عرض مشاركة واحدة
قديم 08-25-2011, 04:52 PM
  #7
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع


الطاعة المقدسة‏!‏

بـريــد الأهــرام

42795
‏السنة 127-العدد
2004
فبراير
6
‏15 من ذى الحجة 1424 هـ
الجمعة

أنا سيدة في منتصف العشرينيات من عمري ونحن ثلاثة ابناء أنا الكبري بينهم وقد نشأنا بين أبوين متعلمين تعليما جامعيا‏.‏ وعلي أن الكلمة الأولي والأخيرة بالنسبة لجميع شئون حياتنا هي لوالدتي‏,‏ وقضينا زهرة سنوات حياتنا في الدول العربية‏,‏ ولذلك حصلت علي الثانوية العامة من إحدي دول الخليج‏,‏ وعدت بعدها الي مصر‏,‏ حيث التحقت باحدي كليات القمة بجامعة الإسكندرية‏,‏ والحمد لله رب العالمين فقد أنهيت دراستي بالجامعة دون أي مشاكل‏,‏ وفي العام الأخير من الكلية تقدم لي العديد من الشباب للزواج مني‏,‏ الا أن أمي كانت ترفضهم لأسباب تراها هي‏,‏ الي ان تقدم لي منذ نحو عام ونصف العام شاب من الوجه البحري لاصلة لنا به ولا نعرفه ولا يعرفنا‏...‏ ولكن والدتي رأت فيه أنه الشاب المناسب لي من جميع الوجوه المادية والاجتماعية والأدبية‏..‏ لكن هذا الشاب الممتاز من وجهة نظر والدتي ليس من ابناء الإسكندرية‏,‏ ولذلك فقد اشترطت عليه الإقامة بالإسكندرية‏,‏ فوافق أهله برغم أنه وحيدهم‏,‏ وذلك رغبة منهم في سعادته‏,‏ ودون دخول في تفاصيل كثيرة فقد تسارعت خطوات الزواج‏..‏ حتي تم زفافنا في الأسبوع الأخير من سبتمبر سنة‏2002‏ في شقة بالإيجار علي أطراف مدينة الإسكندرية‏,‏و برغم حدوث بعض المشاكل البسيطة في الطريق إلا أنها مرت جميعها بسلام‏...‏ لكن والدتي صنعت منها سجلا اسودا لأهل زوجي‏.‏



وبعد انتقالي لمنزل الزوجية ومعايشتي لزوجي وجدته إنسانا فاضلا يحبني ويقدرني ويغير علي من كل شيء‏...‏ ووجدت معه كل معاني الحب والسعادة والهناء‏.‏


ومع بداية زواجنا بدأ زوجي يطلب مني ان اراعي بعض الأمور كأن أغطي رأسي حيث كنت لا أضع اي غطاء علي رأسي‏,‏ كما أنني كنت أرتدي البنطلون‏..‏ فطلب مني عدم ارتدائه‏,‏ وأضع المساحيق علي وجهي فطلب مني عدم وضع المساحيق علي وجهي خارج المنزل لأنني كما يقول أجمل بدونها‏,‏ ورحبت انا بكل ذلك واقتنعت به وبأحقية زوجي في طلبه مني‏,‏ الا أنني فوجئت بوالدتي الحبيبة تثور علي أنا وزوجي وتطلب مني عدم طاعته بدعوي أنه بذلك سوف يلغي شخصيتي‏!‏ واحترت ماذا أفعل؟ وحلا لهذا الإشكال كنت أرتدي أمام زوجي ما يرضيه عني‏..‏ وبعد انتهاء إجازته وسفره الي عمله وعودتي لمنزل والدي أرتدي ما يرضي والدتي‏.‏



وبعد نحو عشرة شهور من الزواج لاحظت أن زوجي يتعب كثيرا عند نزول الاجازة‏...‏ حيث يحضر الي الإسكندرية وبعد يوم أو يومين نسافر معا الي أهله في مدينتهم لنمضي معهم جزءا من الاجازة‏,‏ ولذلك اقترح علي زوجي ان ننقل إقامتنا من الإسكندرية الي مدينتهم حتي يشعر ببعض الاستقرار والراحة خلال اجازته‏..‏ فقلت له إنني مقتنعة تماما بحقه في ذلك‏,‏ ولكن عليه أن يعرض الموضوع علي والدتي لكي توافق علي هذا الاقتراح‏,‏ وذهبنا الي والدتي لعرض الأمر عليها‏...‏ وبمجرد سماعها للفكرة تكهرب الجو وثارت علينا ثورة عارمة‏...‏ وتوعدتنا بالويل والثبور وعظائم الأمور إن تم ذلك النقل‏,‏ وقالت بصيغة الأمر النهائي‏...‏ إما أن نظل في الإسكندرية وإما أن يتم الطلاق بيني وبين زوجي‏,‏ وحجتها في ذلك أمران‏:‏


الأول‏:‏ إن اثاث منزلي أفخم من ان ينقل الي الأقاليم‏,‏ علما بأنني عندما زرت بعض زملاء زوجي وأصدقائه وجدت عند بعضهم أثاثا أفخر من أثاث منزلي‏.‏



الثاني‏:‏ إنه لا يوجد في الإقاليم مدارس أجنبية‏..‏ وهي تريد أن يتعلم أبنائي في مدارس أجنبية‏,‏ علما بأنه لايوجد عندنا من تعلم في مدارس أجنبية كما أن مدينة زوجي بها مدارس خاصة‏.‏


وأنا الآن حائرة بين الطرفين والدتي وزوجي‏,‏ فكيف أوفق بين الرغبتين المتعارضتين؟ وكيف احافظ علي حياتي الزوجية من أجل زوجي وطفلي الوليد ونفسي‏,‏ ان والدتي تتوعدني بغضب الله علي إن خالفتها‏...‏ وهي تقول لي بمنتهي البساطة إن الحل الأمثل لمشكلتي هو طلاقي‏,‏ كأن الطلاق أمر غاية في السهولة واليسر علي المرأة وأيضا بكل بساطة تقول لي الآن‏...‏ إنها سوف تطلقني‏..‏ وبعد انتهاء العدة‏...‏ سوف تزوجني ممن هو أفضل من زوجي مادمت أطيعها‏..‏ لأن طاعة الأم أمر مقدس عند الله‏!‏ فهل خراب البيوت والطلاق أمر هين لهذه الدرجة؟‏...‏ إنني لاأتخيل الحياة مع رجل آخر غير زوجي‏,‏ كما لا أتخيل الحياة لحظة واحدة دون ابني فلذة كبدي‏..‏ فماذا أفعل؟



ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏:‏


تمسكي يا سيدتي بزوجك وحياتك الزوجية ودافعي عنها حتي الرمق الأخير‏,‏ لكي يسعد طفلك بحياة آمنه مستقرة بين أبوين متفاهمين متحابين‏..‏ أما اغراءات والدتك لك بالطلاق ووعودها المسمومة بأن تزوجك ممن هو أفضل من زوجك الحالي ووالد طفلك‏,‏ وبشراها لك بتأكيد ذلك كمكافأة من السماء لك لأنك قد أطعت أمك ودمرت حياتك الزوجية ومزقت طفلك الوليد بين أبويه‏,‏ حيث إن طاعة الأم أمر مقدس‏..‏ فكل ذلك ليس سوي ابتزاز عاطفي لك لكي تخضعي نهائيا لإرادتها وترفضي الانتقال مع زوجك الي مدينته‏,‏ ولو تطلب الأمر هدم حياتك الزوجية رغم سعادتك بها‏,‏ والحق أني أعجب لأم لا تشجع ابنتها علي طاعة زوجها الذي تحبه ويحسن معاملتها‏,‏ وتطالبها بالطلاق منه لأنه قد فكر مجرد تفكير في نقل مقر اقامته بعيدا عن مدينة الأم‏..‏



إن كل انسان مسئول عن حياته واختياراته‏,‏ وانت زوجة وأم وتملكين ارادتك وحياتك‏,‏ ومن واجبك ان تلحقي بزوجك حيث يقيم‏,‏ والطاعة المقدسة التي تشير اليها والدتك لكي تظل ممسكة بقياد حياتك وتوجهه كيف تشاء‏,‏ لاتنسحب علي ما يتعارض مع الشرع والدين والحكمة والمصالح المشروعة للبشر‏,‏ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏,‏ وزوجك أحق بطاعتك له في هذا المطلب العادل المشروع‏,‏ وهو الانتقال إلي مدينته‏,‏ وقصة المرأة الأعرابية التي ارسلت تستفتي الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الخروج من بيتها لزيارة أمها المريضة معروفة‏,‏ فقد أمرها زوجها قبل سفره بألا تغادر البيت قط خلال غيابه ثم مرضت أمها وارادت زيارتها للاطمئنان عليها‏,‏ فأرسلت تستفتي الرسول الكريم هل يجوز لها ان تزورها خلافا لأمر زوجها‏,‏ فأجابها الرسول صلوات الله وسلامه عليه بما معناه أن‏(‏ أطيعي زوجك‏),‏ وحين لاقت الأم منيتها قبل عودة الزوج بعث الرسول الي المرأة الأعرابية من يبشرها بحسن المآل جزاء وفاقا لطاعتها لزوجها في احلك الظروف‏.‏



يا سيدتي ان البر بالأبوين لايعني ابدا ان يمحو احدهما شخصية الابن أو الابنة‏,‏ أو ان يتسلط تسلطا تاما علي حياته‏,‏ فلايخطو خطوة في اي اتجاه الا بإذنه وقبوله‏,‏ ولا يعني أن يتخذ احد الأبوين القرارات المصيرية دونه خاصة اذا كان الابن راشدا وقادرا علي إدارة حياته‏..‏ والانسان يحتاج دائما الي مشورة المخلصين من حوله في أمره‏,‏ وليس هناك من هما أحرص علي مصالح الابن من أبويه‏,‏ لهذا فإن مشورتهما في أمور حياة المرء لها الأولوية القصوي‏,‏ ولكن بشرط ان يكون الناصح متجردا من الهوي‏,‏ وتكون النصيحة خالصة لوجه الله وليست من نوع نصائح الطاعة المقدسة‏!‏

__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس