
مشاركة: الرقابة المصرفية على عمليات غسيل الأموال
- مكافحة الجريمة:
تسعى البنوك المركزية وتبذل الجهود الكبيرة في سبيل مكافحة مختلف أنواع الجرائم، وحيث ينحصر دورها في المشاركة مع الجهات الأمنية المعنية بمكافحة الجريمة في الجرائم المالية وبالخصوص المصرفية لذا أصبح جانب (الأمن المالي والمصرفي) يشكل هاجسا تخصص له البنوك المركزية في مختلف دول العالم الإمكانيات المادية والبشرية كي تقوم بتنفيذ هذا الدور على وجه الكمال، ولا شك أن من أول إهتمامات البنوك المركزية تجنيب البلد والمصارف المحلية من التعرض لمخاطر الجرائم المالية ومكافحة الجريمة المصرفية. وكما أشرنا سابقا إلى بعض النواحي التي تتخذها البنوك المركزية لممارسة أعمال الإشراف والرقابة على القطاع المصرفي فإن لكل نوع من أنواع الجرائم أسلوب مميز يمكن من خلاله معالجة الأمر. وتسعى البنوك المركزية بالتنسيق مع الجهات المختصة بالدولة لتجريم نشاط غسل الأموال وفرض العقوبات الجنائية على مرتكبيها. وإتباع سياسة تقوم على إجراء الحجز التحفظي على الحسابات التي يتم من خلالها عمليات مشتبه بها التي يتم الإبلاغ عنها من قبل البنوك أو الجهات الأمنية ويستمر الحجز حتى الإنتهاء من التحقيقات بشأنها.
7- تطبيق مبدأ أعرف عميلك KYC
التأكيد على كافة البنوك والمؤسسات المصرفية الخاضعة لإشراف البنك المركزي بضرورة الإلتزام بمبدأ (أعرف عميلك) عند فتح الحسابات او إجراء التحويلات المالية الذي يهدف إلى أخذ المعلومات الشخصية عن العميل وضرورة الحصول على صور منها، وأخذ العنوان واضحا ورقم الهاتف، والعمل على تحديث البيانات الخاصة بأصحاب الحسابات القديمة وبشكل دوري ومستمر، والتأكد من كفاية إجراءات فتح الحسابات في البنوك وكذلك الإجراءات التنفيذية للعمليات المنفذة في إدارة الحوالات وتطوير نماذج الإيداع النقدي للحوالات المستخدمة لدى البنوك لتشمل كافة المعلومات والبيانات الأساسية للعميل والتأكيد على مطابقتها لواقع هوية العميل. والإشراف والرقابة الدقيقة على حسابات البنوك والمؤسسات المالية والصرافه والشركات الإستثمارية المفتوحة لدى البنوك المحلية وغيرها المقيمة خارج الدولة والتأكد من ممارستها الأنشطة والعمليات المسموح لها بها وعدم السماح بفتح أي حسابات لأي من الهيئات التي تعمل على تسويق صناديق استثمارية او أية خدمات أو أعمال بنكية مختلفة للمواطنين والمقيمين إلا بعد الحصول على موافقة خطية مسبقة من البنك المركزي وحظر فتح أية حسابات مجهولة الهوية أو ذات أسماء مستعارة أو تقديم أية خدمة مصرفية لمثل هؤلاء العملاء.
8- حركة النقد:
تتولى في بعض البلدان البنوك المركزية تنظيم سياسة حركة النقد أو بالتنسيق مع وزارة المالية والجهات المعنية الأمنية وأجهزة الجمارك ووضع الإجراءات المنظمة في المنافذ الحدودية لدخول وخروج المبالغ النقدية سواء بالعملة الوطنية أو العملات الأجنبية وما يشابهها من شيكات سياحية أو معادن ثمينة ليس لغرض المنع وإنما لغرض معرفة حجم الحركة من جهة والتأكد من مناسبة أغراضها ومن أنها لأغراض شرعية. وتسعى البنوك المركزية في طبيعة الأحوال الى توجيه التعاملات المالية بأكملها إلى البنوك لذا فإن عمليات التحويل المالي يفترض أن تكون من خلال البنوك منعا لحدوث حالات التزييف والسرقة والضياع وعمليات غسل الأموال والتي نحن بصدد تناولها والتي أشرنا إلى أن عمليات التبادل النقدي المحلي وعبر الحدود تعتبر من العوامل المساعدة على تحقيقها بسهولة لذا كان من الضرورة على الدول أن تضع حدودا على تحويل المبالغ المالية النقدية والمعادن الثمينة بحوزة المسافرين.
9- إنشاء وحدة مكافحة غسل الأموال:
بقدر تقدير حجم الأخطار المتأتية من جريمة غسل الأموال وأثرها على البلد بمختلف القطاعات فإن البنوك المركزية بصفتها من الجهات التي تعتبر ذات مسؤولية مباشرة لمواجهة هذه المشكلة ولرفع مستوى المواجهة في سبيل المكافحة. تقوم البنوك المركزية بإنشاء اقسام أو وحدات مختصة لديها لمكافحة عمليات غسل الأموال وفي البنوك التجارية والمؤسسات المصرفية التي تعمل تحت إشرافها بصفة خاصة وعلى مستوى الدولة عموما، كما تحث البنوك التجارية على تخصيص جهات مستقلة أو ضمن الإدارة القانونية وإدارة المراجعة الداخلية على سبيل المثال للقيام بتطوير السياسات والإجراءات اللازمة لمكافحة غسل الأموال ويتم إبلاغها بالحسابات أو التحويلات المشبوهة حيث يتم من خلالها البحث والتحقق "بطريقة مالية" من مصادر الأموال والتنسيق مع البنك المركزي والأجهزة الأمنية ووحدات تلقي البلاغات بهذا الخصوص.
10- التدريب:
تأثر البنوك المركزية على جانب تأهيل وتثقيف الجهات التي من شأنها مكافحة عمليات غسل الأموال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال عدة أساليب ومنها ما يلي:
أ- تدريب موظفي البنوك من خلال إنشاء مراكز أو معاهد تدريب متخصصة كما هو موجود في المملكة العربية السعودية حيث أنشأت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) معهدا مصرفيا يتولى تدريب المصرفيين بمختلف حقول المعرفة والتطورات المصرفية.
ب- حث البنوك على تدريب موظفيها داخل المصارف من خلال التدريب العملي أو في مراكز التدريب الداخلية الخاصة في البنوك أو في المركز والمعاهد الداخلية أو الخارجية تدريبا متخصصا في كيفية مكافحة غسل الأموال وإيضاح الطرق المتبعة من قبل غاسلي الأموال، بالإضافة إلى مشاركة موظفي ومسؤولي البنوك في المؤتمرات والندوات التي تعقد بهذا الشأن سواء بالداخل أو الخارج ومتابعة معدلات تدريب الموظفين والأموال المنفقة على التدريب.
ج- تشارك البنوك المركزية في تدريب موظفي البنوك في مجال التعريف بموضوع غسل الأموال والقاء الضوء على المخاطر والآثار التي تترتب على حدوثها سواء على المستوى الإقتصادي او الأمني أو الإجتماعي وكيفية وضع الوسائل والإجراءات الكفيلة بالمحافظة عليها عدم حدوثها، كما تقوم البنوك المركزية بتعريف المصرفيين بمناطق الضعف والمجالات التي قد تستغل من قبل العملاء أو الموظفين أنفسهم في هذا المجال.
د- تتولى بعض البنوك المركزية إعداد دورات تدريبية أو تأهيلية لموظفي القطاعات الأمنية والتحقيقية لغرض التعريف بالجريمة والوقوف على المخاطر التي تصاحب هذا النشاط وإمكانية الحد منها واكتشافها بالوقت المناسب ومعرفة اساليب التحقيق الفعالة فيها للحفاظ على الأمن بشكل عام ومكافحة الجرائم الإقتصادية أو المالية بصفة خاصة.
ه- إعداد برامج تثقيفية أو توعية للعملاء أفراد او تجار بطريقة مباشرة من خلال دورات متخصصة أو من خلال الإعلام المسموع او المقروء أو المرئي.
و- قيام البنوك المركزية بالتنسيق لعقد مؤتمرات وندوات متخصصة عن الجرائم الإقتصادية وانشطة غسل الأموال لموظفيها وموظفي البنوك التجارية والمؤسسات المالية التي تعمل تحت إشرافها وبعض الجهات الأمنية والتحقيقية بصفة خاصة والمعنية الأخرى مثل وزارة العدل ووزارة التجارة والسعي من قبل البنوك المركزية بتدريب وتأهيل موظفي الجهات الأمنية والتحقيقية ذوي العلاقة بالتحقيق في الجرائم الإقتصادية بهدف تعريفهم بعمليات غسل الأموال وأخطارها والأٍساليب المتبعة لتنفيذها وكيفية التحقيق في تلك القضايا والتأثير السلبي لتلك الممارسات على إقتصاد البلاد وسمعة الجهاز المصرفي للدولة، وكذلك تعريفهم بالمستندات والعمليات البنكية وذلك بعقد دورات تدريبية متخصصة(25).
المبحث الثاني
عقبات المكافحة
مكافحة جرائم غسيل الأموال ليست عملية سهلة فهذه الجرائم ملتوية وتدار من قبل مجرمين يتسمون بالدهاء والخبث الشيطاني فهي ليست كالجرائم العادية التي قد يرتكبها مجرمون مغرر بهم أو في لحظة غضب أو حاجة للمال. ولغرض وزن طرق المكافحة التقليدية فمن الضرورة العلمية التطرق الى العقبات في طرق المكافحة من جهة وعرض أهم الأساليب الحديثة في إرتكاب هذه الجرائم الخطيرة من جهة أخرى وذلك في مطلبين مستقلين:
المطلب الأول
عقبات في طرق المكافحة
الخطوة الأولى هي وضع آليات وأساليب تشكل منظومة لمكافحة جرائم غسيل الأموال وغالبا ما تكون هذه الخطوة نظرية، إذ تنهض في الواقع جملة عقبات يتعين أخذها بالحسبان وذلك لتقويم طرق المكافحة من جهة ولإعادة النظر بهذه الطرق وصولا الى تطويرها أو استبدالها بطرق أكثر فعالية من جهة أخرى، وفيما يأتي هذه العقبات:
أولا: سرية العمل المصرفي: بعض الأفراد يرغب أن تكون ملكيته للأموال محاطة بسور من السرية، وإدارات المصارف تستجيب إلى هذه الرغبة فتفرض سرية تامة على حسابه أو ودائعه أو أنشطته مع المصرف. وثمة حالة إستثنائية تلتزم إدارة المصرف برفع الغطاء عن سرية أموال عميل (زبون معين) في حالتين لا ثالث لهما: الأولى – نص القانون، وفي هذه الحالة يفترض إطاعة أمر القانون إحتراما لإرادة المشرع ومثال ذلك: جريمة التهرب الضريبي أو جريمة الإفلاس، أما الحالة الثانية فهي حكم صادر من سلطة قضائية مختصة يطلب فيه القاضي من إدارة المصرف إعلامه بمقدار رصيد العميل أو بأية أنشطة مالية قام بها. إن مواجهة هذه العقبة تتم بإصدار قانون يوجب على المصارف إبلاغ البنك المركزي أو جهات امنية معنية بالحسابات المشكوك فيها للدولة وتجميد الأرصدة المشبوهة وإعتماد الشفافية في الأعمال المصرفية للحد من غلواء السرية. وليس ثمة جهة قادرة على ذلك سوى السلطة التشريعية التي تصدر قانونا بهذا الشأن وبما يعالج هذه العقبة (السرية) معالجة جذرية وفعالة، إذ أن الصالح العام وخصوصا صالح الإقتصاد الوطني ومحاربة الجرائم الجديدة يبرران رفع السرية المصرفية في جرائم غسيل الأموال، فهذه المصارف تبقى محافظة على أسرار عملائها بإستثناء الحالات المحددة بنصوص قانونية أو أحكام قضائية ومن ثم نوفق بين مبدأ المحافظة على السرية المصرفية، ومبدأ وجوب ملاحقة الجرائم أينما كان موقعها. وجدير بالذكر أن المادة (5/3) من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات المنعقدة في فيينا سنة 1988 ركزت على ضرورة عدم الإحتجاج بسرية العمليات المصرفية من أجل تقديم السجلات المصرفية وتوفير النسخ الأصلية أو الصور المصدق عليها من السجلات والمستندات المصرفية. ويذهب بعضهم الى أن سويسرا نفسها التي تعتبر مهد نظام السرية المصرفية أجازت رفعها في حالة غسيل الأموال ابتداء من نيسان 1998(26).
ثالثا: عدم وجود نظام معلوماتية متطور: يتعين انشاء نظام وطني للرقابة على التحويلات البرقية وإرسال تقارير عن المعلومات النقدية ويشوب النظام المالي في جميع الدول افتقاره للتطوير الحديث بحيث يسمح للتحقق من مصدر الأموال المعروضة بشكل سري وسريع. وبعض الدول لا تملك أجهزة معلوماتية. والحل الواجب الإتباع انشاء مركز رئيسي يقوم بأربع وظائف رئيسية هي تأمين الإتصال الوثيق والسري مع المؤسسات المالية، وجمع المعلومات وتحليلها، ومراقبة تحول الأموال، وثمة ملاحظتان بهذا الشأن: الأولى ضرورة تزويد هذا المركز بطاقم بشري فني ومؤهل لهذه المهنة، والثانية، ضرورة البحث عن الثغرات الموجودة في الأنظمة الرقابية لكل دولة لغرض معالجتها معالجة آنية وفعالة(28).
رابعا: تقاعس المصارف عن المراقبة والتحقق: يوجب قانون السرية المصرفية الأمريكي على المصارف إبلاغ إدارة الضرائب عن كل عملية مصرفية نقدية تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دولار وعن كل عملية دخول وخروج عملة أجنبية تزيد عن خسمة آلاف دولار وحينما تقاعست هذه المصارف عن التبليغ فرضت عليها غرامات مالية. والواقع أن المصارف لا تتعاون مع العدالة بما فيه الكفاية للكشف عن عمليات غسيل الأموال بحجة سرية العمليات إن شروط مكافحة هذه الجرائم تتطلب موقفا يقظا من المصارف، إضافة إلى التعاون والتشاور مع الجهاز المالي للدولة والسلطة التشريعية وسلطات مراقبة ومكافحة هذه الجرائم بهدف تفعيل النظام ويتم ذلك عبر أربعة مبادئ هي:
1. معرفة العميل (الزبون) والتحرك لاتقاء مخاطر عمليات غسيل الأموال.
2. متابعة حركات رؤوس الأموال والعمليات المشبوهة والتبليغ عن الشبهات.
3. إحصاء العمليات غير المألوفة أو الشاذة إبتداء من مبلغ معين.
4. توعية موظفي المصارف وتدريبهم على معرفة تقنيات مكافحة غسيل الأموال، إن الدور الذي يجب ان تقوم به المصارف هو الدور الأساسي والأهم لنجاح سياسة مكافحة هذه الجرائم(29).
خامسا: الإفتقار لبرنامج تدريبي للعاملين في القطاع المالي:
من الضرورة تدريب وتنمية قدرات العاملين بالقطاع المالي والمصرفي ومعرفة طرق التعرف على الصفقات المشبوهة والإجراءات الواجب اتخاذها إزاءها(28) ويتعين أن يحوي البرنامج التدريبي على معلومات إقتصادية وتجارية ومالية ومصرفية وقانونية، كما يجب إعادة التدريب للعاملين إذ أن العلم والحياة يفرزان معلومات أحدث وخبرات أدق الأمر الذي يتطلب متابعة البرامج التدريبية في الدول المتقدمة كي يجري تحسين القدرات لمواجهة هذه الجرائم التي يتسم مقترفوها بالخبث والدناءة.
سادسا – عدم تنظيم عمليات الإيفاء النقدي:
يلجأ المجرمون إلى غسل أموالهم عبر أقنية غير مصرفية كشراء الشركات والعقارات والمجوهرات والذهب والتحف الفنية ودفع ثمنها نقدا، ومن ثم يتحول المال السائل إلى مال عيني. ومواجهة هذه الحالة تقتضي منع الدفع نقدا عندما يتجاوز المبلغ حدا معينا. ومع ذلك تبقى هذه العقبة قائمة في حالة تقسيط المبلغ بحيث يدفع بمقدار لا يثير الشبهة بالتواطؤ بين المشتري والبائع، والحل الواجب الإتباع في هذه الحالة يتمثل في تفعيل وتحصين الشيكات وتشجيع الأفراد على التعامل بها بشرط تأمين الحماية الكاملة لها خوفا من زيادة عدد الشيكات بدون رصيد. والتعامل بالشيكات يسهل عملية تتبع وملاحقة الحسابات المالية ومعرفة مصدرها ومن ثم يسهل الكشف عن محاولة غسيل الأموال(30).
المطلب الثاني
الأساليب الأحدث في جرائم غسيل الأموال
يمكن ملاحظة العديد من الإتجاهات العامة المتعلقة بالخصائص الحديثة لغسيل الأموال أهمها: الطبيعة العالمية لظاهرة غسيل الأموال والتي تتجاوز الحدود الجغرافية القومية. إذ يميل غاسلو الأموال الى نقل نشاطاتهم إلى أماكن ليس فيها إجراءات مضادة لغسيل الأموال أو أن هذه الإجراءات ضعيفة فيها.
تم رصد طرق جديدة لغسل الأموال عبر الإنترنت، بدأت تعمل منذ أكثر من عامين. إن الإستخدام المتنوع للإنترنت، كالمقامرة والنشاطات المصرفية المقترنة بها، علاوة على العمليات المصرفية عبر الشبكة، كل ذلك يوفر آلية يمكن إستخدامها في الحركة السريعة للنقود الإلكترونية، بالمقارنة مع الإستخدام التقليدي للنقود الورقية. الإتجاه المتنامي لدى غاسلي الأموال، التحرك بعيدا عن البنوك، نحو قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية، كسوق صرف العملات (currency exchange houses)، وسوق الحوالات المالية. ولعل اللافت للإنتباه بشكل كبير، هو الإتجاه نحو القطاعات غير المالية، من تجارة البضائع الثمينة، كالمجوهرات والسيارات الفخمة، إلى المؤسسات الخدمية (كمكاتب المحاماة والمحاسبة القانونية)، والوكالات العقارية وغيرها.
وكذلك التزايد المستمر في كمية الأموال القذرة، التي يجري تهريبها خارج بلدان عديدة، ليجري توظيفها في الهيكل الإقتصادي المالي في بلدان أخرى(31).
أمثلة حية: تشير أصابع الإتهام، لدى الجهات الحكومية الأمريكية والأوروبية، إلى نوادي الإنترنت للقمار، والتي إصطلح على تسميتها الكازينوهات الإفتراضية virtual casinos على إعتبار أن معظم هذه النوادي التي تعلن عبر الإنترنت، تقول أنها توجد فيزيائيا في حوض الكاريبي Caribbean Basin. وعلى الرغم من صحة هذا الأدعاء في العديد من الحالات، فهو كاذب في الكثير من الحالات الأخرى.
تابعت شرطة FBI في نيويورك مثلا، مواقع الإنترنت المنغمسة في الخداع وغسيل الأموال. وركزت تحقيقاتها على عمليات المقامرة ومديريها. وتبين أن مواقع الإنترنت هذه موجودة في الواقع في كاراكاو وجزر الأنتيل وجزيرة أنتيجوا وجمهورية الدومينيكان. وبعد خمسة أشهر من العمل المكثف والشائك، صدرت أتهامات وجرت إعتقالات بحق العديد من مدراء مواقع الإنترنت هذه.
وإنصبت الجهود خصوصا على النوادي الإفتراضية التفاعلية، وهي مواقع ويب تم تصميمها على طراز كازينو لاس فيجاس وتوفر كل أنواع القمار والعابه، إبتداء من العاب الورق وانتهاء بآلات المقامرة. وهذه النوادي الموجودة فقط في الإنترنت، يديرها أفراد معدودون أنطلاقا من منازلهم أو مكاتبهم الصغيرة، ويدفعون رسوما لحكوماتهم تتراوح بين 75 ألف دولار (للمراهنات الرياضية)، و 100 ألف دولار (للكازينوهات الإفتراضية). إن إزدهار أعمال مواقع الإنترنت هذه يوفر فرصة للمجرمين لتفادي ضرائب الولايات المتحدة، وآلية لغسل الأموال القذرة من خلالها.
الإنترنت وغسيل الأموال: أنها سريعة، ومغفلة التوقيع، ولا توفقها الحدود الجغرافية" هكذا وصف احد الباحثين حركة الأموال غير الشبكة. والجودة ذاتها التي تجعل من إنترنت والبطاقات الذكية وغيرها من التقنيات الحديثة، محل شعبية وترحيب الجمهور، تجعلها أيضا موضع ترحيب وجاذبية للمجرمين الذين يتوقون لغسيل أموالهم بهدوء وسرعة معا.
ويقدر المتخصصون أن هناك 400 مليار دولار، يتم تنظيفها سنويا، في مختلف أنحاء العالم، بطريق مختلفة، وإذا كان المجرمون الكنديون مثلا، يقوم بتهريب حقائب مليئة بكمبيالات بقيمة 1000 دولار إلى بلدان ذات قوانين مصرفية متهاونة، فإن ما يدعى اليوم النقود الإلكترونية (Electronic – cash or E-money)، سهلة النقل من مكان لأخر بمجرد ضغطة زر.
خلفية تقنية: تشبه البطاقات الذكية (Smart cards) إلى حد بعيد بطاقات البنوك، بيد أنها تتميز بإحتوائها على مايكرو معالج، وقد شاع استخدام هذه البطاقات في أمريكا وكثير من البلدان، لكنها مازالت في طور التجريب في كندا. ويمكن للمرء أن "يعبئ" هذه البطاقة بمكافئ إلكتروني للنقود، عن طريق أجهزة الصرف البنكي أو غير صناديق الهاتف المتوافقة مع هذا النظام، ومن ثم للنقود، عن طريق اجهزة الصرف البنكي أو عبر صناديق الهاتف المتوافقة مع هذا النظام، ومن ثم يستخدمها للدفع مقابل بضائع، أو على الأقل تحريكها.
إحدى تقنيات البطاقة الذكية هي تقنية Mondex الشهيرة، ويقول إيف دوجاي، الخبير الدولي في تعقب العمليات الإجرامية الإلكترونية، ضمن مؤتمر مخصص لغسيل الأموال، إن هذه التقنية تسمح للمستخدمين بتحويل الأموال عبر جهاز مودم، أو عبر الإنترنت، مع ضمان تشفير أو أمن العملية. وإذا تم هذا بالفعل، فإنه يمكن القول إننا قد نواجه مشكلة تتعلق بغسيل الأموال. وأنا لأ أقول إننا في ورطه، لكننا قد نقع فيها" وأضاف: "يجب الإعتراف أن غاسلي الأموال اذكياء وبارعون، وهم باستمرار يتطلعون إلى إبتكار طرق جديدة لخداع السلطات، ونحن نحاول أن نفكر كيف سيقومون بذلك، وأن نهيئ أنفسنا بناء على ذلك، من المؤكد أن الإحتمال قائم، بإن تتم عمليات غسيل أموال بسرعة أكبر، وربما بدون أن تترك آثار خلفها!.
لا يوجد حاليا ما يمنع أي شخص من إستخدام الإنترنت لإنشاء بنك إفتراضي، أو متجرا لصرافة العملات، أو شركات زائفة في بلدان بعيدة عن الضرائب، تغض فيها الحكومات الطرف عن عمليات غسل الأموال. وعلى هذا ستعاني عمليات غسيل للأموال عبر الإنترنت من بعض الصعوبات في بلدان تكون فيها البنوك منضبطة، ومتعاونة مع الشرطة، وتقوم بإجراءات للتحقق من أن عملاءها لا يودعون أموالا قذرة لطمس نشاطاتهم غير القانونية. لكن ربما أنه ثمة مؤسسات مالية، لا يمكن ضبطها بذات طريقة البنوك، كمؤسسات الصرافة مثلا، فإنه من الممكن في النتيجة، ملاحظة كمية كبيرة من الأموال تنتقل عبر الشبكة، لتصب في النهاية في بنك موجود في أحد بلدان "التهرب الضريبي".
ولا شك أن الأخطار المحتملة من جراء ذلك كبيرة، لأن تعاملات غاسلي الأموال مع البنوك عبر الإنترنت تتصف بالسرية(32). الأساليب التقليدية والأخرى الجديدة: ثمة وسائل وأساليب تقليدية وأخرى حديثة يتبعها غاسلو الأموال في تفادي الكشف عن عملياتهم، ومن الأهمية بما كان الإطلاع المعمق عليها لغرض تذليل سائر العقبات التي تضعف من الجهود الكفاحية ضد هذه الجرائم.
أولا: الأساليب التقليدية (القديمة):
أ- تواطؤ غاسلو الأموال مع موظفي أو إدارات المصارف.
ب- شراء موجودات عينية من سيارات وطائرات وقوارب وعقارب ومعادن ثمينة ولوحات فنية وشيكات مصرفية وأوامر دفع ويتم شراء كل هذه الصور بأموال قذرة.
ج- شراء الأوراق التجارية ولا سيما شهادات الإيداع بدلا من الإيداع النقدي للأموال.
د- تهريب العملة الوطنية أو الأجنبية إلى الخارج.
ه- النقل المادي لبعض البضائع عن طريق شركات الإستيراد والتصدير.
و- شراء موجودات ثم رهنها بغرض الحصول على قرض يستخدم في الدفع منه للمتعاملين مع تاجر المخدرات أو لمواجهة أية أعباء مالية أخرى.
ز- شراء أوامر الدفع البريدية.
ثانيا: الأساليب التجارية:
أ- عمليات السوق الموازية: إستبدال الدولارات القذرة بعملات اجنبية أخرى وأحيانا إعادة إستبدالها الى دولارات. وقد يصدر تاجر المخدرات ويستورد بدلا منها بضائع او بالعكس.
ب- الصفقات الوهمية: تأسيس شركات وتبادل قوائم دفع وهمية عن بضائع ظاهرة وهي تتعلق بمخدرات بحقيقة الأمر.
ج- شركات التأمين: يقبل سماسرة النقد بمناطق التجارة الحرة السيولة النقدية من تجار المخدرات لشراء بوالص تأمين على الحياة بمبالغ كبيرة من شركات التأمين وبعد ذلك يقومون بإعادتها وإسترداد قيمتها بموجب شيكات.
د- المنظومة المصرفية الحرة: ينشئ غاسل المال القذر عمل تجاري في أمريكا مثلا كغطاء لفتح حساب تجاري لدى المصرف وبعدئذ يسافر لإنشاء شركة تجارية بمنطقة حرة، ويمكن تعيين وكيل للشركة بحيث لا يظهر إسم غاسل المال القذر في المعاملات التجارية وتبدأ الشركة الخارجية بالقيام بنشاط تجاري وتفتح حسابا تجاريا لدى أحد المصارف في المنطقة الحرة، وبهذه الطريقة يتم تحويل الأموال القذرة برقيا.
ثالثا: الأساليب المستحدثة: أبرزها نظام التحويل الإلكتروني في الشيكات وهو:
أ- نظام فيدواير Fid wire وهو نظام داخلي للمصرف الإحتياطي الإتحادي في امريكا إذ يجري الإتصال هاتفيا، ويعطي التعليمات وفق شيفرة خاصة لغاسل المال القذر وتدخل الرسالة في الجهاز الإلكتروني لمعالجتها وإرسالها إلى الجهة المستلمة ويتم التحويل للمال عن طريق هذا النظام على أوراق المصرف المذكور.
ب- نظام شيبس Chips وهو نظام المدفوعات بين المصارف التابعة لدار المقاصة ويمثل مصارف عملاقة في أمريكا وبلدان أخرى حيث يتم إرسال الأموال بين البنوك كدائن ومدين عن طريق نظام المقاصة.
ج- نظام سويفت Swift وهو نظام مقره في بلجيكا لنقل رسائل التحويلات عبر الحدود(32).
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم