وأهمية هذا التحليل أنه يعبر عن حقيقة المشكلة التى تواجهها الإدارة فى تعاملها مع
الإنسان على اختلاف مستوياته فى التنظيم، فالإدارة تسعى إلى تحقيق أهداف محددة، ومن
ثم فهى تعمل على خلق المواقف المناسبة للوصول إلى النتائج المرغوبة. ولكن العامل
الحاسم فى تحديد مدى النجاح أو الفشل فى هذه المهام هو كيف يدرك الأفراد الذين
تتفاعل معهم الإدارة تلك المواقف. وهل تتفق الفرص التى توفرها لهم الإدارة مع
رغباتهم وميولهم وقدراتهم.
كذلك فإن أنواع القيود التى تفرضها الإدارة تشكل عنصرا هاما فى تحديد مدى استجابة
الأفراد لما تطلبه الإدارة منهم.
أى
أننا نستطيع القول بأن قدرة الإدارة على تحقيق ما تصبو إليه من أهداف تتوقف (جزئيا)
على ما تقوم به مجموعات مختلفة من الأفراد من تصرفات وأفعال.
إن
العنصر البشرى (ممثلا فى أنماط السلوك المختلفة التى تصدر عن الأفراد فى المواقف
المتباينة) يعتبر عاملا أساسيا فى تحديد نتائج العمل والنشاط فى مختلف المجالات
الإدارية. فالأنشطة الإدارية المختلفة من تخطيط ، اتخاذ قرارات، تنظيم، تكوين
وتنمية القوى العاملة، والمتابعة وتقييم الأداء تعتمد فى حقيقة الأمر على مجموعتين
من العوامل هما :
1- مجموعة العوامل الفنية وتشمل:
(أ)
الأسس والقواعد العلمية القائم عليها النشاط.
(ب)
التنظيم الداخلى للنشاط.
(ج)
الإمكانيات المادية المستخدمة فى الأداء.
(د)
أساليب وطرق الأداء.
وتتضمن هذه المجموعة من العوامل الفنية بصفة عامة كافة العوامل المتعلقة بالأسس
النظرية والعلمية للنشاط الإدارى.
2- مجموعة العوامل الإنسانية وتشمل:
(أ)
قدرات ومهارات الأفراد العالمين فى تأدية النشاط.
(ب)
رغبات الأفراد وإدراكهم لأهمية النشاط.
إن
الأداء الفعلى والممارسة الحقيقية لأوجه النشاط الإدارى المختلفة، ومن ثم تحقيق
أهداف المشروع. يتوقفان إلى درجة كبيرة على التفاعل بين هاتين المجموعتين من
العوامل، ويمكن التعبير عن ذلك بالمعادلات الآتية:
كفاءة الأنشطة الإدارة= عوامل فنية × عوامل إنسانية (1)
العــــوامل الفنية= أساس نظرى + موارد مادية + أساليب عمل (2)
العــوامل الإنسانية = القدرة على العمل × الرغبة فى العمل (3)
وحين يصل بنا التحليل إلى هذا المستوى، يواجهنا سؤال هام هو :
"ما هى الاهمية النسبية لكل من العوامل الفنية والعوامل الإنسانية فى تحديد
نجاح الإدارة فى الوصول إلى أهدافها؟".
وسبيلنا إلى الإجابة عن هذا السؤال هو من خلال محاولة تصور وجود إحدى المجموعتين
دون الأخرى وتحليل ما قد يترتب على مثل هذا الموقف فى عمل الإدارة. فإذا تصورنا
أولا توافر العوامل الفنية دون الأفراد فلا شك أن النتيجة المتوقعة هى عدم القدرة
على تحقيق أى من النتائج المرغوبة حيث يتولى الأفراد استخدام تلك العوامل الفنية.
مثال ذلك حين تحصل إحدى الشركات على معدات وآلات حديثة ولكنها تعجز عن توفير العمال
الأكفاء المدربين على استخدام تلك الآلات ومن ثم تصبح تلك المعدات والآلات عديمة
النفع.
مثال آخر:
إذا
تمكنت الإدارة فى إحدى الشركات من ابتكار أسلوب عمل متقدم (أى تكنولوجى جديد
ومتقدم) فإن مثل هذا الأسلوب الحديث للعمل لن يحقق أى فائدة إذا لم يوجد أفراد
قادرون على وضعه موضع التطبيق والتنفيذ.
ونحن بذلك لا نقلل من شأن وأهمية الجوانب الفنية والمادية فى الأعمال الإدارية
ولكننا نقرر الحقيقة البسيطة عن سيطرة العنصر البشرى على الناحية المادية فى العمل.
إن التقدم الفنى والمادى لا يتحقق إلا من خلال الأداء الإنسانى.
ونحن لو تصورنا موقفا مخالفا حيث يتوافر أفراد من نوعيات ومهارات مناسبة لأنواع
النشاط الإدارى المختلفة، بينما تقصر الموارد المادية والأساليب الفنية المتاحة
لهم. فإن العنصر الإنسانى قادر على تعويض هذا القصور والتغلب على المعوقات الناشئة
عن ذلك النقص فى الإمكانيات والموارد. إن الإنسان يتمتع بالقدرة على الخلق
والابتكار والتفكير الخلاق حين تعترضه مواقف تتسم بالندرة والصعوبة. والدليل على
صدق هذا التحليل نجده فى تلك المواقف التى تتكرر عبر التاريخ عن الشعوب البسيطة
الفقيرة التى تصمد فى وجه قوى العدوان الأجنبى المدعمة بأحدث الآلات والمعدات
ووسائل التخريب والتدمير. كذلك نجد بعض الشعوب تتمكن فى فترات النمو الاقتصادى من
تحقيق إنجازات إنتاجية هامة بالرغم من قصور مواردها الطبيعية وإمكانياتها
التكنولوجية، وذلك بالاعتماد على طاقات البشر الخلاقة والمبدعة. وبذلك نصل إلى
استنتاج أساسى سيكون ركيزة دائمة فى بحثنا عن دور السلوك الإنسانى فى العمل
الإدارى، (هو أن الإدارة تصل إلى أهدافها من خلال العمل الإنسانى) وأن سلوك الأفراد
والجماعات الذين تتعامل معهم الإدارة هو من المحددات الرئيسية والحاسمة لما تستطيع
الإدارة تحقيقه من نتائج وإنجازات.
ونحن حين نعيد النظر إلى مكونات العملية الإدارية. نجد أن السلوك الإنسانى يمثل
عاملا مشتركا فى كل منها. فالتخطيط يتبلور فى الاختيار بين بدائل العمل، ومن ثم فإن
كفاءة التخطيط وفاعليته تعتمدان على نوعيات الأفراد القائمين بعملية التخطيط، كما
أن الأفراد الذين يتولون مهام تنفيذ الخطط يلعبون أيضا دورا أساسيا فى تحديد مستوى
التنفيذ ودقته. ويصدق هذا القول على كافة الأنشطة الإدارية الأخرى حيث يمثل الإنسان
العنصر الاساسى الذى يقرر مستوى الأداء ويحدد بذلك درجة النجاح المتوقعة للنشاط.
وحيث تختلف مجالات العمل الإدارى وتتعدد فئات الأفراد المتعاملين مع الإدارة، فإن
السلوك الإنسانى يصبح أكثر أهمية وخطورة فى تحديد نتائج العمل الإدارى. فالمشروعات
الحديثة على اختلاف مجالات نشاطها، تعتمد على الفئات الآتية من الناس.
1- المديرون.
2- الموظفون الفنيون.
3- العمال (من مهن ومهارات مختلفة).
4- المستهلكون.
5- الموردون.
6- الوكلاء والموزعون.
7- العاملون بالمشروعات الأخرى التى تتعامل مع المشروع كالأجهزة الحكومية وغيرها من
الشركات والمؤسسات.
إن
كلا من تلك الفئات من الناس تملك أن تتخذ قرارات هامة تحدد جزئيا قدرة المشروع على
تحقيق أهدافه، فالمديرون مثلا يستطيعون اتخاذ أى من القرارات الآتية:
1- الاشتراك فى أعمال المشروع مع بذل الحد الأقصى من الجهد لتحقيق الأهداف المحددة.
2- الاشتراك فى أعمال المشروع دون بذل كل ما يمكنهم من جهد.
3- الامتناع عن المشاركة فى أعمال المشروع.
ولا
شك أن كفاءة وإنتاجية المشروع ستختلف اختلافا جذريا بحسب نوع القرار الذى سيتخذه
الأفراد. ونفس القول ينطبق على العمال أو المستهلكين، فالمستهلك قد يسهم فى إنجاح
المشروع إلى أقصى درجة بالإقبال على شراء كل ما يقدمه من منتجات أو خدمات . من
ناحية اخرى فقد تكون مساهمة المستهلكين فى أعمال المشروع محدودة أو معدومة تماما.
تلك
الأهمية القصوى للسلوك الإنسانى فى تحديد نتائج الأعمال الإدارية تدعونا إلى
التساؤل كيف يمكن للإدارة أن تضمن مساهمة الأفراد بالقدر اللازم لتحقيق أهدافها؟
لاشك أن هناك أساليب متعددة يمكن للإدارة استخدامها فى توجيه السلوك الإنسانى فى
تنظيمات العمل والإنتاج منها:
1- اختيار أنسب العناصر للعمل.
2- توفير الظروف المناسبة للعمل من الناحيتين المادية والفكرية (المناخ المناسب).
3- خلق جو من العلاقات الإنسانية المناسبة.
4- توفير الحوافز المناسبة للأفراد.
5- توفير الاتصالات الفعالة (أى التدفق اللازم من البيانات والمعلومات).
6- توفير القيادة الصحيحة والتوجيه السليم.
7- إشراك الأفراد (كل بحسب مجال عمله) فى تخطيط وتنظيم العمل المنوط بهم تنفيذه.
8- التدريب العلمى والتنمية المستمرة للعاملين.
9- تحديد العلاقات التنظيمية بما يزيل التضارب والازدواج فى الأداء.
10- توضيح الاختصاصات ودقة توزيع المسئوليات.
تلك
هى بعض الإرشادات التقليدية التى تزخر بها كتب الإدارة، ولكن السؤال الأهم هو كيف
تستقر الإدارة على اختيار واحد أو أكثر من تلك الحلول؟ إن السبيل إلى حسن استخدام
العنصر البشرى فى العمل هو الفهم الصحيح للأسباب المحددة للسلوك الإنسانى. ومن ثم
نصل إلى الاستنتاج الرئيسى الثانى فى دراستنا وهو "حتمية دراسة وفهم السلوك
الإنسانى فى مواقع العمل حتى تتوافر للإدارة القدرة على التنبؤ بأنماط هذا السلوك ،
وباتالى تتمكن من السيطرة عليها وتوجيهها فى الاتجاهات المحققة للأهداف العامة".
أى
أن أهمية الأثر الذى يحدثه السلوك الإنسانى فى أعمال الإدارة، يجعل دراسة محددات
هذا السلوك وفهم طبيعة العوامل المسببة له من أهم واجبات الإدارة الحديثة ، إذ من
خلال هذا الفهم تتمكن الإدارة من توقع أنواع السلوك الإنسانى فى مواقف العمل
المحتملة ، ومن ثم تتولى رسم السياسات الإدارية وتتخذ القرارات الكفيلة بتوجيه سلوك
الأفراد بطريقة تحقق أعلى كفاءة إدارية وإنتاجية ممكنة.
من
هذا التحليل اتضحت لنا بعض الاستنتاجات الرئيسية عن أثر السلوك الإنسانى فى عمل
الإدارة نجملها فى الآتى:
1- إن الفرد هو نقطة الارتكاز فى العمل الإنتاجى ومن ثم فالسلوك الفردى هو المنطلق
الأول فى تحديد نتائج العمل.
2- إن تحليل وتفسير السلوك الإنسانى فى منظمات الأعمال يعتبر حتمية أساسية لتمكين
الإدرة من التأثير على هذا السلوك وتوجيهه الناحية المحققة لأهداف الإنتاج.
3- إن السلوك الفردى يتعدل وفقا لضغوط اجتماعية وحضارية، وبالتالى فإن الدراسة
العلمية للسلوك لابد وأن تشتمل على تحليل لأثر المتغيرات الاجتماعية والحضارية فى
تشكيل السلوك الفردى.
[1]
د. محمد المحمدى الماضى، "الإدارة الإستراتيجية: مدخل المدير لصياغ
المستقبل"، (دار الثقافة العربية2000)
[2]
للمزيد من التفاصيل راجع: د. محمد المحمدى الماضى، "تصميم
الاستراتيجيات الموجهة بالقيمة لاتخاذ القرارات"، بحث مرجعى، المجلس
الأعلى للجامعات اللجنة العلمية الدائمة الإدارة الأعمال، (28/ 4/ 2001)
[3]-
Becker, Brian, et. al.,
the HR Scorecard, (Boston: H S Press)
نقلا عن خلاصات، (العدد 13، يوليو 2001).
[4]-
Pfeffer, J., Competitive
Advantege Through People, (Boston: H. B. S. Press, 1994).
[5]-
د. على السلمى، "السلوك الإنسانى فى الإدارة"، (القاهرة: دار
المعارف، 1972) ص10 - 11.
[6]-
د. على السلمى، مرجع سابق، ص 12 : 34.