموارد للدولة الإسلامية.


ومع غياب هذه الموارد فهل للدولة الإسلامية اليوم وفي ظل الظروف القائمة أن تفرض على مواطنيها ضرائب في أموالهم؟ وفي أي الأحوال يكون ذلك؟ وما مستنده الشرعي؟ هذا ما سنتبينه في المبحث الثاني.
ياسمين حلمى شافع غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس