عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2009, 01:15 AM
  #3
1accountant
 الصورة الرمزية 1accountant
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: مصر
العمر: 41
المشاركات: 2,094
افتراضي مشاركة: التنظيم والتخطيط والتنسيق

التنسيق Coordination
كثيراً ما تقوم مشروعات الإصلاح الاجتماعي والخدمة الاجتماعية على مشاعر إنسانية، وعواطف فردية تبدأ بداية موفقة، ولكن كثيراً ما تتلاشى الهيئات المشرفة على هذه المشروعات، وتذوب هذه الخدمات في محيط الهيئة الاجتماعية، دون أن تتمكن من تحقيق رسالتها وتأدية الدور الذي قامت من أجله. وقد يكون السبب المباشر لهذا العجز الطارئ قصوراً في الإمكانيات المادية للهيئة، فلا تقوى على تلبية الحاجات المتزايدة، ويزداد الضغط عليها فتستسلم وتغلق أبوابها، وينتهي نشاطها من الوجود.

وقد يخفت نشاط الهيئة شيئاً فشيئاً، لتغير الظروف التي صاحبت نشأتها ولتحولها عن أهدافها الأصلية إلى أهداف أخرى ثانوية، مما يجعلها عاجزة عن تلبية احتياجات البيئة فتنصرف عن غرضها الأساسي إلى أعراض أخرى مغايرة لها.

وفي أحيان أخرى تظل الهيئة قائمة، تسعى جاهدة إلى تحقيق رسالتها، باذلة أقصى جهدها في التعرف على الحاجات المختلفة في البيئة لإمكان إشباعها في حدود إمكانيات الهيئة وسلطانها. بيد أن أموراً كثيرة تحول دون إشباع هذه الحاجات التي تبذلها نتيجة لعدم توفر وسائل الإعلام والتبصير التي تيسر على المحتاجين التقدم بطلب المساعدة من جانب، ولعدم كفاية البحوث الاجتماعية التي تجري لدراسة حالة العملاء الذين يتقدمون لطلب المساعدة من جانب آخر، فتضطر الهيئة أن تقدم الخدمات دون بحث جاد أو دراية علمية سليمة.

وكثيراً ما تتكرر الخدمات ذات الطابع والهدف الاجتماعي الواحد في نفس البيئة، في حين أن مناطق أخرى تحرم حرماناً كلياً من هذه الخدمات نتيجة لقيام النشاط الاجتماعي في غالبه على جهود أهلية تفتقر إلى التنسيق ولا يربط بينها تعاون وثيق أو شعور بوحدة الأهداف. فكثيراً ما تقوم هيئة من الهيئات لمجرد تحطيم جهود هيئة أخرى في نفس الميدان، لا تدفعها الرغبة في النهوض بالمواطنين بقدر ما تدفعها المنافسة الشخصية وتحقيق الرغبات الذاتية من شهرة أو مجد في الهيئة الاجتماعية.
وكثيراً ما يقوم في محيط الهيئة الاجتماعية هيئات ذات طابع إصلاحي دون أن يتوافر لها الجهاز الفني والإداري المناسب وتظل إدارتها في أيد غير خبيرة، فتنفق عن سعة في أوجه لا تتلاءم مع احتياجات البيئة، ولا تشبع مطالب النفس البشرية وتقديس الفردية الإنسانية.

فالهيئات والجماعات التي تقوم من أجل إشباع حاجة معينة في البيئة، لا بد أن تدرك أن تقدير هذه الحاجات يلزم أن يكون نابعاً من نفوس المواطنين أنفسهم. فلا بد أن يقدروا أنه ينقصهم شيء بذاته، و يطالبوا بتوفيره لهم؛ وهنا فقط تصبح الخدمة مجدية ومثمرة في الوقت نفسه.

ففي ميدان البر بالفقراء –مثلاً – نجد هيئات لا حصر لها، تتمتع بموارد مادية وفيرة، وتؤدي خدمات لا يمكننا أن نقلل من شأنها. ولكن انعزال كل هيئة منها عن الأخرى واستقلالها في إدارتها وفي تصميم مشروعاتها، يترتب عليه أن مجموع الخدمات التي تحققها يقل بكثير عن مثيله لو أمكن توثيق التعارف بين هذه الهيئات على اختلافها بحيث يتحقق بينها تعاون مثمر في سبيل الصالح العام.

فمجموع الميزانيات الضخمة لهذه الهيئات، يمكن بنفس المواد وبإدارة أكثر تنظيما، أن توجه نحو الإنفاق الصحيح بدلاً من توزيعها على غير هدى وحسب ظروف الأحوال. وترصد هذه الميزانيات لتلبية حاجات البيئة التي ظلت بدون عناية نتيجة عدم التعرف عليها؛ أو نوجه هذه الجهود نحو تحقيق خدمات أفضل قائمة على الدراسة والبحث والاستقصاء، وبهذا يمكن القضاء على هذه الفئة من معتادي طلب المعونة والإحسان دون أن يكون لهم أي حق في ذلك.

ولا يتوافر العلاج الناجح –إذن- إلا مع تنسيق جهود هذه الهيئات لرفع مستوى الخدمات التي تقدمها كل هيئة على حدة. فتنسيق الخدمات الاجتماعية هو " تعاون جهود الهيئات المشتغلة بالخدمة الاجتماعية والإصلاح الاجتماعي، للوصول إلى إدراك أفضل للحاجات، والوصول إلى تحديد أفضل للموارد المختلفة في المجتمع، بقصد رفع مستوى الخدمات الاجتماعية التي تقدمها بوجه عام" فهو بهذا من أهم أوجه النشاط في تنمية المجتمع و تنظيمه. ويقوم التنسيق على ركنين أساسيين:

أولا: إدراك أفضل للحاجات الحقيقية للبيئة و للمواطنين في كافة نواحي النشاط الإنساني.
ولا يتأتى هذا إلا عن طريق الدراسة العلمية العميقة لكل مسألة على حدة لمعرفة نواحي النقص فيها، والأسباب المؤدية إليها في كل حالة، ليتيسر تصميم المشروعات والخدمات من واقع الحاجات الحقيقية.
ولما كان تعاون المواطنين في البحث أمراً أساسياً، كانت الحملات الإعلامية من أهم الأمور التي تقع على عاتق الهيئة المركزية لاتحاد الهيئات المشتركة فيه.

ومن المهم لنجاح هذا التنسيق أن تدرك هذه الهيئة المركزية أنها ليست عبارة عن هيئة جديدة تسيطر على الهيئات القائمة بالأمر فعلاً، وأن من واجبها أن تحترم استقلال كل هيئة من الهيئات المشتركة فيها احتراماً تاماً.

وليس من اليسير معرفة الحاجات الحقيقية في البيئة، إلا إذا أدركت كل هيئة من الهيئات المشتغلة فيها طبيعة عمل الهيئات الأخرى وإمكانياتها وأهدافها الرئيسية وأغراضها الثانوية.

ولهذا كان من الضروري أن تتعارف الهيئات والمؤسسات التي تعمل في نفس الحي أو في نفس المنطقة على نحو يجعلها أكثر قابلية لادراك حاجات البيئة، وأوفر قدرة على تحقيق أهدافها.

ومن المهم أن تدرك هذه الهيئات أن تعاونها واشتراكها في هيئة مركزية لا يفقدها خاصيتها المتميزة، ولا يضيع من أثر وجودها في زحمة نشاط الجمعيات والهيئات الأخرى. وهذا ما تحرص عليه كل هيئة، بل ما يجب أن نعترف بأنه المحرك الأساسي لكافة النشاط الإنساني. فكثيراً ما يخبو النشاط الفردي إذا أدرك صاحبه أن جهوده لا يمكن أن تظهر على حدة، ولا يمكن أن تكون موضع التقدير الفردي، نظراً لأن النتيجة الجماعية هي التي تحدد التقدير الحقيقي في نهاية الأمر.

لهذا كان من المهم – ويعد هذا من أهم واجبات المشتغل في ميدان التنسيق – أن يقنع الهيئات التي يعرض عليها فكرة التعاون والاتحاد، أن لكل هيئة هدفها الخاص- رغم اتفاقها مع باقي الهيئات في الهدف العام- وأنها ستظل بعد اشتراكها في اتحاد الهيئة الجديدة محتفظة بميدانها الخاص في مجموع الخدمات. وأنه حتى إذا تطلبت المصلحة العامة أن تقتسم الهيئات المشتركة في الاتحاد مجموع الخدمات فيما بينها، فان ما تقتسمه هو نوع هذه الخدمات وليس تقسيم المحتاجين أنفسهم.

ويتحقق إدراك أفضل للحاجات عن طريق تنسيق جهود الهيئات المشتغلة في نفس الميدان، بما تتيحه للمواطنين من تسهيلات تمكنهم من تحديد الهيئة التي يجب أن يلجأ إليها مباشرة. فإذا أدركت كل هيئة اختصاصات زميلاتها أمكنها أن تحيل العميل الذي يلجأ إليها – على غير فهم منه – إلى الهيئة المختصة بمشكلته. لأنه كثيراً ما تستلزم حالة العميل أن يلجأ إلى هيئات كثيرة مختلفة الهدف، وغالباً ما يكون جاهلاً بطبيعة مشكلته، وبنوع الخدمات التي يمكن أن يلقاها من جانب هذه المؤسسة أو تلك.
فعندما يتحقق التنسيق في مجال الخدمات الاجتماعية يمكن أن يتحقق للعميل رعاية أفضل من جانب الهيئات القادرة بالفعل على معالجة مشكلته بدلا من أن يضيع وقته وجهده عبثاً، ويتعرض لعديد من البحوث الاجتماعية التي تنتهي بإعلانه بأن المؤسسة ليست مختصة بمشكلته فينصرف يائساً لا يجد من يرشده إلى بغيته.

ثانيا: تحديد أفضل للموارد المختلفة في المجتمع، والتي يمكن استغلالها في صالح المواطنين.
ويعتبر هذا من أهم الأسس والدعائم التي يقوم عليها تنسيق الخدمات الاجتماعية بين الهيئات التي تؤدي نشاطاً اجتماعياً في بيئة واحدة، وكذلك الهيئات ذات الهدف الواحد في المجتمع بأكمله.

فعن طريق تنسيق الجهود وتوحيد الخطط إزاء المشاكل الاجتماعية القائمة في محيط نشاطهم، يمكنهم أن يضغطوا مصروفاتهم مع زيادة مواردهم إلى أقصى حد. هذا من جانب، ومن جانب آخر يمكن لهذه الهيئات عن طريق الحملات المنظمة لجمع المال أن تزيد من مواردها زيادة كبيرة، لم يكن من اليسير توافرها لو تشتت الجهود ووسائل الدعاية في سبيل جمع التبرعات، التي تعد بحق الركن الأول من أركان ميزانية المؤسسات الاجتماعية، وبهذا تتمكن من رفع مستوى الخدمات.

هذه هي النقط الأساسية التي تميز كلا من التنظيم والتنسيق والتخطيط – ومنها نتبين أن التنسيق عملية سابقة لكل من التخطيط والتنظيم في الإطار الاجتماعي وإن كان البعض يدمج التنسيق في التنظيم ويطلق عليه اصطلاحاً واحداً هو التنظيم (Organization) باعتبار أن التنظيم يقوم ضمنا على تنسيق الجهود وهذا هو الاتجاه السائد في المجتمع الأمريكي حيث تستخدم عبارة "تنظيم المجتمع" (Community Organization) بمعناها الشامل الذي يتضمن التنظيم والتنسيق في نفس الوقت. ويميل الفرنسيون إلى التحديد في استخدام اصطلاح "التنظيم" و "التنسيق" فيطلقون على الأولى لفظ (Organisation) أما التنسيق فيطلقون عليه اصطلاح (Coordination des Oeuvres ) وفي المجتمع العربي كثيراً ما يستخدم اصطلاح "التنسيق" بمعنى "التنظيم" وأحياناَ أخرى بمعناه المحدود الذي تعارفنا عليه.

ولهذا وجدنا من المفيد أن نحدد تحديداً واضحاً مدلول كل من هذه المصطلحات الثلاثة، ليكون استخدامها قائماً على فهم علمي، ونتدارك الخلط في مفهوم كل منها. ولا شك أن هذا التحديد يعد خطوة ضرورية في سبيل تحديد أركان فن "تنسيق الخدمات الاجتماعية" والمساهمة في النهوض بدراسته إلى المستوى الذي يتناسب مع تقدم العلوم والفنون.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله


if you fail to plan you plan to fail


كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم
1accountant غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس