
مشاركة: مشاهدة البث الحي للحرم المكي و ( كل شئ عن الكعبة المشرفة )
تاريخ المسجد النبوي وبناؤه على مدى العصور

يقع في المدينة المنورة موقع القلب من الجسد، ويرتفع عن مستوى سطح البحر 597 م وعلى خط طول 39 درجة و36دقيقة، وخط عرض 24 درجة و28دقيقة. يحده من الشمال ميدان الباب المجيدي وشارع السحيمي، ومن الجنوب حارة دروان، وشارع درب الجنائز ومن الشرق حارة الأغوات، ومن الغرب ميدان باب السلام المؤدي إلى شارع الحسينية وشارع العيينة وشارع السوق. ثاني المساجد التي تشد إليها الرحال في الإسلام بعد المسجد الحرام . ويقع المسجد النبوي الشريف شرق المدينة المنورة . وكان له دور بارز في تاريخ الإسلام ومكانة عظيمة في نفس كل مسلم؛ فهو المسجد الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على التقوى وذلك أول يوم في ربيع الأول من العام الأول من هجرته صلى الله عليه وسلم ، وكان طوله سبعين ذراعاً، وعرضه ستين ذراعاً، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضاً. ؛ ليكون منارة تنير طريق البشرية جميعها ومدرسة تربى فيها وتخرج منها أعظم الرجال في تاريخ الإنسانية كلها ومركزا عظيما لانطلاق الدعوة وانتشار الإسلام. وقد مجده الله تعالى في كتابه العزيز في سورة التوبة: ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين). والصلاة في المسجد النبوي لها ثواب كبير. قال صلى الله عليه وسلم : "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" [البخاري 4/377 حديث 1116 ]. وقال صلى الله عليه وسلم : "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". [ البخاري 4/ 385 حديث 1120 ، مسلم 7/144 حديث 2463 ]
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة مهاجرا ووصل إلى المدينة المنورة بعد رحلة طويلة وشاقة وخرج أهل المدينة لاستقباله فنزل النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر ووضع أساس مسجد قباء ثم خرج من هناك والناس يتزاحمون عليه. كل واحد منهم يريد أن يأخذ بزمام ناقته ويستضيفه عنده فكان صلى الله عليه وسلم يقول لهم في رفق: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة". وسارت الناقة في طرقات المدينة وأهل كل حي يتمنون أن ينالوا شرف نزول النبي صلى الله عليه وسلم عندهم. وأخيرا توقفت الناقة في مكان لتجفيف التمر يملكه غلامان يتيمان من الأنصار فنزل صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "هاهنا المنزل إن شاء الله". وكان ذلك المكان قريبا من بيت "أبي أيوب" فحمل متاع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته ثم عرض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتري ذلك الموضع فقيل له: بل نقدمه لك دون ثمن يا رسول الله فرفض صلى الله عليه وسلم أن يأخذه دون أن يدفع ثمنه فاشتراه بعشرة دنانير وأقام عليه مسجده. بدأ النبي صلى الله عليه وسلم في بناء مسجده الشريف في المدينة ؛ ليكون مركزا لإقامة الشعائر الدينية وإدارة شئون الناس وحاجاتهم. وعمل صلى الله عليه وسلم بنفسه في بناء المسجد؛ فكان يحفر الأرض ويحمل الحجارة ويشارك صحابته.
فقد روى البخاري قصة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم : أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاءوا، فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة [ مسلم 3/164 حديث 816 ، البخاري 2/202 حديث 410 في رواية فاغفر للأنصار والمهاجرة ] .
ولما ازدحم المسجد وكثر المسلمون قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوسيعه، وذلك في السنة السابعة من الهجرة بعد عودته من خيبر فزاد في طوله عشرين ذراعاً وفي عرضه كذلك، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي اشترى هذه البقعة التي أضافها النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو المسجد الذي أسس على التقوى كما في صحيح مسلم [1398]
ولما تم بناء المسجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مساحته حوالي (1600) متر مربع، وكانت أرضه من الرمال، وسقفه من الجريد، وأعمدته من جذوع النخل، وحوائطه من الحجارة والطوب اللبن، وكانت قبلته ناحية بيت المقدس حيث ظل المسلمون يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس قرابة (16) شهرا إلى أن تحولت القبلة إلى الكعبة بأمر من الله تعالى قبل غزوة بدر بشهرين تقريبا. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لمسجده ثلاثة أبواب وأعد في مؤخرته مكانا مظللا- صفة - لنزول الغرباء وعابري السبيل والفقراء ومن لا مأوى لهم ولا أهل ممن عرفوا بعد ذلك بأهل الصفة.
وفي عهد أبي بكر الصديق قام رضي الله عنه ببعض الإصلاحات والترميمات للمسجد النبوي الشريف فوضع أعمدة خشبية جديدة مكان الأعمدة التي أصابها التآكل ولم يزد في المسجد شيئا؛ وذلك بسبب انشغاله بحروب الردة بالإضافة إلى قصر مدة خلافته.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتسع المسجد حتى بلغت مساحته قريبا من (6400) متر مربع. وقد أوصى الفاروق رضي الله عنه الصانع بقوله: "أكن (احفظ) الناس من المطر. وإياك أن تحمر أو تصفر (تدهن بلون الأحمر أو الأصفر) فتفتن الناس". وقد أزالت التوسعة العمرية المباني والبيوت المحيطة بالمسجد من جهات الغرب والشمال والجنوب. أما جهة الشرق فقد ظلت كما هي من غير زيادة؛ حيث كانت توجد حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم زادت مساحة المسجد في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه فبلغت (8000) متر مربع، وبنيت جدرانه بالحجارة المنقوشة، وزود سقفه بالساج - وهي أخشاب هندية - وأضيفت إليه أبواب جديدة.
أما في العهد الأموي فقد حظي المسجد باهتمام الخليفة الوليد بن عبد الملك ، حيث تم توسيع المسجد النبوي وإعادة بنائه؛ فبنيت أعمدته من الحجارة المحشوة بالحديد و الرصاص ، واستخدمت الحجارة المنقوشة والجص والفسيفساء والطلاء في أعمال البناء، واستعمل الساج في تغطية السقف وأدخلت حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم ضمن المسجد لأول مرة. ولم يدخر الوليد بن عبد الملك جهدا في سبيل تحسين المسجد وإظهاره بالمظهر اللائق بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين أجمعين حتى إنه كان يكافئ العامل الماهر الذي يعمل في المسجد بثلاثين درهما زيادة على أجره المقرر.
أما في العهد العباسي فقد اهتم خلفاء العصر العباسي برعاية المسجد النبوي الشريف وعمارته؛ فتم تجديده وزيادة مساحته وكتابة الفاتحة وبعض آيات القرآن على جدرانه، ثم توالت الترميمات والإصلاحات. وفي ليلة الجمعة أول شهر رمضان 654هـ /1256 م. شب حريق كبير في المسجد بسبب غفلة خادمه فبادر الخليفة العباسي المعتصم بالله بإعادة تعميره وترميمه وتحسينه.
وفي عهد السلطان العثماني عبد المجيد اهتم بالمسجد فكانت أجمل عمارات المسجد وأكثرها إتقانا. فعندما كتب إليه شيخ الحرم داود باشا يخبره بالتصدع الذي ظهر في بعض أجزائه، اهتم السلطان بالأمر وأرسل مهندسين وعمالا لعمارة المسجد وإعادة بنائه، واستغرق العمل 13 عاما خرج المسجد بعدها آية في الجمال والإبداع وكان يتكون من 12 بائكة - صف من الأعمدة - . وكل بائكة تضم 27 عمودا تعلوها قباب مزخرفة مرسوم على بعضها مناظر طبيعية تمثل المدن التركية ؛ كإستانبول وأنقرة وقد بنيت الأعمدة المحيطة بالقبلة من حجر الصوان المغطى بطبقة من المرمر، وقد زينت تيجانها بماء الذهب وكسيت قواعدها بالنحاس الأصفر. وتصل بين تيجان الأعمدة ألواح خشبية مغطاة بصفائح من النحاس الأصفر، وتتدلى منها سلاسل ذهبية وفضية تحمل الثريات (النجف) والمشكاوات - ما يحمل عليه أو يوضع فيه المصباح أو القنديل .
وفي العصر الحالي في عهد الدولة السعودية شهد المسجد النبوي طفرة واسعة في توسيعه وتجميله وتحسينه بداية من عهد الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، ومرورا بعهود الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، وانتهاء بعهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ؛ حيث تمت في هذا العهد أربع توسعات كبيرة.
وهاهو الآن في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز يواصل ما بدأه من سبقه من عهد أبيه وإخوته ليشهد المسجد النبوي توسعة جديدة نسأل الله تمامها .
ولقد شملت التوسعة الأولى ترميم ما تصدع من المسجد وتجميله وإصلاح الحجرة النبوية المطهرة وقبتها الخضراء ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنبر والأعمدة الأثرية والمئذنة الرئيسية، مع الإبقاء على العمارة المجيدية التي حدثت في عهد السلطان عبد المجيد العثماني. ولقد أحدث الملك عبد العزيز زيادة في عدد أبوابه فأضاف إليه خمسة أبواب جديدة هي: باب الملك، وباب عمر بن الخطاب، وباب عثمان بن عفان، وباب عبد العزيز، والباب المجيدي. فأصبحت بمجموعها عشرة أبواب بالإضافة إلى الخمسة الأولى: باب السلام، وباب الرحمة، وباب جبريل، وباب النساء، وباب الصديق. ثم كانت التوسعة الثانية في ظل حكم الملك فيصل بن عبد العزيز؛وشملت إضافة مساحة جديدة إلى المسجد وتظليلها وتجهيزها لإقامة مصلى كبير. ثم التوسعة الثالثة فتمت في عهد الملك خالد بن عبد العزيز؛حيث أضيفت مساحة جديدة على شكل ميدان فسيح مظلل إلى أرض المسجد. ثم كانت التوسعة الرابعة وهي توسعة الملك فهد بن عبد العزيز أكبر وأضخم توسعة للمسجد النبوي الشريف حتى الآن؛حيث تضاعفت مساحة المسجد عشرات المرات، وتسخير كافة الإمكانات من أجل توفير الراحة لأعداد المصلين والزائرين الكثيرة والمتتابعة. فتم تجهيز السطح وبناء سبعة مداخل رئيسية جديدة، إضافة إلى مدخلين من الناحية الجنوبية. ولهذه المداخل بوابات يصل عددها إلى (59) بوابة ويضاف إلى ذلك (8) بوابات لمداخل ومخارج السلالم الكهربية المتحركة التي تخدم سطح المسجد المخصص للصلاة، جنبا إلى جنب مع 18 سلما داخليا، فضلا عن سلالم الخدمة. وقد استخدمت التقنية الحديثة في أعمال الكهرباء، وتكييف الهواء، وتوزيع المياه والصرف الصحي، وإعداد الساحات الخارجية، وتغطية الأرض بالرخام وقد بلغت الطاقة الاستيعابية للمسجد وما يحيط به من ساحات 650 ألف مصل في الأيام العادية تزداد في أيام الحج والعمرة لتصل إلى حوالي مليون مصل.
ويتميز المسجد حاليا بأعمال الحليات والزخارف كالكرانيش التي تجمل الحوائط والأسقف والمآذن وأعمال الحديد المشغول والمشربيات والشبابيك وتيجان الأعمدة وأعمال التكسية بالرخام والحجر الصناعي للمداخل والواجهات الخارجية والأعمدة الداخلية. ولتلطيف الهواء داخل الحرم النبوي الشريف ثم استحداث نظام جديد؛ وذلك بتبريد الهواء من خلال مواسير المياه الباردة.
وتحيط بالمسجد ساحات وطرق ومواقف للسيارات ومرافق تجارية وحكومية وتسهيلات عديدة لخدمة زوار المسجد النبوي الشريف مثل: أماكن الوضوء، ودورات المياه، والساحات المغطاة بالرخام المصنع وفق أشكال هندسية إسلامية وبألوان مختلفة
__________________