
مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع
الرأي النهائي!
بـريــد الأهــرام
42956
السنة 127-العدد
2004
يوليو
16
28 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة
أنا مواطن عربي وأكتب لك من بلدي لاستشيرك, ذلك أن لي ابنا في سن العشرين وفي بداية دراسته أدخلته مدرسة أجنبية أملا له في تعليم أفضل ومستقبل أحسن, ولأن هذه المدرسة تتبع النظام الأجنبي فهي تسمح بالاختلاط بين الطلبة والطالبات. وفي سن الخامسة عشرة لاحظت علي ابني تعلقه بإحدي زميلاته التي لانعرف أصلها وما إذا كانت عربية أم فارسية, كما أنها شديدة التحرر وعاداتها تختلف عن عاداتنا كعائلة ذات أصل عريق, فنصحناه بعدم الاستمرار في توطيد علاقته بها فكانت ردة فعله دائما هي إقناعنا بأن علاقته بها مجرد علاقة زمالة, وفي نفس الوقت نسمع أنه يقول لزملائه إنه يحبها ويريد الارتباط بها, وعندما أطرح معه هذا الموضوع لا يستمع إلي ويبقي شارد الذهن غير عابئ بما أوجهه له من نصائح, وقد بدأ أيضا عادة التدخين وأصبح يدخن3 علب سجائر في اليوم وعندما أشير إلي علاقته بها يكون عصبيا ويرتجف من العصبية, كما أنه يقاطع كل أصدقائه الذين تحدثوا معه عن هذا الموضوع, أو لأنهم نصحوه بالابتعاد عنها.
وأنا ووالدته حائران معه, وخائفان من كثرة الضغط عليه للابتعاد عنها, فلقد بدأ بالتدخين وقد يلجأ إلي ماهو أسوأ كالشرب, أو المخدرات, والعياذ بالله.. وابني يدرس الآن في إحدي الجامعات الأوروبية, أما هذه الفتاة فتدرس في إحدي دول الخليج ولكن مازال الاتصال بينهما مستمرا, فهو يتصل بها في كل الأوقات ويستشيرها في كل أموره. وأنا ووالدته نلوم أنفسنا كثيرا لسبب اختيارنا له هذا المسار من التعليم, ولقد وضعنا علي هذا الابن الكثير من الآمال فلقد كان حلمي أن يشب هذا الابن ليكون رجلا بارا بأسرته حريصا علي أمورها مراعيا لحقوق أخوته وأخواته, وفي بعض اللحظات أحس إنه مسحور من جانب هذه الفتاة, فلقد كره حتي الجلوس مع والدته وأخوته, ويفضل أن يظل بالخارج طول اليوم رغبة في الابتعاد عن المنزل كما يحب العزلة في حجرته.
ولقد كتبت لك هذه الرسالة وكلي رجاء في أن تنظر إليها كمشكلة إنسانية يمر بها الكثيرون من شبابنا اليوم, وسؤالي هو هل نحن ملومان لما وصل إليه حال ابننا, حيث أنه قد جاء إلي دنيانا بعد أربع بنات ؟وهل الاهتمام الزائد بكل صغيرة وكبيرة في حياته, والتدليل الزائد كان سببا في تصرفاته وسلوكه, إنه كلما ضغطنا عليه يقول لنا إنه لن يتزوج طوال حياته, وسوف يهاجر إلي بلد آخر.. فماذا نفعل معه؟!
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
حاول أنت وزوجتك أن تشعرا ابنكما أن فكرة ارتباطه بهذه الفتاة قابلة للمناقشة, غير أنها تتطلب وقتا كافيا لدراستها والتحري عن أسرة فتاته وبحث ظروفها, وكل ذلك قد يستغرق بعض الوقت قبل أن تتوصلا إلي رأيكما النهائي في الموضوع.. كما أن هناك أهدافا أخري أولي بالرعاية الآن وهي دراسته وضرورة توفيقه فيها وحصوله علي شهادته قبل اتخاذ أية خطوة علي طريق الارتباط, وله الخيار بعد ذلك أن يتمسك باختياره لهذه الفتاة.. أو يعدل عنه وفقا لظروفه وتطور قصته معها حينذاك, ذلك أن تغير موقفكما من الرفض القاطع لارتباطه بهذه الفتاة, إلي التفكير في الأمر كقضية قابلة للمناقشة سوف يمد الجسور من جديد بينكما وبينه ويبعث الحرارة في تواصله معكما.. كما أنه سوف يخفف بعض الشئ من فورانه العاطفي تجاه فتاته.. لأن رفض الأبوين القاطع لاختيار الابن يؤجج عواطفه تجاه من اختارها.. ويضفي علي قصته معها ظلالا رومانسية شبيهة بالمآسي الغرامية في القصص القديمة حيث يحب الفتي الفتاة ويتحدان معا في مواجهة أقدار أقوي منهما تحاول التفريق عبثا بينهما!
أما بحث الأمر معه كشأن قابل ذات يوم للتنفيذ فإنه يجرد قصته معها من هذه الهالة الرومانسية.. ويتيح للفتي أن يري فتاته بشرا كالبشر لها ميزاتها ولها ايضا عيوبها.. ولقد يكشف له الاحتكاك بها بعد نزع الهالة الرومانسية عنها بعض مالايستريح إليه فيها أو في ظروفها أو في علاقته بها.. والمهم هو أن نتيح له فرصة هذا التفكير الموضوعي في الأمر, وهو ما لم يتح له من قبل خلال انشغاله بالدفاع عن حبه في مواجهة رفض أبويه لاختياره.
كما أن دراسته في مجتمع آخر سوف تكسبه خبرة وتجربة وعمقا مما سيكون له بالضرورة أثره في نضج شخصيته واتزان تفكيره باذن الله.