عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2006, 11:50 PM
  #3
على أحمد على
 الصورة الرمزية على أحمد على
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
العمر: 78
المشاركات: 4,342
افتراضي

استقلال خطابات الضمان


*وحي فاروق لقمان
كتبت في مقال سابق عن الاعتمادات المستندية ومدى فائدتها وأهميتها في مجال التجارة الدولية وما لخطابات الضمان من ارتباط وثيق بالاعتمادات المستندية. سأحاول إيجاز فكرة خطاب الضمان ودوره في التجارة الدولية أيضا.
مع تطور التجارة الدولية واستجابة لمتطلبات العمل المصرفي ابتدع العمل البنكي خطابات الضمان في شكل تعهدات مباشرة من البنك وقد نشأت هذه التعهدات تحت ضغط الحاجة العملية وبعيداً عن يد المشرع الوطني. والحقيقة أن الدور الذي تعلبه خطابات الضمان لا يقل شأناً عن الدور الذي تقوم به في نطاق الاعتمادات المستندية سواء في المجال الداخلي أو الدولي.
فلا يكاد يخلو عقد من عقود التجارة الدولية كعقود التوريدات والمناقصات الدولية إلا ونجده مصحوباً بخطاب ضمان في شكل تعهد بنكي بدلاً من اللجوء إلى إيداع نقود لدى رب العمل المستفيد.
لذا تلعب خطابات الضمان دوراً فعالاً وحيوياً لأطرافها مما يحقق المصلحة سواء بالنسبة للعميل أو المستفيد وكذلك بالنسبة للبنك، فبالنسبة للعميل لا يكاد يخلو عقد من عقود التجارة الدولية إلا ويطلب من الطرف الذي يقوم بتنفيذ العملية أن يقدم ضماناً مالياً فعالاً حتى يمكن الرجوع إليه في حالة عدم التنفيذ أو سوء التنفيذ وهذا يرهق العميل لأنه في حاجة إلى هذه السيولة لتنفيذ العملية فهو غالباً ما يبدأ في تنفيذ العملية من السيولة الخاصة به ولا يحصل من المستفيد على دفعات إلا بعد بدء التنفيذ ومن هنا جاءت خطابات الضمان لتحل محل هذا الضمان النقدي في شكل تعهدات بنكية صادرة عن بنك يلتزم فيها هذا الأخير بالدفع لمصلحة المستفيد بناء على أول طلب. أما بالنسبة للمستفيد فرغبة منه في البعد عن قواعد الكفالة وما يترتب عليها من صعوبات خاصة أنها تتميز بعنصر التبعية للدين فكثيراً ما يتطلب المستفيدون خطابات ضمان يلتزم بموجبها البنك بالدفع لدى أول طلب دون إمكانية الاحتجاج بدفوع ما عليه وهذا ما هو إلا ترجمة حقيقية لمبدأ الاستقلال. فهو بمثابة تعهد شخصي صادر من البنك منقطع الصلة عن عقد الأساس يلتزم بمقتضاه البنك بالدفع لدى أول طلب وهذا كله بعيداً عن الكفالة وتنظيمها وفقاً لقواعد القانون المدني. وبما أن المستوردين لا ترضيهم الكفالة فمن هنا نشأت الحاجة إلى وجود التزام في شكل تعهد بنكي مباشر لمصلحة المستفيد بحيث يتنازل البنك عن إمكانية التمسك بدفوع مستمدة من عقد الأساس الذي يمثل العلاقة بين العميل والمستفيد مما يوفر الأمان للمستورد في حصوله على حقوقه دون إمكانية إثارة لأحد هذه الدفوع.
فإذا كانت عملية خطابات الضمان وإصدارها ذات فائدة لكل من العميل المصدر والمستفيد فهي ذات فائدة أيضا بالنسبة للبنك فبمقتضى إصدار خطابات ضمان يمكن للبنك أن يحصل على العمولة وكذلك الفائدة على المبالغ المجمدة لمصلحة المستورد في حالة عدم تقديم غطاء من جانب العميل.والواقع أن المشكلة الكبرى التي تشغل كثيراً من البنوك الدولية في نطاق الضمانات البنكية تتسع سنة بعد سنة بأشكال متنوعة أصبحت معقدة فيما يتعلق بإصدارها وتنفيذها ففي بعض البلاد تأخذ أشكال ضمانات مشروطة بينما تأخذ في بلاد أخرى شكل تعهدات بالدفع لدى أول طلب ولهذا فإن البنوك تقوم بحساب عمولتها والفائدة حسب مخاطر العملية لذا كانت خطابات الضمان محل اهتمام دولي بوضع قواعد دولية تعالج هذه الضمانات خاصة مع الفراغ التشريعي في عديد من الدول وخلو تشريعاتها من تنظيم في هذا الشأن.
كما أشرنا أن خطابات الضمان هي وليدة العرف المصرفي فتحت ضغط الحاجة العملية وبعيداً عن يد المشرع نشأت هذه القواعد نظراً لخلو كثير من التشريعات الوطنية من تنظيم في هذا الشأن. ومن هنا نهضت غرفة التجارة الدولية لمعالجة هذه الضمانات وأصدرت ما يسمى بالضمانات التعاقدية لسنة 1978م والتي لم تحظ بقبول عام لعدم اشتمالها على الضمانات لدى الطلب واهتمامها في الأكثر بالضمانات المستندية. ولعل الجوهر وراء اشتمال هذه القواعد على ما يسمى بالضمانات المستندية هو تقليل فرص التعسف وسوء الاستعمال للحق لذا ظلت بعيدة عن التطبيق العملي لكن يجب أن نلاحظ أن هناك من الدول ما زالت تطبق قواعد 1978م كسريلانكا وكوستاريكا كما أعدت الغرفة قواعد لاحقة عام 1986م. وأخيرا أعدت غرفة التجارة الدولية سنة 1992م ما يسمى بالقواعد الموحدة للضمانات تحت الطلب والتي ركزت فيها على الضمانات غير المشروطة لدى أول طلب ولكن مما يعيبها أنها لم تشر في أية نص من نصوصها إلى الغش أو التعسف من جهة المستفيد. ومن جهة أخرى قامت لجنة الأمم المتحدة لتوحيد القانون التجاري الدولي عام 1995م بوضع ما يسمى باتفاقية الأمم المتحدة للضمانات المستقلة وخطابات الاعتماد الضامنة وقد جمعت الاتفاقية بين كل من خطابات الاعتماد الضامنة وخطابات الضمان لتخضع كلتاهما لنفس النظام القانوني.
إن خطابات الضمان تعد من العمليات المصرفية التي تتميز باستقلال التعهد البنكي كونه تعهداً مستقلاً عن العلاقات الأخرى. وإن خطاب الضمان وإن كان قد صدر تنفيذاً للعقد المبرم بين البنك والمدين المتعامل معه إلا أن علاقة البنك بالمستفيد الذي صدر لصالحه هي علاقة منفصلة عن علاقته بالعميل، إذ يلتزم البنك بمقتضى خطاب الضمان وبمجرد إصداره ووصوله إلى المستفيد بوفاء المبلغ الذي يطالب به هذا الأخير باعتباره حقاً يحكمه خطاب الضمان.


* أكاديمية ومستشارة قانونية - جامعة الملك عبدالعزيز
على أحمد على غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس