
مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع
الإجابة الصادقة!
بـريــد الأهــرام
42886
السنة 127-العدد
2004
مايو
7
17 من ربيع الأول 1425 هـ
الجمعة
أنا سيدة أبلغ من العمر54 عاما.. تزوجت منذ نحو27 عاما من زميل لي جمعني به الحب الطاهر الشريف في مدرجات الكلية, وشعر كل منا منذ رأي الطرف الآخر بأنه سيكون له معه شأن آخر, وبعد أن أنهينا دراستنا تزوجنا في ظروف مادية صعبة, حيث لم يكن لدينا شقة مستقلة للزوجية, وعشت في البداية في بيت أهله الذين اعتبرتهم منذ اللحظة الأولي أهلي, وبعد زواجنا بشهور قليلة حصل زوجي علي عقد عمل في إحدي دول الخليج وسافر إليها وشعرت وقتها بأن روحي فارقت جسدي.
وبعد سفره بأسابيع حصل لي علي عقد عمل آخر ولحقت به بعد أقل من شهر.
وعشنا في هذه البلدة سعيدين فرحين بحياتنا, وكل من حولنا يعلم بحبنا ويباركه ونحن نفخر بهذا الحب أمام الجميع.
وبعد نحو عام قررنا استشارة الطبيب لعدم حدوث الحمل, وبدأنا منذ مرور العام الأول رحلة الشقاء والعذاب في البحث عن حل لهذه المشكلة الأزلية التي تهدم أعتي البيوت وتدمر أقوي حب وهي الإنجاب, ومرت السنة تلو الأخري ولا يري الأطباء أي سبب قوي مني أو في زوجي يمنع الحمل, وتعرضت في هذه السنوات للعديد من عمليات المناظير والتلقيح الصناعي, وفي كل مرة يجزم لي الطبيب انها ستكون الأخيرة والفاصلة ثم أصدم في نهاية الشهر بخيبة الأمل, وأمر أنا وزوجي بفترة قاسية من الحزن الدفين في القلب, وفي كل مرة نفشل فيها يشد زوجي الحبيب من أزري ويقول لي إن هذا أمر الله وأن علينا السعي فقط وأن المقدور لنا هو المكتوب وليس لنا حق الاعتراض, في هذه الأثناء قال لنا أحد الأطباء إنه لو تزوج كل منا من آخر فكل منا سوف ينجب, فعرضت عليه أن يتزوج من أخري ويعيش حياته ويتركني أواجه حياتي, فرفض بشدة ذلك, وسعدت بحبه ورحت ابذل الجهد في التوفيق بين عملي وبيتي والترويح عنه وأنا أشعر بأنني قوية بحبه لي, وأحمد الله علي قوة إيمانه بالله سبحانه وتعالي وتسليمه بأقداره وعند بلوغي سن الأربعين استكانت الأمور وأوقفنا اللهاث وراء الأطباء وتأقلمنا مع حياتنا, فقررنا ان نعيش سعداء بحبنا القوي, وكنت كلما حدثته في أمر الزواج الآخر ينهي الحديث معاتبا, وانشغلنا ببناء بيت تكون لنا فيه شقة جميلة حرصت علي ان اشتري لها أفخر الأثاث وأمني نفسي بيوم العودة للوطن لنعيش في هذا العش الجميل, ومضت السنوات حتي بلغت السابعة والأربعين وأنا في قمة الاطمئنان والحياة السعيدة ومازلنا نعمل بنفس الدولة ونعود كل عام للوطن محملين بالهدايا للأهل وبأفخر التحف للمنزل الجديد.
وفي هذه الأثناء وبالمصادفة البحتة وجدت ما أكد لي أن زوجي قد تزوج بأخري مقيمة بمصر فكانت اللطمة والصدمة أقوي من أي احتمال, وانهار زوجي واعترف لي بالزواج وبأنه غلطة وليس له أي غرض منه سوي الإنجاب وانني قد سمحت له من قبل بذلك, ولكنه كان ينتظر لعل الله يرزقنا بمولود. فسألته وماذا لو لم ينجب فطلب منحه فرصة لمدة عامين, وإذا لم ينجب فسوف يطلقها وسمحت له بعد ذلك بأن يحصل علي اجازة في منتصف العام وينزل إليها لتكون لديه فرصة أكبر للقائها وكنت أعاني وهو غائب عني من التوتر وعدم النوم وخفقان القلب خاصة أنني لا استطيع أن اتحدث مع أحد عما أعانيه لأننا كتمنا الأمر عن كل الأهل والأصدقاء, وكان دائما حبي له فوق أي اعتبار وأريد أن أحافظ له ولي علي مظهرنا وعلاقتنا.
وغير أنه مضت الآن سبع سنوات علي زواجه ولم ينجب ولم يطلقها ويعلل ذلك بأن وقت لقائه بها غير كاف رغم حسن اختياره للأوقات الملائمة للحمل, وفي كل مرة أفاتحه في الأمر لا أسلم من توبيخه وبأنني أقف في طريقه وأنه يحبني وأنه من المستحيل ان يعيش معها ولا يمكنه أن يقضي معها ولو يوما كاملا, انه لا يستغني عني وانه لو خسرني فسيكون قد خسر عمره كله وفقد الصدر الحنون الذي له في هذه الحياة وإلي ذلك من الكلام الذي كان يرضيني ويجعلني أرضخ وأصفح وتستمر الحياة, ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير فقد جاءته مكالمة تليفونية ونحن في السيارة وسمعت صوتها عاليا وهي تضحك وتناديه بحبيبي, وأنكر أمامي انها هي, لكني شاهدت الرقم وتأكدت وسألته فأجابني بعاصفة من الكلام الجارح القاسي جدا وقال لي إنه لن يستغني عنها وأنه وجد في أهلها أهلا له علي عكس ما وجده عند أهلي رغم حب أهلي له حتي الآن.
وقال: إنه بحاجة إليها كما أنه في حاجة إلي ولن يستغني عني, وذكرته بما وعدني به وجعلني اتقبل الوضع حتي يأتي الولد الذي وعدني بأن يدعني اربيه لأنه لا يثق إلا في فلم يتزحزح عن موقفه.. انني لم أعد قادرة علي تحمل زوجة أخري لزوجي الذي أحبه بكل جوارحي, وهو الحب الذي جعلني اتمسك به هذه السنوات السبع, واشعر بالضغط الذي أخش منه علي سلامتي الصحية والنفسية فإلي متي سأتمكن من اخفاء الأمر عن أهلي وأهله واصدقائنا ولو عرفوا فلن استطيع العيش معه.
لقد اتهمني بالكبر وطالبني بتقبل الوضع وأنا لااستطيع ذلك, وأخاف أن أنام حتي لا أصاب بجلطة أو شلل أو أمراض أخري أعرفها جيدا.
وأشعر بأنني لم أعد ذات قيمة لديه فأنا الآن عمري54 عاما وهي تصغرني وتصغره بعشرين عاما وهو يري أنه قد يحتاجها فيما بعد إذا مت أنا قبله, ولم يجد من يرعاه, ولا أعرف أي منطق هذا.
لقد حسمت أمري بالانفصال عنه حفاظا علي سلامتي النفسية والصحية, ولم أعد أفكر في شقتي الجميلة التي صرفت عليها ثمرة شقاء السنين, ولا أعلم كيف سأعيش ما تبقي لي من حياة وحيدة ومطلقة وقد كنت أعمل وأنفق كل ما اتقاضاه وليست لي مدخرات.
وأريدك ان تشاركني التفكير فيما اتخذته من قرار لأنني لا استطيع استشارة أخوتي ولا أحد من أهلي ولن أبوح لأحد بسبب انفصالنا حتي يظل بنفس الصورة التي يعرفها الناس عنه وهو الرجل المحترم, ولا أرضي أن يجرحه أحد بكلمة أو يتقول عليه بشيء, لكني أريد أن ابتعد عنه وأنا أحبه لكي اتركه يعيش حياته معها دون منغصات من جانبي كما يقول فماذا تري؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
يبدو لي أن علاقة زوجك بزوجته الجديدة قد تجاوزت حدود الارتباط بها من أجل الإنجاب.. إلي آفاق الرغبة الشخصية فيها وفي استمرار علاقته الزوجية بها إلي النهاية, بدليل مرور سبع سنوات علي زواجه منها دون أن يحقق معها أمله في الإنجاب.. وتمسكه بها علي الرغم من ذلك ومطالبته لك بقبول الأمر الواقع ورجائه منك أن تدعيه يحيا حياته المزدوجة دون منغصات من جانبك وبلا اعتراض علي ارتباطه بالأخري التي تصغره وتصغرك بعشرين سنة.. ومعني ذلك بلا مواربة ان استمرار حياتكما الزوجية رهين بقبولك للأمر الواقع وتسليمك بوجود زوجة أخري أكثر شبابا في حياة زوجك, فهل أنت علي استعداد لذلك؟.
إن عدم وجود أبناء ـ قد يفرضون علي الزوجة في بعض الأحيان القبول بما تكره حرصا علي مصلحتهم ـ يعفيك من التأثر بأية ضغوط من هذا النوع عند اتخاذ قرارك بشأن حياتك مع زوجك, فلا يكون هناك من اعتبارات تراعي في مثل هذا القرار سوي اعتبارات العاطفة والحب والعشرة الطيبة, ولهذا فلا لوم عليك إن واصلت رحلتك مع زوجك بالرغم مما تنكرينه عليه, تأثرا بهذه الاعتبارات, ولا لوم عليك أيضا إن شق عليك احتمال وجود امرأة أخري في حياة زوجك الذي تحبينه وقررت الانفصال عنه, لكن الإنسان مطالب دائما بأن يسأل نفسه قبل الإقدام علي أية خطوة مصيرية أو اي تغيير حاسم في حياته, هل هذا التغيير سيكون إلي الأفضل أم إلي الأسوأ؟.. وهل البديل الذي اخترته لما كنت فيه ارحم بي وأكثر رفقا أم أشد عنتا.. وهل سأسعد بحياتي أكثر مما كنت أم سأشقي بها؟.. وهل الشرب علي القذي أفضل أم الجفاف التام والعطش الشديد, وهل العشرة الطيبة التي تتخللها بعض المنغصات ارحم لي, أم الوحدة التامة في هذه المرحلة من العمر أفضل؟.. وعلي ضوء الإجابات الصادقة ودون خداع للنفس أو مكابرة يتخذ الإنسان القرار الذي يحقق صالحه الشخصي بلا تردد أو ندم.
فاسألي نفسك يا سيدتي هذه الأسئلة واجيبي عليها بصدق واتخذي قرارك الذي لاتندمين عليه بعد ذلك بإذن الله.