
مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع
الخيال الجميل!
بـريــد الأهــرام
42949
السنة 127-العدد
2004
يوليو
9
21 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة
ترددت كثيرا في أن أكتب لك عن مشكلتي ولكن الذي دفعني إلي كتابتها هي قراءتي لمشكلة( الزيارة المفاجئة).
فأنا سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها, جميلة ومتدينة ومتزوجة منذ اثني عشر عاما ولي طفلان أحدهما في الحادية عشرة من عمره, والآخر في السابعة, وقد زففت إلي زوجي بعد أن تقدم لي بأربعين يوما فقط, لأنه كان عريسا جاهزا ولقطة من وجهة نظر أبي, ولم أستطع أن أرفض لأنني كنت قد فسخت خطبتي لعريس آخر بعد خطبة دامت ثلاثة أعوام, وكنت حينذاك في عامي الأول الجامعي, ومن وجهة نظر أهلي أنه عار أن أترك خطيبي مهما كانت الأسباب, وساوموني إما أن أعود إلي خطيبي السابق الذي يحبني, أو أتزوج عريس الغفلة هذا, فاخترت عريس الغفلة لأنه وافق علي أن أكمل دراستي في الماجستير, وانه طيب القلب ومتدين عكس الآخر. وتزوجت رجلا لا أعرفه ولا أحبه وظننت أن الأيام ستجعلني أحبه, ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, فهو مع الأسف انسان ضعيف الشخصية, ابن أمه وآخر العنقود وينفذ كل أوامرها دون جدال, لدرجة أنها حكمت عليه أن ينام في حجرة أخري بعيدا عني بعد ولادة الطفل الأول, ونفذ أمرها دون جدال, وعندما كنا نخرج معا ونعود كانت تكدر عليه حياته حتي لايخرج معي مرة أخري, كان علي أن أنظف لها منزلها وأطبخ لها في يوم إجازتي, وحتي
بعد عودتي من عملي يجب علي أن أجلس معها وأغسل لها الأطباق وأطبخ لها يوميا لأنها لا تحب الأكل البايت, وانتظر عودته ثم نصعد معا إلي شقتنا ليأكل وينام ثم يصحو سريعا ويرتدي ملابسه وينزل إليها ويجلس عندها إلي ما بعد منتصف الليل, ويصعد إلي شقتنا أخيرا فيجدني قد نمت من شدة التعب وإرهاقي في خدمة الأولاد وخدمة حماتي ومذاكرة الماجستير, وكل هذا كان يدمر صحتي حتي مرضت بسبب الوقوف المتواصل, ولم ترحمني حماتي, بل قالت إنني أتمارض لكيلا أخدمها, فواصلت خدمتي لها برغم مرضي منعا للمشاكل. مع العلم أن شقيق زوجي معنا في نفس العمارة وزوجته لاتعمل, ولكن الحكم كان علي أنا فقط, حتي عندما كبرت بنت ابنها الآخر وأصبحت مقيمة معها بعد تخرجها في الجامعة كنت أنزل وأنظف لها الشقة والكل يجلسون وينظرون إلي وكأنني الشغالة, وتحملت كل ذلك حتي حصلت علي الدكتوراه بعد عناء شديد وأصبحت لا أستطيع الوقوف لفترات طويلة, فاضطررت لأؤجر من تنظف لي الشقة يوم الإجازة, ولم استطع أن أقوم بتنظيف شقة حماتي. وكانت الطامة الكبري, وقالت حماتي لزوجي أنني تكبرت عليه وعليهم بعد الدكتوراه, وتطاول شقيق زوجي علي بتحريض من زوجته دون أن أفعل له أي شئ سوي أنني طلبت من حماتي أن تقسم العمل بيني وبين ابنته وزوجته ولم يدافع عني زوجي, بل اتهمني بالكذب وتركني أذهب إلي بيت أهلي الذين لم يسمعوا مني أي شكوي منذ زواجي رغم ما كنت ألاقيه, وطبعا انهالت أمي عليه بالسب لأنه لم يستطع أن يدافع عن زوجته وهي تضرب وتسب أمامه, فغضب من أمي وتركني أنا وأولاده في بيت أهلي عاما كاملا دون أن يسأل عني أو عن أبنائه تنفيذا لأوامر الوالدة, وكان هذا الموقف كفيلا بأن يدمر كل ما بيننا, ولكني فكرت في ابنائي الذين لا ذنب لهم, فخضعت لتدخل بعض أفراد أسرته للصلح بيننا وعدت من أجل الأبناء فقط وأتحمل الحياة مع انسان لا تجمعني به أي مشاعر حب أو ود أو حتي رحمة, وحياتي معه موت بطئ ولا يعطيني أي بصيص من النور في هذه الحياة المظلمة سوي أبنائي.
وخلال هذه الأحداث المؤلمة مررت بتجربة كان من الممكن أن تغير كل حياتي وتكون لي طوق النجاة. فرئيسي في العمل رجل مثقف وذكي ورقيق جدا ويحترمني ويقدرني لأنني انسانة محترمة ومجتهدة, وكل زملائي يحبونني. وقد شعرت نحو هذا الرجل بمشاعر لاأستطيع أن أصفها لك فلم ينبض قلبي إلا له ولا أشعر بالسعادة إلا عندما أراه, وحين أنظر إليه أجد فيه الشخص الذي تمنيت الارتباط به, وعندما يضيق بي الحال أسرح في خيالي مع هذا الشخص وأحلم معه بالحب الذي لم أجده مع زوجي, وأعود من خيالي علي أرض الواقع وأحمد الله علي حالي وأجد في ابنائي عوضا عما حرمت منه من حب ومشاعر لم أجدها في الحلال وأبيتها في الحرام, فأنا انسانة متدينة والحمد لله وأعلم أنني لا أستطيع أن أفعل ما يغضب الله مني, ولكن ما يؤرقني ويعذب ضميري هو أنني أعشق في خيالي غير زوجي, وأسأل نفسي هل يحاسبني الله عما أشعر به, مع العلم أنني لا أظهر أي شئ لهذا الرجل سوي الاحترام لدرجة أنه تمر بي أيام كثيرة لا أذهب فيها لمكتبه حتي لا تزداد نار هذا الحب ولكي أعفي ضميري من شبح الخيانة, فضميري يقول لي إن تفكيري فيه خيانة لزوجي حتي ولو كان هذا التفكير يعوضني عن السعادة المفقودة, لكني مازلت حائرة, وأتساءل هل يحاسبنا الله عن المشاعر الدفينة؟, وهل يمكن أن تقع الخيانة في الخيال؟!, وماذا تفعل انسانة مثلي لايشاركها زوجها في أي شئ لا في المسئولية ولا في المشاعر ولا في الحياة,؟ علما بأنني حاولت كثيرا ورجوته مرارا أن يعصمني من التفكير في غيره, فظن أنني أحتال عليه بذلك ليعطيني مساحة أكبر من وقته تاركا أمه المسنة, ولكني قلت له اني أحتاج إلي جزء منك ولها الباقي فأبي ذلك, فماذا أفعل وأنا انسانة جميلة وشابة ورومانسية لأبعد الحدود وأحتاج لأن أشعر بأنوثتي بجوار أمومتي, فأحيانا أشعر بإنني مجرد خادمة أو جارية له, وهذا يقتلني ولا يداويني من هذا إلا هذا الخيال الجميل.. فماذا أفعل؟
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
من رحمة الله بنا أنه سبحانه وتعالي لا يحاسبنا عما يجول بداخلنا من خواطر وأفكار ومشاعر مالم نترجمها إلي أفعال وتصرفات.. وفي الحديث الشريف الذي رواه الشيخان وآخرون ان الله قد تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها مالم تتكلم أو تعمل به.
غير أن الإنسان مطالب دائما بأن يتجنب مواقع الشبهات التي يمكن أن تستدرجه رغما عنه للوقوع في الخطأ.
والمثل الغربي الذي يقول خير لك ألا تبدأ من أن تبدأ ولا تعرف كيف تنتهي, أولي بالاتباع في هذه الحالة, من الاقتراب من الحمي حتي ليوشك الانسان أن يخالطه كما جاء في الحديث الشريف الآخر الذي يقول فيه صلي الله عليه وسلم: إن من يرتع حول الحمي يوشك أن يخالطه وأن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر!
وفي رواية أخري: فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك, ومن اجترأ علي ما شك فيه من الاثم أوشك أن يواقع ما استبان. وعاطفة الحب وإن كانت لاتخضع حقا لسيطرة الانسان إلا أن لها مقدمات في مقدور المرء أن يتحكم فيها ويمنع تطورها إلي عاطفة قاهرة لايملك إزاءها شيئا.
ومن هذه المقدمات اللقاء والاتصال والكلام والنظر والتراسل, وكل انسان يستطيع أن يرد نفسه عن الاتصال أو الكلام أو النظر لمن يخشي تطور عاطفته نحوه, أما إذا ضعفت إرادته عن رد نفسه عن مثل هذه المقدمات برغم خطورتها ولم تجد عاطفته ما يكبحها فإنها تتعمق وتتطور وتخرج عن حدود قدرته علي السيطرة عليها ووأدها.. وهذه هي خطورة التساهل في مثل هذه المقدمات التي تبدو لنا بريئة وخالية من الإثم.. وهو أنها تقود إلي الوقوع في الحب المحرم الذي نصرخ شاكين من عجزنا عن صده لأننا لا نملك قلوبنا, وإنما يملكها خالقها سبحانه وتعالي, في حين أننا كنا نملك ارادتنا ونستطيع أن نرد أنفسنا عن المقدمات التي أدت إليه.
ولقد سئل أحد كبار الدعاة عن الحب أهو حلال أم حرام؟!, فأجاب إجابة طريفة وحكيمة في نفس الوقت, إذ قال إن الحب الحلال حلال, والحب الحرام حرام! بمعني أن الحب المشروع كحب الرجل لزوجته والزوجة لزوجها حلال لا شبهة فيه, والحب المحرم كحب الزوجة لغير زوجها وحب الرجل لزوجة آخر حرام لا مراء فيه.
وخطورة هذا الخيال الجميل الذي تستنيمين إليه الآن وتجدين فيه بعض ما يخفف عنك جفاف حياتك الزوجية وخلوها من العاطفة, هو أنه قد يدفعك خطوة بعد أخري إلي الوقوع فيما لايحل لك مما لا ترضاه الزوجة الفاضلة المتدينة لنفسها كالنظر والخلوة والتلامس, انتهاء ــ لا قدر الله ــ بالوقوع في الخطيئة.
لهذا فإن الأوفق هو أن تقاومي هذه المشاعر وهي في بدايتها لأنها سوف تستدرجك إلي الطريق المنحدر الذي ينتهي بما لا ترضين لنفسك, وأن تجاهدي نفسك ومشاعرك, وتحاولي بقدر الإمكان بعث الحرارة في علاقتك بزوجك والتجاوز عما يغضبك منه, وتستمري في تجنب الاقتراب من رئيسك أو التعامل معه أو الانفراد به, وحبذا لو انتقلت إلي موقع آخر في العمل يبعدك عنه ويبعده عنك.. فتموت عاطفتك تجاهه مع مرور الأيام, كما تخمد جذوة النار إن لم تتلق المزيد من قطع الخشب, ولابد أن يعينك ربك علي ذلك إن صدقت نيتك علي الاخلاص لزوجك ودعوت الله صادقة إن يجعلك من قاصرات الطرف اللاتي يقصرن طرفهن أي عيونهن وسمعهن علي أزواجهن حتي ولو شقين بحياتهن معهم.
أما إن عجزت عن مقاومة هذه العاطفة وإخمادها.. فاكتميها في صدرك ولا تعبري عنها بأية كلمة أو فعل أو إشارة, واعتبريها ابتلاء لك يختبر به الله سبحانه وتعالي صدق عفافك والتزامك بحدوده, واصبري عليها كما يصبر المرء علي الابتلاء, فيكون لك من أجر الصابرين علي البلاء نصيب موفور باذن الله.