
مشاركة: الشركات التجارية (دراسة مقارنة)الدكتور لطيف جبر كوماني
ولا نرى ما يحول دون ذلك، لأن من يتعامل مع الشركة لا يبحث في بعض الأحيان عن العقد والتسجيل لدى مسجل الشركات، إنما يعتمد على المظهر الخارجي الذي ظهر به النشاط الاقتصادي . وعليه إذا استطاع شخص أن يثبت وجود شركة، أو انه تعامل مع كيان اتخذ شكل شركة على الرغم من عدم التسجيل لدى المسجل، أو حتى عدم وجود العقد المكتوب، فيخضع الشركاء إلى العقوبة التي تقررها المادة ( 215 ) من قانون الشركات، وهي الحبس أو الغرامة أو العقوبتين معا . كذلك يستطيع من تعامل مع كيان على انه شركة، مطالبة الشركاء متضامنين بما دفعه استنادا على مبدأ الكسب دون سبب .
كذلك يبرز، بمناسبة تناول موضوع أركان عقد الشركة وعن الشكلية، موضوع بطلان الشركة، بسبب بطلان العقد لأسباب عدة، أما لتخلف ركن من أركان العقد، أو بسبب عيب من عيوب الرضا أو لنقص في الأهلية، أو لما ذكرنا من عدم وجود العقد المكتوب والتسجيل .
وقد وجدنا بالنسبة للحالة الأخيرة عدم التسجيل وعدم وجود العقد المكتوب، أن حكم القانون العراقي هو ما تقرره المادة ( 215 ) التي لم تشر إلى البطلان وطبيعة البطلان، فإذا أضفنا إلى ذلك إلغاء المواد الخاصة بالشركات في القانون المدني، يبرز الفراغ في معالجة هذا الأمر في القانون العراقي( ) على خلاف ما تقرره القوانين موضوع المقارنة، فالمادة 10 من نظام الشركات السعودي تنص على انه (( باستثناء شركة المحاصة، يثبت عقد الشركة وكذلك ما يطرأ عليه من تعديل بالكتابة أمام كاتب عدل وإلا كان العقد أو التعديل غير نافذ في مواجهة الغير . ولا يجوز للشركاء الاحتجاج على الغير لعدم نفاذ العقد أو التعديل الذي لم يثبت على النحو المتقدم وإنما يجوز للغير أن يحتج به في مواجهتهم . )) ( ) .
والبطلان كما يقسمه الفقه ( )، مطلق ونسبي :
الأول ما يترتب على تخلف أحد الأركان أو الشروط الجوهرية . كأن يتخلف الرضا مثلا أو يكون المحل غير مشروعا وكذلك عدم مشروعية سبب العقد . وينجم عن ذلك بطلان مطلق للعقد، بحيث لا يمكن الاحتجاج بمثل هذا العقد، لا بين الشركاء ولا بالنسبة للغير، ويستطيع أن يحتج بالبطلان كل شخص له مصلحة، وتستطيع المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ولا تلغي البطلان الإجازة، ولا يتقادم بحيث يصبح العقد بعد انقضاء مدة التقادم مشروعا، وإذا وقع البطلان فأنه يقع بأثر رجعي، ولا يمكن الاحتجاج بوجود الشركة قبل إيقاع البطلان ولذلك يمحى العقد وأثاره، والكائن القانوني الناجم عن العقد، وتمحى الآثار التي ترتبت قبل البطلان، لأن سبب البطلان يستطيع أن يكتشفه من يريد التعامل مع الشركة.
أما النوع الثاني من البطلان فهو النسبي، وهو الذي ينجم عن عيوب الإرادة التي تشوب رضا الشريك، وكذلك النقص في أهلية احد الشركاء، وهؤلاء لهم رخصة يقررها القانون تبطل الرضا متى استخدمت، لكن هذا الأمر ينطبق على القانون المدني المصري الذي ينعقد العقد بموجبه وينفذ حتى مع حصول العيوب التي تفسد الرضا أو في حالة النقص في الأهلية، لكن يستطيع من شاب رضاه العيب أو اعترى أهليته النقص أن يستخدم رخصة منحها له القانون خلال ثلاث سنوات من تاريخ إكماله الأهلية أو من تاريخ زوال الإكراه أو اكتشاف الغلط أو اكتشاف الغبن والتفريز ( م 140 ) من القانون المدني المصري .
وهذه الرخصة للشخص المحدد، لا يتعداه إلى غيره من المتعاقدين، إلا إذا كان أي منهم له رخصة بإبطال العقد أيضا، والسؤال الذي يثار، إذا تمسك الشخص بالرخصة، وبطل بناء على ذلك رضاه، فهل يمتد البطلان إلى العقد بأكمله ؟ وجواب ذلك يختلف حسب نوع الشركة، ففي شركات الأشخاص، القائمة على الاعتبار الشخصي يمتد البطلان إلى العقد بأكمله إذا بطل رضا احد المتعاقدين، لأن العقد أنبنى على إرادة أطرافه المتعددين وبطلان رضا احدهم يمثل خللا يفسد العقد بأكمله، أما إذا كانت شركة أموال حيث يضعف الاعتبار الشخصي، فالأصل أن البطلان لا يمتد إلى العقد بأكمله، إنما يقتصر على الشخص صاحب الرخصة التي احتج بها ( ) . ولكن ما يلاحظ أن بطلان الشركة يحصل بعد مدة من تأسيسها، أي أن الشركة كانت قائمة ككيان مستقل عن الشركاء، ثم بطلت للأسباب التي ذكرنا . ولا توجد مشكلة إذا لم تزاول الشركة خلال هذه المدة الواقعة بين التأسيس والبطلان عملها، فليس للشركة أو الغير حقوق، ويستطيع الشركاء استرجاع الأموال التي قدمت كحصة في الشركة من الإدارة أو من الشريك الذي تسلمها تأسيسا على استرداد ما دفع بغير حق( ). إنما المشكلة في مزاولة الشركة لنشاطها قبل بطلانها، ولا شك في بطلان التصرفات الواقعة بعد بطلان الشركة ولا يجوز الاحتجاج بها . أما الاعمال التي حصلت قبل ذلك، فانها حصلت من شخص معنوي انشىء بصورة قانونية وإذا كانت القواعد العامة تقضي عند بطلان العقد اعادة المتعاقدين إلى ما قبل التعاقد ( )، فأن عقد الشركة يعد ذو طبيعة خاصة، فهو من العقود المستمرة ويقع البطلان فيها على الحاضر والمستقبل ولا يمتد إلى ما سبق من التصرفات، كما أن استقرار التعامل يتطلب ذلك وإلا انهارت المراكز القانونية التي حصلت أثناء قيام الشركة لذلك فأن، البطلان لا يشمل ما سبق من التصرفات، وتعد الشركة في الفترة السابقة لوقوع البطلان شركة فعلية أو شركة واقع كما يقول الفقه، على الرغم من بطلانها من الناحية القانونية ( ) .
ولا يسري هذا الأمر حسب القواعد العامة في القانون العراقي ( )، لأن العقد الذي يقع من ناقص الأهلية ومن شخص لحق رضاه العيب، موقوفا، لا ينفذ إلا إذا اجازه الشخص المذكور خلال ثلاثة اشهر من إكماله الأهلية أو زوال الإكراه أو اكتشاف الغلط أو الغبن مع التغرير، وإذا نفذ العقد أصبح كاملا لا يلحقه البطلان . أما البطلان المبني على خلل في الأركان أو الشروط، فهو البطلان الذي يطلق عليه ( البطلان المطلق )، ولا توجد معه الشركة الفعلية( ) .