الموضوع: مواقف
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-2009, 11:05 PM
  #4
حسام هداية
 الصورة الرمزية حسام هداية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 5,163
افتراضي مشاركة: مواقف


أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس

وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفاه أمامه ‏

قال عمر: ما هذا ؟

‏قالا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا

‏قال: أقتلت أباهما ؟

‏قال: نعم قتلته !

‏قال : كيف قتلتَه ؟

‏قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجر

فأرسلت عليه ‏حجراً ، وقع على رأسه فمات...

‏قال عمر : القصاص .... ‏(إقامة حد الله في قتل النفس)



قرار لم يكتب ... وحكم سديد لا يحتاج مناقشة

لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل

هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟

‏ما مركزه في المجتمع ؟

كل هذا لا يهم عمر - رضي الله عنه - لأنه لا ‏يحابي ‏أحداً في دين الله

ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله

ولو كان ‏ابنه ‏القاتل ، لاقتص منه ..



قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض

‏أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية

فأُخبِرُهم ‏بأنك ‏سوف تقتلني ، ثم أعود إليك

والله ليس لهم عائلا إلا الله ثم أنا

قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ ؟

‏فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا

داره ‏ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه

وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على ‏أرض ، ولا على ناقة

إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف ..

‏ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ ومن يشفع عنده ؟

ومن ‏يمكن أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر

لأنه ‏وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل

وأطفاله يموتون جوعاً هناك

أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول

وسكت الناس ، ونكّس عمر ‏رأسه

والتفت إلى الشابين وقال : أتعفوان عنه ؟

‏قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين..

‏قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!!

‏فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه

وقال: ‏يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله

‏قال عمر : هو قَتْل

قال أبو ذر : ولو كان قاتلا!

‏ قال عمر : أتعرفه ؟

‏قال أبو ذر : ما أعرفه

قال عمر : كيف تكفله؟

‏قال أبو ذر : رأيت فيه سِمات المؤمنين

فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء‏ الله

‏قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!

‏قال: الله المستعان يا أمير المؤمنين ...



‏فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه

ويُودع ‏أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده

ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ...



‏وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً

وفي العصر ‏نادى ‏في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان

واجتمع الناس ، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر

قال عمر: أين الرجل ؟

قال أبو ذر : ما أدري يا أمير المؤمنين!

‏وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها

وسكت‏الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله.

‏صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد

‏لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب

بها ‏اللاعبون ‏ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها

ولا تنفذ في ظروف دون ظروف ‏وعلى أناس دون أناس

، وفي مكان دون مكان...

‏وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر

وكبّر المسلمون‏ معه

‏فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك ‏

وما عرفنا مكانك !!


‏قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك

ولكن عليَّ من الذي يعلم ما يُسرُ وما يخفى !!

ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ‏ الطير

لا ماء ولا شجر في البادية ، وجئتُ لأُقتل..

وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس

فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر لماذا ضمنته ؟؟؟

فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس

‏فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟

‏قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه..

وقالا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !

‏قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته ....

‏جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ،

وجزاك الله خيراً يا أبا ‏ذر ‏يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته

وجزاك الله خيراً أيها الرجل ‏لصدقك ووفائك ..



__________________


حسام هداية غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس